العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


013.0 سورة الرعد


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


013.1 التعريف بالسورة:

1) مكّية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 43 آية. 4) هي السورة الثالثة عشرة من حيث الترتيب في المصحف. 5) والراجح أنها الرابعة والخمسون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “يوسف”. 6) ليس لها أسماء أخرى. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

ورد لفظ الجلالة {الله} في السورة 29 مرّة، {لله} 3 مرّات، رب 13 مرّة، هو 7 مرّات، أنزل 5 مرّات، عليم 4 مرّات؛ (2 مرّة): يَعْلَم، شديد؛ (1 مرة): واحد، رحمن، خالق، قهار، يحكم، كبير، شهيد، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، متعالي، ذو مغفرة، يهدي، سريع، يقدر، يبسط، فضّل، شديد المحال، يدبر، أنشأ. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: عقبى 5 مرات؛ الزبد 3 مرّات؛ (2 مرّة): صنوان؛ (1 مرّة): سارب، المثلات، تغيض، طوبى، رابياً، يمحو، جفاء.

هي أكثر سورة تكررت فيها الكلمات التالية: (2 مرّة): تطمئن، واق.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الأرض 10 مرّات؛ (5 مرّات): كتاب، الأمر؛ (4 مرّات): السماوات، قوم، الحساب، سوء، الناس، الحق؛ (3 مرّات): شركاء، النار، مكر؛ (2 مرّة): الملائكة، عجب، الليل، النهار، أنهار، السيئة، الحسنة، القلوب، مآب، متاع، عقاب، ماء، يضرب، يغيّر، جنات، أعمى، نفع؛ (1 مرّة): قرآن، الشمس، القمر، بغير عمد، ذريّة، سحاب، الرعد، بمقدار، الباطل، ضرا، بصير.

013.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج بن أبي شيبة والمرزوي في الجنائز، عن جابر بن زيد رضي الله عنه قال: كان يستحب إذا حضر الميّت، أن يقرأ عنده سورة الرعد، فإن ذلك يخفف عن الميّت، فإنه أهون لقبضه، وأيسر لشأنه.

013.3 وقت ومناسبة نزولها:

نزلت السورة في المرحلة الأخيرة من العهد المكّي في الوقت الذي نزلت فيه سور الأنعام والأعراف ويونس وهود ويوسف؛ وهو ما تشير إليه طبيعة موضوع السورة وأسلوب التعبير فيها، فقد مضى إلى الآن وقت طويل منذ أن بدأ الرسول صلى الله عليه وسلّم تبليغ الرسالة، حيث صار الكفار يستنبطون وسائل مختلفة لهزيمته وإحباط دعوته، منها تكرار طلباتهم التعجيزية بإنزال الآيات، حتى ولو كانت آيات عذاب تهلكهم كما أهلكت الأمم من قبلهم. والشواهد من السورة على نزولها في أواخر العهد المكّي تبدأ أيضاً من قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)} إلى آخر السورة. وفي المقابل صار المؤمنون يتمنّون أن تنزل معجزةٌ، ولو كانت معجزةَ عذاب، كما طلب الكفار كي تقنعهم بالإسلام، فأنزل الله تعالى في قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً … (31)} إلى آخر الآية، وبأن المعجزات لن تفيد فالذين كفروا سيفسّرونها بغير ما جاءت به.

013.4 مقصد السورة:

013.4.1- مقصد السورة: بيان أن الذي جاءت به آيات الكتاب هو الحق لكي يؤمن الناس، لكن أكثرهم لا يؤمنون. فآيات الكتاب هي الحق، لاشتمالها على صفات الله، وخلقه، وتدبيره، وتقرير الوحدانية لله، والرسالة، والبعث والجزاء.

وهذه السورة وما فيها من الآيات هي نعمة عظيمة، لإشارتها إلى أن الكتاب منزل من عند الله الذي رفع السماوات والأرض، فهو الحق، وأن ما دونه هو الباطل، وإشارتها إلى: أن الله جعل جريان الشمس والقمر لتكون آية على لقاء الله، وتهيئة الأرض بالجبال والأنهار والثمار والأزواج آيات للعقل ليتفكّر، والزرع والماء للطعام والشراب آيات للقلب ليعقل. وما في الدنيا نعمة أعظم من أن يهتدي الإنسان إلى الحق. والحق هو أن الله خلق الإنسان ليبتليه بالإيمان والعبادة، وأنه سخّر له السماوات والأرض، وأفاض عليه من نعيمه، وابتلاه هل يشكر أم يكفر، وفصّل لهم أنهم ملاقوا ربهم، ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى، والذين أساؤوا بما عملوا.

 

013.4.2- مقصدها نجده في الآية الأولى، وهو بيان أن هذا القرآن المنزل على الرسول عليه السلام هو الحق. وأن دلائل الحق موجودة في القرآن فصّلها وبينها لمن يريد الهدى والإيمان. والآية الثانية أشارت على أن هذه الآيات والدلائل هي أيضاً موجودة في السماوات والأرض، فصّلها لهم لعلهم بلقاء ربهم يوقنون. والآية الثالثة أشارت إلى آيات الأرض ليتفكروا فيها بعقولهم. والآية الرابعة إلى آيات يراها القلب بعين بصيرته فيعقل ما جعله الله له فيها من النعم والماء والأُكُلِ. وفي الآية الخامسة، فإن عجبت من إنكارهم الخلق والإعادة بعد كلّ هذه الآيات المفصلات، فإنكارهم هو محل العجب. ووجه العجب في الأمر هو أن الله يريد لهم الحق وهم يريدون لأنفسهم الباطل؛ لذلك في الآية السادسة تأكيد لهذا الفعل العجيب، فهم يستعجلون السيئة قبل الحسنة، فيطلبون الشقاء ويتركون النعيم، وبدلاً من أن يطلبوا العافية يطلبون العذاب، وبدلاً من أن يقولوا اللهم إن كان هذا الحق من عندك فاهدنا، طلبوا العذاب وقالوا كما في سورة الأنفال: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)} الأنفال، وقد خلت من قبلهم المثلات وهم الأمم، يمرون عليهم، منها قائم وحصيد كما في سورة هود: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)} هود. والنتيجة فإن أكثر الناس لا يؤمنون. وأن هلاك الأمم كان بسبب ذنوبها، فالله لا يعذب أحداً ولا يهلكه إلا بذنب، كما سبق وبيناه في سورة هود، فما أصاب من حسنة فمن الله وما أصاب من سيئة فمن الناس، انظر سياق سورة هود، مبحث 011.7.1.2، هلاك الأمم سببه الذنوب، وانظر سورة يوسف 012.7.3.3.1– أن كلّ المصائب … كان سببها الإنسان نفسه.

013.4.2.1- بدئت السورة بقوله تعالى: {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (1)} ثم ختمت بقوله تعالى: {ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (43)}، فلو سأل سائل من هم أكثر الناس الذين لا يؤمنون؟ فالجواب هم الذين كفروا بالله وجحدوا رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فختمت السورة بالتوضيح والتأكيد.

013.4.2.2- إذاً لا جدال ولا لبس في ذلك الحق الذي في آيات الكتاب، ولكن جبلة (طبيعة) الناس (للأسباب التي ذكرناها والتي بينتها السورة) أن أكثرهم لا يؤمنون. والقرآن حق لأنه كلام الحق وبوحي من عنده {الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهّار (16)}. ولاشتماله أيضاً على {دعوة الحق (14)}: والتي هي توحيد الله، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل والبعث والقدر، والعبادة والعمل الصالح. وبسبب هذا الحق والدعوة إليه تارة يحصل الإيمان، وتارة لا يحصل الإيمان، بل يكون الإعراض عنه سبباً للضلال والعمى. كما أن الرعد الذي هو حق في نفسه، قد يحصل بسببه المطر وقد لا يحصل. وهذا المطر فتارة ينفع إذا أصاب الأراضي الطيبة، وتارة يخيب، وتارة يضرّ بالإغراق والبرد وغيرها.

