العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
035.0 سورة فاطر
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
035.1 التعريف بالسورة:
1) مكية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 45 آية. 4) الخامسة والثلاثون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثالثة والأربعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الفرقان”. 6) أسماء أخرى للسورة: تسمّى أيضاً سورة الملائكة. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:
{الله} 33 مرّة، {لله} 3 مرة، رب 5 مرّات، هو 4 مرّات، غفور 4 مرّات، عليم 3 مرات؛ (2 مرّة): قدير، عزيز، شكور، خبير، بصير؛ (1 مرّة): عالم، حكيم، له الملك، غني، حميد، حليم، فاطر، يهدي، خلَق، ذو فضل، أحيا، يورث. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
أكثر سورة تكرر فيها: {وما يستوي} 3 مرات، يمسك 4 مرات.
وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الأرض 11 مرّه، كفر 11 مرة، سماء 7 مرات؛ (5 مرات): خلق، عمل؛ (4 مرات): كذب، مكر، غرور؛ (3 مرّات): يا أيها الناس، شيء، حمل، جعل، أجل، سنّت، صالح، عذاب، ظالم، فضّل؛ (2 مرّة): الحمد لله، يولج؛ (1 مرّة): رحمة، آمن، أنعم، أنزل، يسمع، مخرج، يفتح.
035.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
035.3 وقت ومناسبة نزولها:
نزلت السورة في منتصف الفترة المكية لتعريف العباد بأن الله هو وحده الخالق المبدع {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا (1)}، وأنه الأهل المستحق للحمد ببديع خلقه وملكه، وأن كل شيء تحت رحمته {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}. وفي هذه المرحلة المبكّرة من الرسالة، جَهد الكفار لإحباطها بالمكر والتكذيب {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)}، قبل أن تشتدّ لاحقاً عداواتهم ويشتد أذاهم للمسلمين. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
035.4 مقصد السورة:
035.4.1- الله يستحق الحمد وهو الأهل له لأنه فاطر السماوات والأرض على طاعته (فطرها أي ابتدعها وأنشأها من غير مثال احتذاه)، وجاعل الملائكة رسلاً يقومون بأمره. فطر الناس على الإيمان به وحده وطاعته وعبادته، ودعاهم إلى اتباع فطرته (طائعين غير مكرهين) ليوفي الصادقين أجورهم ويضاعفها لهم. وجعل الشيطان لهم عدواً يدعوهم إلى عذاب السعير في جهنم.
035.4.2- ومقصدها نجده في الآية الأولى وهو الحمد لله الذي أبدع وأنشأ السماوات والأرض لا على مثال سابق، فله الحمد على عظمته وباهر قدرته وعظيم صنعه، الذي خلق الملائكة وأبدع تكوينهم بهذا الخلق العجيب، يرسلها لتنفيذ إرادته وحفظ أوامره في الكون، وفطر مخلوقاته ورسم لها طريقاً واحداً لا تتجاوزه.
035.5 ملخص موضوع السورة:
مقصدها وملخص موضوعاتها كامن في إسمها “فاطر”، وبيانه ملخّص في الآيتين الأوليين: وهو الحمد لله الذي أبدع وأنشأ السماوات والأرض لا على مثال سابق، فله الحمد على عظمته وباهر قدرته وعظيم صنعه، الذي خلق الملائكة وأبدع تكوينهم بهذا الخلق العجيب، يرسلها لتنفذ إرادته وتحفظ أوامره في الكون، وفطر مخلوقاته ورسم لها طريقاً واحداً لا تتجاوزه. ما يفتح الله للناس من رحمة: رزق ومطر وصحة وعلم وتوفيق وهداية وغير ذلك من النعم، فلا يستطيع أحد أن يمسك هذه الرحمة، وما يمسك منها فلا يقدر أحد أن يرسلها بعده سبحانه وتعالى، مفاتيح الخير ومغاليقها كلها بيده، وهو العزيز القاهر لكل شيء، الحكيم الذي يرسل الرحمة ويمسكها وفق حكمته، وكل شيء عنده في ازدياد.
وباعتبار ترتيب آياتها احتوت السورة على أربعة مواضيع في أربع مجموعات من الآيات، تضمّنت: (8 آيات) عن أنه خلقهم ورزقهم وهداهم ووعدهم بالبعث والحساب، ثمّ (16 آية) بأن سخّر لهم المخلوقات لخدمتهم ووعدهم بالنعيم والفوز بالجنة بأعمالهم، ثمّ (13 آية) بأن أكرمهم بالعلم وحثهم على التفكر وذكّرهم: بما رزقهم واستخلفهم وابتلاهم وبأنهم مخلّدون في الجنّة أو النار، ثمّ (6 آيات) عن إمهاله لهم وحلمه عليهم لعلهم يعتبرون بما حل بمن قبلهم ويتدبرون عجز الآلهة عن نصرتهم، كما يلي:
المجموعة الأولى (الآيات 3-10): الله خلقهم ورزقهم في الدنيا، وإليه مرجع أمرهم فيبعثهم ويحاسبهم، فالذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا لهم أجر كبير؛ وحذّرهم من عداوة الشيطان الذي يدعوهم إلى النار؛ وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك يحيي الموتى، وله العزة جميعاً والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد.
المجموعة الثانية (الآيات 11-26): خلقهم من تراب وجعلهم أزواجاً وكلّ شيء بعلمه وفي كتاب، ورزقهم من البحر لحماً طرياً وحلية يلبسونها والفلك فيه مواخر ليبتغوا من فضله، وجعل الليل والنهار وسخّر الشمس والقمر، ذلك الله ربهم له الملك والذين يدعونهم لا يملكون ولا يسمعون ويوم القيامة يكفرون بشركهم؛ وهم الفقراء إليه وهو الغني الحميد، لو يشاء يذهبهم ويأت بخلق غيرهم؛ ومصيرهم إليه يحاسبهم بأعمالهم، كلّ يحمل وزر نفسه، ومن يتزكى فلنفسه؛ وما عند الله هو التبصرة والنور والظل والحياة وسماع الحق، أرسل بذلك الرسل مبشرين ومنذرين، وهذا لا يستوي مع العمى ولا الظلمات ولا الحرور ولا من هم في القبور؛ فإن يكذبوا يهلكهم الله كما أهلك الكافرين من قبلهم.
المجموعة الثالثة (الآيات 27-39): أنزل من السماء ماء فأخرج به الثمرات المختلفة الألوان وجعل الجبال المختلفة الأشكال وجعل الناس والدواب والأنعام المختلفة، لا يعرف الله حق المعرفة فيخشاه إلا العلماء؛ وإن الذين آمنوا بتلاوتهم كلام الله فأطاعوه بما أمر فأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقهم يبغون ما عند الله، سيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، جعل لهم جنات عدن يدخلونها، فيحمدونه على مغفرته ذنوبهم ومزيد كرمه وفضله، وأما الذين كفروا ففي نار جهنم خالدين، يطلبون من الله أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا صالحاً، ولو عادوا لما عملوا. الله عالم غيب السماوات والأرض يعلم ما تكنّ صدورهم وماهم فاعلون، جعلهم خلفاءه في الأرض ليقيم عليهم الحجة بأعمالهم.
المجموعة الرابعة (الآيات 40-45): الشركاء لم يخلقوا شيئاً في الأرض، وليست لهم شراكة مع الله في السماوات، فالله هو ممسك السماوات والأرض أن تزولا وليس لأحد غيره اشتراك في ذلك، وقد أقسموا أنهم إن جاءهم نذير آمنوا، فلما جاءهم النذير ازدادوا نفوراً وتكبراً بنعمة الله عليهم، ومكراً حرصاً على ما أنعم الله به عليهم، وعمى وطمس بصيرة عما حل بمن كان قبلهم، وأن الله لا يعجزه من أمرهم شيء، وإمهاله لهم مع رؤيته لأفعالهم إنما يؤخرهم ليوم القيامة ليحاسبهم ويجازيهم بأعمالهم.
