العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


051.0 سورة الذاريات


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


051.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصل. 3) عدد آياتها 60 آية. 4) الحادية والخمسون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والسبعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “الأحقاف”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: {الله} 3 مرّات، رب 5 مرّات، (2 مرّة): هو، خلق؛ (1 مرّة): حكيم، عليم، الرزاق، ذو القوة، المتين، موسع، نعم الماهد، مخرج، انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: ذَنوب 2 مرّة، صفة الله الرزاق 1 مرّة، ذو القوة 1 مرّة، المتين 1 مرّة؛ (1 مرّة): الحبك، صكت، صرة، يهجعون، سمين.

تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (4 مرّات): أرسل، السماء؛ (3 مرّات): مبين، يوم، توعدون، الأرض، ذكّر؛ (2 مرّة): نذير، سلام، رزق، عقيم، ذَنوب، أفك، دين، ساحر، مجنون، يفتنون؛ (1 مرّة): ذاريات، ذروا، وقرا، مرسلون، تنطقون، ضيف، أوجس، بركنه، موسعون، ماهدون، ملوم.

051.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

051.3 وقت ومناسبة نزولها:

موضوع السورة وأسلوبها يشير بوضوح إلى أنها نزلت في الفترة التي بدأت فيها الدعوة تقابل بالسخرية والإنكار، إلا أن ذلك لم يصل إلى حالة العناد والاتهامات الباطلة والمضايقة. لهذا فإنه يبدوا أن هذه السورة نزلت في نفس المرحلة التي نزلت فيها سورة قّ. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

051.4 مقصد السورة:

051.4.1- تأكيد وإثبات صدق الوعيد بالحساب على الأعمال. وما يترتب عليه من الجزاء إما بالنعيم لمن أطاع فأصلح أو العذاب لمن عصى وأفسد.

051.4.1- ومقصدها نجده في مطلع السورة في الآيات (1-6) أقسم الله تعالى بالرياح المثيرات للتراب، فالسحب الحاملات ثقلا عظيمًا من الماء، فالسفن التي تجري في البحار جريًا ذا يسر وسهولة، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه. إن الذي توعدون به- أيها الناس- من البعث والحساب لكائن حق يقين، وإن الحساب والثواب على الأعمال لكائن لا محالة.

الله الذي رزقكم وقسّم بينكم معيشتكم يعدكم بأنه سيحاسبكم على أعمالكم. بينما أنتم تشكّون في صدق وعده، وتسألون غير مبالين عن يوم الحساب. لقد أرادكم أن تتعايشوا بسلام باتباع دينه وبتقاسم الأموال والحقوق بينكم. الويل لمن كذب بيوم الوعيد ولم يستعدّ له بالعبادة، والنعيم لمن آمن واستعد بالعبادة. وقد أكده وبينه لكم كما يلي:

051.4.1.1- أقسم الله تعالى ثلاث مرّات، كما يلي:

– أقسم بأربعة أشياء: أقسم بالرياح المثيرات للتراب، فالسحب الحاملات ثقلا عظيمًا من الماء، فالسفن التي تجري في البحار جريًا ذا يسر وسهولة، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه، إن الذي توعدون به من البعث والحساب لكائن حق يقين، وإن الحساب والثواب على الأعمال لكائن لا محالة.

– وأقسم تعالى بالسماء التي حبكت أي صُنعت بدقة لا زيادةَ فيها ولا نقصان، إنكم، أيها المكذبون، لفي قول مضطرب في هذا القرآن، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم، يُصرف عنه مَن صُرف عن الإيمان، لإعراضه عن أدلة الله وبراهينه اليقينية فلم يوفَّق إلى الخير.

– وأقسم بربوبيّته للسماء والأرض أن: آياته في الأرض للموقنين (وقدرته على الخلق والرزق والبعث والنشور)، وآياته التي يبصرونها في أنفسهم (بأنهم لا يستغنون عن الله في أي شيء)، وفي السماء رزقكم (الماء والطعام وكل ما ينفع)، وما توعدون (من الخير والشر والثواب والعقاب والجنة والنار) وغيره كله مكتوب مقدَّر، وبأن ذلك كلّه حق {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}.

051.4.1.2- أنبأكم عن هلاك الأمم من قبل، ترون آثارهم.

051.4.1.3- أراكم آياته: كيف بنى السماء فيوسعها، وفرش الأرض ومهدها، وخلق من كل شيء زوجين.

