العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
027.0 سورة النمل
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
027.1 التعريف بالسورة:
1) مكية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 93 آية. 4) هي السورة السابعة والعشرون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثامنة والأربعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الشعراء”. 6) أسماء أخرى للسورة: تسمّى أيضاً سورة سليمان. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:
{الله} 22 مرّه، {لله} 5 مرّات، رب 12 مرّة؛ (3 مرّات): مخرج؛ (2 مرّة): هو، عزيز، حكيم، عليم، رب العالمين، رحيم، خلَقَ، يَعْلَم، فضّل، أنعم؛ (1 مرّة): غني، رحمن، يبدأ، يعيد، خبير، كريم، ذو فضل، يهدي، غفور، يقضي، أنزل، كاشف، صنع الله، نبلو، تعالى، {بسم الله الرحمن الرحيم}، {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم}. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
سورة النمل أكثر سورة وردت فيها: كلمة مكر 6 مرات من أصل 31 مرة في القرآن 20%. {الحمد لله} 3 مرات من أصل 23 مرة في القرآن هي وكذلك سورة الزمر. سليمان 7 مرات من أصل 16 مره، (أإله مع الله) 5 مرات، عرش 5 مرّات، يوزعون 3 من أصل 5، {وقع القول عليهم} 2 مره.
وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: قال 37 مره، علم 11 مره، آيات 10 مرات، هدى 9 مرات، مؤمنين 7 مرّات، مسلمين 6 مرّات، أخرج 6 مرات، قرآن 4 مرت، كفر 4 مرّات، موسى 3 مرات، مفسد 3 مرات، مطر 3 مرات، تسع 2 مره.
027.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج بن مردويه، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: “أعطيت السّورة التي ذكرت فيها الأنعام من الذكر الأوّل، وأعطيت طه والطواسيم من ألواح موسى، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصّل نافلة”.
027.3 وقت ومناسبة نزولها:
أسلوب السورة وموضوعها يشبه تلك التي نزلت في منتصف الفترة المكّية، وتميّزت بإنكار الكفّار البعث، وقولهم عن القرآن أنه أساطير الأولين، وسخريتهم واستهزائهم من دعوة الإسلام. ووقت النزول هذا يؤكده حديث ابن عباس وجابر ابن زيد من أن سورة الشعراء نزلت أوّلاً ثم النمل ثم القصص. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
027.4 مقصد السورة:
027.4.1- مقصد السورة: بيان أن الكتاب {مبين} لكل الناس، ويخصص المؤمنين بالهدى والبشرى والرحمة لإدراكهم معانيه وآياته وانتفاعهم بها. فكل ما يتضمنه هذا القرآن، يقوم قبل كل شيء على الإيمان. فالذي لا يؤمن بالله، ولا يتلقى القرآن على أنه وحي من عند الله وعلى أن ما جاء فيه هو الدين الذي يريده الله، لا يهتدي بالقرآن ولا يستبشر بما فيه. وأن الله {العليم الحكيم (6)} يبيّن للناس الآيات رحمة بهم ليهتدوا ويستبشروا.
027.4.2- مقصدها نجده في الآيتين الأولى {طس، تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1)}، والثانية {هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}، وفي الآية {هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (77)}.
027.4.3- وقال البقاعي: قد وصف كتابه بالمبين، لهداية الخلق أجمعين، وبالفصل بين الصراط المستقيم، وطريق الحائرين، وبالجمع لأصول الدين. لإحاطة علم منزله بالخفي والمبين، وذلك يرجع إلى العلم المستلزم للحكمة.
وقال أيضاً: المقصود الأعظم من السورة إظهار العلم والحكمة، كما كان مقصود التي قبلها (سورة الشعراء) إظهار البطش والنقمة. وأدل ما فيها على هذا المقصود ما كان للنمل من حسن التدبير، وسداد المذاهب في العيش، ولا سيما ما ذكر عنها من صحة القصد في السياسة، وحسن التعبير في ذلك القصد، وبلاغة التأدية.
027.5 ملخص موضوع السورة:
بدأت السورة بذكر مقصدها وملخص موضوعاتها في أوّل ست (6) آيات: بأن القرآن مبين واضح، فيه {هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}، يهديهم إلى الصلاة والزكاة، ويبشرهم بحسن الثواب في الآخرة، أما الذين لا يؤمنون فهم متحيّرون في أفهامهم وأتباعهم (لا يفرّقون بين النور والظلام)، فينذرهم {سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)}، وأن هذا القرآن من حكيم بتدبير خلقه، عليم بمصالحهم.
بعد هذا الاستهلال الموجز البديع، شرعت السورة بالتفصيل في مجموعتين من الآيات، الأولى: اثنان وخمسون (52) آية تضمنت أربع قصص تبيّن كيف استحق المؤمنون الرحمة والبشارة وخسر المكذبون، فقد نجّى الله بني إسرائيل من فرعون، ومَلِكة سبأ وقومها بإيمانهم، وأغرق فرعون وقومه، وأهلك قوم صالح وقوم لوط بكفرهم. الثانية: اثنان وثلاثون (32) آية حول أربعة مواضيع، أولها بيان آيات الله الدالّة على خلقه وتدبيره ورعايته، ثمّ إقامة الدليل على البعث الذي ينكرونه بالمسير في الأرض ورؤية آثار هلاك المجرمين، ثمّ الدليل على الهدى والرحمة التي في القرآن ببيان علم الله بما تكنّ صدورهم والذي فيه يختلفون، ثمّ أنباء عن الغيب وخبر البعث والحساب الذي لا يعلمه إلا الله وذكر بعض آياته. وختمت السورة بما بدأت به في ثلاث (3) آيات تأمر بالعبادة والإسلام وقراءة القرآن، كما يلي:
المجموعة الأولى: وفيها أربع قصص تتحدث عن أربع فئات من الناس في مرحلة مبكّرة من مراحل الدعوة إلى الهدى، مع الإشارة إلى نهاية القصص لتبيّن كيف رُفع بالإيمان أقوام وخفض بالكفر آخرون، وأعزّ ذليل وأذلّ عزيز. ومن القصص قصتان لأمتان كانت أعمالهما وأحوالهما على طرفي نقيض، فهذا نبي الله سليمان ملك مؤمن يزداد ملكاً وتؤمن به مملكة أخرى، يقابله قوم لوط كفار لهثوا خلف شهواتهم فزادهم الله بؤساً وعذاباً فوق ما هم فيه. وقصتان لنبيان هما موسى وصالح، آمن بعض المستضعفين ممن أرسلوا إليهم فنجوا، وكفر أكثرهم فهلكوا وهلك فرعون. ففي (الآيات 7-14) قصّة موسى أيده الله بتسع آيات بيّنات محسوسات عرفوها فاهتدى من أراد الهداية، فأنجاهم الله من الذل والعذاب وجعل منهم ملوكاً، وكفر قوم فرعون ظلماً وعلوّاً بعد أن استيقنتها أنفسهم فأهلكهم الله وأذلهم بعد الملك. وفي (الآيات 15-44) قصّة داود وسليمان عليهما السلام فضّلهما الله وآتاهما علماً فحمدا الله، وورث سليمان الملك وعلّم منطق الطير، وأوتي من كلّ شيء، وجمع له الجن والإنس والطير آية وهدى، فكان مُقرّاً لأنعم الله شاكراً لفضله، فزاده الله ملكاً ونعيماً، وأسلمت بدعوته مملكة سبأ. وفي (الآيات 45-53) قصّة صالح الذي دعا قومه إلى عبادة لله وأنذرهم استعجالهم العذاب، فآمنت طائفة منهم وكفر جمهورهم ومكروا وهمّوا بقتل نبيهم، فأهلكهم الله وأنجى المؤمنين. و (الآيات 54-58) قصة قوم لوط دعاهم إلى تقوى الله وترك الفواحش، فتآمروا على إخراجه، فأنجاه الله وأهلكهم، فقد كانوا من أفجر الناس وأكفرهم.
