العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


090.0 سورة البلد


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


090.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 20 آية. 4) التسعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والخامسة والثلاثون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “ق”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: لم يُذكَر لفظ الجلالة {الله} في السورة، ولا أي من أسمائه الحسنى ولا صفاته الفضلى، ما عدا الفعل خلق 1 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (2 مرة): العقبة؛ (1 مرّة): كبد، شفتين، النجدين، فكّ، مسغبة، متربة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (2 مرّة): البلد، أحد، تواصوا، أصحاب؛ (1 مرّة): أقسم، والد، ولد، لبداً، اقتحم، رقبة، يوم، ميمنة، مشأمة، مؤصدة.

090.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

090.3 وقت ومناسبة نزولها:

موضوع السورة واسلوبها يشبه السور الأوائل التي نزلت في مكة، وفيه إشارة على أنها نزلت في الوقت الذي قرر فيه كفار مكّة معارضة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وأباحوا لأنفسهم في اضطهاده هو وأتباعه والإفراط في ذلك. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

090.4 مقصد السورة:

090.4.1- الأمر بمكابدة هوى النفس والصعاب والشدائد، والتخلص من حب المال ومغريات الدنيا، والأمر بالمبادرة باقتحام العقبات التي تقف في طريق الخير، بالإنفاق لتحرير العبيد وإطعام اليتيم والمسكين والعمل الصالح. فالإنسان يحب المال والشهوات والنعيم ومتع الدنيا، وتعلقه بها شديد جداً، لدرجة أنها تعمي بصره وبصيرته عن مقصد وجوده وهو أنه مخيّر أمام طريقين: طريق أصحاب الميمنة للفلاح والسعادة، وطريق أصحاب المشأمة للخسران والشقاء.

090.4.2- ومقصدها نجده في الآيات (11-17) التي تأمره باقتحام العقبة، ليكون من الفائزين أصحاب الميمنة. ولا يكون من الذين كفروا وجزاؤهم النار مغلقة عليهم.

الله قادر على أن يجعل الناس أمّة واحدة في راحة ودعة ونعيم ورفاهية من العيش، ومسيّرين كباقي المخلوقات، لكن ذلك لن يسعدهم، لأنه خلقهم مخيّرين وأكرمهم وفضّلهم ونفخ فيهم من روحه، فلن يسعدهم إلا تزكية أنفسهم ومواصلة كدّهم وسعيهم وشوقهم إلى الكمال الإلهي، خلقهم وجعل سعادتهم وفلاحهم لا تتم إلا بمكابدة الشدائد واقتحام العقبات بإرادتهم ومشيئتهم، ثم اختلاف درجاتهم باختلاف أعمالهم، لذلك خلقهم.

الإنسان لن يسعد بالمال إلا بإنفاقه، وذلك بفك الرقاب وإطعام الأيتام والمساكين وفي وجوهه كما أمره الله، ولن يسعد إلا بالإيمان والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة؛ أما ما دون ذلك من الكفر واكتناز المال والبخل والتواصي بالظلم والفجور، ففيه العذاب الشقاء والتعاسة.

090.4.3- وقال الإمام البقاعي: مقصودها الدلالة على نفي القدرة عن الإنسان، وإثباتها لخالقه الديان، بذكر ما للإنسان من الهموم والأحزان، وذكر الأسباب الموقعة له فيما شاء أو أبى، وذكر السبب المخلص منها، الموصل إلى السعادة في الآخرة، وهو ما هدى إليه ربه سبحانه، وذلك هو معنى اسمها، فإن من تأمل أمان أهل الحرم وما هم فيه من الرزق والخير على قلة الرزق ببلدهم – مع ما فيه غيرهم ممن هم أكثر منهم وأقوى – من الخوف والجوع علم ذلك.

