العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


089.0 سورة الفجر


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


089.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 30 آية. 4) التاسعة والثمانون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والعاشرة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الليل”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: رب 8 مرّات. لم يُذكَر لفظ الجلالة {الله} في السورة؛ (2 مرّة): نبلو؛ (1 مرّة): أنعم، رضي، يفعل. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): الشفع، الوتر، حجر، جابوا، سوط، أهانن، التراث، جماً، لمّاً.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (3 مرّات): تكرمون، دكت؛ (2 مرّة): يوثق.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (3 مرّات): عذاب، يومئذ؛ (2 مرّة): ليل، إنسان، يتذكر، بلاد، ابتلاه، أكل، حب، صفاً، أحد، راضية، أدخلي؛ (1 مرّة): الفجر، عشر، يسر، صخر، تحاضون.

089.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

089.3 وقت ومناسبة نزولها:

محتويات السورة تشير إلى أنها نزلت في المرحلة التي بدأ يحصل فيها اضطهاد المسلمين الجدد في مكة. لهذا تحذر السورة أهل مكة من أن يصيبهم العذاب الأليم كما حصل من قبل لأقوام عاد وثمود وفرعون. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

089.4 مقصد السورة:

 

089.4.1- الأمر بالإنفاق على الفقراء والمساكين لأن فيه الإصلاح والفوز في الدنيا والآخرة، والنهي عن البخل لأنه يؤدي إلى الطغيان والفساد والهلاك في الدنيا والآخرة.

089.4.2- ومقصد السورة نجده في الآيتين: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)} أي جهل الإنسان وظلمة لنفسه وسوء ظنّه بربه، وسوء تصرفه، فلا هو يشكر النعمة، ولا هو يصبر على البلاء. وكذلك لعدم استخدامه لما وهبه الله إياه من نعمة العقل والتفكير ليعرف أين مصلحته {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)}، ولا يعتبر بما حل بمن قبله من العذاب.

089.4.2.1- كل ما في السورة من قَسَم واستفهام وقصص وتقرير وأنباء تؤكد وتأمر الإنسان بأن يستيقظ ويتعظ بما حصل للأمم من قبل ويتدبر الآيات ويدرك معنى الابتلاء، ويحمد الله على الغنى والفقر، فيكرم اليتيم ويحض على إطعام المسكين، قبل أن يندم على تفريطه، فيقول {يا ليتني قدّمت لحياتي (24)} ما كان ينبغي للعبد أن يكون ظالماً لنفسه جاهلاً، لا يفهم حكمة الله في الابتلاء بالنعمة والعمل للآخرة.

089.4.2.2- أي أن: مقصدها بيان سنة الله تعالى في ابتلاء العباد في هذه الحياة بالخير والشر، والغنى والفقر؛ وأمر الإنسان باستخدام نعمة العقل (الذي ميّزه الله به عن سائر المخلوقات) للتفكر بسنن الله ومحاربة طبيعة الإنسان في حبه الشديد للمال.

089.4.2.3- الإنسان خليفة الله في الأرض، فكما أقامها الله بالعدل والأسباب، على الإنسان أن يحفظها كذلك، ويعلم أنه محاسب عليه، ويقاس عليه باقي الأشياء والنعم من العلم والصحة والعارية، فهو على باب جُعِل فيه المال سبب لتبادل المنافع والمصالح، فإذا أكرم الله إنسان بأن أغناه وأجرى المال بين يديه فهو على باب من أبواب أو ثغر من ثغور حفظ المجتمع إذا ضيعه هلك وأهلك الناس معه. وهكذا يدور كل ما في السورة على موضوع الابتلاء، وقصر نظر الإنسان وعدم استيعابه لموضوع الابتلاء، فإذا فعل بطاعة الله فاز وإذا خالف خسر.

089.4.3- وقال الإمام البقاعي: مقصودها الاستدلال على آخر الغاشية الإياب والحساب، وأدل ما فيها على هذا المقصود الفجر بانفجار الصبح عن النهار الماضي بالأمس من غير فرق في شيء من الذات وانبعاث النيام من الموت الأصغر وهو النوم بالانتشار في ضياء النهار لطلب المعايش للمجازاة في الحساب بالثواب والعقاب.