013.5 ملخص موضوع السورة:

ذكرت الآية الأولى أن ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من آيات الكتاب فيها بيان الحق الذي خلق لأجله هذا الإنسان، كما سيأتي بيانه في السورة، (أي وجوب الإيمان بالله وحده لا شريك له، وعبادته، واتباع دينه، وطاعة رسله، وأنه سيبعث الناس ليوم الحساب، ليوفيهم جزاء أعمالهم). ولكن أكثر الناس لا يؤمنون بهذا الحق. ولما ذكرت الآية أنهم لا يؤمنون، تبعها ذكر الأدلة التي توجب الإيمان والتصديق بالخالق، ثم الأسباب المانعة من الإيمان والتي تجعل أكثر الناس لا يؤمنون. ثم بيان الحق المنزل، وهو الاستسلام للخالق، والمتمثل بإتباع دينه بشقيه الإيمان والعبادات. وتحلل السورة أسباب الإيمان من عدمه، وأن الناس فريقين: مؤمنين وكافرين. وتتحدث أيضاً عن المواضيع الأساسية للسور المكية، والتي هي أركان الإيمان: توحيد الله، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل والبعث والقدر؛ وعن العبادة والعمل الصالح. ويمكن تلخيص مواضيعها كما يلي:

013.5.1- التعريف بصفات الله وأنه هو الخالق وحده لا شريك له. لا معبود إلا الله، رب السماوات والأرض الضار النافع السميع البصير الخالق الواحد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. أنزل للناس ما يهديهم إلى الحق الذي هو معرفة صفات الله والإيمان به وعبادته وطاعته، فمن آمن فاز وأفلح ومن كفر خسر وشقي.

013.5.2- تعريف بنعم الله على الناس وأنه خلقهم ليعرفوه ويسعدوا بعبادته وطاعته: ويدعوهم إلى ما خلقوا لأجله، وهو التوحيد والعبادة كما ذكرته السورة، وأن الحق باق لا يزول، والباطل زائل لا محالة، وأنه لا معبود إلا الله، فهو رب السماوات والأرض الضار النافع السميع البصير الخالق الواحد القهار.

013.5.3- أرسلت الرسل إلى أممهم بالوحي، كلهم بشر أرسلوا بالآيات بإذن ربهم، يدعون أقوامهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولا يزال الكافرون يكذبون ويمكرون، وأن الله شهيد عليهم، سيحاسبهم على أعمالهم. فالذين استجابوا وهم القلة فازوا في الدنيا والآخرة، والذين لم يستجيبوا وهم أكثر الناس خابوا وخسروا.

وباختصار فإن الدرس المستفاد من السورة هو تأكيد ما جاء في آيتها الأولى بأن القرآن حق، والإشارة إلى النتيجة المؤسفة الظالمة التي لخصتها الآية الأخيرة وهي إنكارهم رسالة ربهم {لَسْتَ مُرْسَلًا (43)}. لكنّ الله تعالى شهيد عليهم بالقرآن الذي أنزله من السماء على رسولهم، وبآثار اتقان وكمال وجمال صنعته في السماوات والأرض وما بينهما، وفي أنفسهم التي يدركونها بحواسّهم وقلوبهم، وآيات تسخيره وحسن تدبيره للكون وللوجود من حولهم، يتفكّرون فيها ويتدبرونها بعقولهم. فهل يكون لديهم عذر يوم الدين والحساب، فيعتذرون؟

013.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

الموضوع الرئيسي الذي تدور حوله جميع آيات السورة هو: أن ما أُنزل إلى محمّد صلى الله عليه وسلّم هو الحق {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)}. الله تعالى لم يترك الناس هملاً بدون بيان، بل أنزل القرآن يصدع بالحق ويبيّن لهم آياته؛ فهذه آيات السماوات التي أشير إليها في الآية الثانية من السورة، وآيات الأرض، وجعل الأزواج في الآية الثالثة، ثم ما يكون عنهن من الآيات في قوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ (3)}، فالأرض مظلمة والشمس في السماء مضيئة. ثم زيد في بيان وتفصيل آيات الأرض في قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ (4)} إلى قوله: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}، لأن إخراج الثمرات بالماء الواحد النازل من السماء، مختلفات في الطعوم والألوان والروائح والتفضيل في الأكل، آية عظيمة ودليلٌ واضحٌ على صحة المعاد، فأعقبها بقوله: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (5)}. وكذلك واصلت آيات السورة ببيان عظيم ملكه وصنعه وتدبيره واطلاعه واقتداره وعلمه ما في الغيب والشهادة وغيرها من الآيات من حولهم وفي أنفسهم، وما أودع تعالى فيها من العجائب التي لو فكروا فيها لكفتهم في بيان الحق والطريق إليه. ثمّ ذكر تعالى الآية الكبرى والمعجزة العظمى فقال: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى (31)}، والمراد: لكان هذا القرآن؛ فإنه ليس ثمة حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في العقول أو النفوس من هذا القرآن الذي لو أنزله تعالى على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، لكنهم لا يزالون على كفرهم حتى تصيبهم بصنيع أيديهم قارعة، ولهم عذاب في الدنيا ولعذاب الآخرة أشق، فعقبى الكافرين النار. أما المتقون فلهم عقبى الدار، جنات تجري من تحتها الأنهار. أما لماذا أمنوا أو لم يؤمنوا، فإنما {أَنْتَ مُنْذِرٌ (7)} وعلم الهداية عند الله الهادي {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}.

013.6.0- الآية (1) آيات الكتاب فيها الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون:

ومقصد السورة نجده في الآية الأولى، وهو أن هذا القرآن المنزل هو الحق. وأن دلائل الحق موجودة فيه، فصّلها وبينها لمن يريد الهدى والإيمان. وهي ظاهرة في السماوات والأرض، دبّر تعالى لهم أمرها وفصّلها لهم لعلهم بلقاء ربهم يوقنون. ثم هم لو تفكروا فيها بعقولهم التي في رؤوسهم، ورؤوها بعيون بصيرتهم التي في قلوبهم، وتحسسوا وجودها بحواسّهم لكفتهم. فلا تعجب من إنكارهم بعد كلّ هذه الآيات المفصلات، فإنكارهم هو محل العجب؛ ووجه العجب هو أن الله يريد لهم الحق وهم يريدون لأنفسهم الباطل، يستعجلون السيئة قبل الحسنة، لكن الله مع هذا ذو مغفرة للناس وهو شديد العقاب. وباعتبار ترتيب آياتها تتكون السورة من ثلاث مجموعات من الآيات، كل مجموعة (14 آية) فصلت في حقيقة من حقائق هذا الوجود تختلف عن المجموعة الأخرى، ولكن تكررت نفس المعاني في كل مجموعة بطريقة مختلفة؛ وهذه المعاني هي نفسها التي تضمنتها في الأصل الآية الأولى وهي: تفصيل الكتاب للآيات لعلّ الناس يؤمنون، ولكن أكثرهم لا يؤمنون، والمعنى يتكرر مرات أخرى في آيات كل مجموعة ليصبح مجموع عدد مرات تكراره في السورة كاملة سبعة مرات (3 مرات في المجموعة الأولى ومرتين في الثانية ومرتين في الثالثة)، كما يلي:

013.6.1- الحقيقة الأولى (الآيات 2-15): هي أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأن مخلوقاته هي آيات بينات على وجوده وعلى وحدانيته، فالصنعة تدل على الصانع. كما تبيّن علمه الواسع للسر والعلن وغيرها من الصفات التي تدل على أنه ليس غافلاً عنهم، وأنه مدبر أمرهم، ومرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم. وأن كل المخلوقات تحت قهر الله وإرادته، وتسجد له طوعاً وكرهاً. الناس يطلبون الآيات وهي تملأ المكان، غافلون عن آيات السماوات والأرض، والشمس والقمر، وعن عظيم خلقه ونعمه، وعلمه بهم وهم في الأرحام، وتقديره لأحوالهم ومعيشتهم، وعلمه بجهرهم وسرهم، وحفظه لهم، يريهم آياته في البرق والسحاب وتسبيح الرعد والملائكة ودعوته إلى الحق. كما يلي: (14 آية)

013.6.1.1- الآيات (2-5): إن في خلق السماوات والأرض وما بينهما آيات بينات توجب الإيمان بالله، وفيها دليل على البعث في اليوم الآخر: فالآيات تحث على استخدام العقل في التفكر والتدبر في آيات الله المفصلة في السماوات وفي الأرض، لأن فيها الخبر اليقين والدليل الأكيد على وجود الله وتدبيره للكون وعلى صدق الرسول وصدق الوحي وعلى حقيقة البعث، بدليل أن الذي خلق أول مرّة قادر على أن يعيد الخلق من جديد. أما من يكفر بهذه الحقيقة فإن جزاءه النار خالداً فيها.

