العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
108.0 سورة الكوثر
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
108.1 التعريف بالسورة:
1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 3 آيات. 4) الثامنة بعد المائة من حيث الترتيب في المصحف .5) والخامسة عشرة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “العاديات”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: رب 1 مرة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): الكوثر، انحر، الأبتر.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): إنا، أعطيناك، فصل، شانئك، هو.
108.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال: قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس أنه الخير الكثير. فقال: صدقت والله إنه للخير الكثير، ولكن حدثنا ابن عمر قال: نزلت {إنا أعطيناك الكوثر} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك وماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى {إنا أعطيناك الكوثر} قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة شاطئاه عليه درّ مجوّف فيه من الآنية والأباريق عدد النجوم.
108.3 وقت ومناسبة نزولها:
108.3.1- روى ابن مردويه عن ابن عباس وعن عبد الله بن الزبير وعن عائشة أن هذه السورة مكية. الكلبي ومقاتل أيضاً اعتبروها مكية وهو رأي الأغلبية من المفسرين. ولكن الحسن البصري وعكرمة ومجاهد وقتاده اعتبروها مدنية، والإمام السيوطي في الإتقان أكّد هذا الرأي، والإمام النووي في تعليقه على صحيح مسلم رجّح هذا الرأي. والسبب وراء هذا الاعتقاد هو الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: أغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسماً فقال: إنه نزلت علي آنفاً سورة فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم، إنا أعطيناك الكوثر} حتى ختمها، قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: هو نهر أعطانيه ربّي في الجنة عليه خير كثير ترده أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك. وأنس بن مالك هو من المدينة وقوله إن السورة نزلت أثناء وجوده، هو دليل على أنها مدنيّة. ومع ذلك فقد روى عن أنس بن مالك قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر. أخرجه البخاري. وعن أنس نفسه روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير أحاديث حول نفس الموضوع تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى نهر الكوثر في رحلة الإسراء والمعراج والتي قد حصلت قبل الهجرة. وقد سبب هذا في صعوبة الربط بين هذه الأحاديث حيث قيل إن السورة نزلت جزئين أحدهما في المدينة والآخر في مكة أو أنها نزلت مرّتين أو عدة مرّات وغيره.
ولو لم يكن هذا الحديث الذي سبب الحيرة في تحديد وقت نزولها. لكانت محتويات سورة الكوثر هي أوضح دليل على أنها مكّية ونزلت في الوقت الذي كان يمرّ الرسول صلى الله عليه وسلم فيه بظروف شديدة ومحبطة للغاية.
108.3.2- وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش: بتر محمد منا فنزلت {إن شانئك هو الأبتر}، وروي انهم قالوا بتر محمد من قومه كما تبتر الشجرة من جذورها وستسقط أي وقت. وقال ابن عباس ومجاهد: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقال يزيد بن رومان: قال، كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله هذه السورة، وقيل: نزلت في عقبة بن معيط، وقال عطاء: نزلت في أبي لهب وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب أبو لهب إلى المشركين، فقال: بتر محمد الليلة فأنزل الله في ذلك: {إن شانئك هو الأبتر}، وعن ابن عباس: نزلت في أبي جهل وعنه {إن شانئك} يعني عدوّك، وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم.
108.4 مقصد السورة:
108.4.1- بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أُعطي الخير الكثير في الدنيا والآخرة، وبالخزي لأعدائه.
108.4.2- مقصد السورة نجده في الآية الأولى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أي: الخير الكثير من القرآن والحكمة والنبوة والدين الحقّ والهدى وما فيه من سعادة الدارين. فعليه أن يصلي لربه ويقرب إليه القرابين شكرا. وألا يبالي بالمبغضين له فهم لا شك مبتورين.
108.4.3- وقال البقاعي: مقصودها المنحة بكل خير يمكن أن يكون، واسمها الكوثر واضح في ذلك، وكذا النحر لأنه معروف في نحر الإبل، وذلك غاية الكرم عند العرب.
