العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


030.0 سورة الرّوم


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


030.1 التعريف بالسورة:

1) مكية ماعدا الآية 17 فمدنية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 60 آية. 4) الثلاثون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والسابعة والثمانون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الانشقاق”.  6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

{الله} 23 مرّه، {لله} 1 مرّه، هو 5 مرّات، رب 3 مرّات، خَلَق 7 مرّات؛ (3 مرّات): فضّل؛ (2 مرّة): العزيز، قدير، يبدأ، يعيد، محيي، يبسط، مخرج؛ (1 مرّة): الحكيم، العليم، رحيم، منتقم، يقدر، أنزل، تعالى. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: آيات 17 مرّة، الذين 15 مرّة؛ (14 مرّة): الأرض، كان؛ (10 مرّات): خلق، يوم؛ (9 مرّات): الناس، شرك، كفر، ذلك؛ (8 مرّات): السماء، ميت، حي، يعلم؛ (6 مرّات): مؤمن، قوم؛ (5 مرات): رحمه، شاء، يخرج، يعلمون، الذي، أنفس؛ (4 مرات): دين، عمل، وجه، ساعه، نصر، أرسل، تقوم، كذلك، أكثر؛ (3 مرات): عاقبة، سيئة، رزق، حين، ريح، فضل، وعد، أولئك؛ (2 مرة): فطرة، بينات، يتفكر، قيم، أقم، بعث، ضل، رسل، منيب، ترجعون، الآخرة، علم، يعقلون؛ (1 مرة): قرآن، كتاب، غافل، سلطان، قانت، حنيف، يجزي.

030.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج الدارقطني في السنن عن عائشة رضي الله عنها “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات يقرأ في الركعة الأولى بالعنكبوت أو الروم، وفي الثانية بيس”.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء” ثم يقول: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم (30)} الروم، رواه مسلم.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يحبّون أن تظهر فارس على الروم، لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبّون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، فذكر ذلك لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما إنهم سيغلبون”، فذكره أبو بكر لهم، فقالوا اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ألا جعلتها إلى دون العشر؟” ثمّ ظهرت الروم بعد، قال فذلك قوله {الم، غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما.

030.3 وقت ومناسبة نزولها:

نزلت السورة في السنة التي غُلبت فيها الروم من قبل الفرس سنة 615 ميلادية وهي نفس السنة التي هاجر فيها المسلمون إلى الحبشة. والسورة فيها نبوءتان الأولى سيَغلب الروم الفرس {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ (4)} والثانية انتصار المسلمين {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ (5)}.

وقد كانت هزيمة الروم المسيحي من قبل الفرس الوثني، عبدة النار هي حديث الساعة في ذلك الوقت. وقد كانت هزيمة كبيرة اضطر إمبرطور الروم بسببها لأن يرسل مندوبه الى كسرى يتوسل اليه الصلح تحت اي شروط يريدها الفرس. فرفض كسرى الصلح واعطاء الأمان لإمبراطور الروم إلا إذا جاءه مربوط بالسلاسل وأن يترك عبادة الصليب والهه المصلوب وأن يؤمن ويعبد إله النار الذي تعبده الفرس. وهذا كان خبراً مفرحاً لعبدة الأوثان في مكّة. إذ سخروا من المسلمين لأن الفرس عبدة النار انتصروا على الروم وأبيدت دولتهم وهم أهل كتاب ومثله سينتصر عبدة الأوثان وسيزيلون دين المسلمين لأنهم أهل كتاب.

في سنة 623 ميلادي أي بعد ثماني سنوات من انتصار الفرس بدأ هرقل إمبراطور الروم ينتصر في هجوم مضاد على الفرس من الخلف من منطقة أرمينيا، وفي السنة التي بعدها دخل أذربيجان ودمر معبد النار الرئيسي للفرس ومكان ميلاد إلههم زراديشت. وفي نفس هذه السنة انتصر أيضاً المسلمون في أوّل معركة لهم على عبدة الأوثان في معركة بدر. وبذلك تحققت نبوءة الانتصارين في أقل من عشرة سنوات {فِي بِضْعِ سِنِينَ (4)}، وكان هذا واحد من الأدلّة القاطعة على أن القرآن هو كلام الله. في سنة 628 ميلادي حصلت ثورة داخلية عند الفرس اسر فيها القيصر ووضع في السجن، ثم اخرج من السجن وقتل امامه 18 من ابنائه، ثم بعد ذلك بأيام مات هو داخل السجن. وقد عاد الإمبراطور بنفسه في نفس السنة إلى القدس وأعاد الصليب إلى مكانه. في هذه السنة أيضاً حصل صلح الحديبية والذي قال عنه القرآن أنه نصراً مبيناً، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة لأداء عمرة القضاء لأول مرة بعد الهجرة منها.

030.4 مقصد السورة:

030.4.1- الله خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق إلى أجل مسمى وفطرها على الطاعة فأتته طائعة. وابتلى الإنسان من بين مخلوقاته مختاراً بين الطاعة بإقامة الدين (حنيفاً) ونيل الثواب أو المعصية فالعقاب في الدارين (الدنيا والآخرة)، فعصى أكثرهم (غفلة عن الآخرة وكفروا جهلاً بلقاء ربهم) وهو أعلم بما هم فاعلون.

الله خلق السماوات والأرض وما بينهما وفطرهما على طاعته، وأن سعادة الإنسان تأتي من طاعته لله خالقه وباتباع دينه الحنيف الذي فطر الناس عليه، وأن شقاءه بمخالفة أمره ومعصيته. {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)} قانتون أي طائعون، منقادون لأمره خاضعون لكماله.

وسواء أطاع الإنسان أم عصى فهو لن يخرج عن أمر الله ومشيئته {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)}. والإنسان هو من يحدد مصيره بنفسه، فيختار بين الثواب أو العقاب {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)}.

030.4.2- ومقصدها نجده في آياتها السبع الأولى (1-7) حيث افتتحت بمقدمة ذكر فيها وعد الله بنصر المؤمنين وأنه لا يخلف وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون وعن الآخرة غافلون، ثم ختمت بخلاصة في الآيات (58-60) فيها أن الله قد ضرب للناس في القرآن من كل مثل، وأمر بالصبر حتى يتحقق وعده بالنصر في الدنيا والفوز في الآخرة: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)}، فكان التناسق بين المطلع والختام.

030.5 ملخص موضوع السورة:

تضمّنت السورة مجموعتان من الآيات تؤكدان أن هذه الدنيا لا تتم لأحد ولا تدوم، لأن تغيّر الأمم وتقلّب أحوالها ما بين أمن وخوف وعزّ وذلّ وقوّة وضعف وخلق وإعادة خلق، تحمل في طيّاتها الدليل على وجود الآخرة وعلى وجود الله خالقها ومصرّف أمورها، إلا أنهم يعلمون من الدنيا ظاهرها ويغفلون عن بواطنها ودلالاتها، ولمّا كانت السماوات والأرض وما بينهما مطيعة ولا تملك أن تعصي الله أبداً، بينما هم يعصون ويظلمون فإنهم لا شكّ مبعوثون ومحاسبون، كما يلي:

المجموعة الأولى (22 آية): فيها (الآيات 8-11) تحثّ الناس على التفكر في آيات الله في أنفسهم وفي خلق السماوات والأرض ليعلموا أنهم ملاقوا ربهم، وعلى السير والنظر في قوّة من سبقهم وعظمة آثارهم ثمّ عاقبتهم، ليعلموا أن لله ميزان قائم على العدل، وأن لقاءه حق، وأن في بدء الخلق ثمّ إعادته دليل على أنهم إليه راجعون. (الآيات 12-16) ويوم تقوم الساعة ييأس المجرمون من كلّ خير، فأما الذين آمنوا فهم في روضة يحبرون، وأما الذين كفروا ففي العذاب محضرون. (الآيات 17، 18) ترشدهم بأن يُسبّحوا الله ويحمدوه في كلّ الأوقات على عدلة وعلى كلّ فعله. (الآيات 19-29) الله يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحي، ومن آياته: خلَقَهم من تراب وخلَق لهم من أنفسهم أزواجاً، وخلَق السماوات والأرض والألوان والألسنة، والنوم في الليل والعمل في النهار، ويريهم البرق وينزل الماء فيحيي به الأرض، وله كلّ شيء، وله قانتون، يبدأ الخلق ثم يعيده، ولا شركاء له، لكنهم لا يتفكرون ولا يتدبرون ولا يسمعون ولا يعقلون، بل اتبعوا أهواءهم بغير علم، فمن يهديهم وقد ظلموا أنفسهم وضلّوا.

