العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


056.0 سورة الواقعة


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


056.1 التعريف بالسورة:

1) السورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 96 آية. 4) السادسة والخمسون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والسادسة والأربعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “طه”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: رب 3 مرّات؛ (2 مرّة): العظيم، خَلق، أنشأ؛ (1 مرّة): الخالق، أقرب، الزارع. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: ثلّة 3 مرّات؛ (2 مرّة): رجّت، بسّت؛ (1 مرّة): مواقع، موضونة، طلح، عُرُباً، تورون، للمقوين، حينئذ، الهيم، تفكّهون، مدهنون، الحلقوم.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: أصحاب 11 مرّة، نحن 10 مرّات، يمين 9 مرّات، أأنتم 4 مرّات؛ (2 مرّة): المشأمة، شمال، مكنون.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: إنشاء 6 مرّات، أولين 5 مرّات؛ (4 مرّات): شارب، عظيم؛ (3 مرّات): الواقعة، مكذبين، خلق، مقرّب، آخرين، سلاماً؛ (2 مرّة): السابقون، كريم، جنات، نعيم، يوم، دين، نشاء، سبح، إسم، قسم، ضالون، ظل؛ (1 مرّة): حور، موت، كتاب، تأثيماً.

056.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس والحرث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن بن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا”.

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا”

وأخرج ابن مردويه عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سورة الواقعة سورة الغنى فاقرأوها وعلموها أولادكم”.

وأخرج االديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “علموا نساءكم سورة الواقعة فإنها سورة الغنى”.

قال أبو بكر رضي الله عنه سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا رسول الله قد شبت؟ قال “شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعمّ يتساءلون وإذا الشمس كوّرت”، وفي رواية عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم “شيبتني هود وأخواتها: الواقعة والحاقّة وإذا الشمس كوّرت”.

056.3 وقت ومناسبة نزولها:

حسب الترتيب الزمني للسور الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنه فإن سورة طه نزلت أوّلا ثمّ الواقعة ثمّ الشعراء، ونفس الترتيب ورد عن عكرمة. وهذا تؤكده قصّة إسلام عمر رضي الله عنه الواردة في تاريخ ابن هشام عن ابن اسحق، والتي تقول أن عمر عندما دخل بيت اخته فاطمة بنت الخطاب، وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً انظر ما هذا الذي جاء به محمد، فقالت له: يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسّه إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة وفيها: “طه” فقرأها. هذا يدل على أن سورة الواقعة نزلت في هذه الفترة لاحتوائها على آية {لا يمسّه إلا المطهّرون (79)}. ومعلوم تاريخيّاً أن عمر رضي الله عنه أسلم بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة أي في السنة الخامسة من النبوّة.

 

056.4 مقصد السورة:

056.4.1- مقصدها: تأكيد حتميّة وقوع الواقعة، في يوم مؤقت معلوم مؤكد موعد وقوعه يُجمع فيه الأولين والآخرين للحساب والجزاء. وسرد الحجج والأدلّة على تأكيد وإثبات ذلك من النشأة الأولى، ومن نزول القرآن الكريم، ووصف مفصّل لأحوالها ومصائر الناس فيها، وقهرهم بخروج الروح وهم ينظرون لا حيلة لهم، وتسخير المخلوقات لهم آية ونعمة يتمتع بها الإنسان ويستعين بها على العمل في طاعة الله لينال الجزاء الخالد في الآخرة على قدر عمله. فمن أراد لنفسه الفوز فاز ومن أراد لها الخسران خسر.

056.4.2- ومقصدها نجده في أوّل آيتين (1، 2) من السورة تؤكدان حقيقة أنه إذا قامت القيامة، فإنه ليس لقيامها أحد يكذِّب به. وفي آخر آيتين (95، 96) بأن هذا هو حق اليقين، فسبح باسم ربك العظيم، أي التنزيه بنفي النقص وإثبات الكمال والتعظيم بإثبات المحامد التي يحمد عليها، وهو أيضاً السجود والخضوع والطاعة.

الله لم يخلق الدنيا وما فيها ليثبت أو يحقق لنفسه أي شيء يحتاجه أو ينقصه، فالله موجود قبل الخلق وقبل الزمان وقبل المكان، وهو مبدئ هذه الأشياء ومبدعها من قبل أن تكون شيئاً مذكوراً، ثمّ قال لها كن فكانت، هو الذي قضى أن تخلق هذه الدنيا بكل ما فيها، وقدّر كل شيء فيها بعلمه، وجعل نبأ هذا القضاء والقدر في القرآن الكريم في الكتاب المكنون، بل الله خلق الدنيا ليقيم بها الحجة على الناس (وهم الذين اختاروا حمل الأمانة بعد أن أشفقت من حملها كل المخلوقات، فحملها الإنسان باختياره، وأعطيت له وهو الآن قيد الامتحان. ولو أن الإنسان لم يوافق على حمل الأمانة حين خيّر بحملها، لسلم من الابتلاء الذي هو فيه، ولجعلهم الله كباقي المخلوقات، عباداً له مطيعين متبعين لسننه ولفطرته، مثلهم كمثل الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم وكمثل غيرهم من المخلوقات في طاعة الله). وقوع الواقعة هو الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة، أي بين نهاية الامتحان واستكمال حصول الحجّة والعذر على الناس، وبين بداية حصول النتيجة، فهي خافضة رافعة. حتى إذا ما وقعت الواقعة، وذهب كل إنسان إلى مكانه المقدّر، أي مع أحد الفئات الثلاثة المذكورة في سورة الواقعة، عَلِم عِلم اليقين أن هذا هو مكانه الصحيح وأن الله عادل ولا يظلم أحداً، فوقوع الواقعة هو نهاية المطاف في الدنيا، الذي تسحب فيه أوراق الامتحان من أصحاب الامتحان، فإذا وقعت وقامت القيامة فلا رجوع إلى الدنيا، حتى لو طلب أحدهم الرجوع {رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً (100)} المؤمنون، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (37)} فاطر، فلن يستجاب له لأنه لو عاد لعاد لما نهي عنه وإنه لكاذب في طلبه كما كان كاذباً في الدنيا من قبل {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)} الأنعام.

