العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


037.0 سورة الصافات


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


037.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المئين. 3) عدد آياتها 182 آية. 4) السابعة والثلاثون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والتاسعة والخمسون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد الأنعام.  6) أسماء أخرى للسورة: وتسمّى أيضاً سورة الذبيح. من كلام الجعبري. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 14 مرّة، إله 1 مره، لله 1 مرة، رب 14 مرّه، خَلَق 2 مرّة؛ (1 مرّة): واحد، مجيب، أنعم، بلاء، فتن، أحسن الخالقين، يفعل. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

وهي السورة الوحيدة التي ذكرت فيها: إسم الله “رب العزة” 1 مرة، {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 1 مرة هي ومحمد. كذلك الكلمات: (1 مرّة): لازب، يقطين، مارد، بعلاً.

أكثر سورة وردت فيها الآيات والكلمات التالية: محسن 6 مرات، جحيم 6 مرات، سلام 5 مرات، نجزي 5 مرات، مخلصين 5 مرات، عمّا يصفون 2 مرة، يبصر 4 مرات هي والأعراف، زجرة 3 مرات، ذائق 2 مرة،

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)}

{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)}

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)}

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)}

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)}

{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)}

{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) (74) (128) (160)} 4 مرات، {لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)} 1 مرة

{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)}، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)}

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)}، {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)}

وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: عباد 11 مرة، خلق 6 مرات، مؤمنين 5 مرات، ترك 6 مرات، سبحان 4 مرات، تعبدون 4 مرات، حق 2 مرة، سخر 2 مرة.

037.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج ابن أبي داود في فضائل القرآن وابن النجّار في تاريخه عن نهشل بن سعيد الورداني عن الضحاك عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “من قرأ يس، والصافات يوم الجمعة، ثم سأل الله أعطاه سؤله”.

037.3 وقت ومناسبة نزولها:

تدل موضوعات السورة على أنها نزلت خلال منتصف الفترة المكية لتبطل بالحجّة والبرهان ما كان يزعمه كفار مكّة ويحتجون به من ضلالات وجهالات تميّزت بها تلك الفترة: بقولهم أن القرآن سحر، وإنكارهم البعث، وجعلهم لله البنات والأنساب، واستعجالهم العذاب، قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)}، {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)}، {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)}، {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)}؛ وكانوا يتمنّون أن يأتيهم ذكر الأولين، فيقولون: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)}، فلما جاءهم ذكر الأولين وعلم الآخرين {كَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)}.

وربما تدل الموضوعات والأسلوب أيضاً على أنها نزلت ما بين منتصف الفترة المكية والمرحلة الأخيرة من العهد المكي، فالأسلوب يشير بوضوح إلى أن العداء يشتعل بقوّة في خلفية الأحداث والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يسيرون في ظروف صعبة ومثبطة. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

037.4 مقصد السورة:

037.4.1- يخاطب سبحانه وتعالى عباده: بأنه الإله المعبود، وحده لا شريك له، رب كل شيء. يقسم على ذلك بالملائكة الصافات الزاجرات الذاكرات التي لا تسأم من تنفيذ أوامره، ويستشهد بزينة السماء بالكواكب وبحفظ والأرض من الشياطين كتأكيد ودليل؛ ويعرّف الناس على المقصد من وجودهم على الأرض وهو الإخلاص له بالعبادة، وأن العبادة تكريم لهم في الدنيا ونعيم في الآخرة، بدليل أن ثلث آيات السورة تتحدث عن جزاء عباد الله المخلصين (المحسنين) في الدنيا من الذكر الطيب والسلام من رب العالمين والاستجابة لدعائهم وفي الآخرة من الفوز العظيم وجنات النعيم؛ وأن جزاء الكفر والمعصية شقاء في الدنيا وعذاب أليم في الآخرة.

وفيها إقامة الدليل على أن الله عظيم فوق كل ما يتصوره الإنسان له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما، وهو بنفس الوقت قريب جداً من الناس يسمع ندائهم ويستجيب لدعائهم. وفيها تنزيه الله بأسمائه عن كل ما يتخيله الناس والاعتراف بربوبيته وعبادته، وفي ذلك النجاة والفوز العظيم، وفي عبادة غيره العذاب والجحيم والهلاك. يقابله حماقات الإنسان وهم إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، وهم يكذبون ويسخرون ولا يذكرون ويستسخرون ويقولون سحر مبين وشاعر مجنون ويصفون لله البنات ولهم البنون. فكان من الأجدر أنهم يؤمنوا ويخلصوا لله العبادة.

037.4.2- مقصد السورة نجده في الآيات الرابعة والخامسة {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)}، وقد تكرر البرهان عليه أربع مرات بأربعة أساليب مختلفة، في كل ّ آياتها كما تم تفصيله أدناه.

037.4.3- وقال البقاعي في نظم الدرر: ولما كان من البلاغة أن يناسب بين القسم والمقسم عليه، وكأن الاصطفاف دالاً على اتحاد القصد كما في صفوف القتال والصلاة، وكان الملائكة لا قصد لهم إلا الله من غير عائق عن ذلك، فكانوا أحق الخلق بالاصطفاف، تارة للصلاة، وتارة للتسبيح والتقديس، وتارة لتدبير الأرزاق، وتارة لتعذيب أهل الشقاق، إلى غير ذلك من الأمور.

037.5 ملخص موضوع السورة:

ومقصدها نجده في مطلعها، إذ يقسم تعالى بالملائكة الصافات الزاجرات الذاكرات التي لا تسأم من تنفيذ أوامره: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)}. ويستشهد على ذلك بزينة السماء بالكواكب، وبحفظ والأرض من الشياطين كتأكيد ودليل، وقد تكرر البرهان على هذا المقصد أربع مرات بأربعة أساليب مختلفة، استخدَمت في كلّ مرّة نفس جنس أباطيلهم لتثبت بأنها دليل حق لا دليل باطل كما زعموا: أولها (الآيات 1-17) تبين أن الله خلق كل شيء، وأنه تصطف له الملائكة تنفذ أمره، وتنتظم له السماوات والأرض لا تحيد عن أمره، وتلتزم الشياطين بألا تتعدى ما سمح لها بفعله. الثاني (الآيات 18-74) تؤكد بأن البعث والحساب حقّ لعقاب الظالمين المجرمين ومكافأة عباد الله المخلصين، وأن هذه الدنيا دار اختبار مؤقتة أما دار القرار فهي الآخرة. الثالث (الآيات 75-148) ستّ قصص تبين عظمة الله وعزته، يحفظ عباده المؤمنين ويسمع دعاءهم ويجزيهم في الدنيا بالسلام والذكر الحسن، وينجيهم وينصرهم ويهلك أعداءهم الكافرين، ولهم في الآخرة النعيم المقيم، ولأعدائهم العذاب الأليم. الرابع (الآيات 149-182) إبطال إفك المشركين على الله الواحد الذي لا إله غيره ولا رب سواه بالحجّة، خَلَق الخلائق لكي تخلص له في العبادة والطاعة، وتنعم بالسلام والأمان والسعادة بقربه، وتذكره وتسبح بحمده، فهو يحفظها وينصرها ويبقيها في ظل رحمته وأسمائه العلى كما يلي:

(الآيات 1-17): يخاطب سبحانه عباده ويقسم بأنه الإله المعبود، وحده لا شريك له، رب كل شيء، وخالق أشدّ منهم خلقاً منها ثلاثة جعلوها أبناء وشركاء وأنسباء لله، تعالى عمّا يصفون، الأولى: هي الملائكة تذكر الله وتتحكم في حركة الأشياء وتصطف لله صفوفاً كاصطفاف الجند لتنفيذ أوامره، وهي التي أقسم بها ولكننا لا نراها ولا نعلم عنها سوى ما أخبرنا به. والثانية: الكواكب وهي آية سخرها لنا نراها كل حين، لا تغيب عن ناظرنا ونرى آثارها تزين السماء الدنيا وتحفظها من الشياطين. والثالثة: الشياطين وهي مخلوقات مغضوب عليها أخبرنا تعالى عنها، تناصب الإنسان العداء وتوسوس له بالشر، لكنها حجبت عنه تراه ولا يراها، إلا أنه يلمس آثار وجودها. والعجيب أيضاً أن الناس على ضعفهم يستهزؤون ويسخرون وينكرون البعث وإذا ذكّروا يقولون هذا سحر مبين.

