العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


021.0 سورة الأنبياء


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


021.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المئين. 3) عدد آياتها 112. 4) هي السورة الحادية والعشرون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والسادسة والسبعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “ابراهيم”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

ورد لفظ الجلالة {الله} في السورة 6 مرّات، إله 1 مرّة، رب 12 مرّة وهو يتناسب مع ما في السورة من تربية ودعوة إلى العبادة والطاعة والتصديق؛ رحمن 4 مرّات، يَعْلَم 4 مرّات، خلق 3 مرّات؛ (2 مرّة): هو، العالم، أنزل، فاعل، {لا إله إلا}؛ (1 مرّه): السميع، العليم، الحافظ، الواحد، الوارث، المستعان، أرحم الراحمين، بدأنا، نعيد، خير الوارثين، صدَق، شاهد، كاشف، نبلو، فتن، حاسب، أنشأ، كتب. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

هي أكثر سورة تكرر فيها ذكر: آلهة 5 مرّات من أصل 18 مرة في القرآن كله، نادى 4 مرات من أصل 15 مرة في القرآن كله، قرية 4 مرات هي والأعراف.

وهي السورة الوحيدة التي ذكرت فيها: {قالوا أضغاث أحلام} مرة واحده هي وسورة يوسف، وذكرت فيها كلمة قصمنا مرة واحدة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: قال 19 مره، ذكر 13 مره، ما 12 مرّه، وما 10 مرات، جعل 12 مره، عبد 12 مرات، ظالم 10 مرّات، علم 9 مرّات، بل 9 مرّات، قبل 8 مرات، لقد 7 مرات، رسل 6 مرّات، صالح 6 مرات، نجينا 6 مرات، وعد 6 مرات، سبح 6 مرات، أم 5 مرات، قول 5 مرات، وحي 5 مرات، قرية 4 مرات، أمر 4 مرات، معرضون 4 مرات، لو 4 مرات، أهلكناها 3 مرات، لاعبون 3 مرات، غفلة 2 مرّه، مشفقون 2 مره.

ذكر فيها من أسماء الأنبياء صراحة 16 نبي، هم: موسى وهارون وإبراهيم وإسحق ويعقوب ولوط ونوح وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل إدريس وذا الكفل وذا النون وزكريا ويحيى عليهم جميعاً الصلاة والسلام. بالإضافة إلى الإشارة إلى (مريم) التي أحصنت فرجها، وابنها (عيسى) عليهم السلام. كما أشير إلى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم والذكر المبارك الذي أنزل عليه وهو القرآن.

021.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج البخاري وابن الضريس عن ابن مسعود قال: بنو اسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء، هنّ من العتاق الأول وهن من تلادي: أي مما حفظ قديماً.

021.3 وقت ومناسبة نزولها:

أخرج البخاري وابن مردويه، عن ابن الزبير قال: نزلت سورة الأنبياء بمكة.

ويُفهم كذلك من تكرّر اسم الرحمن في السورة 4 مرّات على أنها من السور التي نزلت قديماً فقد كان المشركون لا يعرفون هذا الاسم، فلمّا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تارة بأنه الله وتارة بأنه الرحمن، فظنوا أنه يدعو إلهين، حتى قال بعضهم: الرحمن رجل باليمامة. وقد أنزل الله قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (110)} الإسراء، احتجاجاً لنبيه صلى الله عليه وسلم بذلك، وانه شئ واحد، وإن اختلفت أسماؤه وصفاته.

وكذلك موضوع السّورة وأسلوب عرضها يدل على أنّها نزلت في المرحلة الثالثة من العهد المكّي. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

021.4 مقصد السورة:

021.4.1- مقصد السورة هو دعوة الناس إلى الإفاقة من غفلتهم والانتباه إلى ما ينتظرهم من الحساب والجزاء على أعمالهم في الخير أو الشر. وذلك عن طريق إرسال الأنبياء تأمرهم بعبادة الله وحده ربهم. ومؤيدين: بالوحي، وبسط الحجج، والآيات الكونية، وقصص الأمم. يأتيهم ذكر يبين لهم حقيقة العبادة والتكليف ولزوم الصبر عليها وعلى ما يصاحبها من الابتلاء، ثم ما يترتب عليها من أن الهلاك للمشركين والنجاة للمؤمنين.

021.4.2- مقصدها نجده في مطلع السورة: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ … (3)}. لأن الناس في غفلة معرضون، فلا بد من إرسال الأنبياء مذكرين لهم ما ينتظرهم من الحساب، ومبينين أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، وأن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب، وأن البعث حق، والحساب حق. ذلك كله رحمة من الله رب العالمين بالعالمين. وآيات الله في الكون وسنن الكون كله، توحي بأن الله هو الخالق القادر الواحد، وأن الرسالة من لدن ذلك الخالق القادر الواحد.

021.5 ملخص موضوع السورة:

سورة الأنبياء هي من قديم ما نزل من القرآن الكريم كما في الحديث الصحيح، ويُفهم ذلك من موضوعاتها وتكرار الاسم {الرَّحْمَن} فيها؛ ومقصدها هو دعوة الناس إلى الإفاقة من غفلتهم والانتباه إلى ما ينتظرهم من الحساب والجزاء على أعمالهم، قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ … (3)}. وموضوعاتها تؤكّد على أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، وأن الرسالة والمرسلين حق، والبعث والحساب والجزاء حق. وجميعها تتحدث عن معنى واحد: هو أن الناس في غفلة معرضون، فلا بد من أن يرسل {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} الأنبياء مذكرين ومبشرين ومنذرين، ومبينين الحق لعل الناس يثوبون إلى رشدهم فيعملون ما فيه سعادتهم وفلاحهم. وقد أُرسلت الرسالات والمرسلون تترى، كلّما أعرضت أمّة أتاهم نذير، يتبع بعضهم بعضاً، مما يدل على دوام رحمة الله بعباده، مع دوام ظلمهم لأنفسهم.

وتنقسم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى ثلاث مجموعات من الآيات يتكرر فيها موضوع إعراضهم عن رسالات ربهم، ففي أول سبعٍ وأربعين (47) آية: تخبر عن إعراضهم ولعبهم وأسبابه ونتائجه في الدنيا والوعيد في الآخرة، وفي أوسطها ثمانٌ وأربعون (48) آية: تخبر عن حقيقة أفعالهم مع أنبيائهم ورحمة الله تعالى ونصره للصالحين، وآخرها سبع عشرة (17) آية: عن أنباء الغيب وعواقب الأمور ووصف حالهم في الآخرة. كما تتضمن كل مجموعة من المجموعات الثلاث مضمون رسالة المرسلين في أربع (4) مجموعات أخرى، حول أن الحساب والخلق والوحي والبعث حق بينما الناس في غفلة يلعبون، كما يلي:

المجموعة الأولى (47 آية) تُخبر عن أحوال الناس وصفاتهم وردّات أفعالهم ومصائرهم في مرحلة الدنيا وفيها: (الآيات 1-15) بيان لعب الإنسان ولهوه وهو في مكان الجد والحق، وغفلتهم عن قرب يوم الحساب، واعتراضهم على كون المرسلين من البشر، واتهامهم بالسحر والشعر، وطلبهم المعجزات، ثم ينجي الله المؤمنين ويهلك الكافرين. ثمّ (الآيات 16-29) بيان أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، فقد خلقت السماوات والأرض لحكمة، وخلق الإنسان للعبادة والحساب، فكل المخلوقات تعبد الله وحده وتسبحه، فبدلاً من عبادة الله يتخذون آلهة عاجزة لا تقدر على شيء، وبدون دليل على ألوهيتها. (الآيات 30-47) بيان أن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب، فقد أرسل الله المرسلين مبشرين ومنذرين، بأن الناس مبتلون بالخير والشر، وعائدون إلى ربهم للحساب، لكنهم أحبّوا العاجلة، واغترّوا بإمهال الله لهم وغفلوا عن سننه بإقامة الحجة عليهم، واستهزؤوا بالرسل، وهو دأب الكافرين في كل زمان، ولكن الله سينتقم منهم ويحاسبهم على ظلمهم.