056.4.3- وقال البقاعي: سورة الواقعة مقصودها شرح أحوال الأقسام الثلاثة المذكورة في الرحمن للأولياء من السابقين واللاحقين والأعداء المشاققين من المصارحين والمنافقين من الثقلين للدلالة على تمام القدرة بالفعل بالاختيار الذي دل عليه آخر الرحمن بإثبات الكمال ودل عليه آخر هذه بالتنزيه بالنفي لكل شيء به نقص ثم الإثبات بوصف العظمة بجميع الكمال من الجمال والجلال، ولو استوى الناس لم يكن ذلك من بليغ الحكمة، فإن استواءهم يكون شبهة لأهل الطبيعة، واسمها الواقعة دال على ذلك بتأمل آياته وما يتعلق الظرف به.

056.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت بعد سورة طه أثناء الدعوة السرّية إلى الإسلام، واستهلت بتأكيد وقوع الواقعة، وتنقسم إلى نصفين، الأوّل: فيه التعريف بأهوالها ومصائر الناس وهم ثلاث فئات: السابقون إلى الدرجات العلى، وأصحاب اليمين في نعيم الجنة، وأصحاب الشمال في عذاب النار، ثمّ وصف الجنّة والنار ترغيباً وترهيباً، ثمّ توبيخ المترفين على سوء جهلهم وقبح ضلالهم وقولهم: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47)}. والنصف الثاني: يتوعّدهم ويؤكّد بأنهم مجموعون، وأن الضالين المكذّبين في العذاب والحميم، ثمّ يواصل توبيخهم وتقريعهم على جهلهم بربّهم وضلالهم بقوله: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)}، {نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)}، {نَحْنُ قَدَّرْنَا … وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)}، {نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)}، {نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69)}، {نَحْنُ الْمُنشِئُونَ (72)}، {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا (73)}، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ 85)}. وهي أكثر سورة تكررت فيها كلمة “نحن” (10 مرّات)، واستمرّ توبيخهم إلى قوله: {إن كنتم صادقين (87)}، وتخلله القسم بأنه {لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77)}، {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)}، وكان الختام بتنزيهه تعالى نفسه: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}، كما يلي:

النصف الأوّل (الآيات 1-48) يتحدث عن أحداث يوم القيامة وعن وصف الجنة والآخرة والواقعة: إذا قامت القيامة فما من أحدٍ يكذِّب قيامها، تخفض أناساً وترفع آخرين، فكانوا ثلاث فئات: السابقون المقربون في جنات النعيم، على سرر متكئين متقابلين، ويطاف عليهم بكأس من معين، وفاكهة ولحم طير وحور عين {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)}، لا يسمعون لغواً ولا إثماً {إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)}؛ وأصحاب اليمين في ظلّ دائم وماء جار وفاكهة كثيرة وفرشٍ مرفوعة ونساء غير التي كانت في الدنيا؛ وأصحاب الشمال في ريح حارّة وماء يغلي وظّلّ من دخان أسود، إنهم كانوا في الدنيا مترفين ومصرّين على الكفر وما يسخطه تعالى، وينكرون البعث بعد الموت.

النصف الثاني (الآيات 49-96) تعزيرهم على قبيح جهلهم وضلالهم وإقامة الحجّة على حقيقة البعث والجزاء: وأن الضّالّين المكذبين في عذاب شديد، وطعامهم من شجر الزقوم وشرابهم ماء الحميم، وهو مستقرّهم يوم الدين. ثمّ يدعوهم إلى التبصّر والتفكّر فيمن خلقهم وقدّر بينهم الموت، ولا يعجزه أن يبدّلهم وينشأهم فيما لا يعلمون، ويذكّرهم بأنه أنشأهم النشأة الأولى وهو قادر على إنشائهم مرّة أخرى. أفلا يشكرون: الزرع الذي أنبته لهم والماء الذي يشربون والنار التي يوقدون {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)}، ثمّ قسم عظيم بمواقع النجوم: بأن القرآن الكريم من رب العالمين، أفبالقرآن يكذّبون ولا يشكرون! فهلا إذا بلغت الروح {الْحُلْقُومَ} وأنتم تنظرون {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)}، هل تستطيعون إعادة الروح إن كنتم صادقين؟ وتختم كما بدأت بأن الناس ثلاث فئات: السابقون المقربون، وأصحاب اليمين، والمكذبون الضالون {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}.