089.5 ملخص موضوع السورة:

هي العاشرة نزولاً، نزلت بعد سورة الليل، ومقصدها بيان سنة الله تعالى في ابتلاء الإنسان في هذه الحياة بالغنى والفقر، وتصحيح ضلال فهمه عن الابتلاء بالنعمة واستخلافه عليها {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)}. واستهلّت بالقسم بأربع آيات عظيمة تشير إلى موضوعاتها الأربع: {َالْفَجْرِ (1)} يشير إلى وضوح الآيات والبراهين المقسم عليها لتؤكّد أن الإنسان مبتلى فيما منحه الله من العقل والنعمة، {وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)} إلى مضاعفة الجزاء والثواب على الأعمال الصالحة مقابل العذاب الشديد للطغاة المفسدين كعاد وثمود وفرعون، {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)} إلى توحيد الله الواحد الأحد الذي خلق جميع المخلوقات أزواجاً وابتلى الإنسان بإكرام اليتيم وإطعام المسكين وعدم احتكار النعمة، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)} إلى انتهاء الدنيا إلى الآخرة، أليس في القسم كفاية لذي عقل؟ كما يلي:

(الآيات 1-5): أقسم سبحانه وتعالى بوقت الفجر، والليالي العشر، وبكل زوج وفرد، وبالليل إذا يَسْري بظلامه، بأن {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)} وهو العقل، سمي بذلك لأنه يضبط الأعمال ويمنع من الوقوع في الباطل.

(الآيات 6-14): ألم ترَ كيف فعل ربُّك بقوم عاد، إرم ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين قطعوا الصخر بيوتاً لهم بالوادي، وفرعون ذي الأوتاد، هؤلاء الذين طغوا فأكثروا في البلاد الفساد، فصبّ عليهم ربُّك عذاباً شديداً، إنَّ ربَّك لبالمرصاد لمن يعصيه، يُمهله ثم يأخذه.

(الآيات 15-20): فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربه ببسط النعمة فيقول ربي فضّلني لما لي عنده من الكرامة، وأما إذا ابتلاه بضيق الرزق فيقول ربي أذلّني بالفقر، وذلك لجهله وقصور نظره في الحالين؛ فإنما استُخلف على المال وابتُلي بالغنى ليكرم اليتيم ويحضّ على طعام المسكين، لكنه أهلك نفسه بأكل حقوق الآخرين أكلاً لمّاً وحب المال حباً جماً.

(الآيات 21-30): فإذا دكت الأرض يوم القيامة دكاً دكاً، وجاء ربك والملائكة صفاً صفاً، وجيء يومئذ بجهنم، فيعذّب الكافر ويندم على تفريطه ويقول: يا ليتني قدَّمتُ في الدنيا من الأعمال ما ينفعني لحياتي في الآخرة {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)}، ويقال للمؤمن: يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية بإكرام الله لك، فادخلي مع العباد الصالحين في الجنّة.

ولمّا استهلت بالقسم بآيات انفجار الصبح مقابل سريان الليل، ليُعلم أن للكون سنن ونظام محكم، وبالليالي العشر التي يتضاعف فيها الأجر مقابل الزوج والفرد ليُعلم منها سنّة الله في ابتلاء العباد، ثمّ لمّا استفهمت العقل لتأكيد كفاية المقسم عليه وتقريره: أي هل في هذه المخلوقات المشتملة على باهر الحكمة وعجيب الصنعة برهان مقنع ودليل كاف على سنن الله الثابتة وعظيم صنعه؟ فمن كان ذا عقل يعلم كفايتها ولن يستطيع جحد ما ذكر بعدها عن سنّة تحريم الطغيان والفساد بدليل هلاك أقوام عاد وثمود وفرعون وعذابهم، ولا إنكار سنّة الابتلاء التي تحرم البخل وكنز المال وتحض على إكرام اليتيم وإطعام المسكين، ولا إنكار الابتلاء بالأعمال، فأمّا الكافر فسوف يندم على تفريطه في العمل للآخرة، وأما النفس المطمئنّة بطاعة الله وعمل الصالحات فلها الرضا والفوز بالجنّة.

