العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


103.0 سورة العصر


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


103.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 3 آيات .4) الثالثة بعد المائة من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثالثة عشرة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الشرح”.  6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: لم يذكر فيها لفظ الجلالة {الله} أو أيّ من أسماءه وصفاته. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: العصر 1 مرّة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: تواصوا 2 مرّة.

103.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

وقال الشافعي رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم. وقال لو لم ينزل الله سوى هذه السورة لكفت الناس.

103.3 وقت ومناسبة نزولها:

وهي مكّية عند الجمهور. وقال قتادة ومجاهد ومقاتل: هي مدنيّة. أما موضوعها فهو يدلّ على أنها نزلت في وقت مبكّر من العهد المكي، وهو الوقت الذي كانت تعرض فيه رسالة الإسلام بجمل مختصرة ولكنها مؤثرة جداً، على نحو يجعل من يسمعها ولو لمرّة واحدة لا ينساها حتى ولو حاول ذلك، لأنها رسخت في ذهنه. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

103.4 مقصد السورة:

103.4.1- الناس كلّهم في خسران أكيد إذا لم يؤمنوا ويعملوا الصالحات ويتواصوا بالحق والصبر.

والتأكيد بالقسم فيه تخويف وإنذار من الخسران المحدق والأكيد إذا بقي الإنسان في الجهل ولم يبحث عن طريق فوزه ونجاته، ويعلم مقصد وجوده، وإذا لم يهتدي إلى طريق الحق المستقيم، بأن لا فلاح إلّا بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر.

103.4.2- مقصد السورة في الآية الثالثة وهو {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}. خطاب واضح لقلب الإنسان مكان الإيمان والاختيار بأنه حر في تصرفاته، فليختار بميزان الحب بين الربح الخالد والخسارة الخالدة، (وقد تقدّم الخطاب للعقل في سورة التكاثر بميزان الحق والعدل بين الأعمال الرابحة أو الخسارة، فنهاية الطريق مؤكدة وواضحة أمامه، لكن الاختيار ونيّة العمل تكمن في القلب).

103.4.3- وقال البقاعي: مقصودها تفضيل نوع الإنسان المخلوق من علق، وبيان خلاصته وعصارته وهم الحزب الناجي يوم السؤال عن زكاء الأعمال بعد الإشارة إلى أضدادهم، والإعلام بما ينجي من الأعمال والأحوال بترك الفاني والإقبال على الباقي لأنه خلاصة الكون ولباب الوجود، واسمها العصر واضح في ذلك. وقيل: إنها شملت جميع علوم القرآن.

103.5 ملخص موضوع السورة:

هي الثالثة عشرة حسب ترتيب النزول، نزلت في المرحلة السرّية من الدعوة بعد سورة الشرح، ومقصدها بيان طريق النجاة في الدنيا والفوز في الآخرة وذلك باتباع دين الله الإسلام. وتضمّنت موضوعين، واستهلّت بالقسم بالعصر الذي هو اسمها وهو من أسماء الزمان: أي وقت العصر أو صلاتها أو عصر الإسلام أو الدهر أو معظم الوقت، وهو آية عظيمة تدل على قدرة الله تعالى خالق الزمان والمكان الذي يعيشه الإنسان، فإنما عمره أيام معدودات إذا ذهب يوم ذهب بعضه، وجواب القسم هو أن الإنسان لفي خُسر، أي خسر إذا لم يكسب في يومه بالعمل لآخرته، لخسارة تجارة الدنيا وربح تجارة الآخرة {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}، كما يلي:

(الآيات 1، 2): أقسم سبحانه بالعصر، فهو الزمان الذي تقع فيه أفعال الناس وأعمالهم من خير وشر، وأنّ كلّ إنسان خاسر بمقدار الزمان الذي يضيّعه من عمره بعيداً عن اتباع الدّين لأنّ علّة وجوده في الدنيا الإيمان والعمل اختباراً، فمن لا يؤمن ويعمل، يخسر، فالزّمان لا يعود ووقت الاختبار لن يتكرر.

(الآية 3): واستثنى من الخسران الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وبالصبر، أي اتبعوا دين الإسلام، لأنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا وسعدوا وفازوا لاستبدالهم الفاني القليل بالباقي الجزيل.

