العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
024.0 سورة النور
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
024.1 التعريف بالسورة:
1) مدنية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 64 آية. 4) هي السورة الرابعة والعشرون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثانية بعد الماءة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الحشر”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:
ورد لفظ الجلالة {الله} في السورة 78 مرّه، {لله} 2 مره، {غفور رحيم} 4 مرات، {والله بكل شيء عليم} 2 مرة، {إن الله على كل شيء قدير} 1 مرّه؛ عليم 10 مرات؛ (7 مرات): يشاء، فضّل؛ (5 مرات) رحيم، أنزل؛ (4 مرات): حكيم، يبين؛ (3 مرّات): نور؛ (2 مرّة): سميع، خبير، يهدي، خلق؛ (1 مرّة): تواب، يَعْلَم، رؤوف، واسع، سريع، قدير، عفو، هو، الحق المبين، نقلب. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} 4 مرات (تليها النساء 2 مره، والبقرة 1 مره)، بيوت 14 مرّه.
وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (8 مرات): يطع، فضل؛ (7 مرّات): آيات، لولا، شهادة؛ نور 6 مرات؛ (5 مرّات): ملك، صلاة؛ (4 مرّات): أنزل، شهداء، زكا؛ (3 مرّات): شيء، كذلك، كاذب، صادق؛ (2 مرّة): إفك، خلق، فاحشة.
024.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أبي عطيّة الهمداني قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: تعلموا سورة براءة وعلّموا نساءكم سورة النور.
024.3 وقت ومناسبة نزولها:
نزلت هذه السورة عقب غزوة بني المصطلق في النصف الثاني من السنة السادسة بعد الهجرة وهذا ما تؤكده الآيات (11-20) والتي تتحدث عن حادث الإفك الذي حصل مع نهاية الغزوة نفسها. وقد نزلت ايضاً بعد عدّة شهور من نزول سورة الأحزاب والتي أمرت فيها نساء المؤمنين بأن يدنين عليهن من جلابيبهن.
024.4 مقصد السورة:
024.4.1- فرض أحكام العفاف والستر لأجل تحصين البيوت وأمنها واستقرارها، ومحاربة الفاحشة والإفك والمنكر. والأمر بغض البصر والزواج وتحريم الزنا.
الله مالك الكون يتصرف به كيف يشاء، أنار الطريق وأصلح المجتمع المؤمن بأن جعله بيوتاً نزيهة شريفة طاهرة، حماها بتدبيره وتقديره وكما أراده بنفسه، فهو الهادي والمشرّع والمزكي بالأخلاق والآداب وما فيه صلاح أمر الناس، رحمة منه وفضلاً. فاتمروا بأوامره وانتهوا عن زواجره واتبعوا دينه لأنكم راجعون إليه فيوفيكم جزاء أعمالكم.
024.4.2- كما وأن في السورة ثلاثة آيات تلخص مقصدها، وهي مقدمة ومنتصف وخاتمه: تبدأ بمقدمه في الآية الأولى (آية 1) بأن الله فرض السورة لأهمية ما فيها، وأنزل فيها آيات مفصلات بينات. وفي منتصفها آية أخرى (آية 34) تؤكد أن الآيات المفصلات المبينات قد نزلت وأكملت وضرب فيها من أمثال الأمم الماضين، لينتقل السياق إلى بيان أوصاف من أتبع ومن لم يتبع من الناس وكذلك المخلوقات. وفي آخر آية (آية 64) تأكيد بأن هذا ملك الله يتصرف فيه كيف يشاء ويعلم كل شيء وأنهم إليه راجعون فينبئهم بأعمالهم ويوفيهم جزاء أعمالهم.
فهي إذاً قصة الإنسان مرّة أخرى وحمله الأمانة: بأن الله خلقه وأعطاه حرية أن يفعل أو أن لا يفعل أشياء فيها فلاحه وفوزه، إن أطاع فاز في الدارين وإن عصى خسر في الدارين.
024.5 ملخص موضوع السورة:
024.5.1- استهلت السورة بذكر مقصدها: وهو أن الله تعالى أنزل وفرض أحكام العفاف والستر لأهميتها في تحصين البيوت وأمنها واستقرارها. ثم تنقسم موضوعاتها بحسب ترتيب آياتها إلى ثلاثة أقسام: الأول وهو نصف عدد آياتها يتحدث عن المجتمع المسلم الذي أساسه الأسرة الواحدة المتعاونة والمترابطة، وعن ارتباطاتها مع باقي الأسر بصلات الرحم والقرابة والنسب. الثاني وهو ثلثها يبين صفة وحال جميع مخلوقات الله من ناحية طاعتهم أو عدم طاعتهم لله، منها عشر آيات تتحدث عن صفات المؤمنون وباقي الكون، وأنهم مطيعون لله يأتمرون بأمره، وعشر آيات أخرى عن صفات الكفار والمنافقين ومخالفتهم لأمر ربهم. الثالث وهو قريب من سُدسها وفيه وعد الله للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض، وعندها تكتمل أحكام وآداب التعامل مع البيوت من قبل أفرادها في الداخل فيتدربون عليها منذ الطفولة، والتعامل مع الأرحام والأقارب والأغراب من الخارج.
القسم الأول: (الآيات 2-10) يتحدّث عن تكوين أسرة (بيت) أساسها العفّة والإحصان: فالأسرة المسلمة يربطها رباط مقدس اسمه الزواج، كان قد جاء ذكر الكثير من أحكامه وتفاصيله التي تعُنى بالأسرة من الداخل في سورة النساء، وتمّ كذلك بيان روابطه المتينة المبنية على العدل وصلة الأرحام. أما في سورة النور فيأتي التركيز على وسائل الوقاية والعلاج من أجل حماية هذا الزواج من كل ما يؤدي إلى إفساده أو تدمير روابطه ومواثيقه، وذلك لما يسببه هذا الإفساد من ضياع للحقوق وتخريب للمجتمع المسلم النقي الطاهر، ومن ذلك: تحريم الزواج من الزناة أو المشركين، وحدّ الحدود لمنع الزنى ومحاربته، وتشجيع الزواج المحصن، وإقامة الحد على من يرمون المحصنات بدون شهود وعدم قبول شهادتهم. (الآيات 11-20) وجوب احترام الأسرة وحسن الظن بها، وعدم التعرّض لطهارة وشرف وعفة البيوت وتجريم من يفعله، ورفض سماع الإفك ورفض الأفاكين، وحسن الظن بالمؤمنين وعدم التكلم في أعراضهم، وكراهية أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. (الآيات 21-22) تنفير المؤمنين وتحذيرهم من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر، وحثهم على العفو والصفح لأن الله غفور رحيم يحب من يغفر ويرحم. (الآيات 23-26) الذين يرمون المحصنات العفيفات بالفاحشة مطرودون من رحمة الله في الدنيا ولهم عذاب عظيم في الآخرة، والطيبون مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم. (الآيات 27- 33) أحكام الحفاظ على البيوت وحرمتها: وهي الاستئذان والتسليم، وغضّ البصر، وحدود إبداء الزينة، والتزويج.
القسم الثاني: (الآية 34) وفيه تأكيد بأن الآيات المفصّلات المبينات والأمثال قد نزلت وأكملت. ثمّ (الآيات 35-38) تخبر بأن الله نور السماوات والأرض، ومثل نوره في قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم كالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت مبارك في مشكاة محلّها المساجد {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}، رجال لا تشغلهم الدنيا، يقدمون طاعة الله ويخافون عذابه، ويتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم بغير حساب. (الآيات 39-40) ومثل الكفار في ضلالهم كالسراب يحسبه الظمآن ماءً، أو كأنهم في ظلمات بعضها فوق بعض. (الآيات 41-46) الله له ملك كلّ شيء، والسماوات والأرض ومن فيهما، والسحاب، والليل والنهار، وجميع الدوابّ على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها، خلقها من ماء واحد، كلّها مطيعة له، تأتمر بأمره وتسبح له، وكل مصلّ ومسبح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه التي كلفه الله إياها، ولا تخفى عليه طاعتهم ولا تسبيحهم، ذو قدرة لا يتعذر عليه شيء أراده. (الآيات 47-54) وفيها صفة المنافقين الذين يدّعون الإيمان كذباً فهم مماطلون وظالمون، أما المؤمنون فهم يسارعون بالطاعة لله ورسوله وهم المفلحون الفائزون.
