العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


112.0 سورة الإخلاص


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


112.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 4 آيات. 4) الثانية عشرة بعد المائة من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثانية والعشرون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الناس”. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمّى أيضاً سورة الأساس لاشتمالها على توحيد الله وهو أساس الدين.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 2 مرة؛ (1 مرّة): أحد، الصمد، هو. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: كفواً 1 مرة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: لَمْ 3 مرّات؛ (2 مرّة): أحد، يلد؛ (1 مرّة): قل، يكن، له.

112.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبيّ عليه السّلام “كان إذا آوى إلى فراشه كلّ ليلة جمع كفيه، ثمّ نفث فيهما، وقرأ فيهما، {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ بربّ الفلق} و{قل أعوذ بربّ الناس}. ثمّ يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرّات”.

عن ابي هريرة رضي الله عنه، قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواَ أحد} فقال: “وجبت” فسألته ماذا يا رسول الله؟ فقال: “الجنّة”.

عن عائشة رضي الله عنها، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته، فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجلّ، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أخبروه أنّ الله يحبه”.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رجلا سمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد} ويردها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكأنّ الرجل يتقالّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن”.

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن، و{قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن، و{قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن”.

ويوجد عدد كبير من الأحاديث، التي تبين أن الرسول صلى الله بطرق وبمناسبات مختلفة أخبر الناس أن هذه السورة تعدل ثلث القرآن. أحاديث كثيرة عن هذا الموضوع روتها جميع كتب الأحاديث عن أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأبو أيوب الأنصاري وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وابن عمر وابن مسعود وقتادة بن النعمان وأنس بن مالك وأبو مسعود رضوان الله عليهم جميعاً. وكمثال على هذا حديث أبو سعيد الخدري وحديث ابن عباس المذكورة أعلاه.

وقد أورد المفسرون في تفاسيرهم آراء كثيرة توضح معنى كونها تعدل ثلث القرآن. منها أنها ثلث باعتبار معاني القرآن، لأنه أحكام وأخبار وتوحيد، وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثاً بـهذا الاعتبار. ومنها أن القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص وأحكام وصفات لله تعالى، وقل هو الله أحد متضمنة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء. ومنها أن القرآن على ثلاث أقسام: ثلث منه أحكام، وثلث منه وعد ووعيد، وثلث منه الأسماء والصفات، وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات. وفي الأغلب أنها تعني وببساطة أن الدين الذي جاء به القرآن يقوم على ثلاثة عقائد: التوحيد ونفي الشريك، والنبوات والشرائع، والآخرة. هذه السورة تعلم التوحيد، نقي وغير مشوّه. لذلك اعتبرها النبي صلى الله عليه تعدل ثلث القرآن.

112.3 وقت ومناسبة نزولها:

فيما إذا هذه السورة مدنية أو مكيّة فهو مختلف فيه. وسبب هذا الاختلاف هو الأحاديث المرويّة عن مناسبة نزول السورة وهي كما يلي:

أخرج أحمد والبخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن خزيمة وابن أبي حاتم في السنة والبغوي في معجمه وابن المنذر في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمّد أنسب لنا ربك، فأنزل الله {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد} لأنه ليس يولد شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله لا يموت ولا يورث {ولم يكن له كفواً أحد} ليس له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء. كما روي مثل هذا عن عبد الله بن مسعود وعن جابر بن عبد الله وعن عكرمة وعن أبي العالية.

وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو بكر السمرقندي في فضائل {قل هو الله أحد} عن أنس رضي الله عنه قال: جاءت يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار، والسماء من دخان، والأرض من زبد الماء، فأخبرنا عن ربك فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل بهذه السورة {قل هو الله أحد}. كما روي قريب من هذا أي سؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصف ربّه عن ابن عباس وعن الضحاك وعن سعيد بن جبير وعن قتادة وعن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام.

من هذه الأحاديث نرى أن هناك أشخاص مختلفين وفي مناسبات مختلفة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم ربه الذي بعثه، فكان يأمره الله سبحانه وتعالى أن يقرأ عليهم هذه السورة بالذات كجواب على سؤالهم.

