العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
067.0 سورة الملك
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
067.1 التعريف بالسورة:
1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 30 آية. 4) السابعة والستون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثمانون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “الطور”. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمى أيضاً سورة تبارك. وقيل أيضاً أنها تسمى تبارك والمانعة والواقية والمنجية.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 3 مرّات، هو 7 مرّات، الرحمن 4 مرّات، خلق 3 مرّات، رب 2 مرّة؛ (1 مرّة): اللطيف، الخبير، قدير، عليم، بصير، بيده الملك، العزيز، الغفور، ذرأ، نبلو، أنشأ. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: (1 مرّة): تفاوت، فطور، حسير، سحقاً.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: سعير 3 مرّات.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: قال 9 مرات؛ (4 مرّات): خلق، بصر، نذير، سماء؛ (3 مرّات): شيء، سمع، أرض، أمّن، عذاب؛ (2 مرّة): أصحاب، كبير، كذب، كفر، أمنتم، أمسك، يمشي؛ (1 مرّة): طباقاً، خاسئاً، يخسف، شهيقاً، تفور، نعقل، تمور، حاصباً، زلفة، موت، حياة.
067.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ سورة من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له وهي: {تبارك الذي بيده الملك (1)}، الملك”. وفي حديث عبد الله بن مسعود “قال: فهي المانعة تمنع من عذاب القبر”.
عن أبن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وددت أنّها في قلب كلّ مؤمن، يعني {تبارك الذي بيده الملك (1)}”.
وقال الولي الملوي: هذه السورة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها لكثرة علومها، وقال “وددت لو كانت في صدر كل مسلم” أخرجه الحاكم والطبراني.
067.3 وقت ومناسبة نزولها:
لا يوجد أي من الأحاديث الصحيحة ما يدل على وقت نزول السورة، لكن موضوع السورة واسلوبها يشير إلى أنها واحدة من السور الأوائل التي نزلت في مكة. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
067.4 مقصد السورة:
067.4.1- تبارك مالك الملك القدير الذي خلق الناس (والمخلوقات) برحمته لكي يسعدوا بوجودهم في ملكه، ويكافئهم على حسن العمل في الدنيا وفي الآخرة. يمشون في الأرض على هُداه ويأكلون من رزقه ويتأملوا آياته بسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم فيذكروه ويشكروه ويعظموه ويسبحوه على ما هم فيه من النعمة والخير المبارك العظيم العميم، فإن فعلوا غفر الله لهم وأدخلهم في الآخرة جنّة نعيم، وإن كفروا أو كذبوا، ولم يسمعوا أو يعقلوا، فمأواهم عذاب جهنم وبئس المصير. تبارك (أي تكاثرت البركات والخيرات من قبله)، (ولم يكن سبب الخلق ابتداءاً هو العقاب أو الابتلاء بسوء العمل والتكذيب، إلا أن أكثر الناس يكفرون ولا يشكرون).
وباختصار: مالك قدير بركاته متكاثرة يعرّف عن نفسه ويبسط يديه لعباده بالرحمة، في المقابل عباد مخيّرون بأن يؤمنوا به فيفلحوا ويسعدوا على قدر إحسانهم بالعمل أو يكفروا فيهلكوا.
067.4.2- ومقصدها نجده في الآيتين الأوليين (1،2) ربنا يعرف على نفسه بأنه: تكاثر خيره وبرُّه على جميع خلقه، بيده مُلك كل شيء، نافذ أمره وقضاؤه، وهو على كل شيء قدير. خلق الموت والحياة ليبلوا الناس أيهم أحسن عملاً. كما يلي: (ثم وفي الأبواب التالية يوجد المزيد من البيان حول هذا المقصد).
067.4.2.1- تكاثرت بركات الله مالك كل شيء وهو على كل شيء قدير. أي: كم هي عظيمة بركات الله وخيره وبرّه المتكاثر المديد الوافر الغير منتهي على خلقه، خلقهم ليبلوهم وليكافئهم على حسن عملهم (وهو الإيمان بأن الله هو الذي بيده الملك). انظروا تبارك هذا فعله ليختبر الإنسان حين حمل أمانة الإيمان مختاراً، سماوات ممتدّة متقنة الصنع، موت وحياة، وخالق رحيم، عالم بخلقه، وحماية دائمة من الشياطين، تذليل للأرض مطيعة تؤتي أكلها، ورزق وأمان، يمسك كل شيء وينصر برحمته، وسمع وأبصار وأفئدة وهدى ورسالة وآيات وقصص وأمثال وحجج وإقامة الحجة وأدلة وإنذارات متتالية متكاثرة لم يتأملوها (وسيعترفون بالنذير وبالذنب (الآيات 9، 10، 11)) ثم المصير وجنة ونار.
067.4.2.2- تبارك أي تكاثرت البركات والخيرات من قِبَلِه؛ وهي تُذكر في القرآن مع الخير الكثير الدائم الذي وسع جميع خلق الله. فقد ذُكرت كلمة تبارك 9 مرات في القرآن، مع ملكه للسماوات والأرض وما بينهما، وخلقه وتسخيره لهما، ومع الليل والنهار، وخلق الإنسان ومراحل خلقه وتصويره، والجنات والأنهار، ورزق الطيبات، وتنزيل الفرقان يفرق بين الحق والباطل. وفي الآية {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام (78)} الرحمن: فإن صفات الجلال: هي الصفات التي يجل عن الاتصاف بها كالظلم والعجز. وصفات الكمال والإكرام والجمال: هي الصفات الثابتة لله تعالى وتسمى الكمالية كالعدل والقدرة.
