العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
017.0 سورة الإسراء
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
017.1 التعريف بالسورة:
1) مكية ماعدا الآيات 26، 32، 33، 57، ومن الآية 73-80 فمدنية. 2) من المئين. 3) آياتها 111 آية. 4) هي السورة السابعة عشرة من حيث الترتيب في المصحف. 5) والخمسون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “القصص”. 6) أسماء أخرى للسورة: تسمّى أيضاً سورة سبحان وسورة بني إسرائيل.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:
ورد لفظ الجلالة {الله} في السورة 9 مرّات، {لله} 1 مرّة، رب 31 مرّة، فضّل 6 مرّات، أعلم 5 مرّات؛ (4 مرّات): بصير، أنزل؛ (3 مرّات): خبير، بعث؛ (2 مرّة): غفور، خلق؛ (1 مرة): هو، رحمن، رحيم، سميع، حليم، شهيد، وكيل، قادر، ذي العرش، يقضي، يقدر، يبسط، يريد، فتن، مخرج، تعالى. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي تكررت فيها: يستفز ومشتقاتها 3 مرات، {خبيراً بصيراً} 3 مرات، {بشراً رسولاً} 2 مرة، {المسجد الأقصى} مرة واحدة.
هي أكثر سورة تكرر فيها ذكر: القرآن 11 مرّة من أصل 69 مرّة في القرآن كله، كلمة سبّح ومشتقاتها 7 مرّات (تليها سورة الأنبياء 6 مرات)، كلمة كبيراً 7 مرّات، وكلمة كبر 3 مرّات، وكلمة أكبر 2 مرّه، كلمة عبد وعباد 9 مرّات (بعد سورة الصافات 14 مرة)، كلمة وكيلاً 5 مرّات، رسولاً 4 مرّات، {لا تجعل} 3 مرّات من أصل 13 مرّة في القرآن، {كفى} 4 مرّات (بعد سورة النساء 10 مرّات من أصل 26 في القرآن، وفي الأحزاب 4 مرّات).
تكرّرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: جعل 15 مرّة، فضل 10 مرّات، هدى 9 مرّات، عباد 7 مرّات، كفر 7 مرّات، حسن 6 مرّات، ضل 6 مرّات، شيطان 5 مرّات، {بني إسرائيل} 4 مرّات، ولي 3 مرّات، الحمد 3 مرّات.
وفي عمدة الحفاظ للسمين الحلبي: معنى سبحان الله: تنزيهه عمّا لا يليق به. وأصل المادة للدّلالة على البعد، ومنه السبح في الماء، وكذلك تسبيح الله لأن فيه إبعاداً له عمّا لا يليق به، مما كانت الكفرة الذين لا يقدّرونه حقّ قدره ينسبونه إليه من الشرك والولد وغير ذلك. وقوله تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ (44)}، أي بلسان الحال. وذلك هو الإذعان لربوبيته والطواعية لقدرته. وقيل بلسان القال، ولكن أخفى الله تعالى عنا فهم ذلك، وإليه أشار بقوله: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (44)}، وهذا هو الظاهر.
017.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج البخاري وابن الضريس عن ابن مسعود قال: بنو إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء، هنّ من العتاق الأول وهن من تلادي: أي مما حفظ قديماً.
وأخرج أحمد والترمذي وحسّنه والنسائي والحاكم وابن مردويه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرأ كلّ ليلة بني إسرائيل والزمر.
017.3 وقت ومناسبة نزولها:
نزلت السورة في مكّة في السنة الثانية عشرة من بدء النبوّة، بعد حادثة الإسراء والمعراج المذكورة في الآية الأولى. وكانت من أصعب السنوات على المسلمين لشدّة ما لاقوه من أذى ظلّ يتضاعف منذ وفاة عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم أبوطالب وزوجه خديجة اللذان كانا بنفوذهما يخففان من عذابهم. ولما ذهب يدعو الطائف إلى الإسلام آذوه وطردوه، فعاد وحيداً بلا مكان للاختباء أو حتى الهجرة؛ فأيده السميع البصير بمعجزة الإسراء، وكان قبلها الكفار يلحّون في طلب الخوارق والمعجزات، أو أن يأتيهم العذاب، أو أن يأتي الله والملائكة، أوغيرها كما في الآيات (90-93)، لكنهم كذّبوا بسبب ضخامة وغرابة الواقعة، وقد ارتدّ بعضهم عن الإسلام، واتخذها بعضهم مادّة للسخرية والتشكيك. وفي نفس الوقت، كانت يد الله تعمل وهم لا يشعرون، فقد وصل الإسلام إلى معظم مناطق الجزيرة العربيّة، حيث أنّ الفئة القليلة التي آمنت من أهل مكّة صار لها أنصار من مجموعة أخرى أكبر منها تشكّلت في المدينة من قبيلتيّ الأوس والخزرج، وصار الوقت مناسباً لهجرة المسلمين المضطهدين في مكّة سرّاً إلى إخوانهم المرحّبين بهم في المدينة لتشكيل نواة المجتمع المسلم.
وحادثة الإسراء، ومعها المعراج، في ليلة واحدة: الإسراء من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس. والمعراج من بيت المقدس إلى السماوات العلى وسدرة المنتهى، العالم الغيبي المجهول لنا. وقد تبّين للناس في مكة صدق هذه الواقعة بالدليل المادي الذي طلبوه يومئذ في قصة العير وصِفتها. لكنهم كذّبوه. ويلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتخذ من الواقعة معجزة لتصديق رسالته، مع إلحاح القوم في طلب الخوارق، وقد قامت البينة عندهم على صدق الإسراء على الأقل. ذلك أن هذا الدين لا يعتمد على الخوارق، إنما يعتمد على الفطرة القويمة، المتفقة مع المدارك السليمة.
017.4 مقصد السورة:
017.4.1- مقصد السورة: التوكل على الله وحده لا شريك له مصدر العطاء والنعم العظيمة والمنن الجسيمة. (لا مفرّ من الإقبال عليه، والتوكل عليه وحده وخلع ما سواه). وتنزيهه عن كل مالا يليق بكماله وجلاله وعظيم سلطانه، وشكر نعمه، وعبادته، واتباع دينه وشرعه الذي يهدي لما هو أقوم، (فله تسبح السماوات والأرض ومن فيهن).
017.4.2- ومقصد السورة نجده مكرر في ثلاثة مواقع متفرقه من السورة، في بدايتها ووسطها وخاتمتها كما يلي:
017.4.2.1- مقصد السورة في الآيات الثلاثة الأولى: (كما تم بيانه أدناه في 017.6) أي التوكل على الله وحده لا شريك له، مصدر النعم الواسعة، والكرامات العظيمة، ثم التفكر في آياته، وتنزيهه عن كل مالا يليق بكماله وجلاله وعظيم سلطانه. وشكر نعمه، وعبادته، واتباع دينه وشرعه الذي يهدي لما هو أقوم. كله جاء تلخيصه في الآيات الثلاثة الأولى على شكل ثلاثة قصص (عن الإسراء وموسى ونوح) غيبية موجزة شديدة الإيجاز واسعة المعاني واضحة الدلالة على عظمة الله، وسمعة وبصرة وعلمه بحاجة عباده وأفعالهم، وتنزهه عن ظلمهم بإنزاله الكتب والهدى عليهم لعلمه بجهلهم وظلمهم لأنفسهم وتسرّعهم وقصر نظرهم.
017.4.2.2- كذلك الآيات (39-44) لخصت مقصد السورة وما أوحاه الله إلى رسوله من الحكمة وهو عبادة الله وحده والتوكل عليه وأن كل المخلوقات تسجد له وتسبحه. الله حكيم أنزل الكتاب بالحكمة، وهي أن التوحيد نعمة ولو كان مع الله آلهة لابتغوا إليه السبيل.
017.4.2.3- كذلك الآيات السبعة الأخيرة (105-111) فيها أن الله حق، له الأسماء الحسنى، أنزل القرآن بالحق، نزل مفرقاً، ليؤمن الناس، فيعبدوه ويتوكلوا عليه ويدعوه وحده، فينالوا تكريمه الذي بينته السورة. فهو وحده الوكيل الولي الذي يستحق التكبير.
تبين الآيات الأخيرة أن كل ما ذكر في السورة من المعجزات والقرآن هو الحق: القرآن حق، قدر الله أن ينزله بالحق متلبساً به متضمناً له، ليأمر به؛ وكل ما فيه حق من أخبار، وأحكام، وأمر ونهي، وبشائر ونذر وغيره؛ وبالحق نزل على محمد (ومحمد حق) صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً (كما في الآية رقم 105)؛ نزل مفرقاً بين الحق والباطل والهدى والضلال مفصلاً مبيناً محكماً، ونزل مفرقاً حسب الحوادث ومقتضيات الأحوال ليؤمنوا به (الآية 106) والعبادة حق (في الآيات 107، 108، 109) الدعاء والتوكل بعد أخذ الأسباب ( الآية 110)؛ الخلاصة هي: كون الله وحده لا شريك له هو نعمة تستحق الحمد والشكر والتكبير (الآية 111).
هذه الآيات السبعة الأخيرة لو جعلت في مقدمة السورة لكانت أحسن ملخص وخير مقدمة تعبر عن كل ما جاء في السورة من المعاني، والتي مفادها عبادة الله والتوكل عليه لنيل تكريمه. لكن ابتدأت بهذا الأمر الخارق وهو الإسراء والمعراج (وكأنه) لكي يظل السؤال عنه حافزاً على التدبر والتفكر، ولكي نتعلم أسباب هذا التكريم من خلال تدبر السياق وهو ما سيأتي بيانه تالياً.
017.4.3- إذاً بالنظر إلى السورة منفصلة عن محيطها: أي كأنها نزلت لوحدها دون القرآن، فالرسالة التي تريد إيصالها إلى الناس، ومقصدها أو غرضها هو أننا سنجد فيها تعليمات الصانع لصنعته (في قرآنه) هو العبادة لله وحده، واتباع أوامره ونواهيه وكل ما جاء عنه مع رسوله أو في كتابه. على الإنسان الأخذ بالأسباب التي فيها مصلحته، فالعبادة للخالق تضمنت أسباب السلامة والسعادة، أما عبادة ما دون الله أو الشرك ففيها أسباب الهلاك والدمار. مدح سبحانه خاتم النبيين وسيد المرسلين في أوج تكريمه له في الحادثة العظيمة حادثة الإسراء والمعراج بالعبادة {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً}. فما أمر الله تعالى به في قرآنه فهو خير في الدنيا والآخرة وما نهى عنه فهو شر. فالإيمان والعمل الصالح والسعي في حوائج البشر والرفق بالكائنات وكل ما ورد في الآيات (22-33) من السورة من الأوامر، كل ذلك خير مطلق. والكفر بالله والإفساد في الأرض هو شر محض.