في بداية الأمر سأله مشركي قريش أثناء دعوته في مكة، فأجابهم بهذه السورة. بعد ذلك سأله وهو في المدينة، اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الجزيرة العربية أسئلة مماثلة، وفي كلّ مرة يلهمه ربّه أن يقرأ عليهم هذه السورة بالذات إجابة على تساؤلاتهم. في كل واحد من هذه الأحاديث قيل إن السورة نزلت بهذه المناسبة أو تلك. يجب ألا نفهم من هذا أن هذه الأحاديث تعارض بعضها بعضاً. الحقيقة أنه طالما وجد آية أو سورة نزلت في السابق على الرسول صلى الله عليه وسلم بمناسبة سؤال محدد أو مسألة معينة أو بدون مناسبة، ثمّ جدّ بعد ذلك نفس ذلك السؤال أو المناسبة، كان يوحي إليه الله سبحانه وتعالى أن يتلوا نفس الآية أو السورة على السائل لاحتوائها على الإجابة. وهذا ما يصفه رواة الحديث بتكرار الوحي بمعنى أن الآية أو السورة نزلت عدّة مرّات، فكانوا يقولون نزلت سورة كذا وكذا جواباً على سؤال أو مسألة كذا وكذا التي سئلت للرسول صلى الله عليه وسلم.

الحقيقة أن هذه السورة باعتبار موضوعها فهي مكية، وبالأصح نزلت في وقت مبكر من العهد المكّي، لتعرّف الناس كيف هو الله الذي يدعوهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعبادته، في الوقت الذي لم تتنزل فيه بعد آيات القرآن المفصلة التي تعالج موضوع صفات الله سبحانه وتعالى وحقيقته وجوده. والدليل الآخر على أنها واحدة من أوائل السور التي نزلت في مكة هو، أن بلال بن رباح عندما كان يعذب على يدي سيّده أمية بن خلف فيضعه على الرمل الحار ويضع على صدره الصخرة، كان بلال يردد أحد، أحد، وهذه الكلمة مأخوذة من هذه السورة.

112.4 مقصد السورة:

112.4.1- مقصدها التعريف بالله، وهو: الله الأحد الصمد. أو الفرد الصمد.

{الله} هو الاسم الأعظم الذي يحتوي كل أسماءه وصفاته، {الأحد}: المنفرد بالإلهية، {الصمد}: الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج والشدائد.

 

112.4.2- مقصد السورة نجده في الآيتين الأوليين: {هو: الله أحد (1) الله الصمد (2)}، وهو إجابة على سؤال من هو الله؟ وهو: الله الأحد الصمد؛ وكما قال عليه الصلاة والسلام: “أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ” فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: “اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ” في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

{الله} هو الاسم الأعظم الذي يحتوي كل أسماءه وصفاته التي أطلَعنا عليها في كتابه وعن طريق رسوله: كالرّب، الرحمن، الرحيم، العظيم، مالك يوم الدين، وغيرها؛ {الأحد}: وهو اسم استأثر به لنفسه ولا يسمّى به غيره، ويعني المنفرد بالإلهية، فالله فرد لا متعدد، لا إله إلا هو ولا شريك له في إلهيته؛ {الصمد}: الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج والشدائد، الغني عن كل شيء، وهو من صفات الكمال؛ هو الذي {لَمْ يَلِدْ} أحداً {وَلَمْ يُولد} منه أحد؛ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحد} يكافئه في كونه لأن كل ما فيه خلقه، ولن يكافئ المخلوق خالقه.

112.4.3- وقال البقاعي: مقصودها بيان حقيقة الذات الأقدس ببيان اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال للدلالة على صحيح الاعتقاد للإخلاص في التوحيد بإثبات الكمال، ونفي شوائب النقص والاختلال، المثمر لحسن الأقوال والأفعال، وثبات اللجاء والاعتماد في جميع الأحوال، وعلى ذلك دل اسمها الإخلاص الموجب للخلاص، وكذا الأساس والمقشقشة، قال في القاموس: المقشقشتان الكافرون والإخلاص أي المبرئتان من النفاق والشرك كما يقشقش الهناء الجرَب، الهناء: القطران، وقال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي: كما يبرئ المريض من علته إذا برئ منها – انتهى. وهو مأخوذ من القش بمعنى الجمع، فسُميتا بذلك لأنها تتبعتا النفاق بجميع أنواعه، وكذا الشرك والكفر فجمعتاه ونفتاه عن قارئهما حق القراءة، وكذا اسمها {قل هو الله أحد} دال على مقصودها بتأمل جميع السورة وما دعت إليه من معاني التبرئة اليسيرة الكثيرة، وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن، قال الرازي: والتوحيد مقام يضيق عليه نطاق النطق لأنك إذا أخبرت عن الحق فهناك مخبر عنه ومخبر به ومجموعهما، وذلك ثلاث، فالعقل يعرفه ولكن النطق لا يصل إليه. وسئل الجنيد عن التوحيد فقال: معنى تضمحل فيه الرسوم، وتتشوش فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل، وقال الجنيد أيضاً: أشرف كلمة في التوحيد ما قاله الصديق رضي الله عنه: سبحانه من لم يجعل لخلقه سبيلاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.