013.6.1.2- الآيات (6-11) الله يعلم ظلم الناس لأنفسهم فأرسل لهم الرسل ترشدهم. تلاه بيان علم الله الواسع للغيب والشهادة والسر والعلن، وأنه الكبير بأسمائه وصفاته المتعالي على جميع مخلوقاته بذاته وقهره. وهو لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما أمرهم به، وإذا أراد بجماعة بلاء فلا مفر منه ولا دافع له من دون الله.

013.6.1.3- الآيات (12-15) ويريهم البرق خوفاً وطمعاً، وأنه يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار. وهم مع ذلك يجادلون في وحدانيته وقدرته على الخلق والبعث وهو شديد الحول والقوة والبطش. الله يدعو الناس إلى الحق وهو أنه رب السماوات والأرض وخالقها، وله يسجد طوعاً وكرهاً كل من فيها.

013.6.2-  الحقيقة الثانية (الآيات 16-29): هي أن الله تعالى هو الحق وما دونه هو الباطل، والتذكير بنعم الله على الناس، وأنه خلقهم ليعرفوه ويسعدوا بعبادته وطاعته، فهو رب السماوات والأرض الضار النافع السميع البصير الخالق الواحد القهار: (14 آية)

013.6.2.1- الآيات (16-25)  والحق باق والباطل يذهب جفاء. ولإيضاح معنى بقاء الحق وزوال الباطل، يضرب الله مثلين حقيقيين يحصلان في حياة الناس مراراً وتكراراً. المثل الأول عن الماء النازل حتى تفيض به الوديان، كل واد يحمل بقدره، بعضها عميق وبعضها ضحل، ثم أن السيل يحمل في طريقه زبداً رابياً من الأوساخ والرواسب، فيظن الرائي أن السيل كله هذا الزبد الذي على السطح، ثم يستقر السيل فإذا الزبد قد اختفى وبقي الماء مستقراً في الأرض. وضرب مثلاً آخراً هو المعادن يوقِدون عليها النار لصهرها طلباً للزينة كما في الذهب والفضة، أو طلباً لمنافع ينتفعون بها كما في النحاس، فيخرج منها خبثها مما لا فائدة فيه كالذي كان مع الماء. فالله سبحانه ينزل من السماء هدى على قلوب الناس، فالهدى باق، والباطل الظاهر على السطح زائل. كذلك قلوب الناس في تقبلها للهدى النازل من السماء، كل قلب بقدره، منها من يستجيب ومنها من لا يستجيب، من الناس من يرى فيعلم الحق، ومنهم كالأعمى لا يرى شيئاً. ومن صفات الذين استجابوا أنهم يوفون العهد، ويخافون سوء الحساب، ويقيمون الصلاة وغيره مما ذكرته الآيات عن صفاتهم، أولئك لهم عقبى الدار. والذين لم يستجيبوا ينقضون العهد ويفسدون، وأولئك لهم سوء الدار.

013.6.2.2- الآيات (26-29) الناس يفرحون بالدنيا مع أنها متاع، أما المؤمن فيعلم أن الله هو الرازق في الدنيا والمكافئ في الآخرة فيطمئن قلبه بذكر الله: الكفار يكفرون حرصاً على متاع الحياة الدنيا الزائل، وينسون أن الله هو الذي خلقها وأنه هو الذي يبسط الرزق ويقدر، ولا يذكرون أنه بين لهم أن الآخرة هي دار القرار والمستقر النهائي الذي يجب أن يفرحوا به، وتطمئن قلوبهم بذكر الله لأجله.

013.6.3- الحقيقة الثالثة (الآيات 30-43): هي أن محمداً رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أُرسل إلى أمته بالقرآن، كما أرسلت من قبله الرسل إلى أممهم بالوحي. كلهم بشر أرسلوا بالآيات بإذن ربهم، ولا يزال الكافرون يكذبون ويمكرون، وأن الله شهيد عليهم، ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً. ولكن شاءت حكمته أن يملي لهم ليبتليهم، وهم يكفرون بالرحمن كما كفرت الأمم من قبلهم، فسيعذبهم في الدنيا ولعذاب الآخرة أشق، وإن عقبى الذين اتقوا الجنة، وعقبى الكافرين النار. وحال أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو حال كل الأمم التي خلت من قبل، منهم من يكذّب الرسول وينكر الكتاب ويكفر فله العذاب في الدارين، وقليل منهم يؤمن فله السعادة في الدنيا قبل الآخرة. (14 آية)

013.6.3.1- (الآيات 30-36) وعددها 7 آيات: إلى جانب تفصيل الآيات {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)} التي كانت تعرضه السورة حتى الآن، تبين الآيات التالية أن الله قد أرسل رسولاً إلى هذه الأمة ليقوم بالتبليغ عن الله ويقوم بالبيان. بيان الحقيقة التي خلق الإنسان لأجلها. وهي أنه أمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وأن القرآن هو آية الرسول العظمى. ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً. ولكن شاءت حكمته أن يملي لهم ليبتليهم، وهم يكفرون بالرحمن كما كفرت الأمم من قبلهم، فسيعذبهم في الدنيا ولعذاب الآخرة أشق. وإن عقبى الذين اتقوا الجنة وعقبى الكافرين النار.

013.6.3.2- (الآيات 37-43) وعددها 7 آيات: هذه الآيات الأخيرة تلخص موضوع السورة كلها، بعد أن عرضت تفصيلاً من قبل. وفيها الأمر باتباع حكم الله، لا حكم أهوائهم، وبيان أن الرسل بشر لهم ذرية ليكونوا قدوة، وأنهم لا يأتون بشيء من عند أنفسهم، بل هم مأمورين، مبلغين عن ربهم، وعلى الله الحساب، هو الحاكم لا معقب لحكمه، له المكر جميعاً، يعلم ما تكسب كل نفس، ولمن تكون عقبى الدار.

013.7 الشكل العام وسياق السورة:

013.7.1.1- سميت “سورة الرعد” لتلك الظاهرة الكونية العجيبة التي تتجلى فيها قدرة الله وسلطانه فالماء جعله الله سبب الحياة وأنزله بقدرته من السحاب والسحاب جمع الله فيه بين الرحمة والعذاب، فهو يحمل المطر ويحمل الصواعق وفي الماء الإحياء وفي الصواعق الإفناء، وجمع النقيضين من العجائب، كما قال القائل جمع النقيضين من أسرار قدرته، هذا السحاب به ماء وبه نار فما أجلّ وأعظم قدرة الله.

013.7.1.2- هذه السورة إسم على مسمى، إنها صوت الحق ونور كلماته. يدعوا إلى النظر ورؤية المعجزات الواضحة التي تملأ الفضاء مثل الرعد، وغيره من مظاهر الكون، والتي لا بد أن يتفكّر فيها الإنسان وأن تكون لها تأثير يقيني في قلبه وعقله بأن الله موجود وأن كلّ شيء تحت سيطرته.

فكلماتها تطرق السمع وتدوي فيه كالرعد، وأنوارها تنفذ إلى الألباب وتنيرها كالبرق. الله الخالق العليم وهو يفصّل لنا الآيات يصف الحياة في نضارتها، وحسن تدبيرها، ودقة مقاديرها، وما الذي يحصل فيها من حياة بالمطر، وحياة بالإيمان، لنكون على يقين من لقائه للحساب يوم القيامة. لا تتكلم عن دمار بالمطر أو أخذ بالذنوب وإهلاك للأمم. إنما عن إرسال الرسل والوحي وتفصيل الآيات، وتهدد الذين لا يستجيبون ويعجبون بأنه سيحاسبهم وسيجازيهم بما يستحقون من العقاب. فالحياة الحقيقية قائمة على أسباب ومقادير، فيها الأرض الصالحة تنبت بالزرع، والقلوب المؤمنة تطمئن بالإيمان، وأصحاب الأعمال الصالحة طوبى لهم وحسن مآب، ومتبعي الهوى مالهم من الله من ولي ولا واق. تصف السماء الدنيا تزينها النجوم فقط، فهي الحقائق المشاهدة، أما السماوات الأخرى فهي غير مرئية، ولا معلومة، ولا مدركه. تتحدث عن خاتم الأمم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقط، فهم الحق الذي نعايشه أما الأمم الأخرى كاليهود والنصارى وغيرهم، وكذلك أنبياؤهم فلم تتطرق لهم، سوى إشارة إلى أنهم جاؤوا من قبل وأنهم نالوا جزاء أعمالهم (الآيتين 30، 32).