051.4.2- وقال الإمام البقاعي في نظم الدرر: سورة الذاريات مقصودها الدلالة على صدق ما أنذرت به سورة ق تصريحاً وبشرت به تلويحاً، ولاسيما آخرها من مصاب الدنيا وعذاب الآخرة، واسمها الذاريات ظاهر في ذلك بملاحظة جواب القسم فإنه مع القسم لشدة الارتباط كالآية الواحدة وإن كان خمساً، والتعبير عن الرياح بالذاريات أتم إشارة إلى ذلك، فإن تكذيبهم بالوعيد لكونهم لا يشعرون بشيء من أسبابه وإن كانت موجودة معهم كما أن ما يأتي من السحاب من الرحمة والنقمة أسبابه وإن كانت موجودة، وهي الرياح وإن كانوا لا يرونها، والريح من شأنها الذرء وهو التفريق، فإذا أراد الله جمعت فكان ما أراد، فإنها تفرق الأبخرة، فإذا أراد الله سبحانه جمعها فحملها ما أوجد فيها فأوقرها به فأجراها إجراء سهلاً، فقسم منها ما أراد تارة برقاً وأخرى رعداً، يصلّ صليل الحديد على الحديد، أو الحجر على مثله مع لطافة السحاب، كل ما يشاهد فيه من الأسباب، وآونة مطرا شديد الانصباب، ومرة برداً ومرة ثلجاً يرجى ويهاب، وحيناً صواعق ونيراناً لها أي التهاب، ووقتاً جواهر ومرجاناً بديعة الإعجاب، فتكون مرة سروراً ورضواناً، وأخرى غموماً وأحزاناً، وغبناً وخسراناً، على أنهم أخيل الناس في بعض ذلك، يعرفون السحاب الذي يخيل المطر والذي لا يخيله والذي مطره دان، والذي لم يئن له أن يمطر. إلى غير ذلك من أشياء ذكرها أهل الأدب وحملها أهل اللغة عنهم، وكل ذلك بتصريف الملائكة عن أمر الله، والله أعلم.

051.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في السنة الخامسة من البعثة، في نفس المرحلة التي نزلت فيها سورة قّ، ومقصدها هو إثبات صدق الوعد ووقوع الحساب على الأعمال {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)} والدين الجزاء، أي أنهم سيجازون على ما كان منهم ويوفون قسط أعمالهم. وقد أكّدته بالقسم ثلاث مرّات بستّ نعم: هي الرياح والماء والسفن والملائكة والسماء وربوبيته تعالى للسماء والأرض، تنبيهاً على عظمتها وشرفها، والتي انقلبت بتكذيبهم إلى عذاب.

وتضمنت ثلاث مجموعات من الآيات تؤكّد صدق الوعيد والحساب بطرق مختلفة: (الآيات 1-23) فيها التأكيد بالقسَم ثلاث مرّات على صدق الوعيد ووقوع الجزاء، أعقب ذلك القسم تكذيبهم بالجزاء وازدراؤهم {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)}، تلاه بيان حال الفريقين المكذبين والمؤمنين؛ ثمّ (الآيات 24-46) إشارات إلى أحوال خمس من الأمم وما أعقبه تكذيبهم، أهلكهم الله بكفرهم وإجرامهم وإسرافهم ونجّى المؤمنين؛ ثمّ (الآيات 47-60) بيان عظيم خلق الله واتساعه ورزقه وإطعامه، وختمت بالإنذار بالفرار إلى الله لا شريك له والتذكير بأنهم خلقوا للعبادة، والوعد بالجزاء، كما يلي:

المجموعة الأولى (23 آية): وفيها (الآيات 1-6) القسَم بالرياح الذاريات، فالسحب الحاملات الماء، فالسفن التي تجري بيسر، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه، بأن ما توعدون به من البعث والحساب لكائن حق يقين، وأن الحساب والثواب على الأعمال كائن لا محالة. ثمّ (الآيات 7-9) قَسَم آخر بالسماء التي حبكت أي صُنعت بدقة لا زيادةَ فيها ولا نقصان، على أن الكفار اختلفت أقوالهم في القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، فصُرفوا عن الإيمان لإعراضهم فلم يوفَّقوا إلى الخير. ثمّ (الآيات 10-19) الكاذبون الغافلون المستهزئون المنكرون في النار في الآخرة، والمؤمنون المتقون المحسنون المصلّون المستغفرون المنفقون في جنات وعيون. ثم (الآيات 20-23) فيها التنبيه إلى آيات الله في الأرض للموقنين، وآياته التي يبصرونها في أنفسهم، وفي السماء رزقكم (الماء والطعام وكل ما ينفع) وما توعدون (من الخير والشر والثواب والعقاب والجنة والنار) وغيره كله مكتوب مقدَّر، فيقسم تعالى على ذلك كلّه بربوبيّته {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}.

المجموعة الثانية (23 آية): وفيها قصص تؤكد صدق وعد الله: ففي قصة إبراهيم عليه السلام نجد أن نفس المرسلين جاؤوا من السماء بأمر من الله بالبشارة والخير لإبراهم وبالعذاب للمجرمين وهم قوم لوط، أهلكوا بحجارة من طين أمطرتهم بها السماء بدلاً من الماء، وجعلهم الله آية لمن يخاف العذاب الأليم؛ وقوم فرعون أغرقوا في اليم؛ وعاد أهلكوا بالريح العقيم تدمر وتطمر أبنيتهم؛ وثمود الذين مالوا عن أمر ربهم وتركوه وهجروه ليتمتّعوا بالدنيا عن الآخرة أهلكوا بالصاعقة وهم ينظرون؛ وقوم نوح كانوا خارجين عن طاعة الله مُكذِّبين لنبيّه أهلكوا بالغرق في الماء. فالريح والماء والسماء والملائكة التي استهلّ بالقسم بها لعظمتها وشرفها أتتهم مرّة بالرزق والخير وأخرى بالعذاب.

