العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


070.0 سورة المعارج


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


070.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 44 آية. 4) السبعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثانية والثمانون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “الحاقة”. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمّى أيضاً سأل والواقع.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 1 مرّة، رب 3 مرّات؛ (1 مرّة): خلق، قادر، ذي المعارج، انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: (1 مرّة): خمسين ألف، فصيلته، للشوى، هلوعا، عزين، يوفضون.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: تعرج 2 مرّة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الذين 9 مرّات، يوم 7 مرّات، عذاب 4 مرّات، سأل 4 مرّات، صلاة 3 مرّات؛ (2 مرّة): الذي، مسّه، كفر، صبر، حميم، يرونه، حافظون، جنة؛ (1 مرّة): واقع، دافع، مهل، عهن، لظى، مهطعين.

070.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أسرع إليك الشيب. قال: “أجل شيبتني هود وأخواتها، الواقعة والقارعة والحاقّة وإذا الشمس كوّرت وسأل سائل”.

070.3 وقت ومناسبة نزولها:

موضوع السورة يدل على أنها نزلت أيضاً في ظروف مشابهة جداً لظروف نزول سورة الحاقّة. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

070.4 مقصد السورة:

070.4.1- حسن تدبير الله لأمر عباده: الله خلق الإنسان ليطيعه ويعبده، وجَبَلَه (فطره) على الحرص الشديد ليهتدي بهذه الصفة، فيصدق النذير ويحرص على العبادة لأن فيها خيره وسعادته في الدنيا والآخرة، ولكي لا يهلك الإنسان نفسه بجهله وسوء فهمه، جعل الملائكة والروح تعرج إليه، بأمره ووحيه وتقديره، ورسالته وتدبيره الأمر من السماء إلى الأرض، فمن اتبع تدبير الله وأطاع هديه فاز وأفلح ومن عصى خسر وعذّب.

070.4.2- ومقصدها نجده بدليل اسمها المعارج في الآيتين: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ … (4)}: فالله يدبر شؤون مخلوقاته بحبله الدائم الموصول معهم، فتعرج الملائكة بأمره وبأعمال العباد، والروح بالوحي وأرواح المخلوقات، وبكل ما فيه صلاح الإنسان على هذه الأرض. لأن الإنسان شديد الحرص، كثير الجزع، وشديد المنع، وهذه صفات قد يستخدمها بجهله وسوء فهمه في غير محلها فتهلكه، وقد تفسد حياته في الدنيا والآخرة، قد يعادي الناس بحرصه على جمع الخير لنفسه ومنعه عن غيره. إلا من أطاع أمر الله بالصلاة والإنفاق والعبادات فيتحقق بسببها سعادته في الدنيا والآخرة. الله قادر على يبدّل خيراً منهم لكن هم كذلك خلقهم ليحاسبوا على أعمالهم؛ وتختم السورة بقوله تعالى: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)}.

070.4.3- وقال البقاعي: وتسمى سأل، مقصودها إثبات القيامة وإنذار من كفر بها وتصوير عظمتها بعظمة ملكها وطول يومه وتسلية المنذر بها بما لمن كذبه بما له من الصغار والذل والتبار. (انظر 070.8.3 حول قول البقاعي في تناسب السورة).

070.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت عقب الحاقّة، وهي من السور الأوائل التي نزلت في مكة، ومقصدها الإعلام عن حسن تدبير الله شؤون مخلوقاته، بحبله الموصول الدائم من السماء إلى الأرض بالأسباب والشريعة والدّين: إذ تعرج الملائكة والروح إليه بأمره وبأعمال العباد، وبالوحي وأرواح المخلوقات، وبكل ما فيه بقاء وصلاح وسعادة الإنسان على هذه الأرض.