أما باعتبار موضوعاتها، فتنقسم السورة إلى خمسة مواضيع في خمس مجموعات متساوية (كلّ منها 9 آيات) وهي، الأول: الله خلق السماوات والأرض وما اشتملتا عليه من المخلوقات، وفتح أبواب رحماته على الناس، فهو يستحق الحمد وهو أهل له. الثاني: أمهلهم ليبصروا الحق وأقام عليهم الحجة، ولم يعاجلهم بالعقوبة رغم معصيتهم. الثالث: أرسل لهم المرسلين والكتب والآيات تذكرهم بأن الله فاطرهم وهم بحاجة إليه في كل وقت وحين، وحذرهم عداوة الشيطان والانخداع بشهوات الدنيا. الرابع: بين لهم أنهم محاسبون على أعمالهم، فإما النعيم في الجنة وإما العذاب في النار. الخامس: أن الناس فريق مؤمن فائز وآخر كافر خاسر.
الحمد الله رب العالمين فاطر السماوات والأرض، اللهم افتح لنا أبواب رحماتك، وارزقنا من السماء والأرض، واهدنا وعلّمنا وزكّنا وأعزّنا بعزك، وارزقنا جنّات عدن بفضلك، أنت الغني الحميد.
035.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
تفاصيل عن موضوعات السورة باعتبار ترتيب آياتها، ومقصدها في استحقاق الله للحمد، وامتداد سياقها وتفصيلاتها لتأكيد نفس المقصد:
035.6.0- سنلاحظ أن السورة ابتدأت بآيتين تلخصان مقصد السورة، وكأنهما تقدمة لما تم تفصيله في آياتها وهو أن الله يستحق الحمد، كما يلي:
035.6.0.1- أن الله يستحق الحمد لأنه الخالق الفاعل المحرك المتصرف الهادي المضل المعز المذل.
035.6.0.2- أن الله يستحق الحمد لأنه خلقهم ورزقهم ووعدهم بالبعث والحساب.
035.6.0.3- لأنه خلقهم وسخر المخلوقات لخدمتهم ولأنهم في حاجة إليه وإلى ما وعدهم إياه في الآخرة من النعيم بالفوز بالجنة.
035.6.0.4- لما أكرمهم به من العلم والفكر والخلافة في الأرض.
035.6.0.5- لإمهاله لهم وحلمه عليهم لعلهم يعتبرون بما حل بمن قبلهم ويتدبروا عجز الآلهة عن نصرتهم.
035.6.1.1- الآيات (1، 2) المقدمة والمقصد: الله يستحق الحمد لأنه خالق السماوات والأرض، وجعل الملائكة رسلاً لتبليغ ما أمرها الله به، يزيد ما يشاء في خلق ما شاء. إن الله على كل شيء قدير لا يستعصي عليه شيء. ما يفتح الله للناس من رحمة، فلا أحد يقدر أن يمسك هذه الرحمة، وما يمسك منها فلا أحد يستطيع أن يرسلها بعده، مفاتيح الخير ومغاليقها كلها بيده، وهو العزيز القاهر لكل شيء، الحكيم الذي يرسل الرحمة ويمسكها وفق حكمته.
حمد الله نفسه (استحقاق الله سبحانه الحمد) لأنه خالق السماوات والأرض (مبتدئهما ومبتدعهما على غير سابق مثال)، ومن عظيم قدرته جعل الملائكة رسلاً لتبليغ ما أمرها الله به (وهي التي تطيعه في كل ما يأمرها به ولا تعصيه أبداً ما أمرها ويفعلون ما يؤمرون) أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وكذلك في جميع خلقه يزيد ما يشاء في خلق ما شاء منه (لم يبدأ الله الخلق ويجعل الملائكة ذات الأجنحة وانتهى، بل يزيد في الخلق ما يشاء، من أشياء وذوات وألوان ومقادير وأشكال وصفات: كالفقر والغنى والقوة والعقل والأبيض وغيره مما ستبينه السورة) إن الله على كل شيء قدير لا يستعصي عليه شيء (أما غيره من المخلوقات فلا تقدر على خلق أي شيء ولا على أن تزيد فيه).
ما يفتح الله للناس من رحمة (رزق ومطر وصحة وعلم وتوفيق وهداية وغير ذلك من النعم)، فلا أحد يقدر أن يمسك هذه الرحمة، وما يمسك منها فلا أحد يستطيع أن يرسلها بعده سبحانه وتعالى، مفاتيح الخير ومغاليقها كلها بيده، وهو العزيز القاهر لكل شيء، الحكيم الذي يرسل الرحمة ويمسكها وفق حكمته. كل شيء عنده في ازدياد.
035.6.1.2- الآيات (3-10) يبين الله سبحانه وتعالى للناس في هذه الآيات الأدلة على استحقاقه للحمد وأنه أهل له: وذلك لأنه خلقهم ورزقهم، وله العزة جميعاً، وهو يضل من يشاء ويهدي من يشاء، أرسل لهم الرسل مبشرين بالجنة ومنذرين من العذاب، ومذكرين عن طريق الوحي والكتاب أن الشيطان لهم عدو، ومؤكدين أن وعد الله بالحساب في الآخرة حق، كما يلي:
035.6.1.2.1- الآيات (3، 4) في الدنيا: يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم، فكيف تصرفون عن طاعته واتباع هديه. فإن يكذبوك فقد كذب رسل من قبلك وإلى الله تصير الأمور فيجازي كل بما يستحق.
035.6.1.2.2- الآيات (5-7) في الآخرة: يا أيها الناس إن وعد الله بالبعث والثواب والعقاب حق، وإن الشيطان لكم عدو يدعوكم إلى النار. الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا لهم أجر كبير.
035.6.1.2.3- الآية (8) ميزان الله عادل وهو عليم بما يصنعون، فليس من زين له سوء عمله فرآه حسناً كمن هداه الله.
035.6.1.2.4- الآية (9) الله هو الذي ينزل الماء فيحيي الأرض في الدنيا، كذلك هو يحيي الموتى يوم القيامة.
035.6.1.2.5- الآية (10) من كان يطلب العزة في الدنيا والآخرة فليطلبها من الله يجدها عنده وليست عند أحد من المخلوقات.
035.6.1.3- الآيات (11-26) يبين سبحانه استحقاقه للحمد والطاعة والعبادة، وذلك في أنفسهم وفي مخلوقاته:
035.6.1.3.1- الآيات (11-14) في الدنيا: خلق الناس أنفسهم آية، وكذلك البحار العذبة والمالحة، والفلك فيها مواخر، والليل والنهار، وجريان الشمس والقمر، فهو الذي يجب أن ندعوه لتلبية حاجاتنا. يقابله ما يتخذونه من المخلوقات آلهة لا يملكون من قطمير، ولا يسمعون الدعاء ويوم القيامة يكفرون بشركهم.
035.6.1.3.2- الآيات (15-17) يذكرهم الله بأنهم هم الفقراء إليه وهو الغني الحميد، لو شاء يذهبهم ويأت بخلق غيرهم، لا يعجزه شيء لكنه يمهلهم.
035.6.1.3.3- الآية (18) يبين لهم سبحانه بأن كل منهم يحمل وزر نفسه فقط، فمن يتزكى فلنفسه أيضاً، مصيرهم إليه يحاسبهم كل بعمله.
035.6.1.3.4- الآيات (19-26) يذكرهم ربهم: بأن ما عند الله هو التبصرة والنور والظل والحياة وسماع الحق أرسل بذلك الرسل مبشرين ومنذرين، وهذا لا يستوي مع العمى ولا الظلمات ولا الحرور ولا من هم في القبور. فإن يكذبوا يهلكهم الله كما أهلك الكافرين من قبلهم.