المجموعة الثانية: (الآيات 59-66) تبرهن على وحدانية الله وعلمه وقدرته بخمسة أسئلة عن حقائق تلخّص حياة الإنسان كاملة وهي: {أمّن خلق؟ أمّن جعل؟ أمّن يجيب؟ أمّن يهديكم؟ أمّن يبدأ الخلق ثمّ يعيده؟}، وتتكرر الإجابة بسؤال: {أإله مع الله؟} فلا جواب، لأنه: لا إله إلا الله. فقد خلق السماوات والأرض، وأنزل الماء ينبت به الحدائق، وجعل الأرض قراراً والأنهار والجبال والبحار، ويستجيب لدعاء المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، ويجعلهم خلفاء الأرض، ويهديهم ويرسل الرياح ويبدأ الخلق ثم يعيده ويرزق من السماء والأرض، كلها نعم وآيات يعرفونها، ويعلمون أنها من الله وحده لا شريك له، وأنها دليل على البعث، ولا يعلم أحد الغيب ولا متى البعث إلا الله، وسيعلمونه حين يعاينوه فلا ينفعهم ساعتها علمهم. (الآيات 67-73) الكافرون لم يؤمنوا بالبعث ولا باليوم الآخر، وقالوا عن الكتاب أساطير الأولين، ولم يعتبروا بهلاك المجرمين من قبلهم، فلا تحزن عليهم، فالله ذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون، وعسى أن يكون قد اقترب لهم بعض العذاب الذي يستعجلون، فليس الله بغافل عما يعملون. (الآيات 74-81) الله سبحانه يعلم ما يريده هؤلاء فهو يعلم سرّهم وعلنهم، وكلّه مكتوب عنده، وهذا القرآن كتاب هداية ورحمة ويقصّ عليهم أكثر الذي فيه يختلفون، ولكنّهم فريقان: فريق يسمع الهدى فيؤمن، وفريق لا يريد أن يسمع فلا يؤمن، فتوكّل على الله فأنت على الحق، {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}. (الآيات 82-90) وإذا وجب العذاب أخرج لهم علامة الساعة الكبرى دابّة الأرض تكلّمهم، وقد جعل الله الليل والنهار آيات متعددة على قدرته وتدبيره وعلى البعث والآخرة، ويوم ينفخ في الصور ويرى الناس أهوال الساعة يفزعون، إلا من أكرمه الله وحفظه من الفزع وهم الذين جاءوا بالحسنات، أما الذين جاءوا بالسيئات فكبّوا على وجوههم في النار.
وختام السورة (الآيات 91-93) كما بما بدأت به: تأمر بالعبادة لمالك كلّ شيء، وتلاوة القرآن ففيه الهدى، والأمر بحمد الله لأنه {سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}.
ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحاً ترضاه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
027.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
تتحدث السورة عن طرفين يخصهم نزول القرآن، وعندما نقول طرفين فهو تعبير مجازي فقط لنميّز بأن هناك طرف أوّل فاعل هو {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم (26)} صفته أنه يملك ويحكم ويعلم كل شيء، وآخر صفته أنه لا يملك أي يشيء ولا يعلم سوى ما علّمه الله ولا يحكم إلا ما استخلفه الله عليه. الأول وهو الله الخالق العليم الحكيم، صاحب العزة والعلم نزّل القرآن بعلمه وحكمته ليحاسب عليه الناس بعزّته وعلمه، والطرف الثاني وهم المؤمنون المخلوقون نزل عليهم الله ربهم القرآن ليكون لهم هدى وبشرى ورحمة من الله رب العرش منزل القرآن. القرآن هو كلمة السرّ (بلا تشبيه) التي وضعها الله وهو الخارطة المرسوم عليها الطريق الذي يوصل إلى كنز خزائن السعادة الذي يسعى إليه الإنسان، لا بل إلى الكنوز التي في السماوات والأرض، من سار عليه اهتدى وفاز في الدنيا والآخرة، ومن سار على غيره ضلّ وخسر الدنيا والآخرة.
تنقسم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى ثلاثة أقسام: مقدمه في الآيات (1-6) = 6 آيات، تلخص مقصد السورة، ثم قصص وآيات في الآيات (7-73) = 67 آية = 72.04% تعطي أمثلة وآيات توضح المقصد، ثم خاتمه وتعقيب في الآيات (74-93) = 20 آية = 21.51% تعقب على ما جاء في السورة من مقدمة وقصص وآيات، كما يلي:
نشير هنا في تفاصيل السورة إلى علم الله وعزته وحكمته، ونشير هناك في سياق السورة إلى هداه ورحمته بالمؤمنين.
فبالحديث عن الله رب العالمين: تقول المقدمة أن محمد عليه الصلاة والسلام (ومن أسلم معه من المؤمنون) يتلقون القرآن من لدن {حكيم عليم (6)}، وفي خاتمتها {يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم (78)}، وهو ما فصلته السورة ونشير إليه فيما يلي:
أما عن هديه ورحمته بالمؤمنين: تقول السورة في مقدمتها عن الكتاب أنه {هدى وبشرى للمؤمنين (2)}، وتقول معقبة في الخاتمة أن الكتاب {هدى ورحمة للمؤمنين (77)}. كيف يكون هذا الهدى والبشرى والرحمة للمؤمنين والذي يقابله طبعاً ضلال ونذارة وخسارة للكافرين، هذا ما بينته هذه السورة، وسنشير إليه في السياق.
27.6.1- مقدمه السورة في الآيات (1-6) = 6 آيات = 6.45%: وصف القرآن بأنه مبين في ذاته فيه الهدى والبشرى للمؤمنين، أما الذين لا يؤمنون فهم في عمى عن آياته، زينت لهم أعمالهم، لهم عذاب في الدنيا والآخرة.
وأن محمد صلى الله عليه وسلم يتلقى القرآن من {حكيم} فلا شيء من أفعاله إلا وهو في غاية الإتقان {عليم} بما يصلح مخلوقاته، يعجز جميع الخلق عن إدراك كل ما في كتابه وعن الإتيان بشيء مثله. أما الكفرة فيتلقون كفرهم إما عن الشياطين الشريرين أو عن آبائهم الجهلاء.