القسم الثالث: (الآيات 55-57) وعد من الله وبشارة للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض، يعبدونه لا يشركون به شيئاً، أما الكافرين فهم لا يعجزونه، ومصيرهم النار. ثمّ (الآيات 58-63) تتحدث عن أحكام وآداب التعامل مع البيوت من قبل أفرادها في الداخل، واحترام خصوصيات الأسرة وعوراتها بالاستئذان، وحدود المباحات في كشف العورات والطعام والاختلاط مع الأرحام والأقارب والأغراب. أخيراً (الآية 64) تأكيد بأن هذا ملك الله يتصرف فيه كيف يشاء، وأنه يعلم كل شيء وأنهم إليه راجعون فينبئهم بأعمالهم ويوفيهم جزاء أعمالهم.
024.5.2- أما باعتبار موضوعاتها، فتنقسم السورة إلى ثلاثة أقسام، الأوّل: في ربع عدد آياتها يذكر فيها سبحانه أنه فرض في السورة أحكام العفاف والستر وحماية البيوت واستقرارها، وهو من فضل الله ورحمته على الإنسان. الثاني: في نصف عدد آياتها ويتحدث عن الأحكام والعقوبات والفرائض التي تحمي البيوت وأمنها واستقرارها. والثالث: في ربع عدد آياتها وفيه بيان أن الالتزام بهذه الأحكام هو نور الإيمان المستمد من نور الله الخالق، وفيه الطهر والسلامة والفوز في الدنيا والآخرة، يقابله ظلمات الكفر التي هي طريق الشيطان المؤدية إلى الهلاك في الدنيا والآخرة.
تؤكّد سورة النور عظيم فضل الله ورحمته وحكمته ورأفته وتوبته على عباده، فهي أكثر سورة تكرر فيها قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} في أربع (4) مرّات أعقبت ذكر مرتكبات مهلكة وآثام كبيرة كالقذف والزنى والإفك العظيم وإشاعة الفاحشة واتباع الشيطان. وهي نور وفضل ورحمة وعناية وتكريم، يجعلهم إن آمنوا وعملوا الصالحات خلفاء الأرض وملوكها وسكانها، آمنين لا ينازعهم فيها منازع ولا يخافون فيها إلا الله والذئب على الغنم. ورحمة الله بهذه الأحكام والتكاليف المفروضة في السورة تتطلب تقوى الله ومراقبته دائماً، ليزكّي بها الله من يشاء ويطهرهم {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)}.
اللهم اغفر لنا وارحمنا واجعل في قلوبنا نوراً، وفي ألسنتنا وأبصارنا وأسماعنا نوراً، وعن يميننا ويسارنا ومن فوقنا وتحتنا ومن أمامنا وخلفنا نوراً، واجعل لنا في أنفسنا نوراً، وأعظم لنا نوراً.
024.5.3- المجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي تشاركي منظّم قائم على تقوى الله واحترام حقوق الآخرين. لبناته الأساسية هي مجموعة الأسر، المبنية من زواج تربطه المودّة والرحمة بغرض السكن والتشارك العفيف الفطري، وتحمل مسئولية تكوين أسرة تدوم وتنجب أبناءاً وتربيهم. وتترابط الأسر مع بعضها البعض بروابط الإسلام والرحم والقرابة والجوار والصداقة والإنسانية لتكوين المجتمع المسلم.
مسئولية الحفاظ على هذه الروابط الكثيرة المتشابكة المعقدة في الأسرة الواحدة وبين غيرها من الأسر، لم يتركها الخالق لأهواء الإنسان، بل فرض على الناس قوانين حماية الأسرة وتولّى تدبيرها بفضله ورحمته وعلمه. وهذه القوانين (من الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود) ضرورية لاستمرارية واستقرار الأسرة وحياة الإنسان. وقد ذكرت السورة أنه لولا فضل الله على الناس ورحمته بهم، ولطفه وحكمته في تدبيره إياهم وسياسته لهم لما فرض عليهم ما هم بحاجة فطرية ملحة له من الزواج وتكوين الجماعات المتعاونة والمترابطة، ولما أقام لهم الحدود التي تحمي هذه الجماعات من كل ما يسيء إلى استقرارها ونقاءها وتوحدها واجتماعها. حول هذا المقصد كانت الموضوعات التالية التي تضمنتها هذه السورة:
– فرض الأحكام والآداب والحدود للوقاية من الفحشاء والإفك والمنكر.
– بيان أن المجتمع المسلم أساسه الأسرة الواحدة العفيفة المحصنة المترابطة.
– فرض مجموعة من الأحكام والآداب للحفاظ على البيوت وحرمتها، وعدم التعرّض لطهارة وشرف وعفة البيوت وتجريم من يفعله.
– ضرب الأمثال على أن الإيمان والعمل الصالح نور، والكفر والنفاق ظلمة وضلال ومرض.
– تقرير أن الله وحده المدبر للكون والمشرع والكل مطيع يأتمر بأمره.
024.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
تنقسم موضوعات السورة بحسب ترتيب آياتها إلى ثلاثة أقسام: الأول في الآيات (2-33) وهو نصف عدد آيات السورة يتحدث عن المجتمع المسلم الذي أساسه الأسرة الواحدة المترابطة، وعن ارتباطها مع باقي الأسر بصلات الرحم والقرابة والنسب. القسم الثاني في الآيات (34-54) وهو ثلث عدد آيات السورة يبين صفة وحال جميع مخلوقات الله من ناحية طاعتهم أو عدم طاعتهم لله، منها عشرة آيات تتحدث عن صفات المؤمنون وباقي الكون، وأنهم مطيعون لله يأتمرون بأمره، وعشر آيات أخرى عن صفات الكفار والمنافقين ومخالفتهم لأمر ربهم. القسم الثالث في الآيات (55-63) وهو قريب من سدس عدد آيات السورة يتحدث عن وعد الله للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض، عندها بعد التمكين (صار الآن من المناسب أن) تكتمل أحكام وآداب التعامل مع البيوت من قبل أفرادها في الداخل فيتدربوا عليها منذ الطفولة، ومع الأرحام والأقارب والأغراب القادمون من الخارج.
024.6.1- القسم الأول الآيات (2-33) وهي نصف عدد آيات السورة تتحدث عن المجتمع المسلم الذي أساسه الأسرة الواحدة المتعاونة والمترابطة:
024.6.1.1- تبدأ السورة بآية تعلن أن الله جل جلاله أنزلها وفرضها وأنزل فيها آيات بينات واضحات تذكركم بالستر والعفاف الذي هو من ضرورات سعادتكم.
024.6.1.2- الآيات (2-10) أول هذه الفرائض هو تكوين أسرة (البيوت) أساسها العفة والإحصان: 9 آيات.
الأسرة المسلمة يربطها رباط مقدس اسمه الزواج، كان قد جاء الكثير من أحكامه وتفاصيله من الداخل في سورة النساء، وتم هناك بيان روابطه المتينة المبنية على العدل وصلة الأرحام. وفي هذه السورة يأتي التركيز على وسائل الوقاية والعلاج من أجل حماية هذا الزواج من كل ما يؤدي إلى إفساده أو تدمير روابطه ومواثيقه، وذلك لما يسببه هذا الإفساد من ضياع للحقوق وتخريب للمجتمع المسلم النقي الطاهر، كما يلي:
– حرّم سبحانه على المؤمنين الزواج من الزناة أو المشركين.