المجموعة الثانية (28 آية): (الآيات 30، 31) تأمر باتباع الهدى والإقبال على الدين فطرة الله، وعلى الله وتقواه وإقامة الصلاة وألا يشركوا. (الآيات 32-36) والناس مفطورون على هذا بدليل أنّه إذا مسّهم الضرّ رجعوا إلى الله وإذا كشف الضر عادوا إلى شركهم، وإذا أذاقهم الله نعمة بشكرهم فرحوا بها وإذا أصابتهم مصيبة بذنوبهم يئسوا من رحمته. (الآيات 37-39) الأمر بالإنفاق، وأن الله يبتليهم بالرزق فيوسعه أو يضيقه على من يشاء ابتلاءً، فليزكّوا أموالهم وليتصدقوا ولا يأكلوا الربا فهو خير لهم. (الآيات 40-42) الله هو الخالق الرازق المحيي المميت وليس ما يشركون، وما يحصل من الفساد في الأرض سببه المعاصي التي يقترفها الناس عقوبة لهم لعلهم يعودون إلى الحق، فليسيروا في الأرض معتبرين ومتدبرين عاقبة الأمم من قبلهم كان أكثرهم مشركون فأهلكهم الله. (الآيات 43-45) وليخلصوا في دينهم قبل أن تقوم القيامة فيجازى الكافرون بكفرهم والمؤمنون بإيمانهم. (الآيات 46-54) ومن آيات الله الدالّة عليه الرياح مبشرات برحمته والسحاب والمطر، وتجري بها السفن لعلهم يشكرون، وأرسل إليهم الرسل بالآيات فكفر أكثرهم، فأهلكهم ونصر المؤمنين، فكما يُحيي الله برحمته الأرض بعد موتها، فهو قادر على هدي الناس، لكنهم موتى لا يسمعون، وعمىً لا يبصرون. لقد خلقهم الله ضعافاً ثم جعلهم أقوياء ثم جعلهم ضعافاً، وهو عليم بخلقه قدير، ويخلق ما يشاء. (الآيات 55-57) وسيجمعهم الله للحساب في يوم البعث، فيقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)}.

هذه السورة كنموذجٍ مصغّر عن وسائل الخطاب المتنوّعة في القرآن لهداية الناس: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ (58)}، استهلّت بنبوءة تاريخية ووعد بنصر الله، بقيت تتلى إلى آخر الزمان، ثمّ أخبرت أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق وأجل مسمّى، وأن {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (11) (27)}، ولأن الخالق يعلم أن للإيمان مداخل في نفس الإنسان غير العقل والقلب، فخاطبها بكل لغاتها، بالقصّة والمثال وبالترغيب والترهيب وبالبشارة وبالأمر والحوار، وخاطب عواطفه وأمانيه بطريقة تصل إلى مكامن النفس كلّها، ولا تُهمل واحداً منها يؤدي إلى الإيمان، كما في هذه الآيات التي تبعث الأسى على مصائر أقوام أشدّاء أقوياء هلكوا بسبب ظلمهم وشركهم، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا … (9)} والآية (42)، فنعلم أن لله سنن يتحدد بها مصير الأمم، ويقاس عليها مجرى الأحداث، وحين تقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} نعلم أن هذه الموازين والأسباب تجري بها حياة الناس في دقة وانضباط، وعلى ضوئها نستطيع أن نقرأ الماضي والحاضر والمستقبل، ونعلم أن سبب كل هذه المصائب التي تحصل في الدنيا من أعاصير وزلازل وحروب وظلم وأمراض وأوبئة وما شابه، سببها كسب الناس وذنوبهم. وكما في هذه الآيات التي تخاطب النفس بآيات وأحداث مألوفة، تتصل بحياتهم ومعاشهم، وتلمس عواطفَهم وشعورهم، فتؤثر فيهم بالتفكير العقلي وبالمشاعر القلبيّة وبالحاجات الجسديّة، قال تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)} ثمّ تلتها سبع آيات (20-25، 46) مبدوءة ب {وَمِنْ آيَاتِهِ} في الخلق والأزواج والسماوات والأرض والألسنة والألوان والليل والنهار والأمطار والرياح المبشرات، التي تحرّك الفكر والعقل والسمع والجوارح إلى شكر المنعم وطاعته، وهكذا (وكالآيات 28، 29، 33-39، 48-51). وهذا دليل على أنّه سبحانه يريد النعيم والسعادة والخير والنجاة للناس وعدم الشقاء، ولا يوجد سوى طريق الدين الذي دعاهم إليه، والأسباب والسنن والموازين التي أقيمت عليها هذه الحياة التي لا تمضي اعتباطاً بلا ضابط ولا دليل، إنما تحكمها ثوابت الفطرة التي فطرَ الله الناس عليها، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} والآية (43).

نسألك اللهم الإخلاص في العمل واتباع الدين القيّم والفطرة التي فطرت الناس عليها.

030.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

030.6.0- تفاصيل عن السورة بحسب ترتيب آياتها:

030.6.1- مقدمه تلخص مقصد السورة (في أنه الله خلق ليطاع) في قصة تبين بالدليل المشاهد أنه سبحانه هو من يدبر الأمور في الماضي والحاضر والمستقبل {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}، فينصر من يشاء بتقدير من عنده إنجازاً لوعده بنصر المؤمنين جزاء أيمانهم وعقاب العاصين على عصيانهم. لتجري بذلك على الناس سننه وفطرته في الدنيا، ويؤجل الحساب والجزاء على الأعمال في الآخرة (وهو ما ستستخلصه خاتمة السورة). الآيات (1-7) = 7 آيات = 11.67%.

030.6.2- أمر الناس أن يتفكروا ويؤمنوا به وأن يعبدوه ويعملوا الصالحات لكي يسعدوا ويفوزوا، وأن يجتنبوا السوء حتى لا يخسروا ويعذبوا فقد خلق الناس ليبتليهم بعمل الصالحات وترك السيئات. جعل العمل في الدنيا والحساب في الآخرة. الآيات (8-16) = 9 آيات = 15%.

030.6.3- بين الله آياته الدالة على سنته في الخلق في الدنيا والإعادة في الآخرة. خلقه من تراب ثم سخر له المخلوقات ليكرمه ويسكنه ويرزقه ويهديه وينعمه بنعيم لا يحصى، كما وعده بجنات في الآخرة وأعد له فيها من النعيم المقيم إن هو آمن واتبع دينه، لكن إذا أشرك فلا تشريف ولا كرامة، بل عذاب في النار. الآيات (17-29) = 13 آية = 21.67%.

030.6.4- إرسال المرسلين بالبينات والآيات الواضحات مبشرين ومنذرين يأمرون باتباع الدين. الله يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير: فطر الناس على الدين وأمر باتباعه وتوعد بالحساب، بسط الرزق وقدره وأمر بالصدقة والزكاة ونهى عن الربا ووعد بمضاعفة الأجر في الآخرة، جعل الدين وأمر باتباعه وعاقب على مخالفته في الدنيا وتوعد بالجزاء في الآخرة، أرسل الرياح آية رحمة وبشرى ليشكروا، وأرسل الرسل بالبينات والوعد بالنصر، وأحيا الأرض آية على إحياء الموتى، وأرسل الريح فأفسد الزرع فاصفر فظلوا على ضلالتهم يكفرون، خلق الناس من ضعف ثم جعل قوة ثم ضعف دلالة على مشيئته وعلمه وقدرته. الآيات (30-54) = 25 آية = 41.67%.

030.6.5- خاتمه أنه ستقوم الساعة وسيحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا كما وعد الله ووعده الحق (وهو تأكيد للقصة في أول السورة وهو أن لا شيء يخرج عن طاعة الله، المؤمن يفرح والكافر يبكي والكلّ بما كسبت يداه). الآيات (55-60) = آيات6 = 10%

030.7 الشكل العام وسياق السورة:

030.7.1- سميت سورة الروم لذكر تلك المعجزة الباهرة التي تدل على صدق أنباء القرآن العظيم عن انتصار الروم بعد أن ظن الناس أن إمبراطوريتهم ستنهار، وعن فرح المؤمنين بنصر الله، وهي بعض معجزات القرآن، وتدل على أنه لا يعلم الغيب إلا الله خالق وفاطر السماوات والأرض وما بينهما وعلى صدق وعد الله. وفي السورة إشارات للناس بأنه إذا كنتم فرحتم بهذه الآية الواحدة فانظروا من حولكم وفي أنفسكم، كم في الكون من آيات تدل على خلق الله وفطرته ووعده بالبعث والحساب.