112.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في وقت مبكّر من العهد المكّي لتعرّف الناس على ذات الله تعالى بالقرآن، واسمها الإخلاص لأنها أخلصت الخبر عن اللّه وخلّصت قارئها من الشرك. واستهلّت بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} هو الأوّل ولم يكن شيء قبله والآخر وليس شيء بعده، وكان شعار المسلمين يوم بدر: أحد أحد، وقالها بلال لمّا عُذّب على الإِسلام: أحد أحد، وجميع الأشياء غير الله مخلوقة له تعبده وتسبّح بحمده، وهي دليل وحدانيته وكمال قدرته وخلقه وملكه وتدبيره، ثمّ {اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ويتضرّعون إليه عند مسألتهم، ثمّ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)} ممتنع التغيّر غنيّ لذاته لم يلد ولم يولد، ثمّ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} أي ليس له نظير من خلقه، وليس كمثله شيء، وهو ليس من شيء، ولا يحيطه شيء، لأنه خالق الأشياء والزمان والمكان والظلمات والنور والموت والحياة والملائكة والروح ويخلق مالا تعلمون ويقدّره تقديراً. كما يلي:

– {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}: {الله} هو الاسم الأعظم المتضمّن جميع أسمائه وصفاته، الرّب والرّحمن والعزيز وغيرها، الأحد الفرد غير المتعدّد، المتفرّد بالكمال والأسماء الحسنى والصّفات الكاملة العليا، لا إله إلا هو لا شريك له ولا نظير ولا مثيل.

– {اللَّهُ الصَّمَدُ (2)}: صمد بذاته، ويُصمد إليه في الأمور، ويُقصد في الحوائج والشّدائد.

– {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)} كما زعموا، فهو لا يفتقر إلى أحد ولا يحتاج إلى معين، الخالق لكلّ شيء والمبدع له والموجد من العدم، وقد كان ولا عوالم ولا زمان ولا مكان.

– {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} ليس له شبه ولا عدل وليس كمثله شيء، لأنّ كل ما عداه هو مخلوق له ولن يكافئ المخلوق خالقه.

وهكذا لمّا أخبرت بإيجاز عن ذاته تعالى {اللَّهُ أَحَدٌ (1)} فعَلمه العقل: أحد كامل الأسماء والصفات، {اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} فأبصره القلب: كريماً رحيماً محسناً صمداً بفضله وإنعامه، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)} فأدركته الجوارح: عدل غنيّ عن الحاجات والتغيرات، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} نفت الشركاء والأنداد والأضداد، فاكتمل بذلك العلم بأصل التوحيد وخَلُص الإيمان والعمل، وفي الأحاديث الصحيحة أنّ السورة تعدل ثلث القرآن، وفي التفاسير أن القرآن ثلاثة أقسام: قصص وأحكام وصفات، وجمعت السورة أسماء وصفات التوحيد فهي ثلث العلم.

وقد كانت من أوائل القرآن نزولاً ليُعلم ابتداءً أنّ الدّين جاء بالتوحيد، ثم رتّبت مع خواتيمه ليُعلم أن ما جاء فيه من التوحيد تفصيل لما أجمل فيها. كما ختمت قصص القرآن بسورتيّ، النصر: بنصر الله والفتح للمؤمنين، والمسد: بخسران ونار ذات لهب للكافرين، وكذلك ختمت أحكامه بالمعوذتين، الفلق: من شرّ ما خلق، والناس: من شرّ الجنّة والنّاس. والله أعلم.

اللهم اجعلنا من العالمين الموحدين المتضرّعين والصامدين حوائجهم إليك، والعاملين بهديك، والمُكرمين برضوانك.