وقد تقدّم على نفس السياق في الغاشية الأمر بتدبر آيات خلق الإبل ورفع السماء ونصب الجبال وسطح الأرض لمصالحهم ومنافعهم، والوعيد بالحساب على أعمالهم، وأعقبها كذلك في سورة البلد الأمر بمكابدة هوى النفس والصعاب والشدائد، والتخلص من حب المال ومغريات الدنيا، والأمر بالمبادرة باقتحام العقبات التي تقف في طريق الخير، بالإنفاق والإطعام والتواصي بالصبر والمرحمة.

اللهم اغفر لنا واجعلنا من المتقين الصابرين الصادقين القانتين المنفقين والمستغفرين بالأسحار.

089.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

يمكن تقسيم السورة إلى أربعة مجموعات من الآيات: تبدأ بالقسم، ثم ذكر قصص ثلاث من الأُمم المكذبين لرسل الله، وهم أقوام عاد، وثمود، وفرعون، وبيان ما حلّ بهم من العذاب والدمار بسبب طغيانهم بالنعمة، ثم بيان سنة الله تعالى في ابتلاء العباد بالغنى والفقر، ثم المصير في الآخرة وانقسام الناس إِلى سعداء وأشقياء، كما يلي:

089.6.1- الآيات (1-5) أولاً: أقسم الله سبحانه بوقت الفجر، والليالي العشر، وبكل زوج وفرد، وبالليل إذا يَسْري بظلامه، أليس في ذلك قسم لذي عقل؟ يقسم تعالى تأكيداً وتوبيخاً للإنسان على عدم استفادته من عقله، فيظل على جهله لا يعلم أن هناك نظام وأن هناك خالقاً أنشأه ولا يزال يدير شؤونه، وقد ابتلاه بالنعمة، وهو قادر على يجعل يوماً لإقامة العدل والجزاء في الآخرة، بل وهو آت كما الفجر.

089.6.2- الآيات (6-14) درس عملي حقيقي من تاريخ الإنسان وما حصل للأمم من أمثال عاد وثمود وفرعون الذين أساؤوا استخدام النعمة فطغوا في البلاد وحرموا منها العباد. وفي هذا دليل على وجود مدبر عادل للكون وأن من يفسد نظام الكون يجازى ويعاقب، بعضه في الدنيا ولا بدّ سيستكمل في الآخرة.

تدل القصص على أن ما فعله سبحانه بأقوام عاد وثمود وفرعون شيء يدعوا إلى التدبر والتأمل، إذ يشير سبحانه بما لا لبس فيه إلى أن هذه الأمم الثلاث {طغوا في البلاد (11)} بسبب إنعام الله عليهم، وأن سبب زوال هذا الإنعام واستبداله بالعذاب هو طغيانهم مستعينين بنعم الله، فكان الجزاء من نفس العمل، ولو أن هذه الأمم أكرمت اليتيم، وتحاضوا على طعام المسكين، بدلاً من الطغيان والفساد، لأدام الله عليهم كرمه ونعمته.

089.6.3- الآيات (15-20) يبين الله سبحانه وتعالى بعض من طبيعة الإنسان وظلمه لنفسه وجهله، فهو خالق الإنسان ويعلم صفاته: فإذا بسط له ليختبره أيشكر أم يكفر ظنّ أن هذا البسط إكرام ونعمة. وإذا قدر عليه ليختبره أيصبر أم يجزع ظنّ أن هذا التضييق في الرزق إهانة من الله له. ولم يفهم حكمة الله في الابتلاء. وهذا الجهل هو سبب الفساد لأن من كان عنده المال يظن أنه يستحقه، فلا يرغب في الخير ولا يرحم به غيره، فيبخل به ويحبه حباً عظيماً، ويحرم أصحاب الحقوق من حقهم.

089.6.4- الآيات (21-30) تأكيد بأن يوم الحساب آت، وأنّ الأرض زائلة، وأنه تعالى يجيء لفصل القضاء بين عباده ومعه الملائكة مصطفين، وتحضر جهنم، عندها يتحسّر الإنسان على تفريطه وكلّ دقيقة لم يقدم فيها لحياته.

089.7 الشكل العام وسياق السورة:

089.7.1- إسم السورة “الفجر”: وهو الصبح، أقسم تعالى به كآية عظيمة، تحصل بانقضاء الليل وظهور الضوء، وانتشار الناس ليبتليهم الله بالنعم، وسائر الحيوانات لطلب الأرزاق؛ وذلك مُشاكل لنشور الموتى من قبورهم. وفيه عبرة لمن تأمل. وكذلك ما في إدبار الليل وإقبال النهار من آيات، ثم سريان الليل وإرخاءه ظلامه وما بينهما أي تعاقب الفجر والليل من آيات وعبادات مفروضة وهو وجود نظام للكون ووجود ابتلاء من الله لعباده بالخير والشر، وإكمالاً للعدل والحق جعل يوماً للقضاء والمحاسبة على الأعمال.