تلك آيات القرآن وكتاب مبين: من يقرأ القرآن يعلم أنه من عند الله هذا ما تؤكده هذه الآية، وهي حقيقة يعلمها كل من يفهم اللغة العربية، وجربها الكثير من غيرنا من غير المسلمين الذين قرأوا معانيها ممن دخلوا الإسلام. لذلك فهو يهدي ويبشر المؤمنين الذين يريدون الهدى والإيمان ويطلبونه، أما الذين لا يؤمنون بالآخرة والمعجبين بأعمالهم القبيحة وقد زينت لهم فرأوها حسنة، فهم فيها متحيرين لقبحها. أولئك لهم العذاب السيء في الدنيا وهم في الآخرة أشد الناس خسراناً. القرآن لا يحتاج إلى برهان خارجي يثبت أنه من عند الله، بل هو البرهان المبين لكل شيء. فقط ما على الإنسان إلا أن يقرأه بشيء قليل من الانتباه والإنصات، فلا يوجد أحد ممن يقرأ القرآن ولا يتبين له من أول وهلة أن هذا كلام الله وليس كلام بشر، إلا من سمعه أو قرأه وهو لاه عنه قلبه.
27.6.2- قصص وآيات في الآيات (7-73) = 67 آية = 72.04% وهي تعطي أمثلة وآيات توضح المقصد:
27.6.2.1- قصص السورة في الآيات (7-58) = 52 آية = 55.91%: ذكر أربعة قصص تظهر أن الله عظيم العلم واسعه، حكيم في أفعاله متقنة، وقد أيّد كل رسول من رسله بالآيات البينات التي تناسب فهم قومهم وتتحدى علمهم ومعرفتهم.
الآيات (7-14) قصة موسى وأخاه هارون عليهما السلام (وفيها الدليل على حكمة الله تعالى) وقد آتاهما الله حكمة وهدى ونصراً على من خالفهما وعزاً. يناديه الله سبحانه مبتدئاً بتنزيه نفسه بأنه رب العالمين يستحق تنزيهاً يليق بجلاله، ومعلماً إياه بأنه العزيز القادر على كل شيء الحكيم يدبر شئون عباده بحكمته، يبين لهم الآيات فيعرفونها فيهتدوا لو أرادوا الهداية. وقد كفر فرعون وقومه وجحدوا الآيات التي استيقنتها أنفسهم، أي أنكروا كونها آيات ظاهرة واضحة تدل على صدقه عليه السلام، مع تيقنهم بأنها حق، ظلماً منهم بأن وصفوها بغير وصفها، وتكبراً على من أتى بها، فاقتضت حكمته بعد وضوح الأسباب، أن أغرقهم الله وأنجى المؤمنين من قوم موسى وهم بني إسرائيل. وفي هذه القصة المختصرة أسلم الضعفاء وهم قوم موسى وكفر الأغنياء الأقوياء أصحاب الملك وهم قوم فرعون.
الآيات (15-44) قصة داود وسليمان عليهما السلام (وفيها الدليل على علم الله تعالى الواسع يهب منه ما يشاء بحكمته) وقد آتاهما الله علماً عظيماً لم يؤته أحد من قبلهما، وعلّمهما منطق الطير والدواب وغير ذلك، وجمع الجن والإنس والطير آية بينة على علمه وحكمته ومزيد إنعامه على عباده الشاكرين. وسليمان هو ابن داود عليهما السلام ورث عن أباه النبوّة والعلم والملك. ثمّ قصّت علينا الآيات مصداق هذا الخبر بأن الله حشر لسليمان {الجن} الذين لا يراهم الإنسان ويصعب جمعهم، {والإنس} بمختلف توجهاتهم، {والطير} الذي ليس له عقل فيستوعب أمر الإنسان، في جيش واحد جرار سار بهم سليمان عليه السلام في بعض الغزوات. في مسير معجز لا يصدقه العقل، تلته معجزات أعظم يعجز العقل البشري عن استيعاب أحداثها، وهو أن النمل الذي لا يعقل علم أن هناك جيش مقبل نحو واديهم وأن ملك هذا الجيش هو سليمان، فنادت نملة باقي النمل أن ادخلوا مساكنكم كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده، فسمع سليمان هذا النداء وفهمه فتبسم مسروراً بفضل الله عليه، فدعا الله أن يجعله قادراً مطيقاً لشكر نعمته عليه وعلى والديه وأن يجعله من عباده الصالحين.
ولم تقف هذه المعجزات الدالة على علم الله وحكمته عند هذا الحد، بل تواصلت حتى يرونها ويعلمون أنها الحق، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فعلم الله وحكمته محيطة به. ومع عظيم العلم الذي أوتي سليمان عليه السلام، الذي هو أقل من قطرة في بحور علم الله، قصّت علينا الآيات معجزة أعجب وهي أن سليمان كان يتحاور مع الهدهد بلغة الطير، وقد أحاط الهدهد بما لم يحط به سليمان عليه السلام. هذا الهدهد الذي نعلم أنه لا بصيرة ولا عقل لديه بل هو مخلوق بسيط تسيّره فطرته وغرائزه، فإذا به يفقه الفرق بين الهدى والضلال ويعلم أن من بين المخلوقات شيطان شرّير يزيّن القبائح ويضل عن طريق الهدى، ويفقه هذا الطير أن من الناس مؤمن وكافر وأن منهم من يعبد الله ومنهم من يشرك فيعبد الشمس وغيرها من الآلهة، وأن هذا الطائر الضعيف كذلك علم مالم يعلمه أعلم العلماء في عصره (وهو سليمان)، ذلك لكي يتواضع ويتأدب العلماء مع الله فيحتقرون ما عندهم من العلم الضئيل مع علم الله، وأنهم مع علمهم تخفى عنهم أشياء كثيرة لا يعلمونها، وقد يعلمها غيرهم ممن هو أضعف منهم.
ولتأكيد علم الله العظيم الواسع الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض، ولا يخفى عليه ما نخفي وما نعلن: قصّت علينا الآيات حكمة الله بضرورة تعلم العلم والكتاب، وأهمية العلم في بيان طريق الهدى، الموصل لعبادة الله وبالتالي شكره على نعمه التي لا تحصى. وأننا بالعلم نستدر ونفتح كنوز نعم الله، فنستطيع عمل وتحقيق ما تعجز عن تحقيقه جميع الإنس والجان، بدليل قصة الذي عنده علم الكتاب استطاع أن يأتي بعرش ملكة بلقيس العظيم في أقل من طرفة عين كما في الآية (40). هذا العرش الذي أتي به سالماً من اليمن إلى بلاد الشام رجل عنده علم الكتاب، يتجلّى من قصته فضل علم الله على ما سواه، ترغيباً بتعلم القرآن الذي هو من عند الله هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين. لقد عجزت عفاريت الجن عن أن تأتي بالعرش بأحسن مما أتى به الذي عنده علم من الكتاب، وحتماً فالإنسان بكل ما أوتي من علوم الدنيا والصناعات ووسائل الاتصال أعجز من أن يأتي بالعرش سالماً في سنوات وليس في لحظات. ولكنه يقتدر عليه بقوّة العلم الإلهي كما حصل في القصّة المعجزة، ليفيد ذلك تعظيم العلم الذي في الكتاب، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه”.
وفي هذه القصة التي تحكي عن قوم آتاهم الله العلم والحكمة وقد دخل بسببه إلى الإسلام أصحاب الغنى والملك والقوة من قوم سليمان ومن غيرهم على عكس ما فعله قوم فرعون أصحاب الملك حين لم يسلموا مع موسى عليه السلام بمعجزاته التسعة المحسوسة بينما أسلم معه الضعفاء من قومه.