017.4.4- وفي الحديث عن معاذ بن جبل قال: “كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قلت: الله ورسوله أعلم قال: يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: يدخلهم الجنة”.
017.4.5- وقال الفخر الرازي: أنه تعالى ذكر تشريف محمد صلى الله عليه وسلم بالإسراء، ثم ذكر عقيبه تشريف موسى عليه الصلاة والسلام بإنزال التوراة عليه، ثم وصف التوراة بكونها هدى، ثم بين أن التوراة إنما كان هدى لاشتماله على النهي عن اتخاذ غير الله وكيلا، وذلك هو التوحيد، فرجع حاصل الكلام بعد رعاية هذه المراتب أنه لا معراج أعلى ولا درجة أشرف ولا منقبة أعظم من أن يصير المرء غرقا في بحر التوحيد وأن لا يعول في أمر من الأمور إلا على الله، فإن نطق، نطق بذكر الله، وإن تفكر، تفكر في دلائل تنزيه الله تعالى، وإن طلب، طلب من الله، فيكون كله لله وبالله. قوله: {وكيلا} أي ربا تكلون أموركم إليه.
وقال: اعلم أنه تعالى لما شرح ما فعله في حق عباده المخلصين وهو الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيتاء الكتاب لموسى عليه الصلاة والسلام، وما فعله في حق العصاة والمتمردين وهو تسليط أنواع البلاء عليهم، كان ذلك تنبيها على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة ومعصيته توجب كل بلية وغرامة، لا جرم أثنى على القرآن فقال: {إن هـذا القرءان يهدي للتي هي أقوم}.
017.4.6- قال الإمام برهان الدين البقاعي: مقصودها الإقبال على الله وحده، وخلع كل ما سواه، لأنه وحده المالك لتفاصيل الأمور، وتفضيل بعض الخلق على بعض، وذلك هو بالعمل بالتقوى التي أدناها التوحيد الذي افتتحت به النحل، وأعلاها الإحسان الذي اختتمت به، وهو الغناء عما سوى الله. وكل من أسمائها واضح الدلالة على ما ذكر أنه مقصودها، أما {سبحان}، الذي هو علم للتنزيه فمن أظهر أن يكون فيه، لأن من كان على غاية النزاهة عن كل نقص، كان جديراً بأن لا نعبد إلا إياه، وأن نعرض عن كل ما سواه. وأما بنو إسرائيل فمن تفصيل أمرهم في سيرهم إلى الأرض المقدسة الذي هو كالإسراء وإيتائهم الكتاب وما ذكر من أمرهم في هذه السورة.
017.5 ملخص موضوع السورة:
017.5.0- ومقصد السورة هو التوكل على الله وحده لا شريك له مصدر العطاء والنعم العظيمة والمنن الجسيمة، وتنزيهه عن كل مالا يليق بكماله وجلاله وعظيم سلطانه، وشكر نعمه، وعبادته، واتباع دينه الذي يهدي لما هو أقوم. ونجد مقصد السورة مكرراً في ثلاثة مواقع متفرقه من السورة، في بدايتها (الآيات 1-3) وهو التوكل على الله وتنزيهه وعبادته، ووسطها (الآيات 39-44) وهو عبادة الله وحده والتوكل عليه، وخاتمتها (الآيات 105-111) وهو أن الله حق والقرآن وكلّ ما فيه حق، فليعبدوه ويتوكلوا عليه ويدعوه وحده، فينالوا نعمه الواسعة وتكريمه.
وتتكوّن السورة باعتبار ترتيب آيتها من ثلاث مجموعات متساوية تقريباً من الآيات، الأولى عن الرسالات والقرآن وما فيها من الحكمة، والثانية عن إقامة الدليل على هذه الحكمة، والثالثة عن عظيم فعل الله لهدايتهم إليها، كما يلي:
017.5.1- المجموعة الأولى (الآيات 1-39): وتبين أن الله أرسل المرسلين بالرسالات وأيّدهم بالمعجزات، لهدايتهم إلى سبيل سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، وبيان ما ينتظرهم من الثواب أو العقاب على أعمالهم، وإقامة الحجّة عليهم، كما يلي:
الآيات (1-3) وفيها يمجّد الله تعالى نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره ولا رب سواه {إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}، أكرم محمداً صلى الله عليه وسلم بالإسراء، وموسى عليه الصلاة والسلام من قبل بالكتاب الذي آتاه، ونوحاً عليه الصلاة والسلام بأن حمله في السفينة وأثنى عليه. ثمّ الآيات (4-8) عن قصة بني إسرائيل وبأنه أكرمهم، وأعلمهم ما هم فاعلين في الغيب من الإفساد في الأرض والعلو الكبير فيها مرّتين، فيسلّط عليهم عباده، ليكون داعياً ليعلموا عظمة ربهم وعلمه وسمعه وبصره، فيحسنوا العمل، لكنهم لا يعتبرون بالكتاب والهدى، ولا يشكرون النعمة، ويتخذون من دون الله وكيلاً، وأنذرهم بأن سيبقى الإفساد فيهم مستمراً، إلى أن يأتي موعد الإفسادة الأخيرة فيهلكهم على أيدي عباد له أولي بأس شديد. والآيات (9-21) الإخبار بأن القرآن شيء عظيم، وهو كتاب هداية خالد، قائم بذاته، يهتدي به من يسمع ويبصر ويريد لنفسه الهداية، أما من أراد العاجلة والضلال وعدم الإيمان، فقد حجبهم انشغالهم بذلك عن الهدى فلن يهتدوا أبداً. والآيات (22-39) جمع الله سبحانه فيها ثلاثين نوعاً من التكاليف تبدأ بأن: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ (22)} وتختم بنفس الأمر في إشارة إلى أن الله تعالى هو وحده ربّهم، ولا يلزمهم إلا بما يصلحهم: وتتحدث عن العبادة، والإحسان للوالدين، وذوي القربى، وعدم البخل أو التبذير، والنهي عن القتل والزنى وأكل مال اليتيم، والأمر بالوفاء بالعقود، والوزن بالقسط، وغيرها مما لا تملك العقول والفطر السليمة الحكيمة إلا أن تقر وتُجمع على أن فيها الخير للبشرية.
017.5.2- المجموعة الثانية (الآيات 40-72): وفيها يضرب القرآن الأمثال ويقيم الحجج الدالة على أن ما أوحى به الله هو الحكمة بعينها، وعلى أن ما يقوله الكافرون والمشركون هو الضلال والباطل والجهل واتباع الهوى، كما يلي:
الآيات (40-52) يقولون إن الله اتخذ من الملائكة إناثاً، وأن معه آلهة أخرى، ويتهمون نبيّه بأنه مسحور، وينكرون البعث. ومن الأمثلة الدالة على جهلهم وضلالهم أن السماوات والأرض ومن فيهن وما من شيء إلا يسبح بحمد الله، وهم مع ذلك لا يفقهون تسبيحهم ولا يعلمون ذلك، وغافلون عن أدلّة وحدانية الله وعظمته وقدرته وقهره. وأن جهلهم هذا بسبب حجب عقولهم عن فهم القرآن، عقاباً لهم على كفرهم وإنكارهم، وهم إما أنهم يفرّون من سماعه، أو أنهم كالأنعام يسمعون الكلام ولا يفقهون معانيه لانشغال قلوبهم بغيره من أمور الدنيا. وقد غفلوا عن أن الله الذي خلقهم وفطرهم أول مرّة قادر على إعادتهم وبعثهم للحساب وهو أهون عليه. ثمّ الآيات (53-65) ببيان أن عداوة الشيطان وتسلّطه ونزغه بين الناس هو سبب كفر الإنسان وجداله بالباطل، فقد جمع لهم كل جنوده وكل دواعي المعصية عنده وشاركهم بالأموال والأولاد وغرّرهم بالوعود الكاذبة وطول الأمل حتى صرفهم عن عبادة الله. لكن رحمة الله واسعة، إذ حذر الناس من هذا العدو، وأرسل النبيين وخصّ كلاً منهم بفضيلة: كموسى بالكلام، ومحمد بالإسراء، {وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}، وأرسل بالآيات المعجزات {وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ 59)}، وأرى نبيه عياناً ليلة الإسراء عجائب المخلوقات. ومن عظيم عنايته ورحمته قصّ عليهم في الآيات (61-65) قصة آدم والشيطان، ليذكرهم، وبين لهم شدة عداوته وعظيم حيلته وتغريره بهم {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}. ثمّ الآيات (66-72) بالإخبار عن تكريم الله للإنسان ومقابلته ذلك بالجحود: فالإنسان مؤمن بالفطرة، بدليل أنه حين يمسّه الضر يغيب عن عقله ما كان يعبد من الآلهة ويتذكر الله القدير لوحده. لقد خلق الله الإنسان ليكرمه ويفضّله على كثير من خلقه، وإن سبب معصية الإنسان هي اغتراره بهذه النعمة التي أكرمه الله بها.
