العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


079.0 سورة النازعات


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


079.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 46 آية. 4) التاسعة والسبعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والرابعة والثمانون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “النبأ”. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمى أيضاً سورة الساهرة.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 1 مرة، رب 4 مرات، مخرج 2 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: ناشطات 2 مرة؛ (1 مرّة): النازعات، واجفة، الحافرة، نخرة، الساهرة، الطامة، سمكها، أغطش، دحاها.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (2 مرّة) ضحاها، المأوى.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (3 مرات): يخشى؛ (2 مرّة): طغى، سابحات، سابقات، ترجف؛ (1 مرّة): زجرة، طوى، تزكى.

079.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

روي عن ابن عباس رضي الله عنه قوله إن سورة النازعات نزلت بعد سورة النبأ.

079.3 وقت ومناسبة نزولها:

موضوعها أيضاً يؤيّد أنها نزلت في بداية العهد المكي. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

079.4 مقصد السورة:

079.4.1- التأكيد على حقيقة قدوم الساعة التي ينكرونها، ويسألون طغياناً وتعنتاً عن وقتها. وهي ثلاث مراحل تبدأ بالموت والقبر، ثم البعث والحساب، ثم إما الجنة أو النار.

079.4.2- مقصدها وهو تأكيد حقيقة قدوم الساعة نجده في كل السورة، وهو جواب لسؤالهم في الآية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)} (42): حيث تبدأ السورة بالقسم بملائكة الموت، ثم بالوعيد بزجرتها، ثم بقصّة موسى وهلاك فرعون، وبدلائل قدرة الله على خلق الكون وتدبير نظامه، وبالترهيب والترغيب، وبالإنذار من سرعة قدومها وكأنهم حين يرونها لم يلبثوا إلا جزءاً من النهار.

079.4.3- وقال البقاعي: مقصودها بيان أواخر أمر الإنسان بالإقسام على بعث الأنام، ووقوع القيام يوم الزحام وزلل الأقدام، بعد البيان التام فيما مضى من هذه السور العظام، تنبيها على أنه وصل الأمر في الظهور إلى مقام ليس بعده مقام، وصور ذلك بنزع الأرواح بأيدي الملائكة الكرام، ثم أمر فرعون اللعين وموسى عليه السلام، واسمها النازعات واضح في ذلك المرام، إذا تؤمل القسم وجوابه المعلوم للأئمة الأعلام، وكذا الساهرة والطامة إذا تؤمل السياق، وحصل التدبير في تقرير الوفاق.

079.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في بداية العهد المكي بعد سورة النبأ، ومقصدها الإجابة عن السؤال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)} أي متى تقوم القيامة، فهو سؤال تعنت، فكونه لم يُعيّن وقتها لا يعني انتفاءها، لأن وقتها قريب يبدأ بالموت الذي يعرفونه، فاستهلّت بالقسم بملائكته التي تنزع أرواح الكفّار نزعاً شديداً وتسبق بهم إلى النار، وتقبض أرواح المؤمنين برفق ولين وتسبق بهم إلى الجنة.

وتضمنت ثلاث مجموعات من الآيات، كل مجموعة تتألف من شقين أحدهما دليل على الآخر: استهلّت (9 آيات) بالقسم بالملائكة التي تقبض الأرواح بأمر الله، وهو دليل على خبر قيام الساعة بالنفخة الأولى فتموت الخلائق، تتبعها الرادفة فتبعث للحساب والجزاء، ثمّ (17 آية) إنكارهم البعث وإنما هو زجرة واحدة، ودليله قصّة موسى وفرعون، وفيها درس وعبرة بأنه لا تقوم الساعة حتى تقام الحجّة على الناس، فيفوز من اهتدى وتزكّى ويهلك من طغى في الدارين الدنيا والآخرة، ثمّ (20 آية) كل شيء في الوجود كائن بخلق الله وتكوينه ووقته وحينه، فلستم أشدّ من السماء بناها في مليارات السنوات الضوئية، أظلم ليلها وأنار نهارها والأرض أودع فيها منافعها، وهي دليل على أنه إذا جاءت الساعة ستجزون على أعمالكم بالعقاب في النار أو بالثواب في الجنّة، كما يلي:

(الآيات 1-9): القسم بملائكة الموت التي تنزع أرواح الكفار وتنشط أرواح المؤمنين، وتسبح في السماء مسرعة في أمر الله، وسابقة في إيصاله، ومدبّرة ما أمرت بتدبيره، مما يدل على قدرة الله وحكمته وعلمه وتقديره وتدبيره، يميت الناس جيلاً بعد جيل على مرّ الزمان بحكمته وتقديره بعد أن أحياهم، ثمّ يقيم الساعة (وهي القيامة التي لا يعلم وقتها إلا الله) بالراجفة: أي النفخة الأولى التي يموت بها جميع الخلائق، تتبعها الرادفة: النفخة الثانية التي تكون عند البعث، والقلوب يومئذ خائفة فزعة والأبصار ذليلة.

(الآيات 10-26): يقول المكذبون بالبعث مُنكرين قدرة الله: أنُرَدُّ أحياء وقد صرنا عظامًا بالية؟ تلك ستكون رجعة خاسرة خائبة، فإنما هي زجرة أو نفخة واحدة فإذا هم أحياء على وجه الأرض، ومَثلهم في تكذيبهم بعد أن جاءهم الهدى كمثل فرعون إذ أرسل الله تعالى إليه نبيه موسى يدعوه أن يطهِّر نفسه من النقائص ويزكيها بالإيمان، ويرشده إلى ربه لعله يخشاه ويتقيه فيرتدع، {فَكَذَّبَ وَعَصَى (21)} وتمادى في الجبروت والطغيان {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)}، فقصمه الله وأهلكه بالغرق هو وقومه، وفي قصّة فرعون عبرة لمن يخشى الله ويتقيه.

(الآيات 27-46): توبيخ وتبكيت للكفار، فمن هو قادر على بناء السماء السميكة بهذا التقدير والترتيب الزمني وما فيها من عجائب تتابع الليل والنهار والأرض وما فيها من ماء ومرعى وجبال متاعاً دائماً متجدداً لكم، كيف يعجز عن إعادة الأجسام التي أماتها بعد أن خلقها أول مرة؟ ثمّ تخويفهم بالطامّة (التي تطم وتدفن كل شيء من عظم هولها) إذا جاءتهم وبرّزت الجحيم وهي مأوى من طغى، أما من اتقى فمأواه الجنة. ثم يَسألون عن الساعة متى وقوعها، سؤال تعنّت، وإنما علمها على التعيين عند الله، والمصلحة في إخفائها عليهم ثمّ تأتيهم فجأة، كلّ بأجله وما على الرسول إلا النذير {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}.

ولمّا تعجّلوا السؤال عن الساعة استهزاءً، فقد أجّل الحديث عن موعدها إلى آخرها، فقال: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} بما يتناسب مع جهلهم وتعنتهم، وقدّمت ثلاثة أشياء هي أولى بالسؤال والتدبّر وهي: الملائكة التي تعمل سابقة في قبض أرواحهم، ثمّ أمر التزكية والهدى كما في قصّة فرعون، ثمّ نبأ ما بعد أسباب السماوات التي بناها والأرض والنعيم والمتاع وهو مجيء الطامّة الكبرى، أما تعيين السّاعة فلا يعلمها إلا الله، فليصغوا للنذير وليعملوا ويترقّبوا، وأنها توشك أن تحل فيعلمونها عياناً.

وهي كذلك الأخيرة في خمس سور متتالية ومتناسبة من القيامة إلى النازعات، برهنت على قيام الساعة بخمس طرق مختلفة، ففي القيامة: قدرة الله على إعادة جمع العظام وإحياء الموتى، والإنسان: أوجد الله الإنسان ولم يكن شيئاً وهو أقدر على أن يعيده ويحييه بعد موته، والمرسلات: قدرة الله على بعث وجمع الأولين والآخرين ليحاسبهم ويفصل بينهم، والنبأ: أسباب وحكمة وتوقيت يوم القيامة وهو العمل، والنازعات: لا أحد يعلم ساعة قيام الساعة إلا الله وهي قريبة جداً تبدأ بعد موتهم.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خيرُ من زكّاها أنت وليّها ومولاها.