وهكذا أوجزت بأسلوب بسيط وطريقة مختصرة وكلمات قليلة (14 كلمة) وإنما مؤثرة وجامعة وكافية لإيصال مضمون رسالة القرآن والدّين الإسلامي كاملاً بدرجاته الثلاث إلى كلّ فئات الناس من بداية الدعوة، وتشمل الإيمان: {الَّذِينَ آَمَنُوا} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، والإسلام: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بالشهادتين والصلاة والصيام والحج والزكاة، والإحسان: بمراقبة الله تعالى والتواصي بمحبّته وطاعته {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} والتواصي بالصّبر في العمل والنصيحة وحبّ الخير للعباد والوفاء بحقوقهم {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.

ولمّا اشتملت التأكيد بالقسم على أن الإنسان في خُسر، وأنّ عمره هو رأس ماله فلا ينبغي أن يضيّعه بتجارة الدنيا الفانية التي سيتركها وراءه ويترك العمل للآخرة الباقية التي تنتظره، وقد تقدّم على نفس السياق في سورة التكاثر بيان سبب الخسران وهو لأنكم {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)}، ثمّ أعقبتها كذلك على نفس السياق سورة الهمزة بأنّ سبب الخسران هو اشتغالهم بازدراء الناس بالهَمز واللمز وجمع المّال للدنيا الزائلة بدلاً من العمل للآخرة الخالدة.

اللهم اجعلنا من الفائزين الرابحين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

103.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

السورة على قصرها تخاطب قلب الإنسان ليختار بين طريقين: العمل الخاسر بلا إيمان أو العمل الرابح بإيمان بأسلوب قوي فيه تخويف وإنذار من الخسران، وفيه وعد بالنجاة والفوز باتباع سبيل الإيمان باللّه وحده والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر.

103.6.1- الآيات (1، 2) أقسم تعالى بالعصر أي الزمان على أن الإنسان لفي خسر، أي خسارة وهلاك.

103.6.2- الآية (3) واستثنى من الخسران الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، وتواصوا بأداء الطاعات وترك المحرمات، وبالصبر على المصائب والأقدار وأذى مخالفيهم.

103.7 الشكل العام وسياق السورة:

103.7.1- اسم السورة العصر: أقسم سبحانه بالعصر، فهو الزمان الذي يقع فيه أفعال الناس وأعمالهم من خير وشر، وهو الإطار الذي يتحدد في داخله مصيرهم؛ وأن كل أحد في خسر، إلا الذين آمنوا، وهم الذين عرفوا الحق وصدقوا به (والحق خلاف الباطل، ويشتمل جميع الخيرات وما يحق فعله، ويدخل فيه سائر الدين من علم وعمل)، وعملوا الصالحات (وهي ما علموه من الحق)، وتواصوا بالحق (تعليما وإرشاداً)، وتواصوا بالصبر (أي صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات).

103.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:

احتوت السورة على موضوعين هما: التأكيد بالقسم على: أن الإنسان في خسر. ثم التأكيد على الاستثناء: إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق والصبر.

وقد أقسم تعالى بالعصر الذي هو الليل والنهار محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر. وقد يكون خساراً مطلقاً كحال من خسر الدنيا والآخرة وفاته النعيم واستحق الجحيم وقد يكون خاسراً من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكلّ إنسان إلا من اتصف بأربع صفات: وضعها الله سبحانه لتكون طريقاً مستقيماً للحياة البشريّة كما أرادها الله وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق (وهو الإيمان والعمل الصالح) والتواصي بالصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة، كما يلي:

103.7.2.1- القسم بالعصر على أن الإنسان في خسر:

103.7.2.1.1- الآية (1) أقسم الله تعالى بالعصر باعتبار أنه آية عظيمة تدل على قدرة الله تعالى على خلق العالم وأحواله، فهو سبحانه خالق الزمان والمكان؛ {والعصر} زمن يذكِّر بأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة، أو عصرٍ معين مبارك، وقد ذكر المفسرون في معناه أقوال: هو الدهر، أو الزمن كلّه، أو أحد طرفي النهار، أو صلاة العصر، أو زمان الرسول عليه السلام، أو يجوز أن يراد عصر الإِسلام كلِه وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم؛ والعصر في النتيجة هو من أعظم النعم على الإنسان، فلو ضيع ألف سنة، ثم تاب في اللمحة الأخيرة من العمر بقي في الجنة أبد الآباد.

