العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
055.0 سورة الرحمن
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
055.1 التعريف بالسورة:
1) سورة مكّيه. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 78 آية. 4) الخامسة والخمسون من حيث الترتيب في المصحف. 5) الخامسة والخمسون أيضاً حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “الرعد”. 6) أسماء أخرى للسورة: وسمّيت أيضاً في حديث عروس القرآن. أخرجه البيهقي عن عليّ مرفوعاً.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: رب 36 مرّه؛ خلق 3 مرّات؛ (2 مرّة): ذو/ذي الجلال، الإكرام، يُعَلّم؛ (1 مرّة): الرحمن، هو. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الآيات والكلمات التالية: الآية {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} 31 مرة، تنفذوا 3؛ (2 مرّة): ذو/ذي الجلال والإكرام، المرجان، يطمثهن؛ (1 مرّة): الأنام، مارج، كالفخار، الثقلان، شواظ، نحاس، الياقوت، الدهان، أفنان، مدهامتان، نضّاختان، عبقري، رفرف، فان، وردة.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: يكذب 32 مرّة، آلاء 31 مرّة (من أصل 34 مرّة في القرآن)، جانّ 5 مرّات، الميزان 3 مرّات.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: سماء 4 مرّات؛ (3 مرّات): أرض، جنتان؛ (2 مرّة): علّم، إنسان، الإحسان، حِسان، نار؛ (1 مرّة): أكمام، العصف، الريحان، صلصال، برزخ، أعلام، آن، استبرق، رمان، مشرقين، مغربين، الجوار، معشر.
055.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج أحمد وابن مردويه بسند حسن عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون {فبأيّ آلاء ربكما تكذبان}.
وأخرج الترمذي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: مالي أراكم سكوتاً لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله {فبأيّ آلاء ربكما تكذبان} قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد”.
055.3 وقت ومناسبة نزولها:
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله سيمنعني. قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} رافعاً بها صوته {الرحمن علّم القرآن} قال: ثم استقبلها يقرؤها. قال: فتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلوا بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غداً، قالوا: لا حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون. (تاريخ ابن هشام، الجزء الأول)
موضوع السورة يحمل شبهاً كبيراً وأقرب للسور المكية منه للسور المدنيّة. عدا أنه يبدوا أنها تعود إلى بدايات العهد المكّي، كما تؤكده حادثة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بمكّة وجهره بالقرآن المذكورة في تاريخ ابن هشام. وحديث أسماء دليل على تقدم نزولها على سورة الحجر.
وموضوعها يؤكّد أنها جاءت في مرحلة مبكرة من بدئ النبوّة، هي مرحلة كانت المشكلة الرئيسيّة فيها هي تكذيب ما جاء في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
055.4.1- مقصدها هو تعداد آلاء ونعم الله الرحمن على الإنسان (والجان) في الدنيا وفي الآخرة، وأعظمها نعمة تنزيل القرآن وتعليمه، الذي بصّر به أنه خلقهم ليرحمهم ويرزقهم من الطيّبات ويكرمهم بطاعته واتباع دينه الإسلام (وهي آلاء تستوجب الحمد لا التكذيب). والإنكار عليهم أنهم إن كذّبوا بآلاء الله التي عددها وكفروا بها ولم يطيعوا وظلموا أنفسهم وأفسدوا (أي قابلوا الآلاء الصادقة والإحسان بالتكذيب والإساءة) عوقبوا على قدر ظلمهم وإفسادهم.
055.4.2- مقصدها نجده في مطلعها في الآيات (1-2) والتي تشير إلى جماع آلاء الله على الإنسان، وهي خلقه وتعليمه القرآن والبيان، وإقامة الوجود بالعدل بالميزان والأسباب، وسخر له كل ما يحقق له سعادته ويحفظ له حياته.
وفيها تعداد آلاء ونعم الله الرحمن، على الإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وأعظمها نعمة تنزيل القرآن وتعليمه، فبصّر به أنه خلقهم ليرحمهم ويرزقهم من الطيّبات ويكرمهم بطاعته واتباع دينه الإسلام، (وهي آلاء تستوجب الحمد لا التكذيب). فإن كذّبوا بآلائه وظلموا أنفسهم وأفسدوا، عوقبوا على قدر ظلمهم وإفسادهم.
055.4.3- وقال الإمام البقاعي: مقصودها الدلالة على ما ختمت به سورة القمر من عظيم الملك وتمام الاقتدار بعموم رحمته وسبقها لغضبه، المدلول عليه بكمال علمه، اللازم عنه شمول قدرته، المدلول عليه بتفصيل عجائب مخلوقاته وبدائع مصنوعاته في أسلوب التذكير بنعمائه، والامتنان بجزيل آلائه، على وجه منتج للعلم بإحاطته بجميع أوصاف الكمال، فمقصودها بالذات إثبات الاتصاف بعموم الرحمة ترغيباً في إنعامه وإحسانه، وترهيباً من انتقامه بقطع مزيد امتنانه، وعلى ذلك دل اسمها الرحمن لأنه العام الامتنان واسمها عروس القرآن واضح البيان في ذلك، لأنها الحاوية لما فيه من حلي وحلل، وجواهر وكلل، والعروس بجميع النعم والجمال، والبهجة من نوعها والكمال.