079.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تضمنت السورة باعتبار ترتيب آياتها على موضوعات في ثلاث مجموعات من الآيات: استهلّت (9 آيات) بالقسم بالملائكة التي تقبض الأرواح بأمر الله في كل وقت وحين، يليه قيام الساعة بالنفخة الأولى فتموت الخلائق تتبعها الرادفة فتبعث للحساب والجزاء، ثمّ (17 آية) إبطال قول المشركين بتعذّر إِحياء العظام وهي رميم، وقصّة موسى وفرعون وفيها عبرة بأنه لا تقوم الساعة حتى يُختبر الإنسان بالهدى والطهارة والزكاة، فيهلك في الدنيا من طغى وينجو من اتقى، يعقبه الحساب والجزاء حين تقوم الساعة، ثمّ (20 آية) كل شيء في الوجود كائن بخلق الله وتكوينه ووقته وحينه، فلستم أشدّ من السماء بناها (في مليارات السنوات الضوئية) أظلم ليلها وأنار نهارها والأرض أودع فيها منافعها، فإذا جاءت الساعة ستجزون على أعمالكم بالعقاب بالنار والثواب بالجنّة، كما يلي:

079.6.1- الآيات (1-9) القسم بملائكة الموت لتأكيد حقيقة البعث للحساب على الأعمال، وذلك في الرد على المكذبين بالبعث بعد الموت.

079.6.1.1- الآيات (1-5) أقسم الله تعالى بالملائكة الكرام وأفعالهم في تنفيذ أمره. وهي الملائكة التي تنزع أرواح الكفار وتنشط أرواح المؤمنين، وتسبح في السماء مسرعة في أمر الله، وسابقة في ايصاله، ومدبرة ما أمرت بتدبيره.

079.6.1.2- الآيات (6-9) قيام الساعة بالراجفة أي النفخة الأولى التي يموت بها جميع الخلائق، والرادفة: النفخة الثانية التي تكون عند البعث. والقلوب يومئذ خائفة والأبصار تظهر عليها الذلّة.

079.6.2- الآيات (10-26) إبطال قول المشركين بتعذّر إِحياء العظام وهي رميم، وقصة موسى وفرعون وفيها تأكيد على ضرورة البعث والحساب والجزاء، والوعيد بها، لردع الظلم والطغيان.

وقد قالوا في الدنيا على وجه التكذيب: إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت مما يقوله محمد. والأمر سهل عند الله فإنما هي زجرة أو نفخة واحدة فإذا هم أحياء على وجه الأرض.

أرسل الله تعالى نبيه موسى إلى الطاغية فرعون يدعوه بلطف وتودد أن يطهِّر نفسه من النقائص ويزكيها بالإيمان، وينهاه عن ادعاء الربوبية وعن التمادي في الجبروت والطغيان، وأُرشده إلى طاعة ربه، لعله يخشاه ويتقيه فيرتدع. فكان الطغيان صَادّاً له عن الإِصغاء إلى الإِنذار بالجزاء، فقصمه الله، وأهلكه بالغرق هو وقومه. وفي قصّة فرعون هذه وما فعل به عبرة عظيمة لمن شأنه أن يخشى الله ويتقيه.

079.6.3.1- الآيات (27-33) توبيخ لكفار مكّة وتبكيت، لأن من قدر على بناء السماء السميكة وما فيها من عجائب الليل والنهار والأرض وما فيها من ماء ومرعى وجبال، كيف يعجز عن إعادة الأجسام التي أماتها بعد أن خلقها أول مرة؟

079.6.3.2- الآيات (34-41) تخويفهم بالجحيم وبشارتهم بالجنة: فإذا جاءت الطامّة، وهي عند العرب الداهية التي لا تستطاع، التي تطم وتدفن كل شيء لعظم هولها. تكون الجحيم بارزة للكافر فيزداد غمّاً وحسرة على هذا المأوى الذي سيأوي إليه، فأما المؤمن فيعرف برؤيتها قدر نعمة الله عليه بالسلامة منها إلى مأواه في الجنة.