108.5 ملخص موضوع السورة:
نزلت في المرحلة الأولى من العهد المكي، واسمها {الْكَوْثَرَ} إشارة إلى مقصدها أي الخير الكثير، أو نهر الكوثر الذي في الجنّة أعطاه الله لنبيّه صلى الله عليه وسلّم وترده أمّته يوم القيامة لا يظمأ من شرب منه أبداً. وتضمّنت ثلاث آيات فيها: البشارة للنبيّ عليه الصلاة والسلام وأمّته بالعطاء والخير الكثير، والدعوة إلى إِدامة الصلاة ونحر الهدي تعظيماً وشكراً لله، والبشارة بخزي الأعداء وانقطاعهم من كل خير، كما يلي:
(الآية 1): البشارة بأنّا أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك نهر الكوثر في الجنة.
(الآية 2): الأمر بالإخلاص لربّك في صلاتك فاعبده وحده، وانحر على اسمه وحده لا شريك له.
(الآية 3): البشارة بأنّ مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والنور، هو المنقطع أثره، المقطوع من كل خير.
وهكذا لمّا أوجزت بكلمات قليلة (10 كلمات) أعظم البشائر للنبي صلى الله عليه وسلّم وأمّته بالعطاء الكثير، وكانت أقصر سور القرآن، وعجز الثّقلان عن الإتيان بمثلها أو معارضتها، فقد أتمّت وتضمّنت كل خير وعطاء ذكر في القرآن في خمس عشرة (15) سورة متتالية ومتناسبة ومتكاملة سبقتها:
ففي الضّحى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، وفي الشرح: شرح الصّدور ووضع الوزر ورفع الذّكر واليسر بعد العسر، وفي التين: جعل البلد الأمين والأجر غير الممنون، وفي إقرأ: قراءة القرآن والعلم وتأييد الزبانية والسجود والاقتراب، وفي القدر: هي خير من ألف شهر، وفي البيّنة: جعلهم خير البريّة ورضي عنهم ورضوا عنه، وفي الزّلزلة: حفظ لهم مثقال الذرّة من الخير، وفي العاديات: نصرهم بالعاديات، وفي القارعة: هم في عيشة راضية، وفي التكاثر: سيُسألنّ عن النعيم، وفي العصر: جعلهم خير أمة آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق والصبر، وفي الهمزة: سيُحاسبون على المال الذي جمعوه وعدّدوه، وفي الفيل: جعل كيد أعدائه في تضليل، وفي قريش: ألّفهم وأطعمهم وآمنهم، وفي الماعون: صفات المكذّبين بالدّين المذمومة والمناقضة للإيمان، وفي الكوثر: قد أعطيناك الخير الكثير.
اللَّهمّ إنّا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل.
108.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
باعتبار ترتيب الآيات احتوت السورة على ثلاثة موضوعات هي: البشارة بفضل الله العظيم على نبيه عليه الصلاة والسلام، بإِعطائه الخير الكثير، ومنها نهر {الْكَوْثَرَ}، ودعوته عليه الصلاة والسلام إلى إِدامة الصلاة، ونحر الهدي شكراً لله. وبشارته عليه الصلاة والسلام بخزي أعدائه، وانقطاعهم من كل خير في الدنيا والآخرة، كما يلي:
108.6.1- الآية (1) البشارة للنبي صلى الله عليه وسلم: بإنا أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك نهر الكوثر في الجنة الذي حافتاه خيام اللؤلؤ المجوَّف، وطينه المسك.
108.6.2- الآية (2) الأمر: فأخلص لربك صلاتك كلها، واذبح ذبيحتك له وعلى اسمه وحده. أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ومن ذلك نهر الكوثر الذي تقدم صفته فأخلص لربك في صلاتك فاعبده وحده، وانحر على اسمه وحده لا شريك له.
108.6.3- الآية (3) البشارة للنبي صلى الله عليه وسلم: بإن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والنور، هو المنقطع أثره، المقطوع من كل خير.
108.7 الشكل العام وسياق السورة:
108.7.1- إسم السورة {الكوثر} أي الشيء الكثير أو النهر العظيم المليء بالخير الذي أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، هو التقديم المناسب لأمره له بالإخلاص لربه في صلاته، وبالنحر على اسمه وحده لا شريك له، وعدم المبالاة بالمبغضين له فهم لا شك مبتورين.
