العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
093.0 سورة الضحى
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
093.1 التعريف بالسورة:
1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 11 آية. 4) الثالثة والتسعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والحادية عشرة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الفجر”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: لم يُذكَر لفظ الجلالة {الله}، رب 3 مرّات؛ (1 مرّة): هَدى، أنعم. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): سجى، ودّعك، قلى، عائلاً، تقهر.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: تنهر 1 مرّة، هي وسورة الإسراء.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (3 مرّات): أمّا، وجدك؛ (2 مرّة): ما، يتيماً؛ (1 مرّة): الضحى، الليل، الآخرة، الأولى، يعطيك، حدّث.
093.2 فضائلها و ما ورد عنها من الأثر:
أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير والطبراني والبيهقي وأبو نعيم معاً في الدلائل عن جندب البجلي قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً، فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك لم يقربك ليلتين أو ثلاثة، فأنزل الله {والضحى (1) والليل إذا سجى (2) ما ودعك ربك وما قلى (3)}.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن جندب قال: أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون: قد ودّع محمد، فأنزل الله {ما ودعك ربك وما قلى (3)}.
093.3 وقت ومناسبة نزولها:
موضوع السورة يشير بوضوح إلى أنها تعود إلى الفترة المكية المبكرة. والأحاديث تبين أنه مرّ وقت من الزمن لم يتنزل فيه وحي مما سبب للرسول صلى الله عليه وسلم بالأسى والحزن العميق. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
093.4 مقصد السورة:
093.4.1- التأكيد على أن الله خلق الإنسان ليعطيه ويواصل ترقيته وتكريمه حتى يرضيه، لا ليتركه. فلا يتعجل الإنسان عطاء ربه فإن لم يرض في الدنيا فسيرضى في خير من الدنيا وهي الآخرة. بدليل أن الله آواه وهداه وأغناه في الدنيا. ولكي يحافظ على عطاء ربه له، فلا يقهر اليتيم ولا يرد السائل وبإعلان نعمة ربه وبذلها لمن يحتاجها.
093.4.2- مقصدها نجده في الآية الخامسة (5): وهو أن الله خلقك ليعطيك حتى يرضيك. ثم بين الآيات الأخرى، أنه لا تجزع إن لم ترض بنصيبك من عطاء الدنيا أو مما أصابك فيها فهي دار ابتلاء، وأن الله معك وما تركك بدليل أنه آواك وهداك وأغناك.
والخطاب في السورة من الله جل جلاله لنبيِّه عليه الصلاة والسلام، وهذا الخطاب ينسحب علينا، ونحن أَمته المكلفين بتطبيق الدين الذي جاء به وبنشره من بعده، كما في الحديث الصحيح “إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين”: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)} المؤمنون، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (127)} البقرة، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ؛ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ”. رواه أحمد، ومسلم، والترمذي، والدارمي.
وقد أقسم الله تعالى بأجمل ما في النهار وهو الضُحى في إشراقه، وأجمل ما في الليل وهو سكونُه، أنه ما ودَّع النبي عليه الصلاة والسلام ولا قلاه، والتوديع هو الترك النهائي، والقلى هو الهجران الموقَّت. ثم يطمئن الله رسوله وعباده المؤمنين: لقد أكرمكم في الدنيا وسخّر كل المخلوقات لكم، لكنها دار عمل وابتلاء، والآخرة خير من الأولى لأنها دار العدل والجزاء على الأعمال، والتكريم الخالد، والنعيم المُقيم. وفي الخلاصة يأمر تعالى المؤمن بالآخرة بأن يكرم اليتيم ويعطي السائل ويشكر نعمة ربه بإعلانها وبذلها لمن يحتاجها؛ ولا يكون كالمؤمن بالدنيا الذي يحرص على الإكثار من التمتع بنعيمها وكنز أموالها.
093.4.3- وقال الإمام البقاعي: سورة الضحى مقصودها الدلالة على آخر الليل بأن أتقى الأتقياء الذي هو {الأتقى} على الإطلاق في عين الرضا دائما، لا ينفك عنه في الدنيا والآخرة، لما تحلى به من صفات الكمال التي هي الإيصال للمقصود بما لها من النور المعنوي كالضحى بما له من النور الحسي الذي هو أشرف ما في النهار وقد علم بهذا أن اسمها أدل ما فيها على مقصودها.