المجموعة الثانية (48 آية) فيها قصص عن حقيقة أفعال الناس مع أنبيائهم ورحمة الله تعالى ونصره للصالحين: وقد ذكرت أسماء ستة عشر (16) من المرسلين، وأشارت إلى (محمد عليه الصلاة والسلام) بنزول الذكر المبارك، وإلى (مريم) التي أحصنت فرجها، وابنها (عيسى) عليهم السلام، وأكّدت أن أمّة الرسل أمة واحدة، دينها الإسلام، أرسلهم الله إلى الناس يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} ثم صدقهم الله الوعد فأنجاهم ومن آمن معهم وأدخلهم في رحمته وأهلك المسرفين.

المجموعة الثالثة (17 آية) عن أنباء الغيب وعواقب الأمور ووصف حالهم في الآخرة، وأن البعث حق والحساب حق: وتبين (الآيات 96-104) علامات قيام الساعة بخروج يأجوج ومأجوج، وأهوال يوم القيامة وأحداثها يوم تطوى السماء كطي السجل للكتب، ومصير الناس بعد الحساب إما العذاب في جهنم وإما النجاة والفوز بالجنة. ثمّ (الآيات 105-112) خاتمة تؤكّد أن العاقبة للصالحين ومخاطبة خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلّم بأنه أرسل رحمة للعالمين، يأمرهم بعبادة الله وحده ويترك الحكم على أعمالهم لله، فهو يعلم الجهر والسر من القول ويعلم ما يصفون من الشرك والكذب والافتراء.

أما باعتبار موضوعاتها فإن نصف عدد آياتها هي قصص: منها ست (6) آيات تتحدث عن حال أهل مكّة حين بعث فيهم محمّد صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا غافلين لاهين يتهمونه بالسحر، ويصفون والقرآن بالشعر وأضغاث الأحلام، وأربع (4) آيات تبين حال الأمم السابقة مع أنبيائهم وموقفهم من الوحي، وهلاك القرى ونجاة المرسلين والمؤمنين، و ست وأربعون (46) آية قصص تؤكد غفلة الناس، وإرسال الرسل مؤيدين بالحجج والوحي والآيات، ثم صدق وعد الله لهم بنجاة المرسلين والمؤمنين وهلاك أكثر الناس وهم الكافرون. والنصف الآخر فيه عظات وآيات وحقائق: منها تسع وثلاثون (39) آية تبين بأن الله خلق هذا الوجود بالحق لا لهو فيه ولا لعب ولا باطل، وقد أرسل بذلك النبين مؤيدين بالوحي ومبشرين ومنذرين ومبينين الحق، وهو أن كل من في السماوات والأرض يعبدون الله وحده لا شريك له، وأن على الإنسان أن يعبد الله كغيره من المخلوقات وإلا فالعذاب والهلاك مصيره، ويتخللها تنبيهات من الرحمن إلى حقائق ومواعظ ودلائل تحرّض الناس على الاعتبار والتسليم بالعبادة لله وحده ربهم وخالقهم، وسبع عشرة (17) آية تبين صدق وعد الله الحق بالعقاب في الدنيا للظالمين واستبدالهم بقوم آخرين، ثم الحساب في الآخرة.

إن إرسال المرسلين هو نعمة و{رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}، فعدا عن كونهم مبلّغين وأئمّة في تطبيق شرع الله وفهم آياته، فقد علم الله الناس بالوحي أسماء لم يكونوا يعرفونها كـ {الرَّحْمَن} و{أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، وحقائق وعلوم عن نشأة الكون ونهايته، وأنباء هلاك الأمم، وأنباء الغيب، مالا يستطيع الإنسان بإمكانياته وحواسه المحدودة التوصل إليها، كبيان أن الإنسان حمل الأمانة قبل أن يوجد على الأرض، وأن لله في الأرض سنن ثابتة ومنها الغلبة ووراثة الأرض لعباد الله الصالحين، وأن السماوات والأرض خلْقٌ مؤقت جُعلت لغرض اختبار الإنسان، وقد كانت ملتصقة ببعضها ثم انفصلت، ثم سيعيدها الله كما بدأها، قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)}، وأن من علامات ومقدمات قيام الساعة خروج يأجوج ومأجوج، وأن الناس سيذوقون الموت بغتة بعد أن خلقهم الله أوّل مرّة بحكمته وتقديره، وبيان ما سيحصل في الآخرة من وضع الموازين بالقسط وحساب وثواب وعقاب.

وهكذا، ابتدأ النصف الثاني من القرآن بثلاث سور ركّزت على إظهار رحمة الله بالناس بتذكيرهم، لينجيهم من الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة، فذكرهم في سورة مريم بالإيمان بالله وحده واتباع دينه مصدر الخير والنعم، وفي سورة طه بالقرآن تذكرة، وفي سورة الأنبياء بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين.

اللهم أدخلنا في رحمتك وفي عبادك الصالحين، ونجّنا برحمتك من القوم الظالمين، وافتح علينا خزائن الخير والنعيم فأنت أرحم الراحمين.

021.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

021.6.1- ملخص موضوعات السورة يدور حول رحمة الله بالناس بإرسال الأنبياء والمرسلين تذكرهم بأن الوجود حق وليس لعب كما يظنون، وجدّية الأمر الذي هم فيه من العبادة والتكليف والحساب. يقابله إعراض الناس ولعبهم ولهوهم وغفلتهم عن الحساب على ما أمروا به من العبادة والتكليف الذي حملوه طواعية، إذ أنهم اختاروا حمل أمانة التكليف بالعبادة بعد أن عرضها الله سبحانه {على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً (72)} سورة الأحزاب. وتتركز رسالة الرسل كما جاءت في السورة على الموضوعات التالية:

021.6.1.1- بيان لعب الإنسان ولهوه وهو في مكان الجد والحق. (الآيات 1-15)

021.6.1.2- بيان أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو. (الآيات 16-29)

021.6.1.3- وأن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب. (الآيات 30-47)

021.6.1.4- والبعث حق. الآيات (96-104)

021.6.1.5- والحساب حق. الآيات (105-112)

021.6.1.6- اعتماد الدليل والبرهان التاريخي لإثبات المواضيع الخمسة أعلاه. (الآيات 48-95)

021.6.2- السورة من بدايتها إلى نهايتها تتحدث عن هذا المعنى الرئيسي الواحد، ومفاده: أن الناس في غفلة معرضون، فلا بد من إرسال الأنبياء رحمة من الله بعباده، مذكرين، ومبشرين ومنذرين، ومبينين الحق لعل الناس يثوبون إلى رشدهم فيعملوا ما فيه سعادتهم وفلاحهم. ويتكرر إرسال الرسل وتتكرر معهم الرسالات كلما أعرض الناس مما يدل على دوام رحمة الله بعباده، مع دوام ظلمهم لأنفسهم.