067.4.2.3- تباركت ربنا وتعاليت: وعلى نفس الصيغة وردت كلمة تعاليت التي تكررت في القرآن 14 مرّة، لتعني تعالى الله عمّا يشركون، أو عمّا يصفون له من البنات والولد والشريك، وتنزهه عن كل نقص. فالله تعالى فوق جميع مخلوقاته بذاته وصفاته الجليلة، وهو تسامى وترفع وتنزه عما نسب إليه من أن يكون له شريك أو صفة نقص. فتبارك تأتي مع الخير والخلق والعطاء والرزق، وتعالى تأتي مع تعاليه بذاته عن الحاجة لأحد أو أن يكون له شريك.
067.4.3- وقال البقاعي: وتسمى تبارك والمانعة والواقية والمنجية، قال الولي الملوي: هذه السورة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها لكثرة علومها، وقال: “وددت لو كانت في صدر كل مسلم”. مقصودها الخضوع لله لاتصافه بكمال الملك الدال عليه تمام القدرة الدال عليه قطعا أحكام المكونات الدال عليه تمام العلم الدال عليه أحكام المصنوعات علم ما في الصدور لينتج ذلك العلم بتحتم البعث لدينونة العباد على ما هم عليه من الصلاح والعناد كما هي عادة الملوك في دينونة رعاياهم لتكمل الحكمة وتتم النعمة وتظهر سورة الملك، واسمها الملك واضح في ذلك لأن الملك محل الخضوع من كل من يرى الملك وكذا تبارك لأن من كان كذلك كان له تمام الثبات والبقاء، وكان له من كل شيء كمال الخضوع والاتقاء، وكذا اسمها المانعة والواقية والمنجية لأن الخضوع حامل على لزوم طريق السعادة، ومن لزمها نجا مما يخاف ومنع من كل هول ووقي كل مخلوق، وترد السؤال عمن لازم عليها وهذا من أهم الأمور.
067.5 ملخص موضوع السورة:
هي واحدة من السور الأوائل التي نزلت في مكة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبّها لكثرة علومها، وقال: “وددت لو كانت في صدر كل مسلم” أخرجه الحاكم والطبراني. استهلّت بذكر مقصدها: بأنّه تبارك الذي بيده مُلك كل شيء، وهو على كل شيء قدير، خلق الموت والحياة ليختبر الناس أيهم أحسن عملاً {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}.
وتضمّنت أربع مجموعات من الآيات: (5 آيات) تتحدّث عن ملك الله وقدرته وخلقه هذا الوجود ليختبر الناس بأعمالهم، ثمّ (9 آيات) إنذار الناس بما هم مقبلون عليه في الآخرة من الجزاء على الأعمال والمصير، ثمّ (8 آيات) إنذارهم بالجزاء المعجّل في الدنيا والعقاب وهلاك الأمم نتيجة أعمالهم، ثمّ (8 آيات) الأدلة والبراهين على ملك الله وخلقه وقدرته ورحمته ونذره ووعيده بالحساب والجزاء في الدنيا والآخرة، كما يلي:
(الآيات 1-5): تكاثرت بركات الرحمان وخيراته الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليختبر الناس بأعمالهم وهو العزيز في ملكه الغفور لذنوب عباده. خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُت (3)}، فانظر إلى السماء، ثم كرّر وأعد النظر مرة بعد مرة، يرجع إليك البصر صاغراً وهو حسير عن أن يرى نقصاً. ولقد زُيَّنت السماء الدنيا بالنجوم وجعلت رجوماً للشياطين، وأعدّ لهم في الآخرة عذاب السعير.
(الآيات 6-14): الإنذار والإعلام بأنّ للكافرين عذاب جهنّم وبئس المصير، ويومئذ يعترفون بأنهم كذّبوا رسولهم وكانوا في ضلال ولم يستعملوا أسماعهم ولا عقولهم {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}؛ أما الذين يخشون ربهم بالغيب ف {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)}. الله عليم بسرّهم وجهرهم وما في صدورهم ونواياهم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}.
(الآيات 15-22): الله الذي جعل الأرض مذلّلة للإنسان يمشي في مناكبها ويأكل من رزقه وإليه النشور. ينذرهم بأنه لو خسفت بهم الأرض واضطربت أو أتاهم عذاب من السماء، فسيعلمون كيف نذير، وكيف أُهلك من قبلهم المكذبين، وأن ليس لهم لجوء إلا إلى الرحمان الذي سخر لهم الأرض كما سخر السماء للطير، بل من سيحميهم من الرحمان وهم يكفرون به؟ وهذا الرزق لو أمسكه فمن أين سيرزقون؟ أفمن يمشي على وجهه لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب أهدى أم مَن يمشي على طريق واضح لا اعوجاج فيه؟
(الآيات 23-30): الله أوجدهم من العدم، وجعل لهم السمع (يسمعون كلامه) والأبصار (يرون آياته) والأفئدة (يعتبرون بها) لكي يشكروه على نعمة وجودهم على الأرض، وإليه يحشرون في الآخرة للحساب والجزاء. ويقولون متى هذا الوعد؟ {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)}، فلما رأوه عياناً وعلموا أنه الحق سيئت وجوههم {وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)}. ولو أمات الله رسوله والمؤمنين كما يتمنّى الكافرون أو رحمهم {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)}، قل: هو الرحمان صدَّقنا به وعليه توكّلنا، فسيعلمون من هو في ضلال مبين، قل: إن صار ماؤكم غوراً في الأرض فمَن غير الله {يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)}.