013.7.1.3- اسم السورة يشير إلى الآيات الظاهرة والباطنة، والأشياء العظيمة التي تطرق الحواسّ بالتسبيح والسجود بإيقاع كالرعد {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق (13)}. لعلّ الإنسان يخاف أو يعتبر وينسجم معها بهذا التسبيح.

إنّه يشير إلى صوت الحق ونوره، وإلى الحقائق على حقيقتها، وقد خلقها الله جعل منها الأزواج والأشياء المتقابلة: من سماء وأرض، وشمس وقمر، وليل ونهار، وجبال راسية وأنهار جاريه، وزبد ذاهب وماء باق، ومن أسرّ القول ومن جهر به، والخوف والطمع تجاه البرق، وتسبيح الرعد وتسبيح الملائكة، ودعوة الحق ودعوة الباطل. رفع وبغير عمد، صنوان وغير صنوان، زوجين اثنين، السيئة والحسنة، ذو مغفرة وشديد العقاب، منذر وهاد، تغيض وتزداد، الغيب والشهادة، مستخف وسارب، بين يديه وخلفه، حمد وخوف، يدعون ولا يستجيبون، يبلغ وما هو ببالغ، طوعاً وكرهاً، الغدو والآصال، اللَّهُ وأَوْلِيَاءَ شركاء، رب خالق ومخلوقون لا يملكون، نَفْعاً وضَرّاً، الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ، ماء في السماء وماء في الأرض، السيل والزبد، الحق والباطل، يذهب ويمكث، استجابوا ولم يستجيبوا، الحسنى وسوء الحساب، يعلم وأعمى، يوفون وينقضون، سراً وعلانية، عقبى الدار وسوء الدار، يصلون ويقطعون، يبسط ويقدر، يضل ويهدي، يملي ويأخذ، يفرحون بالحياة الدنيا ويفرحون بما أنزل إليك، الدنيا والآخرة، كفروا وآمنوا، يكفرون ومتاب، يأتي وعد ويخلف الميعاد، عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار، يمحوا ويثبت، نرينك أو نتوفينك، عليك البلاغ وعلينا الحساب، يحكم ولا معقب لحكمه، أرسلنا رسلاً ولست مرسلاً.

الله سبحانه جعل من كل شيء زوجين، وهو جامع الأضداد، ومحيط بها. انظروا ما عند الله من الحق، وإلى ما عند غيره الباطل، انظر إلى الحق وإلى الباطل، لا يستويان. كذلك تبين صفات المؤمنين على الحقيقة بأنهم: (يوفون، يصلون، صبروا، أقاموا، أنفقوا، يدرؤون، لا ينقضون، يخشون، تطمئن قلوبهم بذكر الله، ويفرحون بما أنزل) وما يقابله من صفات الكافرين وأنهم: (ينقضون، يقطعون، يفسدون، يطلبون الآيات، يقولون لولا أنزل عليه آية). لإظهار أن المشكلة ليست فيما نزل بل هي فيمن يستقبل، وهو ما يؤكده المثلين المضروبين في السورة: بعضهم تطمئن قلوبهم، وبعضهم يطلبون الآيات.

013.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها: هو في بيان الحق، ببيان طريق الهدى إلى الحق، وأول ما يبدأ به هو التعريف بالله جل جلاله ثم بيان نعمه على الإنسان ثم نعمة الرسالة والوحي:

013.7.2.1- الآية الأولى، وفيها عنوان موضوعات السورة، ومقصدها، وهو أن الله أنزل للناس ما يهديهم إلى الحق الذي هو معرفة الله وعبادته وطاعته، فمن آمن فاز وأفلح ومن كفر خسر وشقي.

013.7.2.2- الآيات (2-15) الله تعالى يعرف بنفسه: ببيان صفاته وعلمه وتدبيره وأفعاله، وتفصيل آياته ونعمه على الناس، فقد خلقهم ليسعدهم، بمعرفته وعبادته، بينما الناس يطلبون الآيات وهي تملأ المكان، غافلون عن آيات السماوات والأرض والشمس والقمر، وعن عظيم خلقه ونعمه وعلمه بهم وهم في الأرحام وتقديره لأحوالهم ومعيشتهم وعلمه بجهرهم وإسرارهم وحفظه لهم ويريهم آياته في البرق والسحاب وتسبيح الرعد والملائكة ودعوته إلى الحق، لذلك فكل المخلوقات تسجد لله طوعاً وكرهاً.

013.7.2.3- الآيات (16-29) تعريف بنعم الله على الناس وأنه خلقهم ليعرفوه ويسعدوا بعبادته وطاعته: فهو يدعوهم إلى ما خلقوا لأجله، وهو الحق، وهو التوحيد والعبادة كما ذكرته السورة. هو رب كل شيء وهو الولي، فكيف يعبدون ما لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، بينما الله يخلق كل شيء ويقهره، وينزل من السماء ما ينفع الناس. الناس مخيرون في طاعة الله وعبادته، منهم من يستمع إلى دعوة الحق فيتبعه ومنهم من هو أعمى، منهم من يوفون بعهد الله فلهم عقبى الدار ومنهم ما ينقضون العهد فعليهم اللعنة ولهم سوء الدار. الذين استجابوا لهم الحسنى والذين لم يستجيبوا مأواهم جهنم. الذين آمنوا في سعادة ونعمة من الله تطمئن قلوبهم بذكره لأنهم خلقوا لهذا وطوبى لهم وحسن مآب.

013.7.2.4- الآيات (30-43) نعمة إرسال المرسلين بالوحي والهدى من عند الله، من أجل بيان الحق وتذكير الإنسان بأنه مختار لأفعاله، محاسب على أعماله، في الدنيا قبل الآخرة، ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً، لكنه خلقهم ليبتليهم، وهو يملي لهم ليقيم عليهم الحجة، وما على الرسل البلاغ، ثمّ الله شهيد عليهم، وأن عقبى الذين اتقوا الجنة وعقبى الكافرين النار. هذا حال آخر الأمم، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو حال كل الأمم التي خلت من قبل، منهم من يكذّب الرسول وينكر الكتاب ويكفر فله العذاب في الدارين، وقليل منهم يؤمن فله السعادة في الدنيا قبل الآخرة.

013.7.3- سياق السورة بالاعتماد على الواقع المشاهد:

013.7.3.1- اعتمدت السور السابقة على القصص كوسيلة رئيسية من الوسائل الكثيرة التي يعتمدها القرآن الكريم في إيصال معانيه الواسعة والشاملة والبعيدة المرامي إلى الإنسان. فبدلاً من أن تجهد الآيات فكر الإنسان وتتعب تركيزه، تضع أمام حواسه صور حقيقية ومشاهد قصصية بسيطة مستمدة من حياة أناس مثله، عاشوا مثل نفس ظروفه وواجهوا أحداث مثل أحداثه. فيصل بذلك المعنى المراد إيصاله للناس المخاطبين، وقد استفادوا من تجارب غيرهم، وكأن عمرا آخر أضيف إلى أعمارهم، ورصيد تجارب الأمم الأخرى أضيف إلى رصيد تجاربهم، لأن المخاطبون وهم يتأملون حكايات وتجارب من سبقهم، كما فصلها لهم القرآن بأسلوبه المعجز، صاروا هم أيضاً أصحاب تلك التجارب، وأن المعارف والخبرات المستفادة منها هي أيضاً من خبراتهم، فخبرات الإنسان وتجاربه ومعارفه تتراكم عبر العصور والأجيال، كل جيل يبدأ من حيث انتهى الجيل الذي سبقه، وكل أمه تبدأ من حيث انتهت الأمة التي سبقتها. ومن القصص التي ركزت عليها السور السابقة مثلاً: كانت تجربة بني إسرائيل مع الوحي وقد بينت مماطلاتهم وكثرة جدالهم وقلة إيمانهم. وآل عمران وهم الذين اصطفاهم الله ليكونوا قدوة في إيمانهم، ويوسف عليه السلام ليكون قدوة في الصبر على الابتلاء، وغيرها من القصص.