103.7.2.1.2- الآية (2) جواب القسم أن الإنسان في خسر: وهو هلاك رأس المال أو نقصه. فالإنسان إذا لم يستعمل نفسه فيما يوجب له الربح الدائم، فهو في خسران، لأنه عمل في إهلاك نفسه، وهما أكبر رأس ماله. قال بعضهم: إن الإنسان لا ينفك من خسر لأن عمره رأس ماله، فإفناء العمر فيما يمكن أن يكون خيراً منه عبارة عن الخسران. ووجهه أنه إن أفنى عمره في المعصية فخسره وحسرته ظاهران، وإن كان مشغولاً بالمباحات فكذلك لأنه يمكنه أن يعمل فيه عملاً يبقى أثره ولذته دائماً، وإن كان مشغولاً بالطاعات فلا طاعة إلا ويمكن الإتيان بها على وجه أحسن لأن مراتب الخضوع والعبادة غير متناهية كما أن جلال الله وجماله ليس لهما نهاية.

103.7.2.2- الآية (3) المستثنون من الخسر هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر: وقد دل استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات من أن يكونوا في خُسر على أن سبب كون بقية الناس في خسر هو عدم الإِيمان والعمل الصالح، وكل دقيقة لا يكون فيها إيمان وعمل صالح فهي خسارة. وعُلم أن الإِيمان والعمل الصالح هما سبب انتفاء إحاطة الخسر بالإنسان.

103.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعاتها:

موضوعات السورة تؤكد بأن شأن الإنسان بما هو إنسان أن يختار لنفسه طريق الخسران، وأن من يتبع منهم طريق النجاة والفلاح هم الاستثناء القليل، كما يلي:

103.7.3.1- الآيات (1، 2) تهديد شديد ووعيد بأن الإنسان إن لم يؤمن ويعمل الصالحات فهو في خسر وهلاك. وهو ما نراه حقيقة في سير القرون الأولى، ونستقرئه من تاريخ الإنسان فهو دائم الكفر والفساد، وقد ذُكر عنه في كتب التاريخ وأكده القرآن. ولأجل هذا أرسل الله المرسلين وأنزل الرسالات، فإذا ما آمن الناس وعملوا الصالحات فازوا في الدارين. لكن بسبب انشغال الناس بالدنيا عن العلم وإعراضهم عن سماع رسالات ربهم بموجب طبعهم {إنه كان ظلوماً جهولاً (72)} الأحزاب، وحصر إدراكهم في العاجل دون الآجل الذي فيه فوزهم وفلاحهم، ما تلبث أن تجتالهم الشياطين فيعودوا إلى الكفر والفساد فيخسروا ويهلكوا في الدارين، وهكذا دواليك.

103.7.3.2- الآية (3) تؤكد الآية بأن هذه الدنيا دار عمل وابتلاء {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3)}، فالإنسان في خسر لأنه لا يعمل، فالقصور شأنه، والظلم طبعه، الجهل جبلته. هذه الدنيا أو هذا الزمان هو زمان ابتلاء واختبار وإقامة للحجة على الإنسان، أو هو زمان اختيار بين خسر أو ربح. هو زمان اختيار ولا خيار، هو خيار واحد لا غير وهو الإيمان والعمل الصالح، أما الخيار الثاني فهو ليس خيار بل خسران وهلاك فمن يملك الجرأة على الحق وهو عدم الإيمان والفساد في ملك خالق العصر إلا من يتعمد الخسران والهلاك لنفسه. لذلك فإن من اختار الإيمان والعمل الصالح أو من اختار الكفر والفساد، فالقرار قراره والمصير مصيره، هو من فعل ذلك بنفسه ولنفسه، فهنيئاً للرابح (وهم القليل) وتعساً للخاسر (وهم الأكثر)، وكلّ بعمله.

103.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

103.8.0- وهكذا أوجزت بأسلوب بسيط وطريقة مختصرة وكلمات قليلة (14 كلمة) وإنما مؤثرة وجامعة وكافية لإيصال مضمون رسالة القرآن والدّين الإسلامي كاملاً بدرجاته الثلاث إلى كلّ فئات الناس من بداية الدعوة، وتشمل الإيمان: {الَّذِينَ آَمَنُوا} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، والإسلام: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بالشهادتين والصلاة والصيام والحج والزكاة، والإحسان: بمراقبة الله تعالى والتواصي بمحبّته وطاعته {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} والتواصي بالصّبر في العمل والنصيحة وحبّ الخير للعباد والوفاء بحقوقهم {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.

ولمّا اشتملت التأكيد بالقسم على أن الإنسان في خُسر، وأنّ عمره هو رأس ماله فلا ينبغي أن يضيّعه بتجارة الدنيا الفانية التي سيتركها وراءه ويترك العمل للآخرة الباقية التي تنتظره، وقد تقدّم على نفس السياق في سورة التكاثر بيان سبب الخسران وهو لأنكم {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)}، ثمّ أعقبتها كذلك على نفس السياق سورة الهمزة بأنّ سبب الخسران هو اشتغالهم بازدراء الناس بالهَمز واللمز وجمع المّال للدنيا الزائلة بدلاً من العمل للآخرة الخالدة.