الآيات (45-53) وفي هذه الآيات تحكي المفيد من قصة ثمود وهم أمة واحدة كانوا يعبدون الأصنام رغم ما أعطاهم الله من الزروع والثمار ومن القوّة فكانوا ينحتون بيتوهم في الجبال. أرسل إليهم صالح عليه السلام رسول منهم فانقسموا إلى فريقين يختصمون، فبعضهم آمن مع صالح وبعضهم الآخر كفر، وكل فريق يقول أنا على الحق وخصمي على الباطل. فأهلك الله الكافرين بعلمه بإبطال مكرهم ودمرهم بما ظلموا وبما كانوا يبيتونه من الشر للمؤمنين، وبقيت بيوتهم خالية من بعدهم مع شدة بناءها وكثرة خيراتها. وأنجى الله الذين آمنوا وكانوا يتقون.
الآيات (54-58) تحكي باختصار قصة قوم لوط: وهم من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم، ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من قبلهم، ولوطاً ليس منهم بل سكن فيهم بأمر من إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وكانوا يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر ولا يتناهون عن منكر فعلوه. ولما دعاهم لوط عليه السلام إلى تقوى الله تعالى وترك ما ذكر الله عنهم من الفواحش، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما نهوا عنه وهمّوا بإخراج آل لوط من بين ظهرانيهم لأنهم أناس يتطهرون، فجعلوا غاية المدح ذمّاً جهلاً وعناداً، وهو عكس مقصود السورة بإظهار العلم والحكمة، فأنجاه الله وأهله من أذاهم، وأهلكهم بأن أمطر عليهم مطر عذاب بالحجارة، فساء مطر المنذرين.
وباختصار فالقصص الأربعة في السورة تتحدث عن أربعة أنواع من الناس: عن ملوك هلكوا لأنهم جاءهم العلم والحكمة من الله فاتبعوا الجهل والضلالة فلم ينفعهم ملكهم. وملوك ازدادوا ملكاً لأنهم استفادوا من علم الله الذي علمهم فشكروا الله المنعم واستخدموا نعمة الملك في عمارة الأرض والدعوة إلى الله. ومستضعفين اتبعوا الحكمة والهدى فرفعهم الله ونصرهم على ملوك وجبابرة الأرض. ومستضعفين أعرضوا عن الحق وانشغلوا بلعبهم وشهواتهم ومخالفتهم فطرة الله التي فطر الناس عليها فأهلكهم الله.
27.6.2.2- آيات وبراهين على وحدانية الله وعلمه وقدرته: في الآيات (59-66) بعد أن بينت القصص الأدلة على حكمته وعلمه وعجز الأصنام عن أن تشاركه في قدرته وحلمه. أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحمده شكراً على ما علم ويقررهم بعجز أصنامهم. بمعنى أن نجاة الرسل وأتباعهم، وهلاك الكافرين هو خير دليل على عجز آلهتهم وعلى علم الله وإحاطته بكل شيء.
يبين سبحانه البراهين الدالة على وحدانيته وعلمه وقدرته على شكل خمسة أسئلة مهمّة عن حقائق واضحة تلخص حياة الإنسان من بدايتها إلى نهايتها. وجب على الإنسان أن يجيب عليها لنفسه، في معرفة خالق هذه الأشياء ومدبر أمرها حتى يعلم في يد من توجد مصلحته ومنفعته، وحتى يعطي صاحب الحق حقه، ولا يعود ويكرر شكر وعبادة غيره من الأوثان كما فعل عبر تاريخه. والأسئلة هي: {أمّن خلق؟ أمّن جعل؟ أمّن يجيب؟ أمّن يهديكم؟ أمّن يبدأ الخلق ثمّ يعيده؟} وتتكرر الإجابة في نفس الآيات خمسة مرّات بسؤال من الله سبحانه وتعالى {أإله مع الله}، ويجب على السامع أن يجيب لنفسه بصدق، إذا علم الإجابة. أي إذا وجد أن هناك إله مع الله فليذكره، وإذا لم يجد فليقل: لا إله إلا الله.
والأسئلة والبراهين التي وردت في الآيات تتحدّث عمّا يلي:
– خلق الله السماوات تظلهم والأرض سكناً لهم، وأنزل من السماء ماء لشرابهم وأنبت به حدائق ذات بهجة لطعامهم،
– جعل الأرض قراراً وجعل أنهاراً وجعل جبالاً وجعل بين البحرين حاجزاً،
– يجيب المضطر ويكشف السوء ويجعلهم خلفاء الأرض،
– يهديهم في ظلمات البر والبحر ويرسل الرياح بشراً،
– يبدأ الخلق ثم يعيده ويرزق من السماء والأرض.
إذاً من خلق السماوات والأرض؟ أسئلة معجزة مبينة عجيبة؟ هل هي الأصنام؟ أم من يعبدون من الآلهة من البشر كفرعون؟ هل هي الأموال والأولاد؟ من خلق؟ الجواب الفطري الذي ليس للإنسان غيره أنه هو الله لا غير؟ لكن هل لله شريك؟ هل إله مع الله كما يعتقد الكفار والمشركون بأنهم وجدوا عليه آباءهم؟ إذاً فليأتوا ببرهانهم إن كانوا صادقين؟ وهذا تحد من الله تعالى ليؤكد بأنهم لن يستطيعوا وبأنهم كاذبين.
بعد هذه البراهين على علم الله وإحاطته بالغيب والشهادة، يطالبهم بأن يأتوا ببرهانهم هم على عدم وجود الآخرة وهي من علم الغيب، وعلى الذي جعلهم يؤمنون بما وجدوا عليه آبائهم الذين اعتقدوا بعدم وجود الآخرة، وبالشريك لله. هم يعلمون أن لا برهان لهم عليه. بل البرهان قائم على خلافه، فلا يعلم أحد الغيب إلا الله. أما هم فإنهم بإعراضهم عن العلم مع قيام الأدلة التي هي أوضح من الشمس فقد فوتوا على أنفسهم الخير الكثير، وقد نزل بهم عماهم عن رتبة البهائم التي لا همّ لها إلا لذة البطن والفرج. والنتيجة المختصرة من الآيات أن الإنسان لم يخلق ليعيش كالحيوانات بل ليبتلى بالعبادة بعد أن تميز عنها بالعقل والعلم، وكذلك كي يشكر الخالق الرازق المدبر مجيب الدعاء الهادي الذي بدأ الخلق ثم يعيده.
27.6.2.3- قصص عن كفار مكّة: في الآيات (67-73) بعد كل هذه الآيات البينات والبراهين الواضحات المفحمات على علم الله وقدرته وإحاطته وحكمته يتساءل الكفار في حيرة عمياء وتعجب عجيب يثير حزن وشفقة المؤمنين أولي الألباب على هؤلاء وهم يتساءلون مستنكرين الخروج من القبور وهم يرون بأعينهم عاقبة المجرمين ممن هلك من قبلهم بسبب ظلمهم وقد تركوا بيوتهم خاوية لتكون من بعدهم آية مبينة لمن يعتبر.