اللهم اجعلنا من السابقين المقربين أصحاب اليمين في جنّات النعيم.

056.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

الواقعة هي اسم للسورة وبيان لموضوعها معاً: حيث تبين أحوال ذلك اليوم وأقسام الناس فيه. وتدلل على حقيقة النشأة الآخرة رداَ على قول المكذبين {أإذا كنّا تراباَ وعظاماَ أإنّا لمبعوثون (47) أوَآباؤنا الأولون (48)}. وذلك بعرض النشأة الأولى، وعرض موتهم، ونشأة آخرين مثلهم؛ والإشارة إلى خلقه سبحانه أرزاقهم: وخلقنا لكم الزرع الذي تأكلون والماء الذي تشربون والنار التي تشعلون. وبتنزيل القرآن الكريم الذي يحدثهم عن الواقعة.

ابتدأت بذكر يوم القيامة وما سيحصل في ذلك اليوم الذي تُرج فيه الأرض وتتطاير الجبال كالغبار، ثم ثنّت بأن الناس سيكونون بعد ذلك ثلاثة أصناف: هم السابقون إلى الدرجات العلى، وأصحاب اليمين في نعيم الجنة، وأصحاب الشمال في عذاب النار. أما أصحاب الجنّة فقد فازوا بها جزاءاً بما كانوا يعملون، وأما أصحاب النار فهو عقاباً لهم على تكذيبهم وعدم تصديقهم بالبعث والحساب وتنعمهم بالحرام. فالله جامع الناس جميعاً يوم الدين لكي يحاسبوا على ما عملوا في الدنيا فتعرف درجتهم ومكانتهم في الآخرة تبعاً لذلك.

من أجل هذه النتيجة خلق الله الإنسان وابتلاه، وأمره بالاستعداد بالعمل، وسخّر له المخلوقات، علّمه بما أنزله عليه في القرآن، لعلّه يتذكّر فيشكر ويسبّح ربه العظيم الصفات والنعم والخيرات. يقسم تعالى بآية عظيمة هي مواقع النجوم أن هذا القرآن فيه النبأ الحق واليقين لمن أراد الخير والفوز لنفسه وأن مصير الناس إما جنّة نعيم أو نار جحيم. تعالى الله القريب من عباده ومخلوقاته عن قول الجاحدين الظالمين.

يمكن تقسيم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى نصفين متساويين: النصف الأول يتحدث عن أحداث يوم القيامة وعن مصير الناس النهائي بعد ذلك، لكن الناس ينكرون البعث واليوم الآخر؛ والنصف الثاني يتحدث عن أن الناس قد أنذروا في هذه الدنيا بأن الدنيا فانية وأن الحياة الآخرة هي الباقية وقد أعطيت لهم الأدلة الكافية على ذلك، وأن الحُجة قامت عليهم في الدنيا حتى لا يعتذروا في الآخرة.

056.6.1- النصف الأول: في أوّل آيتين من السورة تؤكدان حقيقة أنه إذا قامت القيامة، فإنه ليس لقيامها أحد يكذِّب به. وفي آخر آيتين من النصف الأول من السورة كانوا يقولون إنكاراً للبعث: أنُبعث إذا متنا وصرنا تراباً وعظاماً بالية؟ نحن وآباؤنا الأقدمون؟ لذلك فالمؤمن يعمل لينال الجزاء، والمكذب لا يبالي فيعرض نفسه للعقاب، كما يلي:

056.6.1.1- الآيات (1-6) الخطاب موجه لكل الناس بأنه، إذا قامت القيامة، ليس لقيامها أحد يكذِّب به، هي خافضة لأعداء الله في النار، رافعة لأوليائه في الجنة. إذا حُرِّكت الأرض تحريكاً شديداً، وفُتِّتت الجبال تفتيتاً دقيقاً، فصارت غباراً متطايراً في الجو قد ذَرَتْه الريح.

056.6.1.2- بعد أن تقع الواقعة سينتهي مصير الناس إلى ثلاثة أماكن اثنان منهما في الجنة وواحد في النار، كما يلي:

056.6.1.2.1- تقول الآيات (7-9) وكنتم أصنافاً ثلاثة: فأصحاب اليمين، أهل المنزلة العالية، ما أعظم مكانتهم! وأصحاب الشمال، أهل المنزلة الدنيئة، ما أسوأ حالهم!

056.6.1.2.2- الآيات (10-26) والسابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الدرجات في الآخرة، أولئك هم المقربون عند الله، يُدْخلهم ربهم في جنات النعيم. يدخلها جماعة كثيرة من صدر هذه الأمة، وغيرهم من الأمم الأخرى، وقليل من آخر هذه الأمة على سرر منسوجة بالذهب، متكئين عليها يقابل بعضهم بعضاً. يطوف عليهم لخدمتهم غلمان لا يهرمون ولا يموتون، بأقداح وأباريق وكأس من عين خمر جارية في الجنة، لا تُصَدَّعُ منها رؤوسهم، ولا تذهب بعقولهم. ويطوف عليهم الغلمان بما يتخيرون من الفواكه، وبلحم طير ممَّا ترغب فيه نفوسهم. ولهم نساء ذوات عيون واسعة، كأمثال اللؤلؤ المصون في أصدافه صفاءً وجمالا؛ جزاء لهم بما كانوا يعملون من الصالحات في الدنيا. لا يسمعون في الجنة باطلا ولا ما يتأثمون بسماعه، إلا قولا سالماً من هذه العيوب، وتسليم بعضهم على بعض.

