العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


083.0 سورة المطففين


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


083.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 36 آية. 4) الثالثة والثمانون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والتاسعة والثمانون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “العنكبوت”.  6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: رب 2 مرة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (2 مرة): سجين، مرقوم، عليين، مختوم، متنافسون، والآية {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}؛ (1 مرّة): للمطففين، ران، رحيق، تسنيم، يتغامزون.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (4 مرّات): كلا، مكذبين، يوم؛ (2 مرّة): ويل، اكتالوا، المقربون، انقلبوا، يومئذ، الأبرار، نعيم، الأرائك، يضحكون.

083.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

083.3 وقت ومناسبة نزولها:

من أسلوب السورة وموضوعها يتبين أنها نزلت في المرحلة الأولى من العهد المكي، عندما كانت تتنزل السور الواحدة تلو الأخرى لترسيخ الإيمان بالآخرة في عقول الناس. هذه السورة نزلت عندما بدأ الكفار يسخرون من المسلمين علناً ويعيبون عليهم في الطرقات والمجالس، لكن الاضطهاد والإيذاء الجسدي لم يبدأ بعد.

بعض المفسرين اعتبر هذه السورة مدنيّة وذلك بسبب حديث ابن عباس، حيث قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة وكانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله {ويل للمطففين} فأحسنوا الكيل بعد ذلك. وسوء الفهم بأن جعل هذا الحديث مناسبة لنزول السورة، ناتج عما تعوّد الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم فعله عندما يجدون آية تتطابق مع أمراً ما يحدث في حياتهم ينسبون هذه الآية لهذا الأمر أو الحدث بالذات. لهذا السبب بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد أهلها من أخبث الناس كيلاً فقرأ هذه السورة عليهم بأمر من الله حتى يرتدعوا فيحسنوا الكيل، ولم تكن هذه الحادثة مناسبة لنزول السورة.

083.4 مقصد السورة:

083.4.1- تأكيد عدل الله وميزانه الدقيق في محاسبة الناس على أعمالهم، وأنه لا بد من بعث العباد يوم القيامة ليحاسبوا، ويعطى كل صاحب حق حقه جزاءاً وفاقاً على ما قدم من عمل في الدنيا، فيكون جزاء الأبرار دار النعيم، والفجار دار الجحيم.

أي المقصد أن يُعلم أن الله أقام الوجود على مقادير وموازين عادلة، من التزم بها نجا وفاز ومن اعتدى عليها هلك وخسر، فخيار الفوز أو الهلاك بيد الإنسان.

083.4.2- قال البقاعي: سورة المطففين مقصودها شرح آخر الانفطار بأنه لابد من دينونة العباد يوم التناد بإسكان الأولياء أهل الرشاد دار النعيم، والأشقياء أهل الضلال والعناد غار الجحيم، ودل على ذلك بأنه مربيهم والمحسن إليهم بعموم النعمة، ولا يتخيل عاقل أن أحداً يربي أحداً من غير سؤال عما حمله إياه وكلفه به ولا أنه لا ينصف بعض من يربيهم من بعض، واسمها التطفيف أدل ما فيها على ذلك.

083.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في المرحلة الأولى من العهد المكي، ومقصدها التعجيب والعتب على المطففين الذين يكيلون بمكيالين، فيستوفون لأنفسهم ويُخسرون لغيرهم، ويَرضون لغيرهم ما لا يرضونه لأنفسهم، فاستهلّت بالوعيد بالهلاك والعذاب لهؤلاء المطففين {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)}، وأنّ الذي جرأهم على التطفيف هو ظنّهم أنهم لا يبعثون {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)}، وتكذيبهم بيوم الحساب {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)}، فلو آمنوا لما فعلوه. وقد ظنّوا أنهم بعملهم القبيح قد سبقوا وربحوا، فراحوا يضحكون ويتغامزون ويتفكهون على المؤمنين ويقولون أنهم ضالّون بينما هم الضالّون، وقد أعماهم عن رؤية الحق إرادتهم للإثم والعدوان وأخذهم أموال الناس بالباطل، فراكم فجورهم الرّان على قلوبهم {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} فاسودّت ولم تعد تبصر الحق من الباطل، وهذا عقاب دنيوي صرفهم عن الآيات بذنوبهم ليزدادوا إثماً وتقام عليهم الحجة الواضحة، وفي الآخرة محجوبون عن الله تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)}، بينما المؤمنون {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)}، وختمت بمقصد خلق الإنسان وهو العمل في الدنيا اختباراً، ثمّ الجزاء عليه والثواب في الآخرة {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}. وتضمّنت أربع مجموعات من الآيات كما يلي:

(الآيات 1-6): الويل لمن يطفّف ويُخسر بالميزان فيأخذ حقوقه كاملة ويُنقص حقوق الناس، والوعيد بأنهم مبعوثون ليوم عظيم يقومون فيه بين يدي ربّ العالمين يحاسبون على أعمالهم.