108.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات وترتيب آياتها:
احتوت السورة على بشارتين وأمر: البشارة الأولى بالخير الكثير الجزيل، والثانية بالبتر لأعدائه والثالث الأمر بالصلاة امتثالاً لأمر الله والنحر؛ أما تناسب ترتيب آيات السورة فكان بداية التأكيد على سنة الله في خلق الإنسان، بأن الله خلقه ليكرمه وينعم عليه بالخير الكثير، ثمّ أمره بالعبادة شكراً لله على نعمه بعد أن هيّأ له كل أسباب تمامها، وختمت بأن من يعصي الله ويعادي الله وأولياءه، فإن الذلة والهلاك والبتر هو جزاؤه، كما يلي:
108.7.2.1- الآية (1) البشارة: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} والكوثر: اسم في اللغة للخير الكثير، ولذلك فسره الزمخشري بالمفرط في الكثرة، وهو أحسن ما فُسر به وأضبطُه. أي أن اللّه تعالى أعطاه خيراً كثيراً جزيلا، ونعم عظيمة في الدنيا والآخرة، ومنها نهر الكوثر، وغير ذلك من الخير العظيم العميم.
والمشهور عند المفسرين أن معنى الكوثر هو نهر في الجنة، كما في الحديث المذكور أعلاه، ومن المعاني الأخرى التي ذكرها المفسرون: أنه حوض في الجنة، والأولاد لبقاء النسل، والعلماء ينشرون الدين، والنبوّة ومعجزاتها وفضائلها التي لا تحصى، والقرآن وفضائله لا تحصى، والإسلام، وكثرة الأتباع والأشياع، وفضائل النبي الكثيرة، ورفعة الذكر، والعلم والحكمة، والخلق الحسن، والمقام المحمود الذي هو الشفاعة؛ وقيل الكوثر هذه السورة التي مع قصرها فهي وافية بجميع منافع الدنيا والآخرة والبشائر وأخبار الغيب، والعجز عن الإتيان بمثلها أو معارضتها؛ وأخيراً قيل أن المراد من الكوثر جميع نعم الله على محمد عليه السلام.
وللمزيد من ذكر البشارات والخير الكثير للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، انظر أدناه في تناسب السورة مع غيرها من السور، تحت عنوان: هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها من السور.
أمّا كلمة {إِنَّا} فهي إشارة إلى عظمة العطية لأن الواهب هو جبار السماوات والأرض، أي نحن إله السماوات والأرض وما فيهما وما فوقهما وتحتهما، والعطيّة هي الكوثر التي تفيد المبالغة في الكثرة.
108.7.2.2- الآية (2) الأمر بإدامة الصلاة: {فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر}، والإقبال على العبادة، ونحر الهدي شكراً لربك الذي يربيك ولن يتركك، وتعظيماً لواسع نعمه التي لا تحصى، فإن تكثير الإنعام عليك يوجب عليك الاشتغال بالعبودية كما أمرت. وأنه لما كانت الصلاة من لوازم تلك النعم، لا جرم صارت الصلاة أحب الأشياء للنبي عليه الصلاة والسلام فقال: “وجعلت قرة عيني في الصلاة” ولقد صلى حتى تورمت قدماه، فقال: “أفلا أكون عبداً شكوراً”. وفي الآية أيضاً بشارة بزوال الفقر والخوف، وبأن الخير سيتواصل وتستقر الأمور ويعم الأمن والأمان فيتفرغ الناس للصلاة والعبادة والأعياد ونحر الذبائح.
108.7.2.3- الآية (3) البشارة: للرسول صلى الله عليه وسلم بخزي أعدائه: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي إن مبغضك هو المنقطع من كل خير في الدنيا والآخرة. وهذا أيضاً مزيد عطاء، بأنه بعد كل هذا الخير الكثير الذي أعطيناك فلا ينتهي، تبقى مظفراً وخصمك ذليل مقطوع أبتر.