093.5 ملخص موضوع السورة:
هي الحادية عشرة نزولاً في المرحلة السرّية من الدعوة بعد سورتي الليل والفجر، ومقصدها التأكيد على أن الله خلق الإنسان ليعطيه ويواصل ترقيته وتكريمه حتى يرضيه، فلا يتعجل عطاءَ ربه فإن لم يرض في الدنيا فسيرضى في الآخرة {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)}. ويشمل العطاء الدارين بدليل ما أعطاه تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلّم في الدنيا من النصر والفتح والتمكين وانتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجاً وظهور أمّته على سائر الأمم، أمّا في الآخرة فله البشارات العظيمة بالعطاء والإكرام والإنعام والشفاعة في أمّته حتى يرضى. وتضمنت ثلاث مجموعات من الآيات، استهلّت بالقسم {وَالضُّحَى (1)} في إشارة إلى أوّل النهار وبداية الخير والعطاء، {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)} إشارة إلى سكونه بأهله واستقرار كل عامل بعمله، ثمّ خاطبت الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله ما تركك وقد أعطاك ولا يزال يعطيك حتى ترضى، ثم أمرت بإيواء اليتيم وإجابة السائل وشكر النعمة ليعمّ العطاء والرضا سائر الأمّة، كما يلي:
(الآيات 1-5): القسم بالنهار إذا انتشر ضياؤه وقت الضحى، وبالليل إذا سكن بالخلق واشتدّ ظلامه، على أنه ما تركك ربك أيها النبي وما أبغضك بإبطاء الوحي عنك، ولَلدَّار الآخرة خير لك من الأُولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى.
(الآيات 6-8): بدليل أنه وجدك يتيماً فآواك بكفالة عمك أبي طالب، ووجدك ضالاً فهداك وعلَّمك القرآن، ووجدك فقيراً فأغناك بمال خديجة ثمّ بإعانة الأنصار ثمّ بما أفاء عليك من الغنائم.
(الآيات 9-11): فأمّا اليتيم فلا تُسيء معاملته، وأمّا السائل فلا تزجره واقض حاجته، وأمّا بنعمة ربك التي أسبغها عليك فابذلها لهم وتحدث بها.
ولما أقسمت بالضحى والليل في إشارة إلى تعاقب السعي والسكون والحزن والسرور واليتم والإيواء والضلال والهدى والفقر والغنى، ولمّا بشّرت الرسول صلى الله عليه وسلّم بالعطاء حتى الرضى: فقد كان يتيماً بلا أم ولا أب فكفله عمه أبو طالب، وكان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان فعلّمه وهداه بالقرآن، وكان فقيراً فأغناه بالتجارة ثمّ بالأنصار ثمّ بالغنائم؛ ولأن كل إنسان يأتي إلى الدنيا ضعيفاً لا يخدم نفسه، وضالّاً لا يعلم شيئاً، وفقيراً محتاجاً إلى من يعيله، فقد طمأنتهم السورة بطريقة معجزة بأنه سبحانه خلقهم ليكرمهم بمحبته وتربيته ورعايته. ويعرفونه بحاجتهم إليه، فأحاط قلوبهم بالحب والكفالة {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6)}، وعقولهم بالعلم والهدى {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)}، وأجسادهم بالنعمة والغنى {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)}؛ لذلك أمرهم بثلاث مقابل ثلاث: آواك يتيماً فآوي اليتيم، هداك بعد الضلال فلا تردّ سائلاً، وأغناك فحدّث. والخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلّم وكذلك للمؤمنين، ففي الصحيح: “إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين” رواه أحمد ومسلم.
نسألك اللّهمّ فعل الخيرات وترك المنكرات وحبّ المساكين وإيواء اليتيم واجعلنا هداة مهتدين.
093.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
باعتبار ترتيب الآيات احتوت السورة على ثلاثة موضوعات، في ثلاثة مجموعات من الآيات، تتحدث عن عطاء الله وتكريمه للإنسان، كما يلي:
093.6.1- الآيات (1-5) أقسم سبحانه بوقت الضحى، وبالليل إذا سكن بالخلق واشتد ظلامه، أنه ما تركك (أيها النبي) ربك، وما أبغضك بإبطاء الوحي عنك. ولَلدَّار الآخرة خير لك من الأُولَى، ولسوف يعطيك ربك حتى ترضى بذلك. الخطاب موجه للنبي وهو كذلك للمؤمنين كما في الحديث: “إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين”
093.6.2- الآيات (6-8) بدليل أنه: ألم يَجِدْك يتيماً فآواك؟ ووجدك ضالاً فعلَّمك وهداك بالقرآن؟ ووجدك فقيراً فأغناك بالرزق وبالقناعة والصبر؟
093.6.3- الآيات (9-11) يأمر تعالى بثلاث أشياء لكي تدوم وتزداد تلك النعم الثلاث: فأما اليتيم فلا تُسِئْ معاملته، وأما السائل فلا تزجره، واقض حاجته، وأمّا بنعمة ربك التي أسبغها عليك فابذلها لهم وتحدث بها.