112.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

112.6.1- تضمنت السورة نفى الشرك بجميع أنواعه، فقد نفى الله عن نفسه أنواع الكثرة بقوله: {الله أحد} ونفى عن نفسه أنواع الاحتياج بقوله: {الله الصَّمَدُ} ونفى عن نفسه المجانسة والمشابهة لشيء بقوله: {لَمْ يَلِدْ} ونفى عن نفسه الحدوث والأوّلية بقوله: {وَلَمْ يُولَدْ} ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.

112.6.1.1- الآية (1) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: الله أحد متفرّد بالألوهية والربوبية والكمال، لا نظير له ولا مثيل ولا شبيه ولا عديل.

112.6.1.2- الآية (2) {اللَّهُ الصَّمَدُ}: كامل في جميع صفاته وأفعاله، غني عن كل ما سواه، يصمد إليه الخلائق في حوائجهم.

112.6.1.3- الآية (3) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}: والمتنزه عن صفات النقص لم يلد ولم يولد.

112.6.1.4- الآية (4) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}: منزه عن الشبيه والنظير والمكافئ والمثيل، لم يكن له كفواً لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله.

112.6.2- من أقوال المفسرين:

112.6.2.1- {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}:

112.6.2.1.1- تفسير ابن كثير: وقال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عُزيرَ ابن الله. وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح ابن الله. وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر. وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان، أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} يعني: هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا نديد ولا شبيه ولا عديل؛ ولا يُطلَق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله، عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله. وقوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} قال عكرمة، عن ابن عباس: يعني الذي يصمد الخلائق إليه في حوائجهم ومسائلهم.

112.6.2.1.2- وقال ابن سينا: إن {أحد} دالّ على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلاً، لا كثرةً معنوية وهي كثرة المقوّمات والأجناس والفصول، ولا كثرة حسيّة وهي كثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلاً كما في المادة والصورة. انتهى. وفي تفسير ابن عاشور قال: قد فهم المسلمون هذا فقد روي أن بلالاً كان إذا عذّب على الإِسلام يقول: أحد أحد، وكان شعار المسلمين يوم بدر: أحد أحد. والذي درج عليه أكثر الباحثين في أسماء الله تعالى أن {أحد} ليس ملحقاً بالأسماء الحسنى، لأنه لم يرد ذكره في حديث أبي هريرة عن الترمذي قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة”، وعدّها ولم يذكر فيها وصف أحد، وذكر وصف واحد. وقال الأزهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحد كما يقال: رجل واحد أي فرد به، بل أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء.

112.6.2.1.3- وقال الفخر الرازي: صفات الله تعالى إما أن تكون إضافية وإما أن تكون سلبية، أما الإضافية فكقولنا: عالم، قادر مريد خلاق، وأما السلبية فكقولنا: ليس بجسم ولا بجوهر ولا بعرض، والمخلوقات تدل أولا على النوع الأول من الصفات وثانيا على النوع الثاني منها، وقولنا: {الله} يدل على مجامع الصفات الإضافية، وقولنا: {أحد} يدل على مجامع الصفات السلبية، فكان قولنا: {الله أحد} تاماً في إفادة العرفان الذي يليق بالعقول البشرية.

112.6.2.2- {اللَّهُ الصَّمَدُ (2)}:

وقال ابن الجوزي: وفي {الصمد} أربعة أقوال: أحدها: أنه السيِّد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، رواه ابن عباس (مرفوعاً وموقوفاً) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: ما الصمد؟ قال عليه السلام هو السيد الذي يصمد إليه في الحوائج”. والثاني: أنه الذي لا جوف له، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسدي. والثالث: أنه الدائم. والرابع: الباقي بعد فناء الخلق، حكاهما الخطابي وقال: أصح الوجوه الأول، لأن الاشتقاق يشهد له، فإن أصل الصمد: القصد. يقال: أصَمَدَ صَمْدَ فلان: أي أقَصَدَ قَصْدَه. فالصمد: السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج انتهى. ولا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد: السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم. انتهى. وقال الفخر الرازي: قوله: {الله الصمد} يقتضي ألا يكون في الوجود صمد سوى الله، وإذا كان الصمد مفسراً بالمصمود إليه في الحوائج، أو بما لا يقبل التغير في ذاته لزم ألا يكون في الوجود موجود هكذا سوى الله تعالى، فهذه الآية تدل على أنه لا إله سوى الواحد، فقوله: {الله أحد} إشارة إلى كونه واحداً، بمعنى أنه ليس في ذاته تركيب ولا تأليف بوجه من الوجوه، وقوله: {الله الصمد} إشارة إلى كونه واحداً، بمعنى نفي الشركاء والأنداد والأضداد.