– حدّ سبحانه الحدود لمنع الزنى ومحاربته، وتشجيع الزواج المحصن الدائم.
– إقامة الحد على كل من يرتبط بعلاقة عائليه قائمة على الزنى.
– إقامة الحد على كل من يرمي الأنفس المحصنة العفيفة بالزنا بدون شهود.
– عدم قبول شهادة من يرمي المحصنات بدون شهود أبداً.
– ولولا فضل الله عليكم لشق عليكم كثير من أموركم، وأن الله تواب على عباده، حكيم فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه.
024.6.1.3- الآيات (11-20) احترام الأسرة وحسن الظن بها، وعدم التعرّض لطهارة وشرف وعفة الأسرة (البيوت) وتجريم من يفعله: 10 آيات.
هذه العشر الآيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله عز وجل لها ولنبيه صلوات الله وسلامه عليه فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم. يفصل الله حججه بأمره ونهيه، ليتبين المطيع له منكم من العاصي، والله عليم بكم وبأفعالكم والله عليم بما يصلح عباده حكيم في شرعه وقدره. ومن أحكامها:
– عدم التعرّض لطهارة وشرف الزوجين كذباً بدون دليل يشهد فيه أربعة شهداء.
– رفض سماع الإفك ورفض الأفاكين.
– حسن الظن بالمؤمنين وعدم التكلم في أعراضهم.
– كراهية أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
024.6.1.4- الآيات (21-22) المجتمع المسلم الرائد في عدم اتباع الشيطان والعفو والصفح بين المؤمنين: 2 آية.
تنفير المؤمنين وتحذيرهم من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر. وحث المؤمنين على العفو والصفح لأن الله غفور رحيم يحب من يغفر ويرحم.
024.6.1.5- الآيات (23-26) بيان عقوبة وجزاء من يسعى لتخريب الأسرة (البيوت) في الدنيا والآخرة: 4 آيات.
الذين يرمون المحصنات العفيفات بالفاحشة مطرودين من رحمة الله في الدنيا ولهم عذاب عظيم في الآخرة. وهذا عام لجميع الناس، والمحصنين في القذف كحكم المحصنات قياسا واستدلالا، كذلك حكم القذفة من ذكر وأنثى.
الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول. أولئك الطيبون مبرءون مما يقول الخبيثون والخبيثات لهم مغفرة ورزق كريم، وهو الجنة.
024.6.1.6- الآيات (27- 33) مجموعة من الأحكام للحفاظ على البيوت وحرمة البيوت (وهي الاستئذان، وغض البصر، والتزويج): 7 آيات.
التمييز بين الأسر في بيوتها، وآداب دخولها، من الاستئذان والتسليم، والعلاقات بين الأزواج والمحارم والغرباء، واحترام وتعظيم حرمة البيت، ورسم الحدود بينها، وإيضاحها بين الأسر، والعلاقات فيما بينها وفيما بين الأفراد والأسر الأخرى. وغض البصر والأمر بالتزويج لمن لا زوجة له ولمن لا زوج لها.
024.6.2- القسم الثاني في الآيات (34-54) وهو ثلث عدد آيات السورة يبين صفة وحال جميع مخلوقات الله من ناحية طاعتهم أو عدم طاعتهم لله، منها عشر آيات تتحدث عن صفات المؤمنون وباقي الكون وأنهم مطيعون لله يأتمرون بأمره، وعشر آيات أخرى عن صفات الكفار والمنافقين ومخالفتهم لأمر ربهم:
024.6.2.1- الآية (آية 34) تؤكد أن الآيات المفصلات المبينات قد نزلت وأكملت وضرب فيها من أمثال الأمم الماضين، لينتقل السياق إلى بيان أوصاف من أتبع ومن لم يتبع من الناس وكذلك المخلوقات.
وقد تكون {آيات مبينات} يعني القرآن في آيات واضحات مفسرات فيها خبرا عن الأمم الماضية وما حل بهم في مخالفتهم أوامر الله، وموعظة لمن اتقى الله وخافه. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة القرآن: فيه حكم ما بينكم وخبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله.
024.6.2.2- الآيات (35-38) المؤمنون: صفة المؤمنون المهتدون في قلوبهم النور وطريقهم نور. 4 آيات.
الله هادي السماوات والأرض فنوره هدى لأهل السماوات والأرض. بدأ بنور نفسه ثم ذكر نور من آمن به وجعل الإيمان والقرآن في صدره كالمشكاة: وشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري وما يستمد به من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل الذي لا كدر فيه ولا انحراف.
ولما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب وذلك كالقنديل مثلا ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد فقال تعالى {في بيوت أذن الله أن ترفع} أي أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها.
رجال بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عمارا للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه. ولا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم والذين يعلمون، يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم. يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار من شدة الفزع وعظمة الأهوال. يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم، بغير محاسبة على ما بذل له وأعطاه.
024.6.2.3- الآيات (39-40) الكفار: صفة الكفار الضالون في ظلمات بعضها فوق بعض وطريقهم ضياع وسراب. = 2 آية.
في الآيات مثل ضربه الله لرجل عطش فاشتد عطشه، فرأى سرابا فحسبه ماء، فطلبه وظن أنه قد قدر عليه، حتى أتاه، فلما أتاه لم يجده شيئا، وقبض عند ذلك. يقول الكافر كذلك، يحسب أن عمله مغن عنه أو نافعه شيئا، ولا يكون آتيا على شيء حتى يأتيه الموت، فإذا أتاه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئا ولم ينفعه إلا كما نفع العطشان المشتد إلى السراب. من لم يرزقه الله إيمانا وهدى من الضلالة ومعرفة بكتابه فما له من إيمان وهدى ومعرفة بكتابه.
024.6.2.4- الآيات (41-46) المخلوقات الأخرى (غير الإنسان): تقرير أن كل الكون مطيع لله يأتمر بأمره. = 6 آيات.
أخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض فهو الحاكم المتصرف الإله المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له ولا معقب لحكمه. كل مخلوقات الله تسير على ما أمرها به ورسمه لها ولا تملك أن تخرج عن طاعته قيد أنملة ولا أقل من ذلك. ومن الأدلة والحجج على الاستسلام والطاعة لله، وأن الكون كلّه يأتمر بأمر الله ما يلي:
أن الله يصلي له من في السماوات والأرض من ملك وإنس وجن، والطير صافات أيضا تسبح له. كل مصل ومسبح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه التي كلفه الله إياها ولا يخفى عليه طاعتهم ولا تسبيحهم. وقيل: التسبيح هاهنا ما يرى في المخلوق من أثر الصنعة.
إنشاء الله السحاب وإنزاله منه المطر ومن السماء البرد وفي تقليبه الليل والنهار، إن فيه لعبرة لمن اعتبر به وعظة لمن اتعظ به ممن له فهم وعقل، لأن ذلك ينبئ ويدل على أن له مدبرا ومصرفا ومقلبا، لا يشبهه شيء.
الله خلق أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد: فمنهم من يمشي على بطنه كالحية وما شاكلها، ومنهم من يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنهم من يمشي على أربع كالأنعام وسائر الحيوانات ولهذا قال: {يخلق الله ما يشاء} أي بقدرته لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولهذا قال: {إن الله على كل شيء قدير}.
إن الله على إحداث ذلك وخلقه وخلق ما يشاء من الأشياء غيره، ذو قدرة لا يتعذر عليه شيء أراد.
يقرر تعالى أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم والحكم والأمثال البينة المحكمة كثيرا جدا وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي الألباب والبصائر والنهى ولهذا قال {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.
024.6.2.5- الآيات (47-54) المنافقين: صفة المنافقون الذين يدعون الإيمان كذباً مماطلون بينما المؤمنون الحق يسارعون بالطاعة لله ورسوله. = 8 آيات.