093.7 الشكل العام وسياق السورة:
093.7.1- إسم السورة وهو وقت “الضحى” وهو صدر النهار حتى ترتفع الشمس. وقيل النهار لقوله: أن يأتيهم بأسنا ضحى في مقابلة بياتاً. وهي الساعة التي كلّم فيها موسى عليه السلام وألقي فيها السحرة سجّداً {وأن يحشر الناس ضحى (59)} طه. ثم يليه سكون الليل وظلامه {والليل إذا سجى (2)}. وبذلك يكون إشراق الضُحى وسكونُ الليل كالعنوان والإطار الذي يحيط بحقيقة ما يحصل وما ورد في السورة: وهو أن سبب تأخر الوحي لا علاقة له بالرسول لأيّ سبب من الأسباب، إنما هو ضرورة من الضرورات كما يحصل أن يأتي سكون الليل بعد سطوع النهار. فلا بد أن تكون فترات انقطاع للضرورة. وهذه الحالة مرّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل، أي في بداية النبوّة عندما كان لم يألف بعد نزول الوحي بكثافة، وقد حصل من قبل مثل هذا الانقطاع للوحي في سورتي المزمل والمدثر.
093.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:
093.7.2.1- الآيات (1-5) يقسم تعالى بآيتين عظيمتين هما الضحى والليل إذا سجى، أنه ما ودَّع النبي عليه الصلاة والسلام ولا قلاه في الدنيا، والتوديع هو الترك النهائي، والقلى هو الهجران الموقَّت وقيل البغض؛ ويطمئنه بأن الآخرة خير من الأولى، لأنها دار العدل والجزاء على الأعمال، والتكريم الخالد، والنعيم المُقيم؛ وأن الله سيعطيه حتى يرضيه في الدنيا وفي الآخرة. (طبعاً نحن يجب أن نجتهد ونصبر على ابتلاء الدنيا ونسعى بسعي الرسول صلى الله عليه وسلم ونشكر النعمة كشكره لكي يرضينا الله كما أرضاه).
093.7.2.2- الآيات (6-8) الدليل على أن الله لا يتوقف عطاءه في الدارين، والمزيد من التأكيد والتطمين: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل إنسان كان فقيراً فآواه الله بفضله وكرمه حتى أغناه عن كفالة غيره (كان ضعيفاً محتاجاً عالة على غيره لا مال لا حول ولا قوّة)؛ وضالاً (غافلاً وجاهلاً وغير مهتدياً إلى الدين) فهداه الله برحمته إلى صراطه المستقيم وعلّمه القرآن؛ وعائلاً (كان فقيرا ذا عيال) فأغناه الله عمن سواه، وفي الحديث: “ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغني غني النفس”.
093.7.2.3- الآيات (9-11) لكي يرضيك الله في الدنيا والآخرة، فإذا جاءك اليتيم والضعيف (كما كنت أنت مثله) فاكفله وارعاه ولبي حاجاته ولا تستعلي عليه، وإذا جاءك السائل من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته، أو إذا جاءك سائل يريد علماً أو هدى فابذله له؛ وحدث بنعمة ربك: (لا تحدثهم عن تفاصيل النعم الخاصَّة بك، ماذا تأكل وتشرب وتلبس وتركب وتسكن وكثرة الأبناء، لكي تستعلي عليهم، وتبثُّ الألم في نفوسهم)، أي حدثهم بأن تبذل لهم مما أنعم الله عليك من قوتك وجهدك وعلمك ومالك وعدلك ورحمتك وغناك وملكك ودينك وغيره مما أعطاك الله من النعم، وحدثهم عن فضل الله عليك ورحمته بك وتربيته لك حين كنت يتيماً فقيراً فآواك وضالاً فهداك، وحدثهم لكي يعلموا أن الله لا يترك عباده ولا يهجرهم وأنه يسخّر بعضهم لبعض، ولكي يعلموا أن الله سيسخرك لهم لتؤيهم وتكفلهم وتعطيهم كما سخر الناس لك فآووك وأعطوك.
