العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
023.0 سورة المؤمنون
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
023.1 التعريف بالسورة:
1) مكية. 2) من المئين. 3) عدد آياتها 118 آية. 4) هي السورة الثالثة والعشرون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والرابعة والسبعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الأنبياء”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:
ورد لفظ الجلالة {الله} في السورة 9 مرّات، {لله} 4 مرّات، {رب} 22 مرّة، هو 7 مرّات، خلق 6 مرّات؛ أنشأ 5 مرّات؛ (2 مرّة): الحق، قادر، خير الراحمين، تعالى؛ (1 مرّة): أعلم، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، عليم، الملك، رزاق، كريم، يحيي، يميت، أنزل، خير المنزلين، كاشف، ذرأ، نبلو، خير الرازقين، أحسن الخالقين، بيده ملكوت؛ أسماء الله في الآية {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} مرة واحدة. وكثرة تكرار الاسم {رب} يتناسب مع دعوة السورة إلى العبادة والطاعة والتصديق. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
هي السورة الوحيدة التي ورد فيها: {سيقولون لله قل} 3 مرات، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} 2 مرة، {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} 2 مرة، {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} 2 مرة، {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آَخَرِينَ} 2 مرة، {وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)} 2 مرّة، تترا 1 مرة، غمرتهم 1 مرة.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: أنشأ 5 مرات من أصل 17 في القرآن، عظام 4 مرات من أصل 13 في القرآن، تنكصون 1 مره.
تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: قل 34 مره، قوم 11 مره، خلق 10 مرات، إذا 9 مرات، كذب 8 مرات؛ (6 مرّات): آية، مؤمن، حتى، حق؛ (5 مرّات): رسول، عمل؛ (4 مرات): تتقون، بشر، أمّه، أرسل، عبد؛ (3 مرات): أفلح، لبث، انصر، عذاب، قليل؛ (2 مرّة): رجل، يبعثون، دنيا، آخرة، حياة، موت.
023.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن المنذر والعقيلي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختار عن عمر بن الخطاب قال: كان إذا أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فأنزل عليه يوماً فمكثنا ساعة، فسري عنه فاستقبل القبلة فرفع يديه فقال: “اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا”، ثم قال: “لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ حتى ختم العشر” {قد أفلح المؤمنون…}.
023.3 وقت ومناسبة نزولها:
اسلوب السورة وموضوعها يشير إلى أنها نزلت في منتصف العهد المكّي. وبقراءة ما بين السطور نلاحظ أن هناك صراع مرير بدأ يظهر بين النبي صلى عليه وسلم وكفار مكّة، فقد كانوا ينكرون أنه رسول وينكرون البعث ويكذبون الوحي ويعرضون عنه ويقولون أنه مجنون وعن القرآن أساطير الأولين، إلا أن تسلّطهم على المسلمين لم يصل بعد إلى حد الاستبداد والتعذيب. ويظهر من الآيات (75-76) أن الجوع الذي أصاب قريش قد كان في ذروته حين نزول السورة والتي حصلت في منتصف فترة النبوّة. وفي الحديث:أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: جاء أبو سُفيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا مُحمَّدُ أنشُدُكَ اللهَ والرَّحِمَ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ، يعني الوَبَرَ والدَّمَ، فأنزَل اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)}.
023.4 مقصد السورة:
023.4.1- مقصد السورة: تقرير فوز المؤمنين وسعادتهم، وخسران الكافرين. مع إقامة الدليل على ذلك ليدرك المؤمنون حقيقة إكرام الله لهم بعبادته في الدنيا، وأن لهم الخلود في الجنة. وفيها بيان صفات المؤمنين المفلحين، وصفات الكافرين الخاسرين.
023.4.2- ومقصدها نجده في الآية الأولى وهي ثلاث كلمات {قد أفلح المؤمنون}. وحقيقة الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وصفات المؤمنين وأفعالهم تتمثل بالإسلام وهو شهادة أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.
أما في السورة (وهي مكّية وقد نزلت قبل أن يكتمل الدين في المدينة) فالمؤمنون هم الذين في صلواتهم خاشعون، محافظون عليها، وعن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، ولأماناتهم وعهدهم راعون، وبربهم لا يشركون، وهي الصفات التي إذا اتصف بـها الإنسان رفعه الله وأكرمه. أما المكذبون فقد كذبوا الرسل وأنكروا البعث واتبعوا الشيطان وأشركوا بالله.
023.5 ملخص موضوع السورة:
والسورة باعتبار ترتيب آياتها تنقسم إلى نصفين تقريباً وخاتمة، وقد استهلّت بذكر مقصدها في ثلاث كلمات {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}، وذلك بسبب التزامهم بسبعة أنواع من العبادات. ثم بيّنت خلق الله للإنسان على سبعة أطوار، وخلق سبع سماوات فوقه والأرض، وتسخيرهما وما بينهما لخدمة الإنسان وتحقيق مصالحه وإعانته على العبادة، ثم إرسال المرسلين بالآيات يدعون إلى الإيمان وفعل الخيرات. ثم أكملت في النصف الثاني تتحدّث عن أمّة محمد صلى الله عليه وسلم وبأنه سيتكرر التكذيب والإعراض فيهم كما سبق في الأمم، حتى إذا ما حضر الموت طلبوا الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من الإيمان فلا يجابون، كما يلي:
النصف الأوّل: (الآيات 1-11) بيان أنّ المؤمنين المفلحين الخالدين في الفردوس التزموا بسبعة أنواع من أصول العبادة هي: أنهم في صلاتهم خاشعون، وعن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون إلا على أزواجهم، ولأماناتهم وعهدهم راعون، وعلى صلواتهم محافظون. ثمّ (الآيات 12-22) بيان خلق الله الإنسان على سبعة أطوار: ابتدأت من طين، ثم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاماً، ثم كسا العظام لحماً، ثم صار إنساناً فيه روح وسمع وبصر وعقل، سويّ كامل الخلق، فلا أحد يستطيع أن يخلق كخلق الله {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)}، ثم يموت ويُبعث. وخلق الله فوقه سبع سماوات، وأنزل له الماء، وأنشأ على الأرض الجنّات، وسخّر الأنعام فيها منافع وعبرة، وعليها وعلى الفلك يحملون. ثمّ (الآيات 23-56) بأن أرسل المرسلين إلى الأمم، وكلّما جاء أمة رسولها دعاهم أن {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ}، كذّبوه وقالوا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ …}، فينتهي الأمر بأن يطلب الرسول النصر من الله {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}، فينصره الله ويهلكهم ويجعلهم أحاديث لمن بعدهم من الأقوام {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آَخَرِينَ}. وهذه هي قصّة ابتلاء الإنسان كاملة، جاءتهم الرسل تترى يتبع بعضهم بعضاً، كلّما دعا رسول أمته كذبوه فأهلكهم الله واستبدلهم، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} لمن بعدهم، يتخذونها عبرة، ويتعجبون من شنيع فعلهم مع خالقهم. إن أمة الرسل ومن آمن معهم أمة واحدة، الله ربهم ربّاهم على التقوى، لكن أتباعهم افترقوا وجعلوا دينهم الواحد أدياناً وأحزاباً ومللاً، كل ملّة فرحون بما هم عليه، ويحسبون أن الذي أُعطي لهم في الدنيا من المال والأولاد هو ثواب لهم، إنما هو استدراج وإملاء وليس إسراعاً في الخيرات، بل ويحصل بسببه هلاكهم.
