العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


074.0 سورة المدثر


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


074.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 56 آية. 4) الرابعة والسبعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والرابعة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “المزمل”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 3 مرّات، رب 3 مرّات، هو 2 مرة؛ (1 مرّة): خلق، يهدي، فتن، أهل التقوى وأهل المغفرة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: لم نك 2 مرتين؛ (1 مرّة): المدثر، نقر، الناقور، بسر، حُمر، مستنفرة، قسورة، لوّاحة، تسعة عشر.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: سقر 3 مرّات.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (5 مرّات): تذكرة، شاء؛ كلّا 4 مرّات؛ (3 مرّات): يوم، قدّر، كافر، جعل؛ (2 مرّة): أنذر، أهل، الكتاب، تذر، مهدت، قتل، نخوض، شفاعة؛ (1 مرّة): الرجز، عسير، عنيد.

074.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج الطيالسي وعبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن الأنباري في المصاحف قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أوّل ما نزل من القرآن فقال: {يا أيها المدّثر} قلت: يقولون {اقرأ بسم ربك الذي خلق} فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله عن ذلك قلت له مثل ما قلت. قال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {جاورت بحراء، فلما قضيت جواري فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعباً، فرجعت فقلت دثروني فدثروني، فنزلت {يا أيها المدّثر قم فأنذر} إلى قوله: {والرجز فاهجر}.

074.3 وقت ومناسبة نزولها:

الآيات السبعة الأولى (1-7) من السورة نزلت في بداية العهد المكّي. وثبت في حديث جابر بن عبد الله المذكور أعلاه أن أول شيء نزل من القرآن {يا أيها المدثر (1)} وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أوّل القرآن نزولاً قوله تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق}. وسياق الحديث يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله “فإذا الملك الذي جاءني بحراء” وهو جبريل حين أتاه بقوله {اقرأ باسم ربك الذي خلق}. ومعلوم من الأحاديث الصحيحة أنه حصل توقف للوحي لفترة من الزمن بعد نزول هذه الآيات الأولى، ثمّ استؤنف نزوله وابتدأ بالآيات الأولى من سورة المدّثر.

أوّل ما نزل من القرآن كانت الآيات الخمسة الأولى من سورة العلق {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم}. لم يذكر في هذه الرسالة الأولى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم عظم الأمانة التي أوكلت اليه ولا أيّ من المهام أو الواجبات التي ستوكل إليه في المستقبل. لقد ابتدأ الوحي بهذه الآيات ثمّ فتر لمدّة من الزمن ربما ليعلم أن عليه بهذا الترقب أن يتهيأ عقلياً لاستقبال الوحي وأداء رسالة النبوّة مستقبلاً.

أما الآيات (8-56) فقد نزلت في أوّل موسم للحج بعد بدئ الدعوة العلنيّة في مكّة. عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلّم تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى بإنذار الناس وإعلان الدعوة بالإسلام، وتلاوة القرآن الذي بدأت تتنزل آياته متتابعة. فشعر أهل مكة بالخطر، وأثار فيهم عاصفة من العداء والمقاومة ضدّ محمد صلى الله عليه وسلّم ودعوته. استمرّ الوضع على هذا الحال لشهور قليلة إلى أن حضر موسم الحج إلى الكعبة فخشيت قريش أن يبدأ صلى الله عليه وسلّم بقراءة القرآن بأسلوبه الفريد الساحر على مسامع الحجيج الذين يأتون من كلّ أرجاء الجزيرة العربية، في مجالسهم واجتماعاتهم خلال مناسك الحج، فيسحر سامعيه وقد يتّبعه ويؤمن به الكثير من الناس ويصل أمره إلى كل أجزاء الجزيرة العربية. لهذا السبب اجتمع زعماء قريش واتفقوا على أنهم: يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم ولا يمر بهم أحد إلا حذّروه إياه وذكروا لهم أمره. فكانت النتيجة أن انتشر ذكر الرسول صلى الله عليه وسلّم في بلاد العرب كلّها. وقد جاء تفصيله في سيرة ابن هشام كما يلي:

ثمّ إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سنّ فيهم، وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فاجتمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قولكم بعضه بعضاً؛ قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأياً نقول به؛ قال: بل أنتم فقولوا أسمع، قالوا: نقول كاهن؛ قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهّان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه؛ قالوا: فنقول: مجنون؛ قال: ما هو بمجنون. لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته؛ قالوا: فنقول: شاعر؛ قال: ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كلّه رجزه وهزجه وقرضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر؛ قالوا: فنقول: ساحر؛ قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم؛ قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة – قال بن هشام: ويقال لغدق – وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرّقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم، ولا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره. فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة في ذلك من قوله {ذرني ومن خلقت وحيداً، وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً، ومهدت له تمهيداً ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيداً}: أي خصيما. قال بن إسحاق: فجعل أولئك النفر يقولون ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لقوا من الناس، وصدّت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتشر ذكره في بلاد العرب كلّها.

074.4 مقصد السورة:

074.4.1- الأمر بالإنذار بأنهم محاسبون على أعمالهم وعلى النعمة التي استخلفهم الله عليها، والتذكير بالقرآن بأن مصيرهم مرهون بما كسبوا فإما الجنة أو النار. لكن أكثر الناس مكذبين ومعرضين شغلتهم الدنيا لا يتذكرون ولا يتعظون.

074.4.2- ومقصدها نجده في الآيات السبعة الأولى (1-7) تأمر الرسول صلى الله عليه وسلم (ومن آمن معه) بالقيام بالإنذار بيوم القيامة والحساب؛ والتذكير بفعل العمل الصالح: بتعظيم ربهم، وهجر الرجز، والصبر على التكاليف. وفي الآيات الثلاثة الأخيرة (54-56) التذكير بأن هذه السورة (كذلك القرآن) تذكرة وموعظة (بأن الله خلقهم للعبادة) فمن أراد الاتعاظ اتعظ بما فيه وانتفع بهداه، وما يذكرون ويتعظون به إلا أن يشاء الله لهم الهدى. هو سبحانه أهلٌ لأن يُتقى ويطاع، وأهلٌ لأن يغفر لمن آمن به وأطاعه.

074.4.3- وقال البقاعي: مقصودها الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أنفس المكذبين الفجار، والإشارة بالبشارة لأهل الادكار، بحلم العزيز الغفار، واسمها المدثر أدل ما فيها على ذلك، وذلك واضح لمن تأمل النداء والمنادى به والسبب.

074.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت عقب المزّمل في وقت مبكّر من بدء النبوّة، تأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالقيام بالإنذار والتذكرة، والسورتان متناسبتان في الافتتاح والخطاب ومختلفتان في المقصد، فالمزّمل أمرت بالاستعانة بالقيام وترتيل القرآن، والمدّثر أمرت بالقيام بإنذار النّاس وتبليغهم القرآن.

وتضمّنت السورة ثلاث مجموعات من الآيات: تبدأ (10 آيات) بتكليف الرسول صلى الله عليه وسلم بالقيام بالدعوة وإنذار الكفار، والصبر على أذاهم حتى يحكم الله بينه وبينهم، ثمّ (21 آية) ذكرت قصة الوليد بن المغيرة الذي سمع القرآن وعرف أنّه الحق، ولكنه زعم كذباً أنه سحر كالذي تعرفه البشر، فلعنه الله في الدنيا وعذّبه في الآخرة، ثمّ (25 آية) تتحدث عن النار التي وُعِد بها الكفار، وعن خزنتها الأشداء وعددهم، وعن الحكمة من تخصيص ذلك العدد، والقسم بأن جهنم هي إحدى الكٌبر، نذيراً للبشر، إلا أنهم ينكرونها حتى إذا ما فاجأتهم اعترفوا بذنوبهم فلا تنفعهم يومئذ شفاعة الشافعين، كما يلي:

(الآيات 1-10): أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالنهوض من دثاره والقيام بالإنذار، وتعظيم ربّه وتنزيهه عمّا يقولون، وهجر المعاصي والأوثان وأعمال الشرك، والابتعاد عن العجب والرياء، والصبر على الأذى في تبليغ أمر الله وتكاليفه، ثمّ تهديد ووعيد الكافرين بيوم عسير غير يسير وهو يوم القيامة.

(الآيات 11-31): يقول تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)} أي لا يملك شيء، فجعلت له المال والبنين والجاه العريض والرياسة، وبقي يطمع بالمزيد، كلّا إنه كان للقرآن وآياته معانداً مكذّباً فاستحق العذاب، {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)} يريد الكفر والطعن في القرآن، وانشغل باختلاق الأكاذيب والباطل، {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)} فقال إن هذا القرآن سحر يُنْقل عن الأولين، وهو قول البشر، فاستحق بذلك العذاب في جهنم التي لا تبقي لحماً ولا تترك عظماً إلا أحرقته، عليها تسعة عشر ملكاً، وقد جعل الله عدّتهم اختباراً للذين كفروا، وليستيقن أهل الكتاب بأنَّه يوافق كتبهم، ويزداد المؤمنون إيماناً، ولا يرتاب أهل الكتاب والمؤمنون بالله ورسوله، وليقول المنافقون والكافرون ما الذي أراده الله بهذا العدد المستغرب؟ {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)}.

(الآيات 32-56): القسم بالقمر وبالليل إذ أدبر، وبالصبح إذا أضاء وانكشف، بأن النار هي إحدى العظائم وهي نذير للبشر مؤمنهم وكافرهم، ثمّ إن كل نفس مرهونة بكسبها، إلا المؤمنين في الجنات يتساءلون عن المجرمين: ما الذي أدخلكم النّار؟ فيجيبون: لم نكن من المصلِّين، ولم نكن نطعم المسكين، وكنا نتحدث بالباطل، وكنا نكذب بيوم الحساب، حتى جاءنا الموت {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}. فما لهم عن القرآن معرضين؟ كأنهم حُمر فرّت من أسد، بل يطمع كل واحد منهم أن يُنزل الله عليه كتاباً من السماء منشوراً، كلّا بل الحقيقة أنهم لا يخافون الآخرة، كلّا إن القرآن تذكرة وموعظة {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)}.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

074.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

يمكن تقسيم السورة باعتبار موضوعاتها وترتيب آياتها إلى ثلاثة مجموعات من الآيات: المجموعة الأولى تبين مقصد السورة وهو الإنذار بيوم القيامة والحساب والتذكير بفعل العمل الصالح الموافق لسنن الله، والمجموعة الثانية تبين كيف خالف صاحب النعمة هدي ربه وحارب وصدّ عن سبيله فكان مصيره الهلاك والعذاب، والمجموعة الثالثة العذاب واعترافهم بالمخالفة لشرع الله والتعدّي على حقوق العباد.

074.6.1- الآيات (1-10) أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالنهوض والقيام بستة أعمال هي: الإنذار (بالبعث والحساب على الأعمال)؛ وتعظيم وتوحيد وعبادة ربه وحده؛ وتطهير ملابسه كناية عن الظاهر والباطن؛ وهجر الأقذار والأوثان وأعمال الشرك؛ والابتعاد عن العجب والرياء واستكثار ما يفعله؛ والصبر على الأوامر والنواهي والتكاليف حتى يأتي أمر الله بالبعث والحساب في يوم عسير على الكافرين (يسير على المؤمنين).

074.6.2- الآيات (11-31) احتوت الآيات على قصّة مغزاها التذكير بأن الله هو وحده الذي جعل الناس خلفاءه في الأرض، وهداهم إلى صراطه المستقيم الذي فيه صلاحهم، وجعل لهم المال والبنين وسهل لهم سبل العيش تيسيراً، ثم خوفهم بالنار والحساب ليرتدعوا عن الباطل، ولكن يقابله عناد عجيب للإنسان وإصرار على تكذيب الحق واتباعه للباطل:

074.6.2.1- الآيات (11-25) هذه القصة الحقيقية المعبّرة هي دليل على أن الإيمان هو الطريق الوحيد الموصل للسعادة وهو أعظم شيء وعمل يصل بسببه الإنسان إلى كل ما يتمناه من الأموال الكثيرة والأولاد الحاضرين معه وتيسير سبل العيش. أما الكفر فهو على النقيض من ذلك من الشقاء والعذاب والإرهاق وانعدام الراحة، والآيات في ذلك واضحة تفسر نفسها، كما يلي:

يقول سبحانه وتعالى أن هذا الذي فتحت عليه أبواب النعمة على مصراعيها، ثم يأمُل بعد هذا العطاء أن أزيد له في ذلك، وقد كفر بي، ليس الأمر كما يزعم هذا الفاجر الأثيم، لا أزيده على ذلك؛ إنه كان للقرآن وحجج الله على خلقه معانداً مكذباً، سأكلفه مشقة من العذاب والإرهاق لا راحة له منها. (والمراد به الوليد بن المغيرة المعاند للحق المبارز لله ولرسوله بالمحاربة، وهذا جزاء كلِّ من عاند الحق ونابذه).

إنه فكَّر يريد الكفر والطعن في القرآن، فَلُعِن واستحق بذلك الهلاك بسبب سوء نيته وانشغال فكره وعزمه على الطعن، فالله {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)} غافر؛ ثم لُعِن واستحق الهلاك مرّة ثانيه بسبب سوء نيته وإصراره على قلب الحق باطلاً، فأعرض عن الدليل الدامغ بأن القرآن كلام الله وانشغل يقدّر بأنه يشبه السحر، ثمّ أن حركاته في النظر والعبوس وتعابير الوجه والجسم وإدباره تدل على ما يبطنه داخله من التكذيب والكبر والتناقض؛ ثم مرّة ثالثة نطق وصرّح بالكذب والباطل قائلاً أن القرآن سحر يُنْقل عن الأولين، وما هو إلا قول البشر. فَلُعِن واستحق بذلك الهلاك الكبير في جهنم التي لا تبقي لحماً ولا تترك عظماً إلا أحرقته، عليها تسعة عشر ملكاً.

وباختصار: لُعِن واستحق الهلاك بسوء فكره ونيته تجاه الحق، وبسوء تقديره ومكره بالحق، وبسوء فعله في إفساد فكر وتقدير وعمل الناس. ولو فكّر بحسن نية وهي قبول الحق لوفقه الله وهداه لحسن نيته ابتداءاً، ثم لعلم بحسن تقديره أنه كلام الله فاهتدى به وفاز، ثم بحسن اتباعه وتطبيق ما فيه يستحق الفوز في الآخرة بجنات النعيم.

074.6.2.2- الآيات (26-30) نهاية القصة: وفيها بيان الجزاء العادل لكفر النعمة ومحاربة الحق وهو: أنه سيدخل جهنم؛ كي يصلى حرَّها ويحترق بنارها، التي لا تبقي لحماً ولا تترك عظماً إلا أحرقته، ومغيِّرة للجلود محرقة لها، يلي أمرها تسعة عشر ملكاً.

074.6.2.3- الآية (31) يقول تعالى: وما جعلنا خزنة النار إلا من الملائكة، وما جعلنا ذلك العدد إلا اختباراً للذين كفروا؛ وليحصل اليقين للذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى بأنَّ ما جاء في القرآن يوافق كتبهم، ويزداد المؤمنون تصديقاً بالله ورسوله، ولا يشك في ذلك الذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى ولا المؤمنون بالله ورسوله؛ وليقول الذين في قلوبهم نفاق والكافرون: ما الذي أراده الله بهذا العدد المستغرب؟ بمثل ذلك الذي ذُكر يضلُّ الله من أراد إضلاله، ويهدي مَن أراد هدايته، وما يعلم عدد جنود ربك إلا الله وحده. وما النار إلا تذكرة وموعظة للناس.

074.6.3- الآيات (32-56) يقسم تعالى بأنه جعل النار إحدى العظائم إنذاراً وتخويفاً للبشر (لتحقيق العدل) وجعل هذا القرآن تذكرة فيه موعظة بليغة لمن أراد الاتعاظ بما فيه والانتفاع بهداه. وما الهدى إلا لمن يشاء الله له الهدى هو أهل أن يخاف منه، وهو أهل أن يغفر ذنب من تاب إليه وأناب.

074.6.3.1- الآيات (32-37) أقسم الله سبحانه بالقمر، وبالليل إذ ولّى وذهب، وبالصبح إذا أضاء وانكشف. إن النار لإحدى العظائم؛ إنذاراً وتخويفاً للناس، لمن أراد منهم أن يتقرَّب إلى ربه بفعل الطاعات، أو يتأخر بفعل المعاصي.

074.6.3.2- الآيات (38-48) كل نفس بما كسبت من أعمال مرهونة بكسبها، (لا تُفَكُّ حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات)، إلا أصحاب اليمين فهم في جنات يتساءلون عن الذين أجرموا في حق أنفسهم: ما الذي أدخلكم جهنم؟ فيقول المجرمون: لم نكن من المصلِّين، ولم نكن نتصدق ونطعم المساكين، وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الباطل، وكنا نكذب بيوم الحساب والجزاء، حتى جاءنا الموت، ونحن في تلك الحال. فما تنفعهم شفاعة الشافعين، وقد رهنوا بما كسبوا.

074.6.3.3- الآيات (49-51) فما لهم عن القرآن وما فيه من المواعظ منصرفين؟ كأنهم حمر وحشية، فرَّت من أسد كاسر.

074.6.3.4- الآيات (52-53) بل يطمع كل واحد منهم أن يُنزل الله عليه كتاباً من السماء منشوراً، كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. كلّا (لا يكون مرادهم) بل الحقيقة أنهم لا يخافون الآخرة، ولا يصدِّقون بالبعث والجزاء.

074.6.3.5- الآيات (54-56) كلّا إن القرآن تذكرة وموعظة (بأن الله خلقهم لأجل عبادته وحده وطاعته) فمن أراد الاتعاظ اتعظ بما فيه وانتفع بهداه، وما يذكرون ويتعظون به إلا أن يشاء الله لهم الهدى. هو سبحانه أهلٌ لأن يُتقى ويطاع، وأهلٌ لأن يغفر لمن آمن به وأطاعه.

074.7 الشكل العام وسياق السورة:

074.7.1- سُميت بهذا الاسم {المدثر} لأنها تصف حال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو التدثر بالثوب، فوصفت حالته، وناداه الله بحالته وأمره بالقيام والإنذار والتذكير باليوم العسير (أي يوم القيامة) والدعوة إلى عبادة الله.

074.7.2- سياق السورة باعتبار مناسبة النزول:

الآيات (1-10) بعد الانقطاع المؤقت للوحي كما ذكر أعلاه، استؤنف مرّة ثانية بالآيات السبعة الأولى من سورة المدثّر تأمره بالقيام وانذار الناس، وتأمره بتعظيم الله والتطهر وهجر الأوثان والصبر على قدر الله بإنذار الناس انتظاراً لقدوم الآخرة والذي هو {على الكافرين غير يسير}، ثم حمي الوحي بتتابع نزول آيات القرآن رسالة السماء.

وقد نزلت الآيات (11-31) في الوليد بن المغيرة كما ذكر آنفاً لعناده وتزييفه للحق وتجرّئه على محاربة الله ورسوله، فذمه الله ذمّاً لم يذمه غيره، وأن له الخزي في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى. لقد خلقه الله لا يملك شيء، لا مال ولا أهل، فمكّنه الله من الدنيا وأسبابها، حتى انقادت له، وبسط له الجاه العريض والرياسة في قومه فأتم عليه نعمتيّ المال والجاه، فكان من وجهاء قريش وصناديدهم، ولذلك لقب ريحانة قريش، وبقي يطمع بالمزيد كما هي طبيعة الإنسان. وقيل إنه قال إذا كان محمد صادقاً فما خلقت الجنة إلا لي. فقطع الله رجاءه فهو لا يستحق المزيد. ويروى أنه ما زال بعد نزول هذه الآيات في نقصان من ماله حتى هلك.

الآيات (32-56) لقد جاء أمر الله لنبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم في الآيات الأولى من السورة تأمره بالقيام وانذار الناس. وهذه السورة وما اشتملت عليه من الموعظة بسرد قصة الوليد بن المغيرة، والمشاهد المؤثرة من ذلك اليوم العسير والعظيمة أحداثه، هي تذكرة بليغة ونذير للبشر. فمن شاء أن يجعلها نصب عينيه فيتقدم لمرضاة الله بأعماله فهو المستفيد، ومن أعرض عنها وتأخر عما يحبه الله باتباع المعاصي فقد استوجب العذاب.

074.7.3- سياق السورة باعتبار القصص الموجودة فيها:

باعتبار القصص يمكن تقسيم السورة أيضاً إلى ثلاثة مجموعات من الآيات، (وهي نفسها التقسيمة بحسب ترتيب الآيات في السورة): تبدأ بالأمر بعبادة الله وهجر الأوثان والشركاء والصبر على ذلك (ففيه السعادة) وإنذار الناس وتحذيرهم من العذاب إن لم يؤمنوا. ثم ذكر قصة حقيقية تسهّل فهم هذا المقصد وهو أن الإيمان هو الطريق الوحيد الموصل للسعادة وأن الكفر هو طريق الشقاء والعذاب. ثم جعل الله العذاب إنذاراً وتخويفاً للناس وجعل القرآن تذكرة وموعظة لمن شاء له الهداية فالله أهل لأن يتقى وأهل للمغفرة. كما يلي:

074.7.3.1- الآيات (1-10) أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالنهوض من دثاره والقيام بالإنذار، وتوحيد وعبادة ربه وحده، وهجر الأقذار والأوثان وأعمال الشرك، والابتعاد عن العجب والرياء واستكثار ما يفعله، والصبر على الأوامر والنواهي وتكاليف ومشاق الدعوة إلى الله التي جاءت بها هذه السورة، فيوم القيامة هو يوم عسير قادم وفيه تحاسب كل نفس بما كسبت.

074.7.3.2- الآيات (11-31) قصّة مؤلمة فِكرتها بسيطة واضحة، عن شخص جاحد، أنعم الله عليه نِعمة واسعة، لكنه احتفظ بها لنفسه وانشغل بها بالطغيان والكفر بالمنعم بدلاً من شكره، ولما أن جاءه النذير كذّبه واستخدم نعمة الله في الصد عن سبيله، وتمادى في كفره بأن راح يُعلّم قومه كيف يكذبون رسوله ويصدّون عنه، ويتحايلون على الناس لأقناعهم بأن الحق كذب والهدى سحر وضلالة.

لقد علم الشخص المقصود بالقصة (الوليد بن المغيرة) أن الرسول حق وأن الكلام الذي يقوله كلام معجز لا يقدر على الإتيان بمثله بشر، وأنه كلام عجيب، حُلو له أصل وفرع، وأن كل ما سيقال عنه من شيء (غير أنه كلام الله المعجز) سيعرف أنه باطل. فمكر واخترع بعناده حيلة أو فِريّة يستخدم فيها الباطل لكي يصد عن سبيل الله، ويواري الحق قاصداً ذلك ومصرّاً عليه، فيخوف الناس من فعل الساحر الذي يفرق الأسر والجماعات، بينما الصحيح هو أنه الفرقان من الله الذي يفرق به بين الخير والشر والحق والباطل.

وأن إنسان شرّير كهذا مع سبق الخبث والإصرار يفكر ويقدر ويحرّض المشركين أهل الجهل والباطل باستخدام الكذب والجهل والضلال على صدّ الناس عما هم في أمسّ الحاجة له من العلم والهدى والحكمة التي تحقق لهم سعادة الدارين، هذا الانسان يستحق سقر عن جدارة ويستحق العذاب في الدنيا والآخرة. لقد أنعم الله عليه بالأموال والأولاد والحياة الميسرة وفوق هذا بالعقل والتقدير والمشورة، فراح يستخدم هذه النعم بحرب الله ورسوله، فحرمه الله منها وأدخله النار يصلاه سقر جزاءاً على كفره بدل شكره.

074.7.3.3- الآيات (32-56) كما هو الحال في القصّة تتكرر الحالة المؤلمة مع أكثر الناس، إذ يأتيهم النذير بالتذكرة والموعظة فيعاندون ويكذبون، فهو تذكرة وحجة عليهم لمن شاء أن يؤمن فيفوز أو لمن شاء أن يكفر فيخسر.

074.7.3.3.1- الآيات (32-48) يقسم تعالى بأنه جعل النار إحدى العظائم نذيراً لكي تمنع الناس من الكفر والكذب والطغيان، ولتكون نذيراً لهم بأنهم في تقدمهم أو تأخرهم مرهونين بأعمالهم، ومع هذا فلم يرتدعوا ووقعوا في النار بكامل إرادتهم (وقصة الوليد بن المغيرة وخير دليل على عظيم عنادهم)، فتؤكد هذه الآيات أنهم رفضوا عناداّ سماع الحق واستغنوا بالدنيا التي هي دار عمل عن الآخرة التي هي دار جزاء. حتى إذا سألهم أهل الجنة اعترفوا بذنوبهم وتعديهم على حقوق المساكين حتى أتاهم الموت فما تنفعهم شفاعة أحد إلا بإذن الله.

كذلك تبين الآيات ما الذي يجب أن يكون عليه فعل البشر على هذه الأرض وهو ما يعرفون ويعترفون به في النار: بأن يكونوا من المصلّين ويطعمون المسكين، وأن لا يخوضوا في الباطل مع أهل الضلالة ولا يكذبون بيوم الدين.

074.7.3.3.2- الآيات (49-56) تصف حال انصرافهم عن القرآن وما فيه من التذكرة كأنهم حمر وحشية فرّت من أسد كاسر. بل يريد كل واحد منهم أن ينزل الله عليه كتاب لوحده، والحقيقة أنهم لا يخافون الآخرة ولا يصدقون بها. والقرآن تذكرة لهم بالآخرة وموعظة لهم بالنجاة لمن أراد الموعظة وما يتعظون إلا أن يشاء الله لهم الهدى، هو أهل لأن يُتقى وأهل لأن يغفر ذنوب التائبين.

074.7.4- سياق السورة باعتبار الإنذار بالعذاب والتذكرة والتخويف بالنار:

الله سبحانه وتعالى لم يخلق الناس ليعذبهم، كما لم يخلقهم لكي يبقوا على جاهليتهم فلا ينعموا ولا يسعدوا، ولم يخلقهم لكي يشركوا ويفسدوا الأرض فيشقوا. بل خلقهم سبحانه وتعالى لكي ينعموا ويسعدوا بمعرفته والعلم بأنه هو ربهم وخالقهم وأخذ بذلك عليهم الميثاق وأشهدهم عليه قبل أن يولدوا، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)} الأعراف، ثم باتباع صراطه المستقيم للذين أنعم الله به عليهم {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ (7)} الفاتحة. ففي هذه السورة يخبرنا سبحانه وتعالى أنه جعل الآخرة والنار لكي يخافوا من الانحراف عما خلقوا لأجله وهو العلم بالله وعبادته.

074.7.4.1- الإنذار من العذاب والتذكير بالعبادة: الآيات (1-7، 54-56) = 10 آيات

074.7.4.1.1- الآيات (1-7) التكليف بالإنذار من عذاب الله والتذكير بتعظيمه وتوحيده وعبادته والتطهر وهجر الأوثان والصبر على التكاليف.

074.7.4.1.2- الآيات (54-56) التذكير بالقرآن لمن شاء التذكرة والاتعاظ والانتفاع بما فيه من الهدى إلى الصراط المستقيم.

074.7.4.2- التخويف بالعذاب بالنار: الآيات (8-10، 26-48) = 26 آية

074.7.4.2.1- الآيات (8-10) تبين الآيات أن يوم البعث يوم عسير وغير يسير.

074.7.4.2.2- الآيات (26-31) تهديد الكافرين بالعذاب في النار ومن أسمائها سقر. وتصف لهم شدّة حرّها وأن خزنتها هم تسعة عشر من الملائكة. وما النار إلا تذكرة وموعظة للناس.

074.7.4.2.3- الآيات (32-37) أقسم الله سبحانه بالقمر، وبالليل، وبالصبح، إن النار لإحدى العظائم؛ إنذاراً وتخويفاً للناس، لمن أراد منهم أن يتقرَّب إلى ربه بفعل الطاعات، أو يتأخر بفعل المعاصي.

074.7.4.2.4- الآيات (38-48) تبين أن كل نفس بما كسبت من أعمال الشر والسوء محبوسة مرهونة بكسبها، لا تُفَكُّ حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات. فأما أصحاب اليمين ففي الجنة، وأما الكفار ففي النار يعترفون بأنهم يستحقون العذاب لأنهم أجرموا بحق أنفسهم وكذبوا بيوم الحساب والجزاء، وماتوا وهم في الضلالات والمنكرات.

074.7.4.3- إعراضهم عن الإنذار والتذكرة: الآيات (11-25، 49-53) = 20 آية

074.7.4.3.1- الآيات (11-25) تحكي قصة الشقي الفاجر (الوليد بن المغيرة) الذي سمع القرآن، وعرف أنه الحق، ولكنه زعم أنه من قبيل السحر الذي تعرفه البشر، ليضل بهذه الفرية عن سبيل الله.

074.7.4.3.2- الآيات (49-53) تصف حال إعراضهم عن التذكرة بالحمر المستنفرة حين ترى الأسد يهاجمها، وأنهم يطمع كل واحد منهم أن ينزل عليه كتاب كالقرآن، وأنهم لا يخافون الآخرة.

074.7.5- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

074.7.5.1- آيات القصص: (11-25) = 15 آية.

074.7.5.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (8-10، 26-31، 38-48) = 20 آية.

074.7.5.3- الأمثال في الآيات: (49-53) = 5 آيات.

074.7.5.4- آيات الله في السماوات والأرض: (32-34) = 3 آيات.

074.7.5.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-7، 35-37، 54-56) = 13 آيات.

074.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

074.8.0- تتناسب المدّثر مع المزّمّل التي قبلها، فالسورتان واردتان في أمر واحد وهو تلقي القرآن وترتيله والتذكير والإنذار به والصبر على ذلك، ثمّ تهديد ووعيد الكافرين بالعذاب يوم القيامة: وقد استهلّت السورتان بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم، ففي المزمّل {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) ….. وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)}، أي استعن بقيام الليل وقراءة القرآن على تحمّل ثقل كلام الله، واذكر اسمه وانقطع لعبادته، وفي المدّثر {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)}، تأمره بأن أنذر الناس وكبّر ربّك، واهجر المعاصي والأوثان؛ ثم أتبعت المزّمّل بقوله {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ (10)} وكذلك المدّثر بقوله {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)}؛ ثمّ أتبع الأمر بالصبر في المزّمّل بتهديد ووعيد للمكذّبين {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ (11)} فمصيرهم العذاب، أما الرسول والمؤمنون فلهم أجر عظيم، وأتبع في المدّثّر بتهديد ووعيد للكافرين {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)}، فمصيرهم العذاب في سقر لأنهم {عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)}. ثمّ أعقبهما خمسة سور هي: القيامة والإنسان والمرسلات والنبأ والنازعات، متشابهة في بسط القول عن أهوال يوم القيامة وأحوال العباد، وعن أسباب إعراض الناس وتكذيبهم: وهو حبّهم للعاجلة وعدم إيمانهم بالبعث بعد الموت والحساب على الأعمال.

074.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: هذه متآخية مع السورة التي قبلها في الافتتاح بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم وصدر كليهما نازل في قصة واحدة وقد ذكر عن ابن عباس في ترتيب نزول السور‏:‏ أن المدثر نزلت عقب المزمل أخرجه ابن الضريس وأخرجه غيره عن جابر بن زيد.

074.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ملاءمتها لسورة المزمل واضحة، واستفتاح السورتين من نمط واحد، وما ابتدأت به كل واحدة منهما من جليل خطابه عليه الصلاة والسلام وعظيم تكريمه {يا أيها المزمل (1)} المزمل، {يا أيها المدثر (1)} المدثر، والأمر فيهما بما يخصه {قم الليل إلا قليلاً (2) نصفه…(3)} الآي المزمل، وفي الأخرى {قم فأنذر (2) وربك فكبر (3)} المدثر. أتبعت في الأولى بقوله: {فاصبر على ما يقولون (10)} المزمل، وفي الثانية بقوله {ولربك فاصبر (7)} المدثر، وكل ذلك قصد واحد، واتبع أمره بالصبر في المزمل بتهديد الكفار ووعيدهم {وذرني والمكذبين (11)} المزمل الآيات، وكذلك في الأخرى {ذرني ومن خلقت وحيداً (11)} المدثر الآيات، فالسورتان واردتان في معرض واحد وقصد متحد.

راجع تناسب سورة المرسلات مع العشر سور التي سبقتها (077.8.1).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top