108.7.2.3.1- وقال الفخر: الكفار لما شتموه، تولى الحق سبحانه جوابهم، فقال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} وهكذا، وذكر مثل ذلك في مواضع حين قالوا: {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خلق جَدِيدٍ (7) أفترى عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ (8)} سبأ، فقال سبحانه: {بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة في العذاب والضلال البعيد (8)} سبأ، وحين قالوا: هو مجنون أقسم ثلاثاً، ثم قال: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ (2)} القلم، لما قالوا: {لَسْتَ مُرْسَلاً (43)} الرعد، أجاب فقال: {يس (1) والقرآن الحكيم (2) إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين (3)} يس، وحين قالوا: {أَئِنا لَتَارِكُوا ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ (36)} الصافات، رد عليهم وقال: {بَلْ جَاء بالحق وَصَدَّقَ المرسلين (37)} الصافات، فصدقه، ثم ذكر وعيد خصمائه، وقال: {إنكم لذائقوا العذاب الأليم (38)} الصافات، وحين قال حاكياً: {أَمْ يَقولونَ شَاعِرٌ (30)} الطور، قال: {وَمَا علمناه الشعر (69)} يس، ولما حكى عنهم قوله: {إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ افتراه وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوم آخَرُون (4)} الفرقان، سماهم كاذبين بقوله: {فَقَدْ جَاءوا ظُلْماً وَزُوراً (4)} الفرقان، ولما قالوا: {مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى في الأسواق (7)} الفرقان، أجابهم فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ في الاسواق (20)} الفرقان، فما أجل هذه الكرامة.
108.7.3- احتوت السورة على بشارتين للنبي صلى الله عليه وسلم: الأولى أنه أعطي الخير الكثير والثانية بالبتر لعدوه؛ ثم أمر له بالصلاة والنحر، كما يلي:
108.7.3.1- البشارة للنبي صلى الله عليه وسلم: بإنا أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، وبإن مبغضك هو المنقطع أثره، المقطوع من كل خير. الآيات (1، 3)
108.7.3.2- الأمر بأن أخلص لربك صلاتك كلها، واذبح ذبيحتك له وعلى اسمه وحده. الآية (2)
108.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
108.8.0- وهكذا لمّا أوجزت بكلمات قليلة (10 كلمات) أعظم البشائر للنبي صلى الله عليه وسلّم وأمّته بالعطاء الكثير، وكانت أقصر سور القرآن، وعجز الثّقلان عن الإتيان بمثلها أو معارضتها، فقد أتمّت وتضمّنت كل خير وعطاء ذكر في القرآن في خمس عشرة (15) سورة متتالية ومتناسبة ومتكاملة سبقتها:
ففي الضّحى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، وفي الشرح: شرح الصّدور ووضع الوزر ورفع الذّكر واليسر بعد العسر، وفي التين: جعل البلد الأمين والأجر غير الممنون، وفي إقرأ: قراءة القرآن والعلم وتأييد الزبانية والسجود والاقتراب، وفي القدر: هي خير من ألف شهر، وفي البيّنة: جعلهم خير البريّة ورضي عنهم ورضوا عنه، وفي الزّلزلة: حفظ لهم مثقال الذرّة من الخير، وفي العاديات: نصرهم بالعاديات، وفي القارعة: هم في عيشة راضية، وفي التكاثر: سيُسألنّ عن النعيم، وفي العصر: جعلهم خير أمة آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق والصبر، وفي الهمزة: سيُحاسبون على المال الذي جمعوه وعدّدوه، وفي الفيل: جعل كيد أعدائه في تضليل، وفي قريش: ألّفهم وأطعمهم وآمنهم، وفي الماعون: صفات المكذّبين بالدّين المذمومة والمناقضة للإيمان، وفي الكوثر: قد أعطيناك الخير الكثير.
108.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: قال الإمام فخر الدين: من لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للسورة التي قبلها، لأن السابقة وصف الله سبحانه فيها المنافق بأمور أربعة: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة. وذكر في هذه السورة في مقابلة البخل {إنا أعطيناك الكوثر}، أي الكثير، وفي مقابلة ترك الصلاة {فصلّ}، أي دم عليها، وفي مقابلة الرياء {لربك} أي لرضاه لا للناس، وفي مقابلة منع الماعون {وانحر} وأراد به التصدق بلحم الأضاحي.