النصف الثاني: (الآيات 57-77) يخصّ خاتم الأمم، وأن ما حصل في القرون الأولى سيتكرّر، وسيكون منهم مؤمنون وكافرون، فالمؤمنون يسارعون في الخيرات، وقد سبقت لهم من الله السعادة، لكن الكفار في غفلة وضلالة عن القرآن، فعذبهم الله لعلهم يستكينون أو يتضرعون إليه، إلا أنهم كفروا واتهموا رسولهم بالجنون، حتى إذا فتح الله عليهم من العذاب إذا هم نادمون في حين لا ينفعهم الندم. (الآيات 78-98) الله رحيم بعباده جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وفطرهم ودلّهم على آياته، حتى علموا أن له الأرض ومن فيها وأنه رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، بيده ملكوت كل شيء، لكنهم قالوا مثل ما قال الأولون، أي كذبوا الرسل وأنكروا البعث وأشركوا بربهم، فيأمر نبيه ومن معه من المؤمنين بأن يصبروا على أذاهم لأن الله عليم بهم، وأن يستعينوا به على كيد الشياطين ووسوساتهم. (الآيات 99-114) فإذا جاءت ساعة الحقيقة فأشرف الكافر على الموت قال رب ارجعون إلى الدنيا لعلي أستدرك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة، فلا يجاب طلبه فلو رُدَّ إلى الدنيا لعاد إلى ما نُهي عنه، ولو صبر الأشقياء على طاعة الله وقتاً قليلاً لفازوا بالجنّة خالدين كما فاز المؤمنون.
الخاتمة: (الآيات 115-118) تلخّص مقصد السورة وهو أن الله لم يخلقهم عبثاً بل اختباراً لهم على عبادته لله وحده {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)}، وأنهم إليه راجعون فيحاسبهم على إيمانهم، وأنه لا يفلح الكافرون؛ وهي خلاصة القول الذي بدأت به السورة بأنه قد أفلح المؤمنون، فختمت بأن الكافرين الذين لا يؤمنون لا يفلحون، وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بالاستغفار وطلب الرحمة من خير الراحمين.
هذه السورة يتجلى فيها بوضوح كيف تبنى الحضارات وكيف تنهار، وتنتقل الحضارة من مكان إلى مكان ومن أمة إلى أمة. إنها رسالة السماء ابتدأت بنوح عليه السلام وختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم. رسالات تنزلت قرناً بعد قرن، ورسل بعثت تترى تبلّغ الحق، لكن كلما جاء أمة رسولها كذبوه، فينتصر الله للرسل والذين آمنوا ويمدّهم من نعيمه، ثم ما يلبث أن يعود الباطل، بفعل الشيطان وبإفساد المترفين الذين انشغلوا بنعمة الله عن اتباع الحق. فالحضارات تبتدئ بأمة مؤمنة جمعها الله على الدين، وعلّمها العلوم، التي منها تعلمت كيف تنظم حياتها وتبني المساكن والمجتمعات، ثم تترعرع الحضارة وتقوم على أكتاف هؤلاء المؤمنين، والذين سيأخذ إيمانهم واتباعهم لدينهم بالتناقص مع الزمن إلى أن يكفروا ويشركوا. إيمان الناس هو سبب نهضتهم وبناء حضارتهم، وكفرهم وتكذيبهم هو سبب هلاكهم وهلاك حضارتهم. تاريخ أمة محمد عليه الصلاة والسلام برهن على أن دين الإسلام حين نزل على القبائل العربية، التي لم تكن تملك العلم ولا الحضارة، بل كانت قبائل بدويّة أميّة متفرقة يحكمها الجهل والتفرق والحروب المزمنة وغيره، استطاع في سنوات قليلة من إيمانهم بالله وقبولهم دينه واتباعهم لتعاليمه وشرائعه أن يوحدهم ويجعل منهم أمة واحدة امتلكت العلوم والمعرفة وصنعت أعظم وأطول حضارة عرفها التاريخ.
ربّنا آمنّا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. ربّ اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.
023.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
تفصيل عن موضوعات السورة حسب ترتيب السورة:
هذه السورة من القرآن الكريم أنزلها الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم تبين لهم أن الإيمان فلاح وأن عدم الإيمان خسران {إنه لا يفلح الكافرون}:
ابتدأت السورة بتلخيص موضوعها في الآية الأولى، وذلك بثلاثة كلمات قررت أنه قد أفلح المؤمنون. ثم ابتدأت التفصيل عن كيف ولماذا هذا الفلاح، وذلك ببيان صفات المؤمنون المفلحون وبيان أعمالهم التي تدل عليهم، وهي عبادة الله وطاعته كما أمر. ثم بيان خلق الله للإنسان وتسخير الكون لخدمته وتحقيق مصالحه وإعانته على العبادة. ثم إرسال المرسلين يدعون إلى الإيمان ومعهم والآيات التي تبين الصراط المستقيم. وقد استغرق هذا نصف عدد آيات السورة تقريباً، ثم أكملت في النصف الثاني. وقد أكمل الموضوع بأسلوب تقيري يؤكد ما تم بيانه في النصف الأول من السورة، كما يلي:
023.6.1- الآيات (1-11) تبين من هم المؤمنون الذين كتب لهم الفلاح وما هي صفاتهم: (هم في صلواتهم خاشعون، محافظون عليها، وعن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، ولأماناتهم وعهدهم راعون، وبربهم لا يشركون)، وما هو جزاؤهم.
023.6.2- الآيات (12-22) يستحق الله سبحانه العبادة لأنه خلق الإنسان، فكيف إذا كان خلقه ليكرمه فهو يستحق أكثر من العبادة، وألا يعصى أبداً. خلقه سبحانه على مراحل بطريقة معجزة وخلق السماوات والأرض وسخرها له. لا أحد يستطيع أن يخلق كخلق الله ولا أن يكرم كإكرام الله، بل أن هذه العبادة ليست لله بل هي للناس، جعلت لهم لتجعل حياتهم سعيدة في الدنيا والآخرة، ولو لم يعبدوا الله لتحولت حياتهم في الدنيا والآخرة إلى عذاب وشقاء. لأن مبدأ العبادة هو إقامة القانون والأخلاق والعدل والمساواة بين الناس وإصلاح السماوات والأرض وعدم الإفساد فيهما، فإذا حصل هذا سعد الناس كلهم في الدنيا ودخلوا الجنة في الآخرة. أما إذا كفر الإنسان وأطاع شهواته والشيطان، فأشرك بالله وعبد غيره، يحصل نقيض الإيمان من ظلم في الأرض وحساب عسير في الآخرة وعذاب شديد في النار.
