العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


085.0 سورة البروج


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


085.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 22 آية. 4) الخامسة والثمانون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والسابعة والعشرون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الشمس”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 3 مرّات، هو 2 مرّة؛ (1 مرّة): العزيز، الحميد، له الملك، الشهيد، ربك، يبدئ، يعيد، غفور، ودود، ذو العرش، المجيد، فعال لما يريد، من ورائهم محيط، حفظ القرآن، يريد. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): الأخدود، لوح محفوظ.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: مجيد 2 مرّة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: مؤمن 4 مرّات، شاهد 3 مرّات؛ (2 مرّة): سماء، عذاب؛ (1 مرّة): بروج، يوم، الموعود، الوقود، قعود، الأرض، فتنوا.

085.2 فضائلها و ما ورد عنها من الأثر:

085.3 وقت ومناسبة نزولها:

موضوع السورة بحدّ ذاته يشير إلى أنها نزلت في مكّة في الوقت الذي كان فيه اضطهاد الكفار للمسلمين في ذروته، وكفار مكة كانوا يبذلون قصارى جهدهم ظلماً وطغياناً لإجبار المسلمين الجدد على ترك الإسلام والعودة عنه إلى عبادة الأوثان. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

085.4 مقصد السورة:

085.4.1- مقصدها: تأكيد أن لكلّ عمل جزاء، إمّا العذاب بالنار للمفسدين الظالمين أو الفوز بالجنة للمؤمنين المصلحين. وأن الملك لله وحده، يفعل ما يريد، أنزل الناس منازل، يعملون في الدنيا أحراراً، هداهم بالقرآن للإيمان والعمل الصالح، ووعدهم بالجزاء، وأقام عليهم الحجة والشهادة.

ومقصدها بدليل اسمها: “البروج” أي المنازل التي جعلها الله للكواكب والنجوم في السماء، وكذلك منازل الناس العمل في الدنيا والجزاء في الآخرة.

كذلك: البروج هي منازل الكواكب والنجوم، وأصحاب الأخدود منازلهم النار ذات الوقود، والمؤمنون منازلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، و الله المجيد على العرش {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)}، وفرعون وثمود والكافرين والمكذبين الله محيط بهم، وكلام الله المجيد القرآن {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}.

085.4.2- ومقصدها نجده في قوله تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)} أي يوم القيامة، وقوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)} والتي تبين بأن الملك ملكه، ولا يخفى عليه شيء. وفي آخر السورة {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)} محيط بهم علماً وقدرة. كل ذلك محفوظ في القرآن الذي يكذبون به.

085.4.3- وقال البقاعي: سورة البروج مقصودها الدلالة على القدرة على مقصود الانشقاق الذي هو صريح آخرها من تنعيم الولي وتعذيب الشقي بمن عذبه في الدنيا ممن لا يمكن في العادة أن يكون عذابه ذلك إلا من الله وحده تسلية لقلوب المؤمنين وتثبيتا لهم على أذى الكافرين، وعلى ذلك دل اسمها البروج بتأمل القسم والمقسم عليه وما هدى ذلك السياق إليه.

085.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في المرحلة الأولى من العهد المكّي، ومقصدها أن الإنسان مبتلى بالإيمان والعمل في الدنيا للآخرة. وتضمّنت نصفين متساويين متناظرين: استهلّ النصف الأوّل عن الابتلاء (3 آيات) بالقسم بحقائق البروج والقيامة والشهادة ليعلم العقل ويتفكّر، ثمّ (4 آيات) قصّة أصحاب الأخدود، ليحبّ القلب ويكره ما يرى ببصيرته، ثمّ (4 آيات) بأن المقصد هو الابتلاء بالإيمان والعمل ليختار ما يشاء بفعله؛ واستهلّ النصف الثاني عن الجزاء (5 آيات) بتأكيد الابتلاء والجزاء بدليل أسمائه تعالى الحسنى وهي بطشه الشديد بعد التربية والإمهال وبدئه الخلق ثم إعادته للجزاء وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعّال لما يريد (فاعقلوا وتفكّروا)، ثم (4 آيات) قصة فرعون وثمود للعبرة، وأن هذا حال المؤمنين مع الكفار عبر الزمان وأنّ الله من ورائهم محيط (فأبصروا)، ثم (2 آية) أن هذا القرآن مجيد {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} فآمنوا به واعملوا بما جاء فيه من أسباب الفوز ولا تكذّبوا فتشقوا وتعذّبوا، كما يلي:

النصف الأوّل (عن الابتلاء): استهلّ (الآيات 1-3) بالقسم بثلاث حقائق: بالسماء ذات المنازل للنجوم، وباليوم العظيم المشهود وهو يوم القيامة، وشاهد يشهد ومشهود يشهد عليه، على (الآيات 4-7) ثلاثة أحداث: هلاك ودمار المجرمين، الذين طرحوا المؤمنين في النار ليفتنوهم عن دينهم، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من تعذيب حضور، ثمّ (الآيات 8-11) ثلاث نتائج: وما أخذوهم بمثل هذا العقاب الشديد في الدنيا إلا أن كانوا مؤمنين بالله العزيز الحميد الذي له الملك ولا يخفى عليه شيء، وإن الذين حرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم المحرق، والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير.

النصف الثاني (عن الجزاء): ابتدأ (الآيات 12-16) بتأكيد انتقام ربنا الشديد بعد الإمهال، إنه هو يُبدئ الخلق ثم يعيده، وهو الغفور لمن تاب، الودود لأوليائه، ذو العرشِ المجيد، فَعَّال لما يريد، ثمّ (الآيات 17-20) الإشارة إلى هلاك جنود فرعون وثمود الكافرون، ولا يزال الذين كفروا في تكذيب كدأب مَن قبلهم، والله محيط بهم علماً وقدرة، ثمّ (الآيات 21، 22) وأن هذا القرآن المجيد بما تضمّنه من الهدى والآيات والأنباء والبراهين وما ذكر في السورة {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} فآمنوا به واعملوا صالحاً تسعدوا وتفوزوا ولا تكذّبوا فتشقوا وتعذّبوا.

ولمّا كان مقصدها: الحساب يوم القيامة، أحد أركان الإيمان، قد تكرر ستّ مرّات في شطريّ السورة، بعدد أركان الإيمان الستة، بالقسَم وبالتجربة والاختيار والجزاء في الشطر الأوّل، وبأسمائه تعالى الحسنى وقصص الأمم والقرآن في الثاني، ولمّا أكّدت قيام الحجّة البالغة على العباد: بوجودهم في ملك الله وبقيامهم بأعمال الخير والشر والحساب مع وجود الشهود من أنفسهم ومن غيرهم {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}، فقد برهنت بذلك على ثبات سنن الله في الابتلاء وحفّزت قلب وبصيرة الإنسان على اتباع القرآن، من غير إكراه، فمن شاء آمن ومن شاء كفر.

وكذلك لمّا أكدّت بأنه {الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)} بكل وسائل البيان العقلية والقلبية والعمليّة والترغيب والترهيب ليختاروا إما السعادة بالإيمان والصلاح أو الشقاء بالكفر والفساد، فلا عذر لأحد، فالكافر هلك بظلمه والمؤمن فاز بصلاحه ولا يظلم ربك أحداً، وقد أقيمت عليهم الحجّة البالغة بأركانها ونالوا جزاءهم بعدل الله ورحمته. ومنه يعلم المؤمن أن العذاب وتسلّط الظالمين في الدنيا هو شرّ في ظاهره مكروه ولكنه خير ونعمة لأنه {الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)} فقد اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم في دنيا كدح زائلة بأن لهم الجنة الدائمة، أما الظالمون الناقمون على المؤمنين يعذبونهم ويحرقونهم {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} والعياذ بالله. وقد سبقتها على نفس السياق سورة الانشقاق بالعتب على العقول المعرضة عن القرآن، وأعقبتها سورة الطارق تعاتب اعتمادهم على كيدهم وتحذّرهم إمهال الله لهم.

اللهم اهدِنا وعافنا وتولّنا وبارك لنا وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ولا يذلّ من واليت ولا يعزّ من عاديت تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت ولك الشكر على ما أعطيت.

085.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

085.6.0- باعتبار موضوعات السورة: خلق الله الكون وجعل للأشياء منازل (بروجاً) ومواعيد محددة، وشهوداً على أعمال مخلوقاته. وأتقن صنعته كما أراد بأن جعل فيها سنناً وقوانين، وجعل لكلّ عمل جزاء، فالطغاة عُذبوا بالنار، والذين آمنوا وعملوا الصالحات فازوا بالجنة. إنّ الله فعال لما يريد، يبدئ ويعيد، ومحيط بمخلوقاته ما يشذ منها عن طريقه يعيده إلى مكانه. مرّة ينتصر المؤمنون ومرّة يمهل الجبارين، وقبل أن يعذبهم يدعوهم إلى التوبة لحكمة يريدها. قال الحسن رحمه الله: انظروا هذا الكرم والجود، هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته، وهو يدعوهم إلى التوبة.