055.4.4- وقال مجد الدين الفيروزابادي: معظم مقصود السورة هو: المِنَّة على الخَلْق بتعليم القرآن، وتلقين البيان، وأَمر الخلائق بالعدل في الميزان، والمنَّة عليهم بالعَصْف والرّيحان، وبيان عجائب القدرة في طِينة الإِنسان، وبدائع البحر، وعجائبها: من استخراج اللؤلؤ والمَرْجان، وإِجرَاءِ الفُلْك على وجه الماءِ أَبدع جريان، وفناءِ الخَلْق وبقاءِ الرّحمن، وقضاءِ حاجات المحتاجين، وأَن لا نجاة للعبد من الله إِلاَّ بحجّة وبرهان، وقهره الخلائق في القيامة بلهيب النَّار والدُّخَان، وسؤال أَهل الطاعة والعصيان، وطَوْف الكفار في الجحيم، ودلال المؤمنين في نعيم الجنان. ومكافأة أَهل الإِحسان بالإِحسان، ونشاط المؤمنين بأَزواجهم من الحور الحِسان، وتقلبهم ورَودهم في رياض الرضوان، على بساط الشاذَرْوان، وخطبة جلال الحقِّ على لسان أَهل التوحيد والإِيمان بقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ}.
055.5 ملخص موضوع السورة:
نزلت في بداية الدعوة العلنية إلى الإسلام، وكانت أوّل سورة جُهر بقراءتها عند الكعبة، وافتتحت بالاسم “الرحمن” من بين الأسماء ليُعلم أنّ جميع ما في السورة خرج برحمته، واستهلّت بذكر ثماني نِعم في إشارة وتأكيد على أن الرحمن ما خلقهم إلا لينعموا، فبدأت بأعظمها: باسمه {الرَّحْمَنُ}، ثمّ {عَلَّمَ الْقُرْآَنَ}، ثمّ {خَلَقَ الْإِنْسَانَ}، ثمّ {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، ثمّ حسبان الشمس والقمر، ثمّ سجود الأشياء من نجم وشجر، ثمّ رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل، ثمّ وضع الأرض للأنام (وهما الجن والإنس)، فهي ثماني آلاء ونعم عظيمة بعدد حملة العرش الثمانية وأبواب الجنّة الثمانية، تلاها السؤال: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)}، وقد تكرر هذا السؤال إحدى وثلاثين مرة: ثمانية منها ذكرت عقب تعداد آلائه وبديع صنعه ومبدأ الخلق ومعاده، تلاها سبعة عقب الوعيد ووصف العقاب في جهنّم بعدد أبواب جهنم، تلاها ثمانية في وصف الجنتين وأهلها بعدد أبواب الجنة، تلاها ثمانية أخرى في وصف الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأوليين.
وتضمنت ثلاث مجموعات من الآيات تتحدّث عن ثلاث مراحل تمرّ بها حياة الإنسان وفي كل مرحلة يُظهر فيها سبحانه عظيم آلاءه على الإنسان (والجان)، كما يلي:
(الآيات 1-13) آلاء الله قبل خلق الإنسان: معرفة اسمه الرحمن، علّم القرآن، خلق الإنسان، علّمه البيان، {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)} معلوم، {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} طاعة وعبادة، {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)} وهو العدل، ووضع الأرض مهدها للخلق لكي يستقروا عليها؛ رحمة منه من غير منفعة ولا حاجة، ومن غير سابق فضل منهم قدّموه أو فعلوه، فكذّبوا وأشركوا وجحدوا، فسألهم تنبيهاً {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} ليقرّوا فيحمدوا ويشكروا ويعبدوا، وذلك لمصلحتهم، فلم يحيروا جواباً بل أصرّ أكثرهم على التكذيب، وهي أكثر سورة تكررت فيها كلمة تكذيب (32 مرّة)، وكلمة آلاء بمعنى نِعَم (31 مرّة).
(الآيات 14-36) آلاء الله بعد خلق الإنسان: خلق الإنسان من صلصال، وخلق الجان من نار، رب المشرقين والمغربين. مرج البحرين يلتقيان، يخرج منهما اللؤلؤ والمَرْجان، وله السفن الضخمة في البحر. كل من على الأرض فان، إلا وجهه ذو العظمة والكبرياء والإكرام. يسأله مَن في السماوات والأرض حاجاتهم، كل يوم هو في شأن يعطي ويَمْنع، سيفرُغ لحسابكم ومجازاتكم أيها الثقلان، فلا مهرب ولا ناصر لكم.