هذا المعنى الرئيسي الذي احتوته السورة بمجملها (المذكور هنا في 021.6.2)، وركزت عليها السورة، بالإضافة إلى المواضيع الخمسة الفرعية (المذكورة أعلاه (021.6.1)) التي تضمنها الموضوع الرئيسي، تعود وتتكرر أيضاً في كل موضوع فرعي من المواضيع الخمسة المذكورة كما سيأتي بيانه بالتفصيل في سياق السورة أدناه. إذ أن معاني السورة تدور في حلقات (مجموعات من الآيات)، واحدة كبيرة وأخرى صغيرة، مختلفة في طرحها ولكن متشابهة في معانيها وموضوعاتها بغرض التأكيد وإعادة التأكيد على رحمة الله بالناس بإرسال المرسلين على الرغم من استمرار إعراضهم وغفلتهم عنها.

021.6.2.1- بالإضافة إلى ذلك أعادت السورة صياغة هذه المعاني والموضوعات الخمسة في السورة، بقصص حقيقية من تاريخ الإنسان نفسه (مذكور أعلاه 021.6.1.6)، تجعل عملية فهمها أكثر وضوحاً وأغزر معناً كما يلي:

021.6.2.1.1- لفت الانتباه إلى هلاك القرى، وربط الحق في الدين مع الحق في نظام الكون، مع وجود يوم القيامة. وأن كل ما في الوجود مستسلم ومطيع لإرادة الله الواحد الخالق لا شريك له في الخلق {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا (22)}.

021.6.2.1.2- استهزاء الكفار بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبالرسل دون استثناء، عبر التاريخ، وطلبهم العذاب، بينما الأمر جدّ والعذاب منهم قريب.

021.6.2.1.3- استعراض أمّة النبيين المرسلين إلى أمّة الإسلام {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} لإبراز معاني السورة عن وحدة الدين والحق. والإشارة إلى وحدة القوانين التي تحكم الكون، مما يدل على وحدة الخالق المدبر، والمالك الذي لا شريك له في الملك. إن جميع الأنبياء هم من البشر وليسوا آلهة، وقد ابتلوا بالمصائب والآلام، ومارس خصومهم ضدهم أسوأ الأساليب لإيقاف دعوتهم، لكن الرسل انتصروا في النهاية بمساعدة الله.

021.6.2.1.4- خلق الناس لعبادة الله وحده لا شريك له، ثم أنهم يموتون ثم يبعثون للحساب على أعمالهم في الدنيا. كما أن مصدر الحياة واحد، قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي (30)}، وكذلك فالنهاية واحدة بالرجوع إلى الله يوم البعث.

021.6.2.1.5- عرض النهاية الواحدة للوجود، وأنه كما بدأ رتقاً فسيعود ويطوى كطي السجل للكتب، وبيان المصير يوم البعث والحشر والحساب، وأن الفوز في الآخرة هو لمن يتبع الهدى، وأنها رحمة ونعمة عظيمة أن أرسل الله لهم رسولاً يبيّن لهم هذه الحقيقة.

021.6.2.2- القصص في السورة كلها تدور حول نفس المواضيع وبأساليب مختلفة وفي حلقات مكمّلة.

واللافت كما قلنا إن السورة كلها تتحدّث عن هذه الموضوعات في عدة مجموعات من الآيات (مقاطع) وكل مجموعة من هذه المجموعات من السورة أو كل موضوع من هذه الموضوعات يتضمن نفس الموضوعات أعيد ذكرها في كلّ مجموعة (مقطع) بما يوحي باستمرار الحركة واستمرار المد النبوي في كل وقت وكل حين، أي ما أن تضيع الدعوة السابقة حتى تعود النبوة التالية مباشرة في مدّد متواصل، كما بينّاه بالتفصيل في سياق السورة أدناه.

021.6.3- مزيد من التفصيل عن موضوعات السورة:

021.6.3.1- الآيات (1-35) التنبيه إلى أنه: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (1)}. ثم لفت الانتباه إلى هلاك الأمم السابقة، الذين كانوا عن آيات ربهم غافلين {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين (11)}. ثم ربط بين الحق والجد في الدعوة، والحق والجد في نظام الكون، وبين دين التوحيد وقوانين الوجود، وبين وحدانية الخالق المدبّر ووحدة الرسالة والدين، ووحدة مصدر الحياة ونهايتها ومصيرها.

الآيات (1-9) ذم الكفار لغفلتهم واستهزاءهم بالأنبياء واتهامهم بالسحر والشعر وغيره (10-15) بيان أن القرآن فيه عزّ الناس وذكرهم، ولفت نظر الكفار لهلاك القرى والأمم السابقين (16-18) الجدية في خلق الكون وانتصار الحق على الباطل (19-20) عبادة الملائكة وخضوعهم لله (21-25) الاستدلال على أن الله إله واحد لا شريك له، وأنه وحده المستحق للعبادة (26-29) تفنيد مزاعم الكفار في جعل الملائكة أبناء الله (30-33) تدبير الله للكون وبداية خلق السماوات والأرض (34-35) الموت على كل مخلوق والابتلاء بالحياة.

021.6.3.2- الآيات (36-47) الحديث إلى الكفار الذين يواجهون الرسول صلى الله عليه وسلم بالسخرية والاستهزاء، بينما الأمر جد وحق، وكل ما حولهم يوحي باليقظة والاهتمام. وهم يستعجلون العذاب والعذاب منهم قريب. ويلفتهم إلى ما أصاب المستهزئين بالرسل قبلهم. ويقرر أن ليس لهم من الله من عاصم. ثم يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيان وظيفته: {قل: إنما أنذركم بالوحي (45)} وإلى الخطر الذي يتهددهم في غفلتهم: {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون (45)} حتى تنصب الموازين القسط وهم في غفلتهم سادرون.

(36-47) استهزاء الكفار بالرسول واستعجالهم العذاب وتهديدهم بالعذاب. (47) الحساب العادل الدقيق في الآخرة.

021.6.3.3- الآيات (48-92) استعراض أمة النبيين، وفيها تظهر وحدة الرسالة والدين. كما تظهر رحمة الله بعباده الصالحين وإيحاؤه لهم وأخذ المكذبين. تبيّن الآيات أن جميع الأنبياء هم من البشر وليسوا آلهة، وأنهم مارسوا نفس طريقة الحياة القائمة على الحق، وابتلوا بالمصائب والآلام، ومارس خصومهم ضدهم أسوأ الأساليب لمقاومة دعوتهم، لكن الرسل انتصروا في النهاية بمساعدة الله.

021.6.3.4- الآيات (93-103) عرض النهاية والمصير، في يوم البعث والحشر والحساب والنعيم والعذاب وأن الفوز في الآخرة هو لمن يتبع الهدى. أي بعد عرض سنن الله الكونية، الشاهدة على خضوع الكون لله الواحد الحق، وسنن الله في إرسال الرسل بالدعوات إلى العبادة والاستعداد للحساب. تعرض السورة أحداثاً مما سيحصل في ذلك اليوم الذي يمتنع فيه على الكفرة الظلمة العودة إلى الدنيا ليستدركوا ما فاتهم، يوم تأتي الساعة وأشراطها، يتبين فيه مصير المشركين بالله ومصير الشركاء، ويتفرد الله ذو الجلال بالتصريف فيه والتدبير وإعادة الخلق كما بدأ.

