العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
032.0 سورة السجدة
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
032.1 التعريف بالسورة:
1) مكية؛ ماعدا من الآية 16 إلى 20 فمدنية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 30 آية. 4) الثانية والثلاثون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثامنة والسبعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “المؤمنون”. 6) أسماء أخرى للسورة: تسمّى أيضاً سورة المضاجع. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:
{الله} 1 مرّه، رب 9 مرات، خَلَق 3 مرّات؛ (1 مرّة): هو، العزيز، الرحيم، عَالِمُ الغيب والشهادة، بدأ، منتقم، يدبر، أحسن، مخرج، انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها كلمة تتجافى 1 مرة.
وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: خلق 4 مرات، عذاب 4 مرات، مؤمن 3 مرات؛ (2 مرّة): نار، فاسق، نسي، فتح، نذير؛ الْجِنَّةِ 1 مرة.
032.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
032.3 وقت ومناسبة نزولها:
نزلت في بداية النصف الثاني من الفترة المكّية، وتحدّثت عن التذكير والإنذار بآيات القرآن، والكافرون يقولون افتراه وينكرون البعث بعد الموت، ويستعجلون العذاب قائلين تكذيباً واستهزاءً: {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)}. ولا نلمس في السورة أي تعذيب أو استبداد كالذي رأيناه في السور التي نزلت في نهاية تلك الفترة. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
032.4 مقصد السورة:
032.4.1- الدفاع عن الكتاب وأنه ليس مفترى، بل هو الحق تنزيل من رب العالمين، لينذرهم بأنهم إليه راجعون، فيحكم بينهم ويجازيهم على أعمالهم، لعلهم يهتدون فيعملوا صالحاً. فيه صفة الخالق وخبر السماوات والأرض وما بينهما، وقصة وجودنا على الأرض ونبأ البعث، من تمسك به اهتدى وفاز ومن أعرض عنه ضل وهلك.
على الإنسان أن يسجد ويسبح حمداً وشكراً لله على عظيم صفاته وعلى نعمة نزول الكتاب فيه الهداية والدين من أخذ به نجى من العذاب الأدنى والأكبر وحاز على نعيم الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنه خسر الدنيا والآخرة.
032.4.2- ومقصدها نجده في مطلع السورة، في الآيات (1-3) يخبر سبحانه بأن هذا الكتاب الذي هو القرآن هو كتاب حق وصدق ولا ريب فيه ولا شك بأنه تنزيل من عنده هو رب العالمين، لينذر قوماً ما أتاهم من نذير لعلهم يهتدون.
032.5 ملخص موضوعات السورة:
استهلّت بذكر مقصدها وهو: الإخبار بأن القرآن لا شك فيه وأنه تنزيل {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}، وتعجب من قولهم {افْتَرَاهُ}، {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (3)}، الذي أقررتم بأنه خالقكم، {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ (4)} حين مسّكم الضرّ، ولجأتم إليه عند احتياجكم. وتختم بالرّد على استعجالهم العذاب بأن انتظروا فالوعيد حق قادم، عندها لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون. ثم ّ ثلاث مجموعات من الآيات: الأولى عن الكتاب والثانية عن البعث والثالثة أمثلة تؤكد صدق الكتاب والبعث؛ وفي جميعها دلائل وبراهين على أنّ القرآن من عند الله، بما تضمّنه من أخبار الغيب وأنباء الماضي والحاضر والمستقبل، والابتلاء بالأعمال والحساب والجزاء؛ إذ بدون القرآن لا يستطيع أحد أن يهتدي أو يعلم هذه الأشياء المشار إليها في السورة، ولا حتى الرسل كانوا قد علموه من قبل أن يتنزل الوحي، قال تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ (52)} الشورى، كما يلي:
(الآيات 4-9): يعرّف تعالى على نفسه وعلى كمال قدرته بستّ آيات لا تُعلم إلا بالقرآن وهي: أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وليس للناس من دونه من ولي ولا شفيع، وهو وحده يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض، وهو عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان طين، ثمّ جعل نسله من ماء مهين، ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، قليلاً ما يشكرون الله على النعم التي رزقهم. ثمّ (الآيات 10-22) تردّ على إنكار الكافرين البعث بذكر تفاصيل الموت ولقائهم ربهم وطلبهم منه الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحاً، ولو شاء تعالى لهدى الناس جميعاً فلم يختلف منهم أحد، لكن حق القول منه تعالى بأن يعذب في جهنّم الذين اختاروا العصيان بعد التكليف، خالدين منسيين بسبب تكذيبهم ونسيانهم، أما المؤمنون فهم يسجدون ويسبحون بحمد ربهم ولا يستكبرون، ويدعون ربهم خوفاً وطمعاً وينفقون؛ فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم، فللمؤمنين جنات المأوى نزلاً، وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وقيل لهم تقريعاً وتوبيخاً ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون، وفي الدنيا يذيقهم العذاب لعلهم يرجعون فيتدبرون آياته قبل أن يأتي يوم لا رجوع فيه. (الآيات 23-27) ضرب الله لنا في هذه الآيات ثلاثة أمثلة: وهي رسالة موسى عليه السلام وقد آتاه الله الكتاب هدى لبني إسرائيل، كما أوتي محمد صلى الله عليه وسلّم القرآن، وقد جعل الكتاب من بني إسرائيل الذين صبروا وأيقنوا آيات الله قدوة صالحة، ويوم القيامة يفصل بينهم فيما اختلفوا فيه. كما ضرب لنا مثلاً بهلاك القرون الذين بقيت مساكنهم عبرة لمن يأتي بعدهم، ومثلاً آخر عن نزول المطر يحيي به الله الأرض فيعم الخير والنعيم على مخلوقاته ويحيي الموتى. (الآيات 28-30) خاتمة: تردّ على المستعجلين العذاب تكذيباً واستهزاءً بأنه يوم الفتح ومجيء العذاب لا ينفع الكافرين إيمانهم ولا هم يؤخرون للتوبة، فلينتظر الجميع وقوع وعد الله والنبأ اليقين.