(الآيات 37-78) آلاء الله في الآخرة: ستنشق السماء، ويقرأ كلّ ويعلم مصيره بنفسه، فتعرف الملائكة المجرمين بعلاماتهم، فتأخذهم فترميهم في النار. ولمن خاف مقام ربّه جنتان: ذواتا أغصان، فيهما عينان تجريان، ومن كل فاكهة زوجان. متكئين على فرش وثمرهما قريب إليهم، فيهن زوجات كأنهن الياقوتُ والمَرْجان؛ هل جزاء مَن أحسن بعمله في الدنيا إلا الإحسان إليه بالجنة في الآخرة؟ ومن دون الجنتين السابقتين جنتان أخريان: خضراوان، فيهما عينان وفواكه ونخل ورمان، وفيهما زوجات طيبات الأخلاق حسان، متكئين على وسائد خضر وفرش حسان. تكاثرت بركة اسم ربك وكثر خيره، ذو الجلال الباهر، والمجد الكامل، والإكرام لأوليائه.
الحمد والشكر للرحمن تباركت أسماؤه وترادفت آلاؤه ونعماؤه، ونسأله المزيد ودوام نعمته ورحمته وفضله وإحسانه.
055.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
باعتبار ترتيب آيات السورة نجد أنها تتحدّث عن ثلاثة مراحل تمرّ بها حياة الإنسان وفي كل مرحلة يُظهر فيها سبحانه عظيم آلاءه ونعمه على الإنسان:
055.6.1- المرحلة الأولى قبل خلق الإنسان والتي لم يكن يدري الإنسان ماذا يُهيّأ له فيها (لذلك ذكرت آية الآلاء في نهايتها ولم تكرر بين آياتها). الآيات (1-13) = 13 آية
في هذه الآيات يخبر الله الرحمن عن نفسه: أنه الرحمان وأنه علّم القرآن (والقرآن هو كلام الله المنزل، يقول إذا شاء)، ثم يأتي بعده أنه خلق الإنسان (بصفاته وإمكانياته وواجباته وخياراته وماضيه وحاضره ومستقبله ومصيره وغيرها المذكورة في القرآن)، ثم يتبعه أنه علّمه البيان تمييزاً له عن غيره، ولكي يعرف ربه ويعبده وحده؛ وفي القرآن (كلام الله المنزل) عن المخلوقات أيضاً، بأن من صفاتها وواجباتها، إلخ، المذكورة في السورة: أن الشمس والقمر يجريان بحساب متقن، والنجم الذي في السماء وأشجار الأرض، تعرف ربها وتسجد له، وتنقاد لما سخرَّها له مِن مصالح عباده ومنافعهم. والسماء رفعها فوق الأرض، ووضع في الأرض العدل الذي أمر به وشرعه لعباده. لئلا تعتدوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالعدل، ولا تُنْقِصوا الميزان. والأرض وضعها ومهَّدها؛ ليستقر عليها الخلق. فيها فاكهة النخل ذات الأكمام، وفيها الحب ذو القشر، والنبات الطيب الرائحة؛ رزقاً لكم ولأنعامكم. فبأي نِعَم ربكما الدينية والدنيوية – يا معشر الجن والإنس – تكذِّبان؟
وينبغي على العبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه، أن يُقرَّ بها، ويشكر الله ويحمده عليها. وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة، فكلما مر بهذه الآية، قالوا: “ولا بشيء من آلائك ربَّنا نكذب، فلك الحمد”.
055.6.2- مرحلة الاختبار والخلق الحقيقي: وسير المخلوقات كما علمها الله وفطرها على الأوامر والنواهي الموجودة في القرآن، بمن فهم الإنسان والجان (المخيّران) على الأسباب وحفظ الله للوجود مع بيان أن هذه الحياة فانية ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. الآيات (14-36) = 23 آية
إن خلق الله للإنسان هو نعمة عظيمة يعرف قيمتها كل إنسان ونعلمها نحن من حرص كل إنسان على حياته، ثم إن الإنسان إذا أطاع الله وما علّمه الله إيّاه في القرآن فقد حاز رضى الله الذي هو رب المشرقين والمغربين ورب كل شيء يحتاج إليه الإنسان وبالتالي سيغدق عليه الله من نعيمه (كما جاء في القرآن، وكما رأيناه من قصص الأقوام الذين سبقونا) وكذلك يستطيع الإنسان أن يدعوا الله ويسأله تحقيق كل حاجياته والله سبحانه سيستجيب كما وعد. فينبغي على الإنسان أن يقرّ بهذه النعم التي أنعم عليها به في الدنيا. أمّا من جحد آلاء الله وكذب فقد خسر في الدنيا وسوف يخسر عند الحساب في الآخرة.
055.6.3- مرحلة الحياة الآخرة: وجزاء كل عامل بما عمل وما قدّمه للحياة الحقيقية الخالدة في الآخرة إما الجنة أو النار. وهذه الحياة هي النعمة التي ما بعدها نعمة فيقام ميزان العدل ويرفع الظلم، ويجازى كل مسيء على قدر إساءته وكل محسن على قدر إحسانه، درجات بعضهم فوق بعض، بعضهم مُقِل وبعضهم مُكثر. الآيات (37-78) = 42 آية
055.6.3.1- الآيات (37-40) تتحدّث عن قيام الساعة، فإذا انشقت السماء وتفطرت يوم القيامة، فكانت حمراء كلون الورد والزيت المغلي، ففي ذلك اليوم لا تسأل الملائكة المجرمين من الإنس والجن عن ذنوبهم، لأن كل إنسان أو جان سيعلم بنفسه ما اقترفت يداه إن كان خيراً أو شراً، يجده مكتوب عنده في كتابه.