وتضمّنت ثلاث مجموعات من الآيات: بدأت (18 آية) بالتأكيد بأن الكافر سيُعذّب ولن ينفعه أو ينجيه من العذاب قريب أو حميم، وذلك لأنه أدبر وتولى وجمع المال فبخل به؛ ثمّ (17 آية) عن أنّ المؤمن مُكرم في الجنات لأنه يصلي وينفق ويُصدّق ويحفظ فرجه وأماناته وعهده وصلاته؛ ثمّ (9 آيات) فمال الذين كفروا حولك مجتمعين ولا يعملون؟ أيطمعون أن يدخلوا الجنة؟ كلّا فقد خلقهم الله ممّا يعلمون، ثم هم يكفرون، وهو قادر على أن يستبدلهم ولا يعجزه شيء {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)}، كما يلي:

(الآيات 1-18): يسأل الكفار (استهزاءً وتعجيزاً) عن عذاب الله وهو واقع بهم، إذ تصعد الملائكة بأمره وبأعمال العباد وبكل ما فيه بقاء وصلاح الإنسان على هذه الأرض، والروح بالوحي وأرواح المخلوقات، في يوم مقداره خمسين ألف سنة، فاصبر على استهزائهم {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)}، يوم لا يسأل قريب عن قريبه، ويتمنى الكافر لو يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة بأبنائه، وزوجه، وأخيه، وعشيرته التي تؤويه، ومَن في الأرض جميعاً ثم ينجيه، كلّا إنها تتلظى وتنادي مَن أعرض عن الحق في الدنيا وتولّى وجمع المال وخزّنه.

(الآيات 19-35): إن الإنسان خلق هلوعاً (أي شديد الحرص)، إذا أصابه الشر جزوعاً، وإذا أصابه الخير منوعاً، إلا المصلين: الذين هم على صلاتهم دائمون، ويخرجون زكاة أموالهم، ويؤمنون بيوم الدّين، ويخافون العذاب، ويحفظون فروجهم، ويراعون الأمانات والعهود، ويؤدُّون شهاداتهم بالحق، ويحافظون على الصلاة، أولئك في جنّات مكرمون.

(الآيات 36-44): ما بال الذين كفروا يسرعون إليك ويجلسون حولك ليعيبوك ويستهزؤوا بك؟ ولا يعملون بما تأمرهم به، أيطمعون أن يدخلوا جنّات النعيم؟ كلا لن يدخلوها. إنَّا خلقناهم مما يعلمون، وإنَّا لقادرون على أن نستبدل بهم قوماً أفضل منهم، فاتركهم يخوضوا ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون، يوم يخرجون من القبور مسرعين {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)} وكانوا به يهزؤون ويُكَذِّبون.

نسأل الله العفو والعافية، اللهم ارزقنا صبراً جميلاً وعملاً صالحاً متقبلاً وتوفيقاً من عندك إلى اتباع دينك الحق وأكرمنا برحمتك في جنات النعيم.

070.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

يمكن تقسيم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى ثلاثة موضوعات رئيسية تدور حول تدبير الله لأمر الدنيا والناس بالأسباب التي يفعلها الإنسان مختاراً ويجازى عليها. فينزل الله الوحي بالهدى وترفع إليه الأعمال للحساب، ويبعث الأرواح ويقبضها، ويقسم الأرزاق، وكل شيء عنده بمقدار.

جعل دوام الصلاة والإنفاق والحفاظ عليهما وعلى العبادات سبباً في صلاح حال الإنسان. والحق هو أن الإنسان خلق ليعبد الله، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} الذاريات، وبدون هذه العبادة تفسد حياة الناس: لذلك ففي موضوع السورة الأول: تؤكد الآيات بأن الكافر سيعذب ولن ينفعه أو ينجيه قريب أو حميم، لأنه أدبر وتولى عن الدين والعبادة، وجمع المال فبخل به؛ وفي الثاني: أن المؤمن يكرم في الجنة لأنه يصلي وينفق ويُصدّق ويحافظ على فرجه وصلاته وعهده؛ وفي الثالث يسأل هل كل هؤلاء المهطعين (الذين يسرعون إليك ويجلسون حواليك ولا يعملون بما تأمرهم) سيدخلون الجنة؟ وقد خلقهم الله ممّا يعلمون، ثم هم يكفرون. وهو قادر على أن يستبدلهم بخير منهم، ولكن ذرهم يلعبوا وسيجاوزن على خوضهم ولعبهم (وعدم صلاتهم). كما يلي:

070.6.1- الآيات (1-18) الحديث عن منكري العذاب، والعذاب قريب منهم: لن ينجيهم أحد من العذاب، لأنه جزاء من أدبر وتولى وجمع فأوعى. يعذب لأن الإنسان جُبل على أن يكون (بدون صلاة) هلوعاً: إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً. (ولكي يزول هذا المرض وتُحل هذه المشكلة، يجب أن يكون من المصلّين المتبعين أوامر الله والمنتهين عن نهيه)

070.6.1.1- الآيات (1-4) دعا داع (من المشركين) أن ينزل العذاب عليهم، وهو واقع بهم لا محالة، ليس له مانع يمنعه من الله ذي المعارج، تصعد الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سني الدنيا.