(الآيات 18-74) أنباء البعث والعذاب وأهوال يوم القيامة والنار ونعيم الجنة، في ثلاثة مقاطع وهي: (22 آية) أنهم سيُبعثون وهم أذلاء صاغرون نادمون يتلاومون على تكذيبهم وتفريطهم في حق ربهم، مستسلمون ليوم القضاء بين الخلق، والجزاء بالعدل على ما كانوا يعملون في الدنيا من المعاصي؛ ثمّ (22 آية) وصف الجنة ونعيمها لعباد الله المخلصين، لهم فيها رزق معلوم لا ينقطع، لمثل هذا النعيم الكامل والخلود الدائم والفوز العظيم فليعمل العاملون في الدنيا، ليصيروا إليه في الآخرة؛ ثمّ (13 آية) وصف النار والعذاب، فتأمَّل كيف كانت نهاية تلك الأمم التي أنذرت، فكفرت، فعُذِّبت وصارت عبرة للناس، إلا عباد الله الذين أخلصهم الله، وخصَّهم برحمته لإخلاصهم له.

(الآيات 75-148): وهي أربعون بالمئة (40%) من آيات السورة احتوت على ستة (6) قصص تبين ما انتهت إليه رسالة المرسلين مع أقوامهم، وهم نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس ولوط ويونس عليهم جميعاً السلام، أرسلوا بالحق والدين فكُذّبوا، فأهلك الله المكذبين ونجّى المرسلين ومن آمن معهم ونصرهم وجعل لهم الذكر والثناء الحسن فيمن يأتي بعدهم. مثل هذا الجزاء يجزيه الله لكل من أحسن في عبادته وطاعته، إنهم من عباد الله المصدقين المخلصين العاملين بأوامره.

(الآيات 149-182): تعنيف المشركين وبيان إفك المعتدين بقوله: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)} … إلى آخر السورة التي تبين تجرأهم على ربّهم بأوصاف لا يرضونها لأنفسهم، بأن جعلوا لله البنات والشريك، والنسب إلى الجنّ، سبحانه وتعالى عمّا يصفون، هو واحد أحد ليس كمثله شيء، بل يزعمون من غير دليل، فهم لم يشهدوا خلق الله الملائكة ولا غيرها من المخلوقات، فأنى لهم أن يحكموا من غير برهان؛ فأعرض عنهم وأنظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من العذاب والنكال، ولقد سبقت كلمة الله لعباده المرسلين، بأن لهم النصر على أعدائهم بالحجة والقوة، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}.

اللهم اهدنا واجعلنا من عبادك المخلصين المحسنين الفائزين وأكرمنا برحمتك في جنّات النعيم.

037.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تنزيه الله سبحانه لنفسه بأسمائه بأنه وحده هو رب السماوات والأرض وما بينهما ومزين السماء بالكواكب، تصطف الملائكة لتنفيذ أمره ولذكرة، وتستسلم المخلوقات لمشيئته. ونزّه نفسه عن أن يكون له ولد أو نسب كالبشر، وعن كل ما يتخيّله الناس من أوصاف بعقولهم الضعيفة. وقد ابتلى الناس بالإخلاص له بالعبادة والإحسان في العمل. وأنه سبحانه جعل البعث ويوم الدين للفصل بين مخلوقاته بالعدل. من أجل ذلك أرسل المرسلين، وبين الآيات، وفنّد بالحجة أفكار الكفار حول الملائكة والجن والشركاء، ووعد رسله بالظفر والغلبة على الكفار، وبين كيف كانت عاقبة المنذرين وعاقبة المكذبين. وضرب أمثلة حقيقية من قصص الأنبياء يتضح منها طريقة استجابة الإنسان للهدى والضلال.

تنقسم السورة من حيث ترتيب آياتها إلى 4 مجموعات من الآيات كما هي ملخصة أعلاه، وتفصيلها كما يلي:

037.6.1- المجموعة الأولى عبارة عن مقدمة من ثلاثة مقاطع (وهي القسم بالملائكة على وحدانية الله ثم الدليل على الوحدانية من مخلوقات الله العظيمة ثم تكذيب الناس وسخريتهم) يخاطب فيها الإله الواحد الخالق العظيم الإنسان المخلوق الضعيف الضال الظالم لنفسه المجرم بحق ربه الساخر من رسالته بأنهم مبعوثون ومحاسبون: الآيات (1-17) = 17 آية = 9.34%

037.6.1.1- يقسم تعالى بأنه هو الإله الواحد رب كل شيء، يخاطب بذلك الإنسان لأنه هو المعني بالرسالة التي نزلت لأجله تُذكّره بأنه موجود على الأرض لهدف عبادة الله والالتزام بدين الفطرة.

أقسم الله تعالى بالملائكة تصطف في عبادتها صفوفاً، وبالملائكة تزجر السحاب وتسوقه بأمر الله، وبالملائكة تتلوا ذكر الله وكلامه تعالى. إن إلهكم أيها الناس لواحد لا شريك له. هو خالق السماوات والأرض وما بينهما، ومدبِّر الشمس في مطالعها ومغاربها.

037.6.1.2- الدليل على وحدانية الله من وجود ثلاثة مخلوقات عظيمة من مخلوقاته تشاركنا حياتنا وتؤثر فينا، لكن يعجز الإنسان عن رؤيتها كلها وعن تصورها أو إدراك كنهها كاملة، لا يلم سوى باليسير من صفاتها وماهيتها ناهيك أن يحيط بمعرفتها أو أن يدرك حدودها. المخلوقات الأولى هي الملائكة تذكر الله وتتحكم في حركة الأشياء وتصطف لله صفوفاً كاصطفاف الجند لتنفيذ أوامره وهي التي أقسم بها في السورة ولكننا لا نراها ولا نعلم عنها سوى ما أخبرنا به الله تعالى؛ والثانية الكواكب وهي آية سخرها لنا نراها كل حين لا تغيب أبداً عن ناظرنا ونرى آثارها تزين السماء الدنيا وتحفظها من الشياطين؛ والثالثة هي الشياطين مخلوقات مغضوب عليها أخبرنا الله عنها تناصب الإنسان العداء وتوسوس له بالشر، لكنها حجبت عنا لا نراها إلا بظروف معينة ونلمس آثار وجودها.

037.6.1.3- مع هذين التأكيدين (القسم والدليل) نجد تكذيب عجيب للرسالة وإنكار للبعث من هذا الإنسان الضعيف، والأعجب منه أنهم يستهزئون ويسخرون من قول الرسول. وإذا ذكِّروا بما نسوه أو غَفَلوا عنه لا ينتفعون بهذا الذكر ولا يتدبَّرون.

037.6.2- ثلاثة مقاطع يصف فيها سبحانه أنباء البعث والعذاب وأهوال يوم القيامة والنار ونعيم الجنة في ترغيب وترهيب حقيقي وصادق لعلهم يفيقوا ويستعدوا لذلك اليوم بالإخلاص لله في العبادة. الآيات (18-74) = 57 آية = 31.32%.