089.7.2- سياق السورة باعتبار مناسبة النزول وترتيب آياتها:

مقصد السورة هو بيان سنة الله في الابتلاء بالنعمة: وأنه ما كان ينبغي للعبد أن يكون ظالماً لنفسه جاهلاً، لا يعي حكمة الله في الخلق والابتلاء. بل تأمره بأن يستيقظ ويتعظ بما حصل للأمم من قبل ويتدبر الآيات ويدرك معنى الابتلاء، كما يلي:

089.7.2.1- الآيات (1-5) هذه السورة من أوائل السور التي نزلت في مكة (وهي العاشرة حسب ترتيب النزول) فيقسم تعالى لمن عنده عقل من أهل مكة من المشركين لإبطال غرورهم وجهلهم وضلال تفكيرهم إذ أنهم يحسبون أن ما هم فيه من النعيم علامة على أن الله أكرمهم وأن ما فيه المؤمنون من الخصاصة علامة على أن الله أهانهم.

089.7.2.2- الآيات (6-14) ذكر قصص فيها الدرس والعبرة وبيان كيف فعل الله بالطغاة المفسدين: بذكر طغيان ثلاثة من الأمم المكذبين لرسل الله، كقوم عاد، وثمود، وقوم فرعون، وبيان ما حل بهم من العذاب والدمار، بسبب فجورهم وطغيانهم في البلاد وسوء استخدامهم لما أنعم الله به عليهم في بناء المدن العظيمة واستعباد اليتامى والمساكين، وكفرهم بالذي أنعم عليهم، فكان الله لهم بالمرصاد.

089.7.2.3- الآيات (15-20) بيان سنة الله تعالى في ابتلاء العباد بالخير والشر، والغنى والفقر، وطبيعة الإنسان في حبه الشديد للمال، في هذه الحياة. وأنهم بسبب أنهم أضاعوا شكر الله على النعمة فلم يواسوا ببعضها الضعفاء، وما زادهم ذلك إلا حرصاً على اكتنازها والتكثر منها، فسلبها منهم بسبب كفرهم وإفسادهم، ولو أنهم شكروا الله وأدوا حقها لحفظها الله عليهم. فالسبب في هلاك الأمم وضياع النعمة هو عدم إكرام اليتيم، وعدم الحض على طعام المسكين، وما يقابله من بطر وإسراف أصحاب النعمة وحبهم للمال واكتنازه.

089.7.2.4- الآيات (21-30) ذكر الدار الآخرة وأهوالها وشدائدها، وانقسام الناس يوم القيامة، إلى سعداء وأشقياء وبيان مآل النفس الشريرة، والنفس الكريمة الخيرة. فإنما هذه الدنيا خلقت لكي يقدم فيها الإنسان من الأعمال الصالحة والإنفاق مما جعله الله مستخلف فيه في مساعدة الفقراء والمساكين، فتصلح بذلك وتعمر الدنيا؛ ثم في الآخرة التي يتم فيها الحساب على هذه الخلافة والأمانة التي هم فيها، يكون الجزاء من الله على ما قدموه من أعمالهم، وتكون درجاتهم على أيهم أحسن عملاً؛ عندها يندمون أي يوم القيامة على أن لم يقدِّموا لأنفسهم من الأعمال ما ينتفعون به يوم لا ينفع نفساً مالُها الذي اكتنزته ولا ينفعها إلا إيمانُها وإنفاقها وتصديقها بوعد ربها.

089.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

من أجل تسهيل فهم المقصد حول الابتلاء بالغنى والفقر استخدمت السورة أربعة وسائل أو أساليب، كما يلي:

089.7.3.1- الآيات (1-5) التأكيد بالقَسَم ثم ما تلاه من الاستفهام أي: هل فيما أقسمت به حجة لكل ذي حجر؟ والحجر العقل (لأنه يحجر صاحبه، أي: يمنعه من ارتكاب ما لا ينبغي)؛ وذلك تعظيماً، وأيضاً لخطورة ما ذكر في السورة على الإنسان من الابتلاء والجزاء.