108.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما نهى عباده عما يلتذ به من أراد الدنيا وزينتها من الإكثار والكبر والتعزز بالمال والجاه وطلب الدنيا، أتبع ذلك بما منح نبيه مما هو خير مما يجمعون، وهو الكوثر وهو الخير الكثير، ومنه الحوض الذي ترده أمته في القيامة، لا يظمأ من شرب منه، ومنه مقامه المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون عند شفاعته العامة للخلق وإراحتهم من هول الموقف، ومن هذا الخير ما قدم له في دنياه من تحليل الغنائم والنصر بالرعب والخلق العظيم إلى ما يحصى من خيري الدنيا والآخرة مما بعض ذلك خير من الدنيا وما فيها إذ لا تعدل الدنيا وما فيها واحدة من هذه العطايا {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون (58)} يونس، ومن الكوثر والخير الذي أعطاه الله كتابه المبين، الجامع لعقل الأولين والآخرين، والشفاء لما في الصدور. ولما كمل له سبحانه من النعم مالا يأتي عليه حصر مما لا يناسب أدناه نعيم الدنيا بجملتها، قال مبيناً له منبهاً على عظيم ما أعطاه {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا (88)} الحجر، إلى قوله {ورزق ربك خير وأبقى} فقد اضمحل في جانب نعمة الكوثر الذي أوتي كل ما ذكره الله تعالى في الكتاب من نعيم أهل الدنيا وتمكن من تمكن منهم، وهذا أحد موجبات تأخير تلك السورة، فلم يقع بعدها ذكر شيء من نعيم الدنيا ولا ذكر أحد من المتنعمين بها لانقضاء هذا الغرض وتمامه، وسورة الدين آخر ما تضمن الإشارة إلى شيء من ذلك كما تقدم من تمهيد إشاراتها، وتبين بهذا وجه تعقيبها بها.
108.8.3- وقال الفخر: هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها من السور: أما أنها كالتتمة لما قبلها من السور، فلأن الله تعالى جعل سورة والضحى في مدح محمد عليه الصلاة والسلام وتفصيل أحواله، فذكر في أول السورة ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته أولها: قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى (3)}، وثانيها: قوله: {وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى (4)}، وثالثها: {ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى (5)}، ثم ختم هذه السورة بذكر ثلاثة أحوال من أحواله عليه السلام فيما يتعلق بالدنيا وهي قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى (6) وَوَجَدَكَ ضالا فهدى (7) وَوَجَدَكَ عائلا فأغنى (8)} الضحى؛ ثم ذكر في سورة: {أَلَمْ نَشْرَحْ} أنه شرفه بثلاثة أشياء أولها: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صدرك (1)}، وثانيها: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وزرك (2) الذي أنقض ظهرك (3)}، وثالثها: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذكرك (4)}؛ ثم إنه تعالى شرفه في سورة: التين بثلاثة أنواع من التشريف أولها: أنه أقسم ببلده وهو قوله: {وهذا البلد الأمين (3)}، وثانيها: أنه أخبر عن خلاص أمته عن النار وهو قوله: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ (6)}، وثالثها: وصولهم إلى الثواب وهو قوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون (6)}؛ ثم شرفه في سورة اقرأ بثلاثة أنواع من التشريفات أولها: {اقرأ باسم رَبّكَ (1)} أي اقرأ القرآن على الحق مستعيناً باسم ربك، وثانيها: أنه قهر خصمه بقوله: {فَلْيَدْعُ ناديه (17) سَنَدْعُ الزبانية (18)}، وثالثها: أنه خصه بالقربة التامة وهو: {واسجد واقترب (19)}؛ وشرفه في سورة القدر بليلة القدر التي لها ثلاثة أنواع من الفضيلة أولها: كونها: خَيْراً مّن ألف شهر، وثانيها: نزول: الملائكة والروح فِيهَا، وثالثها: كونها: سَلاَماً حتى مَطْلَعِ الفجر؛ وشرفه في سورة: لَمْ يَكُنِ بأن شرف أمته بثلاثة تشريفات أولها: أنهم: {خَيْرُ البرية (7)ْ، وثانيها: أن {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ جنات (8)}، وثالثها: رضا الله عنهم؛ وشرفه في سورة إذا