العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


082.0 سورة الانفطار


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


082.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 19 آية. 4) الثانية والثمانون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والخامسة والثمانون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “النازعات”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: (1 مرّة): لله، رب، الكريم، خلق. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: (1 مرّة): انتثرت، فعدلك، ركّبك.

أكثر سورة تكرر فيها: يوم الدين 3 مرّات من أصل 13 مرّة في القرآن. كرّر ذكره تعظيماً لشأنه (في الآيات 15، 17، 18).

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الدين 4 مرّات، يوم 4 مرّات، نفس 3 مرّات؛ (1 مرّة): انفطرت، قبور، بعثرت، يومئذ.

082.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

عن بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنّه رأي العين فليقرأ: إذا الشمس كوّرت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت”.

082.3 وقت ومناسبة نزولها:

تشبه هذه السورة في موضوعها سورة التكوير بشكل كبير. وهذا يدل على أنهما نزلتا في نفس الفترة الزمنية أي بدايات العهد المكي. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

082.4 مقصد السورة:

082.4.1- التأكيد على أن يوم الدين (القيامة) حق ويقين، فإذا قامت علمت نفس ما قدمت وأخرت من خير أو شر. أي ستعلم ما أهدرت من النعيم الذي قدمته بالتمتع بالدنيا وفي الباطل والفساد واتباع الشهوات والصد عن سبيل الله، وستجد ما أخرت من النعيم الذي ادخرته لآخرتها بعمل الطاعات والاستعانة به على كسب الثواب في عمل الصالحات والإنفاق في سبيل الله. (ونعم الله على الإنسان لا تحصى، وأهمّها: الحياة، والعلم، والصحة، والغنى، والفراغ).

082.4.2- ومقصدها نجده في الآيتين: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)}، {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)} وهو اغترار الإنسان بإحسان الرب وكرمه (بالنعيم الدنيوي)، بسبب تكذيبه بيوم الحساب. ثم إن المقصود النهائي والنتيجة المرجوّة من هذا التأكيد هو الزجر عن المعصية، والترغيب في الطاعة. والتحذير من الاغترار بكرم الرب وإمهاله إذ لم يعاقب في أول مرّة، بل يحاسب في يوم الدين على مثقال الذرّ من خير أو شر.

082.4.3- وقال البقاعي: مقصودها التحذير من الانهماك في الأعمال السيئة اغتراراً بإحسان الرب وكرمه ونسيانا ليوم الدين الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير، ولا تغني فيه نفس عن نفس شيئا، واسمها الانفطار أدل ما فيها على ذلك.

082.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت هي والتكوير في بداية العهد المكي، ومقصدها العتب على الإنسان المكذّب بيوم الدين، المغترّ جهلاً بربّه الكريم، وقد ميّزه على غيره من المخلوقات بأن خلقه سويّاً معتدلا متناسب الخلقة، معتدل القامة، وركّبه في صورة هي أبدع الصور وأعجبها وأحسنها على وفق الحكمة ومقتضاها، فلا ينبغي له التكذيب والإعراض، ولا يليق أن يكفر بنعمة المنعم، أو يجحد إحسان المحسن، بل ينبغي أن يعمل استعداداً ليوم الدين: أي يوم الحساب والجزاء، فالنفس تحب من يحسن إليها فتطيعه، لا سيّما أنّ الذي أحسن لك أوّل مرّة سيحاسبك على أعمالك يوم الدين، فإن قابلت الإحسان بالإحسان فزت بالنعيم، وإن قابلت الإحسان بالنكران خسرت ومثواك الجحيم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)}، وعمل الأبرار يشمل كلّ أعمال الخير والصلاح، وعمل الفجّار كلّ أعمال الشر والفساد.

وتضمّنت ثلاث مجموعات من الآيات: (5 آيات) استهلّت بالإعلام أنه عند انتهاء الدنيا وابتداء الآخرة، تنشق السماء وتنتثر الكواكب وتتفجّر البحار وتبعثر القبور، حينئذ علمت نفس ما قدمت وأخرت، ثمّ (7 آيات) تلوم الإنسان المقصر في حق ربه {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)} جهلاً منه بأنه محاسب على أقواله وأفعاله المكتوبة، ثم (7 آيات) جزاء الأبرار في، نعيم والفجار في جحيم ولا شيء ينجيهم من عدل الله، كما يلي:

(الآيات 1-5): إذا السماء انفطرت أي تشققت، والكواكب تساقطت، والبحار فجَّرت، والقبور بعثرت، حينئذ علمت نفس ما قدّمت وأخرت من أعمالها وجوزيت بها.

(الآيات 6-12): يا أيها الإنسان ما الذي غرّك وجرأك على معصية ربك الكريم، أليس هو الذي خلقك فسوَّاك فعَدَلك في أيِّ صورة شاءها ركَّبك لأداء وظائفك؟ لكنكم كذّبتم بيوم الحساب والجزاء، وإن عليكم ملائكة حافظين يحصون أعمالكم، كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون من خير أو شر.