035.6.1.4- الآيات (27-39) يبين سبحانه استحقاقه للحمد والطاعة والعبادة: بالحث على التعلم والتفكر في مخلوقاته وفطرته: ويذكرهم أرزاقهم، ويبين لهم أنهم مبتلون جعلهم خلفاء في الأرض ليقيم عليهم الحجة فيما هم فاعلون ويبين لهم ما هم مقبلون عليه من الحساب والخلود في دار القرار إما الجنة أو النار:
035.6.1.4.1- الآيات (27، 28) الله أنزل من السماء ماء فأخرج الثمرات المختلفة الألوان وجعل الجبال المختلفة الأشكال وجعل الناس والدواب والأنعام المختلفة، لا يعرف الله حق المعرفة فيخشاه إلا العلماء.
035.6.1.4.2- الآيات (29-37) الذي أوحى إليهم في الكتاب هو الحق: أن هؤلاء الذين آمنوا بتلاوتهم كلام الله فأطاعوه بما أمر فأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقهم، يبغون ما عند الله، سيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله. ومن تبعهم ممن اصطفاهم الله من عباده، جعل الله لهم جنات عدن يدخلونها، فيحمدونه على مغفرته ذنوبهم ومزيد كرمه وفضله. أما الذين كفروا ففي نار جهنم خالدين يطلبون من الله أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا صالحا، (والله يعلم أن لو عادوا لما عملوا صالحاً).
035.6.1.4.3- الآيات (38، 39) الله عالم غيب السماوات والأرض يعلم ما تكن صدورهم وماهم فاعلين فجعلهم خلفاءه في الأرض ليقيم عليهم الحجة.
035.6.1.5- الآيات (40-45) بيان استحقاق الله للحمد بالحجة والمنطق:
035.6.1.5.1- الآية (40) الشركاء لم يخلقوا شيئاً في الأرض وليست لهم شراكة مع الله في السماوات.
035.6.1.5.2- الآية (41) الله هو يمسك السماوات والأرض أن تزولا وليس لأحد غيره اشتراك في ذلك.
035.6.1.5.3- الآيات (42-44) أقسموا أنهم إن جاءهم نذير آمنوا، فلما جاءهم النذير ازدادوا نفوراً. تكبراً بنعمة الله عليهم، ومكراً حرصاً على ما أنعم الله به عليهم، وعمى وطمس بصيرة عما حل بمن كان قبلهم، وأن الله لا يعجزه من أمرهم شيء.
035.6.1.5.4- الآية (45) إمهال الله لهم مع رؤيته لأفعالهم وأنه يؤخرهم ليوم القيامة ليحاسبهم (وقد اختاروا ذلك وحملوا الأمانة بأنفسهم).
035.7 الشكل العام وسياق السورة:
035.7.1- إسم السورة: “فاطر” وهو أحد أسماء الله. ومعنى فاطر: أي مبدع على غير مثال سابق يشبهه. سميت بهذا الاسم الجليل لذكره في طليعتها ولما فيه من الدلالة على الإبداع والاختراع لا على مثال سابق، وهذا هو مقصد السورة: الذي يشير إلى استحقاق الله الحمد لعظمته وباهر قدرته وعظيم صنعه فهو الذي خلق الملائكة وأبدع تكوينهم بهذا الخلق العجيب، يرسلها لتنفيذ إرادته وحفظ أوامره في الكون، وفطر مخلوقاته ورسم لها طريقاً واحداً لا تتجاوزه.
035.7.2- سياق السورة باعتبار موضوع الفطرة وترتيب آياتها:
تنقسم السورة باعتبار موضوع الفطرة وترتيب آياتها إلى ثلاثة مجموعات من الآيات، كما يلي:
035.7.2.1- المجموعة الأولى (1-18) تبين أن الله وحده فاطر كل شيء وبيده كل شيء، جعل الأشياء أزواجاً (صفاتها متضادة أو متقابلة) بمشيئته، كالملاكة (طائعين) يقابلهم الشياطين (عاصين). ثم خلق الإنسان وفطر فيه الإرادة والقدرة على أن يختار بين أحد الضدين (إمّا الطاعة أو العصيان). كذلك فطر في هذه الأضداد ألا تلتقي، إذا وجد أحدها في مكان خرج ضدها من هذا المكان، بل يقلّبها كيف يشاء: كأن يحيي الميت ثم يميته ثم يحييه ثم يميته كإحياء الأرض بالمطر (آية 9)، وكخلق الناس جيل جديد صالح ينشأ بعد جيل قديم فاسد قضى أجله (آية 11)، وكتعاقب الليل والنهار (آية 13).
035.7.2.2- المجموعة الثانية في الآيات (19-37) تبين أن الله خلق الأشياء أزواجاً متضادة لا يستويان، لكل زوج نقيضه، وبين ذلك للإنسان عن طريق الوحي والرسل والآيات أبلغ بيان، وبين أن الإنسان مخيّر بين أحد الضدين: إما فطرة الله في الطاعة فيكون مصيره حامداً لله في جنات عدن (الآيات 33، 34) (وهذا هو المقصد من خلقه)، وإما نقيضها في المعصية فيكون مصيره الصراخ في نار جهنم يطلب العودة ليعمل صالحاً (الآيات 36، 37).
035.7.2.3- مجموعة الآيات الثالثة (38-45) تصرّح أن الله وحده (لا شريك له) خلق السماوات والأرض وأمسكهما من أن تزولا. وجعل الناس خلائف في الأرض، وأرسل لهم النذير وبين لهم الآيات ليعرفوا سنته بأنهم محاسبون بما كسبوا، وليختاروا هم بأنفسهم مصيرهم. وعند الآية الأخيرة، ينبغي أن نحمد الله على أنه لم يعاجلنا بالعقوبة بل أخّرنا وأمهلنا حتى نسمع النذير ونرى الآيات البينات فنسابق إلى فعل الخيرات لننال مغفرته وفضله الكبير.
أي أن الله خلق السماوات والأرض، وفطر المخلوقات أزواجاً متضادة، وترك للإنسان الخيار باتباع الفطرة وهي الإيمان والإصلاح أو نقيضها وهو الكفر والإفساد.
كذلك سنجد أن كل مجموعة من المجموعات الثلاثة احتوت موضوعات السورة الخمسة التي تم بيانها أعلاه، وهي: أن الله هو وحده الخالق الفاطر. وأن الإنسان مخير بين الطاعة أو المعصية. وأن الله أرسل الرسل والكتب والآيات. وأن الناس محاسبون على أعمالهم. وأن الناس فريق مؤمن فائز وآخر كافر خاسر.
035.7.3- سياق السورة باعتبار مقصدها وترتيب آياتها: تنقسم السورة باعتبار مقصدها وترتيب آياتها إلى ثلاثة مجموعات من الآيات، كما يلي:
– الآيات (1-18) بيان فطرة الله وتفاصيلها. 18 آية
– الآيات (19-37) بيان فطرة الله في حياة الناس (بضرب الأمثال) وبيان نتائج التزامهم بها من عدمه على حياتهم ومستقبلهم. 19 آية
– الآيات (38-45) التأكيد بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو من فطر الإنسان على هذه الشاكلة، وجعله خليفة له على الأرض، يفعل فيها ما يشاء بإذنه، إلى أجل مسمى، فإذا جاء أجلهم سيجازيهم بما عملوا من خير أو شر. 8 آيات
035.7.3.1- الآيات (1-18) بيان فطرة الله وتفاصيلها. 18 آية
035.7.3.1.1- الله الفاطر لهذا الكون: ومن تفاصيل فطرته أنه خلق فيه الشيء وضده، خلق الملائكة تطيع ولا تعصي وخلق الشيطان يعصي ولا يطيع وخلق الإنسان مختاراً بين الطاعة أو العصيان، والإنسان هو المقصود في هذه السورة فهو الذي سيختار لكي يتحدد مصيره في أي أحد النقيضين مكانه. النقيضين الذين خلقهما الله فلا يلتقيان ولا يتساويان، كما ستبينه السورة، وكلاهما من خلق الله، فلا يظنن الإنسان باختياره أنه يخرج عن ملك الله تعالى.
الآية (1) الله أبدع السماوات والأرض وأوجد الملائكة من العدم على غير سابق مثال يشبهه، رسلاً يقومون بأمره.