زلزلت بثلاث تشريفات: أولها: قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا (4)} وذلك يقتضي أن الأرض تشهد يوم القيامة لأمته بالطاعة والعبودية، والثاني: قوله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أعمالهم (6)} وذلك يدل على أنه تعرض عليهم طاعاتهم فيحصل لهم الفرح والسرور، وثالثها: قوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)} ومعرفة الله لا شك أنها أعظم من كل عظيم فلابد وأن يصلوا إلى ثوابها؛ ثم شرفه في سورة العاديات بأن أقسم بخيل الغزاة من أمته فوصف تلك الخيل بصفات ثلاث: {والعاديات ضَبْحاً (1) فالموريات قَدْحاً (2) فالمغيرات صُبْحاً (3)}؛ ثم شرف أمته في سورة القارعة بأمور ثلاثة أولها: فمن ثقلت موازينه، وثانيها: أنهم في عيشة راضية، وثالثها: أنهم يرون أعداءهم في نار حامية؛ ثم شرفه في سورة الهاكم بأن بين أن المعرضين عن دينه وشرعه يصيرون معذبين من ثلاثة أوجه أولها: أنهم يرون الجحيم، وثانيها: أنهم يرونها عين اليقين، وثالثها: أنهم يسألون عن النعيم؛ ثم شرف أمته في سورة والعصر بأمور ثلاثة أولها: الإيمان: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ (3)}، وثانيها: {وعملوا الصالحات (3)}، وثالثها: إرشاد الخلق إلى الأعمال الصالحة، وهو التواصي بالحق، والتواصي بالصبر؛ ثم شرفه في سورة الهمزة بأن ذكر أن من همز ولمز، فله ثلاثة أنواع من العذاب أولها: أنه لا ينتفع بدنياه البتة، وهو قوله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ (4)}، وثانيها: أنه ينبذ في الحطمة، وثالثها: أنه يغلق عليه تلك الأبواب حتى لا يبقى له رجاء في الخروج، وهو قوله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة (8)}؛ ثم شرف في سورة الفيل بأن رد كيد أعدائه في نحرهم من ثلاثة أوجه أولها: جعل كيدهم في تضليل، وثانيها: أرسل عليهم طير أبابيل، وثالثها: جعلهم كعصف مأكول؛ ثم شرفه في سورة قريش بأنه راعى مصلحة أسلافه من ثلاثة أوجه أولها: جعلهم مؤتلفين متوافقين لإيلاف قريش، وثانيها: أطعمهم من جوع، وثالثها: أنه آمنهم من خوف؛ وشرفه في سورة الماعون، بأن وصف المكذبين بدينه بثلاثة أنواع من الصفات المذمومة أولها: الدناءة واللؤم، وهو قوله: {يَدُعُّ اليتيم (2) وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين (3)}، وثانيها: ترك تعظيم الخالق، وهو قوله: {عَن صلاتهم سَاهُونَ (5) الذين هُمْ يُرَاءونَ (6)}، وثالثها: ترك انتفاع الخلق، وهو قوله: {وَيَمْنَعُونَ الماعون (7)}؛ ثم إنه سبحانه وتعالى لما شرفه في هذه السور من هذه الوجوه العظيمة، قال بعدها: {إِنَّا أعطيناك الكوثر (1)} أي إنا أعطيناك هذه المناقب المتكاثرة المذكورة في السورة المتقدمة التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها، فاشتغل أنت بعبادة هذا الرب، وبإرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم، أما عبادة الرب فإما بالنفس، وهو قوله: {فَصَلّ لِرَبّكَ (2)} وإما بالمال، وهو قوله: {وانحر (2)} وأما إرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم في دينهم ودنياهم، فهو قوله: {يا أَيُّهَا الكافرون (1) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} فثبت أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور؛ وأما أنها كالأصل لما بعدها، فهو أنه تعالى يأمره بعد هذه السورة بأن يكفر جميع أهل الدنيا بقوله: {قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون (1) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} ومعلوم أن عسف الناس على مذاهبهم وأديانهم أشد من عسفهم على أرواحهم وأموالهم، وذلك أنهم يبذلون أموالهم وأرواحهم في نصرة أديانهم، فلا جرم كان الطعن في مذاهب الناس يثير من العداوة والغضب مالا يثير سائر المطاعن، فلما أمره بأن يكفر جميع أهل الدنيا، ويبطل أديانهم لزم أن يصير جميع أهل الدنيا في غاية العداوة له، وذلك مما يحترف عنه كل أحد من