اللهم اجعلنا برحمتك من الذين حسنت أعمالهم وأخلاقهم وآمنوا بك وتوكّلوا عليك واتبعوا صراطك المستقيم وشكروا نعمتك ويخشونك بالغيب.
067.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
باعتبار ترتيب آياتها يمكن تقسيمها إلى قسمين الأول في الآيات (1-14) يتحدث عن ملك الله وكمال صفاته وعن الابتلاء والجزاء، والثاني في الآيات (15-30) عن رحمة الله بعباده (الذين كذب أكثرهم) وأنه لم يحاسبهم إلا بعد أن أعانهم على القيام بدورهم وهيّأ لهم الظروف والوسائل والقدرات، وبعد أن أقام الحجة عليهم، كما يلي:
067.6.1- الآيات (1-14)، مقصد السورة: وهو التعريف بحقيقة كمال الملك، وتمام القدرة، وإحكام الصنعة، وتمام العلم، والتعريف بعلاقة الإنسان بخالق الوجود وبحقيقة الموت والحياة، والابتلاء بالأعمال، ثم الحساب والجزاء:
067.6.1.1- الآيات (1-5) تعاظم وتعالى من بيده الملك، خلق الكون بنظام وإحكام لا يمكن أن تجد فيه نقص أو اختلال. وقد أمر الإنسان بالنظر فيه والتأمّل في أرجاءه، ثم أمره بإعادة النظر وأن يكثر ويكرر النظر وأن يحرص غاية الحرص على أن يجد خللاً أو فطوراً، فسيعجز ولن يمكنه ذلك. ولم يخلق الله الكون ويخضعه لقدرته بدون سبب، بل خلقه وخلق الموت والحياة ليبلو الإنسان ويختبره بالإحسان في العمل، أي هل سيخضع لنظام الكون المحكم بالعمل الصالح أم يفسده.
067.6.1.2- بيان عاقبة الكفار المكذبين الجاحدين، وعاقبة المؤمنين الذين يخشون ربهم بالغيب:
067.6.1.2.1- الآيات (6-11) مصير الكفار وهم يعذبون ويعترفون بأنهم كانوا في ضلال ولم يستعملوا أسماعهم ولا عقولهم.
067.6.1.2.2- الآيات (12-14) من آمن وخشي ربّه بالغيب فأجره كبير. فالله لطيف بالناس بيّن لهم ما ينتظرهم في عالم الغيب، وهو أيضاً خبير بمن آمن أو كفر، ويعلم بما في صدر الإنسان ونيّته.
067.6.2- الآيات (15-30)، رحمة الله بعباده (الذين أكثرهم كفروا وكذبوا ولم يشكروا) وأنه لم يحاسبهم إلا بعد أن أقام الحجة عليهم:
معاملة المالك مع مخلوقاته بالرحمة: فقد تكررت كلمة {الرحمن} في السورة أربع مرّات: الأولى عند خلق الكون (آية 3)، والثانية أثناء إمساكه وتدبيره للكون (آية 19)، والثالثة عند نصر المؤمنين، وبسط الرزق (آية 20)، والرابعة عند الهداية والنجاة من الهلاك (آية 29).
انظر أيضاً سورة الفاتحة، 001.7.3- سياق السورة باعتبار معاني كلماتها؛ و مقصد سورة الرحمن 055.4.1- وهو تعداد آلاء ونعم الله الرحمن على الإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وملخص موضوعها، الذي هو إثبات رحمة الله ترغيباً في إنعامه وإحسانه، وترهيباً من انتقامه؛ انظر كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: المبحث رقم 6.2.1: أولاً: التعريف بالله الرحمن الرحيم وبالإنسان الذي خلقه الله برحمته ودين الله دين الرحمة للإنسان.
في هذه المجموعة من الآيات يعرّف الرحمن بما هيّأه للإنسان لإعانته على القيام بدوره واجتياز الامتحان: من الآيات في السماوات، وتذليل الأرض، وتدبيره للأرض والسماء وإمساكه للطير، ونصره للمؤمنين، وبسطه للرزق، والإنعام بالسمع والبصر والعقل، وإدامة النعمة والماء، كما يلي:
067.6.2.1- الآيات (15-23) إشارات إلى الأمن والأمان والرزق والنعيم في حياة الإنسان، وإنذار بأن من وهبها ممكن أن يمسكها عنهم بسبب كفرهم وتكذيبهم. فهذه الأرض لو اضطربت، أو أتاكم عذاب من السماء، فمن أين لكم الأمان، وإلى أين ستلجأون؟ وهذا الرزق لو أمسكه الله، فمن أين سترزقون؟ ومن سيحميكم من الله وأنتم تكفرون به؟ ليس لكم لجوء إلا إلى الله فهو الذي سخر لكم الأرض كما سخر السماء للطير، وأوجدكم من العدم وأعطاكم السمع والأبصار والأفئدة وأسكنكم في الأرض. لكنكم قليلاً ما تشكرون.