085.6.0.1- يقسم الله تعالى بعظيم مخلوقاته على قدرته على إهلاك وتدمير المجرمين، الذين يعتدون على المؤمنين ويعذبونهم في الدنيا، ليفتنوهم عن دينهم، بسبب إيمانهم بالله العزيز. ويعد الذين لا يتوبون منهم بالعذاب يوم القيامة في الجحيم، والمؤمنين بالنعيم في الجنة. الآيات (1-11)

085.6.0.2- تأكيد علم الله وقدرته على الانتقام من أعدائه الكفرة، كما فعل بهلاك ودمار الطغاة الجبابرة الذين كفروا وكذبوا الأنبياء، وهم أقوام فرعون وثمود. وإحاطته بأعمال العباد ووعيده وقدرته على جمعهم وحسابهم على أعمالهم في الخير أو الشر، كما نص عليه القرآن المجيد. الآيات (12-22)

085.6.1- يمكن تقسيم السورة إلى نصفين متساويين في عدد الآيات، يتحدثان عن موضوعين يخصان مقصدها، في ستّة مجموعات من الآيات؛ تتحدث كلها عن ملك الله وعلمه وقدرته على الإحاطة بأعمال العباد ووعيده وقدرته على جمعهم وحسابهم على أعمالهم في الخير أو الشر، كما يلي:

أولاً – قتل أصحاب الأخدود:

085.6.1.1- الآيات (1-3) ابتدأت السورة بالقسم على هلاك أصحاب الأخدود الذين عذبوا المؤمنين بالنار: القسم بالسماء ذات البروج (وهي النجوم الهائلة، ومداراتها الضخمة، التي تدور فيها تلك النجوم)، وباليوم العظيم المشهود وهو (يوم القيامة)، وبالرسل والخلائق، على هلاك ودمار المجرمين، الذين طرحوا المؤمنين في النار، ليفتنوهم عن دينهم.

085.6.1.2- الآيات (4-7): وما أخذوهم بمثل هذا العقاب الشديد إلا أن كانوا مؤمنين بالله العزيز الحميد الذي له الملك ولا يخفى عليه شيء.

085.6.1.3- الآيات (8-11) الوعيد والإنذار، لأولئك الفجار ولمن فعل فعلتهم القبيحة الشنيعة، (إذا نجو بفعلتهم هذه في الدنيا لأمر أراده الله، وإذا لم يتوبوا) بالعذاب في جهنم. أما الذين تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات فلهم الفوز في جنات تجري من تحتها الأنهار.

ثانياً – الانتقام من الظالمين:

085.6.2.1- الآيات (12-16) التأكيد على قدرة الله على الانتقام من أعدائه الكفرة، الذين فتنوا عباده وأولياءه. فانتقام ربنا شديد، وهو يُبدئ ثم يعيده، وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعال لما يريد. (وفي قصص هلاك فرعون وثمود أعظم دليل على انتقام ربنا)

085.6.2.2- الآيات (17-20) ختمت السورة بقصة هلاك ودمار الطغاة الجبابرة الذين كفروا وكذبوا الأنبياء، وهم أقوام فرعون وثمود، بسبب البغي والطغيان. ولا يزال الذين كفروا في تكذيب متواصل كدأب مَن قبلهم، والله محيط بهم علماً وقدرة.

085.6.2.3- الآيات (21، 22): وأن هذا القرآن العظيم الكريم، في لوح محفوظ، لا يناله تبديل ولا تحريف.

085.7 الشكل العام وسياق السورة:

085.7.1- اسم السورة “البروج” أي المنازل التي جعلها الله للكواكب والنجوم في السماء، مقدرة وموزونة ولا تصادم بل انسجام وتكامل طائعة ملتزمة أمر ربها، يقابله اعتداء الإنسان وظلمه وإفساده، الذي يستثير بأس الله الشديد في إعادة الأمور إلى نصابها والأشياء إلى منازلها وأماكنها الصحيحة التي قدرها هو لها.