بيان صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، إذ تخالف أقوالهم أعمالهم، ويحلفون كذباً للنبي لو أمرتنا بالخروج والجهاد لفعلنا، وبفعلتهم هذه وإعراضهم وكذبهم يكونون قد ظلموا أنفسهم. أما المؤمنون فهم يسرعون بالطاعة لله ورسوله فهم المفلحون الناجون الفائزون.
024.6.3- القسم الثالث في الآيات (55-63) وهو قريب من سدس عدد آيات السورة يتحدث عن وعد الله للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض، عندها بعد التمكين (صار الآن من المناسب أن) تكتمل أحكام وآداب التعامل مع البيوت من قبل أفرادها في الداخل فيتدربوا عليها منذ الطفولة، ومع الأرحام والأقارب والأغراب القادمون من الخارج:
024.6.3.1- الآيات (55-57) وعد من الله وبشارة للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض. = 3 آيات.
هذا وعد من الله وبشارة للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين بدينهم ظاهرين على كل الأديان ولهم الأمان في الأرض يعبدون الله لا يشركون به شيئاً. ويأمر تعالى عباده المؤمنين بالصلاة والزكاة وطاعة الرسول ليستمر وعده ورحمته لهم. ويسلي سبحانه رسوله عليه السلام والذين آمنوا ويكمل لهم الوعد بالنصر على الكافرين فهم لا يعجزونه، ومصيرهم النار.
024.6.3.2- الآيات (58-63) أحكام في التربية على الأدب في التعامل مع البيوت. = 6 آيات.
في المجتمع الإسلامي تتم التربية على الأدب منذ الصغر واحترام خصوصيات الأسرة وعوراتها. وذلك لأن لكل أسرة أسرارها التي يجب ألا يطلع عليها أحد، وعوراتها التي لا تتكشف إلا في البيوت وغيرها من الأمور الغير مباحة حتى للأبناء في نفس البيت والتي قد حماها الدين بالاستئذان، والأمر بالحفاظ على مشاعر الغير. وكذلك في البيت المسلم ليس كل شيء غير مباح بل هناك فسحة وحدود للمباحات بين الأسر قد بينتها الآيات في الاختلاط بين الأقارب والأرحام وفي الطعام.
أخيراً الآية (64) الله هو صاحب الحق بالتشريع: تأكيد بأن هذا ملك الله يتصرف فيه كيف يشاء ويعلم كل شيء وأنهم إليه راجعون إليه فينبئهم بأعمالهم ويوفيهم جزاء أعمالهم.
الله خالق السماوات والأرض ومالكها، له كل ما فيها، يعلم كل شيء عملتموه، لا يخفى عليه شيء، محيط بكل أموركم، وهو موف كل عامل منكم أجر عمله يوم ترجعون إليه.
024.7 الشكل العام وسياق السورة:
024.7.1- إسم السورة: سميت سورة النور لما فيها من النور الرباني بتشريع الأحكام والآداب والفضائل الإنسانية التي هي قبس من نور الله على عباده وفيض من فيوضات رحمته وَجُوده {الله نور السماوات والأرض (35)}. الله ينير للإنسان ليرى طريق الهدى والصرط المستقيم ولولا هذا النور لهلك الإنسان في ظلمات الكفر والشرك.
أخلاق الإسلام هي نور، لأن بها نميز الحق من الباطل والخطأ من الصواب. والأحكام والتكاليف في السورة تدل على مدى اهتمامها بشكل خاص واهتمام القرآن بشكل عام بالأخلاق. ويذكر فيها النور بلفظه متصلا بذات الله: {الله نور السماوات والأرض (35)} ويذكر فيها النور بآثاره في القلوب ومظاهره على الجوارح، ممثلة في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء هذه السورة. وهي آداب وأخلاق فردية وعائلية وجماعية، تنير القلب، وتنير الحياة، ويربطها بذلك النور الكوني الشامل بتسبيح من في السماوات والأرض والطير. مستمدة كلها من عند الله الذي أضاءت لنور وجهه الكريم السماوات والأرض وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة.
024.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:
تنقسم السورة باعتبار موضوعات آياتها إلى ثلاثة أقسام: الأوّل 16 آية وهي ربع عدد آيات السورة يذكر فيها سبحانه أنه فرض في السورة أحكام العفاف والستر وحماية البيوت واستقرارها، وهو فضل من الله ورحمته على الإنسان. الثاني يأتي في 32 آية وهي نصف عدد آيات السورة وتتحدث عن الأحكام والعقوبات والفرائض التي تحمي البيوت وأمنها واستقرارها. والثالث 16 آية وهي ربع عدد آيات السورة فيه بيان أن الالتزام بهذه الأحكام هو نور الإيمان المستمد من نور الله الخالق وفيه الطهر والسلامة والفوز في الدنيا والآخرة. يقابله ظلمات الكفر التي هي طريق الشيطان المؤدية إلى الهلاك في الدنيا والآخرة.
024.7.2.1- يذكر سبحانه أنه فرض في السورة أحكام العفاف والستر وحماية البيوت واستقرارها، وهو من فضل الله ورحمته على الإنسان: الآيات (1، 10، 14، 17، 18، 20-22، 34، 42-46، 55، 64) = 16 آية = 25%.
على الإنسان أن يتذكر أن الله مالك السماوات والأرض وبيده خزائنها وأقدارها. وأن الله هو المتصرف في ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه. وأن إليه المصير والمعاد يوم القيامة، فيوفي كل عامل أجر أعماله التي عملها في الدنيا، فليحسنوا عبادته، وليجتهدوا في طاعته، وليقدموا لأنفسهم الصالحات من الأعمال. إن في إنشاء الله السحاب وإنزاله المطر وفي تقليبه الليل والنهار، لعبرة لمن اعتبر به وعظة لمن اتعظ به ممن له فهم وعقل، لأن ذلك ينبئ ويدل على أن له مدبرا ومصرفا ومقلبا، لا يشبهه شيء، فإياه فارهبوا وإليه فارغبوا أيها الناس. وأن الله سبحانه وتعالى أنزل في هذا القرآن من الحكم والأمثال البينة المحكمة كثيرا جدا وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي الألباب والبصائر والنهى.
هذه الأحكام والتكاليف المفروضة في السورة هي لمصلحة الناس، تجعلهم إن آمنوا وعملوا الصالحات خلفاء الأرض وملوكها وسكانها آمنين لا ينازعهم فيها منازع ولا يخافون فيها إلا الله والذئب على الغنم.
ماذا يريد الإنسان من الله غير هذا الملك والأمان؟ وما هي حاجاته بعد أن حيزت له الدنيا بحذافيرها؟ جعلت له البيوت، والطعام في البيوت، والأمان في المبيت، والاستقرار في المجتمع، يعبد الله وحده لا شريك له. أليس هذا تكريم ما بعده تكريم، وعناية ونور ما بعده عناية ولا نور؟
ما هو المقابل المطلوب من الإنسان؟ مطلوب منه إيمان وعمل صالح؟ وكله يصب في مصلحة الإنسان، يعني: اتصال مع الله؟ عبادة لله؟ طاعة؟ أدب؟ احترام للبيوت؟ تحقيق السلام والأمان بين البيوت وفي المجتمع؟ تمكين للحق؟ عدم اتباع الشيطان؟
هل هذا الفضل من الله هو مقابل خدمة يقدمها الإنسان لله؟ هل هذا هو ثمن لشيء؟ لا بل هو فضل ومنّة وكرم ونعيم مغمور فيه الإنسان! كله منافع وفوائد للإنسان، الكون كله لا يملك أن يفعل إلا ما أمره الله به، الكل يأتمر بأمر الله طوعاً أو كرهاً! على الإنسان أن يعضّ على هذا النعيم الذي هو فيه بالنواجذ، ويشكر الله صاحب الفضل والمنّة! أنت المستفيد أيها الإنسان فأطع الله المالك، وإلا فستفعل وتطيع مكرهاً في الدنيا وستعذب في الآخرة؟ الله عنده النور والأمان، والشيطان عنده الظلمات والخوف؟ أمامك طريقان، أحدهما نور والآخر ظلمات؟ هل في قلبك مرض أيها الإنسان؟ هل تخاف ظلم الخالق صاحب الفضل والرحمة؟ هل تعرض عن الله؟ لقد ظلمت نفسك وخسرت بكفرك وعصيانك؟ لا بل تفكّر وتذكّر واسلك طريق النور، وقل سمعت وأطعت، واعمل بالتنزيل، لتفلح وتفوز؟
024.7.2.2- الأحكام والعقوبات والفرائض التي تحمي البيوت وأمنها واستقرارها: الآيات (2-9، 11-13، 15، 16، 19، 23-25، 27-33، 56-63) = 32 آية = 50%.