056.6.1.2.3- الآيات (27-40) وأصحاب اليمين، ما أعظم مكانتهم وجزاءهم! هم في سِدْر لا شوك فيه، وموز متراكب بعضه على بعض، وظلٍّ دائم لا يزول، وماء جار لا ينقطع، وفاكهة كثيرة لا تنفَد ولا تنقطع عنهم، ولا يمنعهم منها مانع، وفرشٍ مرفوعة على السرر. إنا أنشأنا نساء أهل الجنة نشأة غير النشأة التي كانت في الدنيا، نشأة كاملة لا تقبل الفناء، فجعلناهن أبكاراً، متحببات إلى أزواجهن، في سنٍّ واحدة، خلقناهن لأصحاب اليمين. وهم جماعة كثيرة من الأولين، وجماعة كثيرة من الآخرين.

056.6.1.2.4- الآيات (41-48) وأصحاب الشمال ما أسوأ حالهم وجزاءهم! في ريح حارة من حَرِّ نار جهنم تأخذ بأنفاسهم، وماء حار يغلي، وظلٍّ من دخان شديد السواد، لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر. إنهم كانوا في الدنيا متنعِّمين بالحرام، معرِضين عما جاءتهم به الرسل. وكانوا يقيمون على الكفر بالله والإشراك به ومعصيته، ولا ينوون التوبة من ذلك. وكانوا يقولون إنكاراً للبعث: أنُبعث إذا متنا وصرنا تراباً وعظاماً بالية؟ وهذا استبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له. أنُبعث نحن وآباؤنا الأقدمون الذين صاروا تراباً، قد تفرَّق في الأرض؟

056.6.2- النصف الثاني: أوّل آيتين في النصف الثاني من السورة تلخصان مقصدها وهو أن الأولين والآخرين من بني آدم سيُجمَعون في يوم مؤقت بوقت محدد، وهو يوم القيامة. وآخر آيتين من السورة فيهما أن هذا الذي ذكرته السورة لهو حق اليقين الذي لا مرية فيه، فسبِّح باسم ربك العظيم أي نزِّهه عن ألا يقول إلا الحق، فعظمته تقتضي ذلك. فكيف اقيمت الحجة على الناس، وكيف تمّ تأكيد أن البعث والحساب حق يقين، وإثبات ذلك كما يلي:

056.6.2.1- الآيات (49-56) بلاغ وإنذار شديد للناس: بأن الأولين والآخرين من بني آدم سيُجمَعون في يوم مؤقت بوقت محدد، وهو يوم القيامة. وأن من يكذب هذا البلاغ ويبقى في الضلال فسيعرّض نفسه إلى عذاب شديد.

ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى المكذبون بوعيد الله ووعده، لآكلون من شجر من زقوم، فمالئون منها بطونكم، فشاربون عليه ماء متناهياً في الحرارة، فشاربون كشرب الإبل العطاش. هذا الذي يلقونه من العذاب هو مستقرّهم يوم القيامة.

056.6.2.2- الآيات (57-74) حوار وجدال لإثبات حقيقة النشأة الأخرى باستخدام الحقيقة المشاهدة والمنطق وإعطاء الدليل: نحن خلقناكم وأنتم الآن تعلمون النشأة الأولى، وخلقنا لكم الزرع الذي تأكلون والماء الذي تشربون والنار التي تشعلون.

نحن خلقناكم أيها الناس، ولم تكونوا شيئاً، فهلا تصدِّقون بالبعث. أفرأيتم ما تمنون، هل أنتم تخلقون ذلك بشراً أم نحن الخالقون؟ نحن قَدَّرنا بينكم الموت، وما نحن بعاجزين عن أن نغيِّر خلقكم يوم القيامة، وننشئكم فيما لا تعلمونه من الصفات والأحوال. ولقد علمتم أن الله أنشأكم النشأة الأولى ولم تكونوا شيئاً، فهلا تذكَّرون قدرة الله على إنشائكم مرة أخرى. أفرأيتم الحرث الذي تحرثونه هل أنتم تُنبتونه في الأرض؟ بل نحن نُقِرُّ قراره وننبته في الأرض. لو نشاء لجعلنا ذلك الزرع هشيماً، لا يُنتفع به في مطعم، فأصبحتم تتعجبون مما نزل بزرعكم، وتقولون: إنا لخاسرون معذَّبون، بل نحن محرومون من الرزق. أفرأيتم الماء الذي تشربونه لتحْيَوا به، أأنتم أنزلتموه من السحاب إلى قرار الأرض، أم نحن الذين أنزلناه رحمة بكم؟ لو نشاء جعلنا هذا الماء شديد الملوحة، فهلا تشكرون ربكم على إنزال الماء العذب لنفعكم. أفرأيتم النار التي توقدون، أأنتم أوجدتم شجرتها أم نحن الموجدون لها؟ نحن جعلنا ناركم التي توقدون تذكيراً لكم بنار جهنم ومنفعة للمسافرين.

