العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


102.0 سورة التكاثر


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


102.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 8 آيات. 4) الثانية بعد المائة من حيث الترتيب في المصحف. 5) والسادسة عشرة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الكوثر”. 6) أسماء أخرى للسورة: وكانت تسمى: المغيرة.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: لم يذكر فيها لفظ الجلالة أو أي اسم من أسماء الله وصفاته. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: تعلمون 4 مرّات؛ (3 مرّات): كلّا، ثمّ؛ (2 مرّة): سوف، لترون، اليقين؛ (1 مرّة): ألهاكم، التكاثر، زرتم، المقابر، عين.

102.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

102.2.1- وأخرج عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول العبد مالي، مالي، وإنما له من ماله ثلاثة ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدّق فأبقى. وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس.

 

102.2.2- وأخرج البخاري وابن جرير عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كنا نرى هذا من القرآن لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب، حتى نزلت سورة {ألهاكم التكاثر} إلى آخرها.

102.3 وقت ومناسبة نزولها:

أبو حيان والشوكاني قالا إن هذه السورة مكّية حسب قول جميع المفسرين وهو الرأي المشهور عند الإمام السيوطي.

مع ذلك هناك بعض الأحاديث والتي قيل على أساسها أن السورة مدنية، مثل الحديث المذكور أعلاه لأبي بن كعب، والذي دخل الإسلام في المدينة. وهذا الأساس كثيراً ما يحدث سوءاً في الفهم بأن يجعل الحديث مناسبة لنزول السورة، وسوء الفهم ناتج عما تعوّد الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم فعله عندما كانوا يجدون آية تتطابق مع أمراً ما يحدث في حياتهم ينسبون هذه الآية لهذا الأمر أو الحدث بالذات، ولم يكن هذا الأمر أو هذه الحادثة في الحقيقة مناسبة لنزول السورة.

لكن موضوع السورة وأسلوبها يشير بوضوح إلى أنها مكّية، بل وحتى أنها نزلت مع أوائل السور التي نزلت في مكّة. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

102.4 مقصد السورة:

102.4.1- التأكيد على أن سبب هلاك الإنسان يوم القيامة هو إلتهاءه بالتكاثر وانشغاله به عن العلم العبادة والعمل للآخرة. ثمّ الوعيد والتهديد الشديد (تخويفاً وتنبيهاً لهم) بأنهم سيعلمون عاقبة انشغالهم، وأنهم سيحاسبون وينالون الجزاء العادل يوم القيامة.

صحيح أن السورة تهديد ووعيد، لكنها أيضاً تقرير حقيقة حاصلة وهي، انشغال الإنسان جهلاً بالتكاثر بالنعيم، وتفريطه بالعلم بأنه خليفة الله في الأرض على هذا النعيم الذي سيسأل عنه في الآخرة للحساب، هل كان من المصلحين أم المفسدين، والجزاء.

102.4.2- ومقصود السورة نجده في الآية: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} وهي تهديد ووعيد للإنسان الذي انشغل بالتكاثر وترك الدين. وترك ما خلقه الله لأجله من الإصلاح ومحاربة الفساد: عن طريق العلم بإقرأ، وتزكية والنفس بالأخلاق الكريمة، والتزام الجسد بالطاعات والعمل الصالح. فهل استخدم النعيم الذي استخلف عليه في طاعة الله وطلب الآخرة، أم هل الهاه ذلك عن العبادة وعن طلب الآخرة؟

102.4.3- وقال البقاعي: مقصودها التصريح بما أشارت إليه العاديات من أن سبب الهلاك يوم الجمع، الذي صورته القارعة، الجمع للمال، والإخلاد إلى دار الزوال، واسمها واضح الدلالة على ذلك.