013.7.3.2- لكن هنا في هذه السورة فمواضيعها لا تحتاج إلى قصص للإيضاح، فهي كالشمس في وضوح معانيها. إنها تقص على الإنسان المخاطب القصة التي يعيشها هو بنفسه ويمثل دور من أدوارها، تريه بيئته وظروفه، وتريه نفسه وإمكانياته ودوره هو في القصة. فالكلام مباشر يضرب كبد الحقائق لا لف فيه ولا دوران. فالسماء واضحة والأرض كذلك، والشمس والقمر والجبال والأنهار والليل والنهار والجنات، كلها أمام ناظريه. ما فعلت السورة شيئاً سوى أن لفتت انتباهه لمشاهدتها. فهل أجلى أو أوضح من المشاهدة، (لو تخيل القارئ ما في الآيات (2، 3، 4) مرة واحدة لرأى الكون أمامه مجسداً بكل تفاصيله) هذه هي البيئة وظروف القصة، (ثم لو تخيل ما في الآيات (5، 6، 7) لرأى في فيه عجباً من مخلوق ضعيف متطفل على هذا الكون مطموس البصيرة يسأل عن الآيات وعن قدرة الله الخالق على أن يخلق من جديد، وقد بدأ الله الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه). وهذا الكتاب الذي نزل بالحق من خالق هذا الوجود جاء لكي يفصل في أسباب وجوده وفي دور كل فرد فيه. (هذا المتطفل الذي يحفظه الله من بين يديه ومن خلفه (8، 9، 10، 11)، إلى أين سيلجأ، من سيحميه من الله الذي يعلم الغيب والشهادة، وكل شيء عنده بمقدار وقد علم ويعلم ما تحمل كل أنثى، أشقي أم سعيد) وأن الرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته، وأن لله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال. من رب السماوات والأرض وهذا الوجود؟ إن كفرهم بهذه الحقائق عجيب. هذا القرآن الذي جاءهم، لو أراد الله، لسير به الجبال أو قطع به الأرض أو كلم به الموتى. (وقال ابن كثير: فإنه ليس ثمة حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في العقول أو النفوس من هذا القرآن الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله). لكنهم لا يزالون على كفرهم حتى تصيبهم بصنيع أيديهم قارعة، ولهم عذاب في الدنيا ولعذاب الآخرة أشق، فعقبى الكافرين النار. أما المتقون فلهم عقبى الدار جنات تجري من تحتها الأنهار. أما لماذا أمنوا أو لم يؤمنوا، فإنما {أنت منذر (7)} وعلم الهداية عند الله الهادي، {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب (40)}.

013.7.4- سياق السورة باعتمادها على الحقائق المشاهدة، والواقع المعاش:

013.7.4.1- والسورة باعتمادها على الحقائق المشاهدة، والواقع المعاش تتحدث عن السماوات والعرش والشمس والقمر، وتصف الأرض وما جعل فيها من الجبال والأنهار والثمرات بأجمل الأوصاف باعتبار أنه حق وأنه من صنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه. فهي تصف الحياة الدنيا على الأرض جميلة فتية من أروع وأجمل ما يكون. من لم يعلم فالسورة تعلمه وتذكره، بأن الله جعل فيها من كل شيء زوجين، يغشي الليل النهار، وجعل قطع متجاورات، منها ما ينبت فينفع الناس ومنها لا ينبت، وجعل فيها جنات من أعناب، وزرع، ونخيل، تنبت في مكان واحد وتشرب من ماء واحد، ولكنه يختلف في الحجم والطعم، فمنها حامض ومنها حلو، فضّل بعضها على بعض في الأكل، وفي كل ذلك آيات لقوم يتدبرون ويتفكرون، ومن لم يتدبر أو يتفكر فالسورة تنذره وتذكره. هذه الأرض التي سخرها الله للإنسان تصفها الآيات في أوج شبابها ونضارتها، في أجمل مكان وأحلى منظر، ما على الإنسان سوى أن يلمسها بحواسه، فهي أمامه مجردة مكشوفة جميع مفاتنها، فهذه الآيات جعلها لمن يملكون الأبصار والأفئدة، فإنه لا يستوي الأعمى والبصير. السماوات العظيمة والأرض تسجد لله طوعاً وكرهاً، والرعد المخيف يسبح بحمده، والملائكة من خيفته. لا يجرؤ أصغر مخلوقاته على أن يخرج عن طاعته، فكيف وقد أطاعته المخلوقات العظيمة، فما بال الإنسان، يدعوا من دون الله من لا يستجيب له، وهو يرى البرق خوفاً وطمعاً، والسحاب المحمل بالماء الكثير لمنافعه، وهو يسمع صوت الرعد المخيف، لكنه صوت شذي ومحبوب لأن فيه الخير والمطر من الله، ومن لا يسمع فالسورة تسمعه أنه الحق من عند الله.

013.7.4.2- خلق الله سبع سماوات طباقاً وزين السماء الدنيا بالمصابيح والنجوم، هذا صنعه في السماء الأولى التي نراها، أما السماوات الأخرى فهي غير مرئية، ولا ندري عنها أو ما جعل الله فيها، سوى القليل مما جاء به الوحي، والسماوات السبع في الكرسي كحلقة في فلاة، والكرسي في العرش كحلقة في فلاة، كما في حديث أبي ذر الطويل الذي صححه بن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي الا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة” وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح.

013.7.4.3- هذه هي الآيات بل هي قطرة من محيط الآيات، وآيات الله ليست فقط في السماوات وما بعد السماوات بل هي في الخفاء وفي ما بعد الخفاء، في ظلمات الأرحام، خلية واحدة من نوع واحد لا ترى بالعين المجردة، تنقسم إلى خلايا متنوعة، كل نوع منها يذهب إلى ما يخصه في اللحم أو العظم أو العضل أو الأعصاب، أو الدماغ أو إلى الكثير غيره من الدم والسوائل والأنزيمات في أجهزة الجسم، أو مما لا يحصى عدده من المقادير الكامنة في الخلية، ثم الخلق والتدبير، وغيره من علم الغيب ومصير هذا المخلوق إما شقي أو سعيد.

013.7.4.4- هذا الذي تفصّله السورة هو خلق الله الهائل الذي لا يدرك مداه في الكبر ولا يدرك نهايته في الصغر، خلقه سبحانه من العدم، فهل يصعب عليه إعادة خلقه من جديد، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} يـس. وهذا الذي تفصله الآيات من علم الله للغيب والشهادة، وللسر والعلن، وفي ظلمات الليل أو في ضوء النهار هل يعجزه أن يحيط علماً بما تصنعه مخلوقاته أو أن يحاسبها على جزاء أعمالها تعالى الله ٍ{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال ِ (9)}، بل له الأمر جميعاً {لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً (31)}، وهو {يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)} الرعد.

