العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


088.0 سورة الغاشية


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


088.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 26 آية. 4) الثامنة والثمانون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والحادية والسبعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الذاريات”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 1 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): ضريع، ناعمة، نمارق، زرابي، نصبت، سطحت، مسيطر، إيابهم.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: كيف 4 مرّات؛ (2 مرّة): وجوه، يومئذ، فذكّر، إنّ؛ (1 مرّة): غاشية، خاشعة، ناصبة، حامية، آنية.

088.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله عجل إليك الشيب. قال: “شيبتني هود وأخواتها والواقعة والحاقّة وعمّ يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية”.

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بِ {سبح اسم ربك الأعلى (1)} و {هل أتاك حديث الغاشية (1)} وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعاً.

088.3 وقت ومناسبة نزولها:

موضوع السورة بأكمله يشير إلى أنها نزلت مع السور التي نزلت في بداية العهد المكّي، وفي وقت كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بدأ يعلن دعوته للناس، وأهل مكة يسمعونه ويتجاهلونه غير مبالين وغير متفكرين به ولا بدعوته بعيداً. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

088.4 مقصد السورة:

088.4.1- الأمر بالتذكير بالبعث والحساب، والجزاء، وتأكيد قدرة الله عليه، وأن الله خلقهم لمقصد عظيم وهو العمل للآخرة.

088.4.2- ومقصدها نجده في أربع آيات من آخر السورة: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)} وهو الأمر بالتذكير فقط وترك أمر إيمانهم وحسابهم لله، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)} فالله قادر على جمعهم وحسابهم، أما الجزاء فقد استهلّت السورة بذكره.

بدأت السورة بوصف حال أهل النار في العذاب ثم أهل الجنة في النعيم، وختمت بذكر المصير الأخير والجزاء يوم القيامة بأنهم إلى الله راجعون للحساب، وفي وسطها نبهت إلى الآيات الدالّة على قدرة الله على البعث، وأمرت بالتذكير بها.

088.4.3- وقال البقاعي: مقصودها شرح ما في آخر {سبح} من تنزيه الله سبحانه وتعالى عن العبث بإثبات الدار الآخرة التي الغاشية مبدؤها، وذكر ما فيها للأتقى والأشقى، والدلالة على القدرة عليها، وأدل ما فيها على هذا المقصود الغاشية- نعوذ بالله من القلب الغاشي والبصيرة الغاشية، لئلا تكون الغاشية علينا بسوء الأعمال ناشية.

088.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في بداية العهد المكّي، ومقصدها التذكير بالبعث والحساب والجزاء، وأن الله خلقهم لمقصد عظيم وهو العمل للآخرة، فمن عمل للدنيا ضلّ وخسر وسيصلى {نَارًا حَامِيَةً (4)}، ومن عمل للآخرة وسعى لها بالطاعات واتباع الدّين أفلح وفاز {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)}. وتضمّنت ثلاث مجموعات من الآيات، استهلّت (16 آية) بالترهيب والترغيب بذكر المصير يوم القيامة والإعلام بأن سعيهم سيوصلهم إلى أحد مصيرين لا ثالث لهما، فإمّا العذاب والتعب والعطش والجوع في النار وإمّا النعيم والرضى والشراب وأسباب الراحة في الجنة، ثمّ (4 آيات) الأمر بالنظر إلى المخلوقات المسخّرة والمذلّلة والتي فيها طعامهم وشرابهم وركوبهم وغيرها من وسائل الراحة والنعيم والمنافع الكثيرة التي تدلّ على وجود الخالق، وعلى أنه ما خلق إلّا لحكمة وبعلم وتقدير وإتقان لا عبث ولا لعب فيه، وبأسباب يشاهدونها في الإبل التي يألفونها والسماء التي فوقهم والجبال التي أمامهم والأرض الممهّدة لسعيهم، فينتفعوا بها ويعتبروا ويتدبّروا قدرة الله في الخلق والإبداع والتقدير والتدبير، فيعلموا صدق وعده ووعيده بالحساب فيحذروا عقابه ويرجوا ثوابه، ثمّ ختمت (6 آيات) بالأمر بالتذكرة والموعظة فقط وأنهم إلى ربهم راجعون ومحاسبون، كما يلي:

(الآيات 1-16): التعريف بالغاشية وهي القيامة، وسميت بذلك لأنها تغشى الناس بشدائدها وأهوالها، وجوه الكفار يومئذ ذليلة متعبة في العذاب يصلون ناراً حامية ويسقون من عين شديدة الحرارة ويطعمون من شجر ذو شوك {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)}، ووجوه المؤمنين يومئذ ناعمة لسعيها بالطاعات راضية في جنّة عالية لا تسمع فيها لاغية، فيها عين جارية وسرر مرفوعة وأكواب معدّة للشاربين ووسائد مصفوفة وبُسُط مفروشة.