102.5 ملخص موضوع السورة:

هي السادسة عشرة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة الكوثر. ومقصدها إنذار الناس وتخويفهم من عاقبة انشغالهم جهلاً بالتكاثر والتفاخر في الأموال والأولاد، حتى إذا ماتوا تركوه وراءهم، وسوف يعلمون ذلك حين يصيرون إلى القبور ثم حين يعاينون الجحيم ويعلمون العِلم اليقين بأنهم يوم القيامة مسؤولون عمّا استخلفوا فيه من النعيم ومحاسبون، وسينالون جزاءهم العادل. وتضمّنت نصفين متساويين من أربع (4) آيات في كلّ منهما: استهلّ النصف الأوّل بالحديث عن سبب هلاكهم وهو انشغالهم بالتّكَاثر، والنصف الثّاني بالحديث عن سبب هلاكهم وهو انشغالهم بالتكاثر، ثمّ تأكيد بأنّهم محاسبون مسؤولون عن النعيم، كما يلي:

النّصف الأوّل (الآيات 1-4): شغلكم أيها الناس التكاثر والتفاخر بالأموال والأولاد عن طاعة الله والعمل للآخرة {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} وصرتم من أهلها، {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)} في القبر، (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)} في الآخرة عاقبة ذلك، وأن الأمر ليس بالتكاثر بل بالعمل للفوز في الآخرة.

النّصف الثّاني (الآيات 5-8): {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ} أنكم ميّتون {عِلْمَ الْيَقِينِ (5)}، وأنكم مبعوثون ومحاسبون لخفتم العقاب ولما ألهاكم التكاثر، ثم أكّدت بالقسم {لَتَرَوُنَّ} أيها المتكاثرون {الْجَحِيمَ (6)}، ثمّ كررت {لَتَرَوُنَّهَا (7)} بأبصاركم عياناً، ثمّ هدّدت {لَتُسْأَلُنَّ (8)} ولتحاسبنّ عن كلّ نعمة أنعمها الله عليكم وألهاكم التكاثر بها في الدنيا الفانية عن الآخرة الباقية.

ولمّا تكرّر الردّ بالتهديد والوعيد على المنشغلين بالتكاثر بِ {كَلَّا} ثلاث مرّات، وتكرّر كذلك التهديد والوعيد بالعذاب والحساب بلام القسم ثلاث مرّات (لَتَرَوُنَّ، لَتَرَوُنَّهَا، لَتُسْأَلُنَّ)، فقد تأكّد بذلك ستّ مرّات إنذارهم وتخويفهم لعلّهم يعقلون فيبصرون أن التكاثر المحمود الذي يتنافس فيه المتنافسون ليس بكثرة الأموال والأولاد وإنما بالأعمال الصالحة.

وهي الرابعة من ست (6) سور متتالية ومتناسبة من الزلزلة إلى الهمزة، تكمل بعضها بعضاً في الإنذار والتخويف من الحساب والجزاء، لعلهم يعقلون فيبصرون الحق فيتّبعون دين الله الذي فيه فلاحهم. الثلاث الأولى تبيّن أسباب هلاكهم وما سيحاسبون عليه، ففي الزلزلة: يحاسبون على ما عملوا بوزن الأعمال، وفي العاديات: يحاسبون على نواياهم في أعمالهم بإظهار ما تخفيه صدورهم، وفي القارعة: يحاسبون على مقادير أو قيمة أعمالهم، منهم من اشتغلوا للآخرة فثقلت موازينهم ومنهم اشتغلوا للدنيا فخفّت موازينهم من الحسنات والأعمال الصالحة؛ والثلاث الثانية تبين أسباب تقصيرهم، ففي التكاثر: اشتغلوا بدنياهم وملؤوا موازينهم بالحطام الزائل والآثام، وفي العصر: خسروا بإعراضهم عن الإيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق والصبر، وفي الهمزة: اشتغلوا بازدراء الناس بالهَمز واللمز وجمع المّال بدلاً من العمل للآخرة الخالدة.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا.

102.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

102.6.1- الآيات (1-4) شغلكم عن طاعة الله التفاخر بكثرة الأموال والأولاد، حتى صرتم إلى المقابر، ودُفنتم فيها، وسوف تتبيَّنون أن الدار الآخرة خير لكم، وسوف تعلمون سوء عاقبة انشغالكم عنها.