112.6.2.3- {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)}:

وقال أبيّ ابن كعب هو الذي {لَمْ يَلِدْ} أحدا {وَلَمْ يُولد} منه أحد، وفيه رد على قول العرب القائلين إن الملائكة بنات اللّه، وعلى اليهود القائلين إن عزيراً ابن اللّه، وعلى النصارى القائلين إن المسيح ابن اللّه.

112.6.2.4- {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}:

وقال ملا حويش في تفسيره: واللّه تعالى هو الأول الذي لم يتقدمه والد والآخر الذي لا يتفرع عنه ولد، ومن كان كذلك صح أن يقال: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحد} يكافئه في كونه لأن كل ما فيه خلقه ولن يكافئ المخلوق خالقه، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11)} سورة الشورى.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قال اللّه تعالى عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون على من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ اللّه ولدا وإني أنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد”.

112.7 الشكل العام وسياق السورة:

112.7.1- اسم السورة {الإخلاص}:

112.7.1.1- سميت سورة الإخلاص لما فيها من التوحيد، ولذا سميت أيضا سورة الأساس، وقل هو الله أحد، والتوحيد، الإيمان، ولها غير ذلك أسماء كثيرة ذكرت في التفاسير تصل إلى عشرون اسماً. والإخلاص ليس فقط إسم للسورة، ولكنه أيضاً عنواناً لمحتوياتها، فهي تتحدث فقط عن موضوع التوحيد. السور الأخرى في القرآن سميت بناءاً على وجود كلمه في السورة دلّت عليها، لكن في هذه السورة لم ترد كلمة الإخلاص في أي مكان فيها. والسورة ليس فيها ذكر جنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة، ولا حلال ولا حرام، انتسب الله إليها فهي له خالصة.

112.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعاتها وترتيب آياتها:

وقال الفخر الرازي: واعلم أن هذه السورة أربع آيات، وفي ترتيبها أنواع من الفوائد:

112.7.2.1- الفائدة الأولى: أن أول السورة يدل على أنه سبحانه واحد، والصمد على أنه كريم رحيم لأنه لا يصمد إليه حتى يكون محسناً و: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد} على أنه غني على الإطلاق ومنزه عن التغيرات فلا يبخل بشيء أصلاً، ولا يكون جوده لأجل جر نفع أو دفع ضر، بل بمحض الإحسان وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أحد} إشارة إلى نفي مالا يجوز عليه من الصفات.

112.7.2.2- الفائدة الثانية: نفى الله تعالى عن ذاته أنواع الكثرة بقوله: {أحد} ونفى النقص والمغلوبية بلفظ الصمد، ونفى المعلولية والعلية بِ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد}، ونفى الأضداد والأنداد بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أحد}.

112.7.2.3- الفائدة الثالثة: قوله: {أحد} يبطل مذهب الثنوية القائلين بالنور والظلمة، والنصارى في التثليث، والصابئين في الأفلاك والنجوم، والآية الثانية تبطل مذهب من أثبت خالقاً سوى الله لأنه لو وجد خالق آخر لما كان الحق مصموداً إليه في طلب جميع الحاجات، والثالثة تبطل مذهب اليهود في عزير، والنصارى في المسيح، والمشركين في أن الملائكة بنات الله، والآية الرابعة تبطل مذهب المشركين حيث جعلوا الأصنام أكفاء له وشركاء.

112.7.2.4- الفائدة الرابعة: أن هذه السورة في حق الله مثل سورة الكوثر في حق الرسول لكن الطعن في حق الرسول كان بسبب أنهم قالوا: إنه أبتر لا ولد له، وههنا الطعن بسبب أنهم أثبتوا لله ولدا، وذلك لأن عدم الولد في حق الإنسان عيب ووجود الولد عيب في حق الله تعالى، فلهذا السبب قال ههنا: {قُلْ} حتى تكون ذاباً عني، وفي سورة: {إِنَّا أعطيناك (1)} الكوثر، أنا أقول ذلك الكلام حتى أكون أنا ذاباً عنك، والله سبحانه وتعالى أعلم.