093.7.3- سياق السورة باعتبار مقصدها:
احتوت السورة على ثلاثة مواضيع حول مقصدها وهو أن الله خلق الإنسان ليعطيه ويكرمه ويواصل ترقيته حتى يرضيه لا ليتركه (يشمل الرسول وأمته من بعده، وكل من يمشي على نهجه، فهو القدوة، وعناية الله به هي عنوان لعناية الله بكل إنسان): لا تتعجل أيها الإنسان عطاء ربك فسيعطيك حتى يرضيك فإن لم ترض في الدنيا فسترضى في خير من الدنيا وهي الآخرة، الدليل انظر عطايانا (وتوقع الاستمرارية)، فأعط كما أعطيناك.
093.7.3.1- الآيات (1-5) يقسم تعالى على أن عطاءه غير محدود، فيعطي السائل حتى يرضى، فمن شعر أنه لم يرضى في الدنيا فسوف يرضى في خير من الدنيا وهي الآخرة التي فيها كمال الرضى.
093.7.3.2- الآيات (6-8) بعض من العطايا في الدنيا وهي عظيمة بكل المقاييس: وجدك يتيماً فآواك، ووجدك ضالاً فهداك ووجدك عائلاً فأغناك.
093.7.3.3- الآيات (9-11) كل آية تقابل آية سابقة: آواك يتيماً فآوي اليتيم، هداك بعد الضلال فلا ترد سائلاً، أغناك فحدث.
093.7.4- سياق السورة باعتبار مناسبة النزول وهو إبطاء الوحي، وحزن الرسول صلى الله عليه وسلم:
مقصد السورة باعتبار مناسبة النزول: هو مواساة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإزالة قلقه وحزنه الذي حصل بسبب توقف الوحي أو فتوره لفترة من الزمن. وفيه يبين الله سبحانه وتعالى عنايته واهتمامه ورحمته للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وفيه تسرية وتسلية وترويح وتطمين له وبشارة بإتمام النعمة. وبشارة بأن رحمة الله نعمه عليه ستفيض فيحثه على بذلها ورحمة الناس بها.
وهذه واحدة من نبوءات القرآن والتي نزلت في فترة كان فيها المسلمون من قلّة العدد والضعف ما يجعلهم يرون احتمال تحققها بعيداً، إلا أنها تحققت لاحقاً. فموضوعات السورة تؤكد ما حصل بعد ذلك، وأن كل مرحلة متقدّمة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت أفضل من سابقتها: فلم يزل يصعد في المعالي ويمكّن الله له دينه، وينصره على أعدائه، ويسدد له أحواله، حتى مات، وقد وصل إلى حال لا يصل إليها الأولون والآخرون، من الفضائل والنعم، وقرة العين، وسرور القلب. أما الإكرام والإنعام في الآخرة فلا يمكن التعبير عنه بأفضل من {ولسوف يعطيك ربك فترضى (5)}.
احتوت السورة على ثلاثة موضوعات تخبر النبي بأن الله أعطاك ولا يزال يعطيك، فقس على ما قد مضى وسلف، وانتظر زيادة الخير والكرامة فلا يضيق صدرك ولا يقل صبرك، كما يلي:
093.7.4.1- الآيات (1-5) أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، وبالليل إذا سجى وادلهمّت ظلمته، على اعتناءه برسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ما تركه منذ اعتنى به، ولا أبغضه كما زعم المشركون، ولا أهمله منذ رباه ورعاه، بل لم يزل يربيه أحسن تربيه، ويعليه درجة بعد درجة.
093.7.4.2- الآيات (6-8) فقد كان يتيماً بلا أم ولا أب فكفله عمه أبو طالب، وكان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان فعلمه وهداه، وكان فقيراً فأغناه بمال خديجة ثم بما أفاء عليه من الغنائم.
ومن المناسب هنا أن نتذكر الآيات (37-42) من سورة طه فعندما بعث الله نبيه موسى عليه السلام إلى فرعون ذكر له مواساة وتشجيعا اهتمامه وعنايته به وبأمه وليداً وإلقاء محبته عليه في قلب عدوة ومكوثه في أهل مدين ثم قول الله له {واصطنعتك لنفسي (41)} طه.