017.5.3- المجموعة الثالثة (الآيات 73-111): هذا الثلث الأخير من السورة يتحدث عن عظيم فعل الله لهداية الناس إلى ما خلقوا لأجله وإلى ما فيه مصلحتهم وتكريم الله لهم، لأن الله خلقهم لعبادته وحده لا شريك له. فإن هم عبدوه فقد وافقوا فطرتهم وما خلقوا لأجله وحازوا على السعادة والنعيم المقيم، كما يلي:
الآيات (73-77) تبين تثبيت الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ضد محاولات المشركين ليفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه، وما همّوا به من إخراجه من مكة، وعصمة الله له من فتنتهم ومن استفزازهم. ولو أخرجوا الرسول لحاق بهم الهلاك وفق سنة الله التي لا تتبدل مع الذين يُخرجون رسلهم من الأقوام. ثم الآيات (78-82) بالأمر بإقامة الصلاة، والاعتصام بالله والتوسل إليه بالدعاء، والتوكل عليه فهو الذي يحمي من الفتن ويكفل النصر والدرجات العلى، والقرآن شفاء ورحمة لمن يؤمنون به، وهو عذاب ونقمة على من يكذبون، في الدنيا والآخرة. ثم الآيات (83-96) بإعراض الناس وجدالهم في آيات الله وبيان أن القرآن هو فضل الله معجزته الخالدة المستمرة إلى قيام الساعة، وفيه العلم اليقين، وصرّف فيه من الآيات ومن كل مثل ليخاطب كل عقل وكل قلب. وفي الآيات (97-100) الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على كل شيء، وهو الذي خلق وهدى المهتدين وأضلّ الكافرين لأنهم كفروا بآياته. والآيات (101-104) التذكير بالآيات التي جاء بها موسى عليه السلام فكذب بها فرعون وقومه، فأهلكهم الله حسب سنته تعالى في إهلاك المكذبين. وقد أخبرهم سبحانه بأن سيبقى الإفساد فيهم مستمراً، إلى أن يأتي موعد الإفسادة الأخيرة فيأتي الله بهم لفيفاً ليهلكهم على أيدي عباد له أولي بأس شديد. وفي الآيات (105-111) إنزال القرآن على الرسول بالحق واشتماله على الحق، بشيراً بالجنة لمن آمن، ونذيراً بالنار لمن عصى. نزل القرآن مفرقاً ليقرأه المهتدون المؤمنون بوعد الله الواحد الذي له الأسماء الحسنى، ويسبحونه ويحمدونه ويكبرونه ويوالونه ويتوكلون عليه. وتختم بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الإمام والقدوة للمؤمنين، إلى عبادة الله وحده، وإلى تسبيحه وحمده وتكبيره، كما بدأت بالتسبيح والتنزيه، فقد شملت أفضل أنواع الذكر (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) فتأمّل.
إن من يقرأ سورة الإسراء يعلم معنى التوكل على الله، ففيها تعليمات الصانع لصنعته، ليحقق له فلاحه وسعادته. وفيها تكريمه للإنسان في البر والبحر وتفضيله على مخلوقاته، وأن العبادة لله وحده هي شرف ترفع درجاته وتعيده إلى فطرته. وأعظم تكريم للبشرية على هذه الأرض كان بإسراء رسولها محمّد صلّى الله عليه وسلّم ومعراجه إلى السماوات العلى، بعد أن ظلمه إخوانه البشر واشتدّت معاناته، وهي السورة الوحيدة التي ذُكر فيها {بَشَرًا رَسُولًا} مرّتين، أي هو بشر ولكنه مميّز بالرسالة.
وهي أكثر سورة تكرر فيها ذكر القرآن (بعدد 11 من أصل 69 مرة في القرآن). وهي الوحيدة التي بدأت بكلمة {سُبْحَانَ} إشارة إلى ما فيها من الأمور العظام، ومن أسمائها “سورة سبحان”، وأكثر سورة وردت فيها كلمة “سبح” ومشتقاتها (بمجموع 7 من أصل 87 مرة في القرآن). والسورة بأركانها الثلاثة تأمر المؤمنين بتنزيه الله سبحانه عن كلّ نقص وتحرّضهم على التوكّل عليه في الشدّة والرخاء، فهو السميع العليم القادر على إزالة العوائق وفتح الأبواب المغلقة أمام عباده لترفع درجاتهم إلى أعلى المقامات المحمودة والدرجات.
اللهم ارزقنا صدق التوكل عليك وحسن عبادتك وارفع درجاتنا إلى عليين.
017.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
017.6.1- الآيات (1-3) قصة الإسراء، وفيها الإشارة إلى معجزة وأمر عظيم حصل في بضع ليلة، أسري فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى (مسافة تحتاج إلى شهر سيراً على الأقدام) ثم عرج به إلى السماوات العلى عند سدرة المنتهى (طويت له مسافات يحتاج فيها الضوء إلى بلايين بلايين السنوات الضوئية لكي يقطعها) فرأى من آيات ربه الكبرى وحصلت له أحداث ووقائع لا يمكن اتمامها في بضع ليلة وكلها، إن دلت، فلا تدل إلا على قدرة الله التي لا حدود لها. وهذا كرم من الله لرسوله وعطاء ما بعده عطاء ولا كرم، يستدعي عدم التوكل إلا عليه سبحانه. ومن قبله ما حصل من معجزة إيتاءه الكتاب لهداية بني إسرائيل وهم من ذرية نوح الذين أنجاهم وإياه من الغرق بمعجزة حملهم في السفينة:
تبدأ السورة بالتسبيح {سُبْحَانَ} دلالة على ما فيها من الأمور العظام. إذ هي السورة الوحيدة التي بدأت بهذه الكلمة، يمجد بها تعالى نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره ولا رب سواه، {إنه هو السميع البصير} أي السميع لأقوال عباده مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم ومكذبهم، البصير بهم فيعطي كلاً منهم ما يستحقه في الدنيا والاَخرة. ومن الأمور العظام، تكريم الله العظيم لعبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، بأن أراه الله ما أراه من الآيات والعجائب، وإسراؤه من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة وهو مسيرة شهر، وعروجه إلى السماء، ووصفه الأنبياء، وغيرها من الأخبار التي أخبر بها عليه الصلاة والسلام الناس بعد عودته، وكما أخبر الله عبـاده، وكما تظاهرت به الأخبـار وثبت في الصحاح.
ذكر الله تعالى في الآية الأولى إكرامه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن أسرى به، وذكر في الآية الثانية أنه أكرم موسى عليه الصلاة والسلام من قبل بالكتاب الذي آتاه فقال: {وءاتينآ موسى الكتـاب} يعني التوراة: {وجعلناه هدى} وإنما كان هدى لاشتماله على النهي عن اتخاذ غير الله وكيلا، وذلك هو التوحيد. وذكر في الآية الثالثة أن موسى كان من ذرية نوح عليه الصلاة والسلام الذي أكرمه الله بأن حمله في السفينة وأثنى عليه بأنه كان عبداً شكوراً للنعم التي هي من فضل الله وحده لا شريك له.
فهذا هو مقصد السورة أي التوكل على الله وحده لا شريك له، مصدر النعم الواسعة، والكرامات العظيمة، ثم التفكر في آياته، وتنزيهه عن كل مالا يليق بكماله وجلاله وعظيم سلطانه، وشكر نعمه، وعبادته، واتباع دينه وشرعه الذي يهدي لما هو أقوم. جاء تلخيصه في الآيات الثلاثة الأولى على شكل ثلاثة قصص غيبية موجزة شديدة الإيجاز واسعة المعاني واضحة الدلالة على عظمة الله، وسمعة وبصرة وعلمه بحاجة عباده وأفعالهم، وتنزهه عن ظلمهم بإنزاله الكتب والهدى عليهم لعلمه بجهلهم وظلمهم لأنفسهم وتسرّعهم وقصر نظرهم. ويبرهن على ذلك في الآيات التي تلي هذه المقدمة بقصص عن بني إسرائيل بأنه أعلمهم في كتابهم ما هم فاعلين في الغيب من الإفساد في الأرض والعلو الكبير فيها، لكي يكون داعياً ليعلموا عظمة ربهم وعلمه وسمعه وبصره، فيحسنوا العمل، وغيره كما بينته قصصهم في الآيات القادمة، وما تلاها من الآيات عن هداية القرآن إلى الحق وتبرهن على عظمة الله وعلمه وعنايته بخلقه.
017.6.2- الآيات (4-8) قصة بني إسرائيل استخدمتها السورة لتسهيل فهم مقصدها، وهذا المقصد جاء تفصيله والدليل عليه من قصتهم، بأنهم ليسوا أهلاً لعطائه وإكرامه، أعلمهم سببه في كتابهم، وما هم فاعلين في الغيب، وبأنهم مفسدين، لا يعتبرون بالكتاب والهدى، ولا يشكرون النعمة، بل هم يتخذون من دون الله وكيلاً، وهو ما فيه هلاكهم. فقد أفسدوا في الأرض مرتين فسلط الله عليهم عباده، وهددهم بأنهم إن عادوا في إفسادهم فسوف يعود بتسليط عباده عليهم. فإنه من يحسن، يحسن لنفسه، ومن يسيء، يسيء لنفسه، يريد الله أن يرحم الناس بإزالة السوء وإدامة الإحسان. وهو يعلم سبحانه أن بني إسرائيل سيعودون في إفسادهم، لذلك هددهم تهديداً عاماً خالداً غير محدد المدة {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}، لذلك نحن نراهم الآن يفسدون في الأرض، يظلمون عباد الله في فلسطين، ويشعلون الحروب والفتن والفساد في كل أرجاء الأرض، وستكون هذه إن شاء الله الإفسادة الأخيرة، كما بشر به القرآن، فقد جاء الله بهم إلى نهايتهم لفيفا، أي جميعاً.
017.6.3- الآيات (9-21) الإخبار بأن القرآن يهدي: إن هذا الكتاب (القرآن) شيء عظيم، إنه كتاب هداية خالد، قائم بذاته، لا يحتاج إلى دليل، كل ما يحتاجه هو أن يقع بين يدي إنسان يسمع ويبصر يريد الهداية، فيهتدي. أما من أراد العاجلة والضلال وعدم الإيمان، فقد حجبهم انشغالهم بذلك عن الهدى الذي في القرآن، فلن يهتدوا إلى الحق أبداً. لقد مات الرسول صلى الله عليه وسلم وبقي الكتاب يفعل فعله المعجز بالناس إلى يومنا هذا. ومن أفعال القرآن، كما يقول عن نفسه، أنه يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين بالأجر الكبير، وينذر الذين لا يؤمنون بالعذاب الأليم. هذا القرآن فيه كل دلائل الهدى والوعد والوعيد والترغيب والترهيب، وفصل كل شيء، وذكر الناس بأنه كل إنسان مسئول عن أعماله وأن عليه رقيب وأن أعماله مكتوبة، جعل الإنسان حسيب على نفسه، من اهتدى يهتدي لنفسه ومن يضل فإنما يضل عليها، لا تزر وازرة وزر أخرى. بين أن الله سبحانه لا يعذب حتى يبعث رسولاً، بين كيف يهلك القرى، من أراد العاجلة عجل له فيها، ومن أراد الآخرة كان سعيهم مشكوراً.