023.6.3- الآيات (23-56) أرسل الله رسله إلى الناس تترى ومعهم الكتب يدعونهم إلى الدين والإيمان وعبادة الله وحده خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم. فاعترضوا على كرم الله لهم ورحمته بهم، بهذه الرسالات والآيات البينات. بدعوى أن الله لا يرسل بشر يتفضّل عليهم، فحولوا الرسالة إلى أشخاص، رأوا فيها بشراً مرسلين يريدون أن يتفضلوا عليهم. ولم يروا ما فيها من الحق والحكمة، فضلوا بذلك عن الصراط المستقيم فلا عملوا بالدين، ولا عملوا لآخرتهم، ففسدت الأرض بأهوائهم، فأهلكهم الله ليخلص الأرض منهم ونصر أنبياءه والذين آمنوا معهم. ثم يعذب الكافرون في الآخرة جزاء ظلمهم وإفسادهم، ويكونوا بهلاكهم عبرة وأحاديث لمن بعدهم يتندرون بقصصهم ويتعجبون من شنيع فعلهم مع ربهم خالقهم ومع أنبياءهم الذين أرسلوا رحمة بهم. كذلك يأمر الله سبحانه رسله أن يأكلوا من الطيبات ويعملوا صالحاً فهو عليم بهم، وأن أمة الرسل ومن آمن معهم كلهم أمة واحدة الله ربهم رباهم على التقوى. لكن أتباع هذه الأمة الواحدة افترقوا وجعلوا دينهم الواحد أدياناً وأحزاباً ومللاً، كل ملّة فرحون بما هم عليه، ويحسبون أن الذي أعطاهم في الدنيا من المال والأولاد هو ثواب لهم، إنما هو استدراج وإملاء، وليس إسراعا في الخيرات، بل ويحصل بسببه هلاكهم.
إذاً بعد هذه الآيات البينات والدروس البليغة التي لا يعقلها إلا العاقل المنصف بصير القلب (وقد استغرقت نصف عدد آيات السورة تقريباً)، يخبر الله سبحانه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن أمة الرسل ومن آمن معهم كلهم أمة واحدة الله ربهم رباهم على التقوى. ويخبره أيضاً متصلاً بأن يذر وقريش ومن هم في منزلة من تقدم من الأمم في غيهم فرحون حتى يحين حينهم وهلاكهم. أيحسبون يا محمد أن الذي نعطيهم في الدنيا من المال والأولاد هو ثواب لهم، إنما هو استدراج وإملاء، ليس إسراعا في الخيرات.
023.6.4- الآيات (57-77) يخبر سبحانه أن ما حصل سابقاً في القرون الأولى سيتكرر مرات أخرى مع خاتم الأمم، وسيكون مؤمنون وكافرون، تكرار لما حصل في القصص السابقة، المذكورة أعلاه:
تبين هذه الآيات بعد ثبوت الدليل أن المؤمنون الذين يخشون ربهم والذين لا يشركون به والمنفقون الذين يسارعون في الخيرات لإيمانهم أنهم إلى ربهم راجعون أولئك سبقت لهم من الله السعادة.
كذلك يقول تعالى مخبرا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، أي إلا ما تطيق حمله والقيام به وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب لا يضيع منه شيء وهم لا يظلمون.
لكن الكفار في غفلة وضلالة عن القرآن الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، قد كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة لتحق عليهم كلمة العذاب، فيعذبهم الله في الدنيا لعلهم يستكينوا أو يتضرعوا إلى ربهم، تماماً كما حصل مع من كان قبلهم من الأمم، أتتهم الآيات ورسول منهم يعرفوه، فكفروا واتهموا رسولهم بالجنون، فأخذهم العذاب فلم يردهم عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة بل استمروا على غيهم وضلالهم، حتى إذا فتح الله عليهم من العذاب كقتلهم في بدر، أو في جهنم إذا هم نادمون على ما سلف منهم في تكذيبهم بآيات الله، في حين لا ينفعهم الندم والحزن.
023.6.5- الآيات (78-98) يبين سبحانه أنه أقام عليهم الحجة بالرسالات والآيات البينات: فيخبر سبحانه أنه رحيم بعباده جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة وفطرهم ودلّهم على آياته حتى علموا أن له الأرض ومن فيها وأنه رب السماوات السبع ورب العرش العظيم بيده ملكوت كل شيء. لكنهم قالوا مثل ما قال الأولون، أي كذبوا الرسل، وأنكروا البعث، وأشركوا بربهم. فيأمر نبيه ومن معه من المؤمنين (بالضرورة) أن يصفح عن جهل المشركين والصبر على أذاهم لأن الله عليم بشركهم وتكذيبهم، وأن يستعين به على كيد الشياطين ووسوساتهم.
023.6.6- الآيات (99-111) مادام أنهم كرروا أعمال من سبقهم فلم يعتبروا بما جاءهم عنهم من الأحاديث، يحذرهم ربهم ويخوفهم فيخبرهم سبحانه بنتيجة أعمالهم في اليوم الآخر حيث وزن الأعمال والندم على ما فات وطلب للعودة إلى الدنيا لتدارك ما فات، ثم العذاب وانقطاع العلاقات والأنساب والاعتراف بعظم ما اقترفوه من شرك وتكذيب وظلم، ثم الجزاء على الأعمال فخلود في الجنة أو في النار.
023.6.7- الآيات (112-118) يصرح سبحانه بأنه الملك الحق رب العرش الكريم، خلق الناس بالحق وليس عبثاً، وأنهم إليه راجعون فيحاسبهم على إيمانهم، وأنه لا يفلح الكافرون، وهي خلاصة القول الذي بدأت به السورة بأنه قد أفلح المؤمنون، فختمت أن الكافرون الذين لا يؤمنون لا يفلحون. ثم تختم السورة بأمر النبي عليه الصلاة والسلام وأمته بالاستغفار وطلب الرحمة من خير الراحمين.
وبنفي الفلاح عن الكافرين في مقابل تقرير الفلاح في أول السورة للمؤمنين، يلتقي مطلع السورة وختامها في تقرير الفلاح للمؤمنين والخسران للكافرين. وفي تقرير صفة الخشوع في الصلاة في مطلعها والتوجه إلى الله بالاستغفار وطلب الرحمة في ختامها. فيتناسق المطلع والختام في جوّ الإيمان.
023.7 الشكل العام وسياق السورة:
023.7.1- إسم السورة: سمّيت المؤمنون بهذا الاسم الجليل إشادة بمآثرهم وفضائلهم الكريمة التي استحقوا بها ميراث الفردوس الأعلى في جنات النعيم. واسم السورة يدل على مقصدها وعلى موضوعها الرئيسي الذي تدور حوله محتويات السورة. والمشهد العام هو دعوة الناس إلى قبول رسالة النبي عليه السّلام. فالمؤمنون هم المفلحون، والكافرون هم الخاسرون، فلا يغرنك ما آتاهم الله من متاع في الحياة الدنيا. والوحدة الموضوعية في السورة حول صفات المؤمنين المفلحين، وأوصاف الكافرين الخاسرين.
023.7.1.1- ملخص سياق السورة:
اسمها يدل عليها ويحدد موضوعها، فهي تبدأ بصفة المؤمنين، ثم بيان الآيات الداعية إلى الإيمان في الأنفس والآفاق. ثم إلى حقيقة الإيمان كما عرضها رسل الله صلوات الله عليهم، من لدن نوح عليه السلام، إلى محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الرسل والنبيين. واعتراض المكذبين عليها بحجة أنها جاءتهم عن طريق بشر مثلهم يريدون أن يتفضلوا عليهم، ووقوفهم في وجههم، حتى يستنصر الرسل بربهم، فيهلك المكذبين، وينجي المؤمنين. هذا جزاء الدنيا كذلك جزاء الآخرة حيث يؤنب هنالك المكذبون ويعاقبون في النار، ويفوز المؤمنون بالجنة. ويمكن تلخيص موضوعات السورة بما يلي:
1- بيان أنه قد أفلح المؤمنون، وأنه لا يفلح الكافرون، مع بيان صفات الفئتين.
2- خلق الله الناس، وخلق الكون وسخره لتحقيق منافعهم، وخلق لهم الحواس ووسائل الإدراك والعلم، وأرسل المرسلين، وبين الآيات وأقام الحجة، وأمرهم بالإيمان والعبادة. (خلق الله الإنسان وسخر الكون لمنافعه وأرسل المرسلين تأمره بالإيمان والعبادة).