030.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:

السورة تضمنت خمسة موضوعات: ثلاثة منها تتحدث عن حقيقة خلق الله الناس ليمتحنهم ويجازيهم بالأعمال التي فطرهم عليها فخلق الحياة (نراها ونعيشها)، وجعل البعث (نرى آيات وإشارات تدل عليه بالتفكر)، ووعد بالحساب (أرسل بذلك الرسل وأنزل الكتب)، وموضوعان (يأخذان الحيز الأكبر من السورة) يتحدثان عن أرسال الرسل وجعل الآيات لكيلا يجعل للإنسان عذر فيقيم عليه الحجة. وتتداخل هذه المواضيع في السورة كما يلي:

030.7.2.1- ذكرت الآيات قصة حقيقية تثبت جريان سنن الله على الناس من نصره للحق وغيره. لكن أكثر الناس يعلمون شؤون الدنيا وأمورها فقط، وهم غافلون عن أمور الدين ووعد الله بالحساب والثواب في الآخرة: الآيات (1-7) = 7 آيات = 11.67%

ابتدأت السورة بسرد قصة انتصار الفرس عبدة الأوثان على الروم أهل الكتاب، وتنبأت بعودة الكرّة بالنصر للروم على الفرس خلال مدّة لا تتجاوز العشرة سنوات. وبهذه المقدمة عن محتويات السورة، يتبين أنه سبحانه هو من يدبر الأمور فينصر من يشاء بتقدير من عنده وإنجازاً لوعده بنصر أقرب الناس إلى الحق وعقاب العاصين المفسدين. فيجري على الناس سننه وفطرته في الدنيا، ويؤجل الحساب والجزاء على الأعمال في الآخرة. وقد بشر سبحانه المؤمنون في القصة بأنهم سيفرحون عند تحقق نبوءة غلبة الروم وهم أهل كتاب على أهل فارس وهم عبدة اوثان، بعد أن جعل فارس تغلب الروم أولاً، وكذلك سيفرحون بنصر المؤمنين يوم بدر. وفيه دلاله على إرادة الله يفعل ما يشاء، ودلالة على صدق تقدير الله وعلمه بالأحداث قبل حصولها.

فالله عزيز في انتصاره وانتقامه من المشركين، رحيم بالمؤمنين. والأعمال التي يصنعها الناس في الدنيا هي بداية يترتب عليها نتائج على الأرض فضلاً عن الآخرة، كما وعد الله، وكما هو مشاهد من جريان سننه على الناس الذين يعلمون ظاهراً من الحياة، لكنهم غافلون عن وعد الله بالحساب والثواب في الآخرة.

030.7.2.2- حث الناس على التفكر والنظر في الأرض لكي يتبين لهم أن الله سبحانه خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق وأمر الناس أن يؤمنوا به وأن يعبدوه ويعملوا الصالحات لكي يسعدوا ويفوزوا، وأن يجتنبوا السوء حتى لا يخسروا ويعذبوا. أرسل بذلك المرسلين وأيدهم بالآيات البينات والحجج التي تدلّهم على أنهم مبتلون محاسبون على أعمالهم. وقد جعل سبحانه لذلك أجل مسمى يلقى الناس فيه ربهم وينالون جزاء أعمالهم: الآيات (8-16) = 9 آيات = 15%

030.7.2.2.1- على الناس التفكر في خلق الله السماوات والأرض وما بينهما، وما مصير من كان قبلهم؟ وأن يعلموا أن الله يرسل الرسل لبيان الحق وهو التوحيد وإقامة العدل، والثواب والعقاب، والأجل المسمى ينتهي المخلوقات إليه وهو يوم القيامة.

030.7.2.2.2- يبين الله للناس أنهم إليه يرجعون، وذلك يوم تقوم الساعة يومئذ ييأس المشركون فتنقطع حجتهم: فيكونون فرقتين مؤمنون في الجنة وكافرون في النار.

030.7.2.2.3- بين الله آياته الدالة على سنته في الخلق في الدنيا والإعادة في الآخرة: على الإنسان أن يتفكر بأن كل الآيات والنعم المغمور فيها الناس تدل على أن الله وحده هو الخالق الرازق المنعم المحيي المميت لا شريك له. على الإنسان أن يسبح الله ويحمده وأن يتفكر ويتدبر كيف أن الله خلقه من تراب ثم سخر له المخلوقات ليكرمه ويسكنه ويرزقه ويهديه وينعمه بنعيم لا يحصى ذكر بعضه في الآيات. كما وعده بجنات في الآخرة وأعد له فيها من النعيم المقيم إن هو آمن واتبع دينه، لكن إذا أشرك الإنسان فلا تشريف ولا كرامة، بل عذاب في النار: الآيات (17-29) = 13 آية = 21.67%

030.7.2.2.3.1- في هذه الآيات يسبح الله تعالى نفسه، ويرشد عباده إلى تسبيحه وتحميده في كل هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه عند المساء وعند الصباح وفي الفجر والظهر والعصر (وهي مواقيت الصلاة). لأن الله يستحق هذا التحميد والتسبيح من الناس لفضله العظيم عليهم وتكريمه لهم.

سبحان الله الذي خلق الإنسان والحمد لله على نعمه عليه: يخرج الحي من الميت ويحيي الأرض بعد موتها. فكما أحيا الأرض بإخراج النبات بعد همودها، كذلك يحييكم بالبعث ليقيم العدل ويجازي على الأعمال. من آيات خلقه ونعيمه على الناس أن خلقكم من تراب وخلق الأزواج وخلق السماوات والأرض، واختلاف الألسن والألوان، والنوم بالليل والنهار، والبرق ونزول الماء من السماء لإحياء الأرض، وقيام السماء والأرض بأمره، الكل له قانتون، جعل الخلق وإعادة الخلق.

030.7.2.2.3.2- ضرب الله للناس مثلاً: هل ترضون أن يشارككم فيما تملكون أحد من مماليككم وأنتم فيه سواء تخافونهم أن يقاسمونكم أموالكم، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إياي، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي، وأنا مالك جميعكم. ليس لكم شركاء في رزق الله لكم، هذه آيات مفصلات لقوم يعقلون. لكن أكثرهم ضالون، يتبعون أهواءهم، ويشركون، ويعبدون مالا يضرهم ولا ينفعهم، فليس لهم من قدرة الله منقذ ولا مجير ولا محيد لهم عنه لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

030.7.2.2.4- إرسال المرسلين بالبينات والآيات الواضحات التي تضع النقاط على الحروف فتبين أن اتباع الدين هو الفوز والسعادة. ذلك يأتي بعد كل تلك الدلائل على تكريم الله للإنسان، والتي تستحق التسبيح والشكر، فصار لزاماً على من رآها وسمعها وعاشها وعلمها من أصحاب الأحلام والعقول أن يتفكروا فيؤمنوا ويتبعوا ما جاء به المرسلون مبشرين ومنذرين بالدين الحنيف الذي ما جاء إلا من أجل سعادة الناس وفوزهم: الآيات (30-54) = 25 آية = 41.67%

030.7.2.2.4.1- الأمر باتباع دين الفطرة (لأن فيه الإصلاح والتوافق مع سنن الله في الخلق) وعدم تبديل خلق الله: يختم النصف الأول من السورة بآية فيها أمر صريح واضح بالتزام الفطرة وعدم تبديل خلق الله، أي دين الله، (فالفطرة هي خلق الله الناس على التوحيد وإقامة الدين) مذ خلقهم الله من آدم جميعا، يقرون بذلك، قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا (172)} الأعراف. فكما فطر الله النار على أن تحرق فكذلك فطر الله الإنسان على أن يقيم الدين، لكن في حال النار فهي لا تملك أن لا تحرق إلا إذا غير الله فطرتها التي فطرها عليه كما حصل في حالة نجاة إبراهيم عليه السلام من النار عندما ألقي فيها. أما الإنسان فقد ترك الله له الخيار في أن يأخذ أو لا يأخذ بالأسباب التي فطر الخلق عليها، إن اتبع الفطرة أنجاه الله بأخذه بأسباب النجاة التي فطر مخلوقاته عليها (سنن الكون) وكافأه الله بالجنة جزاء طاعة خالقه وإصلاحه وعدم إفساده، وإن خالفها هلك بمعصيته ربه وتعديه على قوانين الفطرة وسننها وعاقبه الله بالنار جزاء إفساده وعدم إصلاحه.

يأمر سبحانه وتعالى بالتوجه والاستقامة على دينه القيم، منيبين أي راجعين إليه بالتوبة وإخلاص العمل، وأن اتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم شيعاً.

ويبدأ النصف الثاني من السورة بآية فيها بيان أن هؤلاء الكفار المشركين أمرهم عجيب في تركهم الإنابة إلى الله تعالى مع تتابع الحجج عليهم. فهم إذا مسهم ضر من مرض وشدة دعوا ربهم، أي استغاثوا به في كشف ما نزل بهم، مقبلين عليه وحده دون الأصنام، لعلمهم بأنه لا فرج عندها. ثم إذا أصابهم رحمة من الله وعافية ونعمة يشركون به في العبادة. يقول تعالى مهدداً فتمتعوا بالذي آتيناكم من الرخاء والسعة في هذه الدنيا {فسوف تعلمون} ما تلقون من عذابه، وعظيم عقابه على كفركم به في الدنيا. فإن ما يقولونه ويفعلونه لم ينزل به كتابا، ولا أرسل به رسولا، وإنما هو شيء افتعلوه واختلقوه، اتباعا منهم لأهوائهم.