أما باعتبار موضوعاتها فتنقسم السورة إلى ثلاثة أقسام متساوية في عدد آياتها تقريباً: الأول يتحدث عن أن الله أنزل الكتاب، وبيّن بالحجة والدليل على أنه من عنده؛ الثاني يبيّن للناس أنهم مبعوثون ومحاسبون على أعمالهم؛ الثالث فيه تلخيص حقيقة ما حصل: من انقسام الناس إلى فئتين مكذبين ومؤمنين، وتوعد الله للفئتين بالحساب والجزاء العادل في الدنيا والآخرة.
لقد تميّز الإنسان عن المخلوقات الأخرى بالعقل والقدرة على التعلّم، وبهذا الاعتبار تكون نعمة تنزيل القرآن {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} خالق كلّ شيء ومدبّر أمره، هي أعظم نعم الله على الإنسان ولا يعرف قدرها إلا من فقدها، لأنها علوم {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (6)} التي يحتاجها الإنسان ويتقرّر بها مصيره، وهي ثلاثة علوم عن: الماضي والحاضر والغيب؛ فجعلت آيات السورة (كما القرآن) ثلاثة: مقروءة ومشاهدة ومجرّبة، فالمقروءة فيها بيان أسماء الله تعالى وخبرُ السماء وعلمُ الغيب، والمشاهدة آيات الله في الأنفس والآفاق، والمجرّبة أنباءُ الأمم في القصص والأمثال، وكلّها منصوص عليها في السورة (كما في القرآن): لتؤكّد (الآيات 4-9) أن أعظم علم تعلّمه الإنسان هو معرفة الله تعالى بأسمائه الحسنى وبما عرّف به على نفسه بما هو ضروري لمنفعة وفائدة وفلاح وسعادة الإنسان، ثمّ (الآيات 10-22) معرفة الإنسان لنفسه ولماذا خلق في هذه الحياة، ثمّ (الآيات 23-27) أعمال الإنسان ممثلة بالقصص والأمثلة. وتؤكّد كذلك أن طرق التعلّم ثلاثة هي: علم الغيب عن طريق الوحي والكتاب ويُعلم بالعقل، وآيات الخلق والمخلوقات وتُعلم بالحواس (السمع، والبصر، والشم، والتذوق، واللمس، وبصيرة القلب)، وسنن الله في خلقه تُعلم بالعمل والتجربة على هدى القرآن واتباع أمره ونهيه.
اللهم علّمنا بالقرآن واجعله ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همّنا وغمّنا، واجعلنا من المؤمنين الساجدين المسبحين الحامدين المنفقين الذين يعملون الصالحات ولا يستكبرون.
032.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
تفاصيل عن موضوعات السورة حسب ترتيب آياتها: تتحدث السورة عن موضوعين رئيسيين الأول يستغرق ثلث عدد آيات السورة يؤكد فيه ويدافع عن صدق الكتاب وأنه الحق ويفند قولهم إن الكتاب مفترى. والموضوع الثاني عن البعث والإيمان به والعمل استعداداً للحساب والجزاء بعد البعث ويستغرق الثلثين الآخرين من الآيات وفيه الحديث عن حقيقة الموت والبعث بعد الموت والوعد بالحساب والعقاب، وأن الناس مكلّفون بالعمل الصالح في الدنيا وأنهم مبعوثون بعد الموت راجعون إلى ربهم محاسبون على أعمالهم في الدنيا وما كلّفوا به من العمل الصالح ونهوا عنه من ترك المنكر. وجاء سياق ترتيب هذين الموضوعين في السورة على شكل مقدمة وخاتمة وبينهما ثلاثة مجموعات من الآيات (الأولى عن الكتاب والثانية عن البعث والثالثة أمثلة تؤكد صدق الكتاب والبعث)، كما يلي:
032.6.1- مقدمة: الآيات (1-3) يخبر سبحانه بأن هذا الكتاب الذي هو القرآن هو كتاب حق وصدق ولا ريب فيه ولا شك بأنه تنزيل من عنده هو رب العالمين.
032.6.1.1- أن الكتاب وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، لا شك فيه أنه من عند الله، رب العالمين.
032.6.1.2- لكن الكفار والمشركون يكذبون بالكتاب: يدعون بأن الكتاب وما فيه من الحق مفترى، اختلقه من تلقاء نفسه، فيجيبهم سبحانه بل هو الحق من ربك لتنذر به أناساً لم يأتيهم نذير من قبلك لعلهم يهتدون فيؤمنوا بهذا الحق (عن البعث والحساب الذي ستبينه هذه السورة).