024.7.2.2.1- ذكر الله تعالى عقوبات وأحكام الزناة في الدنيا بإقامة الحد ثم بين الأحكام التي تخص تعاملهم مع المؤمنين وتعامل المؤمنين معهم. كذلك ذكرت الآيات لعنة من الله وغضب في الدنيا وفي الآخرة على الزناة وعلى الذين يرمون المحصنات. كذلك رحمة الله ومغفرته على من تاب وأصلح. (الآيات 2-9)
024.7.2.2.2- ذكر سبحانه وتعالى عقوبة الأفاكين في الدنيا بإقامة الحد عليهم إذا لم يأتوا بالشهداء ثم أن لهم عقاب عظيم في الآخرة إذا لم يتوبوا. ووجوب حسن الظن بالمؤمنين وعدم التكلم في أعراضهم، رفض سماع الإفك، كراهية أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. (الآيات 11-13، 15، 16)
024.7.2.2.3- عقوبة من يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، عذاب أليم في الدنيا والآخرة. (الآية 19)
024.7.2.2.4- عقوبة الذين يرمون المحصنات العفيفات بالفاحشة مطرودين من رحمة الله في الدنيا ولهم عذاب عظيم في الآخرة. (الآيات 23-25)
024.7.2.2.5- ذكر مجموعة من الأحكام والتعاليم الوقائية لحماية البيوت وحرمتها من الغرباء القادمين من الخارج، وهي الاستئذان، وغض البصر، والتزويج، وغيرها كما في الآيات. (الآيات 27-33)
024.7.2.2.6- حماية البيوت من داخلها بوضع القيود على دخول وخروج المحارم والأقارب: الآن بعد الاستخلاف والتمكين في الأرض تعالوا نضع الآداب والحدود لتحقيق الأمان وتنظيم البيوت بطريقة وقائية تمنع حدوث الفاحشة والإفك والقذف وكشف المستور في البيوت. في البداية فإن العبادة تحمي البيوت فهي تجلب الرحمة، والكفر يجلب العذاب في الدارين. كذلك ذكرت الآيات الاستئذان عند الخروج كما هو عند الدخول، وفيها وجوب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام معه وعنده كما أمر المؤمنين بتقديم الصدقة قبل مناجاته. (الآيات 56-63)
مجموع الآيات التي ذكر فيها عقوبة الزنا وأحكام حماية البيوت = 32 آية = 50%. وهي نصف عدد آيات السورة.
024.7.2.3- بيان أن الالتزام بهذه الأحكام (المذكورة في السورة) هو نور الإيمان المستمد من نور الله الخالق وفيه الطهر والسلامة والفوز في الدنيا والآخرة. يقابله ظلمات الكفر التي هي طريق الشيطان المؤدية إلى الهلاك في الدنيا والآخرة. الآيات (26، 35-41، 47-54) = 16 آية = 25%
024.7.2.3.1- ترغيب بما نزل من عند الله من الإيمان والهدى والنور: (الآيات 35-38، 51، 52)
ضرب الله تعالى مثلاً لقلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب وذلك كالقنديل مثلا وذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد، يعمرها رجال بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية، وهؤلاء جزاؤهم الفوز والفلاح.
024.7.2.3.2- ترهيب من الكفر وما هم فيه من الظلمات والضلال: الآيات (39، 40)
ضرب الله تعالى مثلاً لصفة الكفار الضالون بأنهم في ظلمات بعضها فوق بعض وطريقهم ضياع وسراب.
024.7.2.3.3- يسبح له من في السماوات والأرض – الإنسان ليس استثناء (آية 41)
أخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض، وأن كل مخلوقاته تسير على ما أمرها به ورسمه لها ولا تملك أن تخرج عن طاعته، وأنه يصلي له من في السماوات والأرض، والطير صافات أيضاًُ تسبح لله.
024.7.2.3.4- ترغيب وترهيب للمترددين من المنافقين الذين في قلوبهم مرض (الآيات 26، 47-50، 53، 54) = 7 آيات.
يبين تعالى أن الخبيث لا يكون إلا للخبيث وأن الطيب لا يكون إلا للطيب.
ويبين كذلك للمنافقين بأنهم بسبب إعراضهم وكذبهم يكونون قد ظلموا أنفسهم وخسروا. أما المؤمنون فهم يسرعون بالطاعة لله ورسوله فهم المفلحون الناجون الفائزون.
مجموع آيات الترغيب والترهيب = 16 آية = 25%. وهي ربع عدد آيات السورة.
024.7.3- سياق السورة باعتبار القصص والأمثال التي تضمنتها:
اعتمدت السورة على قصص وأحداث حقيقية حصلت أثناء نزول القرآن منجّماً فكانت من مناسبات تنزيل السورة وآياتها، فسهلت هذه القصص والأحداث فهم مقصدها وموضوعاتها بتطبيقات عملية في حياة المسلمين، وقد غطى هذا النصف الأوّل من السورة. أما النصف الثاني فقد اعتمد على ضرب الأمثال والتي هي ربع عدد آيات السورة تقريباً.
024.7.3.1- مقدمة عن دين الله الإسلام:
ما هو الدين الإسلامي؟ هل هو عبادة؟ أم إيمان؟ أم أخلاق؟ أم كلّ هذا؟ أم ماذا؟
دين الله الإسلام هو نظام حياة ليس فقط شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم صلاة وصيام وزكاة وحج فحسب. بل هذه العبادات هي القاعدة أو الحلقة الأوسع وهي الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها. فالإسلام هو البناء الذي فوق هذه الأركان، قال عليه السلام “بني الإسلام على خمس”.
الدين هو ثلاثة أشياء متكاملة مترابطة يتحدد بها مصير الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة: الإسلام والإيمان والإحسان (كما جاء تفصيله في حديث جبريل عليه السلام) وأنباء عن أشراط الساعة. وأنباء الساعة هي المحرك، لأن ما بعد الساعة من الحساب والجزاء هو ما يتطلع إليه المسلم متبع الدين. فلو رسمنا ثلاثة دوائر داخلة في بعضها، الأولى كبيرة، وثانية في داخلها أصغر، وثالثة في داخلهما صغرى، فتكون:
– الدائرة الأولى وهي أوسعها هي الإسلام بأركانه الخمسة (وهو: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكاةَ، وتصُومَ رَمضَانَ، وتحُجَّ الْبيْتَ إِنِ استَطَعتَ إِلَيْهِ سَبيلاً) وهي عماد الدين التي بني عليها.
– الدائرة الثانية الأصغر هي الإيمان بأركانه الستة (وهو: أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ وملائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ، والْيومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ) وهي أصغر من دائرة الإسلام.
– الدائرة الثالثة الصغرى هي دائرة الإحسان (وهو: أَنْ تَعْبُدَ اللَّه كَأَنَّكَ تَراهُ. فإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يَراكَ).