021.6.5- الآيات (104-112) يقرر سبحانه سنته المتمثلة في وراثة الأرض لعباده الصالحين، ورحمة الله للعالمين المتمثلة في رسالة محمد صلى الله عليه وسلّم، وأنها رحمة ونعمة عظيمة أن أرسل الله لهم رسولاً يبيّن لهم هذه الحقيقة. وعندئذ يؤمر الرسول صلى الله عليه وسلّم، أن ينفض يده منهم، وأن يدعهم لمصيرهم، فيترك الحكم لله فيهم، ويستعين به على شركهم وتكذيبهم واستهزائهم، وانصرافهم إلى اللعب واللهو، ويوم الحساب قريب.

021.7 الشكل العام وسياق السورة:

021.7.1- إسم السورة: سميت ‏‏”‏سورة ‏الأنبياء‏‏” ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏فيها ‏عدد ‏من ‏الأنبياء ‏الكرام، وذكر حاجة الناس لهؤلاء الأنبياء، ‏وذكر ‏جهادهم ‏وصبرهم ‏وتضحيتهم ‏في ‏سبيل ‏الله ‏وتفانيهم ‏في ‏تبليغ ‏الدعوة ‏لإسعاد ‏البشرية‎. وقد أكرمهم الله، وأورثهم الأرض، بعد أن أهلك القرى التي لم تؤمن، وأنهم كلّهم أمة واحدة. ولولا هؤلاء الأنبياء لبقي الناس على جهلهم وضلالهم كالبهائم يعتدي قويهم على ضعيفهم لا يميزون من الحق شيئاً.

021.7.2- سياق السورة من حيث موضوعاتها:

021.7.2.0- ملخص موضوعات السورة (وهي نفس الموضوعات الست المذكورة في الملخص أعلاه):

021.7.2.0.1- غفلة الإنسان عن قرب يوم الحساب، وبيان حالهم في لهوهم ولعبهم واعتراضهم على كون المرسلين لهم من البشر، واتهامهم بالسحر والشعر وأضغاث الأحلام. (الآيات 1-15)

021.7.2.0.2- خلقت السماوات والأرض لحكمة ولم تخلق للعب، وخلق الإنسان للعبادة والحساب. (الآيات 16-29)

021.7.2.0.3- رحمة الله بالناس بإرسال المرسلين مبشرين ومنذرين بأنه لا إله إلا الله خلقوا لعبادته ومذكرين بالحساب. (الآيات 30-47)

021.7.2.0.4- الإنسان مصيره الموت، ثم الإعادة بعد الموت للحساب على الأعمال. الآيات (96-104)

021.7.2.0.5- نتيجة أفعال الناس على الأرض ومصيرهم يوم القيامة بعد الحساب. الآيات (105-112)

021.7.2.0.6- قصص إرسال النبيين لبيان أن الإنسان خلق للعبادة والحساب. (الآيات 48-95)

كل مجموعة من الآيات التالية تحمل عنوان من العناوين السابقة، ويتكرر فيها بنفس الوقت كل العناوين نفسها كما يلي:

021.7.2.1- (الآيات 1-15) تتحدث عن غفلة الناس وقد اقترب يوم القيامة وما فيه من الحساب. وعن ردّة فعلهم ومواقفهم تجاه رسالة ربهم إليهم تأمرهم بالعبادة لله وحده لا شريك له، ربهم وخالقهم، الذي يسمع أقوالهم ويعلم أحوالهم، وعما يحصل لهم من الهلاك بسبب عدم إيمانهم. كما تتضمن هذه الآيات أيضاً المعاني التالية:

021.7.2.1.1- لعب الإنسان ولهوه وهو في مكان الجد والحق، نجده في الآيات (1، 2، 3، 5).

021.7.2.1.2- بيان أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، نجده في الآيات (2، 4).

021.7.2.1.3- وأن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب، نجده في الآيات (2، 7، 8، 10).

021.7.2.1.4- البعث حق، نجده في الآيات (1، 2).

021.7.2.1.5- والحساب حق، نجده في الآيات (1، 9، 11-15).

021.7.2.1.6- اعتماد الدليل والبرهان التاريخي لإثبات المواضيع الخمسة أعلاه، نجده في الآيات (6، 11-15).

021.7.2.2- (الآيات 16-29) إن الإنسان مفطور على العبادة، وأنه خلق للعبادة لله وحده لا شريك له. لأنه لو كان في السماوات والأرض إله إلا الله لاختل نظامهما. وأن كل المخلوقات تعبد الله وتسبح له في الليل والنهار. علّة إعراض الكافرين وغفلتهم هي جهلهم بأن الله لم يخلق الكون لكي يلهوا ويلعب، بل خلقه بالحق وللعبادة. كما تتضمن هذه الآيات المعاني التالية:

021.7.2.2.1- لعب الإنسان ولهوه وهو في مكان الجد والحق، نجده في الآيات (21، 22، 26).

021.7.2.2.2- بيان أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، نجده في الآيات (16، 17).

021.7.2.2.3- وأن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب، نجده في الآيات (19، 20، 25).

021.7.2.2.4- البعث حق، نجده في الآيات (21، 27، 28، 29).

021.7.2.2.5- والحساب حق، نجده في الآيات (18، 29).

021.7.2.2.6- اعتماد الدليل والبرهان التاريخي لإثبات المواضيع الخمسة أعلاه، نجده في الآيات (23، 24).

021.7.2.3- (الآيات 30-47) تبين (الأدلة) الآيات التي تدل على أن الله هو خالق الكون، وأن كل مخلوقات الله مصيرها الموت والفناء، وأن هناك حياة أخرى وإعادة بعد هذا الموت والفناء، وحقيقة إعادة الحياة بعد الموت والرجوع إلى الله للحساب هي خارجة عن حدود فهم الإنسان، وأن وظيفة الرسل بيان هذه الحقيقة، وللأسف فمع جدّية الأمر وخطورته فإن أكثر الناس لاهون لاعبون يستهزءون بالمرسلين، ولن يفيقوا من غفلتهم إلا بعد فوات الأوان. كما تتضمن هذه الآيات المعاني التالية:

021.7.2.3.1- لعب الإنسان ولهوه وهو في مكان الجد والحق، نجده في الآيات (36، 37، 38).

021.7.2.3.2- بيان أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، نجده في الآيات (30-33).

021.7.2.3.3- وأن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب، نجده في الآيات (43، 44، 45).

021.7.2.3.4- البعث حق، نجده في الآيات (34، 35).

021.7.2.3.5- والحساب حق، نجده في الآيات (39، 40، 46، 47).

021.7.2.3.6- اعتماد الدليل والبرهان التاريخي لإثبات المواضيع أعلاه، نجده في الآيات (41، 42).

021.7.2.4- (الآيات 48-95) قصص حقيقية عن أمة الرسل أرسلهم الله إلى الناس يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له (هؤلاء الأنبياء جميعاً دينهم واحد، الإسلام، وهو الاستسلام لله بالطاعة وإفراده بالعبادة)، توضح هذه القصص الحقيقية التي حصلت عبر التاريخ الإنساني والتي هي مقصد السورة ومواضيعها، وتدور حول إرسال الرسل ليأمروا الناس بالعبادة لله ربهم الذي خلقهم. كما تتضمن هذه الآيات المعاني التالية:

021.7.2.4.1- لعب الإنسان ولهوه وهو في مكان الجد والحق، نجده في الآيات (64-68).