(الآيات 7-17): إن مصير الفُجَّار في سجّين، في كتاب مفروغ منه فيه أعمالهم، والويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الحساب، {وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)}، وإنما حجَب قلوبهم عن التصديق بالآيات ما غطّاها من الرّان (السواد) من كثرة ما يرتكبون من الذنوب، كلا إنهم يوم القيامة عن ربّهم لمحجوبون، ثم إنهم لداخلوا النار، وهو الجزاء الذي كانوا به يكذبون.

(الآيات 18-28): إن مصير الأبرار لفي عليّين، كتاب مكتوب مفروغ منه، يَطَّلِع عليه المقربون. إن الأبرار لفي الجنة يتنعمون، على الأسرَّة ينظرون إلى ربهم والنعيم، ترى في وجوههم بهجة النعيم، يسقون من رحيق مختوم ومزاجه من تسنيم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

(الآيات 29-36): بيان حال الفريقين في الدنيا ثم حالهم في الآخرة: ففي الدنيا كان الذين أجرموا من الذين آمنوا يضحكون ويتغامزون ويسخرون، وإذا رأوهم قالوا إنهم لضالون، وفي الآخرة الذين آمنوا في الجنة يضحكون ويسخرون من الكفار، كما سخر الكافرون منهم في الدنيا، فهل جوزي الكفار ثواب ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرور والآثام؟ نعم ثوّبوا عدلاً بأعمالهم.

ولمّا ختمت بِ {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} بقصد التهكّم على الضاحكين الغامزين الساخرين المتهكّمين على المؤمنين في الدنيا وقد زالت الدنيا واستقرّوا في الجحيم، يضحك منهم المؤمنون الذين فازوا بالنعيم المقيم ونالوا بالعمل اليسير الراحة الأبديّة بلا نهاية، ولمّا مهّدت لمقصودها هذا بالتعجيب على أعمالهم المخالفة لأمر الله وشرعه، فإذا كان التطفيف في المكيال استحق هذا الوعيد العظيم، فما الظن بمن يأخذ بلا كيل ولا وزن، وبمن يظلم ويفجر ويفسد ويسفك الدماء. ولمّا انتكست قلوبهم فلم تعد تميّز بين الحق والباطل ولا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، فقد أساؤوا وخسروا وهم يظنون أنهم محسنون، وحجبوا عن ربّهم والنعيم بتكذيبهم وظلمهم وكسبهم الأثيم الذي أرداهم في الجحيم، بينما الأبرار في نعيم على الأرائك ينظرون، في منتهى العدل، والجزاء من جنس العمل.

وهي الرابعة من سبع سور متتالية ومتناسبة من عبس إلى الطارق، تكمل بعضها بعضاً في خطاب مَداخِل ومكونات فهم الإنسان: عقله وقلبه وجسده، فيها عتاب شديد على الإنسان المعرض عن التذكرة، المكذّب بيوم الدين والحساب، وتعجيب من شدّة كفره وفجوره، وعدم برّه بربّه الذي وعده بالنعيم المقيم والنظر إلى وجهه الكريم. وكلّ سورة تخاطب فهم ووعي الإنسان من مدخل مختلف وتجربة مختلفة: فسورة عبس ساوَت في التذكرة بين جميع الناس، والتكوير خاطبت العقول، والانفطار القلوب، والمطففين الأعمال، وخاطبت الانشقاق العقول عن جزاء الكدح والسعي في الآخرة، والبروج خاطبت القلوب عن جزاء الأعمال يرونها في الدنيا، والطارق الرجوع إلى الله بالأعمال.