037.6.2.1- المجموعة الثانية تأكيد البعث وبيان تفاصيله وأهواله. الآيات (18-39) = 22 آية،

قل لهم أيها الرسول نعم سوف تُبعثون، وأنتم أذلاء صاغرون. فإنما هي نفخة واحدة، فإذا هم قائمون من قبورهم ينظرون أهوال يوم القيامة. يقولون يا هلاكنا هذا يوم الحساب والجزاء. فيقال لهم: هذا يوم القضاء بين الخلق بالعدل الذي كنتم تكذبون به في الدنيا وتنكرونه. ثم تكمل الآيات بمزيد من التفصيل عن جمع الذين كفروا بالله ونظراءهم وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، وسؤالهم عن أعمالهم التي صدرت عنهم في الدنيا، وسوقهم سوقاً إلى جهنم يتلاومون ويتخاصمون فيها ويشتركون في العذاب كما اشتركوا في الكفر. وهذا ينطبق على كل من عصى الله في الدنيا واستكبر عن الإيمان بلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وكذب المرسلين. وما يجزون في الآخرة إلا بما كانوا يعملونه في الدنيا من المعاصي.

037.6.2.2- وصف الجنة ونعيمها، وقد بدأت بذكر أنها مصير عباد الله المخلصين. الآيات (40-61) = 22 آية،

ينبئهم تعالى ثواب الذين أخلصوا له في عبادته، فأخلصهم واختصهم برحمته، أولئك لهم في الجنة رزق معلوم لا ينقطع. فواكه متنوعة، وهم مكرمون بكرامة الله لهم في جنات النعيم الدائم. على سرر لهم أزواج وشراب وكل ما يشتهون. يستذكرون أحوالهم في الدنيا وما كانوا يعانون فيها، وما أنعم الله به عليهم في الجنة، وهذا من تمام الأنس، ويرون ما حلّ بالمكذبين ومصيرهم في النار. لمثل هذا النعيم الكامل، والخلود الدائم، والفوز العظيم، فليعمل العاملون في الدنيا؛ ليصيروا إليه في الآخرة.

037.6.2.3- وصف النار والعذاب، وقد أنهت بذكر أن عباد الله المخلصين مستثنون منه. الآيات (62-74) = 13 آية،

أذلك الذي سبق وصفه مِن نعيم الجنة خير ضيافة وعطاء من الله، أم شجرة الزقوم الخبيثة الملعونة، طعام أهل النار؟ الله جعلها فتنة افتتن بها الظالمون لأنفسهم بالكفر والمعاصي، وقالوا مستنكرين: إن صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر. إنهم وجدوا آباءهم على الشرك والضلال، فسارعوا إلى متابعتهم على ذلك. ولقد ضلَّ عن الحق أكثر الأمم السابقة. ولقد أرسلنا في تلك الأمم مرسلين أنذروهم بالعذاب فكفروا. فتأمَّل كيف كانت نهاية تلك الأمم التي أنذرت، فكفرت؟ فقد عُذِّبت، وصارت للناس عبرة. إلا عباد الله الذين أخلصهم الله، وخصَّهم برحمته لإخلاصهم له.

037.6.3- المجموعة الثالثة 6 قصص عن الرسل. الآيات (75- 148) = 74 آية = 40.66%

احتوت السورة على ستة (6 قصص) من قصص الأنبياء تبين من خلالها عظمة الله وعزته فوق ما يتخيله الناس؛ وأنه بنفس الوقت قريب منهم يعلم ما يخفون وما يعلنون، يأخذ بأيديهم إلى الهدى بالرسالة والحجة والآيات. رحيم بهم يدبر أمرهم لا يغيبون عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك، يدفع عن عباده الأخطار وينجيهم، ويرد كيد أعدائهم في نحرهم. قريب مجيب يسمع دعاءهم ويحقق لهم رغباتهم. له ما في السماوات وما في الأرض ينصر المؤمنين ويخذل الكافرين.

037.6.3.1- تبين القصة الأولى كيف نجى الله نوح وأهله وجعل ذريته هم الباقين، بعد أن أغرق المشركين من قومه بالطوفان العظيم. وأبقى له ذِكْراً جميلا وثناءً حسناً فيمن جاء بعده من الناس يذكرونه به. كذلك يجزي الله كلَّ مَن أحسن من العباد في طاعة الله، إن نوحاً من عباد الله المصدقين المخلصين العاملين بأوامره.

037.6.3.2- أما قصة إبراهيم فقد جاءت بتفصيل وافي كنموذج يمثل معاناة المرسلين مع أقوامهم الذين تركوا عبادة الله الخالق الرازق مدبر الكون وعبدوا الأصنام التي لا تضر ولا تنفع. فنبي الله إبراهيم استنكر على قومه عبادتهم هذه الآلهة وتركهم عبادة الله المستحق للعبادة وحده، إذ أنهم أشركوا به وعبدوا معه غيره. فأقبل على آلهتهم التي صنعوها بأيديهم يضربها ويكسِّرها بينما هي لا تدافع عن نفسها، ليثبت لقومه خطأ عبادتهم لها. فلما قامت عليهم الحجة لجأوا إلى القوة، فأرادوا أن يحرقوه في النار فنجاه الله وردَّ كيدهم في نحورهم، وجعل النار على إبراهيم برداً وسلاماً. ثم هاجر إبراهيم إلى حيث يتمكن من عبادة ربه فهو سيدلّه على الخير في دينه ودنياه. وهناك دعا الله أن يرزقه الولد فوهب له غلام حليم وهو نبي الله إسماعيل، وابتلي بذبح ابنه فنجاه الله وجازاه على تصديقه وإحسانه بالتكريم والسلامة، والبشارة بإسحاق نبياً من الصالحين والخلاص من الشدائد في الدنيا والآخرة.

هذه القصة نموذج يتكرر في كل الأمم فينجي الله المرسلين ومن آمن معهم ويجعل لهم الذكر والثناء الحسن فيمن يأتي بعدهم، مثل هذا الجزاء يجزيه الله لكل من أحسن في عبادته وطاعته، إنهم من عباد الله المصدقين المخلصين العاملين بأوامره.

037.6.3.3- ثم تأتي قصة موسى وهارون وقد منَّ عليهما بالنبوة والرسالة، ونجاهما وقومهما من الغرق، وما كانوا فيه من عبودية ومَذلَّة. ونصرهم، فكانت لهم العزة والنصرة والغلبة على فرعون وآله. وآتاهما الله التوراة البينة، وهداهما الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه. وجعل لهما الذكر والثناء الحسن فيمن يأتي بعدهم.

037.6.3.4- وفي قصة إلياس وهو من الذين أكرمهم الله بالنبوة والرسالة. فكذبه قومه عبدة الأوثان. وتركوا عبادة الله أحسن الخالقين، وهو ربهم الذي خلقهم وخلق آباءهم الماضين.

037.6.3.5- ونجى عبده ورسوله لوط وأهله من قومه الذين كفروا كلهم ولم يؤمن منهم أحد. فأهلكم الله وأبقى أثارهم عبرة لمن يأتي بعدهم.

037.6.3.6- ونجى عبده ورسوله يونس من بطن الحوت، وقد كان كثير العبادة والعمل الصالح، فأرسله إلى مائة ألف من قومه أو يزيدون، فصدَّقوا وعملوا بما جاء به، فمتعهم بحياتهم إلى وقت بلوغ آجالهم.

037.6.4- المجموعة الرابعة هي خاتمة تجادل الناس بالحجة والمنطق الآيات (149- 182) = 34 آية = 18.68%

تبين تجرؤ الإنسان على ربه ونعته له بأوصاف لا يرضاها الإنسان لنفسه، ذلك بأن يجعل لربه البنات وله البنين. وتبين أن الله سبحانه واحد أحد ليس كمخلوقاته فلا ولد له ولا شريك وهو خارج نطاق وصف الإنسان. وأن الإنسان حين يدعي بأن لله شريك أو ولد أو أن بينه وبين الجنّة نسباً فقد قال زوراً وبهتاناً لأنه قول من غير دليل فليس له الدليل ولم يشهد خلق الله الملائكة ولا غيرها من المخلوقات فأنى له أن يحكم بهواه كذباً من غير برهان. إلا القليل من عباد الله المخلصين.