(الآيات 17-20): أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقَت هذا الخلق العجيب الذي كلّه منافع لهم؟ وإلى السماء كيف رُفِعَت بغير عمد يرونها فتحميهم وترجع إليهم بالخير والمطر؟ وإلى الجبال كيف نُصبت فحصل بها الثبات للأرض والاستقرار وجريان الأنهار وغيره؟ وإلى الأرض كيف بُسِطت ومُهِّدت لسعيهم ومعاشهم؟ في تناسب بين ما أعدّ لهم في الدارين الدنيا والآخرة، فيعلمون أن الذي قدِر على خلقها وتسخيرها لن يُعجزه إعادة بعثهم وحسابهم، وأنهم ما خلقوا عبثاً ولكن ليبلوهم بأعمالهم.

(الآيات 21-26): أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ذكّر الناس وعظهم ولن تجبرهم على الإيمان، لكن من تولّى وكفر بعد الوعظ والتذكير {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)} ثمّ إليه مرجعهم يوم القيامة فيحاسبهم على ما عملوا من خير وشر.

ولمّا ختمت بذكر مقصدها وهو الأمر بالتذكير بالبعث والحساب وأن لوجودهم مقصد وحكمة كباقي المخلوقات، لكنهم تميّزوا عنها بالعقل والتكليف والتكريم وحمل الأمانة والتزام الدين، وكان قد سبق في وسطها الدليل والبرهان بالآيات المشاهدة بالنظر لا بالفكر على أن الله تعالى لم يخلق عبثاً، ولكن بتقدير وحكمة وأنّ كلّ مخلوق ميسّر لما خُلق له، وأنه كذلك كما قدِر على خلق الإبل والسماوات والأرض قادر على خلق ما وصف في الجنة والنار وما أعدّ لأهلها، وسبقه كذلك الاستهلال بذكر الغاشية بصورة الاستفهام تعظيماً لأمرها وعاقبة سعيهم يوم القيامة، وما يلقاه الكافر فيها من الشقاء والعناء، وما يلقاه المؤمن فيها من السعادة والهناء، فريق في الجنة وفريق في النار.

وقد تقدّم على نفس السياق في سورة الأعلى الأمر بتنزيهه سبحانه وتعالى عمّا يتوهّم الظالمون، وأنه خلق فسوّى وقدّر فهدى، وأمر الإنسان أن يزكّي نفسه فيسموا بها إلى أعالي النعيم في الجنة لا أن يهبط بها إلى أسفل سافلين في النار؛ كما أعقبها أيضاً في سورة الفجر بيان سنّة ابتلاء العباد بالخير والشر، بدليل هلاك أقوام عاد وثمود وفرعون بسبب طغيانهم وإفسادهم، وفيها تأكيد البعث ومجيء الحساب بعد زوال الأرض، عندها يتحسّر الإنسان على تفريطه وكلّ دقيقة لم يقدم فيها لحياته.

اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنّة بلا حساب ولا سابق عذاب.

088.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تتحدث السورة عن القيامة وبيان أحوالها وأهوالها، وما يلقاه فيها الكافر والمؤمن من الجزاء. وفيها الإشارة إلى الأدلة والبراهين على قدرة رب العالمين في خلق الإبل العجيبة، والسماء البديعة، والجبال المرتفعة، والأرض الممتدة الواسعة وكلها شواهد على وحدانية الله وجلال سلطانه، وعلى أنه لم يخلق عبثاً بل خلق كل شيء لمقصد وحكمة. ويبين الله للناس من خلالها حقيقة سيطرته على الكون وحتميّة الرجوع إليه يوم القيامة، ويخوفهم عاقبة لامبالاتهم، ويبشرهم بالفوز إن هم سمعوا الذكرى وقد ارسلها الله إليهم مع رسوله. هذا الرسول الذي جاء هم مذكّراً فقط، أما السيطرة والحساب فهي بيد الله. وختمت السورة بالتذكير برجوع الناس جميعاً إلى الله سبحانه للحساب والجزاء.