090.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في السنة الخامسة من البعثة بعد سورة “ق”، عندما اشتدّ إيذاء وتعذيب الكفار للمسلمين، ومقصدها الأمر بمكابدة هوى النفس والصعاب والشدائد، والمبادرة بالإنفاق والعمل الصالح والتخلص من حب المال ومغريات الدنيا، ليكون المرء بذلك من الفائزين أصحاب الميمنة ولا يكون من الذين كفروا وجزاؤهم النار مغلقة عليهم. وتنقسم إلى نصفين متساويين: نصف يصف طبيعة خلق الإنسان وجبلّته، والآخر يبيّن الأوامر والواجبات التي إن آمن وفعلها فاز وأفلح وإن كفر وأعرض عنها خسر وعُذّب.

وقد استهلّت بالقسم بشيئين عظيمين يشيران إلى موضوعيها وهما: القسم بمكّة البيت الحرام التي جعلها الله آمنة ويتخطّف الناس من حولها ورزقها على قلّة الرزق فيها، وبمُقام النبي صلى الله عليه وسلم وبركته فيها وعلى أهلها، للإشارة إلى خلق الإنسان في ضعف وكبد، ويظن جهلاً ألا يراه أو يقدر عليه أحد فينفق في حرب أوليائه، بينما الله الذي خلق عينيه ولسانه وشفتيه وهداه النجدين قادر عليه ويراه ويحاسبه؛ ثم القسم بعجيب خلق كلّ والد وما ولد وما تميّزوا به من التكاثر والعقل والنطق والهدى إلى الحق، للإشارة إلى أمرهم بمكابدة المشاق والشدائد في رفع الظلم عن الرقاب، وإعمار الكون بالإطعام وإدامة الحياة، وإقامة واجبات الإيمان، والاستعانة على ذلك بالتواصي بالصبر والمرحمة، فإن لم يفعلوا هلكوا، كما يلي:

(الآيات 1-10): استهلّت بالقسم بالبلد الحرام الذي يقيم فيه النبي صلى الله عليه وسلّم، وبكلّ والد وما ولد، بأن الله خلق الإنسان في شدّة ومكابدة في الدنيا، ويظنّ أن لن يقدر عليه أحد فيسرف وينفق المال الكثير، ويظنّ أن لن يراه أو يحاسبه أحد بينما الذي خلق عينيه ولسانه وشفتيه وهداه طريقي الخير والشر مع ما جعل له من العقل والهدى لا يمكن أن يخفى عليه شيء أو يفلت من قدرته أحد.

(الآيات 11-20): ثم بينت الطريق الذي كان من الأجدر به أن يتبعه: فهلا اقتحم العقبة واقتحامها هو {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)}، والاستفهام هنا زيادة في تأكيدها ورفعتها عند الله وكذلك بمعنى الإنكار على امتناعهم، أولئك الذين وفقهم الله لاقتحام العقبة هم {أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)}، والذين كفروا أولئك {أصحاب المشئمة} في النار مطبَقةٌ مغلقة عليهم.

ولمّا شاء تعالى ولحكمة أرادها أن يبتلي الناس باقتحام العقبات، ويختبرهم بمكابدة الشدائد، ليمايز بينهم باختلاف أعمالهم ولذلك خلقهم، فأقسم بأشرف مكان وهو مكّة، وأعظم شأن لوالد وما ولد بأنه {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)}، فأعماهم ما سخّر لهم وأكرمهم وفضّلهم وخلقهم فيه من الكبد وأغفل قلوبهم فحسبوا أنهم لن يقدر عليهم أحد، بينما من يتأمّل يعلم بأن الله الذي خلقهم في كبد وجعل لهم عينين ولساناً وشفتين وهداهم النجدين قادر عليهم ويراهم وسيحاسبهم على ما أمرهم به من اقتحام العقبة.