037.6.4.1- لقد كذب المشركون حين قالوا: ولَد الله، لأنهم يقولون ما لا يعلمون، فلم تأتهم حجة في كتاب من عند الله بذلك، فالله ليس كالبشر لا يجوز ولا ينبغي أن يكون له ولد. وقد كان العرب قبل الإسلام يزعمون بأنّه يوجد قرابة بين الله والجنّ وأنّ الجنّ ولدت الملائكة وأنهنّ بنات الله. تنزَّه الله عن كل ما لا يليق به ممَّا يصفه به الكافرون. لكن عباد الله المخلصين له في عبادته لا يصفونه إلا بما يليق بجلاله سبحانه. كذلك الملائكة هي من جند الله واقفون صفوفاً في عبادته وطاعته، يسبحونه وينزِّهونه عن كل ما لا يليق به (كما سبق تفصيله في بداية السورة).

037.6.4.2- وكان أهل مكة يقولون لو جاءنا من الكتب والأنبياء ما جاء الأولين، لكنّا عباد الله الصادقين في الإيمان، المخلَصين في العبادة، فلما جاءهم كفروا، فسوف يعلمون ما لهم من العذاب في الآخرة. ولقد سبقت كلمة الله لعباده المرسلين، أن لهم النصرة على أعدائهم بالحجة والقوة، وأن جنده المجاهدين في سبيله لهم الغالبون لأعدائهم في كل مقام باعتبار العاقبة والمآل (كما سبق تفصيله في قصص الأنبياء التي في السورة).

037.6.4.3- يستعجل الكفار نزول عذاب الله بهم، الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، فأعرض عنهم وأنظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من العذاب والنكال حين يأذن الله بعذابهم (عذاب في الدنيا بالهلاك والهزيمة وعذاب في الآخرة في النار).

 

037.6.4.4- تنزَّه الله وتعالى رب العزة عما يصفه هؤلاء المفترون عليه. وسلامه الدائم وثناؤه وأمانه لجميع المرسلين. والحمد لله رب العالمين (في الأولى والآخرة، فهو المستحق لذلك وحده لا شريك له).

{والحمد لله رب العالمين (182)}. الحمد لله: افتتح بها سبحانه الهداية في سورة الفاتحة، وافتتح بها نعم الله في سورة الأنعام، وافتتح بها إنزال دين التوحيد التي جاء بها القرآن في سورة الكهف، وافتتح بها إحاطته وعلمه في سورة سبأ. وافتتح بها سيطرته الكاملة على كل مخلوقاته وفطرته لها في سورة فاطر (الملائكة). ومن ثم كان الحمد لله ابتداءاً، وكان الحمد لله ختاما قاعدة من قواعد الإسلام {وهو الله لا إله إلا هو، له الحمد في الأولى والآخرة (70)} القصص. واختتم بها تنزيه نفسه بأسمائه في سورة الصافات. واختتم بها قضاءه بين العباد بالحق في آخر سورة الزمر. راجع أيضاً تناسب السور المفتتحة بالحمد لله والتي تشير إلى كثرة النعم فيها أو عظمتها التي تستحق الحمد.

037.7 الشكل العام وسياق السورة:

037.7.1- اسم السورة:

037.7.1.1- سميت “الصافات” تذكيراً للعباد بمظاهر العزة في الكون (وهي السورة الوحيدة التي ذكر اسم الله “رب العزة”) المتمثلة في متانة النظام الذي تصطف فيه وتحرسه الملائكة (جند الله). وتذكيراً بالملأ الأعلى من الملائكة الأطهار الذين لا ينفكّون عن طاعة الله وعبادته.

037.7.1.2- عنوان السورة هو الصف والطاعة والإخلاص: الله يكرم عباده ويستجيب لدعائهم ويغفر لهم، ماذا يريدون أكثر من ذلك ليخلصوا له، ماذا فعلت لهم الشركاء حتى أخلصوا لهم. اصطفاف الملائكة دليل على وحدة الخالق والآمر، وذكرها لله دليل على سعادتها بذكره وشكره؛ زينة السماء ومتانتها وحفظها دليل انتظام خلقه وعلى أسماء الكمال عنده؛ فبطاعة الله والإخلاص له ربح وبطاعة غيره خسارة. الملائكة والكواكب وعباد الله المخلصين، كلهم سعداء بالصف والامتثال. فعلى الإنسان أن يصطف في طاعة الله ويسبحه ويحمده كغيره من المخلوقات. ففي ذلك النجاة والفوز العظيم وفي غيره، أي الاستهزاء والكفر وعدم الإيمان العذاب والجحيم والهلاك. الله يكرم عباده المخلصين في الدنيا، في بشارة وإشارة لرضاه عنهم، كذلك لا عذاب في الدنيا بشارة وإشارة إلى أن لا عذاب في الآخرة.

037.7.2- السياق باعتبار القصص:

باعتبار القصص يمكن تقسيم السورة إلى ثلاثة مجموعات من الآيات، وهي الآيات التي من أول السورة إلى بداية القصص، ثم الآيات التي فيها القصص، ثم الآيات التي بعد القصص إلى آخر السورة. وسنجد من ذلك أن مقصد السورة تكرر ثلاث مرات بثلاثة أساليب مختلفة، كما يلي:

الأول جاء بالإشارة إلى مخلوقات الله والواقع المعاش. يبين أن الله خلق كل شيء، وأنه تصطف له الملائكة تنفذ أمرة، وأنه تنتظم له السماوات والأرض لا تحيد عن أمرة، وكذلك تلتزم الشياطين بأن لا تتعدى المجال الذي سمح لها بالبقاء فيه. ولا بد للإنسان الضعيف من أن يخلص لله في العبادة كغيره من المخلوقات العظيمة، وأن لا يستكبر عن عبادته كما فعل الشيطان، وأن الإنسان خلق على الأرض مختاراً ليعمل كما أمره الله، ثم ينال جزاءه في الآخرة بما كان يعمله في الدنيا. الآيات (1-74) = 74 آية.

الثاني جاء على شكل قصص تبين أن عظمة الله وعزته فوق ما يتخيله الناس، وأيضاً قربه من الناس أكثر مما يظنون، يحفظ عباده المؤمنين ويسمع دعاؤهم ويجزيهم في الدنيا بالسلام والذكر الحسن على إيمانهم وإحسانهم وينصرهم وينجيهم من الكافرين؛ كذلك ويهلك أعداءهم، هذا في الدنيا عدا عن ما أعده لهم من النعيم المقيم في الآخرة والعذاب الأليم لأعدائهم. الآيات (75- 148) = 74 آية.

الثالث على شكل حوار عقلي منطقي يبين فيه سبحانه أنه هو رب العزة منزه عما يصفه هؤلاء المفترون عليه. هو ليس كالبشر وليس بحاجة لا لمخلوقاته ولا لشيء تحتاجه مخلوقاته. هو خَلَق الخلائق فقط لكي تخلص له في العبادة والطاعة، وفي المقابل هي تنعم بالسلام والأمان والسعادة بقربه تذكره وتسبح بحمده، فهو يحفظها وينصرها ويبقيها في ظل رحمته وصفاته العلى فهو الواحد الذي لا إله غيره ولا رب سواه. الآيات (149-182) = 34 آية.

037.7.2.1- الآيات (1-74) يتحدث سبحانه إلى عباده ينذرهم خطورة غفلتهم، وأن جهلهم هذا لا يعفيهم من أن يكونوا عباد الله المخلصين ولا يعفيهم من السؤال أمام الله. كما يلي:

037.7.2.1.1- الآيات (1-10) يقسم لهم، ويخبرهم، ويرسل لهم المرسلين أنه الله ربهم وحده لا شريك له، ويقيم الحجة والدليل على أنه ربهم، بذكر ثلاثة من مخلوقاته التي تشاركهم المكان والزمان، وهي الملائكة والسماء والشياطين؛ ويعلمهم أنهم عباده وأنه خلقهم ليعبدوه، ثم أنه سيميتهم وسيفني هذا الوجود ويطويه كما بدأه أول مرة، ثم سيبعثهم مرة أخرى ويحشرهم ليحاسبهم على أعمالهم، فمنهم من سيفوز بالجنة وهم قلّة، ومنهم سيعذب في النار وهم السواد الأعظم.