لقد خلق الله الآخرة للحساب والجزاء، وأن مصير الناس فريقين إما في الجنة أو في النار. ولإثبات هذا المصير الخطير للناس، وأنهم فريقين: شقي وسعيد، تضمنت السورة ثلاثة وسائل تخاطب فيها قلب الإنسان بالترغيب والترهيب وعقله بالحجة والدليل وأنه مكلّف ومبتلى بالتذكير، كما يلي:

088.6.1- الآيات (1-16) الترغيب والترهيب والوعد والوعيد: في البداية يسأل تعالى هل تعلمون أو هل أتاكم شيئاً عن القيامة أو الغاشية، والجواب قطعاً أنهم لم يأتيهم من أخبارها، بعد ذلك مباشرة يذكر تعالى بعضاً من أحوال يوم القيامة وما فيها من الأهوال الطامّة وأنها تغشى الخلائق بشدائدها فيجازون بأعمالهم فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير، وتبين الآيات وصف كلا الفريقين.

088.6.2- الآيات (17-20) تأمرهم وتحثهم على النظر، ليتأملوا في خلق الأشياء من حولهم، الدالة على وجود الخالق ودقة صنعته وتقديره وعلى وجود الآخرة. فيسألهم عن كيفيّة خلق الإبل، ورفع السماء، ونصب الجبال، ومدّ الأرض، والاستفهام للتقريع والتوبيخ.

088.6.3- الآيات (21-26) أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالتذكير. أي ذكّر الناس وعظهم وأنذرهم وبشرهم، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم، ولم تبعث مسيطراً عليهم مسلطاً ولا موكلاً بأعمالهم، فإذا قمت بما عليك فلا عليك لوم، وقد عذب الكفار في الدنيا وينتظرهم العذاب الأكبر في الآخرة، وإنما جمعهم وحسابهم يوم القيامة على الله.

088.7 الشكل العام وسياق السورة:

088.7.1- إسم السورة “الغاشية”: التي افتتحت السورة بالحديث عنها، وأصل الغاشية الداهية التي تغشى الناس بشدائدها، والتي معناها هنا القيامة. ومقصد السورة وموضوعاتها كلها تدور حول الرجوع إلى الله والحساب الذي يحصل يوم القيامة، فتصف أحوالها وأهوالها، وما يلقاه الكافر والمؤمن جزاء أعمالهم. وهي تذكر الدلائل على قدرة الله على البعث والحساب وتأمر الرسول بتذكير الناس بأنه لا بدّ أن يكون سعيهم في هذه الحياة الدنيا وفي فكرهم ونصب أعينهم الآخرة وحساب الله.

088.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها ومقصود السورة الذي هو أن الناس راجعون إلى ربهم محاسبون على أعمالهم (ذكر في آخر آيتين): فابتدأت بالوعد والوعيد وبالتخويف والترغيب، وذلك بالإعلام بما ينتظر الناس في الآخرة، لكي يسمعوا الإنذار فيتذكروا أنهم مخلوقين كغيرهم، فينظروا ويتفكروا بآيات الله الدالة على قدرته وتقديره وتدبيره فيعملوا الصالحات رغبة في الجنة ويتجنبوا الفساد خوفاً من النار.

احتوت السورة على ثلاثة أوامر أو موضوعات وهي: الترغيب والترهيب، والنظر إلى مخلوقات الله، والأمر بالتذكرة، كما يلي:

088.7.2.1- الآيات (1-16) افتتحت السورة بالوعيد والوعد للترغيب بالثواب والترهيب من العذاب: وذلك بذكر المصير يوم القيامة، وأحوالها وأهوالها، وما يلقاه الكافر فيها من الشقاء والعناء، وما يلقاه المؤمن فيها من السعادة والهناء، فريق في الجنة وفريق في النار.

لإنه بذكر التخويف بالنار وما يقدم فيها من الشراب والطعام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ومقابلته بذكر الترغيب بالرضى والنعيم في الجنة والعين الجارية والسرر والأكواب والنمارق والزرابي، يتحرك وجدان الإنسان فيزهد في الدنيا خوفاً من العذاب، ويعمل للآخرة رغبة بما عند الله من النعيم الدائم.

088.7.2.2- الآيات (17-20) سؤال توبيخ وتقريع يدفعهم ويحثهم على الاعتبار في بعض مخلوقات الله التي هي بين أيديهم ومسخرة لهم، وفيها الدليل على الصانع الحكيم؛ ويحفز العقل على التفكير بالنظر في الآيات والبراهين الدالّة على وحدانية رب العالمين، وقدرته الباهرة، في خلق الإبل العجيبة والسماء البديعة، والجبال المرتفعة، والأرض الممتدة الواسعة، وكلها شواهد على وحدانية الله وجلال سلطانه، وعلى أنه لم يخلق شيء عبثاً، بل خلق لمقصد عظيم وحكمة.