030.7.2.2.4.2- الإيمان بأن الله هو الرزاق وهو مقدر الأرزاق: يبين سبحانه لأولئك الذين يدعون ربهم وقت الضر ويشركون وقت الفرج، أن تقدير الرزق آية من آيات الله ليتعامل الناس بالعطاء وزكاة الأموال لا بالربا.

يقول تعالى مستنكراً حال الناس أنه: إذا أصاب الناس منا خصب ورخاء، وعافية في الأبدان والأموال، فرحوا بذلك، وإن تصبهم منا شدة من جدب وقحط وبلاء في الأموال والأبدان {بما قدمت أيديهم} من سيئ الأعمال والمعاصي إذا هم ييأسون من الفرج أن تقدير الرزق آية من آيات الله هو المتصرف الفاعل لذلك بحكمته وعدله فيوسع على قوم ويضيق على آخرين وفي ذلك آية للمؤمنين يعلمون بعين بصيرتهم أن الشدة والرخاء من الله وبتقدير من عنده. ليتعامل الناس الذين يريدون وجه الله بالعطاء وزكاة الأموال، لا بالربا طمعاً بالأجر والثواب والزيادة من الناس في الدنيا، لأن الله هو واهب الرزق، فالتمسوا عنده الزيادة ونماء الأموال ومضاعفة الأجر بالصدقة والزكاة.

030.7.2.2.4.3- اليقين بأن الله هو الخالق الرازق المميت المحيي وليس ما تشركون وأن ما يحصل من الفساد والهلاك سببه أعمال الإنسان: كل هذا الفساد في الأرض سببه الناس وهو عقاب ليعودوا إلى الفطرة ونظام الكون. انظروا كيف عاقب الله الأمم لأن أكثرهم مشركين. خذ العبرة واتبع دين الله لأن الكافر سيعاقب والمؤمن سينال الفضل من الله.

030.7.2.2.4.4- من يؤمن ويعتبر بالآيات يستبشر فيشكر (يسلم)، ومن يكفر فهو كالميت. بيان آيات قدرة الله وآثار رحمة الله لكي يشكر الناس ولا يشركوا، لكن أكثر الناس لا يعتبرون بالآيات فهم كالموتى لا يسمعون ولا يبصرون:

الله سبحانه خلق الناس ليتفضل عليهم ويرزقهم ويكرمهم ويرحمهم (ولم يخلقهم ليعذبهم). ومن آيات فضل الله ورحمته على الناس أنه يرسل الرياح لتبشرهم بالمطر وليذيقهم بها من رحمته في المطر والخصب ولتجري السفن بها بأمره وليبتغوا من فضله من الرزق بالتجارة في البحر ولعلهم يشكرون ما أنعم به عليهم من النعم الظاهرة والباطنة التي لا تعد ولا تحصى. فإن لم يشكروا ويكذبوا فقد كذبت الرسل المتقدمون مع ما جاءوا أممهم به من الدلائل الواضحات، فانتقم الله ممن كذب وخالف وأنجى المؤمنين.

ومن آثار رحمة الله سبحانه يبين كيف يخلق السحاب الذي ينزل منه الماء. الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى المطر وهو القطر يخرج من بين ذلك السحاب {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} أي لحاجتهم إليه يفرحون بنزوله عليهم ووصوله إليهم. هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا مكتئبين حزينين ويائسين من نزول المطر إليهم قبل ذلك فلما جاءهم على فاقة فوقع منهم موقعا عظيما. فانظر يا محمد إلى آثار الغيث الذي ينزل الله من السحاب، كيف يحيي بها الأرض الميتة، فينبتها ويعشبها من بعد موتها ودثورها. إن الذي يحيي هذه الأرض بعد موتها بهذا الغيث، لمحيي الموتى من بعد موتهم، وهو على كل شيء مع قدرته على إحياء الموتى قدير، لا يعز عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيء شاءه سبحانه. وفيه استدلال بالشاهد على الغائب.

يقول تعالى ذكره: ولئن أرسلنا ريحا مفسدة ما أنبته الغيث الذي أنزلناه من السماء، فرأوه مصفرا، قد فسد بتلك الريح التي أرسلناها، لظلوا من بعد استبشارهم وفرحتهم به يكفرون بربهم. كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون وهم مع ذلك مدبرون عنك كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق وردهم عن ضلالتهم، بسبب إلفهم تقليد الأسلاف في الكفر ماتت عقولهم وعميت بصائرهم. وما أنت يا محمد بمسدد من أعماه الله عن الاستقامة، فصارفه عن ضلالته التي هو عليها. ما تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فيعقله، إلا من يؤمن بآياتنا، لأن الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب الله تدبره وفهمه وعقله، وعمل بما فيه، وانتهى إلى حدود الله، الذي حد فيه، فهو الذي يسمع السماع النافع.

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بالبعث من مشركي قريش، محتجا عليهم بأنه القادر على ذلك وعلى ما يشاء {وهو العليم} بتدبير خلقه {القدير} على ما يشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده. فذكر استدلالا على قدرته على خلق الإنسان في مراحل تبدأ من حال ضعف الإنسان ليعتبر، وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر، ثم الشبيبة، ثم الهرم، يخلق ما يشاء من قوة وضعف وهو العليم بتدبيره القدير على إرادته. فكما فعل هذه الأشياء، فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء. يقول: واعلموا أن الذي فعل هذه الأفعال بقدرته يحيي الموتى إذا شاء.

030.7.2.2.5- خلاصه: أنه ستقوم الساعة وسيحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا كما وعد الله ووعده الحق. الآيات (55-60) = آيات6 = 10%

ستقوم الساعة وسيظهر الحق يوم لا ينفع الأعذار بعد أن بدرت الأعمال، قد بينا لهم الحق في القرآن ووضحناه لهم وضربنا لهم فيه الأمثال ليستبينوا الحق ويتبعوه فقالوا عنه بأنه باطل، كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق أي اصبر على مخالفتهم وعنادهم فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك عليهم وجعله العاقبة لك لا مرية فيه ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع بل الحق كله منحصر فيه.

030.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

اعتمدت موضوعات السورة لبيان مقصدها (فطرة الله في مخلوقاته) على أسلوب ضرب الأمثال من قصص وآيات في السماوات والأرض وما بينهما وفي النفس البشرية، قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ (58)}. وفي تأمل هذه الأمثال، مع ما نزل معها من البيان من الوحي في الكتاب، نعلم أن الله كتب على الناس أنهم لن يلبثوا في الدنيا غير وقت قصير من عمر الكون إلى يوم البعث، ابتلاهم ربهم فيه بطاعته باتباع فطرته مختارين، يعملون فيها باختيارهم يجازون بما كسبت أيديهم، تسجل عليهم أعمالهم، إلى يوم البعث فيحاسبوا على أعمالهم، يومئذ حساب بلا عمل، فلا ينفع العذر وقد أقيمت عليهم الحجة في الدنيا كما بينته السورة (وكما يبينه القرآن) كما يلي:

ابتدأت السورة بذكر نبوءة لم تكن قد حصلت وقت نزول السورة وهي غلبة الروم على الفرس، ويومئذ سيفرح المؤمنون بنصر الله. وقد تحققت هذه النبوءة فيما بعد تماماً كما ذكرت الآيات، بأن غلبت الروم وفرح المؤمنون، وكذلك فرحوا بانتصارهم على المشركين في غزوة بدر. ثم قرر سبحانه وتعالى بانفراده بالقدرة {لله الأمر} وأن ما في العالم من غلبة وغيرها إنما هي منه وبإرادته، أي قبل حصول النبوءة بالغلبة والنصر ومن بعدها. وقيل: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء.