3- قصص ودروس وعبر عن دورة الإيمان في الأمم السابقة، وانتقاله من أمّة إلى أمّه، لكي يعلم المخاطبون بهذه السورة أن الله أقام الحجة والعذر ويروا المصير وجزاء الأعمال في الدنيا. (دورة الإيمان في الأمم السابقة، وانتقاله من أمّة إلى أمّه، وبيان جزاء الأعمال في الدنيا)
4- ثم بيان المصير يوم القيامة حتى يحذر الناس أو يستبشروا.
5- الاستعاذة بالله من الشياطين، والتوجه إلى الله طلباً للرحمة.
023.7.1.2- ملخص سياق السورة باعتبار القصص والأمثلة والآيات الموجودة فيها:
تبين السورة أن فعل الله في الكون ليس لعباً، لو أطاعهم لفسدت السماوات والأرض، ينشئهم قوماً بعد قوم، ورسولاً منهم بعد رسول، يهلك المفسدين، ويستبدلهم بالمؤمنين. فهم يعبدون غير الله ويتبعون أهواءهم وما يوسوس لهم به شيطانهم، فهم مفسدون، متفرقون أحزاباً، يحسبون أن ما يمدهم به من أموال وبنين لكرامتهم ومعزتهم عنده وأنهم مهما فعلوا غير معذبون، إنما يفعل بهم ذلك استدراجا وإنظارا وإملاءاً ليزدادوا إثماً، فيعذبهم ويهلكهم بذنوبهم، بعد أن أخذهم بالعذاب لعلهم يتضرعون، فلم يفعلوا بل ازدادوا كفراً وطغياناً. في كل أمة يفسد المترفين في الأرض، ويتسلط القوي منهم على الضعيف، يسخرون من المؤمنين ويضحكون عليهم حتى نسوا ذكر الله لاشتغالهم بالاستهزاء بالمؤمنين. أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا، وقيل للعبث: أي لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب. وإنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل {وأنكم إلينا لا ترجعون}. دورة الكفر والإيمان في السورة كدورة الليل والنهار على الأرض {وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون (80)}.
023.7.2- سياق السورة باعتبار القصص والآيات الموجودة فيها:
هذه السورة جاءت لإثبات وتأكيد أنه قد أفلح المؤمنون. وللوصول إلى هذا المقصد اعتمدت على الاستشهاد أولاً بوقائع وقصص حقيقيه لإثبات فعلاً أنه قد أفلح المؤمنون، ثم التعقيب على نتائج تلك الأحداث والوقائع باستنتاج موجه إلى المخاطبين وهم آخر الأمم، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يلخص الدروس المستفادة في هذا الشأن.
سنلاحظ أن سياق السورة باعتبار القصص والحقائق التي احتوتها تنقسم إلى نصفين متساويين.
023.7.2.1- النصف الأول فيه ثلاثة مواضيع تتحدث عن آيات الله في الخلق، أي خلق الإنسان من العدم مروراً بكل مراحل حياته ابتداءاً بالطين وانتهاءاً بالموت، مع خلق السماوات والأرض ومن فيهن وتسخيرها للإنسان. ثم قصص حقيقية من سير الأمم السابقة مع أنبياءهم، ابتداءاً بأول نزول الوحي على نوح عليه السلام وانتهاءاً بابن مريم وأمه عليهما السلام، تبين أن أكثر الناس كذّبوا المرسلين ولم يؤمنوا. ثم قصص حقيقية من عالم الغيب ابتداءاً من موت الإنسان مروراً بالقبر والحساب إلى أن تستقر النتائج إما في الجنة أو في النار.
023.7.2.2- النصف الثاني وفيه ثلاثة مواضيع وكأنها تتحدث عن الدروس المستفادة مما حصل حقاً في النصف الأول: الموضوع الأول بيان صفات وأعمال الفئتين المؤمنون منهم والكافرون، فقد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون إلخ، وخسر الكافرون الذين كذبوا الرسل وأنكروا البعث ودعوا مع الله إلاهاً آخر، اغترّوا بنعمة الله عليهم فاستمروا في غيّهم وضلالهم، يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل. الثاني أخذ المكذبين بالعذاب في الدنيا وهلاكهم وندمهم على ما فرّطوا في حق الله وحق أنفسهم، أما المؤمنون فهم يسارعون في الخيرات وقد سبقت لهم من الله السعادة. الثالث إقرار الناس جميعاً بأن الله هو الخالق المالك الضار النافع، فالكفار اتبعوا الشيطان فأشركوا وعميت بصيرتهم أما المؤمنون فاستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم وتوجهوا إلى الله طالبين رحمته.
023.7.2.1.1- تسهيل فهم السورة عن طريق بيان آيات الله في الخلق:
الآيات (12-22، 78-80) = 14 آية = 11.86%.
يذكّر سبحانه الإنسان بأنه خلقه من العدم، وأن عليه أن يتفكر في مراحل خلقه وفي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وفي تسخيرهما لمنافعه، وأن يسأل نفسه إن كان كل هذا الخلق الذي ذكرته الآيات عبثاً أم غير ذلك، كما يلي:
023.7.2.1.1.1- في الحياة الدنيا خلقه من العدم على سبعة مراحل: ابتدأت من طين، ثم نطفه، ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم كسا العظام باللحم ثم صار إنساناً فيه روح وسمع وبصر وعقل، إنسان سوي كامل الخلق، ابتدأ طفلاً صغيراً ثم شاباً، ثم كهلاً ثم يرد إلى أرذل العمر.
023.7.2.1.1.2- ثم بعد هذه النشأة الأولى (من العدم) سيكون موت ثم بعده بعث يوم ينشئ الله النشأة الآخرة فتعود الأرواح إلى الأجساد فيحاسب الخلائق ويوفى كل عامل عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
023.7.2.1.1.3- خلق سبحانه سبعة سماوات بعضها فوق بعض، يعلم كل ما فيها من صغير أو كبير أو داخل أو خارج ولا من شيء إلا ويعلمه وهو في كتاب مبين.
023.7.2.1.1.4- أنزل من السماء ماء بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به عذبا فراتا فيسكنه في الأرض ويسلكه ينابيع وأنهار يسقي به الزروع والثمار يشرب منه الناس ودوابهم وأنعامهم ويغتسلون منه ويتطهرون. وأنشأ به جنات من نخيل وأعناب وشجر يأكل الناس منه، وكذلك جعل الأنعام يأكلون منها ويشربون، وعليها وعلى الفلك يحملون.
023.7.2.1.1.5- بعد أن ذكّرهم سبحانه بعظيم خلقه وكثرة نعمه وكمال قدرته، يعرّفهم على أنه جعل لهم السمع والأبصار والعقول ليشكروا هذه النعم، لكن ما أقل شكرهم لله على ما أنعم به عليهم. ويؤكد هنا أنه هو الذي أنشأهم وبثهم وخلقهم، وإليه يحشرون للجزاء. كما يؤكد على أنه هو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار، أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذي قد قهر وعز وخضع له كل شيء.
023.7.2.1.1.6- ما اعتبر هؤلاء المشركون بآيات الله ولا تدبروا ما احتج به عليهم من الحجج، والدلالة على قدرته على فعل كل ما يشاء، بل قالوا مثل ما قال أسلافهم من الأمم المكذبة رسلها قبلهم. وهو ما تمّ تفصيله في الآيات التي تلي وتتحدث عن إنشاء القرون وعن حقيقة أفعالهم ومن ثم هلاكهم.