102.6.2- الآيات (5-8) لو تعلمون حق العلم، لتبصرُنَّ الجحيم، ثم لتبصرُنَّها دون ريب (ولو تعلمون لانزجرتم وبادرتم إلى إنقاذ أنفسكم من الهلاك)، ثم لتسألُنَّ يوم القيامة عن كل أنواع النعيم.

قال سبحانه {كلا} ثلاث مرات أي ارتدعوا وانزجروا، ثم قال {سوف تعلمون} مرتين وقال {لو تعلمون} وفي هذا وعيد شديد، تخويفاً وتنبيهاً لهم عن الانشغال بالتكاثر وتنبيهاً بأنهم سيسألون وسيعلمون عاقبة انشغالهم عن يوم القيامة {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم (8)}.

102.7 الشكل العام وسياق السورة:

102.7.1- اسم السورة التكاثر: {ألهاكم التكاثر} هو الانشغال بحب الدنيا ونعيمها والتباري في الكثرة والتباهي بها، وأن يقول هؤلاء نحن أكثر وهؤلاء نحن أكثر. وقد تمادوا في ذلك حتى فاجأهم الموت وصاروا من أصحاب القبور. وهو المشهد النقيض لما كان يجب أن يكون عليه حالهم من شكر ما أنعم الله به من الصحة والأمن والرزق وغيره والتفرغ لطلب الآخرة وابتغائها.

102.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:

قد تكرر في هذه السورة الزجر والإنذار تخويفا للناس، وتنبيها لهم على خطئهم، باشتغالهم بالفانية عن الباقية، وتكرر حثّهم على التدبر فيما ينجيهم من الجحيم. وأنهم مبعوثون ومسؤولون عن إهمال شكر المنعم العظيم، كما يلي:

102.7.2.1- الآيات (1-4) شغلكم التباهي بالكثرة في المال والولد ونحوهما عن الجد في العمل والاستعداد حتى هلكتم ومتّم وصرتم من أصحاب القبور.

102.7.2.1.1- أنتم بانشغالكم بالتكاثر تصرفتم بجهل كالأنعام: أي تمتعتم بالنعمة، وتصارعتم عليها، وانشغل عقلكم وحرصكم ومكركم بالتكالب في الحصول على أكبر قدر من النعيم ونسيتم حساب ربكم، فأفسدتم مقصد وجودكم، وحكمته في أن جعلكم خلفاءه في الأرض.

102.7.2.1.2- الله ينهاكم عن هذا الجهل ويأمركم بالعلم ومعرفة الحق: {كَلَّا} وهي ردع وزجر وتهديد عن الاشتغال بالتكاثر، وتوهم أن السعادة والفوز هو بالانشغال بالتكاثر. فإن لم تستخدموا عقولكم لتتعلموا، ولم تسمعوا كلام الحق ولم تتبعوا رسالة الهدى من ربكم، {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} فالوعيد والتهديد من عاقبة ما أنتم عليه ما سوف ترونه حين تموتون وتصيرون في القبور. {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تكرير الردع والزجر والتهديد للتأكيد على عظم ما يلاقونه في القبور وعند البعث (ذكر الوعيد والتهديد ثلاثة مرّت بأنهم سيعلمون).

102.7.2.2- الآيات (5-8) لو تعلمون علم اليقين، عن حقيقة الموت والبعث والقيامة، ما ألهاكم التكاثر: أي لو تعلمون في الحياة قبل الموت من البعث والجزاء ما تعلمونه بعد الموت منه، أو لو تعلمون الأمر علماً يقيناً لَشَغَلَكم ما تعلمون عن التكاثر:

102.7.2.2.1- {كَلَّا} فالعلم اليقين هو في معرفة ما ذكرته السورة من الوعد والوعيد والتهديد بالحساب والجزاء، وهو ما سترونه في الآخرة، وأن الفوز والسعادة بالعمل الصالح؛ فلو علمتم ذلك لما ألهاكم تكاثركم، ولأشغلكم خوف الآخرة وعذابها عن كل ما في الدنيا.