وقد تقدّم على نفس السياق في سورة الأعلى سوء غفلتهم: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)}، ثم في الغاشية أن لوجودهم مقصد وحكمة وأنهم مبعوثون ومحاسبون: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}، وفي الفجر حسرتهم وندمهم حين لا ينفع الندم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)}، وأعقبها كذلك في الشمس بيان طريق الهدى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}، وفي الليل بيان اختلافهم في سعيهم وأعمالهم: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} إلى قوله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} صدق الله العظيم.

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين المنفقين في سبيلك، ومن الذين أمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.

090.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تنقسم السورة إلى نصفين فيهما موضوعين رئيسيين: الأول فيه بيان حقيقة الإنسان، وأنه خلق لمكابدة المشاق والشدائد، وصفاته الظالمة، وغروره بالمال، وتحذيره من قدرة الله عليه ومراقبته لكل أعماله، وأن الله بين له طريق الخير وطريق الشر، وزوده بأدوات ووسائل المعرفة ليحكم ويرى ويتبع أحد الطريقين، وحسابه عليها في الآخرة. الثاني فيه شرح الوظيفة الحقيقية للإنسان وهي اقتحام العقبات في رفع الظلم بتحرير الرقاب، وإعمار الكون وإدامة الحياة بإطعام الفقراء والمساكين، وبالإيمان والتواصي بالصبر والمرحمة:

090.6.1- حقيقة الإنسان، وأنه خلق لمكابدة المشاق والشدائد، وصفاته الظالمة، وغروره بالمال:

090.6.1.1- الآيات (1-4) ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالبلد الحرام، وبكلّ والد وما ولد، بأن الله خلق الإنسان في كبد. البلد الذي هو سكن النبي صلى الله عليه وسلم، تعظيما لشأنه وتكريما لمقامه الرفيع عند ربه، ولفتا لأنظار الكفار إلى أن إيذاء الرسول في البلد الأمين، من أكبر الكبائر عند الله تعالى.

090.6.1.2- الآيات (5-7) وصف جهل الإنسان وظلمه حين قام بتعظيم نفسه وافتخر بها مع مكابدته وضعفه، وظنه بأنه كل شيء في هذا العالم وأنه لن يقدر عليه أحد، أي لا توجد قوة عليا تراقب أعماله وتحاسبه. هذا الشخص الذي ينفق ما ينفق من الأموال الكثيرة رئاء الناس وافتخاراً بينهم. أيظن أن الله سبحانه لم يره ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه وأين أنفقه ولماذا أنفقه.

090.6.1.3- الآيات (8-10) تذكير بنعم الله، وما تفضل به عليهم من فجعل لهم عينين يبصرون بهما، ولساناً وشفتين ينطقون بها، وهداهم إلى طريقي الخير والشر. لكي يرتقوا بأنفسهم فيزكوها إلى طريق الخير والكمال. السؤال هنا من أجل التقرير والتأكيد بأن الذي وهب الإنسان هذه النعم، مع ما جعل له من العقل والهدى، لا يمكن أن يخفى عليه شيء أو يفلت أحد من قدرته.

090.6.2- الأمر باقتحام العقبات في رفع الظلم بتحرير الرقاب، وإعمار الكون وإدامة الحياة بإطعام الفقراء والمساكين، وبالإيمان والتواصي بالصبر والمرحمة:

090.6.2.1- الآيات (11-20) الأمر باختيار واتباع طريق الفلاح والسعادة: باقتحام العقبة، وتكرر بالاستفهام {مَا الْعَقَبَةُ} زيادة في التأكيد والتقرير. إنه عتق رقبة من أسر الرِّق، أو إطعام في يوم ذي مجاعة شديدة، يتيماً من ذوي القرابة، أو فقيراً معدماً لا شيء عنده، ثم كان من الذين آمنوا بالله، وأوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله وعن معاصيه، وتواصوا بالرحمة بالخلق. أولئك الذين فعلوا هذه الأفعال، هم أصحاب اليمين، الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين إلى الجنة، والذين كفروا بالقرآن هم الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات الشمال إلى النار. جزاؤهم جهنم مطبَقةٌ مغلقة عليهم.