023.7.2.1.2- تسهيل فهم موضوعات السورة من خلال ما ورد فيها من قصص عن الأمم السابقة:
الآيات (23-53) = 31 آية = 26.27%
023.7.2.1.2.1- تبين الآيات أن الله سبحانه وتعالى لم يعط الناس أدوات العلم من سمع وبصر وعقل بدون تذكير وهداية وتوجيه، ولم يترك الناس لعقولهم وحدها بل أرسل لهم الرسالات والمرسلين وأقام عليهم الحجة والعذر، ذلك لعلمه بأنهم سيعطلون عقولهم وقلوبهم سعياً وراء شهواتهم واتباعاً لضلالات زينتها لهم أنفسهم وشياطينهم.
023.7.2.1.2.2- فقد أرسل سبحانه نوحاً عليه السلام إلى قومه وهو أول رسول مرسل، بعد هبوط آدم من الجنة، ثم أرسل من بعده ثمود، ثم أرسل من بعدهم الرسل تترى يتبع بعضهم بعضاً، في كل أمة رسول، ما من أمة إلا وجاءها رسول واحد منهم أو أكثر من رسول، كما هو الحال عندما أرسل موسى وهارون عليهما السلام رسولان في وقت واحد إلى نفس الأمّة، وموسى وهارون كانا آخر المرسلين وقد أرسلا إلى فرعون وقومه لإخراج بني إسرائيل من مصر، ثم أوتي موسى الكتاب وهو التوراة هدى لبني إسرائيل. تلا ذلك أن جعل الله سبحانه عيسى ابن مريم وأمه آية إلى بني إسرائيل ثم آتاه الله الإنجيل مصدقاً لما جاء به موسى من الهدى في التوراة وليحل لهم بعض الذي حرّم عليهم.
023.7.2.1.2.3- ولقد كان كلما جاء أمة رسولها يدعوهم أن {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، كذبوه وقالوا {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْْ}، فينتهي الأمر بأن يطلب الرسول النصر من الله {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}، فينصره الله ويهلكهم، ويجعل قومه أحاديث لمن بعده من الأقوام، (قال الأخفش: {جعلناهم أحاديث} إنما يقال هذا في الشر ولا يقال في الخير، كما يقال: صار فلان حديثا أي عبرة ومثلا).
وهكذا كان جمهور تلك القرون وأكثرهم مكذبون. وقد انتقصوا من المرسلين وكذبوا دعوتهم بسبب أنهم بشر مثلهم، استكباراً من مترفيهم وعصبيّة من أشرافهم. وادعاءاً منهم بأن هؤلاء الرسل يريدون أن يترفعوا عليهم بالنبوة، فيكونون متبوعين، وهم لهم تبع، ولو أراد الله لبعث ملكاً من عنده، فهم لم يسمعوا ببعثة البشر من آبائهم وأجدادهم في القرون الماضية.
023.7.2.1.2.4- إن دين الأنبياء دين واحد وملة واحدة وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأمم الأنبياء أيضاً داخلين في هذه الملّة، وإن والله هو رب الجميع فليتقوه. لكن الأمم الذين بعثت إليهم الأنبياء افترقوا جماعات وجعلوا دينهم أدياناً فرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون (كاليهود والنصارى) ولهذا قال متهددا لهم ومتواعدا فذرهم في غيهم وضلالهم إلى حين حينهم وهلاكهم.
وهذا أيضاً درس لقريش، خاطب محمدا صلى الله عليه وسلم في شأنهم، يقول فذر هؤلاء الذين هم بمنزلة من تقدم، ولا يضيق صدرك بتأخير العذاب عنهم، فلكل شيء وقت.
023.7.2.1.3- قصص حقيقية من عالم الغيب ابتداءاً من موت الإنسان مروراً بالقبر والحساب إلى أن تستقر النتائج النهائية للحساب على الأعمال إما في الجنة أو في النار:
الآيات (99-114) = 16 آية = 13.56%
إنذار شديد من الله العليم الخبير الذي خلق ورزق وسخّر كل شيء إلى الناس حتى يحذروا ويفيقوا من غفلتهم، إنذار من عالم الغيب، عن العالم الذي لا يعلمه إلا الله عن أخبار ساعة انكشاف الحقيقة التي تبدأ بالموت ثم ما سيحصل في القبر ثم عن أخبار ما بعد الموت يوم ينفخ في الصور يوم البعث، ثم وزن الأعمال فمنهم المفلحون ومنهم الخاسرون في جهنم خالدون.
حتى إذا انكشف الحق بالموت، عندها يتمنى الإنسان أن يرجع فيعمل صالحاً، لكن الزمان لا يرجع، لأنه جاء الوقت الذي توزن فيه الحسنات والسيئات، ولا ينفع فيه الأعمال ولا الأنساب، وجاء الوقت الذي فيه إما الجنة أو النار.
وبذلك يكون مجموع الآيات في النصف الأول = (12-53، 78-80، 99-114) = 61 آية = 51.70%
023.7.2.2- النصف الثاني: دروس نتعلمها من القصص:
ابتدأت السورة بآية من ثلاثة كلمات تقول: {قد أفلح المؤمنون}، وختمت في الآية قبل الأخيرة بالقول {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}. واحتوت الآيات المذكورة بين هذين التقريرين على بيان وتأكيد كيف يفلح أو لا يفلح الناس. كما احتوت على صفات المؤمنين الموصلة للفلاح، وصفات الكافرين المؤدية إلى الهلاك والخسران.
ففي نصف آيات السورة المذكورة أعلاه تم بيان أو تقرر بالدليل الواقع والمشاهد والمسموع أن الله خلق الإنسان وجعل له أدوات العقل والتمييز من السمع والبصر والفؤاد لكي يتدبر ويتعلم ويعقل بنفسه، ثم أرسل له الرسل تبين له الحق والهدى والصراط المستقيم، ثم أنزل الكتب تقص القصص، وتبين الآيات وتبشر بما فيه صلاح وسعادة الإنسان وإعمار الكون، وتحذر من الضلال واتباع الشهوات ومن كل ما فيه فساد الأرض.
023.7.2.2.1- الإيمان الموصل للفلاح: تقرير أنه قد أفلح المؤمنون، وأنه لا يفلح الكافرون، مع بيان صفات الفئتين:
القصص والآيات سهلت علينا فهم موضوعها وأثبتت بالدليل العملي صدق مقصد السورة وهو أن الإيمان فلاح والكفر خسران، إذاً هنا فيما تبقى من السورة (في النصف الآخر) تتكرر نفس موضوعات السورة ولكن بأسلوب مختلف وهو أسلوب تقريري أن كل ما يقال حق لا يحتاج إلى نقاش وذلك لسببين الأول هو أنه تم إثبات حقيقة وصدق ما سيقال وثانياً أن الآيات تنزلت على خاتم الأمم في هذه السورة من القرآن جاءت في تقرير واضح لا لبس فيه، وقد أثبتت الموضوعات ونوقشت بالأدلة والبراهين، وهي كذلك حصيلة تجارب حقيقية في الأمم السابقة.