079.6.3.3- الآيات (42-46) يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن تعيين وقت الساعة سؤال تعنت، إذ ليس للعباد مصلحة دينية ولا دنيوية في معرفة وقت مجيء الساعة. إنما يعلمها الله سبحانه وتعالى، بل المصلحة في إخفائها عليهم. وهؤلاء الذين فضلوا الدنيا على الآخرة، سيفاجئون حين قدومها أنهم لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، وسيكتشفون متأخرين خطأ اختيارهم، وإنما كانت وظيفة الرسول هي إنذارهم وتخويفهم للاستعداد لها وليس تحديد موعدها.

079.7 الشكل العام وسياق السورة:

079.7.1- اسم السورة “النازعات”: وهي الملائكة التي تنزع أرواح الكفار وتنشط أرواح المؤمنين، وتسبح في السماء مسرعة في أمر الله، وسابقة في ايصاله، ومدبرة ما أمرت بتدبيره. وفي القسم بها تأكيد حقيقة الآخرة الهائلة الضخمة العظيمة الكبيرة وما يحصل فيها: يوم ترجف الراجفة التي يموت بها جميع الخلائق، تتبعها الرادفة وهي عند البعث وقيام الساعة. و‏تُسَمَّى ‏أَيْضَاً‏‏ ‏السَّاهِرَةُ‏‏، ‏وَالطَّامَّةُ‎.

079.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:

احتوت السورة باعتبار موضوعات أياتها على موضوعين رئيسيين هما تأكيد قيام الساعة وحصول البعث، وذلك بذكر بعض التفاصيل عن أحداثهما، ثم إثبات ذلك بالإشارة إلى علاماتها والأدلة عليها بالقصص والآيات الكونية، وقد جاء سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها كما يلي:

079.7.2.1- الآيات (1-9) القسم بملائكة الموت لتأكيد حقيقة البعث للحساب على الأعمال، وذلك في الرد على المكذبين بالبعث بعد الموت.

079.7.2.2- الآيات (10-26) إبطال قول المشركين يتعذر الإِحياء بعد انعدام الأجساد، وقصة موسى وفرعون وفيها تأكيد على ضرورة البعث والحساب لردع الظلم والطغيان.

079.7.2.3- الآيات (27-33) التذكير بالآيات العظيمة وتحذيرهم من قدرة الله عليهم وأنهم لا يعجزونه وقد خلق ما هو أشد منهم خلقاً، كبناء السماء وتسويتها وجعل الليل والنهار وخلق الأرض والماء والجبال متاع لهم ولأنعامهم.

079.7.2.4- الآيات (34-41) الوعيد بذكر بعض أحداث البعث: وعرض الأعمال على الناس، فأما من طغى في الدنيا وفضلها على الآخرة، فإن مصيره إلى النار. وأما من خاف القيام بين يدي الله للحساب، ونهى النفس عن الأهواء الفاسدة، فإن الجنة هي مسكنه.

079.7.2.5- الآيات (42-46) يسألون الرسول، استخفافاً، عن وقت حلول الساعة التي يتوعدهم بها. وليس له مِن علمها شيء، بل مرد ذلك إلى الله عز وجل، وإنما شأنه في أمر الساعة أن يحذر منها مَن يخافها.

اتخذ الكفار من استبطائهم لقدوم البعث حجّة على استحالته، وجعلوا ذلك أمارة على انتفائه، فلذلك يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن تعيين وقت الساعة سؤال تعنت، وأن شأن الرسول أن يذكرهم بها وليس شأنه تعيين إبانها، وأنها يوشك أن تحل فيعلمونها عياناً وكأنهم مع طول الزمن ولهولها لم يلبثوا إلا جزءاً من النهار.