المجموعة الثالثة (14 آية): تشير (الآيات 47-50) إلى أن الله بنى السماء ولا تزال تتسع، وفرش الأرض ومهّدها لكل جيل من البشر والدواب، فلا حدود لقدرة الله وعطائه واتساع بنائه ورزقه ونعيمه، ومن كل شيء خلق زوجين لعلّهم يتذكّرون، فليفرّوا إليه وينجوا بأنفسهم مما سواه، ومن عقابه إلى رحمته. ثمّ (الآيات 51-53) إنذار بألّا يتخذوا مع الله إلهاً آخر، وألا يفعلوا كما فعلت الأمم المكذبة من قبل، ما أتاهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون، وكأنهم تعاهدوا على التكذيب وتواصوا به، وعلّة تكذيبهم واحدة هي طغيانهم وإظلام قلوبهم. (الآيات 56-58) فلمّا كان ذلك حالهم أمرت بالإعراض عنهم ودوام التذكير {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)}، فما خَلْق الله الإنس والجن إلا لعبادته، لصلاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، وهو غنيّ عنهم، ويرزقهم ويطعمهم، ولا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم. (الآيات 59، 60) أمّا الظالمون فلهم نصيب من العذاب وهو نازل بهم {مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ (59)} الذين من قبلهم، فلا يستعجلون {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}.

اللهم اجعلنا من المحسنين الذين قلت فيهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم.

051.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تنقسم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى ثلاثة مجموعات من الآيات: المجموعة الأولى (23 آية) يُقسِم فيها الحق تعالى على صدق ما جاء الناس من الأنباء عن أنهم مجازون على أعمالهم في يوم المعاد والحساب، وأن رزقهم على الله، وأنهم هم محتاجون إليه وهو ليس بحاجة لأحد. ثم أن الناس فئتين فئة مكذّبة مصروفة عن الآيات يتخبطون في الباطل ومصيرهم النار، وفئة موقنة مصدقة بالآيات تدبرت ما فيها واعتبرت وعملت بها في الدنيا فأفلحت ومصيرها الجنة. المجموعة الثانية (23 آية) فيها قصص عن خمسة من الأمم كتأكيد وتصديق لما جاء في المجموعة الأولى. والمجموعة الثالثة (14 آية) فيها إعادة تلخيص مقصد السورة وموضوعاتها، ببيان عظيم قدرة الله على الخلق واتساع خلقه وتواصل مدده وفضله بلا انقطاع، هو الذي خلق من كل شيء زوجين لا غنى لها عن بعض، أما هو فليس بحاجة إلى الشريك ولا إلى أحد من خلقه، وخلق الجنّ والإنس ليعبدوه، وما يصيبهم فبما كسبت أيدهم، وجعل لهم موعداً للحساب على الأعمال.

051.6.1- المجموعة الأولى في الآيات (1-23) = 23 آية = 38.33% يقسم الحق تعالى على صدق كل ما يعدهم به الرسول عليه الصلاة والسلام وذكر في القرآن من الرزق والجزاء على العبادة والأعمال وأن يوم الحساب لا شك قادم وواقع. وأن رزقهم على الله، وهم محتاجون إليه وهو ليس بحاجة لأحد. ثم أن الناس مختلفون فئتين فئة لا تتدبر فتعتبر بالآيات فهي مصروفة عنها يتخبطون في الباطل ومصيرهم النار وفئة موقنة مصدقة بالآيات تدبرت بما فيها واعتبرت وعملت بها في الدنيا فأفلحت ومصيرها الجنة:

051.6.1.1- الآيات (1-9) يقسم الحق سبحانه بأربع آيات من آياته العظيمة (الرياح والماء والسماء والملائكة)، فيها الدليل لمن أراد اليقين على صدق وعد الله الذي جاء تفصيله في السورة وهو أن الله خلق الناس للعبادة لأنهم مفطورون عليها ولحاجتهم إليها كحاجتهم إلى الرزق والطعام، وليس لأن الله بحاجة إليهم. وأنهم مجازون بمقدار التزامهم بعبادة الله وطاعة أمره وقد وعدهم بيوم يقام في العدل النهائي ففريق في الجنة وفريق في النار:

051.6.1.1.1- الآيات (1-6) يقسم الحق سبحانه بالرياح المثيرات للتراب، فالسحب الحاملات ثقلا عظيمًا من الماء، فالسفن التي تجري في البحار جريًا ذا يسر وسهولة، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه. ثم يأتي جواب هذا القسم بأربعة آيات: إن ما تُوعدون من البعث والحساب، حق وواقع، ويوم الدين، يوم الجزاء على الأعمال جَارٍ وحادث لا شكّ فيه.