102.7.2.2.2- تأكيد الإنذارات الثلاثة بالقسم (المضمر باللام): {لَتَرَوُنَّ} أيها المتفاخرون المتكاثرون {الْجَحِيمَ} بأبصاركم عيانا بعد الموت قبل الجزاء، ثم تكرار القسم تشديدا للتهديد: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّها} أي الجحيم المذكورة {عَيْنَ الْيَقِينِ} بالمشاهدة لا خفاء فيها. ثم تكرار القسم تهديداً وتأكيداً فقال: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ} يوم الحساب ستسألون {عَنِ النَّعِيمِ} الذي شغلكم الالتذاذ به في الدنيا عن القيام بأمر الدين، وسينال كل فرد جزاؤه الذي يستحقه.

102.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعاتها:

احتوت السورة على موضوع واحد وهو انشغال الناس جهلاً بالتكاثر، ثم تهديدهم ووعيدهم ببيان نتائج وآثار هذا الفعل في الدنيا بعذاب القبر، والآخرة في الجحيم: إن الناس قد انشغلوا جهلاً بالتكاثر، وكأن مقصد الحياة عندهم هو التكاثر فقط؛ بينما الحق اليقين هو أن الله جعل التكاثر وسيلة بقاء واستقرار مؤقت ومتاع بالنعيم، لمقصد أعلى وهو الاختبار بما هم فاعلين في هذا النعيم؛ فالحكمة والغرض من وجود الإنسان، والحق والعلم اليقين هو في الآية الأخيرة {لَتُسْأَلُنَّ … عَنِ النَّعِيمِ} بينما هم انشغلوا بما تضمنته الآية الأولى {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}. وباقي آيات السورة تفصّل وتسهل في فهم هذا المقصد في مكانين وزمانين مختلفين كما يلي:

102.7.3.1- في الدنيا: انشغلوا جهلاً بالتكاثر، فتتهددهم الآيات وتتوعدهم بأنهم سوف يعلمون الحقيقة ولكن بعد فوات الأوان حين يموتون ويصيرون إلى المقابر. الآيات (1-4)

فقد هدد اللّه المتكاثرين بقوله: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة هذا الانشغال بالتكاثر والتباهي والتفاخر في برزخ القبر، إذا أنزل بكم الموت الذي هو خاتمة ايام الدنيا ومفتتح أيام الآخرة. قال علي كرم اللّه وجهه: كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه السورة التي فيها هذه الآية فأيقنّا.

102.7.3.2- في الآخرة: سيعلمون الحقيقة علم اليقين وسيرونها بأم أعينهم، أن جهلهم ساقهم إلى الجحيم يقيناً، وأنهم محاسبون على كل نعيم انشغلوا به في حياتهم عن آخرتهم. الآيات (5-8)

وقد أكد سبحانه إنذاراته الثلاثة لهم بأنهم سوف يعلمون بالقسم {لَتَرَوُنَّ} أيها المتفاخرون المتكاثرون {الْجَحِيمَ} بأبصاركم عيانا بعد الموت قبل الجزاء، وهي التي أوعدكم العذاب فيها على لسان رسله، ثم كرر القسم تشديدا للتهديد وتهويلا للأمر فقال عز قوله: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّها} أي الجحيم المذكورة {عَيْنَ الْيَقِينِ} بالمشاهدة لا خفاء فيها.

ففي المكانين تهديد مرعب يظهر فداحة جهلهم حين انشغلوا بالزائل عن الباقي، وبالفاني المحدد عن الخلود، وبنعيم يكاثرونه حتى حين عن نعيم مقيم متكاثر لا ينقضي. فأي هلاك هذا الذي أخذوا أنفسهم إليه بالجهل والظلام والعمى، وتركوا النجاة بالعلم والنور والبصيرة. أنهم وقد ألهاهم التكاثر عن سماع الحق والعلم به، وانشغلوا بالنعيم عن طاعة المنعم، أو استمتعوا بالضيافة دون أن يعيروا انتباهاً أو يستمعوا للمضيف، يستحقون كل التوبيخ والتقريع الذي في السورة وأكثر.