الآية (2، 3) يفتح الله الرحمة للناس أو يمسكها، وكذلك يرزق الناس من السماوات والأرض لا إله غيره (يرسل بذلك الملائكة يقومون بأمره).
الآية (4، 5) الناس يكذبون الرسل ووعد الله، لأنهم غرتهم الدنيا وغرهم بالله الغرور.
الآيات (5، 6) الله خلق الشيء وضده، جعل النقيضين فكما جعل الملائكة تقوم بأوامره وتدبير رحماته ورزقه للإنسان، جعل نقيضهم وهو الشيطان عصى الله واتخذ الناس له أعداء يدعوهم إلى معصية الله فيمسك رحمته عنهم فيكونوا من أصحاب السعير.
035.7.3.1.2- الإنسان له إرادة الاختيار: بعد هذا التمهيد عن أن الملائكة تطيع ولا تعصي وأن الشيطان يعصي ولا يطيع، وأن الإنسان بين هذين الفعلين: منهم يكذب رسل الله ووعده (بالبعث والحساب) فيعصي الله أو لا يكذب فيطيع. تمضي بنا السورة مبينة أن الله فطر الإنسان بأن جعل له خيار أن يفعل أحد النقيضين، أي كفعل الملائكة أو كفعل نقيضهم الشيطان.
الآية (7) من الناس من يكفر فله عذاب شديد ومنهم من يؤمن فله أجر عظيم.
الآية (8) من يشاء الهداية يهديه الله ومن أراد الضلالة يضله الله.
الآية (9) الله يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يحيي الناس يوم النشور.
الآية (10) من أراد العزة يجدها عند الله بالكلم الطيب والعمل الصالح، اما المكر السيء فلا يفيد صاحبه في شيء.
035.7.3.1.3- الله يزيد في خلقه ما يشاء: بعد هذا التقديم الثاني عن أن الله يخلق النقيضين، وجعل الإنسان مختاراً بين النقيضين. تبدأ الآيات التالية بإضافة شيء آخر وهو اتساع الخلق وازدياده وامتداده، فإبداعات الله واسعة لا نهاية لها ولا تقف عند خلق النقيضين.
الآية (11) حياة الإنسان سلسلة ممتدة ودوائر متواصلة بدأت من تراب ثم جعلت أزواج تحمل وتضع في امتداد وازدياد لا ينتهي إلا إذا أنهاه الله (حياة وموت، أعمار طويلة وأعمار قصيرة) كل ذلك أحصاه الله في كتاب وهو عليه يسير.
الآية (12) بحار ممتدة عذبة ومالحة فيها غذاء وحلي وطرق مواصلات لا نهاية لشيء منه.
الآية (13) تعاقب النقيضين الليل والنهار بلا انقطاع وجريان الشمس والقمر في أفلاكها مسخرة للإنسان.
الآية (14) الله يسمع الدعاء ويجيب الداعي، والذين يدعونهم من دونه لا يسمعون ولا يستجيبون.
الآية (15) الناس في فقر دائم وحاجة لا تنتهي إلى الله، وهو الغني عن كل شيء ليس بحاجة لأحد، الحميد على دوام عطاءه.
035.7.3.1.4- ملخص فطرة الله في الناس: الآيات (16-18) تلخص أن الله فطر الناس هذه الشاكلة المبدعة البديعة، ليطيعوه باختيارهم، وهو ليس بحاجة لهم ولا لطاعتهم، ولو شاء لاستبدلهم إن عصوه بخلق غيرهم يطيعونه، وهو سهل عليه غير ممتنع، فهو خالق الطريقين، لا يخرج شيء عن ملكه ولا عن إرادته. أما هم فهم بحاجة إلى الطاعة والعبادة والتوحيد، كل منهم يحمل خطايا نفسه ولا تحمل عنه، إلى الله مصيرهم فيجازي كلّ بما يستحق. ثم تبدأ السورة بضرب الأمثال وبسرد الأمثلة حتى يسهل على الإنسان فهم ابداع الله:
035.7.3.2- الآيات (19-37) بيان فطرة الله في حياة الناس وبيان نتائج التزامهم بها من عدمه على حياتهم ومستقبلهم:
بعد هذا البيان البليغ لفطرة الله وتفاصيلها، وأن الله خلق الإنسان مختاراً بين أحد النقيضين، وأن خلق الله ممتد وفي ازياد لا ينتهي إلا إذا أنهاه هو. يرينا سبحانه بعضاً من الأمثلة عن نتائج اختيار الناس في الأمم السابقة، ليكون فيه درساً وعبرة، وبياناً لأن الاختياران لا يستويان. فهل امتثل الإنسان أم لم يمتثل؟ وهل وصله التكليف؟ وما هي النتائج في الدنيا وفي الآخرة:
035.7.3.2.1- بيان أمثلة وتفاصيل عن اختيار الإنسان: بالالتزام بالفطرة أو عدم التزامه، ونتائج اختياره في الدنيا:
035.7.3.2.1.1- الآيات (19-26) المثال عن المكذبين: تقول الآيات أن هذين النقيضين لا يستويان: وما يستوي الأعمى عن دين الله، والبصير الذي أبصر طريق الحق واتبعه، وما تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان، ولا الظل ولا الريح الحارة، وما يستوي أحياء القلوب بالإيمان، وأموات القلوب بالكفر. إن الله يسمع مَن يشاء سماع فَهْم وقَبول، وما أنت (أيها الرسول) بمسمع مَن في القبور، فكما لا تُسمع الموتى في قبورهم فكذلك لا تُسمع هؤلاء الكفار لموت قلوبهم، إن أنت إلا نذير لهم غضب الله وعقابه. إنا أرسلناك بالحق، مبشراً بالجنة ومحذراً من النار. وما من أمة من الأمم إلا جاءها نذير يحذّرها عاقبة كفرها وضلالها. وإن يكذبك هؤلاء المشركون فقد كذَّب الذين مِن قبلهم رسلهم الذين جاؤوهم بالمعجزات الواضحات الدالة على نبوتهم، وجاؤوهم بالكتب، وبالكتاب المنير الموضح لطريق الخير والشر. ثم أخَذْت الذين كفروا بأنواع العذاب، فانظر كيف كان إنكاري لعملهم وحلول عقوبتي بهم؟
035.7.3.2.1.2- الآيات (27-30) المثال الثاني عن المؤمنين، وأنهم يستخدمون عقولهم في تدبر مخلوقات الله وتلاوة كتابه: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء، فأخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها، منها الأحمر ومنها الأسود والأصفر وغير ذلك؟ وخَلَق من الجبال طرائق بيضاً وحمراً مختلفاً ألوانها، وجبالا شديدة السواد. وخلق من الناس والدواب ما هو مختلف ألوانه كذلك. إنما يخشى اللهَ ويتقي عقابه بطاعته واجتناب معصيته العلماءُ به سبحانه، وباختلاف هذه المخلوقات مع اتحاد سببها، ويتدبرون ما فيها من عظات وعبر. إن الله عزيز قويٌّ لا يغالَب، غفور يثيب أهل الطاعة، ويعفو عنهم.
إن الذين يقرؤون كتاب الله، ويعملون به، وأقاموا الصلاة، وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية، هؤلاء يرجون بذلك تجارة لن تكسد، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه. ليوفيهم الله تعالى ثواب أعمالهم كاملاً غير منقوص، ويضاعف لهم الحسنات من فضله، إن الله غفور لسيئاتهم، شكور لحسناتهم.
035.7.3.2.1.3- الآيات (31، 32) الحديث عن القرآن وعن خاتمة الأمم أمة محمّد صلى الله عليه وسلم ومن سيأتي بعدهم إلى يوم القيامة:
والذي أنزلناه إليك (أيها الرسول) من القرآن هو الحق المصدِّق للكتب التي أنزلها الله على رسله قبلك. إن الله لخبير بشؤون عباده، بصير بأعمالهم، وسيجازيهم عليها.