والماء الهواء اللذين أقسم الله بهما: هما نفسهما بدون زيادة أو نقصان، يدوران في دورة طويلة في أجساد الكائنات الحيّة وفي اليابسة والماء والهواء، ثم يعودان إلى أصلهما ومصدرهما، إشارة إلى أن الناس كانوا أمواتاً ثم أحياهم، ثم يميتهم ثم يحييهم، ويأتي بهم مرّة أخرى للمعاد والحساب.

051.6.1.1.2- الآيات (7- 9) هذا قَسَم آخر يقسم الحق سبحانه بالسماء التي حبكت أي صُنعت بدقة لا زيادةَ فيها ولا نقصان، وقيل ذات الطرق التي تسلكها الكواكب في سَيْرها. يقسم على أن الكفار اختلفت أقوالهم فيه، بينما أن القول يجب أنْ يكون واحداً لا التواءَ فيه، كما في خَلْق السماء خَلْقاً محكماً لا اختلافَ فيه. يُصرف عن الإيمان من صرفته الشياطين، وزِّينت له الباطل، وأعرض عن أدلة الله وبراهينه فلم يوفَّق إلى الخير.

051.6.1.2- الآيات (10-19) بيان وعد الله بجزاء كل فئة بما كسبوا من عمل في الدنيا في طاعة الله: فالكذابون الغافلون في النار والمؤمنون المتقون في الجنة:

051.6.1.2.1- قتل الكذابون أي انتهى أمرهم يُخرجون من نعيم الدنيا، وفي الآخرة يُدخلون في العذاب. غمرهم الجهل والغفلة حتى غرقوا فيه فأعماهم عما يراد منهم. يسألون عن يوم الدين سؤالَ استهزاء وإنكار له هو اليوم الذي سيحرقون به في النار، هذا العذاب هو الذي كنتم تستعجلون به.

051.6.1.2.2- في المقابل فإن المتقين يوم معادهم يكونون في جنات وعيون. بخلاف ما أولئك المكذبون فيه من العذاب. آخذين ما آتاهم ربهم، من النعيم والسرور والغبطة، فإنهم كانوا في الدار الدنيا محسنين، كانوا قليلا من الليل ما ينامون، ويُصَلُّون لربهم ويستغفرون من ذنوبهم، وفي أموالهم حق للمحتاجين.

051.6.1.3- الآيات (20-23) بيان الدليل على وجود الخالق لمن يريد اليقين والبصيرة، وبيان مصدر ومكان وجود حاجات الناس من الرزق والوعد والحساب، وأنه في السماء وليس في الأرض فليطلب من هناك:

051.6.1.3.1- وفي الأرض آيات وفي الأنفس كذلك يستدل منها على وجود الخالق، فانظروا فيها. (يستدلّون بالآيات على قدرة القادر، وبالقدرة على القادر، لا حجة لمَنْ لم يؤمن بعد ذلك). بعد ما رآه من الآيات في نفسه وفي الكون من حوله.

051.6.1.3.2- الرزق في السماء فقط لا في غيرها، الرزق يأتيك من أعلى من الله، والرزق كل ما يُنتفع به من المال والصحة والعافية والعقل والأمن. أمر وتقدير أزليّ مكتوب في اللوح المحفوظ. فإنْ أردتَ الحياة المادية التي نعيشها، فهي أيضاً مصدرها الماء النازل من السماء، لأنه قوام الحياة ومصدر القوت. الحق سبحانه وتعالى هنا يقسم بذاته سبحانه، وربوبيته للسماء والأرض، (لأن السماء ينزل منها المطر)، والأرض (تستقبل هذا المطر، وتنبت به النبات الذي به قوام المعيشة والحياة). هذا قول حقٌّ لا شك فيه، قدّره رب العالمين، فكما تدرك حقيقة أنك تتكلم، ولا تشك فيها لأنك تباشرها بنفسك، فكذلك لا تشكّ في مسألة الرزق، وأنه من عند الله.

051.6.2- هذه القصص هي خير دليل على صدق وعد الله الذي جاء به المرسلين (وهو يؤكد مقصد السورة) عن أن الحساب والجزاء قادم، وترون آثاره بتكريم الله لرسله ومن آمن معهم وبهلاك الأمم المكذبة، وهو عظة لمن يتعظ بأنه كما صدق الوعد في الدنيا فسيصدق في الآخرة. المجموعة الثانية في الآيات (24-46) = 23 آية = 38.33%

كما تؤكد القصص بأن كل شيء من السماء وليس من الأرض وأن الأرض إنما هي وسيلة، قد جعلت فيها الأسباب فقط. ففي قصة إبراهيم عليه السلام نجد أن نفس المرسلين جاؤوا من السماء بأمر من الله بالبشارة والخير لإبراهم وبالعذاب للمجرمين. وكذلك الأنبياء والمرسلين يرسلهم الله بأمر من السماء بالهدى للناس على الأرض، ويرسل عليهم العذاب بأمر من السماء وبالأسباب على الأرض.