070.6.1.2- الآيات (5-7) فاصبر على استهزائهم واستعجالهم العذاب، صبراً جميلاً. إن الكافرين يستبعدون العذاب ويرونه غير واقع، ونحن نراه واقعاً قريباً لا محالة.

070.6.1.3- الآيات (8-18) يوم تكون السماء مثل حُثالة الزيت، وتكون الجبال كالصوف المنفوش. ولا يسأل قريب عن قريبه، لأن الكل مشغول بنفسه. يرونهم ويعرفونهم، يتمنى الكافر لو يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة بأبنائه، وزوجه وأخيه، وعشيرته التي تؤويه، ومَن في الأرض جميعاً، ثم ينجو من عذاب الله. كلّا إنها جهنم تتلظى نارها وتلتهب، تنزع بشدة حرها جلدة الرأس وسائر أطراف البدن، تنادي مَن أعرض عن الحق في الدنيا وتولّى، وجمع المال وخزّنه ولم يؤدِّ حقه.

070.6.2- الآيات (19-35) لكي ينجيهم الله من العذاب ويكرمهم في الجنة فرض عليهم الصلاة: فالمصلي ينفق ويصدق بيوم الدين ويخشى العذاب فيحفظ فرجه ويحفظ العهد والأمانة ويحفظ صلاته.

إن الإنسان جُبِلَ على الهلع، إذا أصابه الشر جزوعاً، وإذا أصابه الخير منوعاً، إلا المصلين: الذين هم على صلاتهم دائمون، والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، والذين يؤمنون بيوم الحساب والجزاء، والذين هم خائفون من عذاب الله، إن عذابه لا يأمنه أحد. والذين هم حافظون لفروجهم، إلا على أزواجهم وإمائهم، فإنهم غير مؤاخذين، فمن ابتغى غير ذلك، فأولئك هم المعتدون. والذين هم حافظون لأماناتهم وعهدهم، والذين يؤدُّون شهاداتهم بالحق، والذين يحافظون على أداء الصلاة. أولئك في جنات مكرمون.

070.6.3- الآيات (36-44) وصف الكافرين الذين يولّون عن سماع الحق مسرعين، إلى خوضهم ولعبهم. فبأي سبب يطمعون بدخول الجنة.

فما الذي دفع الذين كفروا نحوك أيها الرسول، مقبلين بأبصارهم عليك، يتجمعون عن يمينك وعن شمالك حلقاً وجماعات؟ أيطمع كل واحد منهم أن يدخل جنة نعيم؟ كلا لا يدخلونها، إنَّا خلقناهم مما يعلمون مِن ماء مهين كغيرهم، فلم يؤمنوا، وحين يلاقوا ما يوعدون، سيخرجون من قبورهم مسرعين خاشعة أبصارهم من الذلّ. فلا أقسم برب مشارق الشمس والكواكب ومغاربها، إنا لقادرون على أن نستبدل بهم قوماً أفضل منهم وأطوع لله، وما أحد يسبقنا إذا أردنا.

فاتركهم يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون فيه بالعذاب، يوم يخرجون من القبور مسرعين، كأنهم إلى آلهتهم يهرولون ويسرعون، ذليلة أبصارهم، تغشاهم ذلة ومهانة، ذلك هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا، وكانوا به يهزؤون ويُكَذِّبون.

070.7 الشكل العام وسياق السورة:

070.7.1- سميت “المعارج” بهذا الاسم لأنه يثني ربنا سبحانه على نفسه ويصف أمره وفعله: بأنه ذو المعارج أي المراتب في النعم، والدرجات والعلو في السماوات، تصعد إليه الملائكة والروح في يوم مقداره خمسون ألف سنة. ويشمل ‏الاسم‏‏ عروج الأعمال والأرواح والملائكة، وأن كلّ أمر يعرج إلى الله سبحانه. ‏وتسمى ‏أيضا ‏سورة {‏‏سَأَلَ ‏سَائِلٌ‎}.