هلاّ صدقتم أن الله: قضى الله أن يخلق الإنسان من أجل مقصد محدد، وهو تطبيق كل ما ذكر في القرآن الكريم (ولم يخلقه عبثاً). فهلاّ صدقتم (أنكم خلقتم هنا من أجل العمل ونيل الجزاء في الآخرة)، وقد قدّر الله الأشياء وسخرها للإنسان لكي يستعين بها على تحقيق مقصد وجوده.

فنزِّه (أيها النبي ومن آمن معك) ربك العظيم كامل الأسماء والصفات، كثير الإحسان والخيرات.

056.6.2.3- كل ما يخصّ وجودكم موجود في هذا القرآن الكريم المحفوظ في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون:

056.6.2.3.1- الآيات (75-82) يقسم سبحانه وتعالى قسم عظيم بمواقع النجوم: بأن القرآن كريم (أي: عظيم المنافع، كثير الخير، غزير العلم)، في كتاب مَصُون مستور، لا يمسه إلا المتطهرون من الشرك والذنوب والحدث. منزل من رب العالمين، فهو الحق الذي لا مرية فيه.

أفبهذا القرآن أنتم مكذِّبون؟ وتجعلون شكركم لنعم الله عليكم أنكم تكذِّبون بها وتكفرون؟ إن كل مخلوقات الله لها نظام معيّن تسير عليه، فالنجوم لها منازل وضعها الله لها بعظمته وكذلك القرآن وضعه للإنسان.

056.6.2.3.2- الآيات (83-96) تحذير الإنسان: أنه بإمكانك أن تكذب كما تشاء وبإمكانك إغماض عينيك عن الحقيقة بتكبّرك وضلالك، لكن الموت سيفتحها، فهلا إذا بلغت الروح {الحلقوم} عند النزع، وأنتم حضور تنظرون إليه، لا يمكنكم أن تمسكوا روحه أو الدفع عنه أو التخفيف عما هو فيه. ونحن أقرب إليه منكم بملائكتنا، ولكنكم لا ترونهم. وهل تستطيعون إن كنتم غير محاسبين ولا مجزيين بأعمالكم أن تعيدوا الروح إلى الجسد، إن كنتم صادقين؟ لن ترجعوها.

فأما إن كان الميت من السابقين المقربين، فله الرحمة والفرح وجنة النعيم. وأما إن كان من أصحاب اليمين، فيقال له: سلام لك وأمن من أصحاب اليمين. وأما إن كان من المكذبين بالبعث، الضالين عن الهدى، فنزله شراب جهنم المغلي، والنار يحرق بها ويعذب.

إن هذا الذي قصصناه عليك لهو حق اليقين الذي لا مرية فيه، فسبِّح باسم ربك العظيم، ونزِّهه عما يقول الظالمون والجاحدون، تعالى الله عما يقولون.

056.7 الشكل العام وسياق السورة:

056.7.1- إسم السورة: الواقعة هي اسم من أسماء يوم القيامة، وهو أسم على مسمّى كونها كائنة لا محالة، وفيه تحدّي بأنها واقعة ولن يستطيع أحد ايقاف وقوعها أو الهروب من نتائج وقوعها كما وعد الله ووعده الحق اليقين بكلامه المكنون في القرآن الكريم.

056.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

السورة تتحدّث عن تفاصيل مرحلتين من حياة الإنسان وذلك في إجابة عن تساؤل الإنسان في وسط السورة وقد كانوا يقولون إنكاراً للبعث: أنُبعث إذا متنا وصرنا تراباً وعظاماً بالية؟ وهذا استبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له. أنُبعث نحن وآباؤنا الأقدمون الذين صاروا تراباً، قد تفرَّق في الأرض؟

وتتحدّث كذلك عن أن إنكارهم للبعث كان بسبب نعمة الله عليهم، التي كانوا فيها مترفين، فانشغلوا بترفهم عن قبول كلام الله وعن التفكّر بآياته، وعن قبول إنذاراته وأوامره، وعن اخراج حقوق العباد التي استخلفهم عليها، (أي لما كانوا متنعمين بآلاء الله عليهم، وربما بالحرام وأخذ حقوق الغير)، فأرسل الله لهم الرسل بكلامه لكي يستقيم حالهم وتستمرّ النعمة عليهم، لكنهم كفروا وكذبوا، وأقاموا على الكفر بالله والإشراك به ومعصيته، ولا ينوون التوبة من ذلك.