089.7.3.2- الآيات (6-14) انظر كيف فعل الرب بالطغاة المفسدين، الذين استخدموا تكريمه لهم بالنعم في التسلط على العباد، إن ربك لهم بالمرصاد:

ألم تعلم علماً يقينياً كيف عذب ربك قوم عاد، وهم قبيلة إرم ذات الأبنية المرفوعة على الأعمدة، التي لم يُخلق مثلها في البلاد؛ وثمود الذين قطعوا الصخر بيوتاً لهم بالوادي؛ وفرعون ذي الأوتاد؛ هؤلاء الذين استبدُّوا، وظلموا في بلاد الله، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربُّك عذابا شديداً. إنَّ ربك لبالمرصاد لمن يعصيه، يمهله قليلا ثم يأخذه أخْذَ عزيز مقتدر.

089.7.3.3- الآيات (15-20) صفات ظلم الإنسان وجهله، وغفلته في حالي غناه وفقره: فإذا ما ابتلاه ربه بالغنى واليسار، يقول ربي فضّلني، لما لي عندهُ من الكرامة؛ وإذا ما ابتلاه بضيق الرزق وتقتيره، فلم يكثر مالهُ ولم يوسع عليه، فيقول ربي أذلني بالفقر؛ وذلك لجهله وقصور نظره في الحالين. فإنه إنما ابتلاه بالغنى ليقوم بواجبه ويعرف حق الله فيه، وبالفقر ليطلب الرزق من الله لا من العباد، ولكي يصبر ويكافح بالأسباب والصبر والدعاء حتى يرزقه الله ويغنيه. ففي كلّ ابتلاء وامتحان ليميز الله الخبيث من الطيب، وفتنة بالخير والشر ليبلوهم أيهم أحسن إيماناً وعملاً.

وبدلاً من ذلك يجب أن يكون صاحب النعمة شاكراً منفقاً، ويجب أن يكون الفقير صابراً مؤمناً بالأسباب وتقدير ربه. لأن الله تعالى:

089.7.3.3.1- إما أن يبتليه بالنعم والرخاء، فعليه أن يشكره باستعمال النعمة فيما ينبغي من إكرام اليتيم وإطعام المسكين. ولا يكفر النعمة بالبطر والافتخار فيقول: أن الله أكرمني لاستحقاقي وكرامتي عنده؛ ولا يسرف في الأكل والشرب والتمتع المبالغ فيه في النعيم؛ ولا يبخل بالمال من شدة حبه له فيكاثره ويكنزه ويمنعه عن المستحقين.

089.7.3.3.2- أو يبتليه بالفقر وضيق الرزق، فيجب عليه أن يصبر ولا يجزع ولا يقول: إن الله أهانني، فربما كان ذلك إكراماً له بأن لا يشغلهُ بالنعمة عن المنعم؛ ويجعل ذلك وسيلة له في التوجه إلى الحق والسلوك في طريقه الصحيح بالعمل والصبر والأخذ بالأسباب والدعاء والإيمان؛ وعدم الركون إلى التخمة والخمول والبطر على العباد والطغيان والتعلق بالمال.

من هنا جاء مقصد السورة بالأمر بإكرام اليتيم، وبالتحاض على طعام المسكين، وبالنهي عن أكل التراث أكلاً لماً، وحب المال حباً جماً.

089.7.3.4- الآيات (21-30) وعيد بأن يحذروا ذلك اليوم الذي يندمون فيه ويتحسرون حين لا ينفعهم الندم:

إذا دكت الأرض دكاً، وجاء الرب سبحانه، لفصل القضاء، كما يشاء، والملائكة بين يديه صفاً صفاً، وجيء يومئذ بجهنم، يومئذ يندم على تفريطه في الدنيا، يقول: يا ليتني قدَّمتُ في الدنيا من الأعمال ما ينفعني لحياتي في الآخرة. يومئذ لا يعذب أحد تعذيباً مثل تعذيب الله هذا الكافر، ولا يوثق أحد وثاقاً مثل وثاق الله. ما يقال لمن آمن وعمل صالحاً، في مقابلة من تقدم، يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية بإكرام الله لك وقد رضي عنك، فادخلي في عداد عباد الله الصالحين، وادخلي معهم جنتي.