ثم أورث الله القرآن مَن اختارهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: فمنهم ظالم لنفسه بفعل بعض المعاصي، ومنهم مقتصد، وهو المؤدي للواجبات المجتنب للمحرمات، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، أي مسارع مجتهد في الأعمال الصالحة، ذلك الإعطاء للكتاب واصطفاء هذه الأمة هو الفضل الكبير.
035.7.3.2.2- الآيات (33-37) يبين سبحانه للإنسان (مبشراً ومنذراً) مصيره في الآخرة، وأنه مصير يعتمد على اختياره لأن يكون مؤمناً مطيعاً أو مكذباً عاصياً:
035.7.3.2.2.1- جزاء المؤمنين: جنات عدن يُحلَّون فيها الأساور من الذهب واللؤلؤ، ولباسهم فيها حرير. وقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن، إن ربنا لغفور شكور. وهو الذي أنزلَنا دار الجنة من فضله، لا يمسنا فيها تعب ولا إعياء.
035.7.3.2.2.2- جزاء الكافرين: والذين كفروا لهم نار جهنم، لا يُقْضى عليهم بالموت، فيموتوا ويستريحوا، ولا يُخَفَّف عنهم مِن عذابها، وذلك جزاء كلَّ كفور. وهم يَصْرُخون من شدة العذاب: ربنا أخرجنا إلى الدنيا نعمل صالحاً، فنؤمن بدل الكفر، فيقول لهم: أولم نُمْهلكم في الحياة قَدْراً وافياً من العُمُر، يتعظ فيه من اتعظ، وجاءكم النذير، فذوقوا العذاب، فليس لكم من ناصر من عذاب الله.
035.7.3.3- الآيات (38-45) التأكيد بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو من فطر الإنسان على هذه الشاكلة، وجعله خليفة له على الأرض، يفعل فيها ما يشاء بإذنه، إلى أجل مسمى، فإذا جاء أجلهم سيجازيهم بما عملوا من خير أو شر. ثم جعلهم خلائف يخلف بعضهم بعضاً، ليرى ما هم فاعلون بهذا التكريم العظيم. وهو تكريم عظيم لأن الله هو الذي يختار لمخلوقاته يأمرها فتطيع، إلا الإنسان جعله الله مختاراً لأفعاله، محدداً لمصيره.
035.7.3.3.1- الآيات (38-41) إن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، فهو مطَّلع على كل غائب فيهما، وإنه عليم بخفايا الصدور. كذلك هو الذي جعل الناس خلائف في الأرض، فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا بغضاً وهلاكاً. وهو ليس له شريك، ولا يستطيع الذين يدعونهم شركاء أن يخلقوا يفعلوا شيئاً، بل الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا عن مكانهما، ولئن زالتا ما يمسكهما من أحد من بعده. إن الله كان حليماً في تأخير العقوبة، غفوراً لمن تاب ورجع إليه.
035.7.3.3.2- الآيات (42، 43) وأقسم الكفار بالله أشد الأَيْمان: لئن جاءهم رسول من عند الله يخوِّفهم عقاب الله ليكونُنَّ أكثر استقامة واتباعاً للحق من إحدى الأمم التي سبقتهم (كاليهود والنصارى وغيرهم)، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم ذلك إلا بُعْداً عن الحق ونفوراً منه. ولم يقصدوا بإقسامهم إلا الاستكبار في الأرض، يريدون به المكر السيِّئ والخداع والباطل، ولا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله، فهل ينتظرون إلا الذي نزل بمن سبقهم من الهلاك، إذا أراد بقوم سوء فلا راد له ولا محوّل.
035.7.3.3.3- الآيات (44، 45) أولم يَسِرْ الكفار في الأرض، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كعاد وثمود وأمثالهم، من الخراب، حين كذبوا الرسل، وكانوا أشد قوة، ما كان الله تعالى ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض، إنه كان عليماً بأفعالهم، قديراً على إهلاكهم. ولو يعاقب الله الناس بما عملوا من الذنوب والمعاصي ما ترك على ظهر الأرض من دابة تَدِبُّ عليها، ولكن يُمْهلهم ويؤخر عقابهم إلى وقت معلوم عنده، فإذا جاء وقت عقابهم فإن الله كان بعباده بصيراً، لا يخفى عليه أحد منهم، ولا يعزب عنه علم شيء من أمورهم، وسيجازيهم بما عملوا من خير أو شر.
035.7.4- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها: تبين أن كل شيء بيد الله هو الذي فطر الكون وهو المتحكم فيه فلا يخرج شيء عن سيطرته ولا يعجزه شيء في السماوات والأرض، جعل الظلمات والنور، والظل والحرور، والأحياء والأموات، وغيرها من المتناقضات والمتشابهات. وتبين أن المتكلم والفاعل والمقرر البدايات والنهايات والمقدمات والنتائج في أحداث هذه السورة هو الله وحده لا شريك له. وإن كان الإنسان يعمل أشياء تخالف الفطرة فذلك بعلمه وتحت بصره، سمح له أن يختار (الطاعة أو المخالفة) بعد أن أنذره وحذره عواقب اختياره وأفعاله وأن كل شيء مسجّل عنده في كتاب. وأنه إلى الله ترجع الأمور، سيعاقبه على مخالفته فطرة الله، كما أنه سيكرّمه إن هو أطاع واتبع الفطرة.
تنقسم السورة إلى خمسة مجموعات من الآيات، كما يلي:
035.7.4.1- الله خلق السماوات والأرض، وما اشتملتا عليه من المخلوقات، وفتح أبواب رحماته على الناس، فهو يستحق الحمد وهو أهل له. الآيات (1، 2، 9، 11-13، 27، 28، 41) = 9 آيات = 20%
خلق عن غير سابق مثال، وفتح أبواب رحماته على مخلوقاته (رحمته سبقت غضبه). أنعم على الناس وبين لهم أن هذا نعيم زائل أما النعيم الدائم فهو في الآخرة، لم يمنعهم من التمتع بفضله عليهم في الدنيا لكنه رغبهم بالاستعداد وتفضيل نعيم الآخرة لأنه هو الدائم الذي لا يزول.
035.7.4.1.1- الآيات (1، 2) الآية الأولى تبين أن الله يستحق الحمد لأنه هو الخالق والمبدع بدون سابق مثال، كذلك يزيد في الخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير. وفي الآية الثانية يتحدث سبحانه عن الرحمة، فقد خلق الناس ليرحمهم {كتب على نفسه الرحمة (12)} الأنعام، وباب رحمته سهل قريب وكل أركانه تصب في مصلحة الناس وسلامتهم، ألا هو باب حمده تعالى وشكره على نعمه عن طريق اتباع أوامره والالتزام بفطرته كما جاء تفصيله في سورة سبأ. فاذا فتح للناس من رحمة استحقوها باتباع موجباتها فلا ممسك لها، وإذا أمسكها عن قوم بسبب مخالفتهم أمره وشرعه فلا مرسل لها من بعده. إنه عزيز قاهر لكل شيء حكيم في أخذه للناس بالإمهال والرحمة. والدليل من السورة على أنه خلق الناس ليرحمهم ما يلي:
035.7.4.1.2- الآية (9) يحيي لهم الأرض بالماء مرات ومرات وفيه دليل على إعادة الإحياء للناس يوم النشور.
035.7.4.1.3- الآية (11) خلقهم من تراب وجعلهم أزواج (لحاجتهم الفطرية إلى العيش في عائلة تكمل بعضها بعضاً) وما من شيء في حياتهم إلا في كتاب (حتى لا تضيع الحقوق) وهو على الله يسير.
035.7.4.1.4- الآية (12) جعل لهم نوعان من البحار أحدهما عذب لشربهم والآخر ملح وفي كليهما لحم طري لطعامهم، ويستخرجون الحلي للزينة وتجري بهم السفن يسعون للرزق لعلهم يشكرون.
035.7.4.1.5- الآية (13) جعل لهم الليل والنهار وسخر الشمس والقمر.