لقد خلق الله الناس ليكرمهم ويحفظ لهم سعادتهم بما يتناسب مع مكوناتهم وصنعتهم، فهو لم يخلق ليعذب أو ليخرب صنعته فهو سبحانه حريص على عباده وصنعته، وكلُّ صانع يحرص على سلامة صنعته وحمايتها مما يتلفها، ولأن الناس اختاروا أن يطيعوا الله باختيارهم وغير مكرهين، فقد بينه لهم، فجميع المرسلين وما نزل عليهم من الكتب والدين وكل أمر أو نهي هو لأجل سلامتهم، فإن هم خالفوه فقد عرّضوا أنفسهم للهلاك باختيارهم فلا يلومنّ إلا أنفسهم. وهذا ما تؤكده هذه القصص في السورة: خمسة أمم عظيمة جاءتهم رسلهم بأوامر الله التي فيها سلامتهم وبالبينات والآيات والنذر والوعيد، فتولّوا وأعرضوا وعصوا أمر ربهم، فأهلكهم الله بذنوبهم التي خالفوا فيها الفطرة كقوم لوط أهلكهم بحجارة من طين أمطرتهم به السماء بدلاً من الماء، والتي ظلموا وقتلوا واستعبدوا فيها العباد؛ وكقوم فرعون أغرقهم في اليم غمرهم وأراح الأرض منهم؛ وعاد الذين انشغلوا في بناء المدن والأعمدة وإعمار الدنيا وتركوا الآخرة هلكوا بالريح العقيم تدمر وتطمر أبنيتهم؛ وثمود الذين مالوا عن أمر بهم وتركوه وهجروه ليتمتّعوا بالدنيا عن الآخرة هلكوا بالصاعقة تدخل عليهم بيوتهم في الصخر؛ وقوم نوح كانوا خارجين عن طاعة الله مُكذِّبين لنبيه وقد لبث في دعوتهم ألف سنة إلا خمسين عاماً هلكوا بالغرق بماء المطر جاءت به الرياح وهم في الصحراء بعيدين عن الماء. فهذا الهواء والماء والسماء يدبر أمر الله مرّة بالرزق وأخرى بالعذاب.

051.6.3- الآيات (47-60) إعادة تلخيص مقصد السورة وموضوعاتها، ببيان عظيم قدرة الله على الخلق واتساع خلقه وتواصل مدده وفضله بلا انقطاع، هو الذي خلق من كل شيء زوجين لا غنى لها عن بعض، أما هو فليس بحاجة إلى الشريك ولا إلى أحد من خلقه، وخلق الجنّ والإنس ليعبدوه، وما يصيبهم فبما كسبت أيدهم، وجعل لهم موعداً للحساب على الأعمال.

051.6.3.1- الآيات (47-50) لا حدود لقدرة الله ولا لعطاءه ولا لاتساع بناءه ونعيمه، بنى السماء ولا تزال تتسع إلى ما يشاء الله لها أن تتسع، فرش الأرض ومهّدها ولا يزال يفعل ذلك مع كل جيل من البشر، ومن كل شيء خلق زوجين: سواء علمناه كما في الرياح والغيوم والماء والذرات والأحياء والجمادات أو لم نعلمه في السماوات والأرض والليل والنهار وغيرها من الأضداد والمتقابلات، لعلكم تذكّرون فتفرّوا إليه وتنجوا بأنفسكم مما سواه، مما يخالف شرعه وأمره ونهيه، كإبليس والنفس والشهوات والآلهة المخلوقة.

051.6.3.2- الآيات (51-53) لا تتخذوا إلهاً إلا الله تأتمرون بأمره، إني لكم من الله نذير بيِّن الإنذار. ولا تفعلوا كما فعلت الأمم المكذبة رسلها من قبل وقالوا: هو شاعر أو ساحر أو مجنون، فأحلَّ الله بهم نقمته. وكأن الأمم المكذِّبة على مَرِّ التاريخ أوصى بعضهم بعضاً بهذا القول في إصرار منهم على تكذيب الرسل، والتمادي في العناد وتجاوز الحدود.

051.6.3.3- الآيات (54-55) أعرض عنهم ودَعْك منهم، فأنت غير مطالب بأن تحملهم على الإيمان، وما عليك إلا البلاغ وفقط. مهمتك أنْ تُذكِّر الناس بالله وبدينه، فالمؤمن هو الذي ينتفع بالتذكير ويتمسَّك بالإيمان.