017.6.4- الآيات (22-39) الإخبار ببعض ما جاء في القرآن من الحكمة: فقد أشار سبحانه وتعالى في الآية (39) أن هذه الآيات احتوت على بعض ما أوحى به من الحكمة. والحكمة هي إصابة الحق بالعلم والعقل، يقابله الوقوع في الباطل بالجهل وإتباع الهوى. ما جاء في هذه الآيات هو مما تتفق العقول على صوابه، وموافقته لفطرة الإنسان، وأجمعت أغلب الأديان والملل والشرائع على وجوبها. فكانت هذه الأشياء المذكورة في الآيات هي عين الحكمة وإصابة الحق، وهي دليل على أن هذا القرآن كتاب هداية للحق والحكمة فوجب على أصحاب العقول ومريدي الهداية تصديقه وإتباع ما جاء فيه. جمع الله سبحانه في هذه الآيات ثلاثون نوعاً من التكاليف، لا تملك العقول السليمة الحكيمة إلا أن تقر وتجمع على أن فيها الخير للبشرية، وهي:
أولها: قوله: {لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ (22)}. وقوله: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (23)} مشتمل على تكليفين: الأمر بعبادة الله تعالى، والنهي عن عبادة غير الله، فكان المجموع ثلاثة. وقوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23)} هو الرابع، ثم ذكر في شرح ذلك الإحسان خمسة أخرى وهي: قوله: {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} فيكون المجموع تسعة، ثم قال: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ (26)} وهو ثلاثة فيكون المجموع إثني عشر. ثم قال: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)} فيصير ثلاثة عشر. ثم قال: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا (28)} وهو الرابع عشر ثم قال: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ (29)} وهو الخامس عشر، {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29)} وهو السادس عشر. ثم قال: {ولا تقتلوا أولادكم (31)} وهو السابع عشر. ثم قال: {ولا تقربوا الزنى (32)} وهو الثامن عشر. ثم قال: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله (33)} وهو التاسع عشر، {إلا بالحق (33)} وهو العشرون، {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطـانا (33)} وهو الحادي والعشرون، ثم قال: {فلا يسرف في القتل (33)} وهو الثاني والعشرون. ثم قال: {ولا تقربوا مال اليتيم (34)} وهو الثالث والعشرون، {إلا بالتي هي أحسن (34)} وهو الرابع والعشرون، {وأوفوا بالعهد (34)} وهو الخامس والعشرون. ثم قال: {وأوفوا الكيل إذا كلتم (35)} وهو السادس والعشرون، {وزنوا بالقسطاس المستقيم (35)} وهو السابع والعشرون. ثم قال: {ولا تقف ما ليس لك به علم (36)} وهو الثامن والعشرون. ثم قال: {ولا تمش في الارض مرحا (37)} وهو التاسع والعشرون، ثم قال: {ولا تجعل مع الله إلـاها ءاخر (39)} وهو الثلاثون.
وقال الفخر الرازي: بدأ في هذه التكاليف بالأمر بالتوحيد، والنهي عن الشرك وختمها بعين هذا المعنى، والمقصود منه التنبيه على أن أول كل عمل وقول وفكر وذكر يجب أن يكون ذكر التوحيد، وآخره يجب أن يكون ذكر التوحيد، تنبيها على أن المقصود من جميع التكاليف هو معرفة التوحيد والاستغراق فيه، فهذا التكرير حسن موقعه لهذه الفائدة العظيمة ثم إنه تعالى ذكر في الآية الأولى أن الشرك يوجب أن يكون صاحبه مذموما مخذولا، وذكر في الآية الأخيرة أن الشرك يوجب أن يلقي صاحبه في جهنم ملوما مدحورا، فاللوم والخذلان يحصل في الدنيا، وإلقاؤه في جهنم يحصل يوم القيامة.
017.6.5- الآيات (40-52) القرآن يضرب الأمثال بكلمات قليلة تحمل معاني كثيرة وواسعة الدلالات، كوسيلة لتسهيل فهمها على الناس. ويدلل على ما فيه من الحكمة، ويقيم الحجة على ما عند الكفار والمشركين من الباطل: (إذاً، بعد ما بينته الآيات السابقة من قدرة الله العظيمة وعلمه بأفعال مخلوقاته وعن إنزاله الكتب لهداية الناس وتعليمهم الحكمة وتنبئهم بالنتائج المترتبة على أعمالهم من الثواب أو العقاب.) تكمل هذه الآيات بضرب الأمثال وإبداء الحجج الدالة على أن ما أوحى به الله هو الحكمة بعينها، وعلى أن ما يقوله الكافرون والمشركون هو الضلال والباطل والجهل وإتباع الهوى. من ذلك قولهم إنه اتخذ من الملائكة إناثاً، وأن معه آلهة أخرى، ويتهمون نبيه بأنه مسحور، وينكرون البعث. ومن الأمثلة الدالة على جهلهم وضلالهم أن السماوات والأرض ومن فيهن وما من شيء إلا يسبح بحمد الله، وهم مع ذلك لا يفقهون تسبيحهم ولا يعلمون ذلك، فهم غافلون عن أكثر الأدلة على وحدانية الله وعظمته وقدرته وقهره. وأن جهلهم هذا بسبب حجب الله لكلامه عنهم، عقاباً لهم على كفرهم وإنكارهم جعل حجاباً ساتراً يحجب عقولهم عن فهم القرآن، وهم إما أنهم يفرون من سماعه، أو أنهم وإن كانوا يسمعونه، فهم كالأنعام يسمعون الكلام ولا يفقهون معانيه لانشغال قلوبهم بغيره من أمور الدنيا. وقد غفلوا عن أن الله الذي خلقهم وفطرهم أول مرة قادر على إعادتهم وبعثهم للحساب وهو أهون عليه.
الرازي: {ولقد صرفنا في هذا القرءان ليذكروا (41)} يدل على أنه تعالى إنما أنزل هذا القرآن، وإنما أكثر فيه من ذكر الدلائل لأنه تعالى أراد منهم فهمها والإيمان بها، وهذا يدل على أنه تعالى يفعل أفعاله لأغراض حكمية، ويدل على أنه تعالى أراد الإيمان من الكل سواء آمنوا أو كفروا والله أعلم.
017.6.6- الآيات (53-65) الله يأمر المؤمنين بأن يثقوا بعلمه وقدرته على أن يرحمهم أو يعذبهم، وأن يتوكلوا عليه ويقولوا الحق، بأن الله وحده أعلم بعباده وهو الذي يملك أن يرحمهم أو يعذبهم: وأن الشيطان عدوهم يلقي بينهم العداوة والخصام. وأن الله يريد أن يرحمهم، أما غيره من الذين يدعون ويزعمون أنهم آلهة فلا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويله. ألله أعلم بعباده، يعلم ما هم فاعلون في الغيب، وأنهم سيتبعون الشيطان ويعلم أنهم سيدعون من دونه من يزعمون أنه يضر وينفع من دون الله (من الأنبياء والصالحين والملائكة) ويبتغون بهم إلى ربهم الوسيلة. لهذه الأسباب يتوعد الله الكفار بأنه ما من قرية إلا وسينتهي بهم المطاف إلى الهلاك قبل يوم القيامة أو بالعذاب الشديد، فيصيرون بذلك آية وعبرة يخوف بها من يأتي بعدهم، فيخوف سبحانه المشركين بالعذاب ليتعظوا ولا يزدهم التخويف إلا تمادياً. الإنسان لا يؤمن إلا إذا رأى الخوف، فيرسل الله الآيات والمعجزات لكي يخاف الإنسان ويحذر ما هو مقبل عليه من الحساب. وما يمنع الله من إرسال الآيات إلا أن كذب بها الأولون. وسبب هذا التكذيب عائد إلى عدوهم إبليس الذي توعد بالاستيلاء عليهم بالإغواء والإفساد.
هذه الآيات تبين سبب كفر الإنسان وجداله بالباطل (كما هو مذكور في الآيات السابقة)، وهو عداوة الشيطان له وتسلطه عليه ونزغه بين الناس. انه لولا هذا العدو الشرس لربما كان حال الإنسان أفضل. الشيطان العدو جمع للإنسان كل جنوده وكل دواعي المعصية عنده وشاركهم بالأموال والأولاد وغررهم بالوعود الكاذبة وطول الأمل حتى صرفهم عن عبادة الله. لكن رحمة الله واسعة إذ حذر الناس من هذا العدو، وأرسل النبيين وخص كل منهم بفضيلة كموسى بالكلام ومحمد بالإسراء و {آتينا داوود زبوراً (55)}، وأرسل بالآيات المعجزات {وآتينا ثمود الناقة 59)}، وأرى نبيه عياناً ليلة الإسراء عجائب المخلوقات. ومن عظيم عنايته ورحمته قص عليهم في الآيات (61-65) قصة آدم والشيطان، ليذكرهم، وبين لهم شدة عداوته وعظيم حيلته وتغريره بهم {فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً}.
017.6.7- الآيات (66-72) الإخبار عن تكريم الله للإنسان ومقابلته ذلك بالجحود: الإنسان مؤمن بالفطرة بدليل أنه حين يرى الخوف أو حين يمسه الضر تغيب عن عقله ما كان يعبد من الآلهة ويتذكر الله القدير لوحده. كيف لا يتوكل الإنسان على الله، كيف يغفل عن هذا الحافظ الذي إذا جاءهم عذابه بسبب كفرهم، لا يجدوا أحداً يحفظهم من عذابه. لقد خلق الله الإنسان ليكرمه ويفضله على كثير من خلقه، وإن سبب معصية الإنسان هي اغتراره بهذه النعمة التي أكرمه الله بها.
017.6.8- الآيات (73-111) هذا الثلث الأخير من السورة يتحدث عن عظيم فعل الله لهداية الناس إلى ما خلقوا لأجله وإلى ما فيه مصلحتهم وتكريم الله لهم، لأن الله خلقهم لعبادته وحده لا شريك له، فإن هم عبدوه فقد وافقوا فطرتهم وما خلقوا لأجله وحازوا على السعادة والنعيم المقيم. عظيم فعل الله لهذه الأمة الخاتمة يتمثل بإرسال أفضل المرسلين لبيان السبيل وطريق السعادة والفلاح للمؤمنين، وللإنذار بالخذلان والخسارة للظالمين، ويتمثل بإنزال القرآن المعجز والذي فيه الشفاء والرحمة للمؤمنين.