032.6.2- صدق الكتاب وتفنيد ادعاءهم بأنه مفترى:
الآيات (4-9) فيها الحجة والدليل على أن القرآن لا شك فيه ولا مرية من رب العالمين: (6 آيات)
بعد أن أشارت المقدمة إلى أن هذا القرآن لا شك فيه لأنه من رب العالمين، وكيف أن الناس شككوا به وبأنه مفترى من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. تأتي هذه الآيات لكي تدافع عن صدقه وعن كونه نذير لهم لعلهم يهتدون.
يبين سبحانه بكلام سهل واضح معاش لا يحتاج إلى تفسير، أنه هو الله وحده الخالق المدبر العالم الرحيم المنعم الذي أحسن كل شيء خلقه، كما بين بعض صفاته وأفعاله التي هي دليل وبرهان على أن هذا القرآن حق من عنده ولا شك فيه:
فالكتاب حق لا ريب فيه، لأنه من عند الله الحق الخالق كل شيء أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس لينذر به. والحق هو الله تعالى، الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش (وفي الحديث أن السماوات والأرض بالنسبة لعرش الرحمن كحلقة ملقاة في فلاة). ليس للناس من دون الله من ولي ولا شفيع، لأنه هو وحده يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ويعلم ما غاب عن الخلق وما حضرهم وهو العزيز الرحيم. الذي أحسن كل شيء خلقه: وخلق الإنسان طين وجعل نسله من ماء مهين، ونفخ فيه من روحه وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما يشكرون الله على نعمة القوى والعقول التي رزقهم. فالسعيد من استعملها في طاعة ربه عز وجل.
إذاً الحجّة على صدق الكتاب مشاهدة لمن يرى ناطقة لمن يسمع بينة لمن يعقل، فالذي اتقن وأحسن كل هذه الأشياء التي تلمسونها وتعونها بأسماعكم وأبصاركم وعقولكم هو من نزل القرآن ليكون لكم نذيراً بما أنتم مقبلون عليه من البعث والحساب على أعمالكم في الدنيا، فلا حساب ولا عقاب بدون إنذار يعلمه ويعيه الإنسان بكل حواسه وجوارحه (السمع والبصر والفؤاد).
032.6.3- الآيات (10-22) حقيقة أن البعث حق وأنهم مبعوثون بعد الموت محاسبون على أعمالهم. وفيه الإنذار لمنكري البعث والرد على إنكارهم، وبيان صفات المؤمنين والبشرى بفوزهم: (13 آية)
بعد الدفاع عن صدق القرآن، يأتي تفصيل ما جاء به من إنذار. فتشير هذه الآيات إلى أن الناس مبعوثون بعد الموت وأنهم إلى ربهم راجعون فيحاسبهم على أعمالهم. وأن الناس في مقابل هذا الإنذار منهم كافرون منكرون للبعث، ومنهم مؤمنون. وفي إنذاره للكافرين المنكرين للبعث الذين لا يعملون استعداداً للنجاة من النار يبين لهم مصيرهم في جهنم. وفي بشارة للمؤمنين بالبعث الذين يعملون الصالحات استعداداً للفوز بالجنة يبشرهم سبحانه ببيان ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءاً بما كانوا يعملون. وفي بيان بليغ للفئتين يؤكد سبحانه صدق وعده وعدله وأنه لا يستوي في ميزان عدله جزاء الكافر والمؤمن وذلك في بيان لنعيم المؤمنين مقارناً بعذاب الكافرين. وأنه يريهم مقدمات من جزاء أعمالهم ومصيرهم هنا في الدنيا قبل ان يروها يقيناً في الآخرة.
032.6.3.1- الآيات (10-11) إنكار البعث والرد على إنكار الكفار للبعث: فهؤلاء لا يصدقون أنهم مبعوثون. يقولون بأنهم إذا بليت أجسادهم فلن يخلقوا من جديد. فيرد سبحانه بأنهم إليه راجعون فيجازيهم بأعمالهم. هم يستبعدون ذلك قياساً إلى قدرتهم العاجزة، لا إلى قدرة الذي بدأهم وخلقهم من العدم، الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. قل منذراً لهؤلاء المنكرين البعث أن ملك الموت يقبض أرواحكم، ثم ترجعون إلى ربكم أحياء يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم.
032.6.3.2- الآيات (12-22) يبين لهم سبحانه منذراً ومبشراً مصيرهم يوم القيامة، يقيم بذلك عليهم الحجة، لكي يهلك من هلك على بينة ويحيى من حي عن بينة. فالمجرمون في جهنم خالدون كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، والمؤمنون في جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون. بيّن لهم المصير لأن الأمر خطير، ويستحق يعلموا ما هم فاعلون ومقبلون عليه، من ذلك أن الكل سيطلب أو يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليعمل الصالحات. الكافر يطلب الرجوع لكي ينجو من النار، وأما المؤمن فيتمنى الرجوع ليرتقي في الدرجات العاليات في الجنة:
032.6.3.2.1- الآيات (12-14) مشهد خزي وعذاب الكفار يوم القيامة:
يبين سبحانه حال المشركين يوم القيامة وحالهم حين عاينوا البعث، ثم قيامهم بين يدي الله عز وجل حقيرين ذليلين ناكسي رءوسهم للحساب فيقرون بأنهم الآن سمعوا وأبصروا، وتيقنوا من أن البعث حق، فيطلبون الرجوع ليعملوا الصالحات. لكن الخالق يقول لقد حق القول مني لأعذبن من عصاني بنار جهنم، وعلم الله تبارك وتعالى أنه لو ردهم لعادوا، كما قال تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه (28)} الأنعام.