067.6.2.2- الآيات (24-27) الله الذي خلقهم ونشرهم في الأرض، سيجمعهم للحساب والجزاء، لكن من ظلمهم وعنادهم جعلوا علامة صدق خبر الآخرة أن يعلموا وقته بالتحديد، وقد أقام الله الأدلة والبراهين على صحته مالا يبقى معه أدنى شك. وعندما يروا العذاب أمامهم يوم الجزاء يقال لهم توبيخاً هذا الذي كنتم به تكذبون.
067.6.2.3- الآيات (28-30) ولما كان المكذبون يتمنون هلاك النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، أمره الله أن يخبرهم بأن ذلك لن يحميهم من عذاب الله. وأن يخبرهم بأنه ومن تبعه مؤمنون بالرحمن وعليه يتوكلون، وسيعلم الكافرون حين ينزل العذاب من هو في ضلال مبين. وكما أن نعمة الهداية التي أنتم معرضون عنها هي من عند الله، فكذلك نعمة الحياة والماء، فأنذرهم بأنهم لو فقدوا الماء بأن أصبح غوراً في الأرض، فمن غير الله يأتيهم به، طبعاً ولا أحد يقدر على ذلك غير الله.
067.7 الشكل العام وسياق السورة:
067.7.1- سميت بهذا الاسم لاحتوائها على أحوال الملك، سواء كان الكون أم الإنسان، وأن ذلك ملك الله تعالى، وسماها النبي سورة {تبارك الذي بيده الملك}، وسُميت أيضاً تبارك الملك، وسُميت سورة الملك، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسميها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المانعة، وروى أن اسمها “المنجية”، وتسمى أيضاً “الواقية” وذكر الرازي أن ابن عباس رضي الله عنه كان يسميها المجادلة، لأنها تجادل عن قارئها عند سؤال الملكين.
067.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:
هذه السورة تتحدّث عن كلّ شيء في هذا الوجود يخص (ويحتاج إلى معرفته) الإنسان، ويمكن تقسيمها إلى مقصد وثلاثة موضوعات رئيسية، أو أربعة موضوعات، كالتالي:
– الآيات (1، 2، 25، 26، 28، 29): وفيها المقصد الذي يتحدث عن طرفين بينهما رسول، الطرف الأول وهو خالق كل شيء ومليكه، والثاني هو الإنسان المخلوق الذي لا يملك من أمر نفسه شيئاً، وبينهما الرسول مرسل من الخالق إلى المخلوق. (6 آيات).
– الآيات (3-5، 13-15، 23، 24) فيها الأدلة والبراهين على ملك الله الواحد. (8 آيات).
– الآيات (16-22، 30) ينذر الناس بما هم مقبلون عليه في الدنيا من العقاب بسبب كفرهم وتكذيبهم. وكلها آيات إنذار من العقاب، وفي ذلك إشارة على كثرة الكافرين على المؤمنين. (8 آيات).
– الآيات (6-12، 27) ينذر الناس بما هم مقبلون عليه في الآخرة من الجزاء والمصير إما في الجنة أو في النار. آية واحدة تحدثت عن الذين آمنوا والباقي عن الذين كفروا، إشارة على كثرة الكافرين. (8 آيات).
067.7.2.1- الآيات (1، 2، 25، 26، 28، 29) تبين هذه الآيات مقصد السورة: وهو أن الله هو مالك الملك وهو على كل شيء قدير، خلق الإنسان وخلق الموت والحياة لكي يبتلي الإنسان بحسن العمل ثم يجازيه بعمله الذي فعله باختياره، أرسل بذلك الرسول وأقام الآيات والحجج والبراهين على أنه وحده مالك الملك، وعلى حقيقة البعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال، كما يلي:
067.7.2.1.1- الآيتين (1، 2) تبينان وتختصران كل شيء يحتاج أن يعرفه الإنسان عن هذا الوجود، وهو أن الله هو مالك الملك وهو على كل شيء قدير، تبارك خيره وبرّه على جميع خلقه، بيده الملك والسلطان، وهو المهيمن على الأكوان، الذي تخضع لعظمته كل الكائنات، والمتصرف في كل شيء، جاعل المقادير والأسباب، خلق الإنسان وخلق الموت والحياة لكي يبتلي الإنسان بحسن العمل (أيهم خيرٌ عمل وأخلصه؟) ثم يجازيه بعمله الذي فعله باختياره (فإذا انتهى الابتلاء انتهى هذا الموت والحياة الذي نراه الآن).
067.7.2.1.2- الآية (25) الإنسان يسأل عن صدق الوعد، ويقولون متى يتحقق الوعد بالحشر، الذي سيحاسب فيه على أعماله، وعن زمان حصوله.
067.7.2.1.3- الآيات (26، 28، 29) ولكي يقيم الله الحجة على الإنسان ويجيب على سؤاله، أرسل له الرسول يبين له الآيات الدالة على ملك الله وعلى الابتلاء وعلى الجزاء. ويخبره بأن العلم بوقت قيام الساعة اختصَّ الله به، وإنما الرسول نذير يبيّن لهم رسالة ربهم. وأن موت الرسول ومن معه أو رحمة الله بهم لن يحمي الكفار من عذاب أليم. وأن المجير من العذاب هو الله الذي آمنوا به وتوكلوا عليه، فإذا نزل العذاب، فسيعلم الكافرون من كان في الضلال المبين عن الصراط المستقيم.