ربنا أوزعنا أن نعمل صالحاً ترضاه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

083.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

التأكيد على عدل الله: بأنه لا بد من بعث العباد يوم القيامة ليحاسبوا على أعمالهم، ويعطى كل صاحب حق حقه بميزان الله العادل. الذين يكذبون بوقوع يوم الجزاء إنما حجب قلوبهم عن التصديق به ما غشاها من كثرة ما يرتكبون من الذنوب، فيوم القيامة يسخر الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من الكفار، كما سخر الكافرون منهم في الدنيا، وبنفس أسلوبهم:

083.6.1- الآيات (1-6) تتحدث عن عقاب الله الشديد على ما تعوّد عليه الكفار من الأعمال المنكرة في تعاملاتهم التجارية، والتي جرأهم على التعوّد على فعلها عدم إيمانهم باليوم الآخر، فلو ظنّوا أنهم مبعوثين وأن الله سيحاسبهم على أعمالهم، لأقلعوا عن ذلك. ومن الأعمال التي يمارسها هؤلاء الفجار ذكر الله سبحانه المطففين وفضح حقيقة أعمالهم.

083.6.2- الآيات (7-17) الحديث عن أعمال الفجار الأشقياء، الذين يكذبون بيوم الدين، إنما حجب قلوبهم عن التصديق بها ما غشاها من كثرة ما يرتكبون من الذنوب، وأن لهم الويل يوم الجزاء.

083.6.3- الآيات (18-28) بيان أن أعمال الأبرار في عليين، وأن لهم النعيم الخالد الدائم في دار العز والكرامة، وذلك في مقابلة ما أعده الله للأشقياء الأشرار، على أسلوب القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب.

083.6.4- الآيات (29-36) بيان أن المجرمين الذين كانوا في الدنيا يسخرون بالمؤمنين، ويستهزئون بهم، ويضحكون منهم، ويتغامزون بهم، احتقاراً وازدراء، سيكون جزاءهم يوم القيامة من جنس عملهم بأن يضحك منهم المؤمنون وهم يرونهم في العذاب يتقلبون.

083.7 الشكل العام وسياق السورة:

083.7.1- اسم السورة {المطففين} مأخوذة من أعمالهم المنكرة، التي تدور أحداثها حولها، وقد بدأت بالدعاء على المطففين. فالإنسان يغش في معاملاته إذا لم يخشى الله وظنّ أنه لا أحد يحاسبه على ذلك. أما إذا علم أن الله يسجل أعماله وسيحاسب على كلّ شيء يوم القيامة فسيمتنع ويصحح مسلكه.

083.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:

سوف نلاحظ أن السورة تخاطب بالترغيب والترهيب نفس الإنسان، بالذي مفاده أن العدل والوفاء في الميزان هو الأنفع للنفس، لأنه وكما تدين تدان، فإذا استطعت أن تطفف في المكيال اليوم، فإن الله يراقبك وسيجعلك تدفع ثمنه أضعافاً في الدنيا وفي الآخرة، لأن الله أقام الوجود على العدل والنظام، فهو لا يرضى بالظلم لأحد من خلقه، وقد جعل يوماً للدين يعطى فيه كل صاحب حق حقه.

ولأن النفس الإنسانية أمّارة بالسوء، ولا تبالي إذا ظلمت من أجل تحقيق أهوائها وشهواتها، تخاطبها السورة باللغة التي تفهمها، أي إذا ظلمت بالمكيال فالويل لك من رب العالمين، لأنك ستنالين العذاب بدل النعيم، وفي هذا ترغيب لها بالعدل في المكيال الذي سيجلب لها النعيم بدل العذاب. أما الذين يكذبون بوقوع يوم الجزاء، فهؤلاء هم الفجار الظلمة، فيكذبون الحق لأنه يخالف هواهم ولا يتبعون الحق ويتمادون في الظلم حتى يحجب الله قلوبهم عن التصديق من كثرة ما يرتكبون من الذنوب.

لذلك بدأت بالترهيب بالويل للمطففين لكي يرتدعوا، ثم أتبعت ذلك بتفاصيل عن مصير الفجار بالعذاب في نار الجحيم، وعن مصير الأبرار بالنعيم في والنظر الكريم في الجنة. وتركت الخيار للنفس أيهما تختار: تطفيف بعذاب أم عدل بنعيم. وختمت السورة بتأكيد أن التطفيف في المكيال ليس هو المقصود فقط بذاته، بل أن الإيمان بالدين كله هو المقصود لأنه قائم على وزن الأعمال والعدل في ميزان الآخرة، وختمت بآية تؤكد الوعيد الذي ابتدأت به بسؤال تعرف النفس جيداً الإجابة الصحيحة عليه، هو: هل جوزي الكفار جزاء كفرهم وظلمهم في الدنيا؟

083.7.2.1- الآيات (1-6) بدأت بتقرير أمرين: الويل للذين إذا أخذوا حقوقهم استوفوها كاملة، وإذا أعطوا للناس حقوقهم ينقصونها. وتأكيد أنهم مبعوثون ليوم عظيم. أي يوجد دنيا وآخرة وأن الذي يظلم في الميزان يعاقب.