055.6.3.2- الآيات (41-45) يعرف المجرمون بعلاماتهم فيؤخذون من نواصيهم وأقدامهم إلى النار. يقال لهم توبيخاً هذه جهنم التي يكذِّب بها المجرمون في الدنيا: تارة يُعذَّبون في الجحيم، وتارة يُسقون من الحميم.
055.6.3.3- الآيات (46-78) المتقون لهم جنتان فيهما عينان تجريان، وفيهما من كل فاكهة زوجان، متكئين على الفرش، وفيهما الحور العين كأنهن الياقوت والمرجان، وفيهما الكثير من المحاسن والوصف العجيب الذي ذكرته هذه الآيات ويعجز عن استيعاب عظمته الخيال.
055.7 الشكل العام وسياق السورة:
055.7.1- إسم السورة “الرحمن” وهو إسم من أسماء الله الحسنى، وهو أوَل كلمة في السورة إشعاراً بأن ما سيأتي بعدها هو من رحمته بمخلوقاته، وهو حقاً كذلك إذ أن السورة تبيّن وتعدد آلاء {الرحمن} على الإنسان (والجان بالضرورة لأنه مكلّف كالإنسان)، فتعددها عليه: قبل أن يخلق، وبعد أن خلق مرّتين في الدارين الدنيا والآخرة.
تعدد الآيات الأربعة الأولى (1-4) من السورة ما ميّز الله به الإنسان على سائر مخلوقاته، وهو تعليم القرآن، وهو المنّة الكبرى على الإنسان. تسبق في الذكر خلق الإنسان ذاته وتعليمه البيان. دلالة على أنّ الإنسان ما خلق إلا للعبادة، كما جاء بيانه في القرآن: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)} سورة الذاريات.
هذه السورة الوحيدة التي يذكر فيها في مكان واحد أن الجن أعطوا حرّية اختيار أعمالهم وتدبُّر آلاء الله كما أعطي الإنسان، وأن القرآن أنزل عليهما معاً {يا معشر الجن والإنس (33)} {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان (39)}. وهي المكان الوحيد الذي يذكر فيه وجود جنتان ضمن الجنّة الكبيرة {ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)}.
وحول موضوع العبادة: راجع (002.6) بعض التفاصيل عن موضوع سورة البقرة؛ راجع سورة هود (011.5) التي تبيّن وجوب العبادة لله وحده {ألا تعبدوا إلا الله (2)}، والتوكل عليه في كل شيء {فاعبده وتوكّل عليه (123)}، ووجوب العمل ابتلاءاً {ليبلوكم أيّكم أحسن عملا (7)}، وتبين أن العبادة لله وَحدَه كانت مضمون كل الرسالات والكتب المرسلة إلى الأمم؛ انظر كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: المبحث رقم 6.2.1: أولاً: التعريف بالله الرحمن الرحيم وبالإنسان الذي خلقه الله برحمته ودين الله دين الرحمة للإنسان.
055.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:
احتوت السورة على أربعة موضوعات تتحدث عن آلاء ونعم الرحمان على الإنسان وهي:
– أنه علّمه القرآن والبيان، علّمه القرآن في أصل خلقته وفطرته فيعرف به المعروف وينكر المنكر، وكونه مختار لأفعاله علّمه البيان ينطق ويبين ما يريده، فبنور القرآن يرى الصراط المستقيم الذي به فوزه وسعادته، وبالبيان يظهر ما يشاء أن يظهره من مراده تبعاً لاختياره. 12 آية.
– أنه أوجده على الدنيا وسخر له كل ما فيها وجعله مختاراً لأفعاله ضمن حدود قدر الله وأسباب الحق فلا يتعدى إلى الباطل حتى لا يتعرّض للعقاب. 13 آية
– أنه جعل له اليوم الآخر مقرّاً للسعادة الأبدية أو الشقاء الأبدي كل إنسان بما عمل أو كسبته يداه في حياته الدنيا وبما اختاره لنفسه. 22 آية
– أنه في هذه الدنيا وقبل فوات الأوان يكرر لهم الرحمان (طرداً للغفلة تأكيداً للحجّة) مرّات ومرّات أنهم في نعيم وآلاء عظيمة (يعيشونها بأجسامهم وقلوبهم وعقولهم) فلا يكذبوا فيهلكوا بلا سبب سوى عدم قبول الحق ونكران النعمة واحتقار الناس تكبراً بالنعمة ذاتها. 31 آية
055.7.2.1- الآيات (1-12) آلاء ونعم الرحمان على الإنسان أنه علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان: مقصد خلق الإنسان. 12 آية.