090.7 الشكل العام وسياق السورة:

090.7.1- إسم السورة وهو “البلد” الأمين يستحلون فيه قتل النبي صلى الله عليه وسلم وإخراجه، ثمّ عودته إليه بعد ذلك فاتحاً، وقد أحلها الله له ساعة من نهار ثم عادت حرام إلى أن تقوم الساعة. يرسم الجو العام للسورة وهو فساد فكر الإنسان وإقدامه على مكابدة الشدائد والظلم والإفساد بدلاً من الصبر والتراحم الذي أراده الله سبحانه وتعالى للإنسان وحثّ عليه.

090.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

باعتبار موضوعات الآيات نستطيع تقسيم السورة إلى مجموعتين متساويتين من الآيات: نصف فيه صفات الإنسان وطبيعة خلقته، وهو بمثابة تمهيد للأوامر في النصف الثاني، الذي يأمر ويبين الواجبات، أو ما هو المطلوب أن يعمله الإنسان لكي تتحقق سعادته، كما يلي:

090.7.2.1- نصف السورة الأول، الآيات (1-10): يقسم الله تعالى فيه أنه خلق الإنسان في كبد. ويظن الإنسان (مغتراً بنفسه رغم ضعفه) أن لا أحد يراه أو يقدر عليه، فيسرف ويضيع نعمة الله التي مظهرها العريض هو المال، بينما الله الذي خلق عينيه ولسانه وشفتيه وهداه النجدين قادر عليه ويراه.

090.7.2.1.1- الآيات (1-4) أقسم الله تعالى بمكة، البلد الحرام الذي يقيم به النبي صلوات الله عليه؛ وأقسم بوالد وما تناسل منه من ولد، لقد خلقنا الإنسان في شدة وعناء من مكابدة الدنيا.

090.7.2.1.2- الآيات (5-7) أيظنُّ بما جمعه من مال أن الله لن يقدر عليه؟ مع أن ما هو فيه من المكابدة يكفي لإيقاظه من غفلته واعترافه بعجزه. يقول متباهياً: أنفقت مالا كثيراً. أيظنُّ في فعله هذا أن الله عز وجل لا يراه، ولا يحاسبه على الصغير والكبير؟

090.7.2.1.3- الآيات (8-10) ألم نجعل له عينين يبصر بهما، ولساناً وشفتين ينطق بها، وبينَّا له سبيلَي الخير والشر؟ طريقان واضحان جليان لا يخفى واحد منهما على سالك، وكليهما فيهما مكابدة، فليس الشر بأهون من الخير كما يُظَن.

لقد فطر الله الإنسان على التمييز بين الخير والشر، وجعل في عقله وقلبه وجسده موازين تعرف المعروف فتأمر به وتعرف المنكر فتنكره، ووهبهُ وسائل السمع والبصر والنطق وغيرها، ووهبهُ حرّية الاختيار، يختار أي: الطريقين شاء.

090.7.2.2- نصف السورة الثاني، الآيات (11-20): يتحدث عن العمل الذي فيه سعادة الإنسان وفلاحه باقتحام العقبة، فإن لم يفعل هلك. أي أنه خلق لاقتحام ومكابدة المشاق والشدائد في رفع الظلم {فكّ رقبة}، وإعمار الكون بالإطعام وإدامة الحياة، وإقامة واجبات الإيمان، والاستعانة على ذلك بالتواصي بالصبر والمرحمة:

090.7.2.2.1- الآيات (11-18) فهلا كابد المشاق والصعاب، وبادر إلى اقتحام العقبة (والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة، استعيرت لما فيه من معاناة المشقة ومجاهدة النفس)، ليكون من أصحاب الميمنة. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (وفي الاستفهام زيادة تقرير وتأكيد بمكانتها الرفيعة) وما يعين على تجاوزها؟ ما يلي:

090.7.2.2.1.1- إنه عتق رقبة من أسر الرِّق. أو المعاونة عليه رجوعاً بها إلى ما فطرت عليه من الحرية.