067.7.2.2- الآيات (3-5، 13-15، 23، 24) آيات الله، والأدلة والبراهين: تحدثت عن خلق السماوات السبع، وما زين الله به السماء الدنيا من الكواكب الساطعة، والنجوم اللامعة، وكلها أدلة على قدرة الله ووحدانيته:
067.7.2.2.1- الآيات (3-5) الله خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض، ما ترى في خلق الرحمن من اختلاف ولا تباين، فأعد النظر إلى السماء، ثم أعد النظر مرة بعد مرة، يرجع إليك البصر صاغراً عن أن يرى نقصاً، وهو متعب كليل. ولقد زيَّن الله السماء الدنيا بالنجوم وجعلها رجوماً للشياطين، وأعد لهم في الآخرة عذاب النار.
067.7.2.2.2- الآيات (13-15) وسواء أسرّ الناس قولهم أو جهروا به، فهما عند الله سواء، وهو عليم بذات الصدور، فلا تخفى عليه أقوال وأعمال الذين خلقهم؟ وهو اللطيف بهم، والخبير بأعمالهم. جعل لهم الأرض سهلة ممهدة يستقرون عليها، فليمشوا في نواحيها، وليأكلوا من رزقه، وإليه وحده البعث من القبور للحساب والجزاء.
067.7.2.2.3- الآيات (23، 24) الله هو الذي أوجدهم من العدم، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، قليلا ما يؤدون شكر هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم. وهو الذي خلقهم ونشرهم في الأرض، وإليه وحده يحشرون للحساب والجزاء.
067.7.2.3- الآيات (16-22، 30) إنذار: وبيان عاقبة المكذبين الجاحدين للبعث والنشور في الدنيا: فبعد أن ساقت بعض الأدلة والشواهد على عظمة الله وقدرته، حذرت من عذابه وسخطه، أن يحل بأولئك الكفرة الجاحدين:
067.7.2.3.1- الآيات (16، 17) ذهاب النظام والأمان: هل أمنتم أيها الكفار الله الذي فوق السماء أن يخسف بكم الأرض، فإذا هي تضطرب بكم حتى تهلكوا؟ أم أمنتم أن يرسل عليكم ريحاً ترجمكم بالحجارة، فستعلمون صدق كلام الله وكيف يكون تحذيره لكم إذا عاينتم العذاب؟
067.7.2.3.2- الآية (18) هلاك الأمم: ولقد كذَّب الذين كانوا من قبل، (كقوم نوح وعاد وثمود رسلهم) فكيف كان إنكار الله عليهم، بإنزال العذاب بهم وإهلاكهم؟
067.7.2.3.3- الآيات (19-21) إمساك الطير في السماء، وعجز المخلوقات عن النصر والرزق: أولم ينظروا إلى الطير فوقهم، باسطات أجنحتها ويقبضنها في الهواء؟ ما يحفظها من الوقوع إلا الرحمن. إنه بكل شيء بصير. بل مَن هذا الذي هو ينصركم من غير الرحمن، إن الكافرون إلا في خداع وضلال من الشيطان. بل مَن هذا الذي يرزقكم إن أمسك الله رزقه ومنعه عنكم؟ بل يستمر الكافرون في معاندة واستكبار ونفور عن الحق.
067.7.2.3.4- الآية (22) يضرب الله مثلاً للكافر والمؤمن يبين فيه أن الهدى والنور والصراط المستقيم من الله والضلال والظلام والضياع بالبعد عن الله: أفمن يمشي منكَّساً على وجهه لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب، أهدى؟ أم مَن يمشي مستوياً على طريق واضح لا اعوجاج فيه؟
067.7.2.3.5- الآية (30) قل أيها الرسول، للمشركين: أخبروني إن صار ماؤكم ذاهباً في الأرض لا تصلون إليه، فمَن غير الله يأتيكم بماء على وجه الأرض معين؟
067.7.2.4- الجزاء في الآخرة: الآيات (6-12، 27) تتحدث بتفصيل عن المجرمين وهم يرون جهنم تتلظى، وتكاد تتقطع من شدة الغضب، والغيظ على أعداء الله. ثم قارنت بين مآل الكافرين والمؤمنين، لأجل الجمع بين الترهيب والترغيب:
067.7.2.4.1- الآيات (6-11) مصير الكفار: هو العذاب في جهنم وبئس المصير. إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً، وهي تفور غلياناً شديداً. تكاد جهنم تتمزق مِن شدة غضبها على الكفار، كلما طُرح فيها جماعة من الناس سألهم الملائكة موبخين: ألم يأتكم في الدنيا رسول يحذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟ قالوا: بلى قد جاءنا نذير فكذَّبناه، وقلنا: ما نزَّل الله شيئاً، ما أنتم إلا في ضلال بعيد عن الحق. وقالوا معترفين: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في عداد أهل النار. فاعترفوا بتكذيبهم وكفرهم الذي استحقوا به عذاب النار، فبعداً لأهل النار عن رحمة الله.
067.7.2.4.2- الآية (12) إن الذين يخافون ربهم بالغيب، فيعبدونه، ولا يعصونه، لهم عفو من الله عن ذنوبهم، وثواب عظيم وهو الجنة.
067.7.2.4.3- الآية (27) الإنذار والتحذير للمكذبين من حصول عذاب يوم القيامة: فلما رأى الكفار عذاب الله قريباً منهم وعاينوه، ظهرت الذلة والكآبة على وجوههم، وقيل توبيخاً لهم: هذا الذي كنتم تطلبون تعجيله في الدنيا.