وفي الآيات أيضاً بيان موقف الناس من القرآن والرسول: إذ أن كل ما نزل على الإنسان (عن طريق الرسول الكريم) من التكاليف هي لمصلحته، لكي توصله إلى أعلى المقامات المحمودة. لكن الكافرين ومن خلفهم إبليس وجنوده، غرهم ما هم فيه من النعيم فأعرضوا عن عبادة ربهم وشكره، وإذا مسه فقر أو شدة كان قنوطاً لأنه لا يثق بفضل الله. هذه الآيات الأخيرة في السورة تقوم على المقصد الرئيسي لها وهو (التوكل على الله متمثل في) شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القوم منه، والقرآن الذي جاء به، وخصائص هذا القرآن. كيف يجادلون بآيات الله ويطلبون المعجزات مثل تفجير الينابيع وإسقاط السماء كسفاً أو أن يرقى في السماء أو أن تأتي الملائكة. هذا القرآن هو المعجزة الخالدة للرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن المعجز الذي لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. فيه الشفاء والهداية وكل ما يطلبونه من المعجزات، صرف الله فيه من كل مثل، وهو رحمته وفضله، أنزله على بشر رسولاً، ليتدبروا آياته. إن الله بعباده خبيراً بصيراً.
ومن عظيم فعل الله لهذه الأمة الخاتمة ولرسولها كما بينته الآيات ما يلي:
017.6.8.1- الآيات (73-77) تثبيت الله لرسوله: وتبدأ بالإشارة إلى محاولات المشركين مع الرسول عليه السلام ليفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه، وما هموا به من إخراجه من مكة وعصمة الله له من فتنتهم ومن استفزازهم، لما سبق في علمه تعالى من إمهالهم وعدم أخذهم بعذاب الإبادة كالأمم قبلهم. ولو أخرجوا الرسول لحاق بهم الهلاك وفق سنة الله التي لا تتبدل مع الذين يخرجون رسلهم من الأقوام.
017.6.8.2- الآيات (78-82) القرآن شفاء: الله يأمر بما هو نافع ويدل الناس على ما فيه صالحهم ومزيد تكريمهم والوصول بهم الدرجات العلى. الاتصال بالله بإقامة الصلاة، والاعتصام به والتوسل إليه بالدعاء، والتوكل عليه هو الذي يحمي من الفتن ويكفل النصر والدرجات العلى، وقراءة قرآنه هو شفاء ورحمة لمن يؤمنون به، وهو عذاب ونقمة على من يكذبون، فهم في عذاب منه في الدنيا ويلقون العذاب بسببه في الآخرة.
017.6.8.3- الآيات (83-96) إعراض الناس وجدالهم في آيات الله وبيان أن القرآن هو معجزة الله الخالدة المستمرة إلى قيام الساعة وقد صرف فيه من الآيات.
بيان صفة الإنسان في حالتي الرحمة والعذاب. فهو في النعمة متبطر معرض، وهو في النقمة يؤوس قنوط. كذلك علم الإنسان قليل ضئيل، ليس في مقدوره إدراك روحه التي بين جنبيه. وما أنزله الله على رسوله من الوحي هو العلم اليقين، وهو من فضله عليه ولو شاء الله لذهب بهذا الفضل، ولكنها رحمة الله وفضله على رسوله. هذا القرآن المعجز الذي فيه العلم اليقين، لا يستطيع الإنسان والجن أن يأتوا بمثله ولو اجتمعوا وتظاهروا، والذي صرف الله فيه من كل مثل لتخاطب كل عقل وكل قلب. هذا القرآن لم يغن كفار قريش، فراحوا يطلبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم معجزات مادية كتفجير الينابيع في الأرض، أو أن يكون له بيت من زخرف، كما تعنتوا فطلبوا أن يرقى الرسول في السماء أمامهم ويأتي إليهم بكتاب يقرؤونه، أو يرسل عليهم قطعا من السماء تهلكهم. وزادوا عنتا وكفرا فطلبوا أن يأتيهم بالله والملائكة قبيلا.
017.6.8.4- الآيات (97-100) قدرة الله على كل شيء: إن المهتدين هم الذين يهديهم الله، أما الكافرين المجادلين في آياته فهم الذين يضلهم الله باتباعهم الضلال، لأنهم عمي وبكم وصم عن الحق، كافرين لما هم غارقين فيه من خزائن الرحمة والنعيم. وهم لو كانوا خزنة رحمة الله، لأمسكوا خشية نفاد الخزائن التي لا تنفد. جزاؤهم جهنم على تكذيبهم بالآخرة، واستنكارهم البعث وقد صاروا عظاما ورفاتا.
017.6.8.5- الآيات (101-104) تنزيل الآيات واستمرارها عبر الزمان: دليل مجرب عن الهدى والضلال من قصة موسى عليه السلام وبني إسرائيل مع فرعون ومن معه. ساقه الله سبحانه بمناسبة طلب كفار قريش للآيات والمعجزات، يذكرهم بالآيات التي جاء بها موسى عليه السلام فكذب بها فرعون وقومه فأهلكهم الله حسب سنته في إهلاك المكذبين. وقد أبقى سبحانه بعض هذه الآيات في بني إسرائيل عبرة لهم ولغيرهم إلى قيام الساعة، فقد أخبرهم سبحانه بأنهم سيعلون في الأرض ويفسدون ثم يهلكون، وسيبقى الإفساد فيهم مستمراً، وأن إفسادهم الأخير سيكون عند السجد الأقصى، حين يأتي الله بهم لفيفاً ليهلكهم على أيدي عباد له أولي بأس شديد.
017.6.8.6- الآيات (105-111) إنزال القرآن بالحق واشتماله على الحق: وكذلك هذا القرآن نزل بالحق، وهذا الرسول أرسله الحق يبشر بالجنة لمن آمن، ويخوف بالنار لمن عصى، نزل عليه القرآن مفرقاً ليقرأه المهتدون المؤمنون بوعد الله الواحد الذي له الأسماء الحسنى، ويسبحونه ويحمدونه ويكبرونه ويوالونه ويتوكلون عليه. وتنتهي السورة بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الإمام والقدوة للمؤمنين، إلى عبادة الله وحده، وإلى تسبيحه وحمده، كما بدأت بالتسبيح والتنزيه.
017.7 الشكل العام وسياق السورة:
017.7.1- إسم السورة: سميت السورة الكريمة “سورة الإسراء” لتلك المعجزة الباهرة معجزة الإسراء التي خصّ الله تعالى بها نبيّه الكريم.
إسم السورة وهو حادثة الإسراء والمعراج هو العنوان المعبّر عن كلّ ما تضمنته الآيات الواردة في السورة من المعاني وهي أنّ الله سبحانه وتعالى مع الإنسان ويتابعه في كلّ لحظاته ويهيئ له كل أسباب الخير. فإنّ الله سبحانه وتعالى كما أسرى بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وأنزل له الهدى الذي في القرآن، كان قد آتى موسى عليه السلام الكتاب وأكرم بني إسرائيل، وحَمَل من آمن مع نوح عليه السلام في السفينة. وأكرم الوالدين، وأمر بإعطاء ذي القربى، وأمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطائه، وبسط الرزق لمن يشاء. ومن رحمته أمرهم أن لا يقتلوا النفس التي حرم الله، وأن لا يزنوا وأن لا يقربوا مال اليتيم ولا يبخلوا ولا يتكبروا وأن يوفوا الكيل والميزان. وغيره.
017.7.2- بدئت السورة بتسبيح الله عز وجل: {سبحان الذي أسرى بعبده} وختمت بقوله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً}، فقد شملت أفضل أنواع الذكر (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، فتأمل براعة الاستهلال وحسن الختام.
ويتكرر في سياق السورة تنزيه الله وتسبيحه وحمده وشكر آلائه. ففي مطلعها: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (1)}. وفي أمر بني إسرائيل بتوحيد الله يذكرهم بأنهم من ذرية المؤمنين مع نوح {إنّه كان عبداً شكوراً (3)}. وعند ذكر دعاوي المشركين عن الآلهة يعقب بقوله: {سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً (43)}، {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهنّ، وإن من شيء إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (44)}. وعند طلب قريش الخوارق المادية أو تبديل القرآن {قل: سبحان ربّي هل كنت إلا بشراً رسولاً (93)}، وفي حكاية قول بعض أهل الكتاب حين يتلى عليهم القرآن: {ويقولون: سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا (108)}. وتختم السورة بالآية {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيرا (111)}.
017.7.3- قراءة سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها والقصص والأمثال فيها:
لقد قمنا بإعادة ترتيب الآيات بغرض قراءة سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها والقصص والأمثال فيها، فوجدنا أن السورة تنقسم إلى قسمين متساويين تقريباً (قسم كلّه تفصيل وبيان حول تكريم الإنسان بالعمل والعبادة وقسم كلّه قصص وأمثال) وتضمنت خمسة مواضيع رئيسية كما يلي:
017.7.3.1- النصف الأول وعدد آياته 55 آية يتضمن قسمين متساويين كما يلي: وفيه الحث على العبادة والعمل.
017.7.3.1.1- القسم الأول: وهو ربعها الأصيل الذي يتبلور فيه مقصد السورة حول تكريم الله للإنسان، وأن العبادة لله هي شرف للإنسان وتكريم ما بعده تكريم لأنها تجعله يعيش في انسجام كامل مع الفطرة التي فطر الله الكون عليها ومع باقي مخلوقات الله التي تسبح بحمده. يتحدث عن العبادة لله وحده لا شريك له وأن هذه العبادة هي التوكل عليه، وهي الأخلاق، وهي تحث على الإحسان في العمل وعلى الإحسان لكل مخلوقات الله. هي ليست شعائر صلاة وزكاة وصيام وحج فقط، بل هي شرائع وقوانين تحدد علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان ومع باقي مخلوقات الله، وتربطه بالكرم والمدد الإلهي الذي يدوم بالاستقامة على اتباع دينه وينقطع بمخالفة أمره ونهيه.
وهذا في الآيات التي تتحدث عن: (العبادات 22-39، 53، 78-81، 110، 111) (الله واحد وما من شيء في الوجود إلا ويعبد الله لا شريك له 42-44) = 28 آية.
017.7.3.1.2- القسم الآخر: هو أيضاً حول نفس مقصد السورة يبين تكريم الله للإنسان بأن نزل عليه القرآن يهديه للتي هي أقوم، ولما فيه سعادته في الدارين، فيه هدى وبشرى وشفاء ورحمة للمؤمنين. وفيه أيضاً تذكير وإنذار للذين لا يعملون الصالحات بالشقاء والعذاب الأليم. لا يحصل الإنسان إلا على ما اختاره لنفسه، وهذا من عدل الله الخالق فمن أراد العاجلة عجل الله له فيها ما يشاء لمن يريد ثم مأواه جهنم، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن حاز على التكريم والسعادة في الدنيا والتكريم والأجر الكبير في الآخرة.