27.6.3- الخاتمة: خاتمه وتعقيب في الآيات (74-93) = 20 آية = 21.51% تعقب على ما جاء في السورة من مقدمة وقصص: وهو علم الله المطلق بالسرّ والعلن فجعل القرآن هدى ورحمة للمؤمنين، وجعل يوم الحشر للحساب على الأعمال من خير أوشر. وتختم بالغرض الذي جعلت له السورة وهو الأمر بقراءة القرآن ففيه العبادة والهدى والآيات.
الآيات (74-81) الله سبحانه يعلم ما يريده هؤلاء وكل ما يحتاجون إليه لأنه يعلم سرهم وعلنهم، بل كل ما يغيب عن أبصار الخلق مكتوب عنده في كتاب واضح. هذا القرآن كتاب هداية ورحمة، والناس قسمان قسم يسمع الهدى فيؤمن وقسم لا يريد أن يسمع فلا يؤمن. الله هو القاضي بينهم بحكمته وهو عزيز قادر عليهم عليم بأفعالهم، فتوكّل عليه أيها المؤمن وثق به فأنت على الحق الواضح البين، أما هؤلاء فهم كالموتى لا يهتدون بل بهم صمم لا يسمعون في أبصارهم وبصائرهم عمى لا يرون أنهم ضالّون. وفي نظم الدرر للبقاعي: كفرهم في ثلاث رتب: عليا ككفر أبي جهل، ووسطى كعتبة بن ربيعة، ودنيا كأبي طالب وبعض المنافقين.
الآيات (82-90) وقوع الساعة وآياتها الكبرى ثم الحشر ثم الحساب ثم حقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم وتكذيبهم. وقد جعل الله لهم الليل يسكنون فيه وينامون، والنهار يسعون فيه على رزقهم فيه، ليكون دلالة على كمال قدرة الله وعظيم نعمته وقد انتفع بها المؤمنون. كذلك وفي آيتي الليل والنهار والنوم والبعث آيات متعددة على قدرة الله وتدبيره وعلى البعث في الآخرة. ويوم ينفخ في الصور ويرى الناس أهوال الساعة يفزعون من شدتها إلا من أكرمه الله وحفظه من الفزع، وهم الذين جاءوا بالحسنات، أما الذين جاءوا بالسيئات فكبوا على وجوههم في النار.
الآيات (91-93) بعد ذكر المبدأ والمعاد والنبوة والبعث والحشر، أمر الله سبحانه الرسول عليه السلام والناس الذي أرسل إليهم بالعبادة والإسلام وقراءة القرآن. لأنه من اهتدى فقد فاز ومن ضل فقد خسر. بعد البيان والإنذار. سيريكم الله آياته الدالة على الحق فتعرفونها وما الله بغافل عما تعملون، وسيجازيكم على ذلك.
ذكرت كلمة القرآن في السورة 4 مرات مرتين في المقدمة ومرتين في الخاتمة: ففي الآية الأولى تضمنت إشارة إلى آياته وأنها مبينه وهادية، وفي الآية السادسة إشارة إلى أنها من عند الحكيم العليم، وفي الآية السادسة والسبعون أنه يقص على أهل الكتاب ما اختلفوا فيه من أمر الدين ليهتدوا بعد أن حرفوا دينهم وكتموا بعضه، وفي الآية اثنتان وتسعون يأمر خاتم النبين وأمته بقراءة القرآن لأنه كتاب هداية وتضمنت هذه الآية قبل الأخيرة تقسيم الناس إلى مهتد مبشر بالنجاة، وضال منذر بعواقب صنعه.
027.7 الشكل العام وسياق السورة:
027.7.1- إسم السورة:
027.7.1.1- إسم السورة: “النمل” هو اسم السورة المشار إليه سريعاً في قصة سليمان وجنوده، وكأنّه تلميح إلى أنّها تدعو إلى الهدى كما هدى الله “النمل”، أمّة تحافظ على نوعها بحسن التدبير وسداد المذاهب في العيش، ومعلوم كيف أن النمل يعيش في تجمعات متعاونة ومتكاملة كالإنسان، وقد هداها الله إلى ما فيه تحقيق مصالحها وتكوين مجتمعاتها، وتدبير أرزاقها وأحوالها. ورأينا أن النملة أنذرت النمل بعلم وحكمة ونُصح وإرشاد وحسن تعبير وبلاغة في الأداء بوجود خطر قادم ليداهمها، وهي بذلك فعلت كما يفعل الرسول الذي ينذر قومه بأنهم إن لم يهتدوا بدعوته فالهلاك سيداهمهم. وكان من الممكن أن يجعل الله الإنسان متعاوناً بفطرته كالنمل، لكنه سبحانه {حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)} جعل الإنسان مختاراً مسؤولاً عن أفعاله وتعاونه واستقراره لكي يحاسب على اختياره في الدنيا والآخرة، فاختار أكثر الناس الظلم لأنفسهم بأن قتل بعضهم بعضاً واعتدوا على حقوق غيرهم. ولنتخيل لو أن النمل قتل بعضه بعضاً كما فعل الإنسان فكم سيكون الأمر عجيباً ومستنكراً لدى من يملك ذرة واحدة من العقل، لكن الإنسان فقد عقله وحكمته!
027.7.1.2- إنذار النملة لوادي النمل هو إنذار حقيقي وهدايتها لهم لدخول مساكنهم هي هداية حريصة على نجاة النمل وبشارة منها بأن دخول المساكن يحمي من تحطيم سليمان وجنوده. تماماً كما هو إنذار محمّد عليه السلام لأمّته وهدايته لهم {هدى وبشرى للمؤمنين}.
لقد سمّيت ثلاث سور من القرآن بأسماء ثلاثة أنواع من الحشرات: النحل والنمل والعنكبوت، ويبيّن القرآن للإنسان فيها دروساً عجيبة عمّا يمكن أن تنتجه طبيعة العلاقات الاجتماعية بين مخلوقات الله سبحانه وتعالى: فالعلاقات عند النحل بالغة التكامل والفائدة، أي هي مفيدة لنفسها كأفراد ولجماعتها ككل ثمّ لغيرها، والإنسان يستفيد منها الغذاء والشفاء. والعلاقات عند النمل مفيدة لنفسها كأفراد ولجماعتها ككل، تتعاون على بناء مجتمعها وحفر بيوتها وتخزين غذائها ولا يتعدّاها لغيرها. أما العنكبوت فعلاقات واهية يقتل فيها العناكب بعضها بعضاً. وبقراءة تاريخ الإنسان من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، نجد أنّ مجتمعاته كانت خليطاً من هذه النماذج الثلاثة، لكن للأسف غلب على أكثرها شريعة العناكب. فإذا علم المؤمن أن الله اصطفاه بهدى القرآن فليحمده، وليصبر ويتوكّل ويستبشر بالسلامة من الحكيم العليم.
مقصد السورة إظهار العلم والحكمة، ويدل على ذلك ما للنمل من حسن التدبير، وسداد المذاهب في العيش. وذكرت السورة لنفس الغرض قصة سيدنا سليمان وبلقيس ملكة سبأ، ذكرت فيها البسملة مرتين. واسم السّورة يضعها في إطار من العمل الدؤوب والتعاون بحكمة كما هو حال النمل. وعلى الإنسان أن يتعلّم من النمل كيف يعمل الخير لجماعته. يستطيع الله سبحانه ان يهدي الإنسان كما هدى النمل، لكن ترك له الخيار.