085.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

من أجل تأكيد مقصدها وهو أن الناس مبتلون بأعمالهم ويجازون بأفعالهم، فالمجرمون في النار والذين عملوا الصالحات في الجنة. نجد أن هذه السورة العجيبة احتوت على كل وسائل وأساليب القرآن في التبليغ والإقناع وإقامة الحجة على الناس، وذلك: بخطاب العقل، والقلب، والنفس، وبالقسم، وبالتذكير بآيات الله في السماء، وفي الناس، وبالوعيد، ووجود الشهداء على حقوق العباد يوم القيامة، وبالقصص، وبالترغيب بالجنة، والترهيب بالنار؛ وبذكر صفات الكمال لله، وعدله، وبطشه، ومغفرته، وعرشه، ومجده، وقدرته على فعل ما يريد، وإحاطته، وبذكر صفات الناس، مكذبين ظالمين، ومؤمنين يعملون الصالحات، ومصيرهم، ومقصد وجودهم؛ وبالقرآن، والبرهان للناس بانه كما تدين تدان، وأن لكل فعل من الناس رد فعل يكافئه، أو جزاء يتناسب مع فعلهم؛ والسورة غزيرة بالموضوعات، التي تؤكد وتبرهن على أن الإنسان مبتلى بأعماله ومحاسب عليها؛ وهي ملخصة في السورة كما يلي:

085.7.2.1- الآيات (1-3) فيها ثلاثة مواضيع تبدأ بالقسم، وفي نفس الوقت التذكير، بالسماء ذات البروج العظيمة الهائلة، واليوم الموعود وأحداثه الضخام، والحشود التي تشهده والأحداث المشهودة فيه، والتي شهدت الظلم في الدنيا.

085.7.2.2- الآيات (4-7، 17، 18) ثلاثة قصص: قصة قوم طغاة شريرين قتلوا نفر آمنوا ظلماً بسبب إيمانهم فقتلهم الله، أو توَعّدَ من فعل فعلهم بالقتل؛ وقصتين أشارتا إلى أمتين تميزتا بكثرة الجنود التي تظلم وتبطش بالعباد، فصب الله عليهم عذابه ثم أهلك الله تلك الجنود بالغرق وبالصيحة هذا في الدنيا مع ما توعدهم الله به من العذاب في الآخرة.

085.7.2.3- الآيات (8، 9) التأكيد بأنه ما أخذوهم بمثل هذا العقاب الشديد إلا أن كانوا مؤمنين بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السماوات والأرض، وهو لا يخفى عليه شيء. فلن يدع الظالمين وشأنهم يفسدون في ملكه، بل سيهلكهم في الدنيا ويعذبهم بذنوبهم في الآخرة.

085.7.2.4- الآيات (10، 11) وعد الله الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات بالنار، ليصرفوهم عن دين الله، ثم لم يتوبوا، بعذاب جهنم. والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحت، ذلك الفوز الكبير.

085.7.2.5- الآيات (12-16) تأكيد أن انتقام ربنا من أعدائه لشديد، إنه هو يُبدئ الخلق ثم يعيده، وهو الغفور لمن تاب، الودود لأوليائه، ذو العرشِ المجيدُ، فَعَّال لما يريد.

085.7.2.6- الآيات (19، 20) بل الذين كفروا في تكذيب متواصل كدأب مَن قبلهم، والله قد أحاط بهم علما وقدرة، لا يخفى عليه منهم شيء.

085.7.2.7- الآيات (21، 22) بل القرآن الذي يكذبون به: هو قرآن عظيم كريم، في لوح محفوظ.

085.7.3- سياق السورة باعتبار مناسبة النزول والقصص المذكورة فيها:

احتوت السورة على قصة حقيقية يستفاد منها درس وعبرة بسبب فتنة المشركين للمسلمين، وهو انتقام الله من الكافرين بسبب تعذيبهم للمؤمنين وتأييده ونصره للمؤمنين. وأشارت إلى قصتين عن هلاك أقوام فرعون وثمود بسبب تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم والتنويه بشأن القرآن.

085.7.3.1- الآيات (1-11) قصة أصحاب الأخدود: وفيها المثل والعبرة للذين فتنوا المسلمين بمكة بأن يتوبوا، وفيها التثبيت للمسلمين لكي يصبروا على أذى المشركين فلا يصدوهم عن دينهم. فسيلقى المشركون جزاء صنيعهم بالعذاب من الله، ويلقى المسلمون النعيم الأبدي والنصر.