وهو في الآيات عن: (رسالة السماء القرآن هداية وشفاء ورحمة وإنذار وبشارة 9، 41، 60، 82، 88، 105، 106) (عمل الإنسان يحدد مصيره، هو مخير ما بين السعادة أو الشقاء، جعل الله يوم لإقامة العدل والحساب 10، 13-15، 18، 19) (عدل الله وجزاء الأعمال يبدأ من الدنيا فمنهم أراد العاجلة ومنهم من أراد الآخرة 16، 56-58، 68، 69، 72) (عطاء الله ورحمته وتكريمه للإنسان يبدأ في الدنيا 12، 20، 21، 54، 66، 70، 71) = 27 أية.
017.7.3.2- النصف الثاني وعدد آياته 56 آية يتضمن ثلاثة أقسام غير متساوية كما يلي: وهو قصص وأمثلة للعبرة.
017.7.3.2.1- القسم الثالث: ويتضمن القصص عن رسالة خاتم النبيين وكيف أنه بعد أن خذله من حوله وحاربوا دعوته وجادلوا فيها وطلبوا منه المعجزات ثم كيف أن الله سبحانه أعطاه ما أدهش أصحابه وأعدائه، وصنع له معجزة تفوق خيال كل الناس إلى يوم القيامة، خرقت كل الأسباب والقوانين التي يعرفونها، فقد عرج به إلى السماوات العلى، وأكرمه أعظم تكريم. ثم بشره بأن يخذل أعداءه الذين أخرجوه، وطمأنه أن الذين أخرجوه من الكفار والمجادلين لن يؤمنوا بالمعجزات لو جاءتهم، ولا بالملائكة لو أرسلت إليهم فالله خبير بما في نفوسهم بصير بأعمالهم، فهم الذين سيخرجون من ديارهم، ويهانون ويشقون بسبب كفرهم وسوء أعمالهم. وبذلك تكون هذه الآيات تطرقت لنفس مواضيع ومقاصد السورة وبينتها وأكدتها بالقصص الحقيقية من حياة خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام الذي نال الشرف العظيم والكرامة بسبب عبادته لله وحده وتوكله عليه في الدعوة إلى دينه.
الآيات (قصة دعوة خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام 1، 73-77، 85-87، 90-96) = 16 آية.
017.7.3.2.2- القسم الرابع: ويتضمن القصص عن (بني إسرائيل: أن لا يتخذوا من دون الله وكيلاً (مقصد السورة)، العناد للحق مع تكرار التأديب وكفرهم لنعمة الله عليهم بأن اختارهم لرسالاته، وتجبرهم واتكالهم على أموالهم وأبنائهم ومشاعر الغرور لديهم باختيارهم الله لرسالته ولم يشكروا مع أنهم من ذرية نوح العبد الشكور لله)، (وثمود: عدم الاستفادة من الآيات)، (وقوم نوح: عدم الاستفادة من طول مدة الدعوة)، (وداوود: تفضيل بعض النبيين على بعض) (القرون من بعد نوح: الهلاك بعد استنفاذ الدعوة واستفحال الذنوب) (سجود الملائكة وتكبر إبليس وحسده على تكريم الله لآدم، وعصيانه لأوامر ربه، واتكاله على مشاعر الكبر والعظمة في نفسه بأنه لن يسجد لمخلوق من طين، ثم استفزازه للكفار الذين بدورهم يستفزون الرسول ليخرجوه باتكالهم على قوتهم وضعفه، فأخرجهم الله، وكما استفز فرعون بني إسرائيل من قبل فكان مصيره الغرق هو وجنوده)
الآيات (قصص عن الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام 2-8، 17، 55، 59، 61-65، 101-104) = 19 آية.
017.7.3.2.3- الخامس: يبين سبحانه بالأمثلة كيف أن الإنسان بدون عبادة في ضلال وشقاء، وأنه في طبعه عجول لا يميز بين الحق والباطل، إذا مسه الخير منوعاً وإذا مشه الشر جزوعاً. ثم إن الله سبحانه مرسل لهم بالآيات والقصص والأمثال والنذر، فإن هو استمع لدعوة الحق فاهتدى فهو المهتد، وإن أبى وحرّف الآيات فلن يجد من دون الله من ولي ولا نصير، ومأواه جهنم وساءت مصيراً.
الآيات (قصص عن صفة الإنسان الكافر قبل أن يهتدي للإسلام، وأن أعماله مخالفة لفطرته التي فطره الله عليها، ثم عجلته ونفوره عن ذكر الله وعدم تمييزه بين الخير والشر 11، 40، 46، 67، 83، 84، 100) (وأن الله يدعوهم لتدبر الآيات والأمثال وقصص الأمم الخالية ليهديهم ويثبتهم على ما خلقوا لأجله من العبادة والاستقامة، ويبين لهم أنه سيحاسبهم على أعمالهم في الدنيا ويوم القيامة 45، 47-52، 89، 97-99، 107-109) = 21 آية.
017.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
017.7.4.1- آيات القصص: (1-8، 17، 45-65، 73-77، 85-87، 89، 90-109) = 59 آية.
017.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (13، 14) = 2 آية.
017.7.4.3- الأمثال في الآيات: (11، 16، 66-69، 88) = 7 آيات.
017.7.4.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (12، 20، 21) = 3 آيات.
017.7.4.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (9، 10، 15، 18، 19، 22-44، 70-72، 78-84، 110، 111) = 40 آية.
017.7.5- أسباب تكريم الله لعباده: من خلال تدبر السياق، يتبين لنا أسباب تكريم الله لعباده هو في الإيمان بالله وعبادته والتوكل عليه، كما بينته الآيات التالية:
017.7.5.1- (الآية 1): الأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم التوكل على الله وكأن الأسباب لا شيء. محمد صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب، عبد الله، وتوكل عليه، فأعطاه الله وأرضاه، وأراه من الآيات.
017.7.5.2- (الآيات 2-8): أعبد الله كما أمر توكل عليه: بني إسرائيل حين أحسنوا فتوكلوا على الله علو بذلك علواً كبيراً، وعندما أساؤوا فأفسدوا وعلوا سلط عليهم غيرهم.
017.7.5.3- (الآية 9): الهداية إلى الخير والعمل الصالح في القرآن: الخير والشر في أمور الدين واضحة محددة، فما أمر الله تعالى به في القرآن فهو خير وما نهى عنه فهو شر. فالإيمان والعمل الصالح والسعي في حوائج البشر والرفق بالكائنات وكل ما ورد في الآيات (22-33) من الأوامر، كل ذلك خير مطلق. والكفر بالله والإفساد في الأرض هو شر محض.
017.7.5.4- (الآية 9): قانون الإيمان والعمل الصالح (العبادة لله وحده) – ثوابه الأجر الكبير.
017.7.5.5- (الآية 10): عدم الإيمان – جزاءه العذاب الأليم.
017.7.5.6- (الآية 11): الخير والشر في أمور الحياة والكون، هي نسبية فما قد تظنه خيراً قد يعقبه شر، وما قد تحسبه شراً قد يتولد منه خير، وبما أن الإنسان قاصر عن إدراك حكمة الوجود فيجب التسليم لله في قضائه وقدره. (ولنتذكر قصة العبد الصالح مع موسى عليه السلام، في سورة الكهف، فقد خرق السفينة لينقذها من استيلاء الملك، وقتل الغلام حتى لا يرهق أبويه كفراً).
017.7.5.7- (الآيات 12-15): الخيار ما بين العذاب أو التكريم هو بيد الإنسان نفسه.
017.7.5.8- (الآيات 16، 17): الذنوب هي سبب الهلاك: يريد الله أن يرحم الناس بالإيمان والعبادة، فإن هم عادوا عن إيمانهم وعبادتهم، أعاد الله عليهم العذاب والهلاك.
017.7.5.9- (الآيات 18-21) الدرجات بين الناس والتفضيل هو بيد الإنسان نفسه.
017.7.5.10- (الآية 22) و (الآيات 56-57): عبادة الله الله وحده هي سبب التكريم وجعل الآلهة هو سبب الخذلان.
017.7.5.11- (الآية 22) و (الآيات 54-55): علم الله بالناس جعله يفضل بعض الناس وبعض النبيين على بعض.
017.7.5.12- (الآية 23) و (الآيات 26-27): إكرام الوالدين، وإكرام الأقربين ببذل المال وإعطاء الحقوق وعدم القتل وعدم قرب الزنى، هذه هي قوانين الخالق الله الواحد، أما الآلهة الأخرى فقوانينهم فيها الهلاك.
017.7.6- أسباب عدم توكل الناس على الله وعدم طاعتهم كما جاء بيانه في سياق السورة، مع أن الكون كله مطيع، هي كما يلي:
في ابتغاء الفساد والعلو في الأرض ( الآية 4)؛ الكفر بالبعث (الآيات 10، 45، 49-52، 98، 99)؛ العجلة عند الإنسان (11، 18)؛ الترف والفسق (16)؛ الشرك (22، 42)؛ التطرف بين البخل والتبذير (26، 27، 29)؛ القتل وخشية الفقر (31، 33)؛ الاعتداء على حق الغير (32-35)؛ افتراء على الله (36، 40، 43)؛ الكبر (37)؛ الكفر بالقرآن (46، 88، 89)؛ اتهام النبي بالسحر (47، 101)؛ زعم الآلهة (56)؛ الكفر بالآيات (41، 59، 82، 98، 101)؛ عدم الإيمان بالآيات (10، 45، 59)؛ الطغيان (60)؛ إعراضه وكفره (67، 83)؛ الأمن من مكر الله (68، 69)؛ العمى (72)؛ ابتغاء الفتنة (73)؛ اليأس (83)؛ الجدال (85)؛ طلب الآيات والتعجيز (90-93)؛ كون الرسول بشر (94، 95)؛ بخل الإنسان (100)؛ الشيطان وعداوته للإنسان وتسلطه عليه – نزغ الشيطان (53) (61-65)؛ تسلط الطواغيت واستفزازهم (64، 76، 103).
وبذلك يكون قد غلب على السورة ذكر أفعال وأقوال الكفار والمشركين وجدالهم وإنكارهم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فهم الكثرة الغالبة في الفترة التي نزلت فيها السورة. أما أفعال المؤمنين فقد ذكرت قليلاً جداً، أو تكاد تكون غير موجودة لقلتهم. لكن حين ذكرتهم السورة كان ذلك: ليؤدب الله بهم الكفار (6) وفي بيان جزاؤهم لو آمنوا (19) وهم يدعون ربهم ويرجون رحمته ويخافون عذابه (57) لمقارنتهم بالكفار (97)، صفاتهم وأحوالهم لو آمنوا (107، 108، 109).