وباعتبار موضوعات الآيات يمكن أن نقسم السورة إلى مجموعتين من الآيات: مجموعة تقيم الحجة والدليل على حقيقة البعث ووقوع الواقعة، ومجموعة تصف الجنة والآخرة والواقعة:

056.7.2.1- تأكيد نبأ وقوع الواقعة، فيُجمع الأولين والآخرين للحساب، فتخفض أقواماً وترفع آخرين، تبعاً لما قدّموه من عمل قبل الواقعة أي في الدنيا. الآيات (1-3، 24، 45-51، 57-87، 95، 96) =44 آية

056.7.2.1.1- نبأ الواقعة وما سيترتب عليه: تبدأ السور بذكر نبأ حادثة خطيرة ستقع “اسمها الواقعة”، ليس لوقعتها أحد يكذِّب به، وهي خافضة لأعداء الله في النار، رافعة لأوليائه في الجنة. فهذا هو مقصد السورة وهو إثبات وتأكيد حقيقة وقوع الواقعة وهو ما تحذر منه، ومن الركون إلى الدنيا وعدم الاستعداد لوقوعها بالعمل الصالح. فما قبل الواقعة هو زمان اختبار، وما بعد الواقعة هو زمان جزاء: الآيات (1-3، 24، 45-51)

056.7.2.1.1.1- الآيات (1-3) تقرر الآيات أنه إذا قامت القيامة، ليس لقيامها أحد يكذِّب به، هي خافضة لأعداء الله في النار، رافعة لأوليائه في الجنة.

056.7.2.1.1.2- الآية (24) وصف حال أصحاب الجنّة في الدنيا بأنهم أطاعوا وكانوا يعملون، {جزاء بما كانوا يعملون (24)} العمل الصالح في الدنيا.

056.7.2.1.1.3- الآيات (45-48) وصف حال أصحاب النار في الدنيا فقد كانوا معرضين عمّا جاءتهم به الرسل متنعِّمين بالحرام، مصرين على الكفر، منكرين للبعث.

056.7.2.1.1.4- الآيات (49-51) تقرر الآيات أن الأولين والآخرين من بني آدم سيُجمَعون في يوم مؤقت بوقت محدد، وهو يوم القيامة. ثم إن الضالون عن طريق الهدى المكذبون بوعيد الله ووعده، أعد لهم العذاب الذي ذكرته الآيات بعدها.

056.7.2.1.2- إثبات البعث والنشور: عن طريق الإشارة إلى دلائل عظمة القدرة الإِلهية، وإلى أمثال لتقريب حقيقة البعث الذي أنكروا خبره، والاشارة إلى جلائل النعم: الآيات (57-87، 95، 96)

056.7.2.1.2.1- الآيات (57-74) الخلق من العدم وإعادة الخلق: يخبرهم خالقهم بأنه خلقهم ولم يكونوا شيئاً، فهلا تصدِّقون بالبعث. هل أنتم تخلقون النطفة بشراً أم نحن الخالقون؟ وأنه قدَر بينهم الموت، ولن يعجزه أن ينشئهم خلقاً بصفات أخرى يوم القيامة، وقد علموا النشأة الأولى فهلا تذكَّرون قدرة الله على إنشائهم مرة أخرى؟ وكذلك الله أنبت الزرع وأنزل الماء فهلا تشكرون؟ وأوجد النار التي توقدون وأوجد شجرتها؛ تذكيراً لكم بنار جهنم ومنفعة للمسافرين. فسبح ربك العظيم كامل الأسماء والصفات كثير الإحسان والخيرات.

هم غارقون في النعمة الدنيوية، لذلك يؤكد عليهم سبحانه بأنه وحده مصدر كلّ ما هم فيه من: نعمة خَلقِهِم، وتسخير المخلوقات لهم، ثم جَعَل يوم يقام فيه العدل بين المخلوقات. ويكرر عليهم سبحانه كلمة نحن (وهي أكثر سورة في القرآن تكررت فيها هذه الكلمة 10 مرّات): نحن خلقناكم ونحن قدّرنا الموت، ونحن الزارعون ونحن المنزلون ونحن المنشئون.

056.7.2.1.2.2- الآيات (75-80) أنزل عليهم قرآن كريم أي نفيس رفيع في نوعه (فيه نعمة الدين والهداية)، وأقسم الله تعالى بمواقع النجوم، وإنه لَقَسم لو تعلمون عظيم: إن هذا القرآن عظيم المنافع، كثير الخير، غزير العلم، في كتاب مَصُون مستور عن أعين الخلق، ولا يَمَسُّه إلا المطهرون (الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب) في كتاب مكنون.

القرآن هو الكتاب المكنون أي المحجوب عن أنظار الناس، والذي ألفاظه ومعانيه موافقة (مطابقة) لما في علم الله تعالى وإرادته، وكأن كلّ ما في الوجود من أحوال وأنباء أو كل حق ويقين مكنون خبره في الكتاب. فإذا أردنا أن نعرف لماذا خلق الله الكون والإنسان وما وظيفة كل مخلوق فسنجدها في هذا المرجع القرآن الذي فيه الحق اليقين لكل ما يصلح ومالا يصلح لهذا الوجود، فمن سار على هديه اهتدى وفاز، ومن خالفه ضلّ وخسر.