021.7.2.4.2- بيان أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، نجده في الآيات (51-56، 92).

021.7.2.4.3- وأن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب، نجده في الآيات (48، 50، 57-63، 69، 70).

021.7.2.4.4- البعث حق، نجده في الآيات (49، 93).

021.7.2.4.5- والحساب حق، نجده في الآيات (94، 95).

021.7.2.4.6- اعتماد الدليل والبرهان التاريخي لإثبات المواضيع الخمسة أعلاه، نجده في الآيات. (74-91).

021.7.2.5- الآيات (96-104) الله سبحانه عالم الغيب والشهادة، لا يخفى عليه شيء في الأرض والسماوات فهو خالق كل شيء وجاعل الأسباب، فهذه الآيات تبين علامات قيام الساعة وأهوال يوم القيامة وأحداثها ومصير الناس بعد الحساب إما العذاب في جهنم وإما النجاة والفوز بالجنة.

021.7.2.6- الآيات (105-112) علّة خلق الإنسان ووجوده على الأرض كما هو مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ: هو عبادة الله، وهو أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون الذين يؤمنون بالله وحده لا شريك له. وأن إرسال الرسل هو رحمة للعالمين يبينون لهم وعد الله فيهم وأنه يعلم جهرهم وسرّهم فهم سواء أسلموا أو تولّوا فكل ملاقي ما وعد الله وما كتبه عنده في اللوح المحفوظ، وهو ما أنزله بعد ذلك في الكتب على المرسلين. كما تتضمن هذه الآيات المعاني التالية:

021.7.2.6.1- لعب الإنسان ولهوه وهو في مكان الجد والحق، نجده في الآيات (109-111).

021.7.2.6.2- بيان أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، نجده في الآيات (97، 112).

021.7.2.6.3- وأن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب، نجده في الآيات (107، 108).

021.7.2.6.4- البعث حق، نجده في الآيات (96، 97، 104).

021.7.2.6.5- والحساب حق، نجده في الآيات (98-103).

021.7.2.6.6- اعتماد الدليل والبرهان التاريخي لإثبات المواضيع الخمسة أعلاه، نجده في الآيات (105، 106).

021.7.3- سياق السورة باعتبار القصص الواردة فيها:

سياق السورة باعتبار القصص الواردة هو في بيان إرسال الله المرسلين مؤيدين بالوحي والحجج والآيات إلى الناس الغافلين المعرضين، رحمة بهم تحثهم على عبادة الله ربهم وحده لا شريك له. والنتيجة أن أكثر هؤلاء الناس لا يؤمنون. وهذا هو مقصدها. وسنلاحظ أن السورة تنقسم باعتبار آيات القصص الموجودة فيها إلى نصفين متساويين، كما يلي:

021.7.3.1- نصف فيه آيات القصص وعددها 56 آية مقسمة، كما يلي:

الآيات (1-5، 10) تبين حال أهل مكّة حين بعث فيهم محمّد صلى الله عليه وسلم وبدء نزول القرآن شيئاً فشيئاً، فقد كانوا غافلين لاهين يتهمون محمد صلى الله عليه وسلم بالسحر، ويصفون والقرآن بالشعر وأضغاث الأحلام. عددها 6 آيات.

الآيات (6-9) تبين حال الأمم السابقة مع أنبيائهم وموقفهم من الوحي، وهلاك أكثر القرى ونجاة المرسلين ومن معهم من المؤمنين. عددها 4 آيات.

الآيات (48-93) فيها قصص تؤكد غفلة الناس، وتبين إرسال الرسل مؤيدين بالحجج والوحي والآيات، ثم صدق وعد الله لهم بنجاة المرسلين ومن آمن معهم وهلاك أكثر الناس وهم الكافرين. عددها 46 آية.

021.7.3.2- النصف الآخر من السورة فيه عظات وآيات وحقائق وعدد آياته 56 آية مقسمة كما يلي:

الآيات (16-47، 106-112) التأكيد على أن الله خلق هذا الوجود بالحق لا لهو فيه ولا لعب ولا باطل. وقد أرسل بذلك النبين مؤيدين بالوحي ومبشرين ومنذرين ومبينين بأن الحق هو أن كل من في السماوات والأرض يعبدون الله وحده لا شريك له، وأن على الإنسان أن يعبد الله وحده كغيره من المخلوقات وإلا فالعذاب والهلاك مصيره. وتتضمن الآيات كذلك تنبيه من الرحمن إلى حقائق ومواعظ ودلائل تحرض الناس على الاعتبار والتسليم بالعبادة لله وحده ربهم وخالقهم. عدده 39 آية.

الآيات (11-15، 94-105) بيان صدق وعد الله الحق وذلك بالعقاب في الدنيا للظالمين واستبدالهم بقوم آخرين، ثم الحساب في الآخرة. عددها 17 آية.

021.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

021.7.4.1- آيات القصص: (1-15، 25، 36، 41، 48-93، 105، 106) = 66 آية.

021.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (39، 40، 96-103) = 10 آيات.

021.7.4.3- الأمثال في الآيات: (37، 38، 45-47) = 5 آيات.

021.7.4.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (16-24، 30-33، 42-44، 104) = 17 آية.

021.7.4.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (26-29، 34، 35، 94، 95، 107-112) = 14 آية.

021.7.5- سياق السورة في بيان حاجة الناس إلى الرسل بسبب محدودية إدراك الإنسان وقدراته وإمكانيات حواسه:

لأن الناس في غفلة معرضون، فلا بد من إرسال الأنبياء مبشرين ومنذرين، رحمة من الله رب العالمين. وبيان أن الكون والوجود حق لا لعب فيه ولا لهو، وأن الرسالة حق ورحمة ونجاة لهم من العذاب، والبعث حق، والحساب حق.

إذن فوظيفة الأنبياء المرسلين: هي ابلاغ رسالة ربهم التي تتضمن علوم وحقائق لا يستطيع الإنسان بإمكانياته وحواسه المحدودة التوصل إليها ومنها:

021.7.5.1- أن الله اختار المرسلين من البشر يأكلون ويموتون وغيره من الصفات، التي هي تماماً كإخوانهم البشر. كذلك يرسلون مؤيدين بالمعجزات التي تثبت نبوّتهم، وبالكتب التي تحتوي دين الله الذي هو سبيل النجاة والسلام للإنسان.

021.7.5.2- أن خلق السماوات والأرض حق وليس لعب، وأنها مسخّرة للإنسان ليعبد الله، وأن الإنسان حمل الأمانة قبل أن يوجد على الأرض، وهي عبادة الله وحده لا شريك له. وأن كل مخلوقات الله تعبد الله وتسبح بحمده.

021.7.5.3- أن الأمانة التي حملها الإنسان هي العبادة لله وحده والعمل بالتكاليف التي تحقق له السعادة في الدارين، وأن الله مبتليه بالخير والشر فتنة، وأنه محاسب على أعماله.