051.6.3.4- الآيات (56-58) ما خَلْق الله الإنس والجن إلا لعبادته وحده، فهي العلة الوحيدة لهذا الخَلْق، ما خلقهم لشيء آخر سوى عبادته سبحانه. والعبادة ليستْ له سبحانه إلا لمصلحة الخَلْق جميعاً، لأنها هي التي تسعدهم في الدنيا وتُنجيهم في الآخرة، ولا يعود على الله منها شيء، لأنه سبحانه الغني عن خَلْقه، فلا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم. ما أريد من خَلْقي أنْ يرزقوني، نعم لأنه هو سبحانه الرزاق المتكفّل بأرزاق كُلِّ الخلق، فكيف ينتظر منهم رزقاً، وهو يرزق مؤمنهم، ويرزق كافرهم؟ كيف وهو موجود سبحانه قبل أنْ يُوجدوا، وله صفات الكمال كلها قبل أنْ يخلقهم.

051.6.3.5- الآيات (59، 60) للذين ظلموا بتكذيبهم وعنادهم لرسول الله ووقوفهم في وجه الدعوة، نصيب من العذاب مثل نصيب أصحابهم من المكذِّبين في الأمم السابقة. {فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} لأنه واقع بهم لا محالة وغير بعيد عنهم، والمسألة مسألة وقت. فالويل لهم من يومهم الذي يوعدون فيه بنزول العذاب.

051.7 الشكل العام وسياق السورة:

051.7.1- اسم السورة: سميت “الذاريات” ويقصد بها الرياح، التي أقسم الله بها دلالة على عظمتها وأهميتها للإنسان تأتيه بالرزق والمطر من السماء. والتعبير عن الرياح بالذاريات فيه إشارة إلى غفلتهم عن الأسباب: فإن تكذيبهم بالوعيد لكونهم لا يشعرون بشيء من أسبابه، وإن كانت موجودة معهم. كما أن ما يأتي من السحاب من الرحمة والنقمة أسبابه موجودة، وهي الرياح وإن كانوا لا يرونها.

051.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

تنقسم السورة باعتبار موضوعات آياتها إلى ثلاثة مجموعات رئيسية: المجموعة الأولى وهي ثلث عدد الآيات، تبين مقصد السورة وموضوعاتها؛ ثم مجموعتين هما ثلثا عدد الآيات: في أحداهما إقامة الدليل على صدق مقصد السورة وموضوعاتها من خلال ذكر آيات الله الدالة على عظيم قدرته وتدبيره التي لا حدود لها، وفي الأخرى قصص عن خمسة من المرسلين ومصير أقوامهم ليكون في قصصهم العبرة عن صدق وعد الله ووعيده:

051.7.2.1- المجموعة الأولى في الآيات (5، 6، 8-12، 17-19، 50-59) = 20 آية وفيها بيان مقصد السورة وموضوعاتها، كما يلي:

051.7.2.1.1- الآيات (5، 6، 8، 9) مقصد السورة هو التأكيد على صدق وعد الله ووعيده بأن يوم الدين هو يوم الجزاء على الأعمال وإعادة الحقوق لأصحابها لا شك قادم. بينما هم مختلفون في تصديق هذا الوعد الذي جاءهم به رسولهم في كتاب الله، وقد صرفوا عنه لانصرافهم عن قبول الآيات الدالة عليه.

051.7.2.1.2- الآيات (10-12، 17-19، 50-59) موضوعات السورة: وهو هلاك المكذبين لغفلتهم وبقاء المتقين لإحسانهم ومساعدتهم المحتاجين؛ فلا بد من الفرار إلى الله وعدم الشرك به، والتولّي عن المكذبين الطاغين، فقد خلق الله الجن والإنس لعبادته، لا يريد منهم شيء، وهو غني عنهم.

051.7.2.1.2.1- الآيات (10-12) قتل الكذابون وانتهى أمرهم، غمرهم الجهل والغفلة، يسألون عن يوم الدين مستهزئين.

051.7.2.1.2.2- الآيات (17-19) المتقين كانوا في الدار الدنيا محسنين، كانوا قليلا من الليل ما ينامون، ويُصَلُّون لربهم ويستغفرون من ذنوبهم، وفي أموالهم حق للمحتاجين.

051.7.2.1.2.3- الآيات (50-53) لقد أتى كل أمة رسولهم ينذرهم بالفرار إلى الله والبعد عن كل ما سواه، فقالو عنه ساحر أو مجنون وكأنهم متفقون على هذا الافتراء عبر التاريخ.

051.7.2.1.2.4- الآيات (54-59) بالرغم من هذا فلا بد للرسول والمؤمنين من الاستمرار في التذكير لأنه ينفع المؤمنين، فما خلق الله الجن والإنس إلا لعبادته، لا يريد منهم لا رزق ولا طعام فهو الله القوي الرزاق. وإن للذين ظلموا بتكذيبهم نصيب من العذاب كما كان للذين من قبلهم.

051.7.2.2- المجموعة الثانية في الآيات (1-4، 7، 13-16، 20-23، 47-49، 60) ذكر فيها آيات الله التي أقسم بها لعظمتها: وهي دورات الرياح والمياه والسماء ومساراتها؛ وآياته في الأرض والرزق فيها وبناء السماء واستمرار اتساعها وفرش الأرض واستمرار تمهيدها وخلق الأزواج وفي جعل اليوم الموعود للجزاء على الأعمال. 17 آية.