093.7.4.3- الآيات (9-11) أنك كنت يتيماً وضالا وعائلاً فآواك الله وهداك وأغناك، فلا تنس نعمة الله عليك، واقتد به فتعطف على اليتيم وآوه فقد ذقت اليتم، وترحم على السائل للعلم أو للمال وتفقده بمعروفك كما رحمك ربك فهداك بعد الضلال وأغناك بعد الفقر، وحدّث بنعم الله كلّها الدينيّة والدنيويّة لما في ذلك من المصلحة بأن يعلم الناس عدم نسيان الله لهم، وحضوره الدائم وتفاعله مع سائر أحوالهم ورحمته بهم.
093.7.5- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
093.7.5.1- آيات القصص: (6-8) = 3 آيات.
093.7.5.2- قصص يوم القيامة في الآيات: 0 آيات.
093.7.5.3- آيات الله في السماوات والأرض: (1، 2) = 2 آية.
093.7.5.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (3-5، 9-11) = 6 آيات.
093.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
093.8.0- وقد سبقها على نفس السياق حول الإيواء والعطاء والإنفاق أربع سور هي الفجر: بيّنت سنّة الله تعالى في الابتلاء بالغنى والفقر وأن هلاك الأمم كان بسبب أكلهم حقوق الآخرين وحبهم المال وتفضيلهم الدنيا على الآخرة، ثم البلد: أمرت بمكابدة هوى النفس والتخلص من حب المال ومغريات الدنيا وبالإنفاق والإطعام والتواصي بالصبر والمرحمة، ثمّ الشمس: أكّدت أنه {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}، ثمّ الليل: أمرت بإنفاق المال لتزكية النفس والفوز بالرضى واختلافهم في سعيهم وأعمالهم وتيسير كل نفس لما تسعى. وأعقبها كذلك على نفس السياق سورتا الشرح: أكّدت سنّة الله الثابتة بأن مع العسر يسراً وأمرت بمواصلة العبادة والتقرب إليه دون سواه، ثمّ التين: أعلمت أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، فإن كذّب وخالف الفطرة ردّه أسفل سافلين.
093.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: سورة الضحى متصلة بسورة الليل من وجهين فإن فيها {وإِنَّ لنا للآخرةُ والأُولى (13)} وفي الضحى: {وللآخرةُ خيرٌ لكَ مِنَ الأُولى (4)} وفي الليل {ولسوفَ يَرضى (21)} وفي الضحى {ولسوفَ يُعطيكَ ربُكَ فترضى (5)} ولما كانت سورة الضحى نازلة في شأنه صلى الله عليه وسلم افتتحت بالضحى الذي هو نور ولما كانت سورة الليل سورة أبي بكر يعني: أنه كان يعتق أناساً ضعفاء يريد ما عند الله، وكانت سورة الضحى سورة محمد عقب بها ولم يجعل بينهما واسطة ليعلم ألا واسطة بين محمد وأبي بكر.
093.8.2- وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لما قال تعالى {فألهمها فجورها وتقواها (8)} الشمس ثم أتبعه بقوله في الليل {فسنيسره (7)} وبقوله {إن علينا للهدى (12) وإن لنا للآخرة والأولى (13)}، فلزم الخوف واشتد الفزع وتعين على الموحد الإذعان للتسليم والتضرع في التخلص والتجاؤه إلى السميع العليم، أنس تعالى أحب عباده إليه وأعظمهم منزلة لديه، وذكر له ما منحه من تقريبه واجتبائه وجمع خير الدارين له فقال تعالى {والضحى (1) والليل إذا سجى (2) ما ودعك ربك وما قلى (3) وللآخرة خير لك من الأولى (4)} ثم عدد تعالى عليه نعمه بعد وعده الكريم له بقوله {ولسوف يعطيك ربك فترضى (5)} وأعقب ذلك بقوله: {فأما اليتيم فلا تقهر (9) وأما السائل فلا تنهر (10)} فقد آويتك قبل تعرضك وأعطيتك قبل سؤالك، فلا تقابله بقهر من تعرض وانتهار من سأل، وقد حاشاه سبحانه عما نهاه عنه ولكنه تذكير بالنعم وليستوضح الطريق من وفق من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أما هو صلى الله عليه وسلم فحسبك من تعرف رحمته ورفقه {وكان بالمؤمنين رحيماً (43)} الأحزاب، {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (128)} التوبة، ثم تأمل استفتاح هذه السورة ومناسبة ذلك المقصود ولذلك السورة قبلها برفع القسم في الأولى بقوله {والليل إذا يغشى (1)} الليل، تنبيهاً على إبهام الأمر في السلوك على المكلفين وغيبة حكم العواقب، وليناسب هذا حال المتذكر بالآيات وما يلحقه من الخوف مما أمره غائب عنه من تيسيره