يقول: لو شئت لهديت الناس جميعا فلم يختلف منهم أحد، لكن سبحانه حق القول منه بأن يعذب من عصاه. فالغرض من خلق الإنسان ومن قضاء الله ومشيئته بتكليف الإنسان بالطاعة مختاراً هو الثواب الذي لا يستحق إلا بما يفعله المكلف باختياره. فليذوقوا العذاب خالدين منسيين فيه، كلام يقال لأهل النار (وهم هؤلاء المكذبون بالبعث) على سبيل التقريع والتوبيخ بسبب تكذيبهم به واستبعادهم وقوعه وتناسيهم له وتركهم العمل بما أمرهم الله به وأنذرهم بأنه مبتليهم بالعمل والاستعداد للحساب.
032.6.3.2.2- (15-17) من صفات المؤمنين وجزاؤهم يوم القيامة.
ذلك كان حال المكذبين أما المؤمنين فهم حال تذكيرهم ووعظهم بآيات الله يؤمنون ويسجدون ويسبحون ولا يستكبرون عن اتباعها والانقياد لها. بعكس ما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة.
يقول سبحانه إنما يصدق بحججنا وآيات كتابنا الذين إذا ذكروا بها ووعظوا استمعوا لها وأطاعوها قولا وفعلا. تتجافى جنوبهم عن المضاجع لتركهم النوم شغلا بالصلاة، يدعون ربهم خوفا من عقابه وطمعا في جزيل ثوابه ورحمته، ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله، وفي سبيله. فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد لما أخفوا أعمالهم كذلك أخفى الله لهم من الثواب جزاء وفاقا فإن الجزاء من جنس العمل.
032.6.3.2.3- الآيات (18-20) يبين لهم سبحانه مصيرهم ومأواهم الأخير في الآخرة، مقارناً نعيم المؤمنين بعذاب الكافرين:
أخبر تعالى عن عدله وكرمه وأنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمنا بآياته متبعا لرسله، بمن كان فاسقا أي خارجا عن طاعة ربه مكذبا لرسل الله إليه. أخبر عن مقر الفريقين: فللمؤمنين جنات المأوى، نزلا وضيافة. وأما الذين فسقوا وخرجوا عن الطاعة فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم تقريعا وتوبيخا ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون.
032.6.3.2.4- الآيات (21-22) صور من عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة:
الإنسان ظالم لنفسه يرى الآيات فيعرض عنها. فيذيقهم الله من العذاب في الدنيا لعلهم يرجعون فيتدبروا آياته قبل أن يأتي يوم لا رجوع فيه:
يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه. أو عذاب الدنيا بالأسر والجدب سنين والأمراض قبل عذاب الآخرة لعلهم يرجعون إلى الإيمان. فلا أظلم ممن ذكّره الله بآياته وبينها له ووضحها ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها كأنه لا يعرفها. ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام.
032.6.4- الآيات (23-27) ضرب ثلاثة من الأمثلة وهي: رسالة موسى عليه السلام على صدق الكتاب، وهلاك القرون على الجزاء في الدنيا، وإحياء الأرض بالماء على البعث والنعيم: (5 آيات)
ضرب الله لنا في هذه الآيات ثلاثة أمثلة: وهي قصة موسى عليه السلام وقد آتاه الله الكتاب هدى لبني إسرائيل، كما أوتي محمد صلى الله عليه وسلم القرآن، وقد جعل الكتاب من بني إسرائيل قدوة صالحة وهم الذين صبروا وأيقنوا بآيات الله، ثم أهلك المجرمين منهم. وقد أذاقهم من عذاب الدنيا قبل أن يذيقهم عذاب الآخرة، ويوم الحساب يفصل بينهم فيما اختلفوا فيه من أمور الدين والبعث والجزاء. كما ضرب لنا مثلاً بهلاك القرون الذين بقيت مساكنهم آيات لمن يأتي بعدهم. ومثلاً آخر من نزول المطر يحيي به الله الأرض فيعم الخير والنعيم على مخلوقاته.
032.6.4.1- الآيات (23-25) يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى التوراة، كما آتيناك الفرقان يا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا تكن في شك من لقاءه. وقد جعل الله موسى والتوراة هدى لبني إسرائيل، وجعل منهم أئمة يهدون إلى الحق لما صبروا وكانوا أهل يقين بما تبين لهم من الآيات والحق. إن ربك يا محمد صلى الله عليه وسلم هو يفصل بين جميع خلقه يوم القيامة فيما كانوا فيه في الدنيا يختلفون من أمور الدين والبعث والثواب والعقاب وغيره، فيقضي لأهل الحق الجنة، ولأهل الباطل النار.
032.6.4.2- الآية (26) لفت نظر الكافرين لمصارع السابقين.