079.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات الآيات:

باعتبار موضوعات آيات السورة يمكن تقسيمها إلى مجموعتين من الآيات جميعها تقصد إلى تأكيد أن ساعة الموت والبعث والحساب والجزاء حق: الأولى بالقسم بملائكة الموت وبذكر أحداث الساعة العظيمة وأهوالها ترغيباً وترهيباً، والمجموعة الثانية بالعبرة والدليل من قصة هلاك فرعون والآيات والحجة والدليل من خلق السماوات والأرض وتدبير أمر الكون:

079.7.3.1- تأكيد أن ساعة الموت والبعث والحساب والجزاء حق: الأولى بالقسم بملائكة الموت وبذكر أحداث الساعة العظيمة وأهوالها ترغيباً وترهيباً:

079.7.3.1.1- الآيات (1-5) أقسم الله تعالى بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار، نزعا شديدا، والملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بنشاط ورفق، والملائكة التي تَسْبَح في السماء، فالملائكة التي تسبق، فالملائكة المدبرات بأمر ربها شؤون الكون.

079.7.3.1.2- الآيات (6-14) لتُبعثَنَّ الخلائق وتُحَاسَب، يوم ترجف الأرض بنفخة الإماتة، تتبعها نفخة الإحياء. قلوب يومئذ خائفة، أبصار خاشعة ذليلة من هول ما ترى. يقول هؤلاء المكذبون بالبعث: أنُرَدُّ بعد موتنا إلى ما كنا عليه أحياء في الأرض، وقد صرنا عظاماً بالية؟ قالوا: رجعتنا تلك ستكون إذاً خائبة كاذبة. فإنما هي نفخة واحدة، فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد أن كانوا في بطنها، فالله لا يعجزه شيء.

079.7.3.1.3- الآيات (34-41) فإذا جاءت القيامة الكبرى وهي النفخة الثانية، عندئذ يُعْرَض على الإنسان عماله فيتذكرها ويعترف بها، وأُظهرت جهنم فتُرى عِياناً. فأمَّا مَن طغى وفضل الحياة الدنيا على الآخرة، فإن مصيره إلى النار. وأمَّا مَنْ خاف القيام بين يدي الله، ونهى النفس عن اتباع الهوى، فإن الجنة هي المأوى.

079.7.3.1.4- الآيات (42-46) يسألك المشركون استخفافا، عن وقت حلول الساعة التي تتوعدهم بها. ولستَ في شيء مِن علمها، بل مرد ذلك إلى الله عز وجل، وإنما أنت منذر منها مَن يخافها. كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا؛ لهول الساعة إلا جزء من أوّل النهار أو من آخره.

079.7.3.2- تأكيد أن ساعة الموت والبعث والحساب والجزاء حق، بالعبرة والدليل من قصة هلاك فرعون وبالآيات والحجة والدليل من خلق السماوات والأرض وتدبير أمر الكون:

079.7.3.2.1- الآيات (15-26) هل أتاك خبر موسى؟ حين ناداه ربه بالوادي المقدس “طوى”، فأمره أن يذهب إلى الطاغية فرعون فيتودد إليه كي يزكي نفسه فيطهرها من النقائص، ويُرشده إلى طاعة ربه، فيخشاه ويتقيه. فأرى موسى فرعونَ المعجزة الكبرى، فكذب فرعون وعصى ربهَ، ثم أدبر يسعى في العناد. فجمع أهل مملكته وناداهم، فقال: أنا ربكم الذي لا ربَّ فوقه، فانتقم الله منه بالعذاب في الدنيا والآخرة، وجعله عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين. إن في فرعون وما نزل به من العذاب لموعظةً لمن يتعظ وينزجر.

079.7.3.2.2- الآيات (27-33) أبَعْثُكم بعد الموت أشد أم خلق السماء؟ رفعها فوقكم فسوّاها، وأظلم ليلها، وأبرز نهارها. والأرض بعد خلق السماء بسطها، وفجَّر فيها عيون الماء، وأنبت فيها ما يُرعى من النباتات، وأثبت فيها الجبال أوتاداً لها. خلق سبحانه كل هذه النعم منفعة لكم ولأنعامكم. إن إعادة خلقكم يوم القيامة أهون على الله من خلق هذه الأشياء، وكله على الله هين يسير.

079.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

079.7.4.1- آيات القصص: (15-26) = 12 آية.

079.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (6-14، 34-41) = 17 آية.

079.7.4.3- آيات الله في السماوات والأرض: (1-5، 27-33) = 12 آيات.