070.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

لقد خلق الله الإنسان ليكرمه، كذلك باقي المخلوقات كرامتها بأنها طائعة خاشعة، وحتماً فرِحة سعيدة بطاعتها لبارئها وفاطرها، وبتوافقها مع أصل خلقتها وجبلتها وتسبيحها تعظيماً وحمداً له {ولكن لا تفقهون تسبيحهم (44)} الإسراء. فكل مخلوقات الله راضية سعيدة بما هي فيه من عبادة الله طائعة مختارة غير مكرهة. غير أن الإنسان ولحكمة أرادها الله، رغب واختار أن يعبد الله باختياره، فاستجاب الله لرغبته وحمّله الأمانة. ومن ناحية ثانية فإن صفة الإنسان أنه خلق هلوعاً إذا مسّه الشر جزع إلى الله وإذا مسّه الخير بطر ومنع نعمة الله عن مستحقيها. فجعل الله له تكريماً، صلة به هي الصلاة، وهي العبادة التي تأمره باللجوء إلى الله في كل الأحوال، في السراء والضراء، وتأمره أن يحفظ فرجه ويؤدي زكاة ماله ويحفظ الأمانة والشهادة، فإن فعل أكرمه الله في الجنة؛ وتحذّره من الظلم والشرك والمعصية، فإن ظلم وأشرك وعصى عذّبه الله بالنار. ولبيان هذا المقصد احتوت السورة على الموضوعات التالية:

070.7.2.1- الآيات (1، 2، 6، 36-38، 42) تتحدّث عن إعراض الكافرين المستهزئين بالرسول، الذين يستبعدون العذاب ويرونه غير واقع، الطامعين في دخول جنات النعيم: (7 آيات)

ابتدأت السورة بالحديث عن طغيان أهل مكة، وعن تمردهم على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستهزائهم بالإنذار والعذاب الذي خوفوا به، وذكرت مثلا لطغيانهم بما طلبه بعض صناديدهم وهو (النضر بن الحارث) حين دعا أن ينزل الله عليه وعلى قومه العذاب العاجل، ليستمتعوا به في الدنيا قبل الآخرة، وذلك مكابرة في الجحود والعناد.

قال المفسرون: كان المشركون يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم، يَسْتَمِعون كلامَه ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزؤون، ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنةِ لَندخُلَنَّها قبلهم، وليكونَنّ لنا فيها أكثرُ مما لهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية. ومعناها: ما بالهم يسرعون إليك ويجلسون حواليك ولا يعملون بما تأمرهم. وقيل: أي ما بالهم مسرعين في التكذيب لك. وقيل: أي ما بال الذين كفروا يسرعون إلى السماع منك ليعيبوك ويستهزئوا بك.

هم يستبعدون العذاب ويرونه غير واقع. فاتركهم يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يوم القيامة الذي يوعدون فيه بالعذاب.

070.7.2.2- الآيات (3-5، 7، 39-41) يثني ربنا سبحانه على نفسه ويصف أمره وفعله مع هؤلاء العصاة: بأنه ذو المعارج أي المراتب في النعم، والدرجات والعلو في السماوات، تصعد إليه الملائكة والروح في يوم مقداره خمسون ألف سنة. (الملائكة بأمره وبأعمال العباد، والروح بالوحي وأرواح المخلوقات، وبكل ما فيه صلاح الإنسان على هذه الأرض). الكل له طائع، شاء أم أبى، المؤمن والكافر سيقف قريباً أمامه للسؤال والحساب، فاصبر صبراً جميلاً. الله قادر على أن يبدل الكافرين بخير منهم، لكنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملاً ثم يحاسبهم، وهذا قضاؤه. (7 آيات)

070.7.2.3- الآيات (8-18، 43، 44) تتحدث عن البعث والحساب والعذاب للكافرين: في ذلك اليوم الفظيع الذي تتفطر فيه السماوات، وتتطاير فيه الجبال، فتصير كالصوف الملون ألوانا غريبة. في ذلك اليوم يتمنى الكافر لو يفدي نفسه من العذاب بأبنائه، وزوجه، وأخيه، وعشيرته التي تؤويه، ومَن في الأرض جميعاً، ثم ينجو من العذاب، لكنها جهنم تتلظى نارها وتلتهب تدعوا المدبرين عن الحق والذين يكنزون المال. ويوم يخرجون من القبور مسرعين، تغشاهم ذلة ومهانة، ذلك هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا، وكانوا به يهزؤون ويُكَذِّبون. (13 آية)