089.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

089.7.4.1- آيات القصص: (6-14) = 9 آيات.

089.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (21-30) = 10 آية.

089.7.4.3- آيات الله في السماوات والأرض: (1-4) = 4 آيات.

089.7.4.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (5، 15-20) = 7 آيات.

089.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

089.8.0- ولمّا استهلت بالقسم بآيات انفجار الصبح مقابل سريان الليل، ليُعلم أن للكون سنن ونظام محكم، وبالليالي العشر التي يتضاعف فيها الأجر مقابل الزوج والفرد ليُعلم منها سنّة الله في ابتلاء العباد، ثمّ لمّا استفهمت العقل لتأكيد كفاية المقسم عليه وتقريره: أي هل في هذه المخلوقات المشتملة على باهر الحكمة وعجيب الصنعة برهان مقنع ودليل كاف على سنن الله الثابتة وعظيم صنعه؟ فمن كان ذا عقل يعلم كفايتها ولن يستطيع جحد ما ذكر بعدها عن سنّة تحريم الطغيان والفساد بدليل هلاك أقوام عاد وثمود وفرعون وعذابهم، ولا إنكار سنّة الابتلاء التي تحرم البخل وكنز المال وتحض على إكرام اليتيم وإطعام المسكين، ولا إنكار الابتلاء بالأعمال، فأمّا الكافر فسوف يندم على تفريطه في العمل للآخرة، وأما النفس المطمئنّة بطاعة الله وعمل الصالحات فلها الرضا والفوز بالجنّة.

وقد تقدّم على نفس السياق في الغاشية الأمر بتدبر آيات خلق الإبل ورفع السماء ونصب الجبال وسطح الأرض لمصالحهم ومنافعهم، والوعيد بالحساب على أعمالهم، وأعقبها كذلك في سورة البلد الأمر بمكابدة هوى النفس والصعاب والشدائد، والتخلص من حب المال ومغريات الدنيا، والأمر بالمبادرة باقتحام العقبات التي تقف في طريق الخير، بالإنفاق والإطعام والتواصي بالصبر والمرحمة.

089.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: لا يظهر من وجه ارتباطها سوى أن أولها كالإقسام على صحة ما ختم به السورة التي قبلها من قوله جل جلاله: {إن إلينا إيابهم (25) ثم إن علينا حسابهم (26)} الغاشية، وعلى ما تضمنه من الوعد والوعيد كما أن أول الذاريات قسم على تحقيق ما في {ق}‏ وأول المرسلات قسم على تحقيق ما في {عم}‏ هذا مع أن جملة {أَلَم تَرى كيفَ فَعَلَ رَبُكَ (6)} الفجر، هنا مشابهة لجملة {أَفلا ينظرون (17)} الغاشية.

089.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ابتدأ سبحانه لمن تقدم ذكره وجهاً آخر من الاعتبار، وهو أن يتذكروا حال من تقدمهم من الأمم وما أعقبهم تكذيبهم واجترامهم فقال: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6)} إلى قوله {إرم ذات العماد (7)} إلى قوله {إن ربك لبالمرصاد (14)} أي لا يخفى عليه شيء من مرتكبات الخلائق ولا يغيب عنه ما أكنوه {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به (10)} الرعد، فهلا اعتبر هؤلاء بما يعاينونه ويشاهدونه من خلق الإبل ورفع السماء ونصب الجبال وسطح الأرض، وكل ذلك لمصالحهم ومنافعهم، فالإبل لأثقالهم وانتقالهم، والسماء لسقيهم وإظلالهم، والجبال لاختزان مياههم وأقلالهم، والأرض لحلهم وترحالهم، فلا بهذه الأمور كلها استبصروا، ولا بمن خلا من القرون اعتبروا {ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6)} على عظيم طغيانها وصميم بهتانها {إن ربك لبالمرصاد (14)} فيتذكرون حين لا ينفع التذكر {إذا دكت الأرض دكاً دكاً (21) وجاء ربك والملك صفاً صفاً (22) وجيء يومئذ بجهنم، يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى (23)}.

– راجع سورة البينة (098.8.5): تناسب الأعلى حتى البينة اثنتا عشرة سورة). حول موضوع أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته وبما يحقق له السعادة والفوز.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top