كل ما يدور في حياة الناس هو بتقدير وترتيب من الله. هو الخالق، فطر الكون على أشياء وجعل فيه خصائص ثابتة، لا تتبدل من نفسها ولا يستطيع أحد تبديلها أو إلغاءها سوى الله خالقها. وفطر الناس كذلك كباقي المخلوقات على أشياء لا يمكن تغييرها. لكن شاءت إرادة الله أن ابتلاهم بشيء من الإرادة في اختيار بعض هذه الأمور الفطرية جعلت لهم على شكل أوامر وتكاليف بأن أفعل أو لا تفعل وسميت بالدين الحنيف الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ( انظر آية 30)، والدين القيم (آية 43)، واعتبرت عبادات يتقرب فيها الإنسان إلى خالقه، إن هو فعل أكرمه الله في الدنيا والآخرة، وإن لم يفعل عذبه الله بعدله بما كسبت يداه وبإفساده في الأرض بعد إصلاحها. ولكي يقيم سبحانه الحجة على الإنسان ويمنع عنه العذر بأنه لا يدري (انظر آية 57)، أرسل سبحانه الرسل مبشرين ومنذرين وأيدهم بالآيات البينات وبين لهم الصراط المستقيم والذي هو اتباع الدين. فإذا اتبع الإنسان دين الفطرة علم بنفسه علم اليقين بأنه مصلح فائز كما وعد الله، أما إذا خالف دين الفطرة علم بنفسه بأنه مفسد لنظام الكون والفطرة، مبدّل لخلق الله ومذنب يستحق العقاب في ميزان الله العادل (انظر آية 41). فالخيار بيد الإنسان (انظر آية 44) ويبقى عليه أن يحافظ على دينه وإيمانه إن أراد الفوز برضى الله والجنة، وعدم اتباع الدين يعني افساد فطرة الله وجزاؤه سخط الله والعذاب في النار.

030.7.3.0 ملخص موضوعات السورة باعتبار موضوعات آياتها:

030.7.3.0.1- بيان آيات الله الدالة على أنه الخالق وفاطر السماوات والأرض. الآيات (1-7، 11، 19، 27، 40، 41، 47-54، 58، 59) = 22 آية.

030.7.3.0.2- وآياته الدالة على أن الكون خلق بالحق ويسير على الفطرة. الآيات (8-10، 20-26، 28، 37، 42، 46) = 14 آية.

030.7.3.0.3- بيان نتيجة الأعمال وما سيحصل يوم القيامة. وبيان مصير من يتبع ومن لا يتبع. الآيات (12-16، 44، 45، 55-57) = 10 آيات.

030.7.3.0.4- ثم أمر الله للناس بأن يلتزموا وينسجموا مع الكون باتباع دين الفطرة. الآيات (17، 18، 30، 31، 38، 39، 43، 60) = 8 آيات.

030.7.3.0.5- ثم بيان حقيقة الإنسان وحقيقة ما فعل وهو تماماً غير خارج عن علم الله وقدرته ولكن الناس يعلمون ظاهر الأشياء فلا بد من إقامة الحجة عليهم. الآيات (29، 32-36) = 6 آيات.

030.7.3.1- بيان الآيات الدالة على أن الله هو الخالق، يخلق ما يشاء وهو العليم القدير فاطر السماوات والأرض، فطر الناس على عبادته واتباع دينه. وبيان الأدلة على ذلك وضرب عليه الأمثلة في القصص، وبيان آياته في الكون وفي أعمال الإنسان وعن طريق الرسل والابتلاء بالخير والشر كما يلي: الآيات (1-7، 11، 19، 27، 40، 41، 47-54، 58، 59) =22 آية = 36.67%.

030.7.3.1.1- صدق وعد الله وجريان سنته على الناس وعلمه بالغيب لأنه هو الخالق مدبر الأحداث له الأمر من قبل ومن بعد، وأن الإنسان مجرّد لاعب يتحرك في ملك الله. في قصة حقيقية شهدها المؤمنين والكافرين، غلبت فيها فارس الروم، فوعد الله في السورة أن سوف يغلب الروم فارس بعد مدّة من الزمن ليكون دليلاً على علمه وصدق وعده (فلا يخلف الله وعده): الآيات (1-7)

030.7.3.1.2- بيان الحجج الدالة على الخلق والبعث وتكليف الإنسان باتباع الفطرة، وأن الله هو العزيز في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفهم فيما أراد من إحياء وإماتة، وبعث ونشر، وما شاء. وذلك بالإشارة إلى آيات الله في الكون، وبإرسال الرسل بالبينات، وبالابتلاء بالخير والشر وبضرب الأمثال كما يلي:

030.7.3.1.2.1- بيان آيات الله في الكون الدالّة على بداءته الخلق وعلى قدرته على إعادته ليجازي الناس بما عملوا: الآيات (11، 19، 27، 40، 41)

تؤكد الآيات على أن {الله يبدأ الخلق} من غير شريك ولا ظهير، فكما هو قادر على بداءته فهو قادر على إعادته {ثم إليه ترجعون} أي يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله. وكذلك فإن في قدرته على خلق الأشياء المتقابلة دليل على كمال قدرته فمن ذلك إخراج النبات من الحب والحب من النبات والبيض من الدجاج والدجاج من البيض والإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وكما يحيي الأرض بعد موتها، فيخرج نباتها وزرعها، كذلك يحييكم من بعد مماتكم، فيخرجكم أحياء من قبوركم، إلى موقف الحساب. {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} والإعادة أهون عليه من البداءة والبداءة عليه هينة، فينبغي أن يكون البعث لمن قدر على البداية أهون عليه من الإنشاء، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض أي الصفة العليا وهي أنه لا إله إلا الله وهو العزيز في ملكه الحكيم في خلقه.

الله هو الخالق الرازق المميت المحيي، {هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء} قطعاً لا يفعل {سبحانه وتعالى عما يشركون} به. فقد ظهر الفساد في البر والبحر بسبب المعاصي يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختبارا منه لهم ومجازاة على صنيعهم {لعلهم يرجعون} أي عن المعاصي.

030.7.3.1.2.2- إرسال الرسل بالبينات: آية (47)

هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه وإن كذبه كثير من قومه ومن الناس فقد كذبت الرسل المتقدمون مع ما جاءوا أممهم به من الدلائل الواضحات. ولكن انتقم الله ممن كذبهم وخالفهم وأنجى المؤمنين بهم {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} أي هو حق أوجبه على نفسه الكريمة تكرما وتفضلا كقوله تعالى {كتب ربكم على نفسه الرحمة}.

030.7.3.1.2.3- الابتلاء بالخير والشر: الآيات (48-54)

يبتلي الله سبحانه الناس بالخير والشر ليؤمنوا، فهو الذي يخلق السحاب الذي ينزل منه الماء فيفرحون ويستبشرون بالخير والنعمة والرحمة من الله، فيحيي بها الأرض الميتة. إن الذي يحيي هذه الأرض بعد موتها بهذا الغيث، لمحيي الموتى من بعد موتهم، وهو على كل شيء مع قدرته على إحياء الموتى قدير، لا يعز عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيء شاءه سبحانه. وفيه استدلال بالشاهد على الغائب.

يقول تعالى ذكره: ولئن أرسلنا ريحا مفسدة ما أنبته الغيث الذي أنزلناه من السماء، فرأوه مصفرا، قد فسد بتلك الريح التي أرسلناها، لظلوا من بعد استبشارهم وفرحتهم به يكفرون بربهم. كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات ولا تبلغ كلامك الصم الذين لا يسمعون وهم مع ذلك مدبرون عنك كذلك لا تقدر على هداية العميان عن الحق وردهم عن ضلالتهم، ما تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فيعقله، إلا من يؤمن بآياتنا، وعمل بما فيه.

ويقول تعالى بأنه {هو العليم} بتدبير خلقه {القدير} على ما يشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده. فذكر استدلالا قدرته على خلق الإنسان من حال ضعف من الطفولة والصغر، ثم الشبيبة، ثم الهرم، يخلق ما يشاء من قوة وضعف وهو العليم بتدبيره القدير على إرادته.

030.7.3.1.2.4- ضرب الأمثال: الآيات (58-59)

يقول تعالى بأنه قد بين للناس في القرآن الحق ووضحه لهم وضرب لهم فيه الأمثال ليستبينوا الحق ويتبعوه، ولو رأوا أي آية لا يؤمنون بها ويعتقدون أنها سحر وباطل. لكن الله يختم على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما أتاهم من عنده من العبر والأمثال والعظات، والآيات البينات، لأنهم غارقون في دنياهم وشهواتهم فلا يفقهون عن الله حجة.

030.7.3.2- آياته الدالة على أن الكون خلق بالحق ويسير على الفطرة. وعلى وجوده وخلقه بالحق وفطرته وعلى عظمته وكمال قدرته وعلى أنه يفعل ما يشاء: في الأنفس وفي السماوات والأرض وما بينهما. الآيات (8-10، 20-26، 28، 37، 42، 46) = 14 آية = 23.33%.