ويمكن تشبيه الكتاب المكنون، باحتوائه على صفة الوجود، بالشيفرة الوراثية في الإنسان: فهو فيه نبأ وصفة الكون من قبل أن يكون شيئاً، ثم بعد أن صار شيئاً، ثم قال الله له كن فكان، ثم إلى أن يعود ويفنى، ثم يعاد فيخلق خلقاً آخر، ثم إلى أن يخلّد الناس في الجنة أو في النار؛ وهو كذلك بهذا المضمون مثله كمثل عجب الذنب الذي منه يركب (ينبت) الخلق يوم القيامة؛ فيمثل كتاب الحياة، والمكتبة الرقمية التي تحتوي علي كل أسرار وخصائص هذا الكائن الحي؛ أو كالشيفرة الوراثية التي في الخلية الحية التي يكمن فيها كل مواصفات ومورثات المخلوق. فالكلام الذي في الكتاب هو أمر ثابت محقق لا يقبل التغيير، وألفاظه ومعانيه موافقة لعلم الله وإرادته وقدرته وأمره ونهيه إلى مخلوقاته.

056.7.2.1.2.3- الآيات (81-87) أفبهذا القرآن أنتم مكذِّبون؟ وتجعلون شكركم لنعم الله عليكم أنكم تكذِّبون بها وتكفرون؟ ولا تبالون بدعوته. في الآيات إشارة إلى قهر الله للناس وتحدّيهم بأنه أقرب لهم من أنفسهم ويقدر على مالا يقدرون عليه من الإحياء والإماتة (قصّة الموت التي تتكرر) فهل تستطيعون إذا بلغت نفس أحدكم الحلقوم عند النزع، وأنتم حضور تنظرون إليه، أن تمسكوا روحه في جسده؟ لن تستطيعوا ذلك، ونحن أقرب إليه منكم بملائكتنا، ولكنكم لا ترونهم. وهل تستطيعون إن كنتم غير محاسبين ولا مجزيين بأعمالكم أن تعيدوا الروح إلى الجسد، إن كنتم صادقين؟

056.7.2.1.2.4- الآيات (74، 95، 96) الأمر بالتسبيح: الذي هو التنزيه بنفي النقص وإثبات الكمال والتعظيم بإثبات المحامد التي يحمد عليها، وهو أيضاً السجود والخضوع والطاعة. والأمر بأن سبح باسم ربك العظيم (بتنزيه جلال ذاته والتشكر لآلائه) لأنه:

056.7.2.1.2.4.1- وحده القادر على أن يحيي ويميت: أي يخلقكم لحاجتكم إلى الحياة فتعملوا لأجلها، ثم يميتكم في دار العمل، ثم ينشئكم في دار الخلود فيحاسبكم على أعمالكم؛ وهو ينبت لكم الزرع، وينزل الماء، وينشئ الشجر لتوقدوا منه النار، لعلكم تذكرون فتشكرون فتسبحون.

056.7.2.1.2.4.2- ما جاءهم في القرآن من حق اليقين: يشتمل على عظيم صفات الله وبديع صنعه وحكمته وعدله، ويبشر النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بمراتب من الشرف والسلامة على مقادير درجاتهم، وبنعمة النجاة مما يصير إليه المشركون من سوء العاقبة، فلا جرم كان حقيقاً بأن يؤمر بتسبيح الله تسبيحاً استحقه لعظمته، والتسبيح ثناء، فهو يتضمن حمداً لنعمته وما هدى إليه من طرق الخير.

056.7.2.2- المجموعة الثانية: مصير الناس يوم القيامة: أنباء عما سيحصل إذا وقعت الواقعة، ثم أن الناس سيكونون بعد ذلك ثلاثة أصناف: هم السابقون إلى الدرجات العلى، وأصحاب اليمين في نعيم الجنة، وأصحاب الشمال في عذاب النار: (4-23، 25- 44، 52-56، 88-94) =52 آية

056.7.2.2.1- الآيات (4-6) إذا وقعت الواقعة في ذلك اليوم سوف تُرج فيه الأرض وتتطاير الجبال كالغبار.

056.7.2.2.2- الآيات (7-9) الناس سيكونون بعد ذلك ثلاثة أصناف: هم السابقون إلى الدرجات العلى، وأصحاب اليمين في نعيم الجنة، وأصحاب الشمال في عذاب النار، كما يلي:

056.7.2.2.2.1- الآيات (10-23، 25، 26، 88، 89): والسابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الدرجات في الآخرة، أولئك هم المقربون عند الله، يُدْخلهم ربهم في جنات النعيم، وغيره كما جاء وصفهم في الآيات.

056.7.2.2.2.2- الآيات (27-40، 90، 91) وأصحاب اليمين في نعيم الجنة في ظل وماء وفواكه وسرر وحور، وغيره كما جاء وصفه في الآيات.

056.7.2.2.2.3- الآيات (41-44، 52-56، 92-94) وأصحاب الشمال في نار جهنم في ظل من دخان أسود وريح حارة وماء يغلي، وشجر من زقّوم، وغيره كما جاء وصفهم في الآيات.

الآيات (51-56) تؤكد لهؤلاء المترفون أنهم بسبب ضلالهم بانشغالهم بنعمة الله عليهم وتكذيبهم للحق فإن منزلهم يوم الحساب على عكس ما هم فيه وقد أساؤا استخدامه وقسمته العدلة بينهم، وذلك بأن سيكون أكلهم الزقوم وشربهم الحميم.

056.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

056.7.3.1- قصص يوم القيامة في الآيات: (1-56، 81-96) = 72 آيات.