102.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

102.8.0- ولمّا تكرّر الردّ بالتهديد والوعيد على المنشغلين بالتكاثر بِ {كَلَّا} ثلاث مرّات، وتكرّر كذلك التهديد والوعيد بالعذاب والحساب بلام القسم ثلاث مرّات (لَتَرَوُنَّ، لَتَرَوُنَّهَا، لَتُسْأَلُنَّ)، فقد تأكّد بذلك ستّ مرّات إنذارهم وتخويفهم لعلّهم يعقلون فيبصرون أن التكاثر المحمود الذي يتنافس فيه المتنافسون ليس بكثرة الأموال والأولاد وإنما بالأعمال الصالحة.

وهي الرابعة من ست (6) سور متتالية ومتناسبة من الزلزلة إلى الهمزة، تكمل بعضها بعضاً في الإنذار والتخويف من الحساب والجزاء، لعلهم يعقلون فيبصرون الحق فيتّبعون دين الله الذي فيه فلاحهم. الثلاث الأولى تبيّن أسباب هلاكهم وما سيحاسبون عليه، ففي الزلزلة: يحاسبون على ما عملوا بوزن الأعمال، وفي العاديات: يحاسبون على نواياهم في أعمالهم بإظهار ما تخفيه صدورهم، وفي القارعة: يحاسبون على مقادير أو قيمة أعمالهم، منهم من اشتغلوا للآخرة فثقلت موازينهم ومنهم اشتغلوا للدنيا فخفّت موازينهم من الحسنات والأعمال الصالحة؛ والثلاث الثانية تبين أسباب تقصيرهم، ففي التكاثر: اشتغلوا بدنياهم وملؤوا موازينهم بالحطام الزائل والآثام، وفي العصر: خسروا بإعراضهم عن الإيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق والصبر، وفي الهمزة: اشتغلوا بازدراء الناس بالهَمز واللمز وجمع المّال بدلاً من العمل للآخرة الخالدة.

102.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: هذه السورة واقعة موقع العلة لخاتمة ما قبلها كأنه لما قال هناك: {فأُمهُ هاوية}‏ قيل: لم ذلك فقال: لأنكم {أَلهاكُم التكاثُر}‏ فاشتغلتم بدنياكم وملأتم موازينكم بالحطام فخفت موازينكم بالآثام ولهذا عقبها بسورة العصر المشتملة على أن الإنسان في خُسر بيان لخسارة تجارة الدنيا وربح تجارة الآخرة.

102.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم ذكر القارعة وعظيم أهوالها، أعقب بذكر ما شغل وصد عن الاستعداد لها وألهى عن ذكرها، وهو التكاثر بالعدد والقرابات والأهلين فقال: {ألهاكم التكاثر (1)} وهو في معرض التهديد والتقريع وقد أعقب بما يعضد ذلك وهو قوله {كلا سوف تعلمون (3) ثم كلا سوف تعلمون (4)} ثم قال {كلا لو تعلمون علم اليقين (5)} وحذف جواب {لو} والتقدير: لو تعلمون علم اليقين لما شغلكم التكاثر، قال صلى الله عليه وسلم “لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً” أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه عن أنس رضي الله علنه، وقوله تعالى {لترون الجحيم (6)} جواب لقسم مقدر أي والله لترون الجحيم، وتأكد بها التهديد وكذا ما بعد إلى آخر السورة.

– راجع سورة الهمزة (104.8.2): تناسب الزلزلة إلى الهمزة (6 سور) مع بعضها ومع ما قبلها وبعدها. حول موضوع التخويف من الحساب والجزاء في الآخرة.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top