الخلق فلا يكاد يقدم عليه، وانظر إلى موسى عليه السلام كيف كان يخاف من فرعون وعسكره. وأما هاهنا فإن محمداً عليه السلام لما كان مبعوثاً إلى جميع أهل الدنيا، كان كل واحد من الخلق، كفرعون بالنسبة إليه، فدبر تعالى في إزالة هذا الخوف الشديد تدبيراً لطيفاً، وهو أنه قدم على تلك السورة هذه السورة فإن قوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر (1)} يزيل عنه ذلك الخوف من وجوه: أحدها: أن قوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر (1)} أي الخير الكثير في الدنيا والدين، فيكون ذلك وعداً من الله إياه بالنصرة والحفظ، وهو كقوله: {يا أيها النبي حسبك الله (64)} الأنفال، وقوله: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس (67)} المائدة، وقوله: {إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله (4)} التوبة، ومن كان الله تعالى ضامناً لحفظه، فإنه لا يخشى أحدا؛ وثانيها: أنه تعالى لما قال: {إِنَّا أعطيناك الكوثر (1)} وهذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة، وأن خيرات الدنيا ما كانت واصلة إليه حين كان بمكة، والخلف في كلام الله تعالى محال، فوجب في حكمة الله تعالى إبقاؤه في دار الدنيا إلى حيث يصل إليه تلك الخيرات، فكان ذلك كالبشارة له والوعد بأنهم لا يقتلونه، ولا يقهرونه، ولا يصل إليه مكرهم بل يصير أمره كل يوم في الازدياد والقوة، وثالثها: أنه عليه السلام لما كفروا وزيف أديانهم ودعاهم إلى الإيمان اجتمعوا عنده، وقالوا: إن كنت تفعل هذا طلباً للمال فنعطيك من المال ما تصير به أغنى الناس، وإن كان مطلوبك الزوجة نزوجك أكرم نسائنا، وإن كان مطلوبك الرياسة فنحن نجعلك رئيساً على أنفسنا، فقال الله تعالى: {إِنَّا أعطيناك الكوثر (1)} أي لما أعطاك خالق السموات والأرض خيرات الدنيا والآخرة، فلا تغتر لما لهم ومراعاتهم، ورابعها: أن قوله تعالى: {إِنَّا أعطيناك الكوثر (1)} يفيد أن الله تعالى تكلم معه لا بواسطة، فهذا يقوم مقام قوله: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً (164)} النساء، بل هذا أشرف لأن المولى إذا شافه عبده بالتزام التربية والإحسان كان ذلك أعلى مما إذا شافهه في غير هذا المعنى، بل يفيده قوة في القلب ويزيل الجبن عن النفس، فثبت أن مخاطبة الله إياه بقوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر (1)} مما يزيل الخوف عن القلب والجبن عن النفس، فقدم هذه السورة على سورة: {قُلْ يا أيها الكافرون (1)} حتى يمكنه الاشتغال بذلك التكليف الشاق والإقدام على تكفير جميع العالم، وإظهار البراءة عن معبودهم فلما امتثلت أمري، فانظر كيف أنجزت لك الوعد، وأعطيتك كثرة الأتباع والأشياع، إن أهل الدنيا يدخلون في دين الله أفواجاً، ثم إنه لما تم أمر الدعوة وإظهار الشريعة، شرع في بيان ما يتعلق بأحوال القلب والباطن، وذلك لأن الطالب إما أن يكون طلبه مقصوراً على الدنيا، أو يكون طالباً للآخرة، أما طالب الدنيا فليس له إلا الخسار والذل والهوان، ثم يكون مصيره إلى النار، وهو المراد من سورة تبت، وأما طالب الآخرة فأعظم أحواله أن تصير نفسه كالمرآة التي تنتقش فيها صور الموجودات، وقد ثبت في العلوم العقلية أن طريق الخلق في معرفة الصانع على وجهين: منهم من عرف الصانع، ثم توسل بمعرفته إلى معرفة مخلوقاته، وهذا هو الطريق الأشرف الأعلى، ومنهم من عكس وهو طريق الجمهور. ثم إنه سبحانه ختم كتابه الكريم بتلك الطريق التي هي أشرف الطريقين، فبدأ بذكر صفات الله وشرح جلاله، وهو سورة: {قُلْ هُوَ الله أحد (1)} ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في سورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفلق (1)} ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية، وعند ذلك ختم الكتاب، وهذه الجملة إنما يتضح تفصيلها عند تفسير هذه السورة على التفصيل، فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة المودعة في كتابه الكريم.