(الآيات 13-19): إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفُجَّار لفي جحيم، يصلونها يوم الحساب، وما هم عن العذاب بغائبين، وما أدراك ما يوم الحساب، ثم ما أدراك ما عظمةُ يوم الحساب؟ يوم لا يقدر أحد على نفع أحد، والأمر في ذلك اليوم كلّه لله وحده.

وهي أكثر سورة ذكر فيها “يوم الدين” ثلاث (3) مرّات من أصل ثلاث عشرة (13) مرّة في القرآن، تعظيماً لشأنه وتأكيداً على الحساب والجزاء على الأعمال، ووجوب الأخذ بالأسباب (والقرآن كلّه على هذا)، وأن الأمر في ذلك اليوم لله وحده، فالحمد للرّب الكريم لا يستوي في ميزان عدله البارّ مع الفاجر. وهذا المعنى افتتح به القرآن الكريم في سورة الفاتحة بِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}، فهو مالك يوم الحساب وهو البرّ الرحيم يحاسبهم بالعدل على مثاقيل الذرّ من خير أو شر، والفاتحة يكررها المسلم كل يوم سبع عشرة مرّة في صلاة الفريضة وكذلك في السنن والنوافل تذكيراً له بالحساب وحثّاً له على الاستعداد بالعمل الصالح والكف عن السيئات، فالإيمان بيوم الحساب من أركان الإيمان الستّة، والاستعداد له هو مقصد وجود الإنسان في هذه الدنيا، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فالعجب والعتب على من يغفل عن هذا المقصد فيكذب ويفجر غروراً بكرم الله وإمهاله فلا يعبد ولا يستعين ولا يشكر حتى إذا جاء يوم الحساب كان مصيره العذاب في الجحيم.

ويتناسب التأكيد على الحساب مع ما تقدّم في سورة التكوير التي تشبهها في الاستهلال بالإعلام بأنه عند انتهاء الدنيا وابتداء الآخرة {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)} التكوير، وتشبهها في الختام بأن كلّ شيء بمشيئة الله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} التكوير، لكنها اختلفت عنها بأن عجبت من إعراضهم عن القرآن الذي يذكّرهم ويأمرهم مخاطباً عقولهم بالاستقامة. ويتناسب التأكيد كذلك مع سورة المطففين التي أعقبتها وتوعّدت {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) … إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيمِ (16)} وبشّرت الأبرار بالنعيم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)} المطففين.

اللهم إنا نسألك البرّ والتقوى ومن العمل ما ترضى، ونعوذ بك من أن نقول زوراً أو نغشى فجوراً أو أن يتملّكنا بإحسانك وكرمك غروراً.

082.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

باعتبار ترتيب آياتها تؤكد السورة أن القيامة حق ويقين، فإذا قامت علمت نفس ما قدمت وأخرت. وفي هذا إنذار للإنسان بأن مصيره متوقف على ما قدّم أو أخر من عمل. ثم تعود وتؤكد حقيقة أخرى وهو انغرار الإنسان بالنعيم وانشغاله به عن العمل للآخرة. وبناءاً عليه يكذب بالدين والحساب ويغفل عن أن الله وكل به ملائكة يسجلون عليه أعماله. وتختم بوعد ووعيد يقين بأن الأبرار في نعيم والفجار في جحيم، كما يلي:

082.6.1- الآيات (1-5) التأكيد على أنه عند انتهاء الدنيا وابتداء الآخرة، علمت نفس ما قدمت وأخرت:

إذا السماء انشقت، وإذا الكواكب تساقطت، وإذا البحار فجَّرت، وإذا القبور بعثرت، حينئذ تعلم كلُّ نفس جميع أعمالها، ما تقدَّم منها، وما تأخر، وجوزيت بها.

082.6.2- الآيات (6-8) غرور الإنسان بكرم ربه وإمهاله، وجرأته على المعصية مع أنه مغمور في كرم الله ورعايته:

يا أيها الإنسان ما الذي جعلك تغتَرُّ بربك الكريم الحقيق بالشكر والطاعة (أي: أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه والانحراف عن فطرته)، أليس هو الذي خلقك فسوَّى خلقك فعَدَلك، وركَّبك لأداء وظائفك، في أيِّ صورة شاءها خلقك؟

082.6.3- الآيات (9-12) تكذيب الإنسان بينما أعماله كلها مكتوبة عليه:

ليس الأمر كما تقولون، بل تكذِّبون بيوم الحساب والجزاء. وإن عليكم لملائكة رقباء كراما على الله كاتبين، لا يفوتهم من أعمالكم وأسراركم شيء، يعلمون ما تفعلون من خير أو شر.