في هذه المجموعة من الآيات والمجموعة التي بعدها يقوم الدليل على صدق ما جاء به مقصد السورة وموضوعاتها، كما بيّناه فيما يلي:

051.7.2.2.1- الآيات (1-4) ذكر الأشياء التي أقسم الحق بها، وهي القسم بأربعة أشياء: بالرياح المثيرات للتراب، فالسحب الحاملات ثقلا عظيمًا من الماء، فالسفن التي تجري في البحار جريًا ذا يسر وسهولة، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه، إن الذي توعدون به، أيها الناس والمذكور في الآيات (5، 6) من البعث والحساب لكائن حق يقين، وإن الحساب والثواب على الأعمال لكائن لا محالة.

051.7.2.2.2- الآية (7) وفي السماء التي حبك بناؤها بدقة وجعل فيها مسارات للكواكب. فيها دليل على أنهم صرفوا عن الآيات واستحقوا ما فعل بهم، بانصرافهم عنها أولاً واختلافهم في القرآن والرسول كما ذكر في الآيات (8، 9). وأن على من آمن أن يفرّ إلى الله كما في الآية (50).

051.7.2.2.3- أنباء يوم القيامة الآيات (13-16، 60) وما فيها من الوعد والوعيد جواب على ما يسألون عنه أي عن أنباء يوم القيامة كما في الآيات، وقد آمن به المؤمنون واستعدّوا له (10-12، 17-19).

051.7.2.2.4- الآيات (20، 21) في الأرض والأنفس آيات على قدرة الله. لا شريك له ذكر في الآية (51).

051.7.2.2.5- الآيات (22، 23) السماء التي فيها رزقهم وما يوعدون من الخير والشر والثواب والعقاب وغيره. دليل على صدق ما وعد به الرسل وحقيقة ما أخبروا به، ينما كذبتهم الأمم وكأن بعضهم يوصي بعض كما في الآيات (52، 53).

051.7.2.2.6- الآيات (47-49) وفي بناء السماء واتساعها، وفي الأرض وفرشها وتمهيدها، ومن كل شيء خلق زوجين. ففي خلق هذا البناء الذي لا يقف عند حدود، وفرشه للأرض وتمهيده الذي لا ينتهي مع أي جيل، وخلقه للأزواج المتقابلات تكمل بعضها في كل شيء، دليل على أن هذا الخالق هو الرزاق ولا يريد منهم أن يرزقوه أو يطعموه، ذكر في الآيات (57، 58).

آيات الله العظيمة في الآيات (1-4، 7، 20-23، 47-49، 58) = 13 آية

051.7.2.3- المجموعة الثالثة في الآيات (24-46) فيها أنباء عن خمسة من المرسلين وفيها بيان مصير أقوامهم المرسل إليهم. وفيها عبرة وعظة بأنه لا ملامة على الرسل بعد تبليغهم رسالات ربهم وأن الله صادق بكل ما وعد به رسله، فوظيفة الرسول التذكير لمن ينتفع، بها بأنهم مخلوقون للعبادة، ثم بعد ذلك فليعرض عنهم حتى يأتيه فيهم أمر الله فلا لوم عليه مادام قد بلّغ ما أرسل به، فإن لهم بتكذيبهم نصيباً من عذاب الله مثل نصيب أصحابهم الذين مضَوْا من قبلهم، كما في الآيات (54، 55، 56، 59). = 23 آية

051.7.3- ولمّا كان الرزق هو الذي يعمي بصيرة الإنسان عن تدبّر الإنذار أقسم سبحانه في الآيات (22 و 23) على أن الرزق في السماء لا في الأرض، وكرر في الآيات (57 و 58) بانه هو سبحانه الرزاق، وأضاف بأنه جعل الرزق أيضاً في أموال المتقين الآية (19)، وفي جود إبراهيم عليه السلام الآيات (24-27). وبيّن أنه قادر على رزق اليائس من الرزق، كما رزق العجوز العقيم بالغلام العليم الآيات (28-30).

051.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

051.7.4.1- آيات القصص: (24-46، 50-55) = 29 آية.

051.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (13-16) = 4 آيات.

051.7.4.3- الأمثال في الآيات: (59) = 1 آية.

051.7.4.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (1-4، 7، 20-23، 47-49، 58) = 13 آية.

051.7.4.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (5، 6، 8-12، 17-19، 56، 57، 60) = 13 آية.

051.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

 

051.8.1- تناسب السور من ق إلى النجم: والوعيد بالحساب ابتدأ في سورة ق التي أثبتت وقضت على تعجبهم بأنهم راجعون بعد الموت محاسبون على أعمالهم، ثمّ الذاريات أثبتت حقيقة وأنذرت خطورة عدم التصديق بالوعيد والحساب، ثمّ الطور أثبتت وقوع الجزاء على الأعمال بسرد أنباء عن تفاصيل يوم البعث وما بعده، ثم بعد هذه الإثباتات للبعث ثم الحساب ثم الجزاء، تأتي سورة النجم فتثبتها وتؤكدها وتبطل تعجبّهم، وأنهم باتباعهم الظن يضحكون ولا يبكون خشية الحساب الموعود، وأن الجزاء على الأعمال حاصل وليس للإنسان إلا ما سعى.