تبين الآية سنة الخالق في إهلاك القرون من قبلهم، لعلهم يتعظوا وينزجروا. إن في ذهاب أولئك القوم الذين يمشون في بلادهم ومساكنهم، ودمارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل ونجاة من آمن بهم لآيات وعبرا ومواعظ ودلائل متناظرة أفلا يسمعون أخبارهم.
032.6.4.3- الآية (27) لفت نظرهم إلى آيات الله فيما حولهم. يجب أخذ العبرة من نعم الله:
أولم ير هؤلاء المكذبون بالبعث بعد الموت والنشر بعد الفناء، أنا بقدرتنا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها، فنخرج بذلك الماء الذي نسوقه إليها زرعا خضرا تأكل منه مواشيهم، وتغذى به أبدانهم وأجسامهم فيعيشون به. أفلا يرون ذلك بأعينهم، فيعلموا برؤيته له أن قدرة الله التي بها فعل ذلك لا يتعذر عليه أن يحيي بها الأموات وينشرهم من قبورهم، ويعيدهم بهيئاتهم التي كانوا بها قبل وفاتهم.
وبذلك تكون هذه الأمثلة قد سهلت فهم وأعادت تأكيد صدق الكتاب والبعث ومقدمات الجزاء في الدنيا كما يلي:
الآية (23) ولقد آتينا موسى التوراة، كما آتيناك الفرقان، كدليل على صدق التنزيل وأنه من سنن الله الثابتة لكل الأمم.
الآية (24) جعل الله منهم أئمة يهدون إلى الحق، دليل على توفيق الله المؤمنين في الدنيا كدليل ومقدمة لفوزهم في الآخرة.
الآية (25) الفصل يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، كدليل على ضرورة وجود حكم عدل وميزان عادل للفصل بين خلافات الناس ورد المظالم.
الآية (26) إهلاكنا القرون الخالية من قبلهم، دليل على أنه لن يفلت أحد من العقاب في الدنيا والآخرة.
الآية (27) أنا بقدرتنا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة فنحييها وكذلك نحيي الموتى.
032.6.5- خاتمة: الآيات (28-30) تلخص هذه الخاتمة الدرس المستفاد من السورة وهو أن الإنسان مبتلى بالإيمان بما في الكتاب من الحق الذي مفاده العمل وانتظار الجزاء يوم البعث. فعداد الزمن يحصي على الناس أيامهم وأرزاقهم وأنفاسهم المعدودة على الأرض التي ستنتهي قريباً. ولينتظر الجميع يوم البعث حيث الحساب والنبأ اليقين. (3 آيات)
032.6.5.1- الرد على استعجالهم العذاب: ويقولون متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم، يعنون العذاب إن كنتم صادقين في الذي تقولون من أنا معاقبون على تكذيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم، وعبادتنا الآلهة والأوثان. قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون، وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل.
032.6.5.2- النتيجة: أعرض عنهم ولينتظر الجميع فالحق قادم: يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله، القائلين لك: متى هذا الفتح، المستعجلين بالعذاب، وانتظر ما الله صانع بهم، إنهم منتظرون ما تعدهم من العذاب ومجيء الساعة يعني يوم القيامة.
032.7 الشكل العام وسياق السورة:
032.7.1- إسم السورة: سميت سورة السجدة لما ذكر تعالى فيها من أوصاف المؤمنين الأبرار الذين إذا سمعوا آيات القرآن العظيم {خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)}.
032.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:
تنقسم السورة من حيث موضوعات آياتها إلى ثلاثة أقسام متساوية في عدد آياتها تقريباً: الأول يتحدث عن أن الله أنزل الكتاب، وبين بالحجة والدليل على أنه من عنده. الثاني بين للناس أنهم مبعوثون ومحاسبون على أعمالهم. الثالث وفيه ثلاثة موضوعات تلخص حقيقة ما حصل من انقسام الناس إلى فئتين مكذبين ومؤمنين وتوعد الله للفئتين بالحساب والجزاء العادل في الدنيا والآخرة.
032.7.2.1- أنزل الكتاب وبين بالحجة والدليل على أنه من عنده:
مقصد السورة هو أن الناس مبعوثون ومحاسبون يوم القيامة: ولا بد لمعرفة البعث وما يحصل في الآخرة من نزول الكتاب، وأن يكون صادقاً غير مفترى، والآيات التالية تبين أن القرآن غير مفترى: (الآيات 1-2، 4-9، 23، 27) = 10 آيات.
أنه من رب العالمين. وهو الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما. وهو الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، عالم الغيب والشهادة العزير الرحيم، الذي أحسن كل شيء خلقه. جعل للناس السمع والأبصار والأفئدة. أنزل الكتاب على موسى. أخرج الزرع بالماء ليأكل الناس والأنعام، وهدى القلوب بالكتاب ليغذي الأرواح بما فيه من الهدى.