030.7.3.2.1- ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما سدى ولا باطل بل لتطيعه فيحاسبها على طاعتها: الآيات (8-10)

ينبه سبحانه الناس على التفكر بالنظر والتدبر والتأمل في خلق الله الأشياء في السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات المتنوعة والأجناس المختلفة فيعلموا أنها ما خلقت سدى ولا باطل بل بالحق وأنها مؤجلة إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة. كذلك ليعتبروا من عاقبة الأمم الماضية وقد كانوا أشد قوة وأكثر أموالا وأولادا ومكنوا في الدنيا تمكينا لم تبلغوا إليه وعمروا فيها أكثر منكم ومع هذا فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فلم يؤمنوا أخذهم الله بتكذيبهم وما كان الله ليظلمهم فيما أحل بهم من العذاب ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بتكذيبهم. ثم نبههم على صدق رسله فيما جاءوا به عنه بما أيدهم به من المعجزات والدلائل الواضحات من إهلاك من كفر بهم ونجاة من صدقهم.

030.7.3.2.2- ليس هذا فحسب بل اختير في الآيات التالية الأشياء التي لا يملك الإنسان إلا أن يطيع الله فيها. هل يستطيع الإنسان ألا ينتشر في الأرض أو ألا يتزوج أو ألا يكون على الأرض أو أن يغير من صفات لسانه ولونه أو ألا ينام ……إلخ كما يلي: الآيات (20-26)

030.7.3.2.2.1- من آيات الله الداّلة على طاعة مخلوقاته أنه خلق الناس بعد أن لم يكونوا شيئاً (من العدم) من تراب فإذا هم ينتشرون أي يتصرفون في الأرض، في البر والبحر والجو، ويبنون البيوت ويعمرون العمران والحضارات، ولهم فكر ورأي ونطق وعلوم، ولهم صناعات واتصالات (فسبحان من أقدرهم وسيرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب وفاوت بينهم في العلوم والفكرة والحسن والقبح والغنى والفقر والسعادة والشقاوة).

030.7.3.2.2.2- ومن آياته الدالة على طاعته أنه لا فكاك لكم من طاعتكم له أن جعل لكم أزواجكم من جنسكم وجعل بينكم وبينهن مودة وهي المحبة ورحمة وهي الرأفة فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك ما يستدعي التفكر في عظيم صنع الله والاتعاظ بأنه لا يعجزه شيء. على الرغم من أن في الزواج مسئوليات جسام وعذاب وشقاء للأب بقوامته وإنفاقه وللزوجة بحفظها لبيتها وللأبناء ببرهم والتزامهم، إلا أن الإنسان لا يملك إلا أن يطيع فيتزوج.

030.7.3.2.2.3- كذلك في خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها ومجراتها ونجومها وكواكبها، وخلق الأرض وما فيها من جبال وأودية وبحار وقفار وحيوان وأشجار، وكذلك اختلاف اللغات والجنسيات والألوان إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى من الاختلاف بين بني آدم فلا بد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر، إن في ذلك لدلالات لذوي العقول وأولي العلم. بأنه لا يستطيع الإنسان إلا أن يعيش في هذه الأرض وهذه السماء وعلى هذا اللسان واللون.

030.7.3.2.2.4- كذلك ما جعل الله من صفة النوم في الليل والنهار فبه تحصل الراحة وسكون الحركة وذهاب الكلال والتعب وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار وهذا ضد النوم آيات لقوم يعون الحق فيتبعونه. ومن آياته الدالة طاعتكم له {يريكم البرق خوفا وطمعا} أي تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار متلفة وتارة ترجون ما يأتي بعده من المطر {فيحيي به الأرض بعد موتها} وفي ذلك أيضاً عبرة ودلالة واضحة على المعاد وقيام الساعة {لقوم يعقلون}. كذلك السماء قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض والسماوات وخرجت الأموات من قبورها أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم خاضعين له طائعين. يقول تعالى {وله من في السموات والأرض} أي ملكه وعبيده كل له خاضعون خاشعون طوعا وكرها.

030.7.3.2.3- ضرب الأمثلة التي تدعو إلى التفكر في خلق الله البديع. والعجب من أنهم لا يرون النظام الدقيق الذي ينظم مخلوقاته ولا يستخلصون النتائج من الفطرة الحاصلة: الآيات (28، 37، 42، 46)

بعد الدعوة إلى التفكر في مخلوقات الله والتي تدل على أن نظاماً دقيقاً ينظمها وأنها سائرة باتجاه نهاية أو مرحله أخرى مقدرة لا يعلمها إلا الله. ثم وأن الإنسان غير خارج عن هذا النظام بل تحكمه فطرة الله ولا يستطيع الفكاك منها أو عمل شيئاً سوى الطاعة والاستسلام كباقي خلق الله. تعجب الآيات التالية من كيف أنهم لا يأخذون العبرة. فيضرب سبحانه الأمثال لذلك لمن يعبد ويطيع غير الله، (آية 27) مع أن الله هو من يبدأ الخلق وهو الذي يعيده فبالتالي هو الذي يحاسب ويجازي ويعاقب (آية 28) فهل يرضى أحد من الناس أن يشاركه أبناؤه أو ما ملكت يمينه في الرزق الذي رزقكم الله إياه؟ فكيف يشركونهم مع الرازق بينما أنتم المرزوقين تأنفون من ذلك؟ بل الله الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفي هذا المثل خير آية لمن يؤمن؟ ماذا استفاد المشركين من الأمم السابقة من شركائهم وما فائدة ذلك لهم عليهم أن يسيروا في الأرض ويأخذوا العبرة ممن سبقهم ومما حل بهم.

يذكر تعالى نعمه على خلقه في إرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته بمجيء الغيث عقبها، فيحيي به العباد والبلاد، وتجري الفلك في البحر بالريح {ولتبتغوا من فضله} في التجارات والمعايش والمسير {ولعلكم تشكرون} الله على ما أنعم به عليكم، وليعلموا أن الله هو من يرحمهم وهو الذي يتوجب عليهم أن يطيعوه ويبتغوا فضله وليس الشركاء.

030.7.3.3- الآخرة:

بيان ما سيحدث يوم القيامة، يوم تتبرأ آلهتهم التي كانوا يعبدونها منهم ويتبرؤون منها، ويتفرق المؤمنون والكافرون، ولا ينفع ما يقدمه الكافرين من أعذار، ثم يجزى كل إنسان بعمله، ويتحدد المصير فتكون الجنات للمؤمنين والعذاب للكافرين. الآيات (12-16، 44، 45، 55-57) = 10 آيات = 16.67%.

030.7.3.4- يأمر الله سبحانه رسوله وعباده المؤمنين بإقامة الدين حنيفاً وأن لا يغيروا خلقه. ويرشدهم إلى تسبيحه وتحميده في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه عند المساء وهو إقبال الليل بظلامه وعند الصباح وهو إسفار النهار بضيائه ووقت الظهيرة وفيه إشارة إلى مواقيت الصلوات. ويأمرهم بإعطاء الناس حقوقهم من النفقة والزكاة والقرض الحسن، وأن لا يتعاملوا بالربا لمضاعفة أموالهم، بعد أن تبين لهم أن الله هو الرزاق القادر على كل شيء. وليصبروا حتى يأتي وعد الله بإقامة العدل والانتصار للمؤمنين من الكافرين. الآيات (17، 18، 30، 31، 38، 39، 43، 60) = 8 آيات = 13.33%.

030.7.3.5- فعل الناس:

أكثر الناس يتبعون أهواءهم لأن ذلك أسهل لهم ولا يترتب عليه التزامات تخالف هوى أنفسهم ويزينه لهم شيطانهم، أما العبادات والتكاليف التي جاء بها الدين فهي صعبة وتحتاج إلى علم وصبر ومجاهدة واستقامة على الحق وبذل الخير.

هؤلاء المشركين الذين اتبعوا أهواءهم وقلّدوا ما وجدوا عليه آباءهم بغير علم، فصاروا أحزاباً ومذاهب عدة متفرقة ومخالفة للحق، فرحين (يظنون) بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل. إذا أصابهم شدة وبلاء دعوا ربهم مخلصين أن يكشف عنهم الضر، فإذا رحمهم وكشفه عنهم يعودون إلى الشرك مرة أحرى. يهددهم ربهم بأنهم سوف يعلمون عاقبة تمتعهم بنعمه عليهم وبقاءهم على شركهم، وعدم شكرهم لله على كشف الضر عنهم. ويستنكر عليهم فعلهم، أم أنزل عليهم برهاناً أو كتاباً ينطق بصحة شركهم وكفرهم بالله وآياته. وإذا أذاق الله الناس نعمة (من صحة وعافية ورخاء) فرحوا بها فرح بطر لا شكر، وإن يصيبهم سيئة (من مرض وفقر وخوف وضيق) بسبب ذنوبهم ومعاصيهم إذا هم يائسون من رحمة الله وهذا طبيعة أكثر الناس في الرخاء والشدة، أما المؤمنون فهم يشكرون عند النعمة ويحمدون ويرجون الله عند الشدة. الآيات (29، 32-36) = 6 آيات = 10%.