ابتدأ سبحانه السورة بصفة الرحمن وأنه علّم القرآن، هكذا كما ذكرت السورة أنه علّم القرآن الذي هو كلامه قبل أن يخلق الإنسان، وكل ما في الوجود سائر على كلامه هذا وعلى ما يرضيه ولا يجرؤ أحد أن يقترب مما يسخط الرحمان، وهذا كلّه مذكور في القرآن، وهو أيضاً ملخّص في هذه السورة، ما عدا الثقلان اللذان خلقهما الله مختاران لأفعالهما بين الطاعة أو المعصية. وهي إشارة إلى أن تعليم هذا القرآن ما هو إلا رحمة من الله لمن يريد أن يرحمه من مخلوقاته. ففيه كل الأوامر والنواهي والأنباء والقصص والبشائر والنذر التي تهدي المخلوق إلى أصل فطرته وتوجهه إلى ما فيه الخير له والسعادة في الدنيا والآخرة. فكل ما في القرآن هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، وفي قوله علّم القرآن إشارة إلى أن الله علّم مخلوقاته الأشياء الحقيقية الجميلة التي يريده منها أن تفعلها، وهي اتباع الحق والصراط المستقيم المذكور في القرآن وهو ذكره وشكره وحسن عبادته، وعلّمها الأشياء القبيحة أو المنكرة التي يريده منها ألا تفعلها، وهي اجتناب المعاصي وعدم الشرك بالله، فيصلح بذلك حال الخلق كلّه.
وبعد ذكر أن الله علّم القرآن لأنه رحمان، ذكر أنه خلق الإنسان وعلّمه البيان، وذلك لأن الله ميّز خلق الإنسان (كذلك الجان) عن باقي مخلوقاته بأن جعله كائن مختار لأفعاله، فلا بد من البيان يعبّر به عما في ضميره بالنطق والكتابة والإشارة وغيرها من وسائل التعبير، كذلك فيفهم مقاصد الغير وتوجهاتهم، ويتعارف عليهم، ويتفاهم معهم على الاتفاق على تحقيق المصالح المشتركة وعدم تضارب الخيارات، وعلى كيفيّة التعاون من أجل عمارة الأرض وتبادل المعلومات والمعارف وإقامة العبادات والشعائر والحدود وغيرها، والقرآن هو كلام الله للإنسان وحبله المتين من تمسّك به نجا من المهالك، يعلّمه فيه المقصد من خلقه ويبين له الصراط المستقيم الذي إذا سار عليه فاز فوزاً عظيماً في الدنيا والآخرة، وإذا انحرف عنه خسر خسراناً مبيناً في الدنيا والآخرة. وبه تصلح الحياة فتصير بديعة كما يريدها الله بتقديره لا كما يريدها الإنسان بهواه.
وهذه الآلاء التي ذكرتها الآيات كلها نعم عظيمة أكرمه بها الله وحازها الإنسان بدون سابق فضل تفضله أو عمل عمله، وهذه الأشياء هي غاية وأغلى ما يتمناه ويدركه المرء ليعيش على هذه الأرض، في غاية السعادة وهي:
055.7.2.1.1- أعطاه الله العلم (علم القرآن وعلم البيان): ولا يخفى على أحد أهميته وضرورته في الحياة، ولا قيمة للإنسان بدون العلم، إذ به تختار وتتميز كل الأشياء، والعلم مكانه العقل، الذي نقيضه الجنون.
055.7.2.1.2- الميزان (وهو معرفة قدر الله وخلقه للأسباب وفطرته للأشياء) الذي يستطيع به التمييز بين الحق والباطل، وهو والعدل والأخذ بالأسباب، الذي تحفظ فيه الحقوق وتتساوى، وتعرف به الحدود والمسئوليات.
055.7.2.1.3- السكن على الأرض (وقد سخر له كل شيء ضروري لحياته): ومتطلبات المعيشة، التي تتحقق بها الشهوات ونعيم الدنيا.
بهذه الثلاثة نعم يحقق الإنسان ذاته بكل سعادة وحرّية واختيار يميز فيه بين المحرّم لأنه حق الغير، وبين المباح الذي هو من حقه.
ومن الأشياء التي سخرها للإنسان: الشمس والقمر يجريان بحساب متقن يتعلمه الإنسان تجري به الأيام والفصول والسنوات، وينطق به، والنجم في السماء والأشجار في الأرض تطيع ربها وتنقاد لما سخرها له من مصالح العباد ومنافعهم.
055.7.2.2- الآيات (14، 15، 17، 19، 20، 22، 24، 26، 27، 29، 31، 33، 35) آلاء الله ونعمه على الإنسان في أنه خلقه من صلصال (وخلق الجان من نار)، وسخّر له كل ما حوله وجعله مختاراً يختار إمّا طاعة الله واتباع الحق، أو المعصية واتباع الباطل، ثم بعد ذلك ينال جزاء عمله يوم القيامة حيث العدل المطلق الذي يجازى فيه من أراد لنفسه النجاة النجاة ولمن أراد لنفسه الهلاك الهلاك، فالحياة الآخرة هي من أعظم النعم على الإنسان يكافأ فيها كل عامل على مقدار عمله، فلا يعقل أن يتساوى المطيع لله الذي سعى في عمارة الأرض والحفاظ على الحياة مع العاصي المفسد في الأرض الذي يسفك الدماء. 13 آية.