032.7.2.2- الناس مبعوثون ومحاسبون على أعمالهم:
سيبعث الله الناس يوم القيامة وسيحاسبهم على أعمالهم. ومن تفاصيل يوم الحساب التي ذكرتها السورة: أن المجرمون ناكسوا رؤوسهم خجلاً مما اقترفوه في الدنيا وسيطلبون من الله الرجوع إليها ليعملوا صالحاً. لكن لا رجوع فقد بين الله لهم في كتابه وفصل بأنهم محاسبون ووعدهم بالعدل في الجزاء من يعمل الصالحات يدخل الجنة ومن يعمل السيئات يدخل النار. وقد ذكّرهم بآياته وأذاقهم العذاب في الدنيا لعلهم يرجعون، فلم يتدبروا آياته ولم يعتبروا بإنذاراته بل أعرضوا عنها واستمرّوا على إجرامهم. (الآيات 12-14، 17، 19-22، 25، 29) = 10 آيات
032.7.2.3- لقد وعد الله الناس في كتابه بأنه ميتون ثم أنهم إليه راجعون ليحكم بينهم بالعدل، فلينتظروا جميعاً ليروا بأنفسهم صدق وعده. وانقسم الناس وهم المخاطبون بالقرآن إلى فئتين: فئة آمنت به وعملوا الصالحات بمقتضى أمره، وفئة شككوا وكذبوا بالكتاب والبعث. (الآيات 3، 10، 11، 15، 16، 18، 24، 26، 28، 30)
032.7.2.3.1- ماذا قال أو فعل الكافرون المشككون بالكتاب وبالبعث: قالوا إن القرآن مفترى، وشككوا بإعادة الخلق، وكذبوا بالبعث، واستعجلوا قدومه. (الآيات 3، 10، 28)
032.7.2.3.2- ماذا فعل المؤمنون بآيات الله ووعده: آمنوا بآيات الله وعظموها وأطاعوه فيما أمرهم به وسبحوه وحمدوه ودعوه خوفاً وطمعاً. فجعلهم الله أئمة يهدون الناس ودعاة إلى دينه بسبب صبرهم ويقينهم بالبعث. (الآيات 15، 16، 24)
032.7.2.3.3- ماذا قال الله أو توعد به الفئتين من حجج وبينات وإنذارات: أخبرهم بأن ملك الموت يقبض أرواحكم، ثم ترجعون إلى ربكم أحياء يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم. وأنه لن يتساوى عند الله المؤمن والفاسق. وقد بين سنته فيمن سبق من الأمم، فليتعظوا وينزجروا. ولينتظر الجميع ما وعدهم ربهم من البعث ومجيء الساعة للحساب فالحق قادم. (الآيات 11، 18، 26، 30)
032.7.3- سياق السورة وما حصل بسبب نزول الكتاب على الحقيقة وأرض الواقع:
032.7.3.1- الخالق جل جلاله: أنزل الكتاب للعالمين، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين بيوم البعث، أذاقهم من العذاب الأدنى لعلهم يرجعون، خلق السماوات والأرض وما بينهما فما لهم من دونه من ولي ولا شفيع، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، عالم السر والعلن، أحسن كل شيء خلقه، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وجعل يوماً للبعث والحساب ليقيم العدل بينهم، من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها، لا يستوي عنده المؤمن والفاسق، المؤمن في الجنة برحمته والفاسق في النار بعدله، ضرب لهم الأمثال وبين لهم ما فعل فيمن كان قبلهم من القرون، وبين لهم أن يوم القيامة هو يوم الفصل في الخلاف بينهم. أحيا الأرض بالماء وجعل لهم الزرع يأكلون منه وتأكل أنعامهم، وأراهم آياته ونعمه لكي يعلموا بعين بصيرتهم أن البعث حق وأن مصيرهم إلى الله حق هو الضار النافع مالك الملك بيده كل شيء.
032.7.3.2- المؤمنون: بالنسبة للمؤمنين فهذا كتاب حقائق، كتاب إنذار به يهتدون، إنّه دستور نجاة، وكتاب تذكرة، من أراد النجاة والسلامة عليه أن يخرّ ساجداً حمداً لله وشكراً لله لأنه أنزل الكتاب وبين له الطريق، الذين يريدون النجاة تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً من عقابه وطمعاً برحمته، وينفقون مما رزقهم رحمة بعباده لكي يرحمهم، يصبرون على دين الله يحملون الأمانة موقنون بلقاء ربهم وصدق وعده بأنهم إليه راجعون محاسبون على أعمالهم بالعدل، طامعين بما وعدهم به من النعيم مشفقون من النار، يستعدون لإرضائه ونيل رحماته، يوقنون بآياته لا يستكبرون عنها ولا عن مخلوقاته فهم أضعف من أن ينفعوا أو يضرّوا أنفسهم، ما لهم من ولي ولا شفيع غير الله، الخالق المدبر، يذيقهم العذاب في الدنيا لعلهم يرجعون، ويذكرهم بآياته فيتذكرون، أولئك لا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد.