088.7.2.3- الآيات (21-26) الأمر بالتذكرة والموعظة للمعرضين فقط دون إكراههم على الإيمان: وتذكير الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سلك طريقه في الدعوة، إنما يكون بما أوحي إليه في القرآن بذكر هذه الأدلة وأمثالها على صحة وجود الله الواحد، والحث على النظر فيها والتحذير تركها والانشغال عنها؛ وبالنذير على صحة المعاد ورجوع الناس جميعا إلى الله سبحانه للحساب والجزاء.

088.7.3- سياق السورة باعتبار مقصدها وموضوعات آياتها:

من عظيم نعم الله على الإنسان أن جعل يوماً للحساب ينال فيه كل عامل جزاء عمله، فمن عمل خيراً نال خيراً ومن عمل شراً جوزي شراً. لأجل هذا ورحمة من الله بعباده خوّفهم سبحانه من النار ثم بشرهم بالجنة في ثلثي عدد آيات السورة تقريباً (1-16، 24)، ثم أمرهم أن ينظروا فيتفكروا كيف أن الله خلق وقدر بالحق (17-20)، ثم أمر المرسلين بتذكيرهم أنه سبحانه ما خلقهم عبثاً، وأنهم إليه راجعون للحساب (21-23، 25، 26).

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وميّزه بالعقل القابل للتعلم والتفكير والتأمل وأعطاه حريّة الاختيار بأن يزكي نفسه فيسموا بها إلى أعالي النعيم في الجنة أو أن يهبط بها إلى أسفل سافلين في النار، ومن أجل تحقيق هذا العمل والتكليف الذي اختاره وقبله لنفسه، جعله الله في الأرض خليفة، يعمر الأرض، وسخّر له كل شيء.

ومن أجل عمارة الأرض جعل الله فيها شرائع وسنناً وقوانين غاية في العدل والرحمة الحكمة، وجعل الناس فيها شعوباً وقبائل مسخرين يخدم بعضهم بعضاً ويحتاج بعضهم بعضاً، في منظومة دقيقة إذا اختل جزء منها أفسد باقي النظام. فابتلى الله الناس وكلّفهم بالحفاظ على السنن والقوانين التي تحفظ النظام والتكامل الدقيق في الأرض، بالتكليف والجزاء العادل في الدنيا القائم على الأخذ بالأسباب، وبالوعد والوعيد والجزاء العادل الكامل الذي لا يحصل إلا بالبعث والقيامة وخلق الجنة والنار. فالحكمة والعدل والرحمة تستوجب وجود البعث والحساب والجزاء. لأجل ذلك (أي الاستعداد للبعث والحساب) أمرت السورة بالنظر في الآيات وسماع الذكر وتصديق الوعد والوعيد بالحساب والجزاء.

فباعتبار مقصود السورة الذي ختمت به في آخرها وهو أنهم راجعون إلى ربهم محاسبون على أعمالهم. يبدأ سياقها بالأمر {فذكر} بالنظر في الآيات، ثم البشير والنذير بالحساب والجزاء، كما يلي:

088.7.3.1- الآيات (21-23، 25، 26) أمر المرسلين بالتذكير أنه سبحانه ما خلقهم عبثاً، وأنهم إليه راجعون للحساب: {فذكر} قومك واحرص على إيمانهم ودم على ما أنت عليه {إِنَّما أَنْتَ مذكر}، فلا يمنعك إعراضهم وعدم قبولهم من إدامة التذكير، لأنك {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمصيطر} لتجبرهم على الإيمان ولا بمسلط لتكرههم عليه، وإنما عليك البلاغ فقط.

088.7.3.2- الآيات (17-20) أمرهم أن ينظروا فيتفكروا كيف أن الله خلق وقدر بالحق: فانظروا أيها الناس إلى هذه الأشياء، واعلموا أن من يقدر عليها يقدر على خلق ما وصف في الجنة والنار وما أعده لأهلها، وأنكم لا تقدرون (ولا أحد غير الله يقدر) على خلق الإبل والسماء والجبال والأرض وما فيها من البدائع والعجائب.

088.7.3.3- الآيات (1-16، 24) خوّفهم سبحانه من النار ثم بشرهم بالجنة في ثلثي عدد آيات السورة تقريباً (ترغيب وترهيب). فالإنسان قد يصر على عمل السيئات والفساد في الأرض (تكبراً واغتراراً بالنعمة) رغم علمه بأنه على الخطأ، فإذا ما خاف من العقاب على دنيا فانية، ورغب بالثواب والنعيم الدائم في الآخرة، خشي ربه وحرص على عمل الخير والإصلاح في الأرض.