112.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

112.8.0- وهكذا لمّا أخبرت بإيجاز عن ذاته تعالى {اللَّهُ أَحَدٌ (1)} فعَلمه العقل: أحد كامل الأسماء والصفات، {اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} فأبصره القلب: كريماً رحيماً محسناً صمداً بفضله وإنعامه، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)} فأدركته الجوارح: عدل غنيّ عن الحاجات والتغيرات، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} نفت الشركاء والأنداد والأضداد، فاكتمل بذلك العلم بأصل التوحيد وخَلُص الإيمان والعمل، وفي الأحاديث الصحيحة أنّ السورة تعدل ثلث القرآن، وفي التفاسير أن القرآن ثلاثة أقسام: قصص وأحكام وصفات، وجمعت السورة أسماء وصفات التوحيد فهي ثلث العلم.

وقد كانت من أوائل القرآن نزولاً ليُعلم ابتداءً أنّ الدّين جاء بالتوحيد، ثم رتّبت مع خواتيمه ليُعلم أن ما جاء فيه من التوحيد تفصيل لما أجمل فيها. كما ختمت قصص القرآن بسورتيّ، النصر: بنصر الله والفتح للمؤمنين، والمسد: بخسران ونار ذات لهب للكافرين، وكذلك ختمت أحكامه بالمعوذتين، الفلق: من شرّ ما خلق، والناس: من شرّ الجنّة والنّاس. والله أعلم.

112.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وضعت ههنا للوزان في اللفظ بين فواصلها ومقطع سورة تَّبت. والسورة متصلة بقل يا أيها الكافرون في المعنى ولهذا قيل: من أسمائها أيضاً الإخلاص، واشتملت على التوحيد وهذه أيضاً مشتملة عليه ولهذا قرن بينهما في القراءة في الفجر والطواف والضحى وسنة المغرب وصبح المسافر ومغرب ليلة الجمعة وذلك أنه لما نفى عبادة ما يعبدون صرح هنا بلازم ذلك وهو أن معبوده أحد وأقام الدليل عليه بأنه صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ولا يستحق العبادة إلا من كان كذلك وليس في معبوداتهم ما هو كذلك وإنما فصل بين النظيرتين بالسورتين لما تقدم من الحكمة وكأن إيلاءها سورة تبت ورد عليه بخصوصه.

112.8.2- وقال الإمام برهان الدين البقاعي بما معناه: لما كانت الكوثر مبينة أن أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم ومبغضيه مقطوعين من كل خير في الدنيا والآخرة، وعلم بها أن الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بالخير. فكان السؤال عما يفعل مع هؤلاء الشانئين المبغضين، فعلم بسورة الكافرون أنهم لا يعبأ بهم، ثم في سورة النصر أنهم مقهورين بالفعل حين يأتي أوان النصر والفتح وهو آت لا محالة، وفي سورة المسد بين سبحانه إهلاك عدوّ نبيه صلى الله عليه وسلم، لما كان فيه، مع قرابته، من شدّة العناد والاجتهاد في الحرب، وإهلاك زوجه هلاكاً لا جبر له. فرقص الفكر طرباً من هذه الأمور ومن عجائب المقدور، واهتز السامع إلى وصف الفاعل لذلك، بإظهار شخص واحد على الناس كافة مع شدّة عداوتهم له، جاءت سورة الإخلاص كاشفة أن الله الأحد هو الفاعل لهذه الأمور العظيمة، ومبينه أن جميع ما أمر به كان موافقاً لأمره ومطيعاً له، ومنبئة للاعتقاد الحق الذي أوجب هذه النصرة. وقال أيضاً بما معناه: من أعظم المناسبات بالنظر إلى الآيات أنه سبحانه شرح بالفيل وما بعدها من السور آيات الفاتحة كلها، ثم من أول البقرة إلى آية التوحيد: فأشار بسورة الفيل إلى {الحمد لله} بما حرس به بيته وحماه من كيد الجبابرة؛ وفي سورة قريش إلى {رب العالمين} بأن أحسن التربية لقريش الذين هم أشرف العالمين وبصلاحهم صلاح بلدتهم أم القرى، وإلى {الرحمن الرحيم} لأن بصلاحها صلاحهم وعبادتهم؛ وفي سورة الماعون إلى {مالك يوم الدين} فدل على أنه يدين العباد يوم التناد؛ وفي سورة الكوثر إلى {إياك نعبد وإياك نستعين} وأنه لذلك أعطى رأس الهداة الدين الذي أفرده بالعبادة والاستعانة بالكوثر؛ وفي سورة الكافرون إلى {اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم} هداه إلى الصرط المستقيم وأعاذه من طريق الكافرين المعاندين والضالين {غير المغضوب عليهم، ولا الضالين}؛ وفي سورة النصر أشار إلى أول سورة البقرة إلى دخول المتقين، الذين الكتاب هدى لهم، في الدين أفواجا؛ وفي سورة المسد إلى أن أغنى أهل الكفر وأعتاهم {إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6)} البقرة، وهو أبو لهب ومن سار بسيره من مجاهر ومساتر {ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين (8)} البقرة، ويعمهم الخسار ويشملهم الهلاك والتبار، بحكم الواحد القهار، المأمور بعبادته وتوحيده في الآية الجامعة لدعوات التوحيد {يا أيها الناس اعبدوا ربكم (21)} البقرة؛ المتصف بما في سورة الصمد التي لم ينزل في وصفه مثلها، فتم الدين عند ذلك بما له سبحانه من كمال الأوصاف، وجمال النعوت؛ فلم يبق إلا تعويذ أهل الدين من أن يدخل عليهم خلل، أو يلحقهم نزع أو زلل، فختم بالمعوذتين لذلك.