023.7.2.2.1.1- فلاح الإنسان بعبادة الله لا شريك له لأنه هو الضار النافع في الدنيا، وهو المحاسب والمجازي في الآخرة، لا يقبل شريك وليس لمخلوق عنده من واسطة ولا شفاعة أو فضل على مخلوق آخر إلا بالعمل الصالح والإيمان والتقوى. فماهي الصفات المبشرة البشارة التي تجعل الإنسان يميز ويطمئن بأنه على الطريق الصحيح طريق الفلاح، هذا ما جاء بيانه في أول السورة وفي منتصفها بأن المؤمنون المفلحون هم المصلون المزكون الذين لا يشركون إلخ، كما في الآيات (1-11، 57-62) = 17 آية = 14.41%.
023.7.2.2.1.2- أما الإنذارات (الصفات المنذرة) التي تحذر صاحبها من أنه لا يفلح وأنه مقبل على الهلاك والخسران في الدارين، فقد جاء بيانها في نهاية السورة وفي منتصفها وهؤلاء هم الذين أشركوا بالله واغتروا بالمال والبنون وبقوا على ضلالتهم إلخ، كما في الآيات (54-56، 117) = 4 آيات =3.39%.
023.7.2.2.2- أخذ المكذبين بالعذاب في الدنيا وهلاكهم وندمهم على ما فرّطوا في حق الله وحق أنفسهم، أما المؤمنون فهم يسارعون في الخيرات وقد سبقت لهم من الله السعادة:
ما ذكر أعلاه من صفات وأعمال المؤمنين هي نفسها التي جاءت بها كل الرسل إلى أممها عبر القرون كما أشير إليه، فالمرسل واحد هو الله والناس كلهم أمة واحدة. لذلك سنلاحظ أن ردود أفعال الناس وأعمالهم متشابهة، مهما تغير زمانهم ومكانهم، وستكون نتائج الأعمال والنهايات متشابهة أيضاً حتى مع خاتمة الأمم التي أرسل لها خير المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه”. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: “فمن”.
وهوما قررته السورة في الخطاب الموجه إلى قريش في مكة، وإلى من سيأتي بعدهم حتى تقوم الساعة، كما يلي:
023.7.2.2.2.1- ستكون النتيجة أنه كما فعلت الأمم السابقة ستفعل هذه الأمة، أكثرهم لا يؤمنون، حتى لو أتتهم الآيات أو أخذهم العذاب. فقد كذبوا رسولهم وهو منهم يعلمون صدقه اتهموه بالجنون، أنكروا البعث، اتبعوا الهوى، مع أن رسولهم يدعوهم إلى الصراط المستقيم، لم ينفع فيهم كشف الضر عنهم ولا نزول العذاب عليهم، أنكروا البعث كما أنكر الأولون وقالوا عنه أساطير الأولين وغيره مما فعلته من قبلهم الأمم السابقة. كما في الآيات (64-77) = 14 آية = 11.86%.
023.7.2.2.2.2- قال الكفار لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الذين من قبلهم – فالتاريخ يعيد نفسه- قالوا أساطير الأولين وأنكروا البعث. قالوا نفس قولهم. في الآيات (81-83) = 3 آيات = 2.54%.
023.7.2.2.3- إقرار الناس بأن الله هو الخالق المالك الضار النافع، فالكفار اتبعوا الشيطان فأشركوا وعميت بصيرتهم أما المؤمنون فاستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم وتوجهوا إلى الله طالبين رحمته:
023.7.2.2.3.1- الكفار (بمن فيهم قريش) يقرّون بأن الأرض ومن فيها والسماوات السبع والعرش وملكوت كل شيء هو لله. لأن الإيمان بالله وعبادته هو أمر فطري، موجود في أصل خلقة الإنسان، فلن يستطيعوا إنكاره. بل سيقولون لله، لكن الضلال باتباع الشيطان وعدم اتباع الهدى، وتكذيب المرسلين لأنهم بشر أعمى أبصارهم وطمس على بصيرتهم، فأشركوا مع الله مالا يضر ولا ينفع. وقد أشركوا بغير علم لأن الله ليس له ولد ولوكان معه إله آخر لذهب كل إله بما خلق. الآيات (84-92) = 9 آيات = 7.63%.
023.7.2.2.3.2- حضور الشيطان في حياة الناس، ووسوسته لهم هو العامل الرئيسي في إضلالهم عن الحق وغوايتهم. هو الذي يزين للناس الشرك والظلم وسوء أعمالهم. يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى الناس وألا يجعله فيهم إذا عاقبهم، فالله أعلم بكذبهم وشركهم. ويأمره كذلك بالدعاء لله والاستعانة به على كيد الشيطان الرجيم ووسوساته. الآيات (93-98) = 6 آيات = 5.08%.
023.7.2.2.3.3- نستنتج مما سبق ألا يظن الناس أن الله خلقهم عبثاّ بغير قصد وبلا حكمة، أي لا ثواب ولا عقاب كالبهائم. تعالى الله الملك الحق، بل المقصد من الخلق على الأرض هو العمل ثم الرجوع إلى الله للحساب، فتجازون بأعمالكم. يأمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أن يطلبوا الرحمة والمغفرة من أرحم الراحمين. الآيات (115-118) = 4 آيات = 3.39%.
وبذلك يكون مجموع الآيات في النصف الثاني = (1-11، 54-77، 81-98، 115-118) = 57 آية = 48.30%
023.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
023.7.3.1- آيات القصص: (23-77، 81-83) = 58 آية.
023.7.3.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (99-114) = 16 آية.
023.7.3.3- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (12-22، 78-80، 84-92) = 23 آية.
023.7.3.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-11، 93-98، 115-118) = 21 آية.
023.7.4- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:
الله أراد للناس الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة. لقد خلق الله الناس ليكرمهم لا ليعذبهم، خلقهم ليرثوا الجنة ويخلّدوا فيها. هذا ما نصت عليه مقدمة السورة (في الآيات من 1-11) بكل صراحة، ووضوح لا لبس فيه. كما نصت المقدمة أيضاً أنه يتوجب على هؤلاء الناس أن يعبدوا الله الذي خلقهم ليتواصل تكريمهم. وماهي هذه العبادة المطلوبة منهم؟ إنها اتصال دائم مع نبع العطاء ومصدر الكرم والرحمة (ويا لصاحبها من حسن الحظ ودوام السعادة بالاتصال بالرحيم الكريم)؛ وهي التزام بقوانين الحياة، بالامتناع عن الأذى واحترام حقوق الغير وحفظ العهود والأمانات (وهذه قوانين عادلة وفطرية لا يختلف إثنين على أنها جعلت لمصلحة الإنسان ومن أجل سعادته). سبحان الله، ما هو العمل العظيم الذي عمله الإنسان لكي يخلق مكرماً، وحين خلقه الله ليكرمه جعل له الصلاة ومكارم الأخلاق (مع شدة حاجة الإنسان لها) هي سبب فوزه وسعادته، إنه لكرم بالغ ورحمة واسعة. العبادة والعمل الصالح هي توفيق وفلاح في الدنيا وهي خلود في الفردوس في الآخرة. هذه هي مقدمة السورة وسنرى فيما احتوته من أحداث، بماذا قابل الإنسان هذا الكرم الواسع من أرحم الراحمين.