فهذه الدنيا جعلها الله دار عمل: فذكر أنه وضع الأرض ومهَّدها، ليستقر عليها الخلق، فيها فواكه ونخل وحب وريحان لمعيشتهم. تبين الآيات أن الله خلق الإنسان (وخلق الجان) برحمته فالإنسان حتماً (في علم الله) محتاج للحياة سيحبها وسيسعد في كونه حيّاً مختاراً لأفعاله في حياته، فوهبه الحياة لكن بدون تجاوز للحدود التي علّمها إياه بكلامه القرآن، عليه أن يلتزم بالنظام وميزان الحياة ويحترم الحق وسنن الكون. فالله رب المشرقين والمغربين وضع لهما نظامهما المتكامل ولا يلتقيان لأنهما نقيضان متقابلان، ومرج البحرين يلتقيان لكن جعل بينهما حاجز لا يطغى أحدهما على الآخر. ويخرج من البحرين بقدرة الله اللؤلؤ والمَرْجان، وله سبحانه السفن الضخمة التي تجري في البحر بمنافع الناس. فالله لم يخلق الكون ثم تركه، بل يدبّر أمره بل في كل يوم هو في شأن يُعز ويُذل، ويعطي ويَمْنع. بل سيفني سبحانه وتعالى هذا الوجود كما خلقه أول مرّة ولن يبقى بعد ذلك إلا وجهه ذو العظمة والكبرياء والفضل والجود. يسأله مَن في السماوات والأرض حاجاتهم، فلا غنى لأحد منهم عنه سبحانه. كل يوم هو في شأن يعطي ويَمْنع.
سيفرُغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكما التي عملتموهما في الدنيا، أيها الثقلان (الإنس والجن) فيعاقب أهل المعاصي، ويُثيب أهل الطاعة. ولستم قادرين على النفاذ من أمر الله وحكمه هاربين من أطراف السماوات والأرض إلا بقوة وحجة، وأمر من الله تعالى، فلا ينصر بعضكم بعضاً أيها الجن والإنس.
055.7.2.3- الآيات (37، 39، 41، 43، 44، 46، 48، 50، 52، 54، 56، 58، 60، 62، 64، 66، 68، 70، 72، 74، 76، 78) المصير النهائي: لقد قضى الرحمان أن يخلق الإنسان والجان وكل الأشياء التي نعلمها والتي لا نعلمها، وقدّر مقاديرها بعدله وسيّرها برحمته وله كل شيء فيها، وأراد أن يبتلي الثقلان ويسجل عليهما أعمالهما فيها، ثم سيفنيها كما خلقها أول مرّة، ولن يبقى إلا وجهه ذو الجلال والإكرام، ثم يعيد خلقها خلقاً آخر، يحاسب فيه الثقلان ويستقر كلّ إلى مصيره النهائي. 22 آية.
جعل الله للإنسان حياتين، الأولى في الدنيا يختبره فيها ويقيم عليه الحجة بأعماله يحصيها عليه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ثم ينال عليها الجزاء في الآخرة فإما الجنة أو النار، بمعنى أن كل عامل يُجزى بما يستحق من الثواب أو العقاب حسب ما اختاره هو لنفسه من الطاعة أو المعصية كما شرحناه أعلاه، الثانية في الحياة الآخرة التي يظهر بها من كان على الحق ومن كان على الباطل، وهو ما تبينه هذه المجموعة من الآيات من المصير النهائي للناس، وذلك من أعظم النعم التي يشمل فيها العدل الإلهي جميع المخلوقات، كما يلي:
055.7.2.3.1- يذكر سبحانه بأن السماء سوف تنشق فتصير وردة كالدهان، وفي ذلك الوقت كلّ يقرأ ويعلم مصيره بنفسه، فلا تسأل الملائكة المجرمين من الإنس والجن عن ذنوبهم.
055.7.2.3.2- أمّا المجرمون فتعرفهم الملائكة بعلاماتهم، فتأخذهم بمقدمة رؤوسهم وبأقدامهم، فترميهم في النار. يقال لهم (توبيخاً وتحقيراً لهم): هذه جهنم التي يكذِّب بها المجرمون، تارة يُعذَّبون في الجحيم، وتارة يُسقون من الحميم.
055.7.2.3.3- ولمن اتقى الله من عباده من الإنس والجن، فخاف مقامه بين يديه، فأطاعه، وترك معاصيه، جنتان: الجنتان ذواتا أغصان نضرة من الفواكه والثمار. فيهما عينان من الماء تجريان خلالهما، وفيهما من كل نوع من الفواكه صنفان، متكئين على فرش مبطَّنة من غليظ الديباج، وثمر الجنتين قريب إليهم، فيهن زوجات قاصرات أبصارهن على أزواجهن، لم يطأهن إنس قبلهم ولا جان، كأن هؤلاء الزوجاتِ من الحور الياقوتُ والمَرْجانُ في صفائهن وجمالهن. هل جزاء مَن أحسن بعمله في الدنيا إلا الإحسان إليه بالجنة في الآخرة؟
ومن دون الجنتين السابقتين جنتان أخريان: الجنتان خضراوان، قد اشتدَّت خضرتهما حتى مالت إلى السواد، فيهما عينان فوَّارتان بالماء لا تنقطعان، وفيهما أنواع الفواكه ونخل ورمان. فيهما زوجات طيبات الأخلاق حسان الوجوه، حور مستورات مصونات في الخيام، لم يطأ هؤلاء الحور إنس قبل أزواجهن ولا جان، متكئين على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان.