فمن لم يدخل الدائرة الأولى لا يدخل الثانية ومن لم يدخل الثانية لا يدخل الثالثة. وأن يكون الإنسان مسلم لا يعني أنه مؤمن {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم (14)} الحجرات، وأن يكون الشخص مؤمن لا يعني أنه محسن. فالمحسن هو بالتأكيد مؤمن ومسلم، لكن المسلم ليس بالضرورة أن يكون مؤمن ولا محسن، بل عليه أن يترقى في إسلامه وطاعته لله حتى يصير مؤمناً، ثم يترقى في التزامه حتى يصير محسناً. وهكذا فقد يتنقل المسلم في الثلاثة حلقات: أي قد يترقى في اتباع الدين بحيث يبدأ مسلماً ثم مؤمناً ثم محسناً. وكذلك قد يتراجع في التزامه بالدين: فإذا ترك مراقبة الله رجع من الإحسان إلى الإيمان فإذا عصى الله أو فعل إثماً تراجع إلى الإسلام، فإذا أنكر أحد أركان الإسلام خرج من الدين، والعياذ بالله. والمحرك لاتباع الدين هو نبأ الساعة، وبدون هذا النبأ لا يبالي الإنسان على أي شرع أقام حياته، على الخير أو على الشّر، لأنه لا حساب ولا عقاب.
أما كمال الدين فلا يتأتى إلا بكمال الأخلاق: فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكمل الناس إيمانا أحاسنهم أخلاقا”. وعن أبي ثعلبة قال: “إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقاً”. وأخبر عليه السلام أن حسن الخلق هو أثقل القربات في ميزان المؤمن، قال: “ما من شيء أثقل في الميزان من خُلُق حسن”، وقال: “إنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الخُلُقِ دَرَجَةَ الصّائِم القائِمِ”. وبهذا الترقي في الدين ترتقي مع العبد مكارم الأخلاق، فأكمل الناس إيماناً أحاسنهم أخلاقاً كما في الحديث. فدين الله هو إذاً بناء قائم على حفظ حقوق الآخرين، هو نظام أخلاق في التعامل حتى إذا صار العبد محسناً واحترم الحقوق: فأصلح ابتغاء مرضات الله، ولم يفسد خوفاً من الله؛ وهذه هي الأخلاق التي جاء بها القرآن وهي قمة الدين. فقد امتدح سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأعلى ما يمكن أن يصله متبع الدين، بأنه على خلق عظيم {وإنك لعلى خلق عظيم (4)} سورة القلم، وعندما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قالت: “كان خلقه القرآن”.
024.7.3.2- المجتمع الإسلامي:
المجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي تعاوني قائم على الأسرة أو على العائلة كأول لبنه تشاركيه رباطها المودّة والرحمة قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} الروم، يتكامل فيها الأب وزوجته وأبناءه على القيام بمسئولياتهم ومصالحهم المشتركة والمتبادلة. ثم تتسع الشراكة والتعاون بين جميع الأسر في المجتمع المؤمن لتشمل الأرحام والأقارب والجيران والأصحاب، ليستعينوا بذلك على القيام بأعباء الحياة قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36)} النساء. وهو تجمع جديّ، وتجمّع نقي واضح المعالم معروف الحدود، يكتمل بناءه بعد أن يتشارك معه فيه كل الناس الموجودين على الأرض.
024.7.3.3- الأسرة حاجة فطرية وضرورة اجتماعية لا غنى عنها للإنسان:
لا يوجد إنسان واحد على الأرض يستطيع أن يعيش بمفرده دون أن يكون محتاجاً لأناس ينتمي إليهم ويضحي من أجلهم. وهذا الانتماء هو شيء فطري مجبول عليه الإنسان. نجده في استعداد الأم الفطري لبذل الغالي والرخيص لأجل أبناءها، وفي استعداد الرجل للعمل والبذل والموت من أجل حماية شريكته وأبناءه. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يوجد طفل واحد يستطيع أو يرضى أن يعيش حياة سعيدة هنية مستقرة مع أناس أغراب غير والديه الحقيقيين، بل وعنده الاستعداد الفطري لأن يبذل الغالي والرخيص لكي يجد والديه الحقيقيين ويعيش في كنفهم مهما كانت أحوالهم وظروفهم وألوانهم. وبالإضافة إلى أن الله خلق الناس أزواجاً {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)} النبأ، توجد حاجة فطريه وضرورة وجودية تدعو الإنسان لكي يعيش في أسرة متماسكة متعاونة، وذلك بسبب حاجته الماسة في مرحلتين على الأقل من وجوده لغيره من الأعوان المخلصين والمضحّين لأجل إبقاءه على قيد الحياة، الأولى منذ ولادته إلى أن يشتد عوده والثانية حين يصل إلى أرذل العمر لغاية موته.
هذه فقط إذا نظرنا إلى حاجات الإنسان المادية فقط، أما حاجات الإنسان الروحية والعاطفية والسكينة فهي أعظم من حاجاته المادية بكثير. الانتماء للأسرة هو الحلقة الأولى من حلقات الانتماء في المجتمع المسلم، تليه حلقات أخرى من الانتماء للعائلة ثم الأقارب والعشيرة ثم البلدة ثم الدولة ثم الأمة ثم الإنسانية ثم الوجود.
024.7.3.4- لقد فرض الله على الناس قوانين الأسرة، وتولّى سبحانه تدبيرها بفضله ورحمته، وبعلمه بضرورة هذه الفرائض (من الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود) لاستقرار الأسرة وحياة الإنسان:
ذكرت السورة أنه ولولا فضل الله على الناس ورحمته بهم، ولطفه وحكمته في تدبيره إياهم وسياسته لهم لما فرض عليهم ما هم بحاجة فطرية ملحة له من الزواج وتكوين الجماعات المتعاونة والمترابطة، ولما أقام لهم الحدود التي تحمي هذه الجماعات من كل ما يسيء إلى استقرارها ونقاءها وتوحدها واجتماعها.
الآية الأولى (1) ينبه سبحانه على اعتناءه بهذه السورة بما احتوته من الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود والآيات الواضحات المفسرات لعلهم يتعظون (أو اعتناءه بهذه السورة وفرض ما فيها من النور على المؤمنين). وبيان للنور والظلام والحق والسراب.
النور هو عكس الظلام أي هذه السورة نور بما احتوته من هدى للمؤمنين ينير لهم حياتهم ومجتمعهم ولمن مشى على خطاهم من الناس على الأرض. كيف لا وهذا النور من عند الله الذي أضاءت لنور وجهه الكريم السماوات والأرض وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة.
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
من فضل الله تعالى ورحمته أن جعل العائلة في الإسلام تبدأ بالزواج وهو زواج دائم خالد يبدأ على الأرض ويستمر في الحياة الآخرة في الجنة. وهو موثق بمواثيق واضحة طيبة، مفروضة نزلت من السماء من عند الله، ولم تتدخل فيها الأهواء. ذلك لكي تحافظ على حقوق الزوجين والأبناء والأقارب. فرض الله سبحانه حدودها وروابطها وواجباتها. وبين فيها هذه الحقوق والواجبات والآداب والفروض والحلال والحرام والأمر والنهي والحدود. فحمى العائلة بفضله ورحمته وعنايته، وقضى على كل ما عداها من العلاقات العابرة السريعة (محددة المدّة) والمحرّمة والقائمة انتهاك حقوق الأزواج والأبناء والأقارب.