035.7.4.1.6- الآيات (27، 28) أخرج بالماء النازل من السماء ثمرات مختلف ألوانها، وجعل جبال متنوعة ومختلف ألوانها، وخلق الناس والدواب والأنعام مخلف ألوانه. ولا يعرف هذه الأشياء على حقيقتها إلا العلماء لذلك فهم الذين يخشون الله العزيز القاهر لكل شيء الغفور للناس خطاياهم.
035.7.4.1.7- الآية (41) يمسك عليهم السماوات والأرض أن تزولا حليماً عليهم غفوراً لذنوبهم.
035.7.4.2- اختار الناس أن يطيعوا بإرادتهم، فأمهلهم ويبين لهم الآيات وأرسل الرسل وضرب لهم الأمثال وأقام عليهم الحجة ولم يعاجلهم بالعقوبة رغم معصيتهم رحمة بهم، فهو خالقهم ويعلم ما هم بحاجة إليه. الآيات (16، 17، 19-22، 38، 39، 45) = 9 آيات = 20%
الآيات التالية تبين أن الله فاطر وبيده كل شيء، مخلوقاته محتاجة إليه وهو غني عنها، إن شاء أبقى وإن شاء أذهب. لا يصعب عليه شيء ولا يمتنع. خلق الضلال والهدى، والظلمات والنور، والحياة والموت. خلق الناس وفطرهم على عبادته وطاعته كباقي مخلوقاته، {كل قد علم صلاته وتسبيحه (41)} النور، رحمة بهم فهو خالقهم ويعلم ما هم بحاجة إليه. ولأن الإنسان اختار أن يعبد الله ويطيعه بإرادته مختاراً، فقد جعل الله له ذلك كما اختار هو لنفسه، وأنزل عليه التكاليف عن طريق الوحي والرسل والكتاب. فصار لزاماً على الإنسان أن يفي بما وعد به ربه من الطاعة مختاراً وبإرادته، فإن كفر فعليه كفره. يؤخرهم إلى يوم يحاسبون فيه على أعمالهم:
035.7.4.2.1- الآيات (16، 17) على الرغم من معصيتهم لله فهو رحيم بهم، لا يعاجلهم بالعقوبة: إن يشأ يهلككم أيها الناس ربكم، لأنه أنشأكم من غير ما حاجة به إليكم، ويأت بخلق سواكم يطيعونه، ويأتمرون لأمره، وينتهون عما نهاهم عنه، وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع.
035.7.4.2.2- الآيات (19-26) ضرب الله تعالى مثلاً للمؤمنين وهم الأحياء وللكافرين وهم الأموات، يقول كما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة: كالأعمى والبصير وكما لا تستوي الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور، كذلك لا تستوي الأحياء ولا الأموات. ويقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا أرسلناك بالحق وهو اتباع الدين.
035.7.4.2.3- الآيات (38، 39) يخبر تعالى بعلمه غيب السماوات والأرض وأنه يعلم ما تكنه السرائر وما تنطوي عليه الضمائر وسيجازي كل عامل بعمله. ثم قال تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} يَخْلُف بعضكم بعضاً في الأرض، فمن جحد وحدانية الله منكم فعلى نفسه ضرره وكفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا بغضاً وغضباً، ولا يزيدهم كفرهم بالله إلا ضلالا وهلاكاً.
035.7.4.2.4- الآية (45) ولو يعاقب الله الناس بما عملوا من الذنوب والمعاصي ما ترك على ظهر الأرض من دابة تَدِبُّ عليها، ولكن يُمْهلهم ويؤخر عقابهم إلى وقت معلوم عنده، فإذا جاء وقت عقابهم فإن الله كان بعباده بصيراً، لا يخفى عليه أحد منهم، ولا يعزب عنه علم شيء من أمورهم، وسيجازيهم بما عملوا من خير أو شر.
035.7.4.3- أرسل لهم المرسلين والكتب تذكرهم بأن الله فاطرهم وهم بحاجة إليه في كل وقت وحين، وحذرهم عداوة الشيطان والانخداع بشهوات الدنيا. الآيات (3، 5، 6، 15، 23، 24، 31، 40، 44) = 9 آيات = 20%
035.7.4.3.1- الآية (3) يخاطبهم المرسلون: يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم، فلا خالق لكم غير الله يرزقكم من السماء بالمطر، ومن الأرض بالماء والمعادن وغير ذلك. لا إله إلا هو وحده لا شريك له، فكيف تُصْرَفون عن توحيده وعبادته.
035.7.4.3.2- الآيات (5، 6) يا أيها الناس إن وعد الله بالبعث والثواب والعقاب حق ثابت، فلا تخدعنَّكم الحياة الدنيا بشهواتها ومطالبها، ولا يخدعنَّكم بالله الشيطان. إن الشيطان لبني آدم عدو، فاتخذوه عدوّاً ولا تطيعوه، إنما يدعو أتباعه إلى الضلال؛ ليكونوا من أصحاب النار الموقدة.
035.7.4.3.3- الآية (15) يا أيها الناس أنتم المحتاجون إلى الله في كل شيء، لا تستغنون عنه طرفة عين، وهو سبحانه الغنيُّ عن الناس وعن كل شيء من مخلوقاته، الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته، المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بالناس فمنه، فله الحمد والشكر على كلِّ حال.
035.7.4.3.4- الآيات (23، 24) وما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء الكفار المشركين بالله، لتبلغهم رسالته، فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به، فإن ذلك بيد الله لا بيدك. وما من أمة خلت من بني آدم إلا جاءه نذير من الله ينذرهم بأسه على كفرهم به.
035.7.4.3.5- الآية (31) يقول تعالى والذي أنزلناه إليك (أيها الرسول) من القرآن هو الحق المصدِّق للكتب التي أنزلها الله على رسله قبلك. إن الله لخبير بشؤون عباده، بصير بأعمالهم، وسيجازيهم عليها.
035.7.4.3.6- الآية (40) أيها المشركين: أخبروني أيَّ شيء خَلَق شركاؤكم من الأرض، أم أن لشركائكم الذين تعبدونهم من دون الله شركاً مع الله في خلق السماوات، أم أعطيناهم كتاباً فهم على حجة منه؟ بل ما يَعِدُ الكافرون بعضهم بعضاً إلا غروراً وخداعاً.
035.7.4.3.7- الآية (44) أولم يَسِرْ الكفار في الأرض، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كعاد وثمود وأمثالهم، وما حلَّ بهم من الدمار، وبديارهم من الخراب، حين كذبوا الرسل، وكان أولئك الكفرة أشد قوة وبطشاً من كفار “مكة”؟ وما كان الله تعالى ليعجزه ويفوته من شيء في السماوات ولا في الأرض، إنه كان عليماً بأفعالهم، قديراً على إهلاكهم.
035.7.4.4- بين أنهم محاسبون في الآخرة، وبين لهم ما ستؤول إليه نتائج أعمالهم إما النعيم في الجنة وإما العذاب في النار. الآيات (7، 14، 18، 26، 30، 33، 35-37) = 9 آيات = 20 %
035.7.4.4.1- الآية (7) الذين جحدوا أن الله هو وحده الإله الحق وجحدوا ما جاءت به رسله لهم عذاب شديد في الآخرة، والذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات لهم عفو من ربهم وتجاوز عن ذنوبهم بعد سترها عليهم، ولهم أجر كبير، وهو الجنة.
035.7.4.4.2- الآية (14) إن تدعوا (أيها الناس) هذه المعبودات من دون الله لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا على سبيل الفرض ما أجابوكم، ويوم القيامة يتبرؤون منكم، ولا أحد يخبرك (أيها الرسول) أصدق من الله العليم الخبير.