037.7.2.1.2- الآيات (11-17) العجب العجاب الذي تبينه السورة، هو ليس فقط غفلة الناس وجهلهم عن ما هم مخلوقون لأجله، وعن خطورة ما هم مقبلون عليه، ولكن سخريتهم من الرسل وإعراضهم عن سماع النذير، وعماهم عن رؤية الآيات، وضياع منطقهم، بل وإلغائهم لعقولهم. يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون، جعلوا آية تحولهم إلى تراب وعظام دليل على عجز الله سبحانه وإنكار البعث، بينما هي دليل على عظمته سبحانه إذ أنه خلقهم من التراب ثم أعادهم إلى التراب كما بدأوا، ثم خلق غيرهم، وهي كذلك دليل على إعادة الخلق وعلى تكرار الإحياء والإماتة (وقد سبق في علم الله أن أكثر الناس سيكذبون المرسلين وينكرون البعث).

037.7.2.1.3- الآيات (18-74) الله رحيم بعباده لم يخلقهم ليعذبهم بل خلقهم ليكرمهم، لم يترك تعالى وسيلة تذكرهم وظيفتهم التي وجدوا في الدنيا لأجلها إلا وبينها لهم. وهاهنا ينبئهم من أخبار الغيب الذي ينكرونه؛ ويصف لهم البعث والمصير، ليكونوا على بينة قبل أن يختاروا، ثلاثة أماكن وصفت بتفصيل بليغ يحرك القلوب بترغيب وترهيب لمن له قلب يعقل الحق ويطلب النجاة والسلامة، أنباء البعث وأهوال يوم القيامة ثم الجزاء في العذاب في النار أو النعيم في الجنة.

037.7.2.2- آيات القصص: (75- 148) = 74 آية = 40.66%: احتوت السورة على 6 من قصص الأنبياء، يبرز من خلالها مقصد السورة واضحاَ جلياً: وهو أن عظمة الله وعزته فوق ما يتخيله الناس؛ وأنه بنفس الوقت قريب منهم يعلم ما يخفون وما يعلنون، يأخذ بأيديهم إلى الهدى بالرسالة والحجة والبرهان لعلهم يتفكرون، ويؤدبهم بالعقاب والخذلان لعلهم يرجعون إلى رشدهم؛ له ما في السماوات وما في الأرض ينصر المؤمنين ويخذل الكافرين. أشخاص القصص هم أنبياء الله اصطفاهم من بين الناس ليكونوا قدوة في الإخلاص لله في العبادة، وأن الله فرض على الناس أشياء سهلة قابلة للتطبيق، من فعلها نصره الله ونجاه من كيد الكافرين ذلك في الدنيا، ووعده بالفوز بالجنة والنجاة من النار في الآخرة.

037.7.2.2.1- الآيات (75-82) القصة تذكر أن نوح نادى ربه لينصره على قومه، فلنعم المجيب هو الله، فنجّاه وأهله من أذى المشركين وجعل ذريته هم الباقين بعد غرق قومه.

نوح عليه السلام هو المثال الأول من عباد الله المخلصين، الذين أخلصوا في إيمانهم ودعوتهم إلى دين الله ونبذ عبادة الأوثان؛ فنجى هو وذريته ومن آمن معهم وهلك كل من دونهم في ذلك الوقت. ثم ذكر سبحانه بعد قصته 4 آيات (ستتكرر 3 مرات بعد قصص ثلاثة أقوام عبدوا الأوثان كقوم نوح وهم أقوام إبراهيم وموسى وإلياس الذين ذكروا في السورة)؛ يقول تعالى في هذه الآيات الأربع: وأبقينا له ذِكْراً جميلا وثناءً حسناً فيمن جاء بعده من الناس يذكرونه به؛ أمان لنوح وسلامة له من أن يُذْكر بسوء في الآخِرين، بل تُثني عليه الأجيال من بعده؛ مثل جزاء نوح نجزي كلَّ مَن أحسن من العباد في طاعة الله؛ إن نوحاً من عبادنا المصدقين المخلصين العاملين بأوامر الله.

037.7.2.2.2- الآيات (83-113) أما قصة إبراهيم عليه السلام فيظهر فيها مقصد السورة كاملاً واضحاَ وهو عظمة الله وعزته التي لا يدانيها وصف، وقربه من الناس، يأخذ بأيديهم إلى الهدى ليفوزوا، له ما في السماوات وما في الأرض ينصر المؤمنين ويخذل الكافرين.

ومن تفاصيلها أن إبراهيم على ملة نوح ومنهاجه، حين جاء ربه بقلب سليم من كل اعتقاد باطل، حين أنكر على أبيه وقومه عبادة آلهة جعلوها لأنفسهم وعبدوها من غير وجه حق وتركوا عبادة الله المستحق للعبادة وحده. فأقبل على آلهتهم يضربها ويكسِّرها بيده؛ ليثبت لقومه خطأ عبادتهم لها. فقال كيف تعبدون أصناماً تنحتونها أنتم، وتصنعونها بأيديكم، وتتركون عبادة ربكم الذي خلقكم، وخلق عملكم؟ فلما قامت عليهم الحجة لجأوا إلى القوة، فبنوا له بنياناً وملأوه حطباً، ثم ألقوه فيه. فردَّ الله كيدهم في نحورهم، وجعل النار على إبراهيم برداً وسلاماً.

ثم هاجر إبراهيم إلى بلد قومه إلى حيث يتمكن من عبادة ربه، فإنه سيدله على الخير في دينه ودنياه. فدعا ربه أن أعطني ولداً صالحاً. فأجاب له دعوته، وبشَّره بغلام حليم، وهو إسماعيل. فلما كَبِر إسماعيل قال له أبوه: إني أرى في المنام أني أذبحك، فما رأيك؟ (ورؤيا الأنبياء حق) فقال إسماعيل: أمض ما أمرك الله به، ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فلما استسلما لأمر الله وانقادا له، نادى: أن يا إبراهيم، قد فعلتَ ما أُمرت به، إنا كما جزيناك على تصديقك نجزي الذين أحسنوا مثلك، فنخلِّصهم من الشدائد في الدنيا والآخرة؛ إن الأمر بذبح ابنك هو الابتلاء الشاق الذي أبان عن صدق إيمانك. واستنقذنا إسماعيل، فجعلنا بديلا عنه كبشاً عظيماً.

وتتكرر الآيات التي ختمت بها قصة نوح: وأبقينا لإبراهيم ثناءً حسناً في الأمم بعده. تحيةٌ لإبراهيم من عند الله، ودعاءٌ له بالسلامة من كل آفة. كما جزينا إبراهيم على طاعته لنا وامتثاله أمرنا، نجزي المحسنين من عبادنا. إنه من عبادنا المؤمنين الذين أعطَوا العبودية حقها.

وبشَّرنا إبراهيم بولده إسحاق نبيّاً من الصالحين؛ جزاء له على صبره ورضاه بأمر ربه، وطاعته له. وأنزلنا عليهما البركة. ومِن ذريتهما من هو مطيع لربه، محسن لنفسه، ومَن هو ظالم لها ظلماً بيِّناً بكفره ومعصيته.

037.7.2.2.3- الآيات (114-122) ولقد مننَّا على موسى وهارون بالنبوة والرسالة، ونجيناهما وقومهما من الغرق، وما كانوا فيه من عبودية ومَذلَّة. ونصرناهم، فكانت لهم العزة والنصرة والغلبة على فرعون وآله. وآتيناهما التوراة البينة، وهديناهما الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام دين الله الذي ابتعث به أنبياءه.