083.7.2.2- الآيات (7-17) مصير الفجار بالعذاب في نار الجحيم: وهم الذين يكذبون بوقوع يوم الجزاء، لأنهم أحبّوا الظلم، إذا تتلى عليهم آيات الله قالوا عنها أساطير الأولين. وإنما حجب قلوبهم عن التصديق به ما غشاها من كثرة ما يرتكبون من الذنوب. كلا إنهم يوم القيامة عن ربهم لمحجوبون، ثم إنهم لداخلوا النار، وهو الجزاء الذي كانوا به يكذبون.

083.7.2.3- الآيات (18-28) مصير الأبرار في النعيم والنظر الكريم في الجنة: إن أهل الصدق والطاعة لفي الجنة يتنعمون فيما أعدَّ لهم من الخيرات، والنظر إلى وجهه الكريم، فترى في وجوههم نضرة النعيم. وفي ذلك النعيم المقيم فليتسابق المتسابقون.

083.7.2.4- الآيات (29-35) بيان حال الفريقين في الدنيا ثم حالهم في الآخرة، وأن الذين أجرموا (ليس المطففون بالمكيال فحسب) هم الذين يتبعون الضلالة ولا يؤمنون بالله وما أنزله عليهم من الهدى. يضحكون ويتغامزون ويتفكهون سخرية بالمؤمنين، لكن يوم القيامة سيضحك ويسخر المؤمنون من الكفار، كما سخر الكافرون منهم في الدنيا.

083.7.2.5- الآية (36) الخلاصة: هي عبارة عن سؤال يؤكد أن الثواب على قدر الفعل: هل جوزي الكفار، إذ فُعل بهم ذلك، جزاءً وفاق ما كانوا يفعلونه في الدنيا؟

وهو استفهام تقرير، أي بل إنهم جوزوا حق جزائهم على إجرامهم في الدنيا، وحق لهم أن يفعل بهم هذا لأنهم لم يحسبوا لهذا اليوم حسابا.

083.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات الآيات:

استخدمت السورة المكيال، الذي يستخدمه كل الناس في وزن تبادلاتهم التجارية وتعاملاتهم اليومية فيما بينهم، ليسهل على الناس فهم مقصود السورة وهو تأكيد عدل الله وميزانه الدقيق في محاسبة الناس على أعمالهم، فلا ظالم ولا مظلوم طالما، إنما تؤخذ وتعطى الحقوق بمكيال لا تطفيف فيه ولا تخسير.

ثم توعدت بالويل للمطففين من أجل زجر النفس الإنسانية التي تميل إلى الظلم وأخذ الحقوق، إذا لم تجد رقيب يمنعها من هذا التصرف المنكر. لأجل ذلك جعل الله ملائكة يكتبون أعمال العباد في الدنيا ليُحاسبوا على كل عمل يعملونه من عدل أو ظلم في الآخرة. ولأن الله أقام الكون على العدل والميزان فمن حافظ على ميزان الله أكرمه الله جزاءاً وفاقاً بحفاظه على سنن الكون والنظام والميزان، ومن أفسد ميزان الله عاقبه في الدنيا ليتوب فإن لم يفعل عاقبه في الآخرة جزاءاً وفاقاً على ظلمه واغتصابه حقوق العباد.

وقد احتوت السورة على موضوعين رئيسيين في أربعة مجموعات من الآيات تسهل فهم هذا المقصد، كما يلي:

083.7.3.1- ابتدأت السورة بتأكيد أن الله قدّر المقادير وجعل للناس المكيال والميزان ليَزِنوا بها أعمالهم ويقيموا العدل فيما بينهم، وتوعدهم بالويل للمطففين، وختمت بتأكيد قيام العدل بين الناس على أعمالهم، فقد جعل الله يوم الدين للحساب والجزاء على الأعمال وإعادة الحقوق لأصحابها: (الآيات 1-6، 29-36)

083.7.3.1.1- الله الآيات (1-6) التهديد بالويل لمن يطفف ويخسر بالميزان فيأخذ حقوقه كاملة، وينقص حقوق الناس. والوعيد بأنهم مبعوثون ليوم عظيم يحاسبون فيه على أعمالهم، وأن الذي يظلم في الميزان يعاقب.