وبذلك فلم يترك سبحانه الزواج للناس بل نظمه بنفسه ووضع شروطه وقواعده وسن قوانينه وحد حدوده. كذلك لم يفرضه على الناس وينظم حياتهم به بقوانين جافّة بل بتدريب عملي على مراحل ومتابعة لكل مرحلة حتى اكتمال التدريب وانتشار النور بحيث لا يبقى أي شك أو ظلام يخفي حاجة الناس الماسّة لشرع الله في فرض أحكام البيوت واحترام حرماتها. فاعتمدت السورة على مجموعة قصص حقيقية عاشها المسلمون بكل حواسهم ومشاعرهم وعواطفهم. القصص مذكورة في كتب السير ولا مجال لإعادة ذكرها هنا بل نذكر واحدة منها مع استنتاجات وتعليقات السورة عليها كما هو مبين أدناه.
024.7.3.5- الدليل من القصص على حاجة الإنسان لأن تكون له أسرة محميةّ من الداخل ومن الخارج ومن كل ما قد يؤدي إلى إفسادها:
تتحدث السورة عن قصص حقيقية كثيرة حصلت أحداثها في المجتمع المسلم، غير أن القصص نفسها غير مذكورة في السورة. وأهمها حادثة الإفك المشهورة، وقد شاء سبحانه أن تحصل على أرض الواقع، وأن تكون في أطهر البيوت، ليعلموا علم اليقين أنه لولا تدخل العليم الحكيم، حين رمى أهل الإفك والبهتان من المنافقين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بما قالوه من الكذب البحت والفرية، لكادت كذبتهم الكبيرة تعصف ببيت مسلم هو خير البيوت وأطهرها، وكادت تفسد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر، وبين الأوس والخزرج حين احتملتهم الحميه أثناء جدالهم عمّن يكون صاحب الفرية، وهموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. كما هزت أصحاب الشأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لو ترك الحال على ما هو عليه لأفسدت علاقاتهم الشريفة النظيفة العفيفة. وبقيت كذلك مدّة من الزمن تزيد على الشهر، حتى إذا استحكمت حلقات الفتنة، فرجت بوحي من الله، ليعلم المؤمنون علم اليقين أن الله هو وحده القادر على عمل ما يعجز عنه الإنسان. فعولجت حادثة الإفك، وقضي على فتنتها قضاءاً مبرماً، وكان في حصولها الخير الكثير للمسلمين بحصول الأجر من الله وظهور براءة عائشة ومن جاء معها منه وهو صفوان بن المعطل. وكان من الخير الذي جاء أن الحادثة كانت من مناسبات نزول سورة النور التي فرض الله فيها من الأحكام والشرائع ما يمنع تكراره حادثة الإفك، ويحفظ للبيوت المسلمة عفتها وطهارتها.
القصة بأحداثها تغني عن آلاف الكلمات التي سيحتاجها الشارح ليفصل الكثير من الحالات النفسية والأحزان والأفراح والآثار الاجتماعية والآثار التدميرية على روابط الأسر، والتي يؤدي إليها مثل حادث الإفك هذا، وعن قدرة المنافقون بخبثهم على المساس بعفة البيوت وطهارتها. والحادثة باختصار وتصرّف هي كما يلي:
قالت أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها: “كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، بعدما أنزل الحجاب، ففرغ منها ورجع ودنا من المدينة، وآذن بالرحيل ليلة، فمشيت وقضيت شأني وأقبلت إلى الرحل فإذا عقدي انقطع فرجعت ألتمسه. وحملوا هودجي على بعيري يحسبونني فيه وكانت النساء خفافا إنما يأكلن العلقة من الطعام. ووجدت عقدي وجئت بعدما ساروا فجلست في المنزل الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي، فغلبتني عيناي فنمت. وكان صفوان قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني – أي قوله إنا لله وإنا إليه راجعون – فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته ووطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة. فهلك من هلك من شأني وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول. فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمناها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك”.
024.7.3.6- الدروس والعبر المستفادة من القصص:
أنزلت السورة والناس في أمس الحاجة لحلول لأمور ومعضلات وأحداث جسيمة يستعصي البت فيها لعدم وجود الدليل المشاهد، أمور كان سيكون لها تأثير هدّام، ينسف أسس ترابط الأسرة التي هي نواة المجتمع الإسلامي ويهدد بقاءه. لو تأملنا قصة عائشة الطاهرة البريئة التي أظهر الله براءتها في قرآن يتلى على وجه الدهر، في حادثة الإفك المشهورة، وكيف أن رمي المحصنات كان سيؤدي إلى خراب بيت عظيم قام على روابط الحب والمصاهرة بين الرسول وزوجته وأبو بكر وأصحابهم وروابط الإيمان بالله. وكان سيؤدي إلى إشاعة الكذب والافتراء الباطل ويهز الثقة بين المؤمنين، لما لهذا من تأثير على روح المودة بينهم وعلى طهارة ونفسية الأسر في باقي البيوت.
العبرة التي نستفيدها والدرس الذي تعلمناه من حادثة الإفك والأحداث الأخرى التي ذكرناها، أنه مجرّد القذف كاد أن يودي بمجتمع ويفسده، فكيف بحصول الزنا نفسه. أن الزنا أمر خطير لا لشيء، سوى للبعد الأخلاقي فيه، والتعدي على حقوق الآخرين وإهانتهم وظلمهم بالحط من كرامتهم. إن حصول الزنا لا يمكن إصلاحه ولا إزالة آثاره أبداً، لأن عليه حقوق للآخرين، ليس الأقارب فقط بل وكل المجتمع. الناس ليسوا آلات ميكانيكيه، بل عندهم مشاعر وأحاسيس، لا يمكن لأي مجتمع عاقل، وبالأخص المجتمع المسلم، أن يقبل الزاني بأي حال لأسباب أخلاقية أولاً، ولما يترتب عليه من حقوق للناس ثانياً. ورفض الزنا عدا عن الأخلاق والحقوق فهو رفض فطري، بدليل أنه في قصّة قذف هلال ابن أمية امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رضيت باللعان وعقاب الله في الآخرة ولم ترض بالعقوبة الدنيوية حتى لا تفضح قومها سائر اليوم كما قالت. ولو درسنا القوانين الوضعية فلن نجد علاجاً ناجعاً لهذا الأمر الخطير، لذلك تدخل الله سبحانه فوضع قوانينها بنفسه في هذه السورة التي أنزلها وفرضها وأسماها النور، لأنها حقاً نور، بحربها على الفجور والفاحشة والحرام، وإنارتها طريق الحلال، بفرضها الأحكام، وبتحريمها كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الزنا، فأمرت المؤمنين أن لا يدخلوا البيوت حتى يستأنسوا ويسلّموا على أهلها، وبالاستئذان في الدخول والانصراف، وبغض البصر، وإخفاء الزينة عن غير المحارم، وأقامت الحد على القذف والزنا والكثير مما احتوته السورة وتم التطرق لبعض تفاصيله أعلاه.
وعلى عكس الزنى فإن عفة البيوت وطهارتها ستؤدي إلى السكينة والاستقرار والثقة التامة بين الأزواج، وستحصل الطمأنينة والأمان النفسي والتعاون البنّاء على إسعاد الطرف الآخر والشراكة بين الزوجين في تربية الأبناء والتواصل مع الأرحام والأقارب والجيران والأصدقاء. البيت المسلم الذي أراده دين الإسلام قائم على المودّة والرحمة، وله أحاسيس بشريّة تتأثر بالكلمة والصمت والقيام والقعود والنظرة والمشية والحركة، بيت له روح وليس كالآلة، وهو اللبنة الأساسية في بناء المجتمع المسلم السليم القوي المتكامل، القائم على الأخلاق والإيمان.
024.7.3.7- قصص أخرى:
كانت تلك أهم قصة (أي حادثة الإفك) لمناسبة نزول السورة وهناك قصص أخرى نزلت بمناسبتها بعض آيات السورة لن نذكرها ولكن نشير إليها وهي:
– قصة الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا (يعني أجيرا) على هذا فزنى بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، إلى آخر القصة.
– قصة رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية.
– قصة هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إلى آخر القصة.