هذا المشهد الأخاذ للأرض في السماء وسط النجوم لا يراه على حقيقته ولا يعرفه إلا من صعد إلى الفضاء ونظر إلى الأرض من خارجها، هناك يرى مالا يوصف من حسن جمال الأرض وألوانها، وهي تسبح في الظلام الدامس، بمنظرها الخلاب وألوانها الذي لا يمل من دوام النظر إليه. لقد وصفت الأحاديث الأرض بل الدنيا كلها بأنها لا تساوي جناح بعوضة، فعن مسهر بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء”. هذا والله أعلم إذا ما قيست بما أعده الله من النعيم المقيم لعباده المؤمنين في الجنة. والدنيا كما وصفها القرآن عرض زائل، وهي متاع المسافر إلى الآخرة دار القرار {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}. فهي نعمة مؤقتة زائلة متاع المسافر إلى دار القرار والنعيم المقيم في الجنة التي صنعها الله وأعدها لعباده المؤمنين. وهي كذلك إذا ما قيست مع مخلوقات الله الأخرى، ومع ما أعده في الأخرة. أمّا في نظر الإنسان الذي ليس له فيها حول أو قوّة، فهي حقاً عظيمة، حين يراها بعجزه وإمكانياته الضعيفة. جعلها الله له متاع ومستقر إلى حين وزينها له. فهي لما خلقت لأجله من المستقر والمتاع المؤقت، مزينة بأحسن ما تكون الزينة، ليستخدموها ويستعينوا بها على ما خلقوا لأجله، وقد خلقوا ليبتليهم الله بتكاليف العبادة، ولا ينشغلوا بما خلق لأجلهم عمّا خلقوا لأجله من الأوامر والنواهي، وهي مسخرة له جميع نعمها، وهو يراها كذلك، لا يمل من الجري وراء ما فيها من النعيم والشهوات. بل وحتى وهو في الشقاء لا يرغب أن يفارقها لما فيها من متع وروابط تجعله يتمسك بها، ويود الكافر لو يعمر فيها ألف سنة، أو يخلد فيها لشدة حبه لها وتمسكه بها. بل وحتى المؤمن، لولا ما وعده الله له من النعيم المقيم في الجنة لما رغب بترك الدنيا ولتمنى الخلود فيها.

013.7.5- سياق السورة في التعريف بالله الخالق:

إن الآية الثانية تبدأ بلفظ الجلالة: {الله} جل جلاله، في جوابها على الآية الأولى التي قررت بأن أكثر الناس لا يؤمنون بالحق الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم. فالسورة تعرف بالله سبحانه وتعالى: {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها…}، ثم يمضي السياق بالتعريف، فجميع آيات السورة تتحدث خلق الله، وعن صنع الله بعباده وما سخره لهم في الدنيا من الرزق، وهيأه لهم من الموافقات، وجعله من الآيات، ليعينهم بذلك على ما خلقه لهم من عبادته والاستجابة لدعوته، ثم بيان ما وعدهم به في الآخرة من الحساب والجزاء على الأعمال:

013.7.5.1- في (الآيات 1-7) يبين سبحانه أنه خلق كل شيء، وجعل الآيات للتفكر، ولمعرفته، وهيأ الظروف لعبادته:

أنزل الكتاب، رفع السماوات، استوى على العرش، وسخر الشمس والقمر، يدبر الأمر، يفصل الآيات، مد الأرض، وجعل فيها رواسي، وأنهارا، ومن كل الثمرات جعل زوجين اثنين، يغشي الليل النهار، وجعل في الأرض قطع متجاورات، وجنات من أعناب وزرع ونخيل، يسقى بماء واحد، ويفضل بعضها على بعض في الأكل، وجعل في ذلك آيات لقوم يتفكرون، ولقوم يعقلون، وهو قادر كما بدأ الخلق أن يعيده، وإنه لذو مغفرة للناس على ظلمهم، وإنه لشديد العقاب.

013.7.5.2- (الآيات 8-11) عالم الغيب والشهادة، وكل شيء عنده بمقدار، بيده الهداية وبيده الضلال:

يعلم ما تحمل كل أنثى، وما تغيض الأرحام، وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة، الكبير المتعال، يحفظونه من أمر الله، إذا أراد بقوم سوءاً فلا مرد له.

013.7.5.3- (الآيات 12-13) كل شيء تحت إمرته وفي طاعته، وهو شديد الحول والقوة والبطش:

يريكم البرق خوفاً وطمعاً، ينشئ السحاب الثقال، يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء.

013.7.5.4- (الآيات 14-25) له دعوة الحق، فهو رب السماوات والأرض:

له دعوة الحق، وله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً، وهو خالق كل شيء، الواحد القهار، أنزل من السماء ماءاً، وأنزل الحق، ويضرب الأمثال، ويحاسب الناس، فللذين استجابوا لعهده وميثاقه ووصلوا ما أمر به أن يوصل وخافوا سوء الحساب وصبروا، فلهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا، ونقضوا ميثاقهم، وقطعوا ما أمر به أن يوصل، وأفسدوا، فلهم سوء العذاب.

013.7.5.5- (الآيات 26-43) جعل الحياة الدنيا متاع يستعان بها على العمل للآخرة، وجعل الآخرة دار القرار، فالله يبسط في الدنيا الرزق لمن يشاء ويقدر، ووعد المتقين في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار، ووعد الكافرين النار. سبحانه يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب:

يبسط الرزق، يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب، بذكره تطمئن القلوب، للذين آمنوا حسن مآب، أرسل الرسل بالوحي، أنزل القرآن، عليه التوكل، وإليه المتاب، جعل القرآن أعظم آية، ولو شاء لهدى الناس جميعاً، وعد بالحساب على الأعمال، إنه لا يخلف الميعاد، عاقب المستهزئين بالرسل في الدنيا، وهو قائم على كل نفس بما كسبت، ويعلم ما في الأرض، ومن يضلل فما له من هاد، لهم عذاب في الدنيا وفي الآخرة، وعد المتقون بالجنة، أمر بعبادته، وبالدعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، أنزله حكماً عربياً، أرسل الرسل من قبل، وجعل لكل أجل كتاب، يمحوا ويثبت، وعنده أم الكتاب، عليه الحساب، والله يحكم لا معقب لحكمه، له المكر جميعاً، يعلم ما تكسب كل نفس، وكفى به شهيداً، ومن عنده علم الكتاب.

013.7.6- سياق السورة حسب معاني آياتها:

في هذا السياق قمنا بتدبّر معاني آيات السورة باعتبار موضوعاتها، ثم تصنيفها حسب معاني آياتها: ونجد أنها تحتوي على الآية الأولى والتي شكلت مقدمة، ثم ثلاثة مواضيع رئيسية متساوية في عدد الآيات، ومواضيع أخرى فرعية: المواضيع الرئيسية وهي (نزول الحق، ثم عدم الإيمان أو قلة المؤمنين وكثرة الكافرين، ثم البعث والحساب) كما يلي:

013.7.6.1- مقدمة تتضمن إشارة إلى مقصد وموضوعات السورة حول نزول الوحي بالحق وعدم إيمان أكثر الناس. في الآية (1)

013.7.6.2- نزول الوحي بالحق من عند الله (وهي دعوة إلى الحق وبيان الآيات) ويشمل: نزول الكتاب بالآيات، إرسال المرسلين مبشرين ومنّذرين. (14 آية)

013.7.6.2.1- الإشارة إلى آيات الله في السماوات والأرض، وما هو المطلوب من الناس حيالها من تفكر وعقل ويقين: في الآيات (2، 3، 4، 12، 17، 31، 41) = 7 آيات

013.7.6.2.2- إرسال الرسل بالدعوة إلى الحق بأن الله هو رب السماوات والأرض وخالقها وله يسجد كل من فيهما وهو الواحد القهار، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون: (13، 14، 15، 16، 30، 37، 38) = 7 آيات.

013.7.6.3- يطلب المكذبون الآيات، وهي موجودة في أنفسهم، وتملأ السماوات والأرض من حولهم، ونزل بها الوحي إليهم، وجاءتهم بها الرسل من عند ربهم. لكن مع هذا يستهزئ المكذبون بالرسل، وينكرون الآيات، ويستعجلون بالعقوبة. والله ذو مغفرة للناس على ظلمهم، يملي لهم، ليجازيهم بما يستحقون، إنه شديد العقاب. جعل عاقبة المؤمنين الجنة وعاقبة الكافرين النار، (أي تكذيب وعقاب، وعمل وجزاء عمل). (14 آية)

013.7.6.3.1- مع إرسال الرسل ووجود الآيات البينات، يطلب الذين كفروا الآيات، فما على الرسول إلا البلاغ والإنذار، وكفى بالله شهيداً، إنه يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب: (7، 27، 43) = 3 آيات.