وقال أيضاً بما معناه: ولما كان المقصود من القرآن دعوة العباد إلى المعبود، وكان المدعو إلى شيء أحوج ما يكون إلى معرفته، وكان التعريف تارة للذات وتارة للصفات وتارة للأفعال، أشبع الكلام في تعريفه سبحانه في القرآن، ولكنه لما كانت معرفة ذاته عصية على قدرة عقل الإنسان، اشتمل التعريف به على إشارات أكثرها رجع إلى ذكر التقديس المطلق كقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (112)} الشورى، وإلى التعظيم المطلق كقوله: {سبحانه وتعالى عما يصفون (100)} الأنعام، لكن لما كانت هذه الأمة في الذروة من حسن الأفهام حباها الله بسورة الإخلاص كاملة ببيان لا يمكن أن تحتمل عقول البشر زيادة عليه، فجاء مقصودها ببيان حقيقة الذات الأقدس، ببيان اختصاصه بالاتصاف بأنه ثابت ثباتاً لا يشبهه ثبات على وجه لا يكون لغيره أصلاً، وأنه سبحانه منزه عن الشبيه والنظير والمكافئ والمثيل، فلا زوجة له ولا ولد، ولا حاجة بوجه إلى أحد، بل له الخلق والأمر، فهو يهلك من أراد ويسعد من شاء. وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن.

112.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما انقضى مقصود الكتاب العزيز بجملته عاد الأمر إلى ما كان، وأشعر العالم بحالهم من ترددهم بين عدمين {ثم الله ينشئ النشأة الأخرة (20)} العنكبوت، فوجودهم منه سبحانه وتعالى وبقاؤهم به وهم وجميع ما يصدر عنهم من أقوالهم وأفعالهم كل ذلك خلقه واختراعه، وقد كان سبحانه وتعالى ولا عالم ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، لا يفتقر إلى أحد ولا يحتاج إلى معين، ولا يتقيد بالزمان، ولا يتحيز بالمكان، فالحمد لله رب العالمين، أهل الحمد ومستحقه مطلقاً، {له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم (70)} القصص، وإليه المصير {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} هو الموجود الحق، وكلامه الصدق، {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب والدار الآخرة خير للذين يتقون (64)} العنكبوت، فطوبى لمن استوضح آي كتاب الله، وأتى الأمر من بابه وعرف نفسه ودنياه، وأجاب داعي الله ولم ير فاعلاً في الوجود حقيقة إلا هو سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين، ولما كمل مقصود الكتاب، واتضح عظيم رحمة الله به لمن تدبر واعتبر وأناب، كان مظنة الاستعاذة واللجأ من شر الحاسد وكيد الأعداء فختم بالمعوذتين من شر ما خلق وذرأ وشر الثقلين.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top