032.7.3.3- المكذبون: أغواهم وغرر بهم عدوهم الشيطان فاتبعوا ضلالاته وزين لهم سوء أعمالهم فأعمى أبصارهم، بسبب الشيطان ونفس الإنسان الأمارة بالسوء (كما ذكر في السور الأخرى) عصى الإنسان ربه فترك الجنّة كاملة بأنهارها وقصورها وحدائقها لأجل شجرة واحدة. ولا يزال الإنسان يعصي، يقول عن كلام الله مفترى وهو الحق، ينكر البعث وهو الحق، زين له الشيطان سوء عمله يأتي المنكر وينهى عن المعروف، يشرب الخمر ويأكل الخنزير ويأكل الربا ويفسد في الأرض ويغيّر خلق الله، ويترك الشراب الحلال والأكل الحلال والتعاون بإنفاق المال وبذل المعروف وإعمار الأرض واتباع الفطرة. هذا الإنسان المجرم بحق نفسه وحق ربه مصيره الهلاك في الدنيا، وينتظره حساب عسير يوم البعث، يوم يرجع إلى ربه الذي سينتقم منه لفسقه وإجرامه وإفساده، يومئذ يطلب الرجوع إلى الدنيا ليعمل صالحاً فلا يستجاب له، لأنه لو عاد إلى الدنيا لنسي الآخرة ولعاد لما نهي عنه، فمأواه جهنم خالداً فيها.
032.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
032.7.4.1– آيات القصص: (3، 10، 23-26) = 6 آيات.
032.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (12) = 1 آية.
032.7.4.3- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (4-9، 27) = 7 آيات.
032.7.4.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1، 2، 11، 13-22، 28-30) = 16 آية.
032.7.5- ملخّص سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:
032.7.5.1- الدفاع عن القرآن والتأكيد على أنه الحق من عند الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وخلق الإنسان، والذي أحسن كل شيء خلقه، أنزل الكتاب ليكون للعالمين نذيراً.
032.7.5.2- تأكيد حقيقة البعث وتقديم الأدلّة والبراهين والحجج على أن الناس مبعوثون ليحاسبوا على أعمالهم ولإقامة العدل بينهم. فمن عمل صالحاً فاز بالجنة ومن عمل السيئات كبّ على وجهه في النار خالداً فيها.
032.7.5.3- انقسام الناس إلى فئتين مكذبين ومؤمنين وتوعد الله للفئتين بالحساب والجزاء العادل في الدنيا والآخرة.
تخاطب السورة الناس بأنّ الله خالق الكون والناس بأحسن ما يكون ومدبرهما. وتحاول بذلك جاهدة إزالة الشكوك حول صدق القرآن وحقيقة ما جاء به من خبر البعث. أخبرتهم أن هذا القرآن كلام الله سبحانه وتعالى أنزله ليخرجهم من الضلال والفسوق والنسيان إلى الهدى والإيمان والعمل الصالح (آية 18). وأن الساعة آتية وأنهم محاسبون على أعمالهم، فلينتظر هؤلاء المشككون، فإن الجميع منتظرون ما وعدهم ربهم من البعث ومجيء الساعة للحساب فالحق قادم {فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون (30)}.
من حسن صنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه: أنه يري الناس نتائج أعمالهم في الدنيا قبل أن يتيقنوها في الآخرة: فقد أنزل عليهم المطر وأخرج لهم الزرع وأكثر عليهم الأنعام حين آمنوا والتزموا بما دعاهم إليه من العبادة والإنفاق والتحلي بمكارم الأخلاق. وبنفس المقياس أهلك من قبلهم الكثير من القرون حين كذبوا واستكبروا عن عبادته ولم يلتزموا دينه. وهذا فيه بشارة بالخير للمؤمنين على حسن صنيعهم وإنذار بالهلاك للكفار على سوء أعمالهم. قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)} السجدة. أي العذاب الأدنى في الدنيا، والعذاب الأكبر في الآخرة.
032.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
032.8.1- بعد أن بينت سورة لقمان الحكمة التي ينطق بها هذا الكتاب، جاءت السجدة تستغرب ما يقولونه من أن محمد صلى الله عليه وسلم افتراه. إنه الحق لأنه كلام الحق صانع الكون ومدبره {الذي أحسن كل شيء خلقه (7)}.
032.8.2- سورة لقمان بينت فضل آيات الكتاب لاحتوائها على الحكمة التي معناها إصابة الحق وجعل الأشياء في نصابها، من ذلك أنها ذكرت صفات الله وأسمائه الحسنى التي تستحق الشكر لا الكفر، ومنه أنها دعت إلى عبادته واتباع دينه كما أمر وشكر آلاءه لأنه يستحق ذلك، ونهت عن الشرك به وفعل المنكرات ومخالفة أمره لأنها ظلم للمنعم خالق كل شيء ومليكه. سورة السجدة تدافع عن هذا الكتاب وتفند قولهم إنه مفترى، بل هو الحق لاحتوائه على الإنذار للناس لعلهم يهتدون فيسلمون ويفوزون، لأنهم إن لم يهتدوا فلن يسلموا من العذاب الأدنى هنا في الدنيا قبل العذاب الأكبر الحقيقي يوم البعث الذي استحقوه بظلمهم وعدم اتباعهم الحكمة التي في آيات الكتاب. على الناس أن يسجدوا لله شكراً على إنزال الكتاب يبين لهم ما هم مقبلون عليه من البعث والحساب. سورة الأحزاب تبين ثقل حمل الأمانة التي حملها الإنسان ظلماً لنفسه وجهلاً باختياره، بعد أن أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، هذه الأمانة التي تتطلب الالتزام بالأخلاق الكريمة والعبادات والذكر اختياراً، في وسط من الأعداء الألداء وهم شياطين الإنس والجان والنفس الذين تحزّبوا يعملون في الخفاء والعلن على إضلاله وغوايته وتمنيته لإهلاكه مستغلين حبه للشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وتقليد الآباء والأجداد (كما ذكر في السور الأخرى).