وإثبات صدق الوعيد جاء لأنهم في سورة ق كذبوا بالبعث والرجوع بعد الموت (آية 3)، وفي الذاريات كذبوا بصدق الوعيد بالحساب على الأعمال (كذبوا آيه 9-12)، وفي الطور كذبوا بصدق الوعيد بوقوع الثواب والعذاب يوم القيامة (وقالوا سحر آية 11، 12، 14). بعد هذه الإثباتات يأتي في النجم إثبات صدق النبي (الآيات 1-3) وتأكيد الجزاء (آية 31)، وتأكيد الحساب (الآيات 38-41) وتأكيد غرابة تعجبهم من حديث الرسول (آية 59).

051.8.2- سورة الذاريات بالنسبة لسورة قّ هي مثل الفتح بالنسبة لمحمّد: فكما كان الفتح في سورة الفتح هو النتيجة الحتميّة للقتال في سورة محمد، فإن وقوع الدين في الذاريات وهو يوم الحساب، هو النتيجة الأكيدة للإنذار بالبعث في ق، الدين يعني يوم الجزاء على الأعمال لَواقع وحادث لا شكّ فيه. وكذلك الحجرات مثل الطور: فالحجرات بعد الفتح تتحدّث عن الآداب والحقوق التي تنظم المجتمع المسلم والقائمة على الأخلاق، والطور بعد الذاريات تتحدّث عن النعيم في الجنّة للمتقين ثواباً على أعمالهم، يقابله العقاب للمكذبين.

051.8.3- قال الإمام جلال الدين السيوطي: لما ختمت ‏{‏ق}‏ بذكر البعث واشتملت على ذكر الجزاء والجنة والنار وغير ذلك من أحوال القيامة افتتح هذه السورة بالإقسام على أن ما توعدون من ذلك لصادق وإن الدين، وهو الجزاء، لواقع ونظير ذلك‏:‏ افتتاح المرسلات بذلك بعد ذكر الوعد والوعيد والجزاء في سورة الإنسان.

051.8.4- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه: لما ذكر سبحانه المواعيد الأخروية في سورة ق وعظيم تلك الأحوال من لدن قوله {وجاءت سكرة الموت بالحق (19)} إلى آخر السورة، أتبع سبحانه ذلك بالقسم على وقوعه وصدقه فقال: {والذاريات ذرواً (1)} إلى قوله: {إنما توعدون لصادق (5) وإن الدين لواقع (6)} والدين الجزاء، أي أنهم سيجازون على ما كان منهم ويوفون قسط أعمالهم {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون (42)} إبراهيم {إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً (178)} آل عمران. ولما أقسم الله على صدق وعده ووقوع الجزاء، عقب ذلك بتكذيبهم بالجزاء وازدرائهم فقال {يسألون أيان يوم الدين (12)} ثم ذكر تعالى حال الفريقين وانتهاء الطريقين إلى قوله: {وفي الأرض آيات للموقنين (20)} فوبخ تعالى من لم يعمل فكره ولا بسط نظره فيما أودع سبحانه في العالم من العجائب، وأعقب بذكر إشارات إلى أحوال الأمم وما أعقبهم تكذيبهم، وكل هذا تنبيه لبسط النظر إلى قوله: {ومن كل شيء خلقنا (49)} بقوله: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون (52)} أي إن هذا دأبهم وعادتهم حتى كأنهم تعاهدوا عليه وألقاه بعضهم إلى بعض فقال تعالى: {تواصوا به أم هم قوم طاغون (53)} أي عجباً لهم في جريهم على التكذيب والفساد في مضمار واحد، ثم قال تعالى: {بل هم قوم طاغون (53)} أي أن علة تكذيبهم هي التي اتحدت فاتحد معلولها، والعلة طغيانهم وإظلام قلوبهم بما سبق {ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها (13)} السجدة، ثم زاد نبيه عليه السلام أشياء مما ورد على طريقة تخييره عليه السلام في أمرهم من قوله تعالى: {فتول عنهم فما أنت بملوم (54)} ثم أشار تعالى بقوله: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (55)} إلى أن إحراز أجره عليه السلام إنما هو في التذكار والدعاء إلى الله تعالى، ثم ينفع الله بذلك من سبقت له السعادة {إنما يستجيب الذين يسمعون (36)} الأنعام، ثم أخبر نبيه عليه الصلاة والسلام بأن تكذيبه سينالهم قسط ونصيب مما نال غيرهم من ارتكب مرتكبهم، وسلك مسلكهم، فقال تعالى {وإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم (59)} إلى آخر السورة – انتهى.

انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top