021.7.5.4- أن السماوات والأرض كانتا ملتصقة ببعضها ثم انفصلت ثم سيعيدها الله كما بدأها أي ملتصقة ببعضها، كذلك كل الناس سيذوقون الموت بغتة بعد أن خلقهم الله أوّل مرّة بحكمته وتقديره.

021.7.5.5- أن من علامات ومقدمات قيام الساعة خروج يأجوج ومأجوج، ومن أحوالها أن تطوى السماء كطي السجل للكتب.

021.7.5.6- بيان ما سيحصل في الدار الآخرة من وضع الموازين وحساب وثواب وعقاب.

021.7.5.7- أن الله رحيم بالناس، لكن الناس أنفسهم يظلمون، وغافلون عمّا فيه مصلحتهم وسعادتهم.

021.7.5.8- يقصون على الناس من أنباء الغيب عن مرسلين سابقين، وعما فعلته الأمم البائدة من قبلهم ليكون لهم في ذلك العبرة والموعظة.

021.7.5.9- أن لله سنناً ثابته في الأرض ومنها أن الغلبة في نهاية المطاف ووراثة الأرض لعباد الله الصالحون.

021.7.6- سياق السورة باعتبار موضوعاتها وتسلسل آياتها:

021.7.6.1- (الآيات 1-15) تتحدث عن غفلة الإنسان عن قرب يوم الحساب، وبيان حالهم في لهوهم ولعبهم واعتراضهم على كون المرسلين لهم من البشر، واتهامهم بالسحر والشعر وأضغاث الأحلام:

تلخص الآيات الخمسة الأولى مقصد السورة وملخص موضوعاتها. وذلك بتعليل سبب إرسال المرسلين، وبيان الأسباب التي تمنع استفادة الناس من رسالة المرسلين، ولماذا لا ينفعهم ما يأتيهم من الذكر والإنذار. ثم يأتي بعد ذلك التفصيل والتوضيح لهذه المواضيع في باقي السورة. أما موضوعات الآيات الخمسة الأولى فهي كما يلي:

021.7.6.1.1- غفلة الناس وإعراضهم عن العمل للآخرة والاستعداد للحساب.

021.7.6.1.2- ما يتنزل على الناس شيء من القرآن إلا استمعوه سماع لعب واستهزاء.

021.7.6.1.3- قلوبهم مشغولة بالدنيا، غافلة عن القرآن، ويشيعون ما يصدون به الناس عن الإيمان بمحمّد صلى الله عليه وسلم: من أنه بشر مثلهم، وأن ما جاء به من القرآن هو سحر.

021.7.6.1.4- يرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم منذراً إياهم ومتوعداً بأن الله يعلم ما يسرّونه من حديثهم، فهو سبحانه يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم.

021.7.6.1.5- يردّون على الوعيد بثلاثة أقوال: بأن ما جاء في القرآن أضغاث أحلام، أو أنه اختلاق كذب، أو أنه شعر. ويطلبون منه: أنه إذا أراد منا أن نصدقه فليأت بمعجزة أو آية كما جاء به المرسلون من قبله.

021.7.6.2- الآيات العشرة التالية تبين: اعتماد الدليل والبرهان التاريخي لإثبات المواضيع الخمسة أعلاه وما ستؤول إليه النتيجة مع قريش والعرب الذين نزلت عليهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فتبين الآيات (6-15) ما حصل سابقاً وما سيحصل الآن وماذا ستكون عليه النتيجة في المستقبل، وفيها ما يدل على علم الله بصفات الناس وأحوالهم، فالأمر كما صرحت به نهاية السورة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} أي أن المرسلين رحمة كونهم أرسلوا للناس لبيان الحق والإنذار والإمهال مع إقامة الحجة والعذر. أما علم الله فهو كما يلي:

021.7.6.2.1- أن قريش لن يؤمنوا بالمعجزات، وأن هلاك الأمم السابقة كان بسبب عدم إيمانهم بهذه المعجزات التي يطلبون.

021.7.6.2.2- وأن سنّة الله لا تتغيّر في جعل المرسلين بشر مثلهم يأكلون الطعام ويموتون، وهو تكريم للجنس البشري باختيار الرسل منهم.

021.7.6.2.3- لقد صدق الله سبحانه رسله ما وعدهم، من نجاة المؤمنين وهلاك الكافرين.

021.7.6.2.4- القرآن بلغة قريش فيه ذكرهم وأحوالهم، وفيه عزهم وشرفهم في الدنيا والآخرة، يبشرهم بالفلاح وينذرهم من الردى والهلاك، أفلا يعقلون ما فضلهم الله به على غيرهم فيؤمنوا به.

021.7.6.2.5- الإنذار والتذكير بهلاك القرى الظالمة واستبدالهم بقوم آخرين. والتحذير من الاستمرار على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم فيحل بهم كما حلّ بالأمم الذين صاروا حصيداً خامدين.

021.7.6.3- (الآيات 16-29) خلقت السماوات والأرض لحكمة ولم تخلق للعب، وخلق الأنسان للعبادة والحساب:

021.7.6.3.1- الآيات (16-20) العبادة حق وخلق السماوات والأرض وتسخيرها للإنسان ليعبد الله حق وليست لعب. الله له كل من في السماوات والأرض والذين عنده من الملائكة لا يملّون من عبادته يسبحونه ويذكرونه بالليل والنهار لا يسأمون، تسبيحهم جار مجرى النفس في الإنسان.

021.7.6.3.2- الآيات (21-29) لأن العبادة فطرية في الناس. فبدلاً من عبادة لله يتخذون آلهة عاجزة من الأرض لا يقدرون على شيء، وبدون دليل على ألوهيتها. ولكن الحق أن الله واحد لا شريك له، ولو كان آلهة إلا الله لفسدت السماوات والأرض. وقد أرسل بهذا جميع الرسل.

021.7.6.4- (الآيات 30-47) رحمة الله بالناس بإرسال المرسلين مبشرين ومنذرين بأنه لا إله إلا الله خلقوا لعبادته، وسخّر لهم السماوات والأرض، ومذكرين بالبعث والحساب:

021.7.6.4.1- الآيات (30-33) كل ما في الوجود يدل على الله الواحد: خلق الله السماوات والأرض من شيء واحد، وجعل جميع الأحياء من الماء، وجعل الجبال لتثبيت الأرض وجعل فيها الطرق الواسعة، وجعل للسماء سقفاً محفوظة، وخلق الليل والنهار، والشمس والقمر كل يسبح في مداره.

021.7.6.4.2- الآيات (34-40) لا أحد مخلّد في الحياة الدنيا، الكل سيذوق الموت، والناس مبتلون بالخير والشر راجعون إلى ربهم للحساب، الناس يحبون العاجلة يريدون معرفة النتيجة فوراً، وهذا لا يحقق المقصود من إقامة الحجة على الناس واستحقاقهم للجنة أو النار، ألا يرون أن كل شيء ينقص، وهم كذلك، ولن يمنعهم من الله أحد، فهو الذي يحفظهم ويحرسهم بالليل والنهار.