070.7.2.4- الآيات (19-21) صفة الإنسان: تتحدث الآيات عن طبيعة الإنسان، بأنه هلوع أي شديد الحرص، والهلوع تفسره الآيتان بعده: فهو الجزوع عند الشر والمنوع عند الخير. (3 آيات)

صفة الهلع التي اقتضت الحكمة الإلهية أن يخلق الإنسان عليها ليهتدي بها إلى ما فيه خيره وسعادته، هي نعمة وفضيلة للإنسان، لكنه بجهله وسوء فهمه يستخدمها في غير محلها فتهلكه. فالأولى أن يجزع في الشدّة إلى ربّه خالق كل شيء والذي بيده كل النعم، ويحرص على عبادة ربّه وعلى فعل الخيرات فيفوز بهذا الفعل الناس جميعاً؛ وألا يمنع الخير والنعمة عندما تأتيه عن غيره، لأنه بفعله هذا يَحرم أخاه الإنسان من حقه، فيحصل العداء والتنافس الحيواني والفساد، فيخسر الناس جميعاً.

070.7.2.5- الآيات (22-35) تتحدث عما اتصف به المصلين: من جلائل الصفات، وفضائل الأخلاق، وبينت ما أعد الله لهم من عظيم الأجر، في جنات الخلد والنعيم. فالمصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ويحافظون، ويؤدون زكاة أموالهم، ويصدقون بالحساب والعذاب، ويحفظون فروجهم، ويراعون عهدهم وأماناتهم، ويقومون بشهاداتهم، أولئك أكرمهم الله بالجنة. خلقهم الله ليعبدوه وليكرمهم في الجنة، ويسعدهم بالشيء الذي يناسب ويتوافق مع فطرتهم، فأخذوا بأسباب النجاة والسعادة، ففازوا. في جنات مكرمون (14 آية)

070.7.3- سياقها كما يفهمها المؤمن، ثم كما يفهمها الكافر:

070.7.3.1- المؤمن: يرى أن لا شيء يغيب عن تدبير الله، وأن إليه يعرج كل شيء، فيتوكل على الله في سعيه ويخشى عقابه. ثم ما عليه إلا الصبر قليلاً في هذه الدنيا الفانية حتى يأتي وعد الله القريب بالبعث والحساب، فيفوز بتكريم الله له بالجنة. كذلك عليه أن يسابق إلى رضى الله بالمحافظة على الصلاة وإخراج حق المال واتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، وألا يبالي بما يفعله الكفار فكل إنسان محاسب على أعماله ومسئول أمام الله عن نفسه فقط.

070.7.3.2- الكافر: قصير نظر ولا يرى سوى مصلحته الآنيّة. يعمل بدون رقيب ولا يبالي بغير نفسه، ويظن أن مقصد وجوده على الأرض هو إشباع غرائزه، والتفاخر بنعمة الله على غيره، تحكمه أهواءه وشهواته، فهو يعيش لدنياه فقط، مشغول فيها ولها. لا يتأمل الآيات ولا يستمع النذير ولا يخاف الوعيد، يجمع المال ويكتنزه، ويمنعه عن غيره من المحتاجين، استئثاراً به لنفسه، واعتقاداً بأنه يستحقه دون غيره، ويعادي غيره لأنه حريص على الدنيا، وهم كذلك حريصون عليها. الكفار كلهم جزعين من أن يسبقهم إلى الخير أحد غيرهم، يتنافسون على الدنيا، ويعادي بعضهم بعضاً هلعاً حتى يعمهم الظلم والفساد وينتشر بينهم فيعذبوا في الدنيا بما كسبت أيديهم، أو يهلكهم الله كما أهلك الأمم من قبلهم. فإذا بعثوا ورأوا العذاب في الآخرة، فلن ينفعهم وقتها أموالهم ولا أولادهم ولا أزواجهم ولا أحد ينجيهم من عذاب الله، خاشعين ذليلين، وقد أفسدوا في الدنيا وقامت عليهم الحجة.