103.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: لما قال في سورة القارعة:{فأُمهُ هاوية (9)}‏ قيل: لم ذلك فقال: لأنكم {‏أَلهاكُم التكاثُر (1)} سورة التكاثر، ‏ فاشتغلتم بدنياكم وملأتم موازينكم بالحطام فخفت موازينكم بالآثام {وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9)} سورة القارعة، ولهذا أعقبها بسورة العصر المشتملة على أن الإنسان في خُسر، بيان لخسارة تجارة الدنيا وربح تجارة الآخرة، ثمّ أعقبها بسورة الهمزة المتوعد فيها من {جمع مالاً وعدّده (2) يحسب أن ماله أخلده (3)} الهمزة، فانظر إلى تلاحم هذه السور الأربع وحسن اتساقها.

 

ثم تدبر سورة (العصر) فقد أوجزت فيها مضامين أربع سور: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، فقد احتوت على أربع صفات:

– الذين آمنوا – وعملوا الصالحات.
– وتواصوا بالحق – وتواصوا بالصبر.

فسورة البقرة وسورة آل عمران تضمنتا الإسلام والإيمان، حيث تضمنت معظم الأحكام الشرعية المفصلة في سورة البقرة، ولذا فقد أوجزت بقوله تعالى في العصر: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}، وسورة النساء فصلت حقوق الأرحام والأمر بالقسط وإيفاء الحقوق، ولذا أوجزت بقوله تعالى في العصر {وتواصوا بالحق}، وسورة المائدة سورة العقود عقود الحل والحرمة والأمر بالوفاء بالعقود، والتزام الحلال واجتناب الحرام ولذا أوجزت بقوله تعالى: {وتواصوا بالصبر} فالحرص على الحلال واجتناب الحرام يحتاج إلى الصبر.

لما كانت لذة هذه الدنيا الظاهرة التنعم بما فيها من المتاع، وكان الإنسان مسؤولاً بما شهد به، ختم التكاثر عن ذلك النعيم متوعداً برؤية الجحيم، فكان ساكن هذه الدار على غاية الخطر، فكان نعيمه في غاية الكدر، قال دالاً على ذلك بأن أكثر الناس هالك، مؤكداً بالقسم {والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2)} أي نقص بحسب مساعيهم في أهوائهم، لما لهم من الميل إلى الحاضر والإعراض عن الغائب، والاغترار بالفاني. فجاء مقصود سورة العصر في بيان الحزب الناجي يوم السؤال عن زكاء الأعمال بعد الإشارة إلى أضدادهم، والإعلام بما ينجي من الأعمال والأحوال بترك الفاني والإقبال على الباقي.

103.8.2- وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لما قال تعالى {ألهاكم التكاثر (1)} وتضمن ذلك الإشارة إلى قصور نظر الإنسان وحصر إدراكه في العاجل دون الآجل الذي فيه فوزه وفلاحه، وذلك لبعده عن العلم بموجب الطبع {إنه كان ظلوماً جهولاً (72)} الأحزاب، أخبر سبحانه أن ذلك شأن الإنسان بما هو إنسان فقال {والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2)} فالقصور شأنه، والظلم طبعه، الجهل جبلته، فيحق أن يلهيه التكاثر، ولا يدخل الله عليه روح الإيمان {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3)}، فهؤلاء الذين {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله (37)} النور.

103.8.3- وقال نظام الدين النيسابوري: وعن بعضهم أنه قال في سورة التين {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين (4)} التين، فابتدأ من الكمال النقصان وقال هاهنا {لفي خسر إلا الذين آمنوا (3)} فعكس القضية لأن ذلك مذكور في أحوال البدن وهذا مذكور في أحوال النفس. قلت: يمكن أن يقال: إن كلتا الآيتين في شأن النفس إلا أنه أراد في التين ذكر استعداده الفطري وهو كرأس المال، وههنا أراد حكاية معاملته بعدما أعطى رأس المال. ولا ريب أن أكثرهم منهمكون في طلب اللذات العاجلة المضيعة للاستعداد الأصلي إلا الموفقين الموصوفين بالكمال والإكمال.

– راجع سورة الهمزة (104.8.2): تناسب الزلزلة إلى الهمزة (6 سور) مع بعضها ومع ما قبلها وبعدها. حول موضوع التخويف من الحساب والجزاء في الآخرة.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top