032.8.3- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه اتصالها بما قبلها أنها شرحت مفاتح الغيب الخمسة التي ذكرت في خاتمة لقمان فقوله هنا: {ثُمَ يعرج إِليهِ في يومٍ كانَ مقداره أَلف سنة مما تعدون} شرح لقوله هناك: {إِنَّ اللَهَ عِندهُ عِلمَ الساعة} ولذلك عقب هنا بقوله: {عالمِ الغيبَ والشِهادة} وقوله: {أَولَم يروا أَنّا نسوق الماء إِلى الأَرض الجرز} شرح لقوله: {ويُنزلُ الغيث} وقوله: {الذي أَحسنَ كل شيء خلقه} شرح لقوله: {ويعلَم ما في الأَرحام} وقوله: {يدبر الأَمر من السماء إِلى الأرض} و {ولو شئنا لآتينا كل نفسٍ هُداها} شرح لقوله: {وما تَدري نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً} وقوله: {أَئذا ضللنا في الأرض} إلى قوله: {قُل يتوفاكُم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم مرجعكُم} شرح لقوله: {وما تَدري نفسٌ بأَي أَرض تموت}.
032.8.4- وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير: لما انطوت سورة الروم على ما قد أشير إليه من التنبيه بعجائب ما أودعه سبحانه في عالم السماوات والأرض، وعلى ذكر الفطرة، ثم أتبعت بسورة لقمان تعريفاً بأن مجموع تلك الشواهد من آيات الكتاب وشواهده ودلائله، وأنه قد هدى من شاء إلى سبيل الفطرة وإن لم يمتحنه بما امتحن به كثيراً ممن ذكر، فلم يغن عنه ودعي فلم يجب، وتكررت عليه الإنذارات فلم يصغ لها لأن كل ذلك من الهدى والضلال واقع بمشيئته وسابق إرادته، واتبع سبحانه ذلك بما ينبه المعتبر على صحته فقال: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى (22)} لقمان، فأعلم سبحانه أن الخلاص والسعادة في الاستسلام له ولما يقع من أحكامه، وعزى نبيه صلى الله عليه وسلم وصبره بقوله {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ (23)} لقمان، ثم ذكر تعالى لجأ الكل قهراً ورجوعاً بحاكم اضطرارهم لوضوح الأمر إليه تعالى فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)} لقمان، ثم وعظ تعالى الكل بقوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ (28)} لقمان، أي إن ذلك لا يشق عليه سبحانه وتعالى ولا يصعب، والقليل والكثير سواء، ثم نبه بما بين ذلك من إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل وجريان الفلك بنعمته {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ (30)} لقمان، ثم أكد ما تقدم من رجوعهم في الشدائد إليه فقال: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (32)} لقمان، فإذا خلصهم سبحانه ونجاهم عادوا إلى سيء أحوالهم، هذا وقد عاينوا رفقه بهم وأخذه عند الشدائد بأيديهم وقد اعترفوا بأنه خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر، وذلك شاهد من حالهم بجريانهم على ما قدر لهم ووقوفهم عند حدود السوابق {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى (22)} لقمان، ثم عطف سبحانه على الجميع فدعاهم إلى تقواه، وحذرهم يوم المعاد وشدته، وحذرهم من الاغترار، وأعلمهم أنه المتفرد بعلم الساعة، وإنزال الغيث، وعلم ما في الأرحام، وما يقع من المكتسبات، وحيث يموت كل من المخلوقات، فلما كانت سورة لقمان – بما بين من مضمنها – محتوية من التنبيه والتحريك على ما ذكر، ومعلمة بانفراده سبحانه بخلق الكل وملكهم، اتبعها تعالى بما يحكم بتسجيل صحة الكتاب، وأنه من عنده وأن ما انطوى عليه من الدلائل والبراهين يرفع كل ريب، ويزيل كل شك، فقال: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (3)} أي أيقع منهم هذا بعد وضوحه وجلاء وشواهده، ثم أتبع ذلك بقوله: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ (4)} وهو تمام لقوله {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ (22)} لقمان، ولقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)} لقمان، ولقوله {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (32)} لقمان، ولقوله {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)} بما ذكرتم، ألا ترون أمر لقمان وهدايته بمجرد دليل فطرته، فما لكم بعد التذكير وتقريع الزواجر وترادف الدلائل وتعاقب الآيات تتوقفون عن السلوك إلى ربكم وقد أقررتم بأنه خالقكم، ولجأتم إليه عند احتياجكم؟ ثم أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم برجوع من عاند وإجابته حين لا ينفعه رجوع، ولا تغني عنه إجابة، فقال: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ (12)} ثم أعلم سبحانه أن الواقع منهم إنما هو بإرادته وسابق من حكمه، ليأخذ الموفق الموقن نفسه بالتسليم فقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا (13)} كما فعلنا بلقمان ومن أردنا توفيقه، ثم ذكر انقسامهم بحسب السوابق فقال: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)} ثم ذكر مصير الفريقين ومآل الحزبين، ثم أتبع ذلك بسوء حال من ذكر فأعرض فقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا (22)} وتعلق الكلام إلى آخر السورة – انتهى.