079.7.4.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (42-46) = 5 آيات.

079.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

079.8.0- هي الأخيرة في خمس سور متتالية ومتناسبة من القيامة إلى النازعات، برهنت على قيام الساعة بخمس طرق مختلفة، ففي القيامة: قدرة الله على إعادة جمع العظام وإحياء الموتى، والإنسان: أوجد الله الإنسان ولم يكن شيئاً وهو أقدر على أن يعيده ويحييه بعد موته، والمرسلات: قدرة الله على بعث وجمع الأولين والآخرين ليحاسبهم ويفصل بينهم، والنبأ: أسباب وحكمة وتوقيت يوم القيامة وهو العمل، والنازعات: لا أحد يعلم ساعة قيام الساعة إلا الله وهي قريبة جداً تبدأ بعد موتهم.

 

079.8.1- هذه السور الخمسة: القيامة والإنسان والمرسلات والنبأ والنازعات تتشابه إلى حدّ كبير في المقصد والموضوعات التي تعالجها، وهو نفس الموضوع المسيطر على عقول الناس في مكّة والمتعلق باعتقادهم باستحالة البعث والحساب على الأعمال. ومن أجل تأكيد وإثبات البعث والحساب خاطبت السور مجتمعة ومنفردة الإنسان بقلبه وعقله كما يلي:

– خاطبت قلب الإنسان بالوعيد بالعذاب في النار مع ذكر تفاصيل عن بعض أحداث الموت والبعث وبالتخويف والترهيب من أهوال يوم القيامة، وكذلك بالوعد بالفوز بالجنة مع ذكر النعيم والبشارة بالجزاء الكريم العادل في الآخرة.

– وخاطبت عقل الإنسان بآيات الله العظيمة في خلق الإنسان نفسه وخلق الكون من حوله، وذكّرته بالقصص وبذكر العلامات والآيات التي تؤكد صدق الوعد والوعيد بالبعث والحساب والجزاء.

ويتشابه مقصود كل سورة وموضوعاتها حول البعث والحساب، وكأنها تكمّل بعضها بعضاً مع التركيز على جانب من جوانبه: ففي سورة القيامة ركزت على قدرة الله على جمع العظام وإحياء الموتى، وفي سورة الإنسان على قدرة الله على البعث، وأن الإنسان خلق ليبتلى بالشكر فيدخل في رحمة الله أو الكفر فيعذب عذاباً عظيماً، وسورة المرسلات على صدق الوعد بيوم الفصل بين العباد والجزاء على الأعمال، وفي سورة النبأ على التأكيد على صدق الميقات الذي جعله الله ميقاتاً للحساب، وفي النازعات التأكيد على صدق قيام الساعة والبعث، ولكن لا يعلم ساعتها إلا الله.

079.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أوضحت سورة النبأ حال الكافر في قوله {يا ليتني كنت تراباً (40)} عند نظره ما قدمت يداه، ومعاينته من العذاب عظيم ما يراه، وبعد ذكر تفصيل أحوال وأهوال، أتبع ذلك ما قد كان حاله عليه في دنياه من استبعاد عودته في أخراه، وذكر قرب ذلك عليه سبحانه كما قال في الموضع الآخر {وهو أهون عليه (27)} الروم، وذلك بالنظر إلينا ولما عهدنا، وإلا فليس عنده سبحانه شيء أهون من شيء {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون (82)} يس، فقال تعالى {والنازعات غرقاً (1)} النازعات، إلى قوله {يقولون أئنا لمردودون في الحافرة (10) أئذا كنا عظاماً نخرة (11)}، إذ يستبعدون ذلك ويستدفعونه {فإنما هي زجرة واحدة (13)} أي صيحة {فإذا هم بالساهرة (14)} أي الأرض قياماً ينظرون ما قدمت أيديهم ويتمنون أن لو كانوا تراباً ولا ينفعهم ذلك، ثم ذكر تعالى من قصة فرعون وطغيانه ما يناسب الحال في قصد الاتعاظ والاعتبار، ولهذا أتبع القصة بقوله سبحانه {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى (26)} النازعات.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top