– قصة مرثد بن أبي مرثد، كان يحمل الأسرى، أراد أن ينكح صديقة له اسمها عناق وكانت امرأة بغي. ومثلها كانت امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح فأراد رجل من أصحاب الرسول أن يتزوجها.
– وقصة أبو أيوب الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما قالت له امرأته: يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها قال نعم وذلك الكذب أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت لا والله ما كنت لأفعله قال فعائشة والله خير منك.
– قصة الآية التي نزلت في الصديق رضي الله عنه حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة أبدا بعدما قال في عائشة.
– ما ذكر أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث أن أسماء بنت مرثد كان في محل لها في بني حارثة فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل وتبدو صدورهن وذوائبهن فقالت أسماء: ما أقبح هذا.
– قصة جارية عبد الله بن أبي ابن سلول يقال لها معاذة يكرهها على الزنا.
024.7.3.8- ضرب الأمثال:
وواضح جداً أن هذه القصص المذكورة كانت في مناسبة نزول النصف الأول من السورة. أما النصف الثاني، فقد ضرب الله سبحانه فيه الأمثال التي تصور بأسلوب معجز مراد الآيات ومقصدها بما يغني عن ذكر الكثير من الكلمات.
– نور الإيمان بالمشكاة التي فيها مصباح.
– ظلمات الكفر بعضها فوق بعض، وأعمالهم التي كالسراب يحسبه الظمآن ماءاً.
– تسبيح من في السماوات والأرض والطير وصلاتهم لله.
– إعراض المنافقين وكأن في قلوبهم مرض، وترددهم إلى الحق إذا كان لهم فيه مصلحة، واعرضهم عنه إذا كان غير ذلك.
– صورة هداية الله للأشياء وأنه يسوق السحاب وينزل المطر ويقلب الليل والنهار ويخلق الدواب من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع.
024.7.3.9- الآيات من (54 إلى 64) تلخص مقصود السورة ومقصود القصص، وهو أن الله لا يعجزه شيء. وأنه على المؤمنين أن يطيعوا الله بما أراده لهم من بناء البيوت على العفة والطهر. لأنهم إن فعلوا فسيستخلفهم ويمنحهم الأمان والاستقرار في الأرض ويرحمهم في الدنيا والآخرة، ويعذب الكافرون في الدنيا والآخرة.
024.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
024.7.4.1- آيات القصص: (11-16، 22، 23، 47-49، 51-54) = 15 آية.
024.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (24، 25) = 2 آية.
024.7.4.3- الأمثال في الآيات: (35-40، 50) = 7 آيات.
024.7.4.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (41-45) = 5 آيات.
024.7.4.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-10، 17-21، 26-34، 46، 55-64) = 35 آية.
024.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
024.8.0- وتتشابه سور النور وتتناظر مع سورة النساء من حيث تضمّنهما أعمال المحسنين: فسورة النور أتت بالنور والكرامة بما احتوته من هدى للمؤمنين ينير لهم حياتهم ومجتمعهم، وكذلك من مشى على خطاهم من الناس على الأرض، وذلك باحترام البيوت وعدم اتباع الشيطان والتسامح بين المؤمنين، وهي من أعمال المحسنين. وهذا يشبه ما ورد في سورة النساء من تفصيل الأعمال التي تتطلب تقوى الله ومراقبته دائماً، وهي المعاملات وحقوق العباد، فإن فعلها المؤمن وهو يعلم أن الله يراقبه كان من المحسنين، وهي أعلى درجات الإيمان. ويناظر ما فرض في سورة النور من الأحكام، ما ذكر في سورة النساء من الأحكام في الآيات (1-39 و 105- 135 و 176)، والأحكام الواردة في السورتين هي مسؤوليات وحقوق جعلها الله للحفاظ على الروابط الكثيرة المتشابكة المعقدة في الأسرة الواحدة وبين غيرها من الأسر، ولم يترك مسؤولية وضعها لأهواء الناس، بل فرض عليهم قوانينها وتولّى تدبيرها بفضله ورحمته وعلمه، وهي أحكام تستوجب مراقبة الخالق وتحكيم شرعه العادل، لأنها معاملات تتعلق بمصائر أناس آخرين ابتلى الله بها بعضهم ببعض. وأيضاً تكرر كثيراً في السورتين لفظ الجلالة {الله} مما يدل على تشابههما في احتوائهما على الكثير من الأحكام والأوامر والنواهي، فكثرة تكراره يتناسب مع محتوياتهما التي تطلب من العباد العمل أو اجتنابه، ف {الله} هو الاسم الجامع الذي يشمل أسماء الترغيب بالإنعام، والترهيب بالعذاب وسلب النعم. وتكررت كذلك في السورتين أسماء الله الدالة على العلم والحكمة والمغفرة والرحمة، وختمت بها الكثير من آياتهما.
024.8.1- بعد أن بينت سورة مريم وطه والأنبياء أن التوحيد والإيمان بالله واتباع دينه هو سبب النعم، نزل بذلك القرآن وأرسلت به الرسل، وهو رحمة للناس ونجاة لهم من الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة. وبعد أن حذرت سورة الحج الناس بشدة من يوم الحساب وأمرتهم باتباع شعائر الله وعبادته. وأكدت سورة المؤمنين أن الله سبحانه أراد للناس الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، وقد خلقهم ليكرمهم لا ليعذبهم، خلقهم ليرثوا الجنة ويخلّدوا فيها. ها هي سورة النور أتت بالنور والكرامة بما احتوته من هدى للمؤمنين ينير لهم حياتهم ومجتمعهم، وكذلك من مشى على خطاهم من الناس على الأرض، وذلك باحترام البيوت وعدم اتباع الشيطان والتسامح بين المؤمنين. كيف لا وهذا النور من عند الله الذي أضاءت لنور وجهه الكريم السماوات والأرض وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة. وستأتي بعدها سورة الفرقان بمزيد من النور فيه بيان لكل ملتبس تفرق بين الحق والباطل، ثم القرآن بمعجزاته في سورة الشعراء، ثم القرآن ببيانه في سورة النمل، ثم رعاية الله لأوليائه في سورة القصص.
024.8.2- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه اتصالها بسورة قد أفلح: أنه لما قال: {والذينَ هُم لفروجهم حافظون} ذكر في هذه أحكام من لم يحفظ فرجه من الزانية والزاني وما اتصل بذلك من شأن القذف وقصة الإفك والأمر بغض البصر وأمر فيها بالنكاح حفظاً للفروج وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف وحفظ فرجه ونهى عن إكراه الفتيات على الزنا ولا ارتباط أحسن من هذا الارتباط ولا تناسق أبدع من هذا النسق.
024.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه: لما قال تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون (5)} المؤمنون، ثم قال تعالى {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7)} المؤمنون، استدعى الكلام بيان حكم العادي في ذلك، ولم يبين فيها فأوضحه في سورة النور فقال تعالى {الزانية والزاني} – الآية، ثم أتبع ذلك بحكم اللعان والقذف وانجرّ مع ذلك الإخبار بقصة الإفك تحذيراً للمؤمنين من زلل الألسنة رجماً بالغيب {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} وأتبع ذلك بعد بوعيد محبّي شياع الفاحشة، في المؤمنين بقوله تعالى {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات (23)} النور الآيات، ثم بالتحذير من دخول البيوت إلا بعد الاستئذان المشروع، ثم بالأمر بغض الأبصار للرجال والنساء ونهى النساء عن إبداء الزينة إلا لمن سمى الله سبحانه في الآية، وتكررت هذه المقاصد في هذه السورة إلى ذكر حكم العورات الثلاث، ودخول بيوت الأقارب وذوي الأرحام، وكل هذا مما تبرأ ذمة المؤمن بالتزام ما أمر الله فيه من ذلك والوقوف عندما حده تعالى من أن يكون من العادين المذمومين في قوله تعالى {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7)} المؤمنون.