021.7.6.4.3- الآيات (41-47) ولقد استهزئ برسل من قبلك أيها الرسول (تسلية له عليه الصلاة والسلام)، فحلّ بالذين كانوا يستهزئون العذاب الذي كان مثار سخريتهم واستهزائهم. قل لهؤلاء المستعجلين بالعذاب: لا أحد يحفظكم ويحرسكم في ليلكم أو نهاركم من بأس الرحمن إذا نزل بكم. بل هم عن القرآن ومواعظ ربهم لاهون غافلون. ألهم آلهة تمنعهم من عذاب الله؟ إن آلهتهم لا يستطيعون نصر أنفسهم فكيف ينصرون عابديهم؟ لقد اغتروا بإمهال الله لهم وغفلوا عن سننه التي يرونها مثل إنقاص الأرض من أطرافها، أفهم الغالبون؟ بل النبي وأصحابه هم الغالبون. وقد أمر الله رسوله عليه السلام بأن ينذرهم بالوحي، وأن يقيم عليهم الحجة بأكثر من معنى: في عجز آلهتهم وفي انتصارات المسلمين في المآل وفي قوة الوحي وأحقية القرآن.

الكافرون يستهزئون بالرسول ودعوته، ووعيده لهم وإنذاره. على الرسول ثمّ أمته من بعده أن يعلموا أن الاستهزاء بالرسل دأب الكافرين في كل زمان، وأن الله سينتقم وسيحاسب، وأن هؤلاء مغرورون بسبب إمهال الله لهم.

021.7.6.5- (الآيات 48-95) قصص إرسال النبيين لبيان أن الإنسان خلق للعبادة والحساب:

021.7.6.5.1- ذكرت الآيات أسماء 16 رسول عليهم السلام، بالإضافة إلى الذكر الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، والإشارة إلى (مريم) التي أحصنت فرجها، وابنها (عيسى) عليهم السلام. هؤلاء المرسلين منهم الملك الذي أعطي كل شيء كداود وسليمان عليهما السلام، ومنهم من ابتلي حتى فقد كل شيء كأيوب عليه السلام، ومنهم إسماعيل وإدريس وذا الكفل كانوا من الصابرين، ومنهم ذا النون إذ نادى في الظلمات أن ينجيه الله من الغم، وكذلك زكريّا دعا ربه ألا يذره فرداً. كلهم يجمعهم صفة البشرية بهمومها وأحلامها وآمالها، وتجمعهم العبودية لله تعالى، ويجمعهم كذلك هداية الناس بما نزل عليهم من الوحي {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)}، ويجمعهم وصف {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}. وكذلك الصبر والصلاح صفتان مشتركتان عند كل رسول، أو كما جاء في الآيات. وقد احتوت على الموضوعات التالية:

021.7.6.5.1.1- تذكر الآيات قصص مجموعة من الرسل الذين أوحي إليهم من الله ثم صدقهم الوعد فأنجاهم وأهلك المسرفين. وتذكر الآيات خسران قوم إبراهيم، وإهلاك قوم لوط وقوم نوح. الآيات (48-91).

021.7.6.5.1.2- كثرة جهل الناس وقلّة عقلهم في عبادة الأصنام، التي لا تنطق: تبين قصة إبراهيم كيف أن الآلهة التي يعبدونها من دون الله لا تملك لنفسها ضراً أو نفعاً، فكيف ستنفع أو تضر غيرها. أما الله فهو قادر على كلّ شيء. الآيات (51-70)

021.7.6.5.1.3- الأنبياء كلّهم بشر. يحيطهم الله بعنايته ورعايته. وهم مبتلون كغيرهم من الناس منهم من ابتلي بالسرّاء كسليمان ومنهم من ابتلي بالضرّاء كأيوب. ابتلوا بالخير والشر فشكروا وصبروا، فكانوا قدوة للناس على كلّ حال. الآيات (74-91).

021.7.6.5.1.4- البعث، في الآيات (49، 93).

021.7.6.5.1.5- الحساب، في الآيات (94، 95).

021.7.6.5.1.6- القصص هي أمثلة لما ذكر في السورة من الإنذار والحجج والآيات، وهل انتفعت الأمم بهذه الحجج أم لا. الآيات (74-91).

021.7.6.5.2- الأنبياء أئمّة يفعلون الخيرات ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، آتاهم الله العلم والحكمة والرشد.

021.7.6.5.2.1- الآيات (48-50) إن موسى وهارون عليهما السلام وهما بشران ولم يكونا خالدين، وقد أنزل الله عليهما التوراة فرقان بن الحق والباطل وضياء ينير الدرب. فكيف يستغرب الناس أن ينزل الله القرآن على بشر هو محمد عليه السلام، ذكر لمن تذكّر به وعمل بما فيه كثير الخير عظيم النفع.

021.7.6.5.2.2- الآيات (51-73) قصة إبراهيم عليه السلام تبين مقصد السورة وهو غفلة الناس عن رسالة ربهم التي ترشدهم وتذكرهم بأن الله خلق الناس في هذه الدنيا للعبادة وأنهم ميتون ثم مبعوثون للحساب. وتبين العبادة الباطلة الضالة التي يتبعها الناس وهي عبادة التماثيل والآلهة التي لا تضر ولا تنفع. وتبين العبادة الحقيقية التي يريدها الله من الناس وهي عبادة الله وحده لا شريك له ربهم وخالقهم.

قصة ابراهيم عليه السلام تبين كيف أن الناس غافلون لاهون لاعبون يعبدون من دون الله الآلهة التي لا تنفعهم شيئاً ولا تضرهم. يفعلون ذلك ظلماً وبدون وجه حق، بل هو تقليداً لما وجدوا عليه آباءهم. فيخبرهم إبراهيم أن ربهم الذي عليهم أن يعبدوه هو فاطر السماوات والأرض الذي خلقهم، يبين لهم ذلك بالحجة المفحمة والمنطق الواضح والحق الساطع الذي لا لبس فيه.

بالعقل والحجة والمنطق يظهر الحق، ويبطل الباطل. وبالمكابرة والهوى والجدال يهبط الإنسان إلى الحضيض ومرتبة الحيوانات الغير عاقلة.

مصير دعوة إبراهيم عليه السلام لقومه. وهو أن قومه تمادوا في الظلم والضلال والانتصار للباطل بالإقدام على قتل نبيهم المرسل إليهم، حتى يتخلّصوا من دعوة الإيمان والحق وعمل الخير التي جاءهم بها. فينجي الله رسله، ويحصل عكس مراد الكفار بأن ينصر الله المؤمنين ويهلك الظالمين.

وهو الظلم والضلال نفسه مع باقي الأمم. وكذلك أنجى الله رسله لوط وإسحق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل إدريس وذا الكفل وذا النون وزكريا ويحيى وعيسى عليهم جميعاً الصلاة والسلام.

021.7.6.5.2.3- الآيات (74-91) الأنبياء اصطفاهم ربهم من البشر، عبدوا ربهم كباقي البشر، وابتلاهم بالخير والشر فتنه مثلهم مثل باقي البشر، وتنوّعت حياتهم كتنوع البشر. لوط ابتلي بقوم يعملون الخبائث، ونوح ابتلي بعدم إيمان أكثر قومه، وداوود سخرت له الجبال والطير يسبحن، وسليمان آتاه الله الملك، أيوب اًصابه الضر والمرض، وإسماعيل وإدريس وذا الكفل بالصبر، وذا النون بالعجلة على قومه، وزكريا بالحاجة إلى الولد. كانوا يسارعون في الخيرات ويدعون ربهم رغباً ورهباً خاشعين لربهم، صبروا على العبادة، أئمة يهدون بأمر الله، دعوتهم واحده لم يستجب لهم أكثر أقوامهم، وذاقوا الموت، أنجاهم الله هلكت الكفار من قومهم.