067.7.3- سياق السورة باعتبار إحاطتها وتفسيرها لكل حقائق الكون، وإجابتها على كل تساؤلات الإنسان حول الحقيقة:
الآيتين الأوليين من هذه السورة تجيب عن كل أسئلة الإنسان حول الوجود والكون أو معرفة الحقيقة بأسلوب مختصر ومعجز. وباقي السورة تعطي المزيد من الإيضاح والأمثلة عن هذه الحقيقة. أما أسئلة الإنسان عن الحقيقة أو الموضوعات التي يسعى للوصول إلى أجوبة شافية عنها فهي الموضوعات الستة التالية:
– أصل الكون وجوهره.
– الخالق (الصانع) والتساؤل حول وجوده وعلاقته بالمخلوق.
– صفات الخالق (الصانع) ولماذا وجد الإنسان؟
– العقل وأسس التفكير السليم.
– الإرادة الحرّة ووجودها.
– البحث في الهدف من الحياة وكيفية العيش السليم.
067.7.3.1- وهذه الأسئلة الستة أجابت عنها الآيتين الأوليين (1، 2) بصيغة معجزة وبمنتهى الوضوح والصراحة، ولا يستطيع مخلوق أن يأتي أو أن يعبر بصيغة مثلها: بأن الكون كله مملوك لله، وأن الله على كل شيء قدير. وأن الإنسان موجود في علم الله، فخلق الله الموت والحياة وخلق الإنسان ليبتليه بالعمل، وأن الله عزيز لا يحتاج أحد، غفور لا تضره ذنوب عباده. ومقياس الفكر وهدف الحياة السليم الذي جعله الله هو العمل الحسن، وبما أنّ أعمال الناس على هذا المقياس مختلفة فإرادتهم حرّة في اختيار الحسن والأحسن، أو الذي يقابله السيء والأسوأ.
067.7.3.2- ثم في الآيات التالية جعلت مزيد من التفصيل:
067.7.3.2.1- الآيات (3-5) جوهر الكون: نظام متكامل متطابق لا تفاوت فيه، خلقه الله من سبع سماوات وزين السماء الدنيا بمصابيح (يعني السماوات الستة الباقية لا يوجد مصابيح تزينها).
067.7.3.2.2- الآيات (6-12) علاقة الخالق بالمخلوق ولماذا وجد الإنسان: وهي أن الذي يكفر بالخالق بعد أن جاءه النذير فيكذب (فيعصيه ويطيع غيره) ويبقى في الضلال، ويعترف بأنه مذنب، سيعذب بالنار؛ والذي يخشى ربه (فيطيعه) فله مغفرة وأجر كبير.
067.7.3.2.3- الآيات (13-14) صفات الخالق: أنه يعلم كلّ شيء عن مخلوقاته، فيعلم السر والجهر وكل ما تخفيه الصدور، وهو لطيف وخبير بهم.
067.7.3.2.4- الآيات (15-21) الإرادة الحرة ووجودها: وأن الأرض له مذللة للإنسان يمشي في مناكبها كما يريد، ويأخذ العبر من الآيات والخسف والريح وهلاك الأمم ونصر الله والرزق الغير مقطوع، فيختار الأصلح والأحسن كما أمره الله لكي ينال الثواب، أو يختار الأسوأ فيوقع نفسه في العقاب.
067.7.3.2.5- الآيات (22-24) العقل وأسس التفكير السليم: تسأل الآيات هل المشي مكباً على وجهه لا يدري أين يذهب أهدى أمّن يمشي مستوياً على طريق واضح لا اعوجاج فيه؟ الله جعل للناس السمع (يسمعوا كلامه) والأبصار (يروا آياته) والأفئدة (يتفكروا بكلامه الذي سمعوه ويتأملوا آياته التي أبصروها)، لكي يشكروه على نعمة وجودهم على الأرض، وإليه يجمعون في الآخرة للحساب والجزاء.
067.7.3.2.6- الآيات (25-30) البحث في الهدف من الحياة وكيفية العيش السليم: هدف الحياة النهائي هو عيش الآخرة الذي أخفاه الله واختص به، لكنه أنذرهم وأخبرهم عنه فلما رأوه عياناً علموا أنه الحق، وقد جاءهم دليله في الدنيا، فالله قادر على يهلك الكفار فيخلص الأرض من شرهم فهو الرحمن، وكذلك الله قادر أن يذهب الماء فيغور في الأرض ويبقى كذلك، ولن يجدوا غير الله يجيئهم به على سطح الأرض.
067.7.4- سياقها باعتبار ترتيب آياتها:
باعتبار ترتيب آيات السورة نستطيع أن نقسمها إلى أربعة مجموعات من الآيات (وكذلك سنجد أن مقصد السورة يتكرر في المجموعات الأربعة: ومقصدها هو فضل الله ورحمته مقابل قبول الإنسان لها بالطاعة أو الكفر بها بالمعصية)، كما يلي:
067.7.4.1- الآيات (1-5) ربنا يعرف على نفسه بأنه: تكاثر خيره وبرُّه على جميع خلقه، بيده مُلك كل شيء، نافذ أمره وقضاؤه، وهو على كل شيء قدير. وأنه يريد أن يُعرف وتُعرف صفاته فخلق الخلق، وعرض عليهم طاعته طوعاً أو كرهاً. ومن بين جميع مخلوقاته اختار الإنسان أن يَعرف الله خالقه ويطيعه طائعاً بإرادته، فخلق الله لأجل اختبار صدق الإنسان الموت والحياة، وسخر له ما في السماوات والأرض، لأجل معيشته وعبادته.