070.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

070.7.4.1- القصص في الآيات: (1، 36-38، 42) = 5 آيات.

070.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (8-18، 43، 44) = 13 آية.

070.7.4.3- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (3، 4، 39-41) = 5 آيات.

070.7.4.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (2، 5-7، 19-35) = 21 آيات.

070.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

070.8.0- وهكذا لمّا كان مقصدها الرّد على سؤال المكذبين المستهزئين بالعذاب، عن طريق الإعلام بحسن تدبير الله لشؤون عباده، وأنه خلق الإنسان شديد الحرص {هَلُوعًا} يُحب ما يسرّه ويهرب مما يكرهه، وأنه ابتلاه باتباع الدّين (المذكور في الآيات 22-34) لأنّ فيه خيره وسعادته في الدنيا والآخرة، ولمّا جعل الملائكة والروح تعرج بأمره ووحيه وتقديره وتدبيره وتذكيره لكيلا يُهلك الإنسان نفسه بجهله وسوء فهمه وتقديره، فمن اتبع تدبير الله وأطاع هديه فاز وأفلح، ومن عصى خسر وعُذّب، فختمت بقوله: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)}. وقد سبقتها سورة الحاقّة بالإعلام بأن ذلك اليوم الذي يوعدون هو يوم الحاقة ويوم القارعة، وأثبتت حقيقة وقوعه بالقدرة على إهلاك الأمم في أولها، وبأنباء أحداثه ووجوبه في أوسطها، وبالقسم {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)} في آخرها، وسبقتها كذلك القلم: بالدفاع عن صدق الرسول وخُلقه العظيم، ومن قبلها الملك: بالإعلام بأن الله الذي بيده الملك خلق الموت والحياة ليختبرهم أيّهم أحسن عملاً.

وقد أعقبها على نفس السياق سورة نوح: عن إرسال المرسلين واستنفاذ كل الوسائل والسّبل في الدعوة إلى اتباع الوحي والنذير من العذاب، ثمّ الجن: عن سهولة كلام الله وقربه من العباد، وبساطة تذكيره الهادي إلى الرشد الناهي عن الباطل، بدليل استجابة الجن وتصديقهم، كذلك أعقبتها المزّمّل: بالأمر بالقيام والتذكرة، والمدّثر: بالإنذار والصبر والتذكير، والقيامة: بقدرة الله على جمع العظام وإحياء الموتى، والإنسان: بأن الله خلق الإنسان بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً، والمرسلات: بالقسم {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)} وبالويل للمكذبين {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}، والنبأ: بالعجب من تساؤلهم عن النبأ العظيم واختلافهم فيه، والنازعات: بالقسم على وقوع القيامة، وعبس: على أنها الصاخّة، والتكوير: وصفت القيامة كأنها رأي العين، وكذلك الانفطار: فيها وصف القيامة ومصائر العباد، ثم استمرّ إلى آخر القرآن الإعلام بوقوع الوعد بالعذاب للكافرين والنجاة للمؤمنين حتى يحذر من أراد السلامة والنجاة لنفسه.

070.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: هذه السورة كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف يوم القيامة والنار وقال ابن عباس‏:‏ إنها نزلت عقب سورة الحاقة وذلك أيضاً من وجوه المناسبة في الوضع.

070.8.2- وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير: لما انطوت سورة الحاقة على أشد وعيد وأعظمه أتبعت بجواب من استبطأ ذلك واستبعده إذ هو مما يلجأ إليه المعاند الممتحن، فقال تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع (1)}، إلى قوله {إنهم يرونه بعيداً (6) ونراه قريباً (7)}، ثم ذكر حالهم إذ ذاك يوم {يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه (11)}، ثم أتبع بأن ذلك لا يغني عنه ولا يفيده {إنها لظى (15)}، ثم ختمت السورة بتأكيد الوعيد وأشد التهديد {فذرهم يخوضوا ويلعبوا (42)}، إلى قوله {ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون (44)}، ذلك يوم الحاقة ويوم القارعة.