كذلك تكرر الآيات في نهاية كل قصة: أن أبقينا لهما ثناءً حسناً وذكراً جميلا فيمن بعدهما. تحيةٌ لموسى وهارون من عند الله، وثناءٌ ودعاءٌ لهما بالسلامة من كل آفة، كما جزيناهما الجزاء الحسن نجزي المحسنين من عبادنا المخلصين لنا بالصدق والإيمان والعمل. إنهما من عبادنا الراسخين في الإيمان.

037.7.2.2.4- الآيات (123-132) وإن عبدنا إلياس لمن الذين أكرمناهم بالنبوة والرسالة، إذ قال لقومه من بني إسرائيل: اتقوا الله وحده وخافوه، ولا تشركوا معه غيره، كيف تعبدون صنماً، وتتركون عبادة الله أحسن الخالقين، وهو ربكم الذي خلقكم، وخلق آباءكم الماضين قبلكم؟ فكذب قوم إلياس نبيهم، فليجمعنهم الله يوم القيامة للحساب والعقاب، إلا عباد الله الذين أخلصوا دينهم لله، فإنهم ناجون من عذابه.

وتكرر الأربع آيات في نهاية القصة لتبين عظيم الفوز والسعادة في الدارين لمن يخلص الإيمان لله رب العالمين: وجعلنا لإلياس ثناءً جميلا في الأمم بعده. تحية من الله، وثناءٌ على إلياس. وكما جزينا إلياس الجزاء الحسن على طاعته، نجزي المحسنين من عبادنا المؤمنين. إنه من عباد الله المؤمنين المخلصين له العاملين بأوامره.

037.7.2.2.5- الآيات (133-138) وإن عبدنا لوطاً اصطفيناه، فجعلناه من المرسلين، إذ نجيناه وأهله أجمعين من العذاب، إلا عجوزاً هَرِمة، هي زوجته، هلكت مع الذين هلكوا من قومها لكفرها. ثم أهلكنا الباقين المكذبين من قومه. وإنكم -يا أهل “مكة”- لتمرون في أسفاركم على منازل قوم لوط وآثارهم وقت الصباح، وتمرون عليها ليلا. أفلا تعقلون، فتخافوا أن يصيبكم مثل ما أصابهم؟

لم تتكرر هنا الآيات عن الثناء والذكر الحسن، ولا عن الجزاء الحسن للمؤمنين، لأن قوم لوط لم يؤمن أحد من قومه فهلكوا جميعاً فدمرت بلادهم وطهرت الأرض من أرجاسهم ولم يبق منهم أحد ولم يبق من ذكرهم إلا الدمار تخويفاً وتحذيراً للمخالفين.

037.7.2.2.6- الآيات (139-148) وإن عبدنا يونس اصطفيناه وجعلناه من المرسلين، إذ هرب من بلده غاضباً على قومه، وركب سفينة مملوءة ركاباً وأمتعة. وأحاطت بها الأمواج العظيمة، فاقترع ركاب السفينة لتخفيف الحمولة خوف الغرق، فكان يونس من المغلوبين. فأُلقي في البحر، فابتلعه الحوت، ويونس عليه السلام آتٍ بما يُلام عليه. فلولا ما تقدَّم له من كثرة العبادة والعمل الصالح قبل وقوعه في بطن الحوت، وتسبيحه، وهو في بطن الحوت بقوله: لا اله الا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين، لمكث في بطن الحوت، وصار له قبراً إلى يوم القيامة. فطرحناه من بطن الحوت، وألقيناه في أرض خالية عارية من الشجر والبناء، وهو ضعيف البدن. وأنبتنا عليه شجرة من القَرْع تظلُّه، وينتفع بها. وأرسلناه إلى مائة ألف من قومه بل يزيدون، فصدَّقوا وعملوا بما جاء به، فمتعناهم بحياتهم إلى وقت بلوغ آجالهم.

كذلك لم تتكرر هنا الآيات الأربعة لأن يونس هرب من بلده غاضباً على قومه، ثم أن قوم يونس لما أرسل إليهم كلهم آمنوا بشهادة القرآن فمتعهم الله في الدنيا إلى وقت بلوغ أجلهم.

037.7.2.3- الآيات (149-182) حوار عقلي منطقي يبين فيه سبحانه أنه هو رب العزة منزه عما يصفه هؤلاء المفترون عليه. خَلَق الملائكة والشياطين والناس والسماوات والأرض وكل ما في الوجود. ليس بحاجة إلى قرابة أو نسب ولا ولد، بل هو خالق كل هذا وهم بحاجة إليه، وكل ما يقوله هؤلاء محض افتراء فلا دليل عليه. الله ينصر رسله وعباده على أعدائهم بالحجة والقوة والغلبة، فليعرض عنهم المؤمنون حتى يأذن الله بعذابهم، وسوف يرون ما يحل بهم من العذاب والنكال. الله ليس بحاجة لأحد من خلقه، وتحيته الدائمة وثناؤه وأمانه على جميع المرسلين. له الحمد رب العالمين في الأولى والآخرة، فهو المستحق لذلك وحده لا شريك له. 34 آية.

037.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات الآيات:

باعتبار موضوعات الآيات سيتبين لنا أن السورة تضمنت ثلاثة مجموعات من الآيات كما يلي:

الأولى: يتحدث الله تعالى فيها إلى عباده يعرفهم على نفسه أنه واحد أحد، ويعرفهم على المقصد من وجودهم على الأرض وهو الإخلاص له بالعبادة: وذلك عن طريق إرسال المرسلين بكلماته ورسالاته إليهم، وعن طريق بيان الآيات الكونية والكواكب التي تزين السماء الدنيا وتحفظها، والآثار التي بقيت لتدل على ما انتهى إليه مصير من سبق من الأمم الهالكة على الأرض، وعن طريق الحوار المبني على الحقائق والبينات. وتمثل (25%) ربع عدد آيات السورة.

الثانية: تبين أنه انقسم الناس في تلقيهم لرسالات ربهم إليهم وآياته إلى فريقين: فريق كذب الآيات والمرسلين واستهزأ بهم وسخر منهم وهم الأكثرية، وفريق آمن وعمل صالحاً وأخلص في العبادة وهم القلة. وتمثل (25%) ربع عدد آيات السورة.

الثالثة: النتائج على الأرض والمصير في الآخرة. وتمثل (50%) نصف عدد آيات السورة.

العبادة لله تكريم للناس في الدنيا ونعيم في الآخرة بدليل أن ثلث آيات السورة تتحدث عن جزاء عباد الله المخلصين (المحسنين) في الدنيا من الذكر الطيب والسلام من رب العالمين والاستجابة لدعائهم وفي الآخرة من الفوز العظيم وجنات النعيم. أما الذين اختاروا الكفر والمعاصي على الطاعة والعبادة، فسيذوقون العذاب الأليم في الآخرة، وقد جاء بيانه في سدس عدد آيات السورة.

037.7.3.1- حديث الله إلى عباده في الآيات (1-11، 39، 72، 73، 96، 126، 137، 138، 149، 150، 153-157، 159، 161-169، 171-180، 182) = 46 آية = 25.27%.

037.7.3.1.1- التأكيد أن الله واحد، وتنزيهه عما يصفه هؤلاء المفترون: الآيات (1-5، 126، 159، 164-166، 180) =11 آيات

الله أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد، هو رب كل شيء ومليكه، خلق الملائكة من النور عباد مكرمون، غذاؤهم ذكر الله سبحانه وتعالى، يسبحون الله في الليل والنهار لا يسأمون ولا ينامون، أطّت بهم السماوات ما فيها من موضع قدم إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد لله تعالى، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، قائمون بوظائف متنوعة أوكل الله تعالى إليهم القيام بها، وهم ليسوا آلهة، ثم أنهم ليسوا كالبشر، فهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتناسلون.