تكاثرت بركة اسم ربك وكثر خيره، ذي الجلال الباهر، والمجد الكامل، والإكرام لأوليائه.
055.7.2.4- تكرار الآية: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (طرداً للغفلة وتأكيداً للحجّة) مرّات ومرّات أنهم في نعيم وآلاء عظيمة (يعيشونها بأجسامهم وقلوبهم وعقولهم) فلا يكذبوا فيهلكوا بلا سبب سوى عدم قبول الحق ونكران النعمة واحتقار الناس تكبراً بالنعمة ذاتها. وإن الرحمان الذي بَيّن وأنذر من طريق الهلاك، وبشر وحث على طريق السلامة، الموصلة إلى الفوز، كان منعماً غاية الإنعام، ومحسناً غاية الإحسان. الآيات (13، 16، 18، 21، 23، 25، 28، 30، 32، 34، 36، 38، 40، 42، 45، 47، 49، 51، 53، 55، 57، 59، 61، 63، 65، 67، 69، 71، 73، 75، 77) = 31 آية.
فيها ثماني آلاء ونعم عظيمة بعدد حملة العرش الثمانية وأبواب الجنّة الثمانية، تلاها السؤال: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)}، وقد تكرر هذا السؤال إحدى وثلاثين مرة: ثمانية منها ذكرت عقب تعداد آلائه وبديع صنعه ومبدأ الخلق ومعاده، تلاها سبعة عقب الوعيد ووصف العقاب في جهنّم بعدد أبواب جهنم، تلاها ثمانية في وصف الجنتين وأهلها بعدد أبواب الجنة، تلاها ثمانية أخرى في وصف الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأوليين.
وقال العز بن عبد السلام في آخر كتابه “الإشارة إلى الإيجاز”: فيجوز أن تكون مكررة على جميع أنعمه، ويجوز أن يراد بكل واحدة منهن ما وقع بينها وبين التي قبلها من نعمة، ويجوز أن يراد بالأولى ما تقدمها من النعم، وبالثانية ما تقدمها، وبالثالثة ما تقدم على الأولى، والثانية والرابعة ما تقدم على الأولى والثانية والثالثة، وهكذا إلى آخر السورة.
055.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
055.7.3.1- قصص يوم القيامة في الآيات: (26، 27، 31، 37، 39، 41، 43، 44، 46، 48، 50، 52، 54، 56، 58، 60، 62، 64، 66، 68، 70، 72، 74، 76)= 24 آية.
055.7.3.2- الأمثال في الآيات: (33، 35) = 2 آية.
055.7.3.3- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (2-7، 10-12، 14، 15، 17، 19، 20، 22، 24) = 16 آية.
055.7.3.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1، 8، 9، 13، 16، 18، 21، 23، 25، 28، 29، 30، 32، 34، 36، 38، 40، 42، 45، 47، 49، 51، 53، 55، 57، 59، 61، 63، 65، 67، 69، 71، 73، 75، 77، 78) = 36 آية.
055.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
055.8.1- وهكذا بعد طول البيان في السور الثماني عشرة السابقة (من الصافات إلى القمر) من الله تعالى عن عظيم أسمائه، وأن ما دونه من الآلهة لا يضر ولا ينفع، وأن القرآن تذكرة لهم بأنهم خلقوا للعبادة والاستخلاف في الأرض، وأنهم موعودون بالنعيم في الدارين إن هم استقاموا، وبالشقاء في الدارين إن هم انحرفوا عن الحق. وأعطاهم الكثير من الآيات والبراهين على الفوز والفتح للمؤمنين، والعقاب والخزي للكافرين في الدنيا، وهددهم بالحساب في الآخرة، وأثبت لهم وقوعه، وأن الجنة حق والنار حق؛ ومع ذلك بقي أكثرهم مكذبين بالرسل وبالقرآن وبقيام الساعة وبالحساب. ثم تأتي سورة الرحمن تعدد آلاء ونعم الله تبارك عطاؤه وترادفها عليهم: قبل خلقهم وبعد أن خلقوا والموعودين بها يوم القيامة، وتتعجّب من عظيم تكذيبهم وإجرامهم، وتستنكر مقابلتهم الإحسان بالإساءة، بدلاً من الحمد والشكر.
055.8.2- تكرار الآية {فبأيّ آلاء ربّكما تكذبان} في سورة الرحمن تأتي عقب كلّ نعمة من نعم الله. وهذا يشبه تكرار الآيتين في سورة الشعراء {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي أن الله بسبب تكذيبهم وإعراضهم أهلكهم بعزته بعد أن أمهلهم برحمته. وهو يشبه تكرار آية {فكيف كان عذابي ونذر} في سورة القمر التي تأتي بعد كلّ حلقة عقاب، وكذلك آية {ويل يومئذ للمكذبين} في سورة المرسلات وهي تخاطب المكذبين باليوم الآخر، فبعد كلّ مشهد من مشاهد القيامة أو الجزاء تأتي آية {ويل يومئذ للمكذبين}.