017.7.7- الأساليب والوسائل التي استخدمها سبحانه لهداية الناس وإقناعهم بالعبادة الله لكي يحصلوا على التكريم:
آيات الله المعجزة: الإسراء (1)، حمل نوح (3)، الناقة (59)، تسع آيات (101)
إنزال الكتاب: موسى (2)، القرآن (9، 39، 41، 45، 46، 82، 106)
النصر بالإيمان والخذلان بالكفر: (4-8، 10، 16-17، 22، 58، 81)
الآيات الكونية: (12، 44)
إرسال الرسل: (15، 77، 93-95، 101، 105)
الواقع: (58، 107)
الإمداد والتفضيل: (20-21)
الإقناع بالحجة: (40، 50-51، 56، 99)
بيان عداوة الشيطان للتحذير منه: (61-65)
الإيمان بالفطرة: (66-67)
تثبيت الله لرسوله والمؤمنين: (74)
الاستعانة بالصلاة: (78، 79)
الاستعانة بالدعاء: (80)
معجزة القرآن: (86-89)
ضرب الأمثال في القرآن: (89)
القصص في القرآن: (101-104، 109)
017.7.8- هي أكثر سورة تكرر فيها ذكر الكلمة “القرآن” 11 مرة من أصل 69 مرة في القرآن كله. وهذا قد يكون له دلالة عما ستحتويه هذه السورة من كلام الله سبحانه وتعالى ورسالته للإنسان، فالقرآن كلام الله وما أوحاه من الحكمة. والحكمة هي إصابة الحق بالعلم والعقل. والعلم والعقل يدعواننا لإبطال الباطل وإعطاء كل صاحب حق حقه.
وهذا هو عين ما احتوته سورة الإسراء من إعطاء كل صاحب حق حقه. ومن أن الرحمة لجميع المخلوقات، والكل مكرّم، والخير عام الجميع:
017.7.8.1- فالله جل جلاله بعد أن ينزه نفسه عن كل ما لا يليق به، يبين سبحانه غاية ما أراده من خلقه لهذا الكون وهو أن كل المخلوقات تسبح بحمده، وقد ابتدأت السورة بكلمة سبحان وهي كذلك أكثر سورة في القرآن وردت فيها كلمة “سبح” ومشتقاتها بمجموع 7 مرات من أصل 87 مرة موجودة في القرآن كله. لا تجعل مع الله إله آخر فتقعد مذموماً مخذولاً. له الأسماء الحسنى، لم يتخذ ولداً ولم يكن شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً.
017.7.8.2- الإنسان: لقد أكرم الناس مؤمنهم وكافرهم وحملهم في البر والبحر وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، وأنزل عليهم القرآن، وأمهلهم وأقام لهم ميزان عدله.
017.7.8.3- الرسول صلى الله عليه وسلم: أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. وهذه هي السورة الوحيدة التي ذكر فيها “بشراً رسولاً” ذكرت مرتين، أي هو بشر ولكنه مميز بالرسالة، وهي ميزة لا يمكن فصلها كما لا يمكن فصل (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى). وهذا تكليف لا يكلف به إلا من اختاره الله واصطفاه، لأن فيه من الصفات التي ليست عند غيره من الناس جعلته أهلاً لحمل هذه الرسالة. وقد وصفه ربه في غيرها من السور في القرآن بأنه رسول {رؤوف رحيم (128)} التوبة، هين لين سهل الأخلاق {فبما رحمة من الله لنت لهم (159)} آل عمران، وأنه على خلق عظيم {وإنك لعلى خلق عظيم (4)} القلم، وغيرها من الصفات التي تميز بها عن غيره من البشر. كما تميز وتفرد بمقامات عظيمة وعدها إياها ربه كمثل المقام المحمود، والشفاعة، والكوثر، وغيرها.
017.7.8.4- المسجد الأقصى: المكان المقدس، أولى القبلتين، وثالث الحرمين، بارك الله حوله، جعله مسرى نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، والمحطة الأولى في معراجه. وجعله ومهد لرسالاته، وجعل أرضه المقدسة كما ذكر في غيرها من السور في القرآن مكافأة ووعداً لعباده المؤمنين من بني إسرائيل، ثم النصارى أتباع عيسى عليه السلام، ثم أورثه لأمة محمد عليه السلام. كما صلى به محمد صلى الله عليه وسلم إماماً بالمرسلين، وسيصلي به عيس عليه السلام تبعاً لأمته ومأموماً خلف إمامهم.
017.7.8.5- الوالدين: وبالوالدين إحسانا والدعاء لهم (بر الوالدين)
017.7.8.6- الأولاد: عدم القتل (بر الأبناء)
017.7.8.7- ذوي القربى: واليتامى والمساكين (حقوق العباد)
017.7.8.8- سجود الملائكة لآدم
017.7.8.9- أعطى الإنسان السمع والبصر والفؤاد لكيلا يتبع مالا يعلم، وجعله مسئولا عن استعمالها في الخير أو الشر.
017.7.8.10- القرآن: يهدي ويبشر. على أن يأتوا بمثله، صرفنا به من كل مثل، بالحق أنزلناه وبالحق نزل، لا يأتون بمثله.
017.7.8.11- الأنبياء: آتينا موسى الكتاب، ونوح كان عبداً شكورا.
017.7.8.12- أعطى كل شخص ما يريد: من أراد الدنيا ومن أراد الآخرة + عطاء ربك + وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا.
017.7.8.13- كلف الناس بما فيه تمام النعمة عليهم والحفاظ على حقوقهم، من أمرهم بالإحسان للوالدين، وإيتاء ذي القربى حقه واليتامى والمساكين، يبسط الرزق، نهى عن التبذير وعن القتل وعن الزنى وعن أكل مال اليتيم وعن التكبر والمشي في الأرض مرحاً، وعن البخل، وأمر بالقصاص، وبالوفاء بالكيل، وبالقول الحسن، وجعل الناس درجات: رحمة ليخدم بعضهم بعضاً في الدنيا، وغيرها من التكاليف ومكارم الأخلاق التي وردت في السورة.
017.7.9- بعض أهم المواضيع التي فصلت فيها السورة:
017.7.9.1- تكريم الله للإنسان بسبب العبادة: الإسراء بالرسول عليه السلام من المسجد الأقصى مهد الرسالات (وأهمها رسالة موسى) وعروجه إلى السماء ليرى الآيات في الكون ويناجي ربه. وفي ذلك تثبيت الله لرسوله وللمؤمنين، وعصمتهم من الفتن. وفيه تكريم خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام الذي نال هذا الشرف العظيم والكرامة بسبب عبادته لله وحده وتوكله عليه في الدعوة إلى دينه. وفيه تكريم للإنسان، وكذلك تفضيلهم على كثير من خلق الله بسبب العبادة لله، والتي هي شرف للإنسان وهي سبب تكريمه.
إسراء الله بعبده ورسوله صلى الله عليه وسلم (ومعراجه) هو من الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة، التي تستوجب تنزيه الله لنفسه المقدسة عن كل ما ينسبونه إليه من الشرك. فهو يعطي كل مخلوق ما يستحقه في الدنيا والآخرة، وهذا من اعتناءه به تعالى ولطفه، وقد حاز رسولنا الكريم من المفاخر تلك الليلة، هو وأمته، ما لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل. وقد فضّله سبحانه على النبيين {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض (55)}. كما أنه سبحانه كرّم الإنسان وفضّله {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)}.
017.7.9.2- تكريم الله للإنسان بأن هداه بالقرآن: ومن منن الله العظيمة التي تستوجب تسبيح الله وتنزيهه هي تكريمه للإنسان بأن نزل عليه القرآن يهديه للتي هي أقوم، ولما فيه سعادته في الدارين. فما أمر الله تعالى به في قرآنه فهو خير وما نهى عنه فهو شر.
يبين القرآن أن الله خلق الإنسان لغرض واحد لا ثاني له وهو عبادة الله وحده لا شريك له، {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه (23)} ومعنى عبادة الله وحده أي طاعته بإتباع دينه الذي جاءت به رسله، وأوحى به في كتبه، ونبذ ما دونه من الشركاء. {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا (9)، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما (10)} فهي القاعدة في العمل والجزاء. إن كل شيء عاقل أو غير عاقل إلا ويسبح بحمد الله، {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده (44)}، وحين عصى الشيطان أمر ربه، طرده تعالى من رحمته وجعل جزاءه هو ومن يتبعه النار، {قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءاً موفورا (63)}. لقد فضل سبحانه بعض الناس على بعض حسب أعمالهم، لأنه ابتلاهم بالعمل {ليبلوكم أيكم أحسن عملاُ (7)} هود، وجعل بينهم الدرجات حسب أعمالهم، وجعل الجزاء في الدنيا أولاً، {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً (58)}، ثم المصير في الآخرة، إما الجنة أو النار، كل ذلك متوقف على العبادة والعمل في الدنيا {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً (72)}. القرآن فيه شفاء، ورحمة، وهي لمن اهتدى وآمن بالله وحده ولم يجعل {مع الله إلهاً آخر (22)} وتفتح قلبه لتلقي ما في القرآن من روح، وطمأنينة وأمان. والعبادة خير، فقد خلق الإنسان للعبادة ليتنعم بها لأنها تقربه من الله وتربطه به.
تقرر السورة بأنه لا مفر من الإقبال على الله خالق النعم وخلع ما سواه، لأنه بذلك يمكن أن يعطي أكثر ويمكن أن يصل إنعامه وتكريمه إلى أقصى ما يمكن أن يصله أي تكريم، كما تم بيانه في السورة من التكريم والتشريف العظيم لعبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من المرسلين بل وتكريمه للناس أجمعين بأن حملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات، وغيره.
17.7.9.3- وجوب العمل بهدي القرآن القويم: عناد بني إسرائيل للحق مع تكرار تأديبهم وكفرهم لنعمة الله عليهم بأن اختارهم لرسالاته، وتجبرهم واتكالهم على أموالهم وأبناءهم، فكانت السبب في فسادهم وهلاكهم.
الإنسان بدون عبادة في ضلال وشقاء، في طبعه عجول لا يميز بين الحق والباطل. وأن الله سبحانه مرسل لهم بالآيات، فمن اهتدى فهو المهتد، ومن أبى فلن يجد من دون الله من ولي ولا نصير.