035.7.4.4.3- الآية (18) ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى، وإن تَسْأل نفسٌ مثقَلَة بالخطايا مَن يحمل عنها من ذنوبها لم تجد من يَحمل عنها شيئاً، ولو كان الذي سألتْه ذا قرابة منها من أب أو أخ ونحوهما. إنما تحذِّر (أيها الرسول) الذين يخافون عذاب ربهم بالغيب، وأدَّوا الصلاة حق أدائها. ومن تطهر من الشرك وغيره من المعاصي فإنما يتطهر لنفسه. وإلى الله سبحانه مآل الخلائق ومصيرهم، فيجازي كلا بما يستحق.
035.7.4.4.4- الآية (26) ثم أخَذْت الذين كفروا بأنواع العذاب، فانظر كيف كان إنكاري لعملهم وحلول عقوبتي بهم؟
035.7.4.4.5- الآية (30) ليوفي الله تعالى الذين يقرؤون القرآن، ويعملون به، ثواب أعمالهم كاملا غير منقوص، ويضاعف لهم الحسنات من فضله، إن الله غفور لسيئاتهم، شكور لحسناتهم، يثيبهم عليها الجزيل من الثواب.
035.7.4.4.6- الآية (33) جنات إقامة دائمة للذين أورثهم الله كتابه يُحلَّون فيها الأساور من الذهب واللؤلؤ، ولباسهم المعتاد في الجنة حرير.
035.7.4.4.7- الآيات (35-37) وهو الذي أنزلَنا دار الجنة من فضله، لا يمسنا فيها تعب ولا إعياء. والذين كفروا بالله ورسوله لهم نار جهنم الموقدة، لا يُقْضى عليهم بالموت، فيموتوا ويستريحوا، ولا يُخَفَّف عنهم مِن عذابها، ومثل ذلك الجزاء يجزي الله كلَّ متمادٍ في الكفر مُصِرٍّ عليه. وهؤلاء الكفار يَصْرُخون من شدة العذاب في نار جهنم مستغيثين: ربنا أخرجنا من نار جهنم، وردَّنا إلى الدنيا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمله في حياتنا الدنيا، فنؤمن بدل الكفر، فيقول لهم: أولم نُمْهلكم في الحياة قَدْراً وافياً من العُمُر، يتعظ فيه من اتعظ، وجاءكم النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم تتذكروا ولم تتعظوا؟ فذوقوا عذاب جهنم، فليس للكافرين من ناصر ينصرهم من عذاب الله.
035.7.4.5- بينت الآيات أن الناس انقسموا الناس إلى فريقين: فريق مؤمن وفريق كافر مكذب. الآيات (4، 8، 10، 25، 29، 32، 34، 42، 43) = 9 آيات = 20%
035.7.4.5.1- الآية (4) وإن يكذبك قومك (أيها الرسول) فقد كُذِّب رسل مِن قبلك، وإلى الله تصير الأمور في الآخرة، فيجازي كلا بما يستحق. وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
035.7.4.5.2- الآية (8) زين لهم سوء أعمالهم: كالكفار والفجار يعملون أعمالاً سيئة وهم في ذلك يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً. فلا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره. إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي لما له في ذلك من الحجة البالغة والعلم التام إنه عليم بما يصنعون.
035.7.4.5.3- الآية (10) طلبوا العزة بعبادة الأوثان، لكن عليهم أن يهجروها ويعودوا إلى الله. لأنه من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فإنه يحصل له مقصوده لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعا. إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه. ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح (وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه، والانتهاء إلى ما أمر به). والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم. وعمل هؤلاء المشركين يبور، فيبطل فيذهب، لأنه لم يكن لله، فلم ينفع عامله.
035.7.4.5.4- الآية (25) وإن يكذبك هؤلاء المشركون فقد كذَّب الذين مِن قبلهم رسلهم الذين جاؤوهم بالمعجزات الواضحات الدالة على نبوتهم، وجاؤوهم بالكتب المجموع فيها كثير من الأحكام، وبالكتاب المنير الموضح لطريق الخير والشر.
035.7.4.5.5- الآية (29) إن الذين يقرؤون القرآن، ويعملون به، وداوموا على الصلاة في أوقاتها، وأنفقوا مما رزقناهم من أنواع النفقات الواجبة والمستحبة سرّاً وجهراً، هؤلاء يرجون بذلك تجارة لن تكسد ولن تهلك، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه.
035.7.4.5.6- الآية (32) ثم أورثنا القرآن مَن اخترناهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: فمنهم ظالم لنفسه بفعل بعض المعاصي، ومنهم مقتصد، وهو المؤدي للواجبات المجتنب للمحرمات، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، أي مسارع مجتهد في الأعمال الصالحة، فَرْضِها ونفلها، ذلك الإعطاء للكتاب واصطفاء هذه الأمة هو الفضل الكبير.
035.7.4.5.7- الآية (34) وقالوا حين دخلوا الجنة: الحمد لله الذي أذهب عنا كل حَزَن، إن ربنا لغفور؛ حيث غفر لنا الزلات، شكور؛ حيث قبل منا الحسنات وضاعفها.
035.7.4.5.8- الآيات (42-43) وأقسم كفار قريش بالله أشد الأَيْمان: لئن جاءهم رسول من عند الله يخوِّفهم عقاب الله ليكونُنَّ أكثر استقامة واتباعاً للحق من اليهود والنصارى وغيرهم، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم ذلك إلا بُعْداً عن الحق ونفوراً منه. ليس إقسامهم لقَصْد حسن وطلباً للحق، وإنما هو استكبار في الأرض على الخلق، يريدون به المكر السيِّئ والخداع والباطل، ولا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله، فهل ينتظر المستكبرون الماكرون إلا العذاب الذي نزل بأمثالهم الذين سبقوهم، فلن تجد لطريقة الله تبديلا ولا تحويلا فلا يستطيع أحد أن يُبَدِّل، ولا أن يُحَوِّل العذاب عن نفسه أو غيره.
035.7.5- سياق السورة باعتبار قدرة الله على خلق الأشياء المتضادة:
فقد أثبت سبحانه قدرته وإبداعه، بقدرته على خلق وجمع الأشياء المتضادّة والمتناقضة: يفتح وممسك، يمسك ويرسل، يرزق وغيره لا يرزق، الأمور بيد الله وهم يكذّبون، الحق والغرور، وعد الله حق والشيطان لكم عدو، عدوّ ويدعو، كفروا وآمنوا، عذاب شديد ومغفرة وأجر، زيّن له ويهدي، يضلّ ويهدي، بلد ميّت فأحيينا، العمل الصالح والمكر السيّء، عذب وملح، الليل في النهار، النهار في الليل، له الملك وما يملكون، لا يسمعوا ولو سمعوا، الفقراء والغنيّ، يذهبكم ويأتي، الأعمى والبصير، الظلمات والنور، الظل والحرور، ماذا خلقوا والله يمسك السماوات، تحمل وتضع، يعمر وينقص، لحماً طريّاً وحلية، الشمس والقمر، الله يسمع وما أنت بمسمع، بشيراً ونذيراً، مقتصد وسابق، له الملك وما يملكون، مكر أولئك هو يبور وأن ذلك على الله يسير، تدعوهم ولا يسمعوا، سمعوا وما استجابوا، أنزل فأخرج، بيض وحمر وغرابيب سود، يكذبوك وأوحينا إليك … الحق، إليه يصعد الكلم الطيّب وإن تدعوهم لا يستجيبوا، يذهبكم ويأت، الحمد لله ويصطرخون.
035.7.6- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
035.7.6.1- آيات القصص: (4، 25، 26، 42-44) = 6 آيات.
035.7.6.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (33-37) = 5 آيات.
035.7.6.3- الأمثال في الآيات: (14، 18-22، 29) = 7 آيات.
035.7.6.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (1-3، 9، 11-13، 27، 28، 38، 41) = 11 آية.
035.7.6.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (5-8، 10، 15-17، 23، 24، 30-32، 39، 40، 45) = 16 آية.