056.7.3.2- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (57-80) = 24 آية.

056.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

056.8.1- وهكذا فلما تكرر تأكيد الواقعة ثلاث مرّات: في أوّل السورة، وبأنهم مجموعون في يوم معلوم في منتصفها، وبأنها حق اليقين في آخرها، وتصنيف الناس إلى ثلاث فئات في بدايتها {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)}، وتكرر في ختامها (الآيات 88-94)، فهذا هو الترتيب المناسب لها بعد سورتي القمر والرحمن؛ ففي القمر جرى تأكيد إصرار الناس على الإعراض والتكذيب، رغم كل ما جاءهم من الأنباء والنذر، وعن أن الساعة قادمة قريباً، وأن كل أعمال الإنسان مسجلة في الكتب يحاسب عليها في الدنيا ويوم القيامة؛ وفي الرحمن تعداد آلاء الرحمن، في الدنيا والآخرة، وأعظمها نعمة تنزيل القرآن وتعليمه، وأنه خلقهم ليرحمهم ويرزقهم من الطيّبات ويكرمهم بطاعته واتباع دينه، فإن كذّبوا بآلائه وظلموا أنفسهم وأفسدوا، عوقبوا على قدر ظلمهم وإفسادهم. وفي الواقعة وبعد أن اكتملت الأنباء في السورتين المتقدمتين: عن خبر الآخرة، وآيات الله في الإهلاك وآياته في الإنعام، واكتمل الإنذار وبسطت الحجج، تؤكد وقوع الواقعة خافضة رافعة، فالناس في ذلك اليوم المعلوم المجموع فيه الأولون والآخرون، تمايزوا ثلاثة أصناف.

056.8.2- لما صنف سبحانه الناس في سورة الرحمن إلى ثلاثة أصناف: مجرمين {المجرمون (41)} وسابقين ولاحقين {ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)}، {ومن دونهما جنتان (62)}، وختم بعلّة ذلك وهو أنه ذو الانتقام {والإكرام (78)}، شرح أحوالهم في هذه السورة وبين الوقت الذي يظهر فيه إكرامه وانتقامه (بما ذكر في سورة الرحمن)، بأنه يكون {إذا وقعت الواقعة (1)} التي لا بد من وقوعها.

ولما بينت سورة القمر هلاك الأمم، وبينت سورة الرحمن نعم الله على الأمم وفضله على الإنسان: أي بينت السورتين آيات الله في الإهلاك وآياته في الإنعام تمهيداً لسورة الواقعة ولما سيقع في الواقعة حيث تخفض أقواماً، وترفع أقواماً جزاء على أعمالهم الدنيا.

056.8.3- قال الإمام جلال الدين السيوطي: هذه السورة متآخية مع سورة الرحمن في أن كلا منهما في وصف القيامة والجنة والنار، وانظر إلى اتصال قوله هنا‏:‏ {إِذا وقعت الواقعة} بقوله هناك‏: {فإِذا انشقت السماء} ولهذا اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء وفي الواقعة على ذكر رج الأرض فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة ولهذا عكس في الترتيب فذكر في أول هذه السورة ما ذكره في آخر تلك، وفي آخر هذه ما في أول تلك. فافتتح الرحمن بذكر القرآن ثم ذكر الشمس والقمر ثم ذكر النبات ثم خلق الإنسان والجان من مارج من نار ثم صفة القيامة ثم صفة النار ثم صفة الجنة، وابتدأ هذه بذكر القيامة ثم صفة الجنة ثم صفة النار ثم خلق الإنسان ثم النبات ثم الماء ثم النار ثم النجوم، ولم يذكر النجوم في الرحمن كما لم يذكر هنا الشمس والقمر ثم ذكر القرآن فكانت هذه السورة كالمقابلة لتلك وكردّ العجز على الصدر.

056.8.4- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم الإعذار في السورتين المتقدمتين والتقرير على عظيم البراهين، وأعلم في آخر سورة القمر أن كل واقع في العالم فبقضائه سبحانه وقدره {إنا كل شيء خلقناه بقدر (49)} القمر، {وكل شيء فعلوه في الزبر (52)} القمر، وأعلمهم سبحانه في الواقعة بانقسامهم الأخروي فافتتح ذكر الساعة {إذا وقعت الواقعة (1)} إلى قوله {وكنتم أزواجاً ثلاثة (7)} فتجردت هذه السورة للتعريف بأحوالهم الأخروية، وصدرت بذلك كما جرد في هذه السورة قبل التعريف بحالهم في هذه الدار، وما انجر في السور الثلاث جارياً على غير هذا الأسلوب فبحكم استدعاء الترغيب والترهيب لطفاً بالعباد ورحمة ومطالعها مبنية على ما ذكرته تصريحاً لا تلويحاً، وعلى الاستيفاء لا بالإشارة والإيماء، ولهذا قال تعالى في آخر القصص الأخروية في هذه السورة: {هذا نزلهم يوم الدين (56)} فأخبر أن هذا حالهم يوم الجزاء، وقد قدم حالهم الدنياوي في السورتين قبل وتأكيد التعريف المتقدم فيما بعد، وذلك قوله {فأما إن كان من المقربين (88)} إلى خاتمتها.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top