تنقسم السورة باعتبار موضوعات آياتها إلى أربعة أقسام (لماذا خلق الله الإنسان، وأعمال الإنسان، ونتائج أعمال الإنسان ثم إقرار بالحق الذي جعله الله وقدره للإنسان) وكل قسم له تفرعات كما يلي:
023.7.4.1- خلق الله الإنسان على أحسن خلقة وسخّر له المخلوقات لمنافعه وأمره بالعبادة لله وحده لا شريك له:
023.7.4.1.1- مراحل خلق الإنسان منذ نشأته إلى موته ثم بعثه: بينت الآيات أصل خلق الإنسان وتفصيل مراحل حياته الأولى (7 مراحل) من طين ثم وهو جنين إلى أن يصير إنساناً. وهذه الحياة الأولى ستنتهي بالموت، ثم يعاد بعثها وإحياؤها يوم القيامة. الآيات (12-16).
023.7.4.1.2- خلق السماوات: بيان أن الله خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض ولم يغفل عن مخلوقاته بل حفظها كلها. آية (17).
023.7.4.1.3- خلق مقومات حياة الإنسان من المأكل والمشرب والمسكن والملبس والمركب: بينت الآيات أن الله سخّر السماوات والأرض وما بينهما للإنسان وأمدّه بكل مقومات حياته من الطعام والشراب ومنافع كثيرة من الأنعام وحمله عليها وعلى الفلك. الآيات (18-22).
023.7.4.1.4- خلق الأمم والقرون المؤمنة: بيان أن الله ينشئ الأمم قرناً بعد قرن. وأن لكل أمة بداية ينشئها الله على الإيمان (كما بينته القصص في السورة) ثم أجل مسمى ينتهي عند نشوء الكفر وانتشار الظلم والفساد في الأرض. الآيات (31، 42، 43).
023.7.4.1.5- خلق الحواس ووسائل الإدراك والعلم ليعقل الناس أن الله وحده لا شريك له خلقهم وأنهم محشورون إليه: أنشأ الله للناس السمع والأبصار وهي أدوات الاتصال بما حوله، وأنشأ لهم الأفئدة ليعقلوا ما يؤمروا به ويشكروا، وأنه وحده لا شريك له بثهم في الأرض وأعلمهم بأنه سيحشرهم إليه ليحاسبهم، وأعلمهم بأنه يحييهم ويميتهم، وأن له ما مضى في اختلاف الليل والنهار من سعادة وشقاء وضلال وهدى. الآيات (78-80).
023.7.4.1.6- أرسل الرسل تأمر الناس بالعبادة وتبين لهم أن الله مبتليهم بما آتاهم: أرسل سبحانه المرسلين مبشرين ومنذرين يدعون الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له ومبلغين الناس بأنهم مبتلون بهذه العبادة لله وحده وهذا النعيم الذي هم فيه. الآيات (23، 30، 32، 44-46، 49-52، 55، 56، 73).
مجموع عدد الآيات 30 آية، وهي تمثل ربع عدد آيات السورة 25.42%
023.7.4.2- أعمال الإنسان:
023.7.4.2.1- المؤمنون، صفاتهم وأعمالهم: بيان صفات المؤمنين الذين كتب لهم الفلاح، وهم في صلواتهم خاشعون، محافظون عليها، وعن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، ولأماناتهم وعهدهم راعون، وبربهم لا يشركون، وهي الصفات التي إذا اتصف بـها الإنسان رفعه الله وأكرمه. في الآيات (2-9، 57-61، 109) = 14 آية.
023.7.4.2.2- المكذبون صفاتهم وأعمالهم: كذبوا المرسلين وأنكروا أن يكونوا بشر مثلهم قد فضّلوا عليهم ورأوا أن المرسلين يجب أن يكونوا من الملائكة. وكذلك أنكروا البعث مدعين أن الحياة هي في الدنيا فقط ثم موت ولا بعث. فرحون بما عندهم من الضلال ويحسبون أنهم مهتدون. بل هم في غفلة وضلال وشرك. الآيات (24، 25، 33-38، 47، 48، 53، 63) = 12 آية.
ومن صفات المكذبون أيضاً: أنهم تتلى عليهم الآيات على أعقابهم ينكصون، مستكبرين يهجرون، لم يتدبروا القول مع أنه لم يأتيهم شيء غيره، أنكروا الرسول مع علمهم به، اتهموه بالجنون لكرههم للحق، اتبعوا الهوى وفيه فساد السماوات والأرض، أعرضوا عن ذكرهم وقد جاءهم به الله، لم تسألهم الرزق لأن الله هو الرزاق، نكبوا عن الصراط مع أنك تدعوهم إلى صراط مستقيم، لجوا في الطغيان والعمى فلم يرحموا ولم يكشف عنهم الضر، لم يستكينوا ولم يتضرعوا مع أخذهم بالعذاب، يدخلون في العذاب الشديد بمجرد فتحه، لم يشكروا الذي أنشأهم، لم يؤمنوا بأن الله سيحشرهم وهو الذي نشرهم في الأرض، لم يعقلوا أنه يحيي ويميت وهو الذي جعل الليل والنهار. بل أنكروا البعث كما أنكر الأولون وقالوا عنه أساطير الأولين. الآيات (66-72، 74، 75، 81-83، 110) = 13 آية.
023.7.4.2.3- المرسلون يطلبون النصر على المكذبين: بعد أن بلغ أذى الكفار المكذبون مداه، ولم يعد بين يدي المرسلون من حيله، طلبوا نصر الله فنصرهم. الآيات (26، 39) = 2 آية.
مجموع عدد الآيات 41 آية، وهي تمثل ثلث عدد آيات السورة تقريباً 34.75%
023.7.4.3- الجزاء على الأعمال:
023.7.4.3.1- جزاء المؤمنون: جزاء المؤمنون هو الفلاح والنجاة والسلامة في الدنيا، وهو الفوز والفلاح والخلود في الجنة في الآخرة. في الدنيا الآيات (1، 28، 29) وفي الآخرة الآيات (10، 11، 62، 102، 111) = 8 آيات.
023.7.4.3.2- جزاء المكذبون: جزاء المكذبون هو العذاب والهلاك والخسران والندامة في الدنيا، وهو الخسران والخلود في العذاب في جهنم في الآخرة. في الدنيا الآيات (27، 40، 41، 64، 65، 76، 77) وفي الآخرة الآيات (54، 103، 104) = 10 آيات.
مجموع عدد الآيات 18 آية، وهي تمثل سدس عدد آيات السورة تقريباً 15.25%
بإضافة آيات أعمال الإنسان إلى الجزاء على الأعمال يصير عدد آيات أعمال الناس 59 آية وهي تمثل نصف عدد آيات السورة. 50%.
023.7.4.4- إقرار بالحق الذي جعله الله وقدره ليكون سبباً في فلاح الإنسان:
023.7.4.4.1- إقرار المكذبون بأن الله هو الخالق وبيده ملكوت كل شيء: يقرر سبحانه وتعالى أن ما أتاهم به هو الحق، وأنهم يعلمون ذلك حق العلم، لكنهم كاذبون لأسباب ليس لها علاقة بالعلم ولا العقل ولا الحق ولا المنطق، بدليل أنهم لو سئلوا لأجابوا أن لله ما في السماوات والأرض وأنه لا تنبغي العبادة إلا لله للخالق الرازق رب السماوات السبع ورب العرش العظيم مالك الملك لا لأحد غيره. الآيات (84-90) = 7 آيات.
(وهذا يؤكد كرههم للحق واتباعهم للهوى وتعجبهم من أن يأتيهم رسول بشر مثلهم وقد فضّل عليهم، وإنكارهم للبعث بغير دليل، كما تم بيانه في 023.7.4.2.2 أعلاه)
023.7.4.4.2- يقرر تعالى وحدانيته واستقلاله بالخلق والتصرف والملك إقرار بأن الله هو الحق وحده ابتلى الناس وسيحاسبهم، ما هو الحق الذي كذبوه. الآيات (91-93) = 3 آيات.