067.7.4.2- الآيات (6-14) تبين الآيات لطف الله بالناس، بأن بين لهم ما هم مقبلون عليه وما ينتظرهم في عالم الغيب، نتيجة هذا الابتلاء الذي هم فيه (في الدنيا) واختاروه بمحض إرادتهم. وهو إما نعيم في الجنة أو عذاب في النار. ويُعلمهم لكي يكونوا على حذر بأنه عليم بمن آمن أو كفر، فهو حتى يعلم بما في صدر الإنسان ونيّته: ألا يعلم ربُّ العالمين خَلْقه وشؤونهم، وهو الذي خَلَقهم وأتقن خَلْقَهُمْ وأحسنه؟ وهو اللطيف بعباده، الخبير بهم وبأعمالهم.
067.7.4.3- الآيات (15-22) احتوت على الحجة والدليل، ويتكرر هنا في هذه الآيات مقصد وجود الناس على الأرض، وأنهم في ابتلاء واختبار يتوقف عليه مصيرهم في الدنيا وفي الآخرة:
067.7.4.3.1- جعل لهم الأرض ليعمروها كما أراد الله، وليحاسبوا على أعمالهم في الآخرة.
067.7.4.3.2- فإما البقاء على الضلال المهلك أو اتباع الهدى المنجي: منهم من يمشي على وجهه لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب، ومنهم يمشي على طريق الهدى والصراط المستقيم.
067.7.4.3.3- كل ما يحصل خلال وجودهم على الأرض يدل على أنهم محاسبون على أعمالهم، وأن هذا الثبات في الدنيا هو ثبات مقدر وموقوت من الله. فهم يرون الخسف، والريح تسقط الحجارة من السماء، والكائنات التي لا تطير، والطير الذي لا يمسكه إلا الله في السماء، والأعداء، والرزق الذي قد يمسكه الله فلا يأتيهم، فمن يمسك السماوات ويمسك الأرض ومن يمسك الطير في السماء، ومن ينصرهم غير الله ومن يرزقهم غير الله؟ لا أحد يملك ذلك ويقدر عليه عير الله. (ذلل الأرض ليمشوا ويأكلوا ويعمروها كما أمر ثم إليه النشور لينظر ماذا فعلوا ويحاسبهم)
067.7.4.4- الآيات (23-30) يعود في هذه الآيات ويتكرر مقصد السورة: وهو أن الله هو الذي أوجدهم من العدم، وجعل لهم السمع والأبصار والقلوب، ليعقلوا بها ويؤدوا شكر نعمة ربهم عليهم، وأنه سيجمعهم للحساب على أعمالهم. فإذا بهم يلغون عقولهم وكل ما سمعوه وأبصروه من البلاغ والآيات فيكذبون، وينشغلون بالآجل عن العاجل، يقولون متى يتحقق هذا الوعد بالحشر والحساب، أخبرونا بزمانه إن كنتم صادقين.
067.7.4.4.1- الآية (23، 24) جاءهم رسول الله يبلغهم بأن الله أنشأهم وجعل لهم السمع (يسمعوا كلامه) والأبصار (يروا آياته) والأفئدة (يتفكروا بكلامه الذي سمعوه ويتأملوا آياته التي أبصروها)، قليلاً ما يشكرون فضله عليهم، قليلا ما يؤدون شكر هذه النعم لربهم الذي أنعم بها عليهم. ويبلغهم أن الله هو الذي خلقهم ونشرهم في الأرض، وإليه وحده يُجمعون بعد هذا التفرق للحساب والجزاء.
067.7.4.4.2- الآية (25-27) يكذبون الحق ويستعجلون النتيجة، ويسألون متى يتحقق الحشر والحساب. لكن علم الغيب ووقت قيام الساعة اختصَّ به الله ولم يعلم به أحد. فإذا جاءهم وعاينوه يقال لهم توبيخاً: هذا الذي كنتم تطلبون تعجيله في الدنيا.
067.7.4.4.3- الآيات (28-30) يخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم لو أن الله أهلكه ومن معه أو رحمهم فلن يحميهم ذلك من عذاب الله، وأنه ومن معه مؤمنون بالرحمن وعليه يتوكلون، ويضرب لهم مثلا بنعمة الماء الذي لا يستغنون عنه: بأنهم لو فقدوا الماء بأن أصبح غوراً في الأرض، فمن غير الله يأتيهم به، كذلك العذاب إن جاءهم فمن غير الله يجيرهم منه، ولا أحد يقدر على ذلك غير الله.
067.7.5- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
067.7.5.1- القصص عن أنهم أمنوا العذاب في الدنيا والآخرة وعن تكذيبهم تكذيب الأمم من قبلهم بالبعث والحساب، في الآيات: (16-18، 25-27) = 6 آيات.
067.7.5.2- القصص عن الجزاء في الآخرة، تتحدث بتفصيل عن المجرمين وهم يرون جهنم تكاد تميز من الغيظ، في الآيات: (6-12) = 7 آيات.
067.7.5.3- الآيات والبراهين على خلق الله وفضله على الناس، في الآيات: (3-5، 13-15، 19-24) = 12 آية.
067.7.5.4- مقصد السورة وموضوعاتها، في الآيات: (1، 2، 28-30) = 5 آيات.