021.7.6.5.2.4- الآية (92) هؤلاء الأنبياء جميعاً دينهم واحد، الإسلام، وهو الاستسلام لله وحده بالطاعة والعبادة، وأمة الإسلام أمة واحدة يعبدون رب الخلق رباً واحداً.

021.7.6.5.2.5- الآيات (93-95) لكن الناس اختلفوا على رسلهم، وتفرّقوا في دينهم مختلفين، وكلهم راجعين إلى ربهم محاسبين على أعمالهم. فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يضيع عمله لأنه مكتوب في صحيفة أعماله مجازى عليه. وممتنع على القرى التي أهلكها الله بسبب كفرها وظلمها أن يرجعوا إلى الدنيا ليستدركوا ما فرّطوا فيه.

021.7.6.6- الآيات (96-112) عرض النهاية والمصير، من بعث وحشر وحساب ونعيم وعذاب:

أي بعد عرض سنن الله الكونية، وسنن الله في إرسال الرسل بالدعوات. تعرض السورة مشهدا للساعة وأشراطها، يتبين فيه مصير المشركين بالله ومصير الشركاء، ويتفرد الله ذو الجلال بالتصريف فيه والتدبير ثم يقرر سنة الله في وراثة الأرض، ورحمة الله للعالمين المتمثلة في رسالة محمد صلى الله عليه وسلّم، وعندئذ يؤمر الرسول صلى الله عليه وسلّم، أن ينفض يده منهم، وأن يدعهم لمصيرهم، فيترك الحكم لله فيهم، ويستعين به على شركهم وتكذيبهم واستهزائهم، وانصرافهم إلى اللعب واللهو، ويوم الحساب قريب.

021.7.6.6.1- الآيات (96-104) تبين الآيات علامات قيام الساعة بخروج يأجوج ومأجوج، وأهوال يوم القيامة وأحداثها يوم تطوى السماء كطي السجل للكتب، ومصير الناس بعد الحساب إما العذاب في جهنم وإما النجاة والفوز بالجنة.

021.7.6.6.2- الآيات (105-106) بينت الآيات السابقة أن الله قد حقق لأهل الإيمان في الآخرة ما وعدهم إياه، أما ما وعدهم به في الدنيا فهو أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون الذين أقاموا دينه، وفي هذا موعظة وبشارة لقوم عابدين الله بما شرعه لهم.

021.7.6.6.3- الآيات (107-112) الخاتمة تعيد تلخيص السورة مرّة أخرى مخاطبة خاتم الأمم أن إرسال محمّد رحمة للعالمين، يأمر بعبادة الله وحده، وأن يترك الحكم على أعمال الناس على لله فهو يعلم الجهر والسر من القول ويعلم ما يصفون من الشرك والكذب والافتراء. وإنها رحمة ونعمة عظيمة أن أرسل الله لهم رسولاً يبيّن لهم هذه الحقيقة.

021.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

021.8.1- ذكر في سورة مريم أن التوحيد والإيمان بالله واتباع دينه هو مصدر الخير والنعم وهو رحمة للناس ونجاة لهم من الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة. وفي سورة طه أن الله أنزل القرآن تذكرة ورحمة للناس ونجاة لهم من الشقاء في الدنيا ومن العذاب والنار. وفي سورة الأنبياء أن الله أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ورحمة للناس ونجاة لهم من الشقاء في الدنيا ومن العذاب في الآخرة.

021.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: قدم ما فيها مستوفي ويظهر أيضاً في اتصالها بآخر طه‏:‏ أنه سبحانه لما قال‏:‏ {قل كل متربص فتربصوا (135)} وقال قبله‏: {ولولا كلمةٍ سبقت من رَبِكَ لكانَ لزاماً وأَجلا مسمى (129)} قال في مطلع هذه‏: {اقترب للناس حسابهم} إشارة إلى قرب الأجل ودنو الأمل المنتظر وفيه أيضاً مناسبة لقوله هناك‏:‏ {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم (131)} فإن قرب الساعة يقتضي الإعراض عن هذه الحياة الدنيا لدنوها من الزوال والفناء.

021.8.1- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه: لما تقدم قوله سبحانه {لا تمدن عينيك (131)} – إلى قوله – {فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى (131)} طه، قال تعالى {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} أي لا تمدن عينيك إلى ذلك فإني جعلته فتنة لمن ناله بغير حق، ونسأل عن قليل ذلك وكثيره {ولتسألن يومئذ عن النعيم (8)} التكاثر، والأمر قريب {اقترب للناس حسابهم} وأيضاً فإنه تعالى لما قال {وتنذر به قوماً لداً (97)} مريم، وهم الشديدو الخصومة في الباطل، ثم قال {وكم أهلكنا قبلهم من قرن (74)} مريم، إلى آخرها، استدعت هذه الجملة بسط حال، فابتدأت بتأنيسه عليه الصلاة السلام وتسليته، حتى لا يشق عليه لددهم، فتضمنت سورة طه من هذا الغرض بشارته بقوله {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2)} طه، وتأنيسه بقصة موسى عليه السلام وما كان من حال بني إسرائيل وانتهاء أمر فرعون ومكابدة موسى عليه السلام لرد فرعون ومرتكبه إلى أن وقصه الله، وأهلكه، وأورث عباده أرضهم وديارهم، ثم اتبعت بقصة آدم عليه السلام ليرى نبيه صلى الله عليه وسلم سنته في عباده حتى أن آدم عليه السلام وإن لم يكن امتحانه بذريته ولا مكابدته من أبناء جنسه – فقد كابد من إبليس ما قصه الله في كتابه، وكل هذا تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا تقرر لديه أنه سنة الله تعالى في عبادة هان عليه لدد قريش ومكابدتهم، ثم ابتدأت سورة الأنبياء ببقية هذا التأنيس، فبين اقتراب الحساب ووقوع يوم الفصل المحمود فيه ثمرة ما كوبد في ذات الله والمتمنى فيه أن لو كان ذلك أكثر والمشقة أصعب لجليل الثمرة وجميل الجزاء، ثم اتبع ذلك سبحانه بعظات، ودلائل وبسط آيات، وأعلم أنه سبحانه قد سبقت سنته بإهلاك من لم يكن منه الإيمان من متقدمي القرون وسالفي الأمم {ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها (6)} الأنبياء، وفي قوله {أفهم يؤمنون (6)} الأنبياء، تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر قريش ومن قبل ما الكلام بسبيله، وقد تضمنت هذه السورة إلى ابتداء قصة إبراهيم عليه السلام من المواعظ والتنبيه على الدلالات وتحريك العباد إلى الاعتبار بها ما يعقب لمن اعتبر به التسليم والتفويض لله سبحانه والصبر على الابتلاء وهو من مقصود السورة، وفي قوله {ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين (9)} الأنبياء، إجمال لما فسره النصف الأخير من هذه السورة من تخليص الرسل عليهم السلام من قومهم وإهلاك من أسرف وأفك ولم يؤمن، وفي ذكر تخليص الرسل وتأييدهم الذي تضمنه النصف الأخير من لدن قوله {ولقد ءاتينا إبراهيم رشده (51)} الأنبياء، إلى آخر السورة كمال الغرض المتقدم من التأنيس وملاءمة ما تضمنته سورة طه وتفسير لمجمل {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً (98)} مريم، انتهى.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top