030.7.4- سياق السورة باعتبار موضوعاتها وترتيب آياتها:

سنجد أن السورة باعتبار موضوعاتها وترتيب آياتها تنقسم إلى قسمين متناصفين تقريباً يتكرر فيهما نفس موضوعات السورة الخمسة (وهي آيات الله الدالة على الخلق بالفطرة، وآياته الدالة على أن الكون يسير على الفطرة، وأمر الله الناس أن يتبعوا الفطرة، وبيان مصير من يطيع ومن لا يطيع، وبيان حقيقة ما فعله الناس) ولكن بأسلوبين مختلفين يتناسبان مع سياق نصفي السورة وفي خطين متقاطعين.

030.7.4.1- النصف الأول فيه بيان أن الله هو الخالق وفاطر كل شيء، الآيات (1-29):

030.7.4.1.1- الله هو الذي خلق وهو الذي فطر: يشرح عن فطرة الله في الكون وفي الناس، وابتدأ بقصة تبين فطرة الله في الأمم (1-7)

030.7.4.1.2- حقيقة ما فعله الناس وأن الكون يسير على الفطرة: ثم يحث الناس على التفكر في أنفسهم وفي عاقبة من سبقهم من الأمم ليتبين لهم أن لله ميزان قائم على العدل يمنح العمران للمؤمنين ويهلك أو يدمر ظلم وإفساد الكافرين (8-10)

030.7.4.1.3- المصير يوم القيامة: ثم يبين أن الله سيعيد الخلق في الآخرة ويحاسب ويجازي الناس على أعمالهم في الدنيا (11-16)

030.7.4.1.4- أمر الناس بالتسبيح والعبادة والطاعة: ثم نتيجة التفكر والتدبر في تاريخ الأمم السابقة ومعرفة أن طاعة الله واتباع دينه هو في صالح سعادة الإنسان، صار لزاماً على الناس أن يسبحوا الله ويحمدوه على عدلة وعلى كل فعله (17-18)

030.7.4.1.5- كل شيء يسير على ما فطره الله عليه: وأخيراً يبين سبحانه آيات فطرته المبينة التي لا تحتاج إلى مزيد جهد يعلم منها المؤمن أن كل شيء يسير على ما فطره الله عليه، وأن الذين ظلموا اتبعوا أهواءهم بغير علم، فخالفوا فطرة الله وخلقه الكريم (19-29).

030.7.4.2- النصف الثاني يأمر باتباع الفطرة التي علمنا آياتها في النصف الأول (ويبين كيف أن الله يبتلينا بهذا الإتباع ليقيم علينا الحجة ويعلم الصادقين في اتباعهم من الكاذبين). الآيات (30-57)

030.7.4.2.1- الأمر بالعبادة وإقامة الدين واتباع الفطرة:

030.7.4.2.1.1- مخاطباً للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من خلال رسولهم تأمرهم بإقامة الدين، أي باتباع الفطرة وذلك بالإنابة إليه وتقواه وإقامة الصلاة وأن لا يكونوا من المشركين الذين باختلافهم فيما يعبدونه صاروا فرقاً وأحزاباً كل حزب فرح بالباطل الذي عنده. (السورة الوحيدة المذكور فيها منيبين له 2 مره، أي راجعين إليه بإخلاص العمل). (30، 31)

030.7.4.2.1.2- ألا يعلموا أن من آيات الله أن يبتليهم بالرزق فيوسعه أو يضيقه على من يشاء ابتلاءاً، فليزكوا أموالهم وليتصدقوا ولا يأكلوا الربا فهو خير لهم. الله هو الخالق الرازق المحيي المميت وليس ما يشركون. وما يحصل من الفساد في الأرض سببه المعاصي التي يقترفها الناس عقوبة لهم لعلهم يعودوا للحق. (37-39)

030.7.4.2.2- الله هو الخالق الرازق المحيي المميت (40-42)

030.7.4.2.3- بيان حقيقة ما فعله الناس: لأن في الاتباع والطاعة رحمة وانسجام مع فطرة الناس بدليل أنهم حين يصيبهم الضر يرجعون للحق والفطرة، فإذا رحمهم وكشف عنهم ضرهم يعودون لشركهم ويعبدون مع الله غيره. وذلك أن طبيعة أكثر الناس أنهم يفرحون بنعمة الله ورحمته لهم فرح بطر لا شكر، وإن يصبهم بسبب ذنوبهم مرض أو فقر أو خوف إذا هم يائسون من زوال ذلك عنهم. (32-36).

030.7.4.2.4- بيان الجزاء يوم القيامة:

030.7.4.2.4.1- قل أيها الرسول للمكذبين أن يسيروا في الأرض معتبرين ومتدبرين كيف كان عاقبة الأمم من قبلهم كان أكثرهم مشركين فأهلكهم الله. فأقم الدين أنت ومن آمن معك قبل أن يأتي يوم القيامة فيجازى الكافرين بكفرهم والمؤمنين بإيمانهم (43-45).

030.7.4.2.4.2- سيجمعهم للحساب في يوم البعث (55-57).

030.7.4.2.5- آيات الله الدالة على أن الكون يسير على الفطرة: الريح آية عظيمة من آيات الله للمؤمنين يبتليهم بها يرسلها تبشرهم بالمطر وتجري بها السفن بأمره يتاجرون ويرزقون لعلهم يشكرون. أرسل الله الرسل من قبلك أيها الرسول إلى قومهم بالحجج والمعجزات والآيات فانتقم من الكافرين ونصر المؤمنين وكذلك ينصر المؤمنين من قومك. ثم تذكر الآيات مزيد من التفصيل عن آية الرياح، كيف أن الله يرسلها بالمطر فيستبشرون، ويرسلها فتهلك الزرع فيجحدون نعمة المطر. آيات الله هذه لا يهتدي بها إلا المؤمنون، أما الضالون فهم محجوبون عن سماعها وفهم مغزاها. الله خلقكم ضعافاً ثم جعلكم أقوياء ثم جعلكم ضعافاً، وهو عليم بخلقه قدير يخلق ما يشاء (46-54).

030.7.4.3- خلاصه: لقد بين الله للناس في هذا القرآن من كل مثل وأقام عليهم الحجة لا يحتاجون غيره، ولئن جئتهم بآية غيره كعصا موسى ليقولون أنك أنت ومن معك أصحاب أباطيل. فقد ختم الله على قلوبهم فلا يعلمون حقيقة ما جاءهم في القرآن. فاصبر على أذاهم وقد وعدك الله بالنصر والتمكين ولا يستفزنك الذين لا يصدقون بالبعث والجزاء (58-60).

030.7.5- سياق السورة باعتبار العبارات والكلمات المكررة فيها:

هذه السورة تتحدث عن الحاضر الواقع كفطرة يعيشها الناس منهم من يلتزم بقوانينها ومنهم لا يلتزم، لكنها تتحدث كثيراً عن الآيات التي تملأ المكان وعن الإشارات إلى المستقبل وإلى ما سيأتي في الغيب، وعن أن الله وعد بإقامة العدل ونصر المؤمنين وعقاب الظالمين.

لذلك نلاحظ أن السورة بينت ثلاثة حقائق في حياة الناس واحد معاش واثنان في الغيب. واعتمدت وسيلتين لتعريف الناس بهذه الحقائق إرسال الرسل وبيان الآيات والقصص.

فالواقع المعاش يحتاج إلى التأمل والتفكر، والغيب يحتاج إلى الرسول لكي يبلغ، وإلى الإشارة إلى الآيات للتفكر والتأمل، والقصص والأمثلة للعبرة والقياس. وهو ما يتبعه سياق السورة في بيان هذه الموضوعات الخمسة، كما يلي:

030.7.5.1- الحقيقة الأولى وهي المعاشة هي أن خلق الله الحياة والناس، على فطرة فطرها في مخلوقاته. وعبر عن هذه الفطرة في حياة الناس وبينها، وأنها هي الدين المأمور الإنسان بإقامته، كما بيناه في الشرح أعلاه. (تكرر في السورة ذكر: الأرض 14 مره، خلق 10 مرات، الناس 9 مرات، يبدأ الخلق 2 مرة، الحياة الدنيا، خلق الله السماوات والأرض وما بينهما)

030.7.5.2- والحقيقة الثانية هي وعد الله بأشياء ستحصل في المستقبل الغير منظور والبعث. فقد وعد الله سبحانه بأنه سينصر المؤمنين ويهزم الكافرين في الدنيا، وأن يحيي الناس بعد موتهم ويقيم العدل بينهم في الآخرة. (تكرر في السورة ذكر: وعد 3 مرات، يبدأ الخلق ثم يعيده 2 مرة، تخرجون 2 مره، ترجعون، لقاء ربهم، سيغلبون، أجل مسمى، دعاكم من الأرض، فسوف تعلمون، خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ، لَمُحْيِي الْمَوْتَى)