035.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
035.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: مناسبة وضعها بعد سبأ تآخيهما في الافتتاح بالحمد مع تناسبهما في المقدار وقال بعضهم: افتتاح سورة فاطر بالحمد مناسب لختام ما قبلها في سورة سبأ وهو الفصل بين الناس من قوله: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل (54)} سورة سبأ. فهو نظير اتصال أول الأنعام بفصل القضاء المختتم به المائدة في قوله: {قال هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم (119)}.
035.8.2- افتتاح سورة فاطر بالحمد، فإنه مناسب لختام ما قبلها. كافتتاح سورة الكهف بالحمد، فإنه مناسب لختام ما قبلها بالأمر بالحمد في سورة الإسراء. كذلك فاتحة سورة الإسراء بالتسبيح وسورة الكهف بالتحميد لأن التسبيح جاء مقدم على التحميد.
035.8.3- الحمد لله، وتناسب السور المفتتحة بها:
سورة فاطر هي ختام السور الخمس المفتتحة بالحمد لله، وتشير السور المفتتحة بالحمد لله إلى كثرة النعم فيها وعظمتها والتي تستحق الحمد: وقد افتتح بها الهداية في سورة الفاتحة، وافتتح بها نعم الله في سورة الأنعام، وافتتح بها إنزال دين التوحيد الذي جاء به القرآن في سورة الكهف، وافتتح بها إحاطته وعلمه في سورة سبأ، وافتتح بها سيطرته الكاملة على كل مخلوقاته وفطرته لها في سورة فاطر.
وكذلك كان الحمد لله ابتداءً، وكان الحمد لله ختاماً قاعدة من قواعد الإسلام، قال تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ (70)} القصص؛ واختتم بها تنزيه نفسه في سورة الصافات، قال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}، واختتم بها قضاؤه بين العباد بالحق في آخر سورة الزمر، قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}.
وقد ذكر في نظم الدرر عن الشيخ سعد الدين التفتازاني: أنه فصلت فيها النعم الأربع التي هي أمهات النعم المجموعة في الفاتحة، وهي الإيجاد الأول، ثم الإبقاء الأول في الدنيا، ثم الإيجاد الثاني في الآخرة المشار إليه بسورة سبأ {وله الحمد في الآخرة}، ثم الإبقاء الثاني الذي هو أنهاها وأحكمها، وهو الختام المشار إليه بسورة فاطر السورة المفتتحة بالابتداء الدال عليه بأنهى القدرة وأحكمها، المفصل أمره فيها في فريقي السعادة والشقاوة تفصيلاً شافياً على أنه استوفى في هذه السورة النعم الأربع.
وقد أشير في الفاتحة لكونها أم الكتاب إلى جميع النعم: فإنها ترجع إلى إيجاد وإبقاء أولاً وايجاد وإبقاء ثانياً في دار الفناء والبقاء، أما الإيجاد الأول فبقوله {الحمد لله رب العالمين}، فإن الإخراج من العدم إلى الوجود أعظم تربية، وأما الإبقاء الأول فبقوله {الرحمن الرحيم}، أي المنعم بجلائل النعم ودقائقها التي بها البقاء، وأما الإيجاد الثاني فبقوله {مالك يوم الدين}، وهو ظاهر، وأما الإبقاء الثاني فبقوله {إياك نعبد} إلى آخرها، فإن منافع ذلك تعود إلى الآخرة. ثمّ جاء التصدير بالحمد بعد الفاتحة في أربع سور، أُشير في كلّ سورة منها إلى نعمة من هذه النعم على ترتيبها: سورة الأنعام هي أول السور الأربع المشيرة إلى جميع النعم المندرجة تحت النعم الأربع التي اشتملت عليها الفاتحة، وكلّ سورة منها مشيرة إلى نعمة من النعم الأربع، فقوله {خلق السماوات والأرض (1)}، ثمّ {خلقكم من طين (2)}، ثم {وما من دابة في الأرض (38)}، متكفّل بتفصيل نعمة الإيجاد الأوّل لجميع العالمين من السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما من آدمي وغيره المشار إليه في الفاتحة برب العالمين. سورة الكهف هي ثاني السور الأربع وهي تشير إلى النعم في الدنيا بقوله سبحانه {أنزل على عبده الكتاب (1)}، فإن نظام العالم وبقاء النوع الإنساني يكون بالنبي والكتاب. وأشير في سورة سبأ إلى الإيجاد الثاني لانسياق الكلام إلى إثبات الحشر والرد على منكري الساعة حيث قال سبحانه {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي (3)}، وهي من أولها مشيرة إلى ذلك. سورة فاطر السورة المفتتحة بالابتداء الدال عليه بأنهى القدرة وأحكمها {جاعل الملائكة رسلاً (1)}، {إن وعد الله حق، فلا تغرّنكم الحياة الدنيا (5)}، المفصل أمره فيها في فريقي السعادة والشقاوة تفصيلاً شافياً كما أنه استوفى في هذه السورة النعم الأربع.
وأشير إلى ما بين الفاتحة والأنعام إلى تعلم الكتاب والتوحيد والاجتماع على أهل الدين والوفاء بما تقدموا فيه بالعهد من الأحكام، ودربوا عليه من الحلال والحرام. وأشير إلى التكليف بما بين الأنعام وسورة الكهف التي ذكر فيها مصارع الأولين وأخبار الماضين تحذيراً من أحوالهم. وأشير إلى ذكر الموت وما بعده من البرزخ الذي يكون لانقطاع العلائق باجتماع الخلائق، بما بين سورة الكهف وبين سبأ، وأكثر فيما بينهما ذكر أمر البعث كثرة ليست فيما مضى حتى صدر بعضها به، وبناها عليه كسورتي الأنبياء {اقترب للناس حسابهم}، والحج {إن زلزلة الساعة شيء عظيم}. ولما لم يكن بين البعث وما بعده مهلة لشيء من ذلك، عقب سورة سبأ وهي سورة الإيجاد الثاني بسورة فاطر سورة الإبقاء الثاني، من غير فاصل ولا حاجز.
035.8.4- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أوضحت سورة سبأ أنه سبحانه مالك السماوات والأرض، ومستحق الحمد في الدنيا والآخرة، أوضحت هذه السورة أن ذلك خلقه كما هو ملكه، وأنه الأهل للحمد والمستحق، إذ الكل خلقه وملكه، ولأن السورة الأولى تجردت لتعريف العباد بأن الكل ملكه وخلقه دارت آيها على تعريف عظيم ملكه، فقد أعطي داود وسليمان عليهما السلام ما هو كالنقطة من البحار الزاخرة، فلان الحديد وانقادت الرياح والوحوش والطير والجن والإنس مذللة خاضعة {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير (22)} سبأ، تعالى ربنا عن الظهير والشريك والند، وتقدس ملكه عن أن تحصره العقول أو تحيط به الأفهام، فتجردت سورة سبأ لتعريف العباد بعظيم ملكه سبحانه، وتجردت هذه الأخرى للتعريف بالاختراع والخلق، ويشهد لهذا استمرار آي سورة فاطر على هذا الغرض من التعريف وتنبيهها على الابتداءات كقوله تعالى {جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى (1)} الآية، وقوله {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها هل من خالق غير الله يرزقكم (2)} وقوله: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً (8)} الآية، وقوله: {الله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً (9)} الآية {والله خلقكم من تراب (10)} {يولج اليّل في النهار ويولج النهار في اليّل (13)} {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها (27)} {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض (39)} {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا (41)} فهذه عدة آيات معرفة بابتداء الخلق، والاختراع أو مشيرة ولم يقع من ذلك في سورة سبأ آية واحدة، ثم إن سورة سبأ جرت آيها على نهج تعريف الملك والتصرف فيه والاستبداد بذلك والإبداد، وتأمل افتتاحها وقصة داود وسليمان عليهما السلام، وقوله سبحانه {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة (22)} الآيات يتضح لك ما ذكرناه وما انجرّ في السورتين مما ظاهره الخروج من هاذين الغرضين فملتحم ومستدعى بحكم الانجرار بحسب استدعاء مقاصد الآي (رزقنا الله الفهم عنه بمنه وكرمه) انتهى.