(وهذا تقرير ما تم بيانه في 023.7.4.1 من أن الله واحد لا يغفل عن خلقه، خلق السماوات والأرض وسخرهما للإنسان، أمة بعد أمة يعبدون الله لا يشركون به شيئاً)
023.7.4.4.3- تقرير من الله على ما هم عليه المؤمنون ودعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن يأمر المؤمنون أن يستعيذوا به من حضور الشياطين وهمزاتهم ووسوساتهم. الآيات (94-98) = 5 آيات.
(وهذا يؤكد أيمانهم بربهم وطلبهم لرحمته وإعراضهم عن الفساد والأذى وخشيتهم من ربهم، كما تم بيانه في 023.7.4.2.1 أعلاه)
023.7.4.4.4- إقرار الناس بأنهم كانوا ضالين، وأن وقت ومكان العمل الصالح في الدنيا وأنهم مبتلون. لكن هذا الإقرار جاء متأخراً حين الموت وانقضاء الأجل، وحيث انتهى وقت العمل، فلا يسمع لهم ولا يقبل منهم. الآيات (99-101، 105-108) = 7 آيات.
(وهذا دليل على أن الله أعطاهم أدوات العلم والإيمان وأرسل لهم المرسلين لكنهم لم يؤمنوا ولم يستخدموها لكي يتدبروا آياته، كما تم بيانه في 023.7.4.1.5 و 023.7.4.1.6 أعلاه)
023.7.4.4.5- إقرار بقصر الحياة: حياة الابتلاء جعلت قصيره / قليلة في الدنيا مقارنة مع حياة الخلود في الآخرة. الآيات (112-114) = 3 آيات.
(وفي هذا تأكيد / تقرير ما جاء بيانه في 023.7.4.1.4 مراحل خلق الإنسان أعلاه)
023.7.4.4.6- الخلاصة: لم يخلق الإنسان عبثاً، تعالى الله عن ذلك، بل للإنسان عمل في الحياة يرجع بعدها إلى الله، لقد ابتلي بالتوحيد والإيمان، وأنه محاسب على هذا الابتلاء (الذي هو لفلاح الإنسان وسعادته) من الغفور أرحم الرحمين. الآيات (115-118) = 4 آيات.
(وفي هذا تأكيد / تقرير ما جاء بيانه في 023.7.4.1.1 مراحل خلق الإنسان أعلاه)
مجموع عدد الآيات 29 آية، وهي تمثل ربع عدد آيات السورة 24.58%
بإضافة آيات لماذا خلق الله الإنسان إلى آيات الإقرار بالحق الذي جعله الله وقدره ليكون سبباً في فلاح الإنسان يصير عدد آيات تكريم الله للناس 59 آية وهي تمثل نصف عدد آيات السورة. 50%.
023.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
023.8.0- تتناظر سورة المؤمنون من النصف الثاني وتتشابه مع سورة آل عمران من النصف الأوّل: إذ تتحدث سورة المؤمنون عن اصطفاء الله للمرسلين وعباده المؤمنين أمّة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً (52)} التزموا بالعبادة و{يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)}، وعن تكريم الله لهم ونصرهم وتمكينهم في الأرض منعّمين آمنين مسخّرة لهم السماوات والأرض ثمّ {يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}. وذلك في تشابه وتناظر مع سورة آل عمران التي تتحدّث عن أن دين الله واحد وهو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (19)} وعن اصطفاء الله الأنبياء وذرياتهم وعائلاتهم الصالحة {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} واصطفى مريم وطهرها واصطفى أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم بالإيمان والدعوة إلى دينه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110)}، وعن المسارعة {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ (114)}، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (133)} صدق الله العظيم، وهكذا.
023.8.1- ذكر في سورة مريم أن التوحيد والإيمان بالله واتباع دينه هو مصدر النعم وهو رحمة للناس ونجاة لهم من الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة. وفي سورة طه أن الله أنزل القرآن تذكرة ورحمة للناس ونجاة لهم من الشقاء في الدنيا ومن العذاب والنار. وفي سورة الأنبياء أن الله أرسل الرسل تذكرة ورحمة للناس ونجاة لهم من الشقاء في الدنيا ومن العذاب في الآخرة. وفي سورة الحج تحذير شديد للناس من يوم الحساب رحمة بهم وتأمرهم باتباع شعائر الله وعبادته. أما هنا في سورة المؤمنين فجاءت لإثبات وتأكيد أنه قد أفلح المؤمنون وخسر الكافرون، وأن الله سبحانه أراد للناس الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، وقد خلقهم ليكرمهم لا ليعذبهم، خلقهم ليرثوا الجنة ويخلّدوا فيها.
023.8.2- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه اتصالها بسورة الحج: أنه لما ختمها بقوله: {وافعلوا الخير لعلكُم تُفلِحون} وكان ذلك مجملاً فصَّله في فاتحة هذه السورة فذكر خصال الخير التي من فعلها فقد أفلح فقال: {قد أَفلحَ المؤمنون الذينَ هُم في صلاتِهِم خاشعون} ولما ذكر أول الحج قوله: {يا أَيُها الناس إِن كنتُم في ريبٍ مِن البعثِ فإِنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة} زاده هنا بياناً في قوله: {ولقد خَلقنا الإِنسانَ مِن سُلالةٍ مِن طين ثُم جعلناهُ نطفةً في قرارٍ مكين} فكل جملة أوجِزَت هناك في القصد أطنب فيها هنا.
023.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: فصل في افتتاحها ما أجمل في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير (77)} الحج، وأعلم بما ينبغي للراكع والساجد التزامه من الخشوع، ولالتحام الكلامين ما ورد الأول أمراً والثاني مدحه وتعريفاً بما به كمال الحال، وكأنه لما أمر المؤمنين، وأطمع بالفلاح جزاء لامتثاله، كان مظنة لسؤاله عن تفصيل ما أمر به من العبادة وفعل الخير الذي به يكمل فلاحه فقيل له: المفلح من التزم كذا وكذا، وذكر سبعة أضرب من العبادة هي أصول لما وراءها ومستتبعة سائر التكاليف، وقد بسط حكم كل عبادة منها وما يتعلق بها في الكتاب والسنة؛ ولما كانت المحافظة على الصلاة منافرة إتيان المأثم جملة {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (45)} العنكبوت، لذلك ما ختمت بها هذه العبادات بعد التنبيه على محل الصلاة من هذه العبادة بذكر الخشوع فيها أولاً، واتبعت هذه الضروب السبعة بذكر أطوار سبعة يتقلب فيها الإنسان قبل خروجه إلى الدنيا فقال تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} – إلى قوله: {ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} وكأن قد قيل له: إنما كمل خلقك وخروجك إلى الدنيا بعد هذه التقلبات السبعة. وإنما تتخلص من دنياك بالتزام هذه العبادات السبع، وقد وقع عقب هذه الآيات قوله تعالى {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق} ولعل ذلك مما يقرر هذا الاعتبار ووارد لمناسبته – والله أعلم، وكما أن صدر هذه السورة مفسر لما أجمل في الآيات قبلها فكذا الآيات بعد مفصلة لمجمل ما تقدم في قوله تعالى {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة (5)} الحج، وهذا كاف في التحام السورتين والله سبحانه المستعان – انتهى.