083.7.3.1.2- الآيات (29-36) في الدنيا كان الذين أجرموا من الذين آمنوا يضحكون ويتغامزون ويسخرون، وإذا رأوهم قالوا إنهم لضالون، وفي الآخرة الذين آمنوا وهم على الأرائك وفيما أعطاهم الله من النعيم والكرامة في الجنة يسخرون من الكفار، كما سخر الكافرون منهم في الدنيا. هل جوزي الكفار ثواب ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرور والآثام؟

083.7.3.2- تأكيد ميل النفس الإنسانية إلى الظلم واغتصاب الحقوق، إذا لم تجد رقيباً يمنعها من هذا التصرف المنكر. لأجل ذلك جعل الله يوم الدين ليخوف به المطففين وجعل ملائكة يكتبون أعمال العباد في الدنيا ليُحاسبوا على كل عمل يعملونه من عدل أو ظلم في الآخرة. (الآيات 7-28)

083.7.3.2.1- الآيات (7-17) الفجار لا يردعهم رادع عن أكل حقوق العباد، فمصيرهم عذاب أليم، وهو ما كتب لهم المصير إليه، في كتاب مفروغ منه، لا يزاد فيه ولا ينقص. الويل لهم على تكذيبهم بيوم الدين والحساب. إنهم كذبوا به لأنهم معتدون آثمون، ولأن إيمانهم بيوم الدين سوف يسلبهم هذا الفجور والإجرام الذي هم فيه. فكذبوا وقالوا عن كلام الله أساطير الأولين. وإنما حجب قلوبهم عن التصديق به ما غشاها من كثرة ما يرتكبون من الذنوب. كلا إنهم يوم القيامة عن ربهم لمحجوبون (وفي هذه الآية دلالة على رؤية المؤمنين ربَّهم في الجنة) . ثم إنهم لداخلوا النار وهي الجزاء الذي كانوا به يكذبون.

083.7.3.2.2- الآيات (18-28) حقاً إن كتاب الأبرار في عليون في الجنة، كتاب مكتوب مفروغ منه، يَطَّلِع عليه المقربون. إن الأبرار لفي الجنة يتنعمون، على الأسرَّة ينظرون إلى ربهم والنعيم، ترى في وجوههم بهجة النعيم، يسقون رحيق مختوم ومزاجه من تسنيم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

083.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

083.7.4.1- آيات القصص: (29-33) = 5 آيات.

083.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (15-28، 34-36) = 17 آية.

083.7.4.3- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-14) = 14 آية.

083.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

083.8.0- ولمّا ختمت بِ {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} بقصد التهكّم على الضاحكين الغامزين الساخرين المتهكّمين على المؤمنين في الدنيا وقد زالت الدنيا واستقرّوا في الجحيم، يضحك منهم المؤمنون الذين فازوا بالنعيم المقيم ونالوا بالعمل اليسير الراحة الأبديّة بلا نهاية، ولمّا مهّدت لمقصودها هذا بالتعجيب على أعمالهم المخالفة لأمر الله وشرعه، فإذا كان التطفيف في المكيال استحق هذا الوعيد العظيم، فما الظن بمن يأخذ بلا كيل ولا وزن، وبمن يظلم ويفجر ويفسد ويسفك الدماء. ولمّا انتكست قلوبهم فلم تعد تميّز بين الحق والباطل ولا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، فقد أساؤوا وخسروا وهم يظنون أنهم محسنون، وحجبوا عن ربّهم والنعيم بتكذيبهم وظلمهم وكسبهم الأثيم الذي أرداهم في الجحيم، بينما الأبرار في نعيم على الأرائك ينظرون، في منتهى العدل، والجزاء من جنس العمل.