013.7.6.3.2- يستهزئ المكذبون بالرسل، ويستعجلون بالعقوبة، والله ذو مغفرة للناس على ظلمهم، يملي لهم، ليجازيهم بما يستحقون، إنه شديد العقاب: (6، 32، 39، 40) = 4 آيات.

013.7.6.3.3- عاقبة المؤمنين الجنة وعاقبة الكافرين النار: (5، 18، 23، 24، 29، 34، 35) = 7 آيات.

013.7.6.4- علم الله وحسن تدبيره وإملاءه (وحسن تقديره): وهو يحاسب الناس يوم القيامة على قدر أعمالها في الدنيا وقد بينت الآيات صفات المؤمنين (كما يريدهم الله)، صفات الكافرين: الصفات الحق والباطل (ونعم الله على الناس). (14 آية)

013.7.6.4.1- إن الله سبحانه وتعالى لا يغير نعمة أنعمها على قوم إلا إذا غيروا ما أمرهم به فعصوه، فهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، عالم الغيب والشهادة، وكل شيء عنده بمقدار (8، 9، 10، 11، 26) = 5 آيات

013.7.6.4.2- صفات المؤمنين: (كما يريدهم الله): (19، 20، 21، 22، 28، 36) = 6 آيات.

013.7.6.4.3- صفات الكافرين: (25، 33، 42) = 3 آيات.

013.7.7- سياق السورة في بيان طريق الإيمان (وطريق الهداية إلى الصراط المستقيم):

تنقسم السورة في بيانها لطريق الإيمان من شقين. تستعرض في شقها الأول (القسم الأول منها) آيات القدرة وعجائب الكون الدالّة على قدرة الخالق وحكمته وتدبيره. وفي شقها الآخر (وفي القسم الآخر): مدى استجابة الناس تجاه: الوحي، والرسالة، والتوحيد، والشركاء، وطلب الآيات، واستعجال تأويل الوعيد.

013.7.7.1- الآيات (1-18) استعراض آيات القدرة: وعجائب الكون الدالة على قدرة الخالق وحكمته وتدبيره. ولعلم الخالق بأن الناس غير قادرين على استيعاب وفهم المقصد من وجودهم، ووجود ما حولهم، لمحدودية قدراتهم، وأنهم سيعتمدون على الهوى والظنون في فهم الحكمة من وجودهم وفهم دورهم في الحياة. أرسل سبحانه الرسل وأنزل الوحي لتبصير الناس وتفصيل الآيات وضرب الأمثال، ليصبحوا على يقين من حقيقة أمرهم، وعلى وعي بما يجري حولهم، وعن مصيرهم، وأن الله خلقهم ليبتليهم، وأن هناك بعث وحساب، وأن الله قادر على بعثهم وحسابهم وإقامة العدل بينهم.

013.7.7.2- الآيات (19-43) فصلت في حقيقة ما جرى، وما سيجري على الأرض، بعد نزول الوحي، وردود فعل الإنسان تجاه الوحي والرسالة، والتوحيد والشركاء، وطلب الآيات واستعجال تأويل الوعيد: بدأت الآيات ببيان أن الإيمان علم، والكفر عمى. ثم بيان حقيقة المؤمنين والكافرين والصفات المميزة لهؤلاء وهؤلاء. ثم القيامة، وما فيها من نعيم للأولين ومن عذاب للآخرين. ثمّ بسط الرزق وتقديره وردهما إلى الله، وأن الكافر يطمئن ويفرح بالدنيا، والمؤمن يطمئن بذكر الله. ثمّ وصف القرآن بأنه أعظم آية، يكاد يسير الجبال وتقطع به الأرض ويكلم به الموتى. ثمّ ما يصيب الكفار من قوارع تنزل بهم أو تحل قريبا من دارهم. ثم ختام بتهديد الذين يكذبون برسالة الرسول صلّى الله عليه وسلم وتركهم للمصير الذي سيعلمون عنده {لمن عقبى الدار}.

013.7.8- نعمة الوحي والتنزيل وإرسال الرسل وتفصيل الآيات وبيان طريق الهداية:

أن يرينا الله تعالى هذا الحق وهذا الجمال والنعيم الذي صنعه لنا، متاع الحياة الدنيا، والذي تعلقنا به وأحببناه من شغاف قلوبنا. ثم أن ينزل علينا الوحي بالرسالات، ويرسل الرسل بالمعجزات الدالات على صدقهم، بأنه خلق هذه الدنيا لتكون آية على وجود الخالق الواحد القهار، وعلى وجود الآخرة. ثم أنه جعل هذه الدنيا مستقر مؤقت ومتاع زائل، الغرض منه التزود للآخرة، والاستعانة به لعمل أحسن الأعمال التي توصل إلى أعلى الدرجات. هو بحد ذاته نعمة تستحق الشكر، والشكر عليها هو نعمة أخرى وتوفيق يستحق شكراً آخر على نعمة الشكر. لأن الكثير من الناس رضوا بالحياة واطمأنوا بها وهم عن هذه النعم والآيات لغافلون.

جميع آيات السورة جاءت لتلفت انتباه المؤمنين إلى آيات الله وأنه أرسل لهم الرسل وأنزل الكتاب ليبين لهم طريق الهداية. ولتلخص لهم جميع ما هو مطلوب منهم، وماهي صفات المؤمنين كما جاء بيانه وتفصيله في السور السابقة. جميع الآيات التي يرينا الله إياها تحمل في ثناياها الإنذار والبشارة، {خوفاً وطمعاً}، وهو يرسل السحاب المحمل بالمنافع ولو شاء لجعل ما فيه من الماء النافع والهواء إلى تدمير وعذاب. ويستبشر الإنسان بالرعد في نزول المطر، ولكنه قد يأتي بالصواعق المهلكة، وليحذر لأنه إذا كان الرعد صوت النعمة مخيف فكيف بصوت العذاب الذي سيحل بالكافرين حين {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِم (31)}، هذا الماء الذي خلق ْالله منه كل شيء حي قد يتحول إلى موت وعذاب.

هذه السورة من رحمة الله الرحمن الذي يكفرون به {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}، وفيها تبكيت للإنسان على سخافته، وجحوده للنعمة، وتطاوله وعدم إيمانه بالله الواحد الذي يخلق والذي يهدي، وعنده كل شيء، الجنة والنار، الخير والشر، يمحوا ما يشاء ويثبت. يثبت الأرض بالجبال والإنسان بالدين، والأرزاق بالمطر.

013.7.9- سياق السورة في بيان أركان الإيمان الستة:

ويمكن أن يقال إن سياق السورة في (أو من مقاصدها أيضا) بيان أركان الإيمان الستة، وهي تعني الإيمان بالحق: (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر)، أو جاءت أيضاً للإجابة عن الأسئلة المكررة التي يسألها الكفار في كل زمان، وفي كل أمة، عبر تاريخ الإنسان، عن أمور هي في مجموعها أركان الإيمان: مثل الجدال في ذات الله ووحدانيته وقدرته، وصدق الرسل والوحي والكتب، والبعث بعد الموت للحساب (أو الموت والخلق من جديد)، وطلب الآيات والمعجزات لإثبات صدق ذلك. كما في الآيات التالية (5، 7، 13، 27، 43). {أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (5)}، {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)}، {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}، {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)}، {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}.

013.7.10- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

013.7.10.1- آيات القصص: (5-7، 20-22، 27-30، 32، 36-38، 42، 43) = 16 آية.

013.7.10.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (23-25، 34، 35) = 5 آيات.

013.7.10.3- الأمثال في الآيات: (14-19، 26، 31) = 8 آيات.

013.7.10.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (2-4، 8-13، 41) = 10 آيات.

013.7.10.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1، 33، 39، 40) = 4 آيات.