055.8.3- وقال الإمام البقاعي: لما ختم سبحانه سورة القمر بعظيم الملك وبليغ القدرة {عند مليك مقتدر (55)}، وكان الملك القادر لا يكمل ملكه إلا بالرحمة وكانت رحمته لا تتم إلا بعمومها، قصر هذه السورة على تعداد نعمه على خلقه في الدارين، وذلك من آثار الملك، وفصل فيها ما أجمل في آخر القمر من مقر الأولياء والأعداء في الآخرة، وصدرها بالاسم الدال على عموم الرحمة براعة للاستهلال، وموازنة لما حصل بالملك والاقتدار من غاية التبرك والظهور والهيبة والرعب باسم هو مع أنه في غاية الغيب دال على أعظم الرجاء مفتتحاً لها بأعظم النعم وهو تعليم الذكر الذي هز ذوي الهمم العالية في القمر إلى الإقبال عليه بقوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}. وكانت رحمته سابقة لغضبه نظر بها لخلقه لاسيما هذه الأمة المرحومة فيسر لها الذكر تحقيقاً للرحمة.
055.8.4- وقال الإمام جلال الدين السيوطي: لما قال سبحانه وتعالى في آخر القمر:{بل الساعةُ موعدُهُم والساعةُ أَدهى وأَمر (46)} ثم وصف حال المجرمين في سقر {ذوقوا مسَّ سقر (48)}، وحال {المتقين في جنات ونهر (54)}، فصل هذا الإجمال في سورة الرحمن أتم تفصيل على الترتيب الوارد في الإجمال فبدأ بوصف مرارة الساعة والإشارة إلى إدهائها ثم وصف النار وأهلها والجنة وأهلها ولذا قال فيهم {ولِمن خافَ مقام ربهِ جنتان (46)} وذلك هو عين التقوى ولم يقل: لمن آمن وأطاع أو نحوه لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصل وعرف بذلك أن هذه السورة بأسرها شرح لآخر السورة التي قبلها.
055.8.5- وقال الإمام جعفر بن الزبير: من المعلوم أن الكتاب العزيز وإن كانت آياته كلها معجزة باهرة وسورة في جليل النظم وبديع التأليف قاطعة بالخصوم قاهرة، فبعضها أوضح من بعض في تبين إعجازها، وتظاهر بلاغتها وإيجازها: ألا ترى إلى تسارع الأفهام إلى الحصول على بلاغة آيات وسور من أول وهلة دون كبير تأمل كقوله تعالى {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي (44)} هود، وقوله {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (94)} الحجر، الآيات، لا يتوقف في باهر إعجازها إلا من طبع الله على قلبه أو سد دونه باب الفهم بأنى له بر لوجه وقوعه، وسورة القمر من هذا النمط، ألا ترى اختصار القصص فيه مع حصول أطرافها وتوفية أغراضها، وما جرى مع كل قصة من الزجر والوعظ والتنبيه والإعذار، ولولا أني لم أقصد التعليق ما بنيته عليه من ترتيب السور لأوضحت ما أشرت إليه مما لم أسبق إليه، ولعل الله سبحانه ييسر ذلك فيما باليد من التفسير نفع الله به ويسر فيه، فلما انطوت هذه السورة على ما ذكرنا وبان فيها عظيم الرحمة في تكرر القصص وشفع العظات، وظهرت حجة الله على الخلق، وكان ذلك من أعظم ألطافه تعالى لمن يسره لتدبر القرآن ووفقه لفهمه واعتباره، أردف ذلك سبحانه بالتنبيه على هذه النعمة فقال تبارك وتعالى {الرحمن (1) علم القرآن (2) خلق الإنسان (3) علمه البيان (4)} وخص من أسمائه الحسنى هذا الاسم إشعاراً برحمته بالكتاب وعظيم إحسانه به {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها (34)} إبراهيم، ثم قد تمهد أن سورة القمر إعذار ومن أين للعباد بجميل هذا اللطف وعظيم هذا الحلم حتى يرادوا إلى بسط الدلالات وإيضاح البينات إن تعذر إليهم زيادة في البلاغ، فأنبأ تعالى أن هذا رحمة فقال {الرحمن (1) علم القرآن (2)} ثم إذا تأملت سورة القمر وجدت خطابها وإعذارها خاصاً ببني آدم بل بمشركي العرب منهم فقط، فاتبعت سورة القمر بسورة الرحمن تنبيهاً للثقلين وإعذاراً إليهم وتقريراً للجنسين على ما أودع سبحانه في العالم من العجائب والبراهين الساطعة فتكرر فيها التقرير والتنبيه بقوله تعالى: {فبأيّ آلاء ربكما تكذبان} خطاباً للجنسين وإعذاراً للثقلين فبان اتصالها بسورة القمر أشد البيان.