وهي الرابعة من سبع سور متتالية ومتناسبة من عبس إلى الطارق، تكمل بعضها بعضاً في خطاب مَداخِل ومكونات فهم الإنسان: عقله وقلبه وجسده، فيها عتاب شديد على الإنسان المعرض عن التذكرة، المكذّب بيوم الدين والحساب، وتعجيب من شدّة كفره وفجوره، وعدم برّه بربّه الذي وعده بالنعيم المقيم والنظر إلى وجهه الكريم. وكلّ سورة تخاطب فهم ووعي الإنسان من مدخل مختلف وتجربة مختلفة: فسورة عبس ساوَت في التذكرة بين جميع الناس، والتكوير خاطبت العقول، والانفطار القلوب، والمطففين الأعمال، والانشقاق الكدح والسعي، والبروج جزاء الأعمال، والطارق الرجوع إلى الله بالأعمال.

083.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: الفصل بسورة المطففين بين الانفطار والانشقاق التي هي نظيرتها من خمسة أوجه‏:‏ الافتتاح ب {إِذا السماءُ (1)}، والتخلص ب {يا أَيُها الإِنسانُ (6)}، وشرح حال يوم القيامة ولهذا ضمت بالحديث السابق، والتناسب في المقدار، وكونها مكية. سورة المطففين مدنية ومفتتحها ومخلصها غير مالها لنكتة مفادها: أن السور الأربع لما كانت في صفة حال يوم القيامة ذكرت على ترتيب ما يقع فيه فغالب ما وقع في التكوير وجميع ما وقع في الانفطار وقع في صدر يوم القيامة ثم بعد ذلك يكون الموقف الطويل ومقاساة العرق والأهوال فذكره في هذه السورة بقوله‏:‏ {يومَ يقومُ النّاسُ لِربِ العالمين (6)} المطففين، ولهذا ورد في الحديث: “يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه” ثم بعد ذلك تحصل الشفاعة العظمى فتنشر الكتب فأخذ باليمن وأخذ بالشمال وأخذ من وراء الظهر ثم بعد ذلك يقع الحساب هكذا وردت بهذا الترتيب الأحاديث فناسب تأخير سورة الانشقاق التي فيها إتيان الكتب والحساب عن السورة التي قبلها والتي فيها ذكر الموقف عن التي فيها مبادئ يوم القيامة.

ووجه آخر وهو‏:‏ أنه جل جلاله لما قال في الانفطار: {وإِنَّ عليكُم لحافظين (10) كِراماً كاتبين (11)} الانفطار، وذلك في الدنيا ذكر في سورة المطففين حال ما يكتبه الحافظان وهو‏:‏ {كتاب مرقوم (9)+(20)} المطففين، جعل في {عليين (18)}، أو في {سجين (7)}، وذلك أيضاً في الدنيا لكنه عقَّب بالكتابة إِما في يومه أو بعد الموت في البرزخ كما في الآثار فهذه حالة ثانية في الكتاب ذكرت في السورة الثانية وله حالة ثالثة متأخرة فيها وهي أخذ صاحبه باليمين {فأما من أوتي كتابه بيمينه (7)} الانشقاق، أو غيرها وذلك يوم القيامة فناسب تأخير السورة التي فيها ذلك عن السورة التي فيها الحالة الثانية، وهي تأخير الانشقاق عن المطففين. وقال الإمام فخر الدين في سورة المطففين أيضاً‏:‏ اتصال أولها بآخر ما قبلها ظاهر لأنه تعالى بين هناك أن يوم القيامة من صفته: {لا تملِكُ نفسٌ لنفسٍ شيئاً والأَمرُ يومئذٍ لِلَه (19)} الانفطار، وذلك يقتضي تهديداً عظيماً للعصاة فلهذا أتبعه بقوله: {ويلُ للمُطَفِفين (1)} المطففين.

083.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال سبحانه وتعالى في سورة الانفطار {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين (10)} الآية وكان مقتضى ذلك الإشعار بوقوع الجزاء على جزئيات الأعمال وأنه لا يفوت عمل كما قال تعالى: {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)} الأنبياء، أتبع الآية المتقدمة بجزاء عمل يتوهم فيه قرب المرتكب وهو من أكبر الجرائم، وذلك التطفيف في المكيال والميزان والانحراف عن إقامة القسط في ذلك، فقال تعالى {ويل للمطففين (1)} ثم أردف تهديدهم وتشديد وعيدهم فقال: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون (4) ليوم عظيم (5)} المطففين، ثم التحمت الآي مناسبة لما افتتحت به السورة إلى ختامها.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top