013.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

013.8.0- انظر سورة الكهف 018.8.0- تناسب السّور من الأعراف إلى الكهف في الربع الثاني من القرآن

013.8.1- وهكذا بعد أن أنارت السور الست الأولى (1-6): الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام بصيرة الإنسان وعرّفته على مقصد وجوده، وهدته إلى الصراط المستقيم وهو دين الله الإسلام، وأنه نعمة من نعم الله على الإنسان، يصلح له بها كل شؤون حياته في الدارين ؛ وبعد أن أوضحت السور الست التي تلتها (7-12): الأعراف، والأنفال، والتوبة، ويونس، وهود، ويوسف وبرهنت بالتجربة والقصّة والمثال التي استغرقت أكثر من ثلاثة أرباع عدد آياتها، على وجوب الاستقامة والتوكل على الله والتوبة إليه ووجوب الإيمان بالوحي وما جاء به من الحق من عند الله، وهو أن الإنسان خلق لمقصد العبادة والابتلاء؛ صرّحت سورة الرعد بأن الدليل لمن أراد الدليل، والمعجزة لمن أراد المعجزة، موجودة حاضرة واضحة وضوح السماوات والأرض، وأن الفئة القليلة من أولي الألباب، يرون نورها الآخذ للأبصار كنور البرق، ويسمعون صوتها المدوّي كصوت كالرعد، أما أكثر الناس فهم مطموسوا البصر والبصيرة، أعمتهم شهواتهم بحب العاجلة، وصرفت حواسهم فرحتهم بالدنيا، يطلبون الآيات والمعجزات وهي بين أيديهم وأمام أسماعهم وأبصارهم، والقرآن يهديهم ويبينها لهم وهم لا يؤمنون.

013.8.2- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه وضعها بعد سورة يوسف زيادة على ما تقدم‏:‏ أنه سبحانه قال في آخر تلك‏:‏ ‏{‏وكأَين مِن آية في السموات والأَرض يمرون عليها وهم عنها معرضون‏}‏ فذكر الآيات السمائية والأرضية مجملة ثم فصل في مطلع هذه السورة فقوله {‏اللَهُ الَذي رَفعَ السمواتِ بغيرِ عمد ترونها ثُم استوى على العرش وسخَّرَ الشمسَ والقمر كلٌ يَجري إِلى أَجلٍ مُسمى يدبر الأَمر يفصل الآيات لعلَكُم بلقاءِ ربكم توقنون وهوَ الذي مدَّ الأَرض وجعلَ فيها رواسي وأَنهاراً ومِن كُلِ الثمرات جعَلَ فيها زوجينِ اثنَينِ يغشى الليلُ والنَهار إِنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لقومٍ يتفكرون وفي الأرض قطع متجاورات وجناتٍ مِن أَعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماءٍ واحد ونُفَضِل بعضها على بعض في الأَكل إِنَ في ذلِكَ لآياتٍ لقومٍ يعقلون‏}‏ تفصيل الآيات الأرضية هذا مع اختتام سورة يوسف بوصف الكتاب ووصفه بالحق وافتتاح هذه بمثل ذلك وهو من تشابه الأطراف.

013.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: هذه السورة تفصيل لمجمل قوله سبحانه في خاتمة سورة يوسف عليه السلام {وكأيّن من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون (105) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (106) أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون (107) قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (108)} يوسف، فبيان آي السماوات في قوله {الله الذي رفع السماوات بغير عند ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى (2)} وبيان آي الأرض في قوله: {وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين (3)} فهذه آي السماوات والأرض، وقد زيدت بياناً في مواضع، ثم في قوله تعالى: {يغشى الّيل النهار (3)} ما يكون من الآيات عنهن، لأن الظلمة عن جرم الأرض، والضياء عن نور الشمس وهي سماوية، ثم زاد تعالى آيات الأرض بياناً وتفصيلاً في قوله تعالى: {وفي الأرض قطع متجاورات (4)}، إلى قوله: {لقوم يعقلون (4)}. ولما كان إخراج الثمر بالماء النازل من السماء من أعظم آية، ودليلاً واضحاً على صحة المعاد، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى {كذلك نخرج الموتى (57)} الأعراف، وكان قد ورد هنا أعظم جهة في الاعتبار من إخراجها مختلفات في الطعوم والألوان والروائح مع اتحاد المادة {يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل (4)} لذلك ما أعقب قوله تعالى: {وفي الأرض قطع متجاورات (4)} الآية، بقوله {وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أئنّا لفي خلق جديد (5)} ثم بين سبحانه الصنف القائل بهذا وأنهم الكافرون أهل الخلود في النار، ثم أعقب ذلك ببيان عظيم حلمه وعفوه فقال {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة (6)} الآية، ثم أتبع ذلك بما يشعر بالجري على السوابق في قوله {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد (7)}، ثم بين عظيم ملكه واطلاعه على دقائق ما أوجده من جليل صنعه واقتداره فقال {الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الأرحام (8)} الآيات، إلى قوله: {وما لكم من دونه من وال (11)}، ثم خوف عباده وأنذرهم ورغبهم {هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً (12)} الرعد، الآيات وما بعدها، وكل ذلك راجع إلى ما أودع سبحانه في السماوات والأرض وما بينهما من الآيات، وفي ذلك أكثر آي السورة ونبه تعالى على الآية الكبرى والمعجزة العظمى فقال: {ولو أن قراناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى (31)}، والمراد: لكان هذا القرآن {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً (82)} النساء. والتنبيه بعظيم هذه الآيات مناسب لمقتضى السورة من التنبيه بما أودع تعالى من الآيات في السماوات والأرض، وكأنه جل وتعالى لما بين لهم عظيم ما أودع من السماوات والأرض وما بينهما من الآيات وبسط ذلك وأوضحه، أردف ذلك بآية أخرى جامعة للآيات ومتسعة للاعتبارات فقال تعالى {ولو أن قرآناً سيرت به الجبال (31)}، فهو من نحو {إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم (3)} الجاثية، أي لو فكرتم في آيات السماوات والأرض لأقلتكم وكفتكم في بيان الطريق إليه ولو فكرتم في أنفسكم وما أودع تعالى فيكم من العجائب لاكتفيتم “من عرف نفسه عرف ربه” فمن قبيل هذا الضرب من الاعتبار هو الواقع في سورة الرعد من بسط آيات السماوات والأرض، ثم ذكر القرآن وما يحتمل، فهذه إشارة إلى ما تضمنت هذه السورة الجليلة من بسط الآيات المودعة في الأرضين والسماوات. وأما قوله تعالى {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (106)} يوسف، فقد أشار إليه قوله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (1)}، {إنما يتذكر أولوا الألباب (19)}، وقوله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله لا بذكر الله تطمئن القلوب (28)}، فالذين تطمئن قلوبهم بذكر الله هم أولو الألباب المتذكرون التاموا الإيمان وهم القليل المشار إليهم في قوله تعالى {وقليل ما هم (24)} ص، والمقول فيهم {أولئك هم المؤمنون حقاً (4)} الأنفال، ودون هؤلاء طوائف من المؤمنين ليسوا في درجاتهم ولا بلغوا يقينهم، وإليهم الإشارة بقوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (106)} يوسف. قال عليه الصلاة والسلام “الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل” فهذا بيان ما أجمل في قوله {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (106)}. وأما قوله تعالى: {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله (107)} يوسف، فما عجل لهم من ذلك في قوله: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله (31)} القاطع دابرهم، والمستأصل لأمرهم، وأما قوله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة (108)} يوسف، الآية، فقد أوضحت آي سورة الرعد سبيله عليه السلام بينه بما تحملته من عظيم التنبيه وبسط الدلائل بما في السماوات والأرض وما بينهما وما في العالم بجملته وما تحمله الكتاب المبين – كما تقدم، ثم قد تعرضت السورة لبيان جليّ سالكي تلك السبيل الواضحة المنجية فقال تعالى: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق (20)}، إلى آخر ما حلاهم به أخذاً وتركاً، ثم عاد الكلام بعد إلى ما فيه من التنبيه والبسط وتقريع الكفار وتوبيخهم وتسليته عليه السلام في أمرهم {إنما أنت منذر (7)}، {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية (38)}، {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب (40)}، {ويقول الذين كفروا لست مرسلاً (43)}، والسورة بجملتها غير حائدة عن تلك الأغراض المجملة في الآيات الأربع المذكورات من آخر سورة يوسف، ومعظم السورة وغالب آيها في التنبيه وبسط الدلالات والتذكير بعظيم ما أودعت من الآيات؛ ولما كان هذا شأنها أعقبت بمفتتح سورة إبراهيم عليه السلام – انتهى.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top