027.7.1.3- يعلمنا القرآن أن الهدهد عرف أن له رباً يعبد كما قال تعالى في الآية من سورة النور: {كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون (41)}. كذلك الحشرات والطيور لها لغة تعبّر بها عن نفسها، نحن لا نعلمها وقد علّمها الله العليم نبيّه سليمان عليه السلام. كذلك الحشرات والطيور وبطريقة ما لا نعلمها تعي ما يدور حولها من أحداث وتعرف الناس بأسمائهم ووظائفهم وعباداتهم، الله يعلم كيف يكون هذا لكن نحن لا نعلم، قال تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين (11)} فصلت، أي كل مخلوقات الله تدرك أن لها الهاً تطيعه.
027.7.2- سياق السورة باعتبار ما جاء فيها من القصص والآيات:
ذكرت السورة في مقدمتها أن الكتاب {هدى وبشرى للمؤمنين (2)}، وذكرت معقبة في الخاتمة أن الكتاب {هدى ورحمة للمؤمنين (77)}. كيف يكون هذا الهدى والبشرى والرحمة للمؤمنين والذي يقابله طبعاً ضلال ونذارة وخسارة للكافرين، هذا ما بينته القصص والآيات في هذه السورة، وقد اعتمدت على القصص والآيات كوسيلة بيان تسهل فهم مقصدها وموضوعاتها في أن الله يريد الهداية للناس فيرسل لهم الآيات الواضحات البينات والتي آخرها القرآن.
وتأكيداً لما قصدت إليه السورة من أن القرآن هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين ولتسهيل فهم هذا المقصد: فقد جاءت آيات الله الدالة عليه في ثلاثة أرباع آياتها تقريباُ: وهي آياته سبحانه لأخذ العبر من قصص الأمم في الآيات (7-58)، آياته في الكون في الآيات (59-66)، مواقف المشركين في مكة في الآيات (67-73)، آية الليل والنهار (86)، إتقان صنع الله في الآية (88). المجموع = 69 آية = 74.19%.
تنقسم السورة إلى ثلاثة أقسام: تبدأ بمقدمة تلخص مقصد السورة (6 آيات = 6.45%)، ثم قصص وآيات تساعد على فهم هذا المقصد وتؤكده، وتبين أن موقف المشركين في مكة ومواقف الأمم قبلهم هي نفسها (69 آية = 74.19%)، ثم خاتمه تعقب على ما في السورة من قصص وآيات وتؤكد مقصد السورة بأن القرآن هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين (18 آية = 19.36%).
027.7.2.1- مقدمة: الآيات (1-6) تبين أن هذا الكتاب هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين، وليكون كذلك فلا بد من وجود الآيات الهادية يعرفونها والبشارات فيعرفونها ورحمة يعرفونها، وخير وسيلة لهذا البيان كانت هذه القصص من لدن العليم الحكيم، قصص حقيقية مقتبسة من تاريخ وتجارب البشر أنفسهم، تبين كيف أرسل الله لهم المرسلين بالآيات البينات تهديهم وتبشرهم بفضل الله ونعمته ورحمته، وكيف عرفها واستفاد منها المؤمنون الذين أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وهم يوقنون بالحياة الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب. وكيف عمي عنها وهلك بعدم الأخذ بها الكافرون الذين لا يؤمنون بالآخرة وقد رأوا أن أعمالهم السيّئة حسنة، فهم فيها مترددون متحيرون لأنها أعمال مخالفة للحق والفطرة، فخسروا في الدنيا وفي الآخرة.
كلام الله خالق السماوات والأرض رب العرش العظيم في كتابه القرآن الكريم جعله بين أيدي عباده المؤمنين، فهو عليم بهم وما هو بغافل عمّا يعملون، يهديهم به صراطه المستقيم وما فيه سعادتهم في الدارين، هو أعظم بشرى برحمة الله الحكيم العليم بهم، يأمرهم فيقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة موقنين بالآخرة وما فيها من الثواب على أعمالهم. كذلك من بشارته لهم أن يبين أحوال من كان قبلهم فيرون كيف سعد المؤمنين فيستبشروا، وكيف شقي الكافرين فيحذروا، كذلك يزدادوا تمسّكاً بما أكرمهم الله به من إنزال القرآن، وأمرهم بقراءته لأنه كتاب هداية وبشرى بالنجاة، ونذير بالعقاب. لنرى الآن ماذا حصل للأمم السابقة من خلال قصصهم، لعلنا نتّعظ ونطلب الهدى من عند ربنا في كلامه المنزل في القرآن.
027.7.2.2- قصص: في الآيات (7-58): تضمنت السورة أربعة قصص توضح مقصدها الذي هو أن القرآن هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين ونذير بالعذاب والخسران للذين لا يؤمنون. في القصص أقوام زادهم الله ملكاً وعزّاً، وآخرون زادهم ذلاً وفسقاً وعذاباً.
سنرى قصتين لأمتين كانت أعمالهما وأحوالهما على طرفي نقيض. فهذا نبي الله سليمان ملك مؤمن يزداد ملكاً ويؤمن به مملكة أخرى، يقابله قصة قوم لوط كفار يلهثون خلف شهواتهم فيزيدهم الله بؤساً وعذاباً فوق ما هم فيه. سليمان عليه السلام يرث النبوّة عن أبيه ويؤتيه الله ملكاً عظيماً وعلماً فيعترف لله صاحب الفضل بفضله ويشكره على نعمته، فيزيده الله من نعيمه ويؤمن على يديه مملكة فيها قوم أولو قوّة وبأس. يقابلها قصة قوم لوط يأتون الفاحشة لم يسبقهم على مثلها أحد من العالمين، فأمطر الله عليهم مطراً أهلكهم جميعاً.
وسنرى قصتين لنبيين آمن بهم بعض من أرسلوا إليهم وكفر بعضهم. فهذا موسى عليه السلام وقومه بني إسرائيل يهديهم الله وينجيهم من الذلّ والعبودية لفرعون إلى عز العبادة لله ومزيد نعيمه وتمكينه، يقابله هلاك قوم فرعون بسبب عدم إيمانهم بعد أن كانوا في ملك عظيم ونعيم مقيم. أما ثمود قوم صالح فانقسموا فريقين يختصمون فريق قليل آمنوا فأنجاهم الله وفريق مفسدون لا يصلحون يمكرون بالمؤمنين فدمرهم الله وبقيت بيوتهم خاوية بما ظلموا آية لمن يأتي بعدهم من الأمم. أين هذه الأمم الآن؟ لقد ماتوا وبقيت أخبار أعمالهم عبرة لنا ننظر ما فعلوه فنهتدي ونستبشر بالصالح من أعمالهم ونحذر من عواقب السيء من أعمالهم.
