العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


068.0 سورة القلم


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


068.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 52 آية. 4) الثامنة والستون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثانية حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “العلق”.  6) أسماء أخرى للسورة: وتسمى سورة نون.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: رب 10 مرّات؛ (2 مرّة): هو، أعلم، أنعم، نبلو؛ (1 مرّة): المتين. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: صارم 2 مرّة؛ (1 مرّة): صريم، عتل، زنيم، سنسمه، خرطوم، حرد، ليزلقونك.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: أم 5 مرّات، يبصر 4 مرّات، تحكمون 3 مرّات؛ (2 مرّة): مجنون، مكذب، تدهن، بلونا، طاف، سجود، جنات، نعمة، ذكر، خير، يعلمون، أعلم، مصبحين، عذاب؛ (1 مرّة): مفتون، ساق، سنستدرجهم، متقين، تخيرون، مغرم، صاحب، عراء، مذموم، نبذ، خلق، سالمون.

068.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

068.3 وقت ومناسبة نزولها:

هذه أيضاً واحدة من السور الأوائل التي نزلت في مكة. والروايات التي تقول إن هذه السورة هي الثانية في النزول بعد سورة العلق كثيرة، ومن المتفق عليه في ترتيب المصاحف المختلفة أنها هي السورة الثانية. ولكن سياق السورة وموضوعها وأسلوبها يبيّن أنها نزلت في الوقت الذي ازدادت فيه مقاومة الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم بشكل قاس وظالم، وباتهامات باطلة، ويقولون إنه مجنون فيردها القرآن وينفيها، ويهدد قائليها كما ورد في السورة. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

068.4 مقصد السورة:

068.4.1- دفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلّم، وتنزيهه عما يقوله الكافرون، (مقسماً سبحانه وتعالى بأنه على خُلق عظيم، وما هو بمجنون، وإن له على تبليغ رسالة ربه ثواباً عظيماً غير منقوص ولا مقطوع)، وإبطال افتراءات الذين كفروا وقولهم عنه أنه مجنون.

068.4.2- ومقصدها نجده في الآيات الأربعة الأولى، والآيات الخمسة الأخيرة، والتي تتحدث عن أمر واحد: الذي هو مقصد السورة في الدفاع عن الرسول وعن نعمة الله عليه بالرسالة والقرآن، وتبطل اتهام المكذبين له بالجنون. وباقي السورة (43 آية) تتحدث عن صفات وأخلاق هؤلاء المكذبين السيئة: المفسدة والظالمة.

068.4.3- حول الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلّم، انظر أيضاً قول الفخر في سور الكوثر (المطلب: 108.7.2.3.1) وقال الفخر: الكفار لما شتموه، تولى الحق سبحانه جوابهم.

068.4.4- وقال البقاعي: سورة القلم مقصودها إظهار ما استتر، وبيان ما أبهم في آية: {فستعلمون من هو في ضلال مبين (29)} بتعيين المهتدي الذي برهن على هدايته حيازته العلم الذي هو النور الأعظم الذي لا يضل بمصاحبته بتقبل القرآن والتخلق بالفرقان الذي هو صفة الرحمن بقدر الإمكان الذي تصل إليه قوة الإنسان، وأدل ما فيها على هذا الغرض {ن} وكذا {القلم} فلذا سميت بكل منهما، وبالكلام على كل منهما يعرف ذلك، وحاصله أن النون مبين محيط يفيد بيانه كما يحيط ضوء الشمس بما يظهره وكما تحيط الدواة بمدادها بآية ما دل عليه بمخرجه وصفاته، واستقر الكلام الواقع فيها وفي المعاني التي اشتركت في لفظه، وأما القلم فإبانته للمعارف أمر لا ينكر.

068.5 ملخص موضوع السورة:

من السور الأوائل التي نزلت في مكة، استهلّت بذكر مقصدها وهو القسم بالقلم على تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلّم، الذي هو على خلق عظيم ويستحق الثواب من ربّه، ونفي افتراءات المكذبين عليه، فأنّى تصح نعمة النبوّة والرسالة من مجنون، ثمّ أعقبها إبطال افتراءاتهم وقولهم عنه في آخر السورة أنه مجنون.

وتضمنت خمس مجموعات من الآيات (مقدّمة وثلاثة أمثلة وخاتمة): بدأت (4 آيات) بمختصر عن مقصدها وهو إبطال اتهامهم للرسول بالجنون، ثمّ (12 آية) ذكرت سوء أخلاق المكذبين ليظهر من خلالها عظيم خلق الرسول والقرآن، ثم ّ (17 آية) قصة أصحاب الجنّة وهم قوم طغاة ظالمون منعوا نعمة الله عن المحتاجين فأهلكها الله، ثمّ (14 آية) ثماني أسئلة: منها ستّة للمكذبين تفضح جهلهم وتبين أنهم على باطل، وسؤالان للرسول يثبتان أنه غير مسؤول عن كفرهم، ثمّ (5 آيات) ختمت بالأمر بالصبر على تبليغ الرسالة والتذكير بالقرآن، كما يلي:

(الآيات 1-4): القسم بالقلم (الدّال على العلم وما يسطرون به من أنواع الكلام) على براءة النبي صلى الله عليه وسلم مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، بل هو يستحق الأجر على تبليغ رسالة ربّه، وخلقه العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}.

(الآيات 5-16): ستبصر ويبصر المكذبون من المنحرف عن الطريق الصحيح ومن المجنون، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8)} المداهنين. وتَذكُر عشراً (10) من صفاتهم القبيحة، ممثّلة بوصف طاغية من طغاتهم (وهو الوليد بن المغيرة) كان: حلّافاً، مهيناً، همّازاً، مشّاء بنميم، منّاعاً للخير، معتدٍ، أثيم، عتلّ، زنيم، ذا مال وبنين (كبراً وبطراً بالنعمة)؛ سنسمه على الخرطوم عقاباً له.

(الآيات 17-33): ضربت مثلاً للكافرين في كفرانهم نعمة الله بقصّة أصحاب الجنة: إذ ابتلاهم ربهم وأمهلهم واستدرجهم، {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)} إذ ظنوا أنهم يستحقون هذه النعمة دون غيرهم من أصحاب الحقوق من الفقراء والضعفاء والمساكين، فأحرق الله جنّتهم وجعلهم عبرة للمعتبرين، فاستدركوا بعد ذلك بالتسبيح لكن بعد ما وقع بهم عذاب الدنيا {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)}.

(الآيات 34-47): المقارنة بين المؤمنين والمجرمين، بأن للمتقين جنّات النعيم، فمن غير المعقول أن يتساووا مع المجرمين، لذلك يُسألون ستّة أسئلة تفضح كذب ادعاءاتهم: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)}، {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)}، {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ (37)} فأتوا به، {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ (38)} فيحققها الله لكم، {أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (39)}، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ (40)}. ثمّ يوم القيامة يُدْعَون إلى السجود فلا يستطيعون، خاشعة أبصارهم تغشاهم ذلّة، وقد كانوا في الدنيا يُدْعَون إلى السجود وهم سالمون. فسيستدرج الله المكذبين من حيث لا يشعرون، ويمهلهم إن كيده بهم متين. ثمّ تسأل الرسول سؤالين آخرين، في إجابتهما برهان ألا علاقة له بكفرهم: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا (46)}، {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)}.

(الآيات 48-52): فاصبر لحكم ربك (بإمهالهم) ولا تكن كصاحب الحوت في عدم صبره على قومه، وأن ما يفعله الكفار إنّما هو حسد على نعمة القرآن والنبوّة وقولهم إنه لمجنون {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}.

اللهم حسّن أخلاقنا وجمّلنا بالقرآن واجعله لنا إماماً ونوراً، وارزقنا محبتك ومحبّة نبيّك واتباع هديك.

068.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

باعتبار ترتيب آيات السورة نجد أنها احتوت على مقدمة تدافع عن الرسول وعن نعمة الله عليه بالرسالة والقرآن، وتبطل اتهامهم له بالجنون، وخاتمة تأمر الرسول بالصبر وتؤكد له أن اتهامهم له باطل وأنهم إنما فعلوه حسداً له على ما به من نعمة القرآن. ولإثبات ولتسهيل فهم هذا المعنى تناولت السورة ثلاثة موضوعات: الأوّل فيه بيان سوء أخلاق المكذبين ليظهر من خلاله عظيم أخلاق الرسول والقرآن؛ والثاني يحكي قصة أصحاب الحديقة الذين أخذهم الكبر بنعمة الله عليهم ومنعوا منها حق الفقراء والمساكين فأهلكها الله؛ والثالث ثمانية أسئلة: ستة للمكذبين تبين الإجابة عليها أنهم على باطل، ثم سؤالين للرسول تثبت أنه غير مسئول عن كفرهم.

068.6.1- الآيات (1-4) احتوت على مقدّمه تلخص مقصد السورة بالدفاع عن الرسول وعن نعمة الله عليه بالرسالة والقرآن، وتبطل اتهامهم له بالجنون، وتبين نعم الله عليه وأخلاقه العظيمة، ومناقبه السامية التالية:

068.6.1.1- نعمة الهداية بالقرآن.

068.6.1.2- نعمة القلم والعلم بالقلم.

068.6.1.3- نعمة العقل فهي تنزل على عاقل.

068.6.1.4- الأجر الغير ممنون من الله في الدنيا والآخرة.

068.6.1.5- الخُلُق العظيم: وهو خُلق القرآن العظيم والدين المتناسب مع الفطرة، باتباع المعروف والابتعاد عن المنكر.

ابتدأت السورة الكريمة بالقسم على رفعة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وشرفه وبراءته مما ادعاه عليه المشركون من اتهامه (وحاشاه) بالجنون. إذ يقسم الله تعالى بالقلم، الدّال على العلم وما يسطرون به من أنواع الكلام، على براءة نبيّه صلى الله عليه وسلم مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، فنفى عنه الجنون، بل هو يستحق الأجر والتقدير على النعمة التي جاءهم بها من ربّه، وهي نشر العلم والأخلاق العظيمة.

068.6.2- الآيات (5-16) تناولت موقف المجرمين من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعد الله لهم من العذاب والنكال في دار الجحيم، وفيها بيان سوء أخلاق المكذبين لمقارنتها مع أخلاق الرسول والقرآن. (12 آية)

الآيات (5-7) ستبصر أو ستعلم يا محمد أنت ومخالفوك ومكذبوك من هو المفتون (من الفتنة)، أي المنحرف عن الطريق الصحيح، أو في أيّ الفريقين منكم المجنون. إن ربك سبحانه، هو أعلم بالشقي المنحرف عن دين الله وطريق الهدى، وهو أعلم بالتقي المهتدي إلى دين الحق. فاثبت على ما أنت عليه أيها الرسول، من مخالفة المكذبين ولا تطعهم.

الآيات (8-16) فلا تطع الذين كذبوا وعاندوا الحق، فإنهم ليسوا أهلاً لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق هواهم، وهم لا يريدون إلا الباطل، ولا يبطنون سوى الكذب والمداهنة. (وفيه تهديد للضالين، وبيان لحكمة الله وعلمه، حيث يهدي من يصلح للهداية دون غيره)

ثم في مقابلة لنعمة الهداية والأخلاق العظيمة، يفضح سبحانه وتعالى أخلاق المكذبين المداهنين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ويبين بشاعة الضلال والبعد عن سبيل الله، فتذكر الآيات عشرة صفات تصف طاغية من طغاة مكة وهو الوليد بن المغيرة، كان شقياً فاجراً جباراً متكبراً على الناس، وقد وصفه الله تعالى بهذه الصفات القبيحة:

1- حلاف، 2- مهين، 3- همّاز، 4- مشّاء بنميم، 5- منّاع للخير، 6- معتدٍ، 7- أثيم، 8- عتل: (الشّديد الخلق، الرحيب الجوف، الأكول، الشّروب، الظّلوم للنّاس)، 9- زنيم: (الدعي غير معروف الأب، ابن زنى/ معروف بالشر)، 10- ذا مال وبنين (أي أن كل تلك المساوئ، كانت كبراً وبطراً بنعمة الله عليه لأنه كان ذا مال وبنين).

سنسمه عقاباً له (أي الوليد بن المغيرة) على الخرطوم، أي سنجعل له علامة على أنفة تكون له وساماً مدى الحياة (وهي خطُم أنفه، وقد جرح يوم بدر فبقي أثر الجرح في انفه بقية عمره)، (أو نقبّح ذكره بخزي يبقى ظاهراً عليه).

068.6.3- الآيات (17-33) ثم ضربت مثلا لكفار مكة في كفرانهم (نعمة الله) العظمى عليهم، ببعثة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم إليهم، وتكذيبهم به، بقصة أصحاب الجنة (الحديقة) ذات الأشجار والزروع والثمار، حيث جحدوا نعمة الله، ومنعوا حقوق الفقراء والمساكين، فأحرق الله حديقتهم وجعل قصتهم عبرة للمعتبرين.

يقول الله تعالى: إنا بلونا المكذبين بالخير وأمهلناهم، وأمددناهم بما شئنا من مال وولد، وطول عمر، ونحو ذلك مما يوافق أهوائهم، لا لكرامتهم علينا، بل استدراجاً لهم من حيث لا يشعرون فاغترارهم بذلك نظير اغترار أصحاب الجنّة، إذ ظنوا أنهم يستحقون هذه النعمة دون غيرهم من أصحاب الحقوق من الضعفاء وغاب عن فكرهم أن الذي أنعم عليهم صاح لم ينام يرقب أرزاق العباد، فسلبها منهم لأنهم أثبتوا أنهم غير أهل لهذه الأمانة. فاستدركوا بعد ذلك بالتسبيح لكن بعد ما وقع العذاب في الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر.

068.6.4- الآيات (34-47) في الآيات ثمانية أسئلة: ستة للمكذبين تبين الإجابة عليها أنهم على باطل، وسؤالين للرسول تثبت أنه غير مسئول عن كفرهم.

الآية (35) يخبر الله سبحانه وتعالى بأن لهذا الابتلاء عاقبة، فليس من المعقول أن يجعل {المسلمين كالمجرمين (35)}، فإمّا جنات النعيم أو العذاب الأليم.

الآيات (35-41) فإن كان عند المجرمين كتاب غير هذا فليأتوا به، وليخبرونا عن زعيمهم هذا الذي جاء بهذه الدّعوى الفاسدة، ومعلوم أن جميع ادعائاتهم غير صادقة. لذلك يسألهم الله سبعة اسئلة في هذه الآيات السبعة، تفضح كذب هذه الادعاءات: {أفنجعل}، {ما لكم}، {كيف تحكمون}، {أم لكم كتاب}، {أم لكم أيمان}، {أيّهم بذلك زعيم}، {أم لهم شركاء}.

الآيات (42-45) تتحدث هذه الآيات عن القيامة وأحوالها وأهوالها، وموقف المجرمين في ذلك اليوم العصيب، الذي يكلفون فيه بالسجود لرب العالمين فلا يقدرون. فهي إنذار لهم لعلهم يهتدوا، قبل أن يقعوا في العقاب الشديد (في الدنيا وفي الآخرة) ويندموا يوم لا ينفع الندم؛ وإنذار بأن الله يستدرجهم ويبتليهم بالأموال والأولاد من حيث لا يعلمون، وليرى ما هم فاعلون.

الآيات (46، 47) تتوجه الآيات بسؤالين آخرين إلى الرسول، نعلم منهما أنه لا علاقة لرسول صلى الله عليه وسلم بكفرهم أو إيمانهم: أم تسألهم أجراً مقابل دعوتك لهم إلى الإسلام؟ أم عندهم الغيب، فهم يكتبون عنه ما يحكمون به لأنفسهم؟

068.6.5- الآيات (48-52) وختمت السورة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين، وألا يستعجل كما فعل النبي يونس عليه الصلاة والسلام، فإن الله موصل ذكره للعالمين، وأن أقصى ما يستطيعه المكذبين هو الحسد والغيظ والاتهامات الباطلة لك بالجنون.

068.7 الشكل العام وسياق السورة:

068.7.1- سُميت بهذا الاسم لأن الله سبحانه وتعالى أقسم فيها بأداة الكتابة وهي “القلم” ففضلت السورة بهذا الاسم تعظيماً للقلم، وسميت أيضاً {نون والقلم}، وسورة {القلم}، وفي تفسير القرطبي أن معظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل.

068.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها: بدأت السورة ببيان مقصدها وهو نفي الجنون بسبب نعمة ربه (القرآن) عن رسول الله، الذي هو على خلق عظيم. وختمت بآيات تأمره بالصبر على حكم الله فقد أرسله بالموعظة والتذكرة للعالمين (جمع عالم). ثم وللدفاع عن الرسول صاحب الخلق العظيم، (الذي أرسله الله بأعظم نعمة للناس وهي القرآن العظيم: يأمرهم بالإصلاح في الأرض وينهاهم عن الفساد، وفيه النجاة من النار والسعادة في الدنيا والآخرة) ولأجل تسهيل فهم هذا المقصد أشارت أو ضربت السورة ثلاثة من الأمثلة، في ثلاثة مجموعات من الآيات، فيها تفاصيل عما لدى هؤلاء المكذبين الطغاة المفسدين في الأرض من الأخلاق السيئة والصفات الشريرة الذميمة، كما يلي:

– المجموعة الأولى بعد المقدمة ذكرت سوء خلق المكذبين ممثلة بصفات طاغية من طغاتهم.

– والثانية قصّة أصحاب الجنة تبين أنّهم قوم طغاة ظالمين يمنعون نعمة الله عن المحتاجين.

– والمجموعة الثالثة أسئلة تفضح جهلهم، وسوء حكمهم، وظلمهم لأهل الحق بلا دليل مع علمهم بأنهم على الباطل.

068.7.2.1- الآيات (1-4) بدأت السورة في هذه الآيات ببيان مقصدها وهو: نفي الجنون بسبب نعمة ربه (القرآن) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو على خلق عظيم. (4 آيات)

أقسم الله بالقلم الذي يكتب به (الملائكة والناس) وبما يكتبون (من الخير والنفع والعلوم). ما أنت أيها الرسول بسبب نعمة الله عليك (بالنبوة والرسالة) بمجنون، وإن لك (على ما تلقاه من شدائد على تبليغ الرسالة) لَثواباً عظيماً غير منقوص ولا مقطوع، وإنك أيها الرسول لعلى خلق عظيم، (وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق؛ فقد كان خلقه القرآن، يأتمر بأمره، وينتهي بنهيه).

068.7.2.2- الآيات (5-16) ذكرت السورة طرفي النقيض في الأخلاق والعقل: إذ تحدثت في مقدمتها عن الرسول صلى الله عليه وسلم بخلقه العظيم، مقابل الحديث في هذه الآيات عن صفات طاغية من طغاة مكة وهو: الوليد بن المغيرة، الذي كان شقياً فاجراً جباراً متكبراً على الناس، وقد وصفه الله تعالى (الآيات 10-16) بهذه الصفات القبيحة: (12 آية)

068.7.2.2.1- الآيات (5-7) فعن قريب سترى أيها الرسول، ويرى الكافرون في أيكم الفتنة والجنون؟ إن ربك سبحانه، هو أعلم بالشقي المنحرف عن دين الله وطريق الهدى، وهو أعلم بالتقي المهتدي إلى دين الحق.

068.7.2.2.2- الآيات (8، 9) فاثبت على ما أنت عليه أيها الرسول، من مخالفة المكذبين ولا تطعهم، فهم تمنَّوا وأحبوا لو تلاينهم، وتصانعهم على بعض ما هم عليه، فيلينون لك.

068.7.2.2.3- الآيات (10-16) صفات المجنون: ولا تطع، كلَّ إنسانٍ كثير الحلف كذاب حقير، مغتاب للناس، يمشي بينهم بالنميمة، وينقل حديث بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم، بخيل بالمال ضنين به عن الحق، شديد المنع للخير، متجاوز حدَّه في العدوان على الناس وتناول المحرمات، كثير الآثام، شديد في كفره، فاحش لئيم، منسوب لغير أبيه. ومن أجل أنه كان صاحب مال وبنين طغى وتكبر عن الحق، فإذا قرأ عليه أحد آيات القرآن كذَّب بها، وقال: هذا أباطيل الأولين وخرافاتهم. سنجعل على أنفه علامة لازمة لا تفارقه عقوبة له، ليكون مفتضحاً بها أمام الناس. وهذه الآيات وإن نزلت في بعض المشركين كالوليد بن المغيرة، إلا أن فيها تحذيراً للمسلم من موافقة من اتصف بهذه الصفات الذميمة.

068.7.2.3- الآيات (17-33) ضرب الله للمكذبين (وهم مشركي أهل مكّة) مثلا بحال أصحاب هذه الجنة المذكورين في هذه الآيات لعلهم يستفيقون من غفلتهم وغرورهم. (17 آية)

فالله مبتليهم بالنعمة، كما ابتلى أصحاب الجنة، وهو تهديد بأن يصيروا إلى فقر وخوف بسبب تكذيبهم للحق بعد كانوا في غنى وأمان جعلهم يتكبرون على رسالة ربهم المنعم وصاحب الفضل عليهم. فإن الله أمدّ أهل مكة بنعمة الأمن، ونعمة الرزق، وجعل الرزق يأتيهم من كل جهة، ويَسّر لهم سبل التجارة في الآفاق بنعمة الإِيلاف برحلة الشتاء ورحلة الصيف، فلما أكمل لهم النعمة بإرسال رسول منهم ليصلح أحوالهم ويهديهم وينهاهم عن الفساد، لكي تدوم النعمة عليهم، لكنهم أعرضوا وطغوا وقالوا عنه مجنون. (وقد حصل ذلك بعد سنين إذْ أخذهم الله بسبع سنين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة).

الغنى وسعة الرزق تجعل الإنسان يغتر بالنعمة فيأخذه الكبر على من هم دونه، كما فعل الوليد بن المغيرة المشار إليه في الآيات أعلاه فهو مناع للخير معتد أثيم أن كان ذا مال وبنين، ونسي أن له رسالة عظيمة، وأنه مبتلى بالنعمة، وأن فيها حق للفقراء، وأن هذه هي جزء الأمانة التي حملها، بأن يعبد الله وينفق ويطيعه مختاراً، فيحافظ على الفطرة والمعروف وينتهي عن الفساد والمنكر.

068.7.2.3.1- الآيات (17-32) إنا اختبرنا أهل “مكة”، كما اختبرنا أصحاب الحديقة حين حلفوا فيما بينهم، ليقطعُنَّ ثمار حديقتهم مبكِّرين في الصباح، (فلا يَطْعَم منها غيرهم من الفقراء والمساكين) فأنزل الله عليها ناراً أحرقتها ليلا وهم نائمون، فأصبحت سوداء كالليل المظلم. فنادى بعضهم بعضاً وقت الصباح: أن اذهبوا مبكرين إلى زرعكم، إن كنتم مصرِّين على قطع الثمار. فاندفعوا مسرعين، بأن لا يدخلنها اليوم أحداً من المساكين. وساروا مبكرين على قصدهم السيِّئ في منع المساكين من ثمار الحديقة، وهم قادرين على تنفيذه في زعمهم. فلما رأوا حديقتهم محترقة أنكروها، وقالوا: لقد أخطأنا الطريق، فلما عرفوها، قالوا: بل نحن محرومون (بسبب عزمنا على منع النعمة عن المحتاجين والمساكين). قال أوسطهم: ألم أقل لكم لولا تسبحون؟ قالوا: تنزَّه الله ربنا عن الظلم، بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا بسوء مقصدنا. فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون، قالوا: يا ويلنا إنَّا كنا طاغين، عسى ربنا أن يعطينا أفضل من حديقتنا، إنا إلى ربنا راغبون، راجون العفو.

068.7.2.3.2- الآية (33) مثل ذلك العقاب الذي عاقب الله به أهل الحديقة يكون عقابه في الدنيا لكل مَن خالف أمره، وبخل بما آتاه فلم يؤدِّ حق الله فيها، ولَعذاب الآخرة أعظم وأشد مِن عذاب الدنيا، لو كانوا يعلمون.

الإنفاق وتوزيع النعم وهي سنة من سنن الفطرة والدين أمر بها جميع الرسل وركز عليها القرآن وجاءت مقرونة بالصلاة اثنان وثلاثون مرّة في القرآن (انظر سورة الحديد 057.8.7 عن الإنفاق في سبيل الله). الله رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات: فبعض الناس أنعم الله عليهم بالمال وغيرهم بالأرض وغيرهم بالقوة وغيرهم بالصنعة والمعرفة والكل مسخّر لخدمة الآخر. وكل إنسان مسئول أمام الله عن النعمة التي وهبها إياه فالصانع يتقن صنعته ويعين الضعفاء والفقراء والمساكين وهذا ينطبق على كل الناس، فأصحاب الجنة (هم المجانين، إذ تسببوا بفناء الجنة بمخالفتهم سنة الله فحرموا منها جميعاً) جهلوا سنّة الله في خلقه واحتكروا النعمة لأنفسهم، ولم يعلم ذوو النعمة أن الله جعل في نعمته عليهم نصيب للفقراء والمساكين ليبتليهم وليرى ما هم فاعلون. ولو أن كل انسان تصرّف كما فعل أصحاب الجنة وبخل بما عنده: يعني أن يحتكر صاحب المال وصاحب الأرض وصاحب الزرع وصاحب الصنعة والعامل وكل صاحب نعمة يحتفظ بالنعمة لنفسه فقط، فستخرب وتفسد الحياة، ذلك بأن يموت الناس جوعاً وحاجة، ويكثر الفقراء وتكثر السرقات والقتل كما هو حاصل في زماننا هذا.

068.7.2.4- الآيات (34-47) هذه الآيات احتوت على ثمانية أسئلة القصد منها الإنكار على المكذبين والتوبيخ والتقريع على سوء حكمهم الظالم على أهل الحق (وقولهم مجنون) وتثبت بأنهم هم المجانين الذين ألغوا عقولهم جرياً وراء الباطل طغياناً واستكباراً. (14 آية)

هل يتساوى جزاء المسلم المطيع ربه وصاحب الأخلاق، مع جزاء المجرم الذي لا يردعه عن الظلم والفجور رادع؟ الله خلق الناس ليكرمهم لا ليعذبهم، ولينعم عليهم في الدارين، ففي الدنيا تدوم النعم بطاعة الله وفي الآخرة فإن جنات النعيم للمتقين.

ينكر الله سبحانه على المكذبين كِبَرهم وغفلتهم وانشغالهم بالنعمة وغرورهم بها عن قوانين الله، في الحياة والابتلاء. ويحاجج الناس بالمنطق وبالبديهيات التي يعلمها كل من يستخدم عقله، ليحكموا بالعدل: بين من يُصلح ويتبع الفطرة وبين من يُفسد فيها.

تسأل الآيات ست أسئلة ولا تجيب عليها، فالجواب معلوم لمن يتواضع للحق ويرغب به، ولأن القصد منها الإنكار على المكذبين والتوبيخ والتقريع على سوء حكمهم الظالم على أهل الحق (وقولهم مجنون) واختيارهم الباطل للدنيا على الآخرة (وتكذيبهم رسالة ربهم). فأبطل الله كذبهم وافتراءاتهم الظالمة واغترارهم بنعمة الله عليهم، بالإنكار والتوبيخ والتقريع بأسئلة جاءت متعاقبة: {أفنجعل}، {ما لكم كيف تحكمون}، {أم لكم كتاب}، {أم لكم أيمان}، {أيّهم بذلك زعيم}، {أم لهم شركاء}. والجواب على هذه الأسئلة الذي يعرفه المسلمون: هو أنهم عندهم كتاب ورسول وميثاق وعهد من الله بأن يجزي كل عامل بعمله.

068.7.2.4.1- الآية (34) إن الذين اتقوا عقاب الله بفعل ما أمرهم به وتَرْك ما نهاهم عنه، لهم عند ربهم في الآخرة جنات النعيم المقيم.

068.7.2.4.2- الآيات (35-41) أفنجعل المسلمين المطيعين لله كالكافرين؟ ما لكم كيف حكمتم هذا الحكم الجائر، فساويتم بينهم في الثواب؟ أم لكم كتاب منزل من السماء تدرسون فيه أن المطيع كالعاصي؟ إن لكم في هذا الكتاب إذاً ما تشتهون، ليس لكم ذلك. أم لكم عهود ومواثيق علينا في أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون؟ سل المشركين: أيهم بذلك الحكم كفيل وضامن بأن يكون له ذلك؟ أم لهم آلهة تكفُل لهم ما يقولون، وتعينهم على إدراك ما طلبوا، فليأتوا بها إن كانوا صادقين في دعواهم؟

068.7.2.4.3- الآيات (42-47) هم لن يجيبوا على الأسئلة الستة السابقة، لأنهم يعلمون أنهم على باطل، ولأنه بالتأكيد لن تكون لهم أي حجة تؤيد صلاح حالهم، أو وعد لهم بأن يحصلوا على ما يرغبون، ولن يكون لهم أولياء ينصرونهم. لذلك تنذرهم هذه الآيات لعلهم يفيقون من كبرهم وجنونهم وإجرامهم، قبل أن يقعوا في العقاب الشديد (في الدنيا وفي الآخرة) ويندموا يوم لا ينفع الندم:

068.7.2.4.3.1- الآيات (42، 43) إنذار لهم: بأن يوم القيامة يشتد الأمر ويصعب هوله، ويُدْعَون إلى السجود فلا يستطيعون، منكسرة أبصارهم لا يرفعونها، تغشاهم ذلة شديدة مِن عذاب الله، وقد كانوا في الدنيا يُدْعَون إلى السجود وهم أصحَّاء قادرون فلا يسجدون استكباراً.

068.7.2.4.3.2- الآيات (44، 45) تهديد ووعيد من الله الأقدر على العقاب، بأن اتركهم لي فأنَا أعلم كيف أنتصف منهم فلا تشغل نفسك بهم وتوكل عليَّ (وهذا وعد للنبي صلى الله عليه وسلم بالنصر ووعيد لهم بانتقام في الدنيا لأنه تعجيل لتسلية الرسول).

فذرني ومَن يكذِّب بهذا القرآن، سنمدهم بالأموال والأولاد والنعم؛ استدراجاً لهم من حيث لا يشعرون أنه سبب لإهلاكهم، وأُمهلهم وأُطيل أعمارهم، ليزدادوا إثماً. إن كيدي بأهل الكفر قويٌّ شديد.

068.7.2.4.3.3- الآيات (46، 47) وبعد أن لم يجيبوا على الأسئلة الستة السابقة، لأنه بالتأكيد لن تكون لهم أي حجة يحتجون بها لأنهم يعلمون أنهم على باطل. تتوجه إلى الرسول ثم تسأله سؤالين آخرين، ففي إجابتهما أنه لا علاقة له بكفرهم: أم أنهم لم يجيبوا دعوتك لأنك ربما أثقلتهم بأن سألتهم أجراً مقابل دعوتك لهم إلى الإسلام؟ أم عندهم علم الغيب، فهم يكتبون عنه ما يحكمون به لأنفسهم؟

068.7.2.5- الآيات (48-52) بعد أن تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا عذر لهم في تكذيبه وعدم الاستجابة لدعوته إياهم إلى الإسلام، يأمره تعالى بالصبر لحكم ربه وانتظار الوعد بالنصر، وألا يكون كصاحب الحوت في عدم صبره على قومه (الذين آمنوا كلهم فيما بعد). وأن كل أفعال المكذبين ما هي إلا كيد وحسد على ما به من نعمة القرآن وصدق وعظه وتذكيره للعالمين بما يصلح أحوالهم:

068.7.2.5.1- الآيات (48-50) فاصبر لما حكم به ربك (بإمهالهم)، ولا تكن كصاحب الحوت في غضبه وعدم صبره على قومه، حين نادى ربه تعجيل العذاب لهم، لولا أن تداركه نعمة مِن ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم، فاصطفاه ربه فجعله من الصالحين.

وصاحب الحوت هو يونس بن متَّى عليه السلام، لأن الحوت التقمه ثم قذفه فصار لقباً له. وحصل ذلك حين أخلى مكانه بين قومه، وتركهم مغاضبا لهم، بعد أن دعاهم إلى اللّه، وتوقفوا عن إجابة دعوته. ولو أنه صبر على عنادهم، وعاود نصحهم يوما بعد يوم، لاستجابوا له، فقد كان فيهم مع هذا العناد، بقيّة من خير. وهكذا كانت الآية من البشريات المسعدة، التي بشّر بها النبي في قومه، الذين كان شديد الحرص على هدايتهم ونجاتهم من الهلاك الذي يتدافعون إليه.

068.7.2.5.2- الآيات (51-52) خاتمة تلخص مقصد السورة وهو حسد الكفار وقولهم مجنون: وهو أن الكفار حسدوا الرسول صلى الله عليه وسلم على ما به من نعمة (وحاولوا أن يصيبوه بالعين) حين سمعوا القرآن العظيم (وعلموا أنه شيء عظيم لا يقدر على الإتيان بمثله بشر)، فقالوا إنه لمجنون (وما هو بمجنون). وما القرآن إلا موعظة وتذكير للعالمين من الإنس والجن.

معنى ليزلقونك بأبصارهم: وذلك أن العرب كان أحدهم إذا أراد أن يعتان المال، أي: يصيبه بالعين تجوّع ثلاثا، ثم يتعرض لذلك المال فيقول: تاللّه مالا أكثر ولا أحسن يعنى ما رأيت أكثر فتسقط منه الأباعر، فأرادوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم مثل ذلك فقالوا: ما رأينا مثل حججه، ونظروا إليه ليعينوه، فقالوا: ما رأينا مثله، وإنه لمجنون. لكن الله وقاه وحماه.

068.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

068.7.3.1- القصص في الآيات: (8-33، 48-51) = 30 آية.

068.7.3.2- قصص يوم القيمة في الآيات: (42، 43) = 2 آية.

068.7.3.3- باقي موضوعات السورة في الآيات: (1-7، 34-41، 44-47، 52) = 20 آية.

068.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

068.8.0- وهكذا لمّا بينت أن النبوّة والرسالة نعمة من الله يهدي بها عباده أنزلها على خير خلقه صاحب الخُلُق العظيم، وقد سبقتها الملك ببيان أنّ الله خلق الإنسان ليكرمه، واستخلفه في الأرض ليبتليه بالعمل، وبما أكرمه به من النعم، أيشكر أم يكفر، فكل أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب في القرآن هو خير محض فيه مصلحة الإنسان وأمنه وصلاحه وحفظ حقوقه، ويستفيد منه في الدنيا ثم بعد ذلك (وهو الأهم) يسعد به في الآخرة. وتناسبت على هذا السياق ست (6) سور: من الملك إلى الجن، وكأنها تدافع عن عظيم نعمة الله وعنايته وتدبيره وهديه إلى سُبل السعادة والرشاد، بينما الإنسان ظالم لنفسه كافر بالنعمة غير شاكر بسبب جهله وإعراضه. ففي الملك: تدافع عن نعم الله وخيراته المتكاثرة على الناس وبركاته وملكه العظيم وقدرته بإظهار إعراضهم عنها وكفرهم وعدم شكرهم، والقلم: تدفع افتراءهم على الرسول بإثبات أنه على خلق عظيم وأنهم مكذّبون وحاسدون، والحاقة: تدافع عن صدق القرآن بتأكيد هلاك المكذبين، والمعارج: حسن تدبير الله الأمر بأنهم كانوا يخوضون ويلعبون حتى باغتهم عذاب ليس له دافع، ونوح: دفاع عن الدعوة (والمرسلين) واستنفاذها كل الوسائل، والجن: سهولة كلام الله وقربه من العباد، وبساطة دينه الهادي إلى الرشد الناهي عن الباطل.

068.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: لما ذكر سبحانه في آخر تبارك التهديد بتغوير الماء استظهر عليه في هذه السورة بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة يطاف عليه فيها وهم نائمون فأصبحوا لم يجدوا له أثراً حتى ظنوا أنهم ضلوا الطريق وإذا كان هذا في الثمار وهي أجرام كثيفة فالماء الذي هو لطيف رقيق أقرب إلى الإذهاب ولهذا قال: {وَهُم نائمون (19) فأَصبحت كالصريم (20)} القلم، وقال هناك‏: {إِن أَصبحَ ماؤكُم غوراً (30)} الملك، إشارة إلى أنه يسرى عليه في ليلة كما سرى على الثمرة في ليلة.

068.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة الملك من عظيم البراهين ما يعجز العقول عن استيفاء الاعتبار ببعضه كالاعتبار بخلق السماوات في قوله تعالى {الذي خلق سبع سماوات طباقاً (3)} الملك، أي يطابق بعضها بعضاً من طابق النعل – إذا خصفها طبقاً على طبق، ويشعر هذا بتساويها في مساحة أقطارها ومقادير أجرامها – والله أعلم، ووقع الوصف بالمصدر يشعر باستحكام مطابقة بعضها لبعض إنباء منه سبحانه وتعالى أنها من عظم أجرامها وتباعد أقطارها يطابق بعضها بعضاً من غير زيادة ولا نقص {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت (3)} الملك، أي من اختلاف واضطراب في الخلقة أو تناقض، إنما هي مستوية مستقيمة، وجيء بالظاهر في قوله تعالى {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت (3)} الملك، ولم يقل: ما ترى فيه من تفاوت – ليشعر أن جميع المخلوقات جار على هذا، كل شكل يناسب شكله، لا تفاوت في شيء من ذلك ولا اضطراب، فأعطى الظاهر من التعميم ما لم يكن يعطيه الإضمار كما أشعر خصوص اسم الرحمن بما في هذ الأدلة المبسوطة من الرحمة للخلائق لمن رزق الاعتبار، ثم نبه تعالى على ما يرفع الريب ويزيح الإشكال في ذلك فقال: {فارجع البصر (3)} الملك، أي عاود الاعتبار وتأمل ما تشاهده من هذه المخلوقات حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة ولا يبقى معك في ذلك شبهة {هل ترى من فطور (3)} الملك، أي من صدوع وشقوق، ثم أمر تعالى بتكرير البصر فيهن متصفحاً ومتمتعاً هل تجد عيباً أو خللاً {ينقلب إليك البصر خاسئاً (4)} الملك، أي إنك إذا فعلت هذا رجع بصرك بعيداً عن إصابة الملتمس كأنه يطرد عن ذلك طرداً بالصغار وبالإعياء وبالكلال لطول الإجابة والترديد، وأمر برجوع البصر ليكون في ذلك استجمامه واستعداده حتى لا يقع بالرجعة الأولى التي يمكن فيها الغفلة والذهول إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة إذ معنى التثنية في قوله {كرتين} التكرير كقولهم: لبيك وسعديك فيحسر البصر من طول التكرار ولا يعثر على شيء من فطور، فلو لم تنطو السورة على غير ما وقع من أوله إلى هنا لكان في ذلك أعظم معتبر، وأوضح دليل لمن استبصر، إذ هذا الاعتبار بما ذكر من عمومه جار في كل المخلوقات ولا يستقل بفهم مجاريه إلا آحاد من العقلاء بعد التحريك والتنبيه، فشهادته بنبوة الآتي به قائمة واضحة، ثم قد تكررت في السورة دلالات كقوله {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح (5)} الملك، وقوله {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)} الملك، الآيات إلى آخر السورة، وأدناها كاف في الاعتبار فأنى يصدر بعض عن متصف ببعض ما هزئوا به في قولهم: مجنون وساحر وشاعر وكذاب، {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون (14)} المطففين، فلعظيم ما انطوت عليه سورة الملك من البراهين اتبعت بتنزيه الآتي بها محمد صلى الله عليه وسلم عما تقوله المبطلون مقسماً على ذلك زيادة في التعظيم، تأكيداً في التعزير والتكرير فقال تعالى {ن والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربك بمجنون (2)} القلم، وأنى يصح من مجنون تصور بعض تلك البراهين قد انقطعت دونها أنظار العقلاء فكيف ببسطها وإيضاحها في نسق موجز، ونظم معجز، وتلاؤم يبهر العقول، وعبارة تفوق كل مقول، تعرف ولا تدرك، وتستوضح سبلها فلا تسلك {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله (88)} الإسراء، فقوله سبحانه وتعالى {ما أنت بنعمة ربك بمجنون (2)} القلم، جواباً لقوله تعالى في آخر السورة إنه لمجنون، وتقدم الجواب بنفي قولهم والتنزيه عنه على حكاية قولهم ليكون أبلغ في إجلاله صلى الله عليه وسلم وأخف وقعاً عليه وأبسط لحاله في تلقي ذلك منهم، ولهذا قدم مدحه صلى الله عليه وسلم بما خص به من الخلق العظيم، فكان هذا أوقع في الإجلال من تقديم قولهم ثم رده إذ كسر سورة تلك المقالة الشنعاء بتقديم التنزيه عنها أتم في الغرض وأكمل، ولا موضع أليق بذكر تنزيهه عليه الصلاة والسلام، ووصفه من الخلق والمنح الكريمة بما وصف مما أعقب به ذلك إذ بعض ما تضمنته سورة الملك بما تقدم الإيماء إليه شاهد قاطع لكل عاقل متصف بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم وجليل صدقه {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً (82)} النساء، فقد تبين موقع هذه السورة هنا.

انظر تناسب سورة الجن مع غيرها من السور (072.8.2).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top