يقسم الله تعالى: بمنازل النجوم والكواكب، ويوم القيامة، وبالذين يشهدون اليوم المشهود، شاهدين على أنفسهم وعلى أحداثه العظيمة، بأن كفار قريش قتلوا، وملعونين كما لعن أصحاب الأخدود.

وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قوماً كافرين، ولديهم قوم مؤمنون، فراودوهم للدخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشق الكافرون أخدوداً في الأرض، وقذفوا فيها النار، وقعدوا حولها، وفتنوا المؤمنين، وعرضوهم عليها، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن استمرّ على الإيمان قذفوه في النار، وهذا في غاية المحاربة لله والمؤمنين، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم. لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بتجبر وقساوة، وحضورهم إياهم عند إلقائهم في النار.

085.7.3.2- الآيات (12-22) قصص فيها المثل والعبرة من قوم فرعون وثمود: وكيف كانت عاقبة أمرهم لما كذَّبوا الرسل. وفيها تحذير الكفار بمكّة وغيرها من بطش الله الشديد ومن العواقب المؤلمة للظلم والطغيان الذي كانوا يقترفونه ضد المؤمنين، فإن كانوا ذو قوّة فقد عرفوا من هذا القرآن ما نزل بجنود فرعون وثمود لتكذيبهم. بل أن أمرهم أعجب من أمر أولئك لأنهم سمعوا بقصصهم وبما جرى عليهم ورأوا آثار هلاكهم ولم يعتبروا وكذبوا أشدّ من تكذيبهم.

085.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

085.7.4.1- آيات القصص: (4-8، 17-19) = 8 آيات.

085.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (10-16) = 7 آيات.

085.7.4.3- آيات الله في السماوات والأرض: (1-3، 9) = 4 آيات.

085.7.4.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (20-22) = 3 آيات.

085.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

085.8.0- وكذلك لمّا أكدّت بأنه {الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)} بكل وسائل البيان العقلية والقلبية والعمليّة والترغيب والترهيب ليختاروا إما السعادة بالإيمان والصلاح أو الشقاء بالكفر والفساد، فلا عذر لأحد، فالكافر هلك بظلمه والمؤمن فاز بصلاحه ولا يظلم ربك أحداً، وقد أقيمت عليهم الحجّة البالغة بأركانها ونالوا جزاءهم بعدل الله ورحمته. ومنه يعلم المؤمن أن العذاب وتسلّط الظالمين في الدنيا هو شرّ في ظاهره مكروه ولكنه خير ونعمة لأنه {الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)} فقد اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم في دنيا كدح زائلة بأن لهم الجنة الدائمة، أما الظالمون الناقمون على المؤمنين يعذبونهم ويحرقونهم {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} والعياذ بالله. وقد سبقتها على نفس السياق سورة الانشقاق بالعتب على العقول المعرضة عن القرآن، وأعقبتها سورة الطارق تعاتب اعتمادهم على كيدهم وتحذّرهم إمهال الله لهم.

085.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: سورة البروج والطارق‏:‏ هما متآخيتان فقرنتا وقدمت الأولى لطولها وذكرا بعد الانشقاق للمؤاخاة في الافتتاح بذكر السماء ولهذا ورد في الحديث ذكر السماوات مراداً بها السور الأربع كما قيل‏:‏ المسبحات.

085.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: وردت هذه السورة في معرض الالتفات والعدول إلى إخبار نبي الله صلى الله عليه وسلم بما تضمنته هذه السورة من قصة أصحاب الأخدود، وقد تقدم هذا الضرب في سورة المجادلة وسورة النبأ، وبينا وقوعه في أنفس السور ومتونها وهو أقرب فيما بين السورتين وأوضح.

085.8.3- لما ذكر في سورة الانشقاق {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه (6)}، أي ساع إلى ربك بأعمالك، من خير أو شر. قابله في سورة البروج أن لاقى {أصحاب الأخدود (4)} جزاء أعمالهم {النار ذات الوقود (4)}، و{الذين آمنوا وعملوا الصالحات (11)} فازوا بالجنة. وكلمة {فملاقيه (6)} تحمل معنى ملاق عملك كما هو مذكور، أو ملاق ربك ويقابله في سورة البروج الآية {واليوم الموعود (2)}، والآية {إنه هو يبدئ ويعيد (13)}.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top