027.7.2.2.1- الآيات (7-14) تحكي قصة موسى عليه السلام، وقد هداه الله بعد أن كان عليه السلام ضالاً بعيداً عن أهله غريباً عن دياره. ومن نعم الله على عبده موسى أن بارك فيه واختاره لرسالته فبعد أن كان ضالاً خائفاً يترقب صار نبياً هادياً. اختاره الله بحكمته لتبليغ رسالته، وأيده بآيات واضحة الدلالة تيقنوا في قلوبهم أنها من عند الله وأنكروها بألسنتهم تكبراً على الحق، تنزه الله رب الخلائق عما لا يليق به. الله سبحانه ليس بغافل عن الناس وقد خلقهم بيده، يرسل لكل أمة المعجزات والآيات البينات التي لو وعتها أنفسهم مجردة من الكبر والشهوات لآمنت. في هذه القصة أهلك الله قوم فرعون وأغرقهم في البحر، بعد أن كانوا عالين بما وهبهم الله من الملك والنعيم يظلمون الضعفاء وفي ملكهم مفسدين، ولأنهم جحدوا آياته التي جاءهم بها موسى فكانوا قوماً فاسقين.
027.7.2.2.2- الآيات (15-44) قصة داود وسليمان عليهما السلام آتاهما الله علماً عظيماً لم يؤته أحد من قبلهما وعلمهما منطق الطير والدواب وغير ذلك. فضّل الله داوود وسليمان على كثير من عباده المؤمنين، وأوتي سليمان من الملك مالم يؤتى أحد من العالمين. وهذا جزاء الإيمان وشكر النعمة، والتي من المفروض أنها كلما ازدادت نعم الله على الإنسان كلما وجب عليه أن يزداد شكره وعبادته لله تعالى اعترافاً بفضله ومزيد إنعامه سبحانه رب كل شيء ورب العرش العظيم. وأعظم نعم الله على الناس هو الإيمان والهداية إلى الإسلام والعمل الصالح، التي تدخل الإنسان في عباد الله الصالحين، كما بينته الآيات، ومن أعظم الشكر على هذه النعم هو التمسك بالعبادة والتزام تعاليم الإسلام، وقد وعد الله عباده بزيادة النعيم كلما ازداد شكرهم لربهم. لأن هذه النعم هي أيضاً ابتلاء من الله فهو سبحانه يبتلي بالخير والنعمة ليشكر الإنسان فيحصل بهذا الشكر على المزيد من النعيم في الدنيا وعلى الأجر والثواب والفوز بالجنة في الآخرة. ويقابله تسليط جند الله وابتلاءاته على الذين لا يؤمنون، وما هو بغافل عما يعملون، ويرسل إليهم بالآيات التي يعرفونها ويعرفون أنها من الله، لعلهم بهذه الآيات وبهذا العذاب والإذلال أن يؤمنوا ويسلموا لله لا إله إلا هو، فإن هم أسلموا سلموا كما حصل مع ملكة سبأ وقومها. فإن لم يفعلوا هلكوا كما حصل مع قوم فرعون وقوم صالح. كما يبتلي سبحانه عباده بسلب جزء قليل من النعمة التي أنعمها عليهم لعلهم يصبرون فيؤجرون في الدنيا بأن يعوضهم بنعمة خير منها ثم يوفيهم جزاءهم في الآخرة بالفوز بالجنة. وهذا هو كل ملخص حياة الإنسان مع الابتلاء الذي خلق لأجله، ومع الثواب والعقاب المترتب على ردة فعل الإنسان على الابتلاء أيصبر فيشكر أم يستكبر فيكفر.
027.7.2.2.3- الآيات (45-53) قصة ثمود أرسل إليهم صالح عليه السلام رسول منهم فانقسموا إلى فريقين يختصمون، أحدهما مؤمن به، والآخر كافر بدعوته، وكل منهم يزعم أن الحق معه. وقد انشغلوا بالزروع والثمار ونحت البيوت في الجبال. وتآمر الكفار على قتل نبيهم صالح، ومكروا مكرهم لكن الله ليس بغافل عنهم، أنجى صالح ومن آمن معه ونصرهم، وأهلك الكافرين. وبقيت بيوتهم خاوية من بعدهم، وحتى من جاء بعدهم من الأمم لم يستفيدوا من هذه البيوت التي باع هؤلاء الماكرون الهالكون آخرتهم لأجلها.
027.7.2.2.4- الآيات (54-58) قصة قوم لوط دعاهم لوط عليه السلام إلى تقوى الله تعالى وترك ما ذكر الله عنهم من الفواحش، فتآمروا على إخراجه وآله من قريتهم لأنهم يتطهرون ولا يأتون الفواحش مثلهم، فأنجاه الله وأهله وأهلك هؤلاء الجهلة الذين يأتون الفواحش ويعملون عكس مقصود السورة، وهو اتباع الحق وإظهار العلم والحكمة، وما لله بغافل عما يعملون.
027.7.2.3- بيان آيات الله ودلائل ملكه في الكون: في الآيات (59-66) بعد تلك الآيات في القصص المبينة والدروس الواضحة الحقيقية عن تجارب إنسانية على طرفي نقيض تبين ما حصل للأمم التي آمنت والتي لم تؤمن، يأتي هنا بيان آيات الله ودلائل ملكه في الكون: فيعدد الله سبحانه نعمه على عباده من خلق السماوات والأرض وإنزال الماء ينبت به الحدائق وجعل الأرض قراراً فيها الأنهار والجبال والبحار، ويستجيب لدعاء المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، ويجعلهم خلفاء الأرض. ويهديهم ويرسل الرياح ويبدأ الخلق ثم يعيده ويرزق من السماء والأرض. كلها نعم وآيات يعرفونها أنها الحق ومن يقول غير ذلك فهو كاذب لا برهان له.
027.7.2.4- قصص تبين موقف أهل مكّة من دعوة الهدى والإيمان: في الآيات (67-73) تبين هذه الآيات أن التاريخ يعيد نفسه، وأن الإنسان هو الإنسان مهما تقدّم به الزمان أو تغيرت به الأحوال أو المكان. والدليل هو موقف أهل مكّة من دعوة الهدى والإيمان، فهم لم يؤمنوا، بل تعجّبوا من أن يبعثوا أحياء مرة أخرى بعد أن صاروا تراباً. فهم لم يعتبروا بما حصل لمن قبلهم، كذلك عميت أبصارهم عن آيات الله الواضحة في السماوات والأرض وفي أنفسهم وفي حاجتهم إلى الله. وهكذا أنكروا البعث ولم يؤمنوا بالكتاب.
ذكرت هذه الآيات موقف المشركين في مكة، وهي قصص الواقع الحاضر، لمقارنتها بمواقف الغابرين قبلهم. فهم مثلهم لم يؤمنوا بالبعث ولا باليوم الآخر وقالوا عن الكتاب أساطير الأولين. لقد عموا عن آيات الله في السماوات والأرض، فلم ينظروا كيف عوقب المجرمون من قبلهم، فلا تحزن عليهم، فالله ذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون، وقل لهم عسى أن يكون قد اقترب لهم بعض العذاب الذي يستعجلون، فليس الله بغافل عما يعملون.
027.7.2.5- الخاتمة: خاتمه وتعقيب في الآيات (74-93) ما عدا الآيتين (86، 88) = 18 آية = 19.36% تعقب على ما جاء في السورة من مقدمة وقصص وآيات: وهو أن الله جعل القرآن هدى ورحمة للمؤمنين، وجعل يوم الحشر للحساب على الأعمال من خير أو شر. وتختم بالغرض الذي جعلت له السورة وهو الأمر بقراءة القرآن ففيه الدعوة إلى العبادة وفيه الهدى والآيات، من اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فما الله بغافل عما يعملون.