090.7.2.2.1.2- أو إطعام في يوم ذي مجاعة شديدة، يتيماً من ذوي القرابة يجتمع فيه فضل الصدقة وصلة الرحم، أو فقيراً معدماً لا شيء عنده.

090.7.2.2.1.3- ثم كان مع فِعْل ما ذُكر من أعمال الخير من الذين أخلصوا الإيمان لله، وأوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله وعن معاصيه، وتواصوا بالرحمة بالخلق. أولئك الذين فعلوا هذه الأفعال، هم أصحاب اليمين، الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين إلى الجنة.

090.7.2.2.2- الآيات (19، 20) والذين كفروا بالقرآن هم الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات الشمال إلى النار. جزاؤهم جهنم مطبَقةٌ مغلقة عليهم.

090.7.3- سياق السورة باعتبار مناسبة النزول وترتيب آياتها:

ابتدأت السورة بالقسم بالبلد الحرام، الذي هو سكنُ النبي عليه الصلاة والسلام، تعظيماً لشأنه، وتكريماً لمقامه الرفيع عند ربه، ولفتاً لأنظار الكفار إلى أن إيذاء الرسول في البلد الأمين من أكبر الكبائر عند الله تعالى. ثم اغترار كفار مكة بقوتهم، وإنفاق أموالهم في المفاخرة والرياء. وقد ردت عليهم الآيات بأن الله بين للإنسان طريق الخير وطريق الشر، وزوده بأدوات ووسائل المعرفة والهدى ليحكم ويرى ويتبع أحد الطريقين، وأنه حرّ في اختيار إما طريق الفضيلة فتوصله إلى السعادة وإما طريق الفساد فتوصله إلى الهلاك.

الآيات (1-4) يقسم سبحانه وتعالى بالبلد الحرام وهو مكّة وبكلّ والد وما ولد، على أن الإنسان خلق قائماً، منتصباً، مغموراً في مكابدة المشاق والشدائد في أمر الدنيا وأمر الآخرة. أي أن الكون ليس مكاناً للراحة والطمأنينة. ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد الحرام، في تعجيب من حالهم في عداوته. عن شرحبيل: يحرمون أن يقتلوا بها صيداً ويعضدوا بها شجرة، ويستحلون قتلك وإخراجك. ووالد وما ولد محمد عليه السلام وأبيه ابراهيم أو آدم وولده أو كل والد وولد.

وربما هي بشارة ووعد بفتح مكّة فقال: وانت حل بهذا البلد يعني: وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر، وذلك أن الله فتح عليه مكة وأحلها له وما فتحت على أحد من قبله ولا احلت له، فأحل ما شاء وحرم ما شاء. وقد قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي ولن تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فلا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد”، فقال العباس: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقيوننا وقبورنا وبيوتنا فقال صلى الله عليه وسلم “إلا الأذخر” رواه البخاري ومسلم.

الآيات (5-10) ثم تحدثت عن بعض كفار مكة، الذين اغتروا بقوتهم، فعاندوا الحق، وكذبوا رسول الله وأنفقوا أموالهم في المباهاة والمفاخرة، ظنا منهم أن إنفاق الأموال الكثيرة والتبذير والإسراف في المتع والشهوات والمباهاة والرياء فضيلة، أو في حرب الإسلام فيدفع عنهم عذاب الله، وأن الله لا يراهم؛ مع أن ما خلقهم الله فيه من الكبد يكفي لإيقاظهم من غفلتم، واعترافهم بعجزهم وأن الله قادر عليهم وعلى محاسبتهم ومجازاتهم. ثم يسأل سبحانه ألم نجعل له أدوات المعرفة أي {عينين} ليرى {ولساناً وشفتين} ليسأل عن الحق ويتكلم به. وبينا له الطريقين الخير والشر أو الهدى والضلال.