067.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
067.8.0- وهكذا لمّا استهلّت السورة بكلمة {تَبَارَكَ} بمعنى تكاثر خير الله وبركاته على جميع خلقه، وتضمّنت من البراهين على أن كل شيء مملوك له، وهو على كل شيء قدير، أنعم على الإنسان ليشكر، وخلق الموت والحياة وخلق الإنسان ليختبره بالعمل، وأن الله عزيز لا يحتاج أحد، غفور لا تضرّه ذنوب عباده، رحيم بهم يجازيهم بأعمالهم. وقد تكررت {تَبَارَكَ} في القرآن تسع (9) مرّات مع الخير الكثير الدائم الذي وسع جميع الخلائق، وترافقت مع: ملكه للسماوات والأرض وما بينهما، وخلقه وتسخيره لهما، ومع الليل والنهار، وخلق الإنسان ومراحل خلقه وتصويره، والجنات والأنهار، ورزق الطيبات، وتنزيل الفرقان يفرق بين الحق والباطل، واقترنت كذلك مع الاسمين: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} الرحمن، أي ذي الجلال عن الظلم والعجز والغفلة إلخ، والإكرام بالعدل والقدرة والمغفرة إلخ. وتكرّر كذلك في السورة اسمه {الرَّحْمَن} أربع (4) مرّات: عند خلقه الكون (آية 3)، وأثناء إمساكه وتدبيره للكون (آية 19)، وعند نصره المؤمنين، وبسطه الرزق (آية 20)، وعند الهداية والنجاة من الهلاك (آية 29)، في إشارة إلى عظيم رحمته التي ترافق عظيم خلقه وتدبيره وملكه وقدرته. ثمّ أتبعت بسورة القلم تنزّه وتدافع عن الآتي بالقرآن محمّد صلى الله عليه وسلّم {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)}، فكيف يأتي من مجنون براهين انقطعت دونها أنظار العقلاء.
067.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: يظهر أنه لما ذكر آخر التحريم امرأتي نوح ولوط الكافرتين وامرأة فرعون المؤمنة افتتحت هذه السورة بقوله: {الَذي خَلقَ الموتُ والحياة (2)} مراداً بهما الكفر والإيمان في أحد الأقوال للإشارة إلى أن الجميع بخلقه وقدرته ولهذا كفرت امرأتا نوح ولوط ولم ينفعهما اتصالهما بهاذين النبيين الكريمين وآمنت امرأة فرعون ولم يضرها اتصالها بهذا الجبار العنيد لما سبق في كل من القضاء والقدر. ووجه آخر وهو أن تبارك متصل بقوله في آخر الطلاق: {اللَهُ الَذي خَلقَ سبعَ سمواتٍ ومِن الأَرض مثلهن (12)} فزاد ذلك بسطاً في هذه الآية: {الَذي خَلقَ سبعَ سماواتٍ طباقاً ما ترى في خَلقِ الرحمَنِ مِن تفاوت فارجِع البصَر هَل تَرى مِن فطور (3)} إلى قوله: {ولَقد زينّا السماءَ الدُنيا بمصابيح (5)} وإنما فُصِلت بسورة التحريم لأنها كالتتمة لسورة الطلاق.
067.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ورود ما افتتحت به هذه السورة من التنزيه وصفات التعالي إنما يكون عقيب تفصيل وإيراد عجائب من صنعه سبحانه كورود قوله تعالى {فتبارك الله أحسن الخالقين (14)} المؤمنون، عقيب تفصيل التقلب الإنساني من لدن خلقه من سلالة من طين إلى إنشائه خلقاً آخر وكذا كل ما ورد من هذا ما لم يرد أثناء أي قد جردت للتنزيه والإعلام بصفات التعالي والجلال. ولما كان قد أوقع في آخر سورة التحريم ما فيه أعظم عبرة لمن تذكر، وأعلى آية لمن استبصر، من ذكر امرأتين كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين قد بعثهما الله تعالى رحمة لعباده واجتهدا في دعاء الخلق، فحرم الاستنارة بنورهما والعياذ بهداهما من لم يكن أحد من جنسهما أقرب إليهما منه ولا أكثر مشاهدة لما مدا به من الآيات وعظيم المعجزات، ومع ذلك فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً، ثم أعقبت هذه العظة بما جعل في طرف منها ونقيض من حالها، وهو ذكر امرأة فرعون التي لم يغرها مرتكب صاحبها وعظيم جرأته مع شدة الوصلة واستمرار الألفة لما سبق لها في العلم القديم من السعادة وعظيم الرحمة فقالت: {رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة (11)} التحريم، وحصل في هاتين القصتين تقديم سبب رحمة حرم التمسك به أولى الناس في ظاهر الأمر وتقديم سبب امتحان عصم منه أقرب الناس إلى التورط فيه، ثم أعقب ذلك بقصة عريت عن مثل هذين السببين وانفصلت في مقدماتها عن تينك القصتين، وهو ذكر مريم ابنة عمران ليعلم العاقل حيث يضع الأسباب، وأن القلوب بيد العزيز الوهاب، أعقب تعالى ذلك. بقوله الحق {تبارك الذي بيده الملك وهو على كلّ شيء قدير (1)} الملك، وإذا كان الملك سبحانه وتعالى بيده الملك فهو الذي يؤتي الملك والفضل من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء كما صرحت به الآية الأخرى (الآية 26) في آل عمران، فقد اتضح اتصال سورة الملك بما قبلها ثم بنيت سورة الملك على التنبيه والاعتبار ببسط الدلائل ونصب البراهين.