070.8.3- وقال البقاعي: وتسمى سأل، مقصودها إثبات القيامة وإنذار من كفر بها وتصوير عظمتها بعظمة ملكها وطول يومه وتسلية المنذر بها بما لمن كذبه بما له من الصغار والذل والتبار، ودل على وجوب وقوعها سابقا بما ختمه بتسميتها في السورة الماضية بالحاقة تنبيها على أنه لابد منها ولا محيد عنها، ودل على ذلك بالقدرة في أولها والعلم في أثنائها والتنزه عما في إهمالها من النقص في آخرها ولا خفاء بما أخبر من أنه أرسل جميع رسله بالتحذير منها فأرسل نوحا عليه السلام في الزمان الأقدم كما ذكر في سورته عند ما اختلف الناس بعدما كانوا عليه في زمان أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام من الاتفاق على الدين الحق فافترقوا إلى مصدق ومكذب، فعلم منه أن من بعده أولى بذلك لقربهم منها، وأتبع ذلك الإعلام أنه دعا إلى ذلك الجن الذين كان سبيلهم فيها سبيل الآدميين، وأتبع ذلك – بعد إرسال أول الرسل بها زماناً – آخرهم زماناً وأولهم نبوة حين كان نبياً وآدم بين الروح والجسد، فبدأ في سورة المزمل بنبوته ومزيد تزكيته وتقديسه ورفعته والإخبار عن رسالته والتحذير من مخالفته، وأتبع ذلك الإنذار بها بالصدع بالرسالة بمحو كل ضلالة، فلما تقررت نبوته وثبتت رسالته على أجمل الوجوه وأجلاها وأبينها وأعلاها اشرفها وأولاها، جعل سبحانه سورة القيامة كلها لها إعلاما بأن الأمر عظيم جداً يجب الاعتناء به والتأهب له والاجتهاد بغاية القوة وإفراغ الجهد، ثم اتبع ذلك الإنسان دلالة على أنه المقصود بالذات من الأكوان، فلا يسوغ في الحكمة أن يجعله سبحانه سدى. وبين كثيراً من أحوالها ثم أقسم في المرسلات أن أمرها حق لابد منه ولا مندوحة عنه، ثم عجب في (عم) منهم في تساؤلهم عنها وتعجيبهم منها ثم أقسم على وقوعها في النازعات وصور من أمرها وهزاهزها ما أراد، ثم أولى ذلك الدلالة في سورة عبس على أن من الناس من طبع على قلبه فلا حيله في تصديقه بها مع ما يتبين بالسورة الماضية وغيرها من أمرها، ثم صورها في (كوّرت) تصويراً صارت من رأي عين لو كشف الغطاء ما ازداد الموقنون بها يقيناً، ثم بين في الانفطار أن الأمور فيها ليست على منهاج الأمور هنا، بل الأسباب كلها منقطعة والأنساب مرتفعة، والكل خاضعون مخبتون خاشعون، أعظمهم في الدنيا تجبراً أشدهم هنالك صغاراً وتحسراً، ثم أتبع ذلك من يستحق هنالك النكال والسلاسل والأغلال، ثم أولاه رفعة أهل الإيمان الذين طبعهم على الإقرار بها والعرفان، واستمر على هذا إلى آخر القرآن قل أن تأتي سورة إلا وهي معرفة بها غاية المعرفة إلى أن ختم بالدين إشارة بذلك إلى أن معرفتها هي الدين وأشار في (تبت) إليها وأتبعها الإخلاص إشارة إلى أنه لا يسلم فيها إلا الموحدون المعاذون من الفتن الظاهرة والباطنة، المتصفون بالمحامد المتعاظمة المتكاثرة، فآذن ذلك أن أكثر غاية القرآن في أمرها العظيم الشأن لأنه لا كتاب بعد هذا الكتاب ينتظر ولا أمة أشرف من هذه تخص ببيان أعظم من بيانها وهو أحد الأوجه التي فاق بها القرآن على الكتب الماضية والصحف الكائنة في القرون الخالية، وآذن ذلك بأن الأمر قد قرب والهول قد دهم والخوف قد قدح، ليشمر أهل الاختصاص في النجاة من عذابها والخلاص، حين لا مفر ولا ملجأ ولات حين مناص، نسأل الله العافية في يومها والعيشة الراضية، وعلى هذا المقصد دل اسمها (سأل) وكذا المعارج وهما أنسب ما فيها للدلالة على ذلك.

انظر تناسب سورة الجن مع غيرها من السور (072.8.2).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top