كما وعد بالحساب على الأعمال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)}. {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)}

030.7.5.3- الحقيقة الثالثة وهي في تفاصيل الغيب ومصير العباد ومن تفاصيلها. بأن جعل الله يوم البعث، ليحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا، يومئذ يتبرأ الشركاء من شركائهم، ويكافأ المحسنين ويعذب المسيئين على درجة طاعتهم واتباعهم فيكرم المؤمنين بالجنة ويعذب الكافرين بالنار: (تكرر في السورة ذكر: ويومئذ 4 مرات، ويوم تقوم الساعة 3 مرات، يوم البعث 2 مره، يوم لا مرد له من الله، الآخرة، لقاء ربهم، أجل مسمى، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ، وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ، إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ، يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ، لَمُحْيِي الْمَوْتَى)

030.7.5.4- إرسال الرسل (ذكرت كلمة رسل 4 مرات، قل، أقم 2 مرّه، من قبلك، فانظر، فإنك، وما أنت، فاصبر، لا يستخفنك، فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ، وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً)

030.7.5.5- الآيات وضرب الأمثال ليتفكر الناس (ذكرت كلمة آيات 17 مرة، عاقبة الذين 3 مره، لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 2 مره، وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، غلبت الروم، نصر الله، إليه ترجعون، كذلك تخرجون، لعلهم يرجعون، لمحيي الموتى، أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا، أَوَلَمْ يَسِيرُوا، لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لِلْعَالِمِينَ، لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ، لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون)

030.7.6- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

030.7.6.1- آيات القصص: (1-5، 9، 10، 41، 42، 47، 49) = 11 آية.

030.7.6.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (12-16، 55-57) = 8 آيات.

030.7.6.3- الأمثال في الآيات: (28، 29، 33-36، 51-53، 58، 59) = 11 آية.

030.7.6.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (8، 19-27، 37، 40، 46، 48، 50، 54) = 16 آية.

030.7.6.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (6، 7، 11، 17، 18، 30-32، 38، 39، 43-45، 60) = 14 آية.

030.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

030.8.1- ترابط سورة النمل والقصص والعنكبوت والروم:

سورة النمل: فيها إشارة إلى اتباع الهدى المبين الذي في الكتاب، وتدبر علاقات مجتمع النمل القائم على العمل بالأسباب وحسن التدبير واتباع هدى الله وسننه في المعاش.

سورة القصص: تبين السورة أن الإيمان بالله وحده هو مفتاح الأمان للإنسان وهو مصدر كلّ خير في الدارين، وتبيّن بالأمثلة الحقيقيّة، قصّة الإنسان وإفساده في الأرض: أي اجتراءه على حق الله وحقوق اخوته في البشريّة، وذلك بسبب تكبّره وغروره وبغيه. ثمّ تدخّل إرادة الله وسنّته في نصر المستضعفين وتمكينهم في الأرض.

سورة العنكبوت: تبين أنه سبحانه لن يترك الناس يدّعون الإيمان بألسنتهم دون أن يختبرهم بالعمل لتقام الحجة الظاهرة وبعمل الجوارح على المحسن منهم وعلى المسيء. وتدعو إلى عدم الإفساد في الأرض كما فعل فرعون وعدم الإشراك بالله، أو اتخاذ غير الله أولياء. فاتخاذ الأولياء من دون الله تمثّل علاقة واهية تضر ولا تنفع. بينما الإيمان والعمل الصالح يؤدي إلى الإصلاح والتعاون البناء كما يحصل في مجتمع النمل.

سورة الروم: تبين أن الإنسان مؤمن بفطرته بأن الله هو خالق السماوات والأرض وما بينهما وأن الكون مفطور على طاعة الله، إلا ما شاءه الله سبحانه من أن يجعل الإنسان مختاراً في اتباع بعض ما فطره عليه وهو اتباع الدين، وذلك اختباراً وابتلاءاً يحاسب عليه. وآيات خلق الله وفطرته تملأ المكان لمن أراد الحق، كذلك ضرب لهم من كل مثل. لكن أكثر الناس لا يؤمنون لأنهم سطحيون لا يتفكرون ولا يعلمون سوى {ظاهراً من الحياة الدنيا} وأن أكثرهم {بلقاء ربهم كافرون}. فهم لذلك لا يتبعون الفطرة التي فطروا عليها فتستقر عيشتهم كما في سورة النمل، بل مفسدون كما حصل في سورة القصص ويتخذون أولياء من دون الله كما حصل في سورة العنكبوت.

030.8.2- قال الإمام جلال الدين السيوطي: اتصالها بما قبلها أنها أي العنكبوت ختمت بقوله {والذينَ جاهدوا فينا لنهديَنَهُم سُبُلنا (69)} فافتتحت هذه بوعد من غلب من أهل الكتاب بالغلبة والنصر وفرح المؤمنين بذلك وأن الدولة لأهل الجهاد فيه ولا يضرهم ما وقع لهم قبل ذلك من هزيمة هذا مع تآخيها بما قبلها في المطلع فإن كلا منهما افتتح ب {الم}‏ غير معقب بذكر القرآن وهو خلاف القاعدة الخاصة بالمفتتح بالحروف المقطعة فإنها كلها عقبت بذكر الكتاب أو وصفه إلا هاتين السورتين وسورة القلم.

030.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أعتب سبحانه أهل مكة، ونفى عليهم قبح صنيعهم في التغافل عن الاعتبار بحالهم، وكونهم – مع قلة عددهم – قد منع الله بلدهم عن قاصد نهبه، وكف أيدي العتاة والمتمردين عنهم مع (تعاور) أيدى المنتهين على من حولهم، وتكرر ذلك واطراده صوناً منه تعالى لحرمه وبيته، فقال تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم (67)} العنكبوت، أي ولم يكفهم هذا في الاعتبار، وتبينوا أن ذلك ليس عن قوة منهم ولا حسن دفاع، وإنما هو بصون الله إياهم بمجاورة بيته وملازمة أمنه مع أنهم أقل العرب، أفلا يرون هذه النعمة ويقابلونها بالشكر والاستجابة قبل أن يحل بهم نقمة، ويسلبهم نعمه، فلما قدم تذكارهم بهذا، أعقب بذكر طائفة هم أكثر منهم وأشد قوة وأوسع بلاداً، وقد أيد عليهم غيرهم، ولم يغن عنهم انتشارهم وكثرتهم، فقالت: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض} الآيات، فذكر تعالى غلبة غيرهم لهم، وأنهم ستكون لهم كرة، ثم يغلبون، وما ذلك إلا بنصر الله من شاء من عبيده {ينصر من يشاء} فلو كشف عن إبصار من كان بمكة من الكفار لرأوا أن اعتصام بلادهم وسلامة ذرياتهم وأولادهم مما سلط على من حولهم من الانتهاب والقتل وسبي الذراري والحرم إنما هو بمنع الله وكرم صونه لمن جاور حرمه وبيته، وإلا فالروم أكثر عدداً وأطول مدداً، ومع ذلك تتكرر عليهم الفتكات والغارات، وتتوالى عليهم الغلبات، أفلا يشكر أهل مكة من أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف؟ وأيضاً فإنه سبحانه لما قال: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان (64)} العنكبوت، أتبع ذلك سبحانه بذكر تقلب حالها، وتبين اضمحلالها، وأنها لا تصفو ولا تتم، وإنما حالها أبداً التقلب وعدم الثبات، فأخبر بأمر هذه الطائفة التي هي من أكثر أهل الأرض وأمكنهم وهم الروم، وأنهم لا يزالون مرة عليهم وأخرى لهم، فأشبهت حالهم هذه حال اللهو واللعب، فوجب اعتبار العاقل بذلك وطلبه الحصول على تنعم دار لا ينقلب حالها، ولا يتوقع انقلابها وزوالها، {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} ومما يقوي هذا المأخذ قوله تعالى ” يعلمون ” ظاهراً من الحياة الدنيا أي لو علموا باطنها لتحققوا أنها لهو ولعب ولعرفوا أمر الآخرة ” من عرف نفسه عرف ربه ” ومما يشهد لكل من المقصدين ويعضد كلا الأمرين قوله سبحانه: { أولم يسيروا في الأرض } الآيات، أي لو فعلوا هذا وتأملوا لشاهدوا من تقلب أحوال الأمم وتغير الأزمنة والقرون ما بين لهم عدم إبقائها على أحد فتحققوا لهوها ولعبها وعلموا أن حالهم سيؤول إلى حال من ارتكب مرتكبهم في العناد والتكذيب وسوء البياد والهلاك – انتهى.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top