027.7.2.5.1- الآيات (74-81) ملخص المقصد ببيان عظيم علم الله وحكمته بأن أرسل القرآن هدى ورحمة للمؤمنين، أما الذين لا يؤمنون فهو حجة عليهم سيحاسبهم الله على إعراضهم وسوء أعمالهم يوم القيامة. الله سبحانه يعلم ما يريده هؤلاء وكل ما يحتاجون إليه لأنه يعلم سرهم وعلنهم، بل ويعلم كل غائبة في السماء والأرض فكيف بما ليس غائب، بل وكله مكتوب عنده، هذا القرآن كتاب هداية ورحمة، والناس قسمان قسم يسمع الهدى فيؤمن وقسم لا يريد أن يسمع فلا يؤمن. الله هو القاضي بينهم بحكمته وهو عزيز قادر عليهم عليم بأفعالهم.
027.7.2.5.2- الآيات (82-90) تفاصيل عن البعث الذي ينكرونه والحساب: فإذا وجب عليهم العذاب لتماديهم في الكفر وصاروا شرار خلقه أخرج الله لهم من الأرض دابة تكلمهم وهي من علامات الساعة الكبرى. إذاً وقوع الساعة وآياتها الكبرى ثم الحشر ثم الحساب ثم حقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم وتكذيبهم.
ألم ير هؤلاء المكذبون آيات الله وقد جعل الله لهم الليل يسكنون فيه وينامون، والنهار يسعون فيه على رزقهم فيه، ليكون دلالة البعث وعلى كمال قدرة الله وعظيم نعمته وقد انتفع بها المؤمنون. كذلك ترى الجبال تظنها واقفة مستقرّة وهي تسير سيراً حثيثاً كالسحاب الذي تسيره الرياح آية على حسن صنع الله واتقانه وهو خبير بصنع عباده وسيجازيهم على أعمالهم. ويوم ينفخ في الصور ويرى الناس أهوال الساعة يفزعون من شدتها إلا من أكرمه الله وحفظه من الفزع، وهم الذين جاءوا بالحسنات، أما الذين جاءوا بالسيئات فكبوا على وجوههم في النار.
027.7.2.5.3- الآيات (91-93) ملخص المقصد وهو أمر الله للناس بالعبادة وقراءة القرآن وحمد الله على هدايته وبيان آياته: أمر الله سبحانه الرسول عليه السلام والناس الذي أرسل إليهم بالعبادة والإسلام وقراءة القرآن المبين الذي هو هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين. من اهتدى فقد فاز ومن ضل فقد خسر بعد البيان والإنذار. سيريكم الله آياته الدالة على الحق فتعرفونها وما الله بغافل عما تعملون، وسيجازيكم على ذلك.
027.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
027.7.3.1- آيات القصص: (7-58، 67-73) = 59 آية.
027.7.3.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (87، 89، 90) = 3 آية.
027.7.3.3- الأمثال في الآيات: (80، 81) = 2 آية.
027.7.3.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (59-66، 86، 88) = 10 آيات.
027.7.3.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-6، 74-79، 82-85، 91-93) = 19 آية.
027.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
027.8.1- ترابط سورة النمل مع ما قبلها وما بعدها:
تحدثت مطالع السور الأربعة المتتالية (الفرقان والشعراء والنمل والقصص) عن القرآن وصفاته ووظيفته بين الناس كما يلي:
سورة الفرقان بينت أن القرآن ما نزل إلا للتفرقة بين الهدى والضلال وتمييز الحق من الباطل فكان بذلك حجّة وإنذار للمكذبين بلزوم الجزاء على أفعالهم. وفي الشعراء تصف الكتاب بالمبين أي الواضح في نفسه: أنه من عند الله، وأنه معجز، وأنه فرقان، وأن فيه أدلة الإيمان وآياته، وهو بذلك مناف لكلام الشياطين وليس كالشعر الذين تجمعهما صفات الكذب والغواية وأقوالهم المخالفة لأفعالهم، فيكون بذلك إنذاراً وتهديداً لمن لم يؤمن بالهلاك والعذاب. وفي سورة النمل تصف الكتاب بالكفاية لهداية الخلق أجمعين كما هدى النمل إلى حسن التدبير، وسداد المذهب في العيش، وهو من الله العليم الحكيم هدى وبشرى ورحمة لمن يؤمن به، أما من لم يؤمن فلا ينتفع بما فيه من الهدى والبشرى والرحمة لامتناعه عن إدراك معانيه وبالتالي تطبيقاته الموصلة إلى الفلاح والسعادة في الدارين. وفي سورة القصص كتاب مبين كاشف موضح مظهر أكثر الذي فيه يختلفون، ومن خفايا علومهم فلا يقدرون على رده، ومن علو موسى، وما صنع بفرعون وقومه.
027.8.2- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه اتصالها بما قبلها: أنها كالتتمة لها في ذكر بقية القرون فزاد سبحانه فيها ذكر سليمان وداود وبسط فيها قصة لوط أبسط مما هي في الشعراء وقد روينا عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب السور: أن الشعراء أنزلت ثم النمل ثم القصص ولذلك كان ترتيبها في المصحف هكذا وأيضاً فقد وفع فيها: {وإِذ قال موسى لأَهلهِ امكثوا إِني آنستُ ناراً} إلى آخره وذلك تفصيل قوله في الشعراء: {فوهَبَ لي رَبي حكما وجعلني من المُرسَلين}.
027.8.3- وقال الإمام ابو جعفر بن الزبير: لما أوضح في سورة الشعراء عظيم رحمته بالكتاب، وبيان ما تضمنه مما فضح به الأعداء، ورحم به الأولياء، وبراءته من أن تتسور الشياطين عليه، وباهر آياته الداعية من اهتدى بها إليه، فتميز بعظيم آياته كونه فرقاناً قاطعاً، ونوراً ساطعاً، أتبع سبحانه ذلك مدحة وثناء، وذكر من شملته رحمته به تخصيصاً واعتناء، فقال {تلك آيات القرآن} أي الحاصل عنها مجموع تلك الأنوار آيات القرآن {وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين} ثم وصفهم ليحصل للتابع قسطه من بركة التبع، وليتقوى رجاؤه في النجاة مما أشار إليه {وسيعلم الذين ظلموا} من عظيم ذلك المطلع؛ ثم أتبع ذلك بالتنبيه على صفة الآهلين لما تقدم من التقول والافتراء تنزيهاً لعباده المتقين، وأوليائه المخلصين، عن دنس الشكوك والامتراء فقال: {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون} أي يتحيرون فلا يفرقون بين النور والإظلام، لارتباك الخواطر والأفهام؛ ثم أتبع ذلك بتسليته عليه الصلاة والسلام بالقصص الواقعة بعد تنشيطاً له وتعريفاً بعلي منصبه، وإطلاعاً له على عظيم صنعه تعالى فيمن تقدم، ثم ختمت السورة بذكر أهل القيامة وبعض ما بين يديها، والإشارة إلى الجزاء ونجاة المؤمنين، وتهديد من تنكب عن سبيله عليه الصلاة والسلام – انتهى.