037.7.3.1.2- من آياته الدالّة عليه السماء الدنيا وما يزينها من الكواكب ويحفظها من الشياطين. الآيات (6-10) = 5 آيات

037.7.3.1.3- بيان المقصد من خلق الإنسان: وهو أن الله خلق الناس على الأرض ليبتليهم بالعمل. ثم يجزون في الآخرة بما كانوا يعملونه في الدنيا. الآية (39)

037.7.3.1.4- إرسال المرسلين منذرين ليفيق الناس من غفلتهم، فتذكرهم بخالقهم وتدلهم على آياته وعلى صفاته، وتبين لهم أن سعادتهم باتباع الفطرة التي فطرهم الله عليها وأن شقاءهم بمخالفتها. الآية (72)

037.7.3.1.5- يحاورهم سبحانه بالحجة والبرهان والدلائل والآيات المبينات على أنه وحده خالق الكون ومدبر أمره وحافظه، ويطلب منهم البينة على قولهم وافترائهم ووصفهم لله بأن له صفات البشر إن كانوا صادقين وهم ليسوا كذلك. الآيات (11، 96، 149، 150، 153-157، 161-163) = 12 آية.

037.7.3.1.6- يبين لهم بالدليل الحقيقي الذي يرونه بأبصارهم من آثار هلاك الأمم التي خالفت اتباع الهدى وسنن الفطرة بعد أن جاءهم النذير، وبقي الله يستبدل أمة كافرة بأخرى مؤمنة. الآيات (73، 137، 138)

037.7.3.1.7- الله يحكم بالحق ولا يظلم أحداً من خلقه: كانوا يعلمون الحق، بدليل من الواقع والتجربة، لكنهم يحيدون عنه إلى الباطل. ذلك أنهم كانوا يقولون قبل أن يأتيهم الرسول لو جاءنا من الكتب والأنبياء ما جاء الأولين قبلنا، لكنا عباد الله الصادقين في الإيمان، المخلَصين في العبادة.

ولقد سبقت كلمة الله التي لا مردَّ لها لعباده المرسلين، أن لهم النصرة على أعدائهم بالحجة والقوة، وأن جنده المجاهدين في سبيله لهم الغالبون لأعدائهم. وأعرض عنهم حتى يأذن الله بعذابهم في الدنيا، وأنظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من العذاب والنكال في الآخرة. والحمد لله رب العالمين في الأولى والآخرة، فهو المستحق لذلك وحده لا شريك له. الآيات (167-169، 171-179، 182) = 13 آية.

037.7.3.2- تلقي الناس لرسالات ربهم وآياته إليهم: في الآيات (12-17، 40، 69-71، 74، 75، 84-95، 97-100، 102، 103، 124، 125، 127، 128، 140-144، 148، 151، 152، 158، 160، 170) = 45 آية = 24.73%.

انقسم الناس في تلقيهم لرسالات ربهم إليهم وآياته إلى فريقين: فريق كذب الآيات والمرسلين واستهزأ بهم وسخر منهم وهم الأكثرية، وفريق آمن وعمل صالحاً وأخلص في العبادة وهم القلة.

037.7.3.2.1- الفريق المكذب هم أناس مقلّدون، ألغوا عقولهم وعميت بصيرتهم بتقليدهم ما وجدوا عليه آباؤهم من عبادة الأوثان، ظانين أنهم على الحق بينما هم على الضلال. هؤلاء الناس لم يصغوا إلى صوت الحق النازل إليهم من السماء، الذي فيه نجاتهم، وينذرهم بأنهم مقبلون على حساب وعذاب شديد، ولم يتفكروا فيعتبروا بمصير من هلك ودمر من الأمم قبلهم، أغلقوا سمعهم وأبصارهم، وأوصدوا مفاتيح قلوبهم فما أبقوا من باب أو حيلة إلى هدايتهم. ولم ينتهوا إلى هذا القدر من الضلال، بل أنكروا البعث بحجج واهية وتطاولوا على الله خالقهم بالكذب والافتراء، والأفظع منه اعتداءهم على الرسل ومحاولة قتلهم لولا أن الله نجاهم من بين أيديهم. الآيات (12-17، 69-71، 90، 94، 97، 98، 127، 151، 152، 158، 170) = 18 آية

037.7.3.2.2- الفريق المؤمن وهم عباد الله المخلصين يدعون إلى لا إله إلا الله، وترك عبادة الأوثان يبينون للمشركين ضلالهم بعبادتهم للأوثان. ويخلصون لله في العبادة، يصبرون على التكاليف والابتلاءات، يطلبون من الله الهداية والتثبيت، يدعونه رغباً ورهباً أن يرزقهم الذرية الصالحة وأن ينجيهم من المصائب وكيد الكافرين. الآيات (40، 74، 75، 84-89، 91-93، 95، 99، 100، 102، 103، 124، 125، 128، 140-144، 148، 160) = 27 آية

037.7.3.3- النتيجة نصر للمؤمنين في الدنيا ونعيم في الآخرة وهلاك للكافرين في الدنيا وندم وعذاب في الآخرة، في الآيات (18-38، 41-68، 76-83، 101، 104-123، 129-136، 139، 145-147، 181) = 91 آية = 50%

الله لم يخلق الناس ليعذبهم تعالت أسماء الله، بل خلقهم ليكرمهم، ودين الله هو كرامتهم في الدنيا وهو نجاتهم في الآخرة. وها هي هنا الآيات تبين تكريم الله كيف يكون. ثلث عدد آيات السورة تتحدث عن عظيم تكريم الله للإنسان إذا كان من المخلصين. أما إذا كان الإنسان يستهزئ بالمنذرين الذين يرشدونه إلى سبيل سلامته ونجاته، ويفسد ويقتل المرسلين ويخلق لنفسه إلاهاً من حجر لا يضر ولا ينفع، بدلاً من الإله الحي الضار النافع، فما هي الحيلة وما هي الوسيلة لمساعدة هؤلاء الناس. هم اختاروه لأنفسهم، ولو أكرمهم الله (حاشاه أن يفعل) على إفسادهم لهدمت بذلك أركان العدل، ولعمّت الفوضى نظام الله المحكم الدقيق الموزون في كل ذرّاته، تعالى الله عن أن يفعل ذلك.

اللافت في السورة أنها لم تذكر شيئاً عن عذاب المشركين في الدنيا، سوى في آيتين ذكر فيهما عدم نجاة امرأة لوط ثم تدمير قومه (الآيات 135، 136)، لكنها أسهبت بذكر تأييده ونصره للمؤمنين في الدنيا 40 آية. أما يوم البعث الذي ينكرونه فجاء في 21 آية تبين ندمهم الشديد في ذلك اليوم وهو ويوم الحساب ويليه دخولهم الجحيم، لكن المؤمنين لم يذكر عنهم شيء في يوم الحشر بل ذكر تنعمهم في الجنة في 21 آية. كذلك لم تذكر من أخبار النار سوى 7 آيات عن شجرة الزقوم التي جعلها الله فتنة للظالمين، يستنكرون أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر. الآيات (18-38، 62-68، 135، 136) = 30 آية.

هؤلاء الذين اختاروا معاصي الله في الدنيا على طاعته، سيذوقون العذاب الأليم، لأنهم كانوا في الدنيا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله، يستكبرون عنها وعلى من جاء بها. سيبعثون أذلاء صاغرون، ينظرون أهوال يوم القيامة قائلين: يا هلاكنا هذا يوم الحساب والجزاء، فيقال لهم: هذا يوم القضاء بين الخلق بالعدل الذي كنتم تكذبون به في الدنيا وتنكرونه. فيحبسون ويسألون عن أعمالهم، ثم يساقون إلى جهنم سوقاً. ويقال لهم توبيخاً: ما لكم لا ينصر بعضكم بعضاً؟ ثم يقبل بعض الكفار على بعض يتلاومون ويتخاصمون كما بينته الآيات. طعامهم في النار شجرة الزقوم الخبيثة الملعونة، ثمرها كأنه رؤوس الشياطين، وشرابهم من الحميم.