الآيات (11-20) ثم يبين تعالى الطريق الذي كان من الأجدر به أن يتبعه. والاستفهام هنا بمعنى الإنكار: هلا اقتحم العقبة واقتحامها هو {فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة}. أولئك الذين قاموا بهذه الأوصاف والذين وفقهم الله لاقتحام العقبة هم {أصحاب الميمنة}، والذي كفر ومن لم يفعل أولئك {أصحاب المشئمة}.

090.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

090.7.4.1- آيات الله في السماوات والأرض: (4، 8-10) = 4 آيات.

090.7.4.2- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-3، 5-7، 11-20) = 16 آيات.

090.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

090.8.0- ولمّا شاء تعالى ولحكمة أرادها أن يبتلي الناس باقتحام العقبات، ويختبرهم بمكابدة الشدائد، ليمايز بينهم باختلاف أعمالهم ولذلك خلقهم، فأقسم بأشرف مكان وهو مكّة، وأعظم شأن لوالد وما ولد بأنه {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)}، فأعماهم ما سخّر لهم وأكرمهم وفضّلهم وخلقهم فيه من الكبد وأغفل قلوبهم فحسبوا أنهم لن يقدر عليهم أحد، بينما من يتأمّل يعلم بأن الله الذي خلقهم في كبد وجعل لهم عينين ولساناً وشفتين وهداهم النجدين قادر عليهم ويراهم وسيحاسبهم على ما أمرهم به من اقتحام العقبة.

وقد تقدّم على نفس السياق في سورة الأعلى سوء غفلتهم: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)}، ثم في الغاشية أن لوجودهم مقصد وحكمة وأنهم مبعوثون ومحاسبون: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}، وفي الفجر حسرتهم وندمهم حين لا ينفع الندم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)}، وأعقبها كذلك في الشمس بيان طريق الهدى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}، وفي الليل بيان اختلافهم في سعيهم وأعمالهم: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} إلى قوله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} صدق الله العظيم.

090.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه اتصالها بما قبلها أنه لما ذم فيها من أحب المال وأكثر التراث ولم يحض على طعام المسكين ذكر في هذه السورة الخصال التي تطلب من صاحب المال من فك الرقبة والإطعام في يوم ذي مسغبة.

090.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أوضح سبحانه وتعالى حال من تقدم ذكره في السورتين في عظيم حيرتهم وسوء غفلتهم وما أعقبهم ذلك من التذكر تحسراً حين لا ينفع التندم، ولات حين مطمع، أتبع ذلك بتعريف نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام بأن وقوع ذلك منهم إنما جرى على حكم السابقة التي شاءها والحكمة التي قدرها كما جاء في الآية { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق مني القول لأملأن جهنم من الجنّة والناس أجمعين(13)} السجدة، فأشار تعالى إلى هذا بقوله {لقد خلقنا الإنسان في كبد (4)} أي أنا خلقناه لذلك ابتلاء ليكون ذلك قاطعاً لمن سبق له الشقاء عن التفكر والاعتبار {وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً (57)} الكهف، فأعماهم بما خلقهم فيه من الكبد وأغفل قلوبهم فحسبوا أنهم لا يقدر عليهم أحد، وقد بين سبحانه وتعالى فعله هذا بهم في قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه (28)} الكهف، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً (99)} يونس، فأنت تشاهدهم يا محمد ذوي أبصار وآلات يعتبر بها النظار {ألم يجعل له عينين (8) ولساناً وشفتين (9)} البلد، فهلا أخذ في خلاص نفسه، واعتبر بحاله وأمسه، {فلا اقتحم العقبة (11)} البلد، ولكن {إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له (11)} الرعد.

– راجع سورة البينة (098.8.5): تناسب الأعلى حتى البينة (اثنتا عشرة سورة). حول موضوع أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته وبما يحقق له السعادة والفوز.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top