تقرر الآيات أن الكتاب الأخير {القرآن يهدي للتي هي أقوم (9)}، بينما الإنسان عجول مندفع لا يملك زمام انفعالاته. فعلى الإيمان والعمل الصالح يقيم القرآن بناءه. فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان. وبهما معا تسير الحياة على التي هي أقوم. وبهما معا تتحقق الهداية بهذا القرآن {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا (9)، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما (10)} فهي القاعدة في العمل والجزاء. فأما الذين لا يهتدون بهدي القرآن، فهم متروكون لهوى الإنسان العجول، الجاهل بما ينفعه وما يضره. ذلك أنه لا يعرف مصائر الأمور وعواقبها. وقد يفعل الفعل وهو شر، ويعجل به على نفسه وهو لا يدري. أو يدري ولكنه لا يقدر على كبح جماحه وضبط زمامه. بخلاف هدى القرآن الثابت الهادي.
17.7.9.4- سنن الله باهلاك الأمم الكافرة واستبدالها بالمؤمنة: هذه السّورة هي تطمين للنبي صلّى الله عليه وسلّم وللمسلمين بأن استفزاز المشركين لإخراجهم من مكّة سيكون وبالاً عليهم وستكون بعد قليل نهايتهم {وإن كادوا ليستفزّونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلا (76)}. ثمّ ما حصل بعد ذلك من استفزاز اليهود له هو وأصحابه لإخراجهم من المدينة وهو كنظير ما وقع لهم مع فرعون {فأراد أن يستفزّهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً (103)}. على الكفّار من أهل مكّة أن يتعلّموا من النهاية المخزية لبني إسرائيل والأمم الأخرى وأن ينصلحوا في المهلة التي منحها الله وقاربت على الانتهاء. إن الله لا يعذب {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً (15)}، حتى يبعث رسلاَ مبشّرين ومنذرين. عليهم قبول دعوة محمّد عليه السلام، وإلا فسوف يذهبهم الله ويستبدل قوماً غيرهم. وفيها أيضاً إنذار لليهود في المدينة بأن عليهم أن يتعلّموا مما حصل لهم في السّابق جزاءاً لهم على افسادهم في الأرض وذلك بشيء من قصص بني إسرائيل يتعلّق بالمسجد الأقصى الذي كان إليه الإسراء {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها (7)}. فليؤمنوا بمحمّد عليه السلام، وهذا إنذار أخير لهم وإلا {فإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً (8)}.
017.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
017.8.0- انظر سورة الكهف 018.8.0- تناسب السّور من الأعراف إلى الكهف في الربع الثاني من القرآن
017.8.1- تناسب: إن من يؤمن بالله وحده ويعبده وحده ويتبع صراطه المستقيم فقد عمل بمقتضى الفطرة التي فطر الناس عليها، ومن لا يفعل فقد ظلم نفسه، لأنه غير الفطرة، ودمر نعيمها بمعاكسته وتخريبه لها. في السور الست عشرة (16) السابقة، من الفاتحة لغاية سورة النحل تعلمنا أن التوحيد والعبادة نعمة، والشرك والكفر هلاك، وقد جاءت كل القصص في تلك السور مؤكدة معنى العبادة هذا، (كما ظهر جلياً في سورة إبراهيم، ومن قبلها سور الأعراف وهود والرعد)، كما سارت على نفس المعنى باقي سور القرآن الكريم حتى آخر سورة فيه. أي أن الدين والعبادة نعمة.
وكذلك دلت القصص على أن الله كرّم الإنسان ونعّمه وحمله في البر والبحر وفضّله على كثير من خلقه، لكي يرى في ذلك عظمة الله فيتوكل عليه، ولا يتوكل على غيره من المخلوقات التي لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً. خلق الله الإنسان ليكرمه، وسخر له الدنيا رحمة به لكي يعينه على عبادته، لكن الإنسان بظلمه لنفسه وجهله يستغل هذا الإكرام والنعيم في معصية الله ومخالفة أمره فيدمر نعمة ربه ويوقع نفسه في الهلاك. ذلك لأن عظمة نعم الله وعظمة خلقه وعظمة علمه وتدبيره، هي السبب في نعمة العيش السعيد الآمن للإنسان في الدنيا والآخرة (كما جاء بيانه في سورة الحجر، ومن قبلها سورتي الأنعام ويونس ويوسف).
تقرر سورة الإسراء بأنه لا مفر من الإقبال على الله خالق النعم وخلع ما سواه، لأنه بذلك يمكن أن يعطي أكثر ويمكن أن يصل إنعامه وتكريمه إلى أقصى ما يمكن أن يصله التكريم، كما تم بيانه في السورة من التكريم والتشريف العظيم لعبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من المرسلين بل وتكريمه للناس أجمعين بأن حملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات، وغيره.
017.8.2- قال الإمام برهان الدين البقاعي (بتصرف): لما كان مقصود النحل التنزه عن الاستعجال وغيره من صفات النقص، والاتصاف بالكمال المنتج لأنه قادر على الأمور الهائلة ومنها جعل الساعة كلمح البصر أو أقرب، وختمها بعد تفضيل إبراهيم عليه السلام والأمر بإتباعه بالإشارة إلى نصر أولياءه – مع ضعفهم في ذلك الزمان وقلتهم – على أعدائه على كثرتهم، وقوتهم، وكان ذلك من خوارق العادات، وأمرهم بالتأني والإحسان، افتتح هذه السورة بتحقيق ما أشار الختم إليه بما خرقه من العادة في الإسراء، وتنزيه نفسه الشريفة من توهم استبعاد ذلك، تنبيهاً على أنه قادر على أن يفعل الأمور العظيمة الكثيرة الشاقة في أسرع وقت، دفعاً لما قد يتوهم به من يسمع نهيه عن الاستعجال وأمره بالصبر، وبياناً لأنه مع المتقي المحسن، وتنويهاً بأمر محمد صلى الله عليه وسلم، وإعلاماً بأنه رأس المحسنين وأعلاهم رتبة وأعظمهم منزلة، بما آتاه من الخصائص التي منها المقام المحمود، وتمثيلاً لما أخبر به من أمر الساعة.
017.8.3- قال الإمام جلال الدين السيوطي: هذه السورة والأربع بعدها من قديم ما أنزل: اخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء (من العتاق الأول وهن من تلادى) وهذا وجه في ترتيبها وهو اشتراكها في قدم النزول وكونها مكيات وكونها مشتملة على القصص وقد ظهر في وجه اتصالها بسورة النحل: أنه سبحانه لما قال في آخر النحل: {إِنما جعلَ السبت على الذين اختلفوا فيه} فسر في هذه شريعة أهل السبت وشأنهم فذكر فيها جميع ما شرع لهم في التوراة كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: (التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل) وذكر عصيانهم وفسادهم وتخريب مسجدهم ثم ذكر استفزازهم للنبي صلى الله عليه وسلم وإرادتهم إخراجه من المدينة ثم ذكر سؤالهم إياه عن الروح ثم ختم السورة بآيات موسى التسع وخطابه مع فرعون: وأخبر أن استفزازهم للنبي صلى الله عليه وسلم ليخرجوه من المدينة هو وأصحابه كنظير ما وقع لهم مع فرعون لما استفزهم ووقع ذلك أيضاً ولما كانت هذه السورة مصدرة بقصة تخريب المسجد الأقصى أسرى بالمصطفى إليه تشريفاً.
017.8.4- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم قوله {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً} إلى قوله تعالى {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً} الآية، كان ظاهر ذلك تفضيل إبراهيم عليه السلام على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى جميع الأنبياء لا سيما مع الأمر بالاتباع، فأعقب ذلك بسورة الإسراء، وقد تضمنت من خصائص نبيناً صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وانطوت على ما حصل منه المنصوص في الصحيح والمقطوع به والمجمع عليه من أنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم – سيد ولد آدم، فاستفتحت السورة بقصة الإسراء وقد تضمنت – حسبما وقع في صحيح مسلم وغيره – إقامته بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفيهم إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء من غير استثناء، هذه رواية ثابت عن أنس رضي الله عنه، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم دائماً أبداً – أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيراً ونذيراً، وأنزل عليّ القرآن فيه تبيان كل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي وسطاً وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون، وشرح لي صدري، ووضع عني وزري، ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحاً وخاتماً، فقال إبراهيم عليه السلام: بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه من طريق الربيع بن أنس وذكر سدرة المنتهى وأنه تبارك وتعالى قال له: سل! فقال: إنك اتخذت إبراهيم خليلاً، وأعطيته ملكاً عظيماً، وكلمت موسى تكليماً، وأعطيت داود ملكاً عظيماً، وألنت له الحديد، وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكاً عظيماً، وسخرت له الجن والإنس والشياطين والرياح، وأعطيته ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم، فلم يكن له عليهما سبيل، فقال له ربه تبارك وتعالى: قد اتخذتك حبيباً فهو مكتوب في التوراة – ” محمد حبيب الرحمن ” وأرسلتك إلى الناس كافة، وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون. وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيين خلقاً وآخرهم بعثاً، وأعطيتك سبعاً من المثاني ولم أعطها نبياً قبلك، وأعطيتك خواتم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبياً قبلك، وجعلتك فاتحاً وخاتماً. وفي حديث شريك أنه رأى موسى عليه السلام في السماء السابعة قال: بتفضيل كلام الله، قال: ثم علا به فوق ذلك ما لا يعلمه إلا الله، فقال موسى: لم أظن أن يرفع عليّ أحد. وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرجه البزار ” في ذكر تعليمه عليه الصلاة والسلام الأذان وخروج الملك فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا جبريل! من هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق! إني لأقرب الخلق مكاناً، وإن هذا الملك ما رأيته قط منذ خلقت قبل ساعتي هذه. وفيه: ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقدمه، فأم بأهل السماء فيهم آدم ونوح ” ، وفي هذا الحديث قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين راويه: فيومئذ أكمل الله لمحمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم – الشرف على أهل السماوات والأرض؛ قال ابن الزبير: وقد حصل منه تفضيله صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وشرف وكرم وبجل وعظم دائماً أبداً – بالإسراء وخصوصه بذلك، ثم قد انطوت السورة على ذكر المقام المحمود، وهو مقامه في الشفاعة الكبرى، وذلك مما خص به حسبما ثبت في الصحيح وانعقد عليه إجماع أهل السنة، ولا أعلم في الكتاب العزيز سورة تضمنت من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وشرف وكرم وبجل وعظم دائماً أبداً – الذي فضل به كافة الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام مثل ما تضمنت هذه والحمد لله – انتهى.