جاء في الآيات التركيز على نصر الله لرسله ولعباده المخلصين في الدنيا بالذات إذ أن أكثر من خمس آيات السورة في (40 آية) تتحدث في قصص رائعة عن دفاع الله عنهم واستجابته لأمنياتهم ونصره لهم ونجاتهم في مقابل هلاك أعدائهم. مع تكرار عبارات بقاء ذكرهم فيمن بعدهم والسلام عليهم، ومدحهم بأنهم أخلصوا له في عبادته، وأنهم لا يصفونه إلا بما يليق بجلاله سبحانه، فأخلصهم واختصهم برحمته لإخلاصهم له وبشرهم بالنجاة من العذاب الأليم. الآيات (76-83، 101، 104-123، 129-139، 145-147، 181) = 40 آية

أما في الآخرة ففي واحد وعشرون آية أخرى جاء وصف النعيم الذي ينتظر المؤمنين بما لا يخطر على بال، بما فيه من الجمال والدلال، الذي يتعب في تخيل سحره الخيال: لهم في الجنة رزق معلوم لا ينقطع من الفواكه المتنوعة، وهم مكرمون بكرامة الله لهم في جنات النعيم الدائم، على سرر متقابلين فيما بينهم، يدار عليهم في مجالسهم بكؤوس الشراب لا يخافون انقطاعها، بيضاء في لونها، لذيذة في شربها، وعندهم نساء عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين، كأنهن بَيْض مصون لم تمسه الأيدي. يتذاكرون أخبار الدنيا وقد انتهت بفوزهم، ويحمدون الله على النجاة والسلامة. بينما يرون قرناء السوء وسط النار، ولولا فضل الله لكانوا معهم في العذاب. لكنهم الآن قد تيقنوا أنَّ ما هم فيه من نعيم لهُوَ الفوز العظيم. لمثل هذا النعيم الكامل، والخلود الدائم، والفوز العظيم، فليعمل العاملون في الدنيا، ليصيروا إليه في الآخرة. (41-61) = 21 آية

037.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

037.7.4.1- آيات القصص: (12-18، 35-37، 69-179) = 121 آية.

037.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (19-34، 38-68) = 47 آية.

037.7.4.3- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (1-11) = 11 آية.

037.7.4.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (180-182) = 3 آيات.

037.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

037.8.0- سورة الصافات هي بداية الربع الرابع من القرآن، وفيه بيان الهدى والدعوة إلى الدين بالأسلوب العملي والتجربة، بإظهار الحق الذي يجهلونه عن مخلوقات الله ولا يرونه، وذكر قصص الأولين وعلم الآخرين، والإكثار من ذكر أنباء اليوم الآخر والحساب والمصير والتي تشكل واحداً وسبعين بالمئة (71%) تقريباً من مجموع قصص اليوم الآخر في القرآن. والإكثار من ذكر آيات الله في السماوات والأرض وما بينهما، والتي تشكل واحداً وخمسين بالمئة (51%) تقريباً من مجموع آيات خلق الله في القرآن، ولم يذكر فيها شيء من أركان الإسلام سوى الصلاة والزكاة (ذكرت في 8 آيات فقط)، ولم يذكر الحج. فكان مقصدها تأكيد أن الله واحد، وأن الكون مخلوق لغرض وحكمة، وأنه حق لا لعب ولهو، وأن الله العزيز الحكيم هو مصدر الوحي والرسالة للناس، وأن الدين بأركانه هو الحق ولمنفعة الناس، وأن البعث والحساب حق، وهكذا، كما ظهر جليّاً من بداية الربع الرابع بسورة الصافات وتعنيفها المشركين لاتباعهم الباطل وتطاولهم على ربهم وإبطال إفكهم وزعمهم وضلالهم.

والربع الرابع فيه مجموعتين من السور: يبدأ بعشرون سورة من الصافات إلى الواقعة، منها ستة عشرة سورة مكّية وأربع سور مدنيّة، لم تذكر في هذه السور من أركان الإسلام سوى الزكاة في آية واحدة، في سياق صفات المشركين الذين لا يؤتون الزكاة (الآية 7) سورة فصلت، والصلاة في آية واحدة في سياق صفات المؤمنين الذين يتوكلون على ربهم (الآية 38) الشورى، ولم يذكر الحج ولا الصوم. ثمّ ثمان وخمسون سورة من الحديد إلى الناس، لم يذكر فيها الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة إلا في ثلاث سور هي المجادلة (آية 13) والمزمل (آية 20) والبينة (آية 5)، وذكرت الصلاة مرّتين في سورة الجمعة (في الآيات 9، 10)، وذكر الصوم مرّة في سورة المجادلة (آية 4)، ولم يذكر الحج.

037.8.1- بينت سورة “يس” أن الله تعالى أخذ بيد الناس يسيّرهم خطوة خطوة، وأرسل إليهم وبين لهم وأمهلهم وأعطاهم الفرص الكثيرة ليتفكروا ويعودوا إلى الصراط المستقيم فيسعدوا ويفوزوا؛ لم يكن تعالى برحمته ليتركهم يذهبوا فريسة سهلة للشيطان ولشهواتهم دون أن يمد لهم يد العون التي يحتاجونها ممثلة برسله ودينه؛ لكن أكثر الناس أعرضوا وكفروا بدين الله وكذبوا رسله وعبدوا الشيطان فخابوا وخسروا. تبين سورة الصافات جمال عبادة الله (التي دعتهم إليها سورة يس) وتوافقها مع فطرة الإنسان، وأن في الإيمان بالله وعبادته النجاة والسلام وتحقيق الأمنيات في الدنيا والآخرة.

037.8.2- قال البقاعي في نظم الدرر: مقصودها الاستدلال على آخر يس من التنزه عن النقائص اللازم منه رد العباد للفصل بينهم بالعدل اللازم منه الوحدانية، وذلك هو المعنى الذي أشار إليه وسمها بالصافات.

037.8.3- قال الإمام جلال الدين السيوطي: هذه السورة بعد {‏يس‏}‏ كالأعراف بعد الأنعام وكالشعراء بعد الفرقان في تفصيل أحوال.

037.8.4- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة يس من جليل التنبيه وعظيم الإرشاد وما يهتدي الموفق باعتبار بعضه، ويشتغل المعتبر به في تحصيل مطلوبه وفرضه، ويشهد بأن الملك بجملته لواحد، وإن رغم أنف المعاند والجاحد، أتبعها تعالى بالقسم علة وحدانيته فقال تعالى {والصافات} – الآية إلى قوله تعالى {إن إلهكم لواحد} إلى قوله {ورب المشارق} ثم عاد الكلام إلى التنبيه لعجيب مصنوعاته فقال تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} إلى قوله {شهاب ثاقب} ثم أتبع بذكر عناد من جحد مع بيان الأمر ووضوحه وضعف ما خلقوا منه {إنا خلقناهم من طين لازب} ثم ذكر استبعادهم العودة الأخروية وعظيم حيرتهم وندمهم إذا شاهدوا ما به كذبوا، والتحمت الآي إلى ذكر الرسل مع أممهم وجريهم في العناد والتوقف والتكذيب على سنن متقارب، وأخذ كل بذنبه، وتخليص رسل الله وحزبه، وإبقاء جميل ذكرهم باصطفائهم وقربه، ثم عاد الكلام إلى تعنيف المشركين وبيان إفك المعتدين إلى ختم السورة – انتهى.

037.8.5- راجع سورة الزمر (039.8.1).

انظر أيضاً تناسب وتناسق سورة الأحقاف مع غيرها من السور، وتناسب وتناسق الحواميم مع بعضها ومع قبلها وبعدها في (046.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top