082.6.4- الآيات (13-19) الناس بأعمالهم يوم الدين فئتين أبرار في نعيم وفجار في جحيم:

إن الأبرار لفي نعيم. وإن الفُجَّار لفي جحيم، يصلونها يوم الدين وهو يوم الحساب، وما هم عن العذاب بغائبين. وما أدراك ما يوم الحساب، ثم ما أدراك ما عظمةُ يوم الحساب؟ يوم لا يقدر أحد على نفع أحد، والأمر في ذلك اليوم لله وحده الذي لا ينازعه أحد.

082.7 الشكل العام وسياق السورة:

082.7.1- اسم السورة انفطار السماء أي انشقاقها بعد عظيم ودقة صنعها، وهي الآية العظيمة على قدرة الله على إعادة بعث الإنسان ومحاسبته على ما قدّم وأخر من عمل خير أو شر.

082.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب وموضوعات الآيات:

تؤكد السورة على أن البعث من القبور والحساب والجزاء حق، فهي تخبر عن المستقبل بلفظ الماضي، فمعناه أنه كائن لا محالة وواقع لا شك فيه، فالله سبحانه خالق الزمان وأمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

وهي بذلك تخاطب قلب الإنسان بما هو أنفع لنفسه: بأن ربه كريم يستحق أن يطاع لمزيد من الكرم، فإذا عصيته فتستحق الطرد والإهانة. وهي كذلك تجعل النفس تقارن بين النعيم والجحيم: فتختار الأنفع لها وهو البر من أجل النعيم، وتتجنب الضار لها وهو الفجور المفضي إلى الجحيم.

وبهذا الأسلوب تحرض الإنسان على العمل وتحذره من الكفر أو الاغترار بكرم الله، دون الحذر من قهره وانتقامه وبقية صفاته المانعة من الاغترار. وإنما ذلك غواية الشيطان، يقول له افعل ما تشاء فإن ربك كريم كما تفضل عليك بالدنيا يتفضل عليك بالآخرة. وإذا كان يعتقد يقينا بأن اللّه غفور رحيم ويقدم على معصيته فلم لا يقول اللّه رزاق كريم ويترك العمل؟ ولكن اعتقاده ذلك باطل من تسويل إبليس.

ولتسهيل فهم مقصد السورة حول تأكيد حقيقة القيامة والحساب من أجل الترغيب بعمل البر للفوز بالنعيم والترهيب من الفجور خوفاً من الجحيم، تضمنت السورة ثلاثة موضوعات في أربعة مجموعات من الآيات، كما يلي:

082.7.2.1- تأكيد ما يحصل في ذلك اليوم الخطير، من انفطار السماء وانتثار الكواكب، وتفجير البحار وبعثرة القبور، وعلم كل نفس بما قدمت وأخرت، والحديث عنه بصيغة الماضي. الآيات (1-5)

082.7.2.2- الإنذار من غرور الإنسان بكرم الله، والوعيد لهذا الإنسان الذي غرّته نعم ربه عليه، التي لا تحصى في ذاته وخلقته وكل ما حوله، فانشغل بها عن المنعم، لا يسمع لقوله، ولا يلتفت لترغيبه ولا ترهيبه، ولا يعرف للنعمة حقها، بل ربما يستخدمها في الفساد ومحاربة دين الله. الآيات (6-8)

وقال الحسن: غرّه والله شيطانه الخبيث أي: زين له المعاصي وقال له: إفعل ما شئت فربك الكريم الذي تفضل عليك بما تفضل به أولاً وهو متفضل عليك آخراً حتى ورّطه.

082.7.2.3- تقرير تكذيب الإنسان (الذي غرّته نعم ربه عليه) بيوم الدين، أي يوم الحساب، فلا يعلم، بل فيغفل عن تأكيد الآيات له بأن الله جعل عليهم ملائكة كراماً كاتبين، لا يفوتهم من أعمالهم وأسرارهم شيء، يعلمون ما يفعلون من خير أو شر، ولا يخفى على الله شيء من أحوالكم. الآيات (9-12)

082.7.2.4- التأكيد على حقيقة يوم الحساب والدين والوعد بالنعيم للأبرار القائمون بحقوق الله وحقوق العباد، والجحيم للفجار الذين قصّروا في حقوق الله وحقوق عباده. والأمر في ذلك اليوم لله وحده ولا تملك نفس لنفس شيئاً من أمر الله، والكل يومئذ منشغل بنفسه لا يعنيه ما يحصل لغيره. الآيات (13-19)

082.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

082.7.3.1- قصص يوم القيامة في الآيات: (1-5، 13-19) = 12 آية.

082.7.3.2- آيات الله في السماوات والأرض: (7، 8، 10-12) = 5 آيات.

082.7.3.3- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (6، 9) = 2 آية.

082.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

082.8.0- وهي أكثر سورة ذكر فيها “يوم الدين” ثلاث (3) مرّات من أصل ثلاث عشرة (13) مرّة في القرآن، تعظيماً لشأنه وتأكيداً على الحساب والجزاء على الأعمال، ووجوب الأخذ بالأسباب (والقرآن كلّه على هذا)، وأن الأمر في ذلك اليوم لله وحده، فالحمد للرّب الكريم لا يستوي في ميزان عدله البارّ مع الفاجر. وهذا المعنى افتتح به القرآن الكريم في سورة الفاتحة بِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}، فهو مالك يوم الحساب وهو البرّ الرحيم يحاسبهم بالعدل على مثاقيل الذرّ من خير أو شر، والفاتحة يكررها المسلم كل يوم سبع عشرة مرّة في صلاة الفريضة وكذلك في السنن والنوافل تذكيراً له بالحساب وحثّاً له على الاستعداد بالعمل الصالح والكف عن السيئات، فالإيمان بيوم الحساب من أركان الإيمان الستّة، والاستعداد له هو مقصد وجود الإنسان في هذه الدنيا، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فالعجب والعتب على من يغفل عن هذا المقصد فيكذب ويفجر غروراً بكرم الله وإمهاله فلا يعبد ولا يستعين ولا يشكر حتى إذا جاء يوم الحساب كان مصيره العذاب في الجحيم.

ويتناسب التأكيد على الحساب مع ما تقدّم في سورة التكوير التي تشبهها في الاستهلال بالإعلام بأنه عند انتهاء الدنيا وابتداء الآخرة {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)} التكوير، وتشبهها في الختام بأن كلّ شيء بمشيئة الله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} التكوير، لكنها اختلفت عنها بأن عجبت من إعراضهم عن القرآن الذي يذكّرهم ويأمرهم مخاطباً عقولهم بالاستقامة. ويتناسب التأكيد كذلك مع سورة المطففين التي أعقبتها وتوعّدت {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) … إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيمِ (16)} وبشّرت الأبرار بالنعيم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)} المطففين.

 

082.8.1- تناسب السور عبس والتكوير والانفطار مع بعضها: بعد أن أمر سبحانه في عبس بالتزكية للنفس، تؤكد التكوير أن كل نفس تعلم (وفيه التهديد الشديد بيوم الوعيد ) في ذلك اليوم الذي هو نهاية الدنيا بداية الآخرة ما أحضرت لذلك اليوم الذي يتوقف فيه العمل (ويتعطل) ويجمع فيه كل عامل بعمله (وفيه إنذار بأن النفس تعلم ما أحضرت)، وتؤكد الانفطار أن كل نفس تعلم هل أعمالها هذه التي جاءت وجمعت معها يوم القيامة استنفذت قيمتها في الدنيا أو أبقيت وأخرت جزاءها للآخرة (وفيه إنذار بأن النفس تعلم ما الذي تقدمه وما الذي تؤخره لآخرتها). في التكوير نلاحظ جمع الأشياء من أجل التحضير للمرحلة اللاحقة وهي الأحداث التي في الانفطار، والانفطار نشرها ليعلم ما فيها.

تعالج سورة التكوير صدق النذير وأنه لا عيب ولا تحريف في الوحي والتذكرة: وأن هذه التذكرة حق بالقسم على قول الرسول الكريم، وأنه مطاع، ثم أمين، وعدم جنون النبي، فقد رأى الرسول ولم يضن بالغيب، وأن قوله ليس قول شيطان رجيم، بل هو ذكر للعالمين، يذكرهم بما يعرفونه في أصل فطرتهم من عمل المعروف واجتناب المنكر. أما سورة الانفطار فهي تعالج غرور الإنسان، بانخداعه وجرأته على عصيان ربه والانحراف عن فطرته، فالعيب في الإنسان وليس في الحجة والتذكرة.

082.8.2- لما ختمت سورة التكوير بأنه سبحانه لا يخرج عن مشيئته شيء، وأنه موجد الخلق ومدبرهم، وكان من الناس من يعتقد أن هذا العالم هكذا بهذا الوصف لا آخر له (أرحام تدفع وأرض تبلع ومن مات فات وصار إلى الرفات ولا عود بعد الفوات) افتتح سبحانه سورة الانفطار بما يكون مقدمة لمقصود التكوير من أنه لا بد من نقضه لهذا العالم وإخرابه ليحاسب الناس فيجزي كلاً منهم من المحسن والمسيء بما عمل.

082.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: هذه السورة كأنها من تمام سورة التكوير لاتحاد القصد فاتصالها بها واضح وقد مضى نظير هذا.

082.8.4- وقال السيوطي: قد عرف مما ذكرت (في سورة التكوير) وجه وضعها هنا مع زيادة تآخيهما في المقطع.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top