088.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

088.7.4.1- قصص يوم القيامة في الآيات: (1-16) = 16 آية.

088.7.4.2- آيات الله في السماوات والأرض: (17-20) = 4 آيات.

088.7.4.3- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (21-26) = 6 آيات.

088.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

088.8.0- ولمّا ختمت بذكر مقصدها وهو الأمر بالتذكير بالبعث والحساب وأن لوجودهم مقصد وحكمة كباقي المخلوقات، لكنهم تميّزوا عنها بالعقل والتكليف والتكريم وحمل الأمانة والتزام الدين، وكان قد سبق في وسطها الدليل والبرهان بالآيات المشاهدة بالنظر لا بالفكر على أن الله تعالى لم يخلق عبثاً، ولكن بتقدير وحكمة وأنّ كلّ مخلوق ميسّر لما خُلق له، وأنه كذلك كما قدِر على خلق الإبل والسماوات والأرض قادر على خلق ما وصف في الجنة والنار وما أعدّ لأهلها، وسبقه كذلك الاستهلال بذكر الغاشية بصورة الاستفهام تعظيماً لأمرها وعاقبة سعيهم يوم القيامة، وما يلقاه الكافر فيها من الشقاء والعناء، وما يلقاه المؤمن فيها من السعادة والهناء، فريق في الجنة وفريق في النار.

وقد تقدّم على نفس السياق في سورة الأعلى الأمر بتنزيهه سبحانه وتعالى عمّا يتوهّم الظالمون، وأنه خلق فسوّى وقدّر فهدى، وأمر الإنسان أن يزكّي نفسه فيسموا بها إلى أعالي النعيم في الجنة لا أن يهبط بها إلى أسفل سافلين في النار؛ كما أعقبها أيضاً في سورة الفجر بيان سنّة ابتلاء العباد بالخير والشر، بدليل هلاك أقوام عاد وثمود وفرعون بسبب طغيانهم وإفسادهم، وفيها تأكيد البعث ومجيء الحساب بعد زوال الأرض، عندها يتحسّر الإنسان على تفريطه وكلّ دقيقة لم يقدم فيها لحياته.

088.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: لما أشار سبحانه في سورة الأعلى بقوله‏:‏ {سَيَذكَّرُ مَن يَخشى (10) ويَتَجنَبُها الأَشقى (11) الذي يَصلى النارَ الكُبرى (12)} إِلى قوله: {والآخرةُ خيرٌ وأَبقى (17)} إلى المؤمن والكافر والنار والجنة إجمالا، فصل ذلك في سورة الغاشية فبسط صفة النار والجنة مستندة إلى أهل كل منهما على نمط ما هنالك ولذا قال هنا‏:‏ {عامِلةٌ ناصِبة (3)‏} في الغاشية مقابل‏: {الأَشقى (11)} في الأعلى. وقال {تَصلى ناراً حامية (4)} إلى {لا يُسمِنُ ولا يُغني مِن جوع (7)} في الأعلى مقابل: {يَصلى النارَ الكُبرى (12)} في الأعلى، ولما قال في الأعلى: {والآخرة خيرٌ وأَبقى (17)} بسط في الغاشية صفة الجنة أكثر من صفة النار تحقيقاً لمعنى الخيرية.

088.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم (في سورة الأعلى) تنزيهه سبحانه عما توهم الظالمون، واستمرت آي السورة على ما يوضح تقدس الخالق جل جلاله من عظيم مقالهم، أتبع ذلك بذكر الغاشية بعد افتتاح السورة بصورة لاستفهام تعظيماً لأمرها، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {هل أتاك} يا محمد {حديث الغاشية} وهي القيامة، فكأنه سبحانه وتعالى يقول: في ذلك اليوم يشاهدون جزاءهم ويشتد تحسرهم حين لا يغني عنهم، ثم عرف بعظيم امتحانهم في قوله: {ليس لهم طعام إلا من ضريع (6)} مع ما بعد ذلك وما قبله، ثم عرف بذكر حال من كان في نقيض حالهم إذ ذلك أزيد في الفرح وأدهى، ثم أردف بذكر ما نصب من الدلائل وكيف لم يغن فقال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17)} الآيات، أي أفلا يعتبرون بكل ذلك ويستدلون بالصنعة على الصانع ثم أمره بالتذكار.

– راجع سورة البينة (098.8.5):لا تناسب الأعلى حتى البينة (اثنتا عشرة سورة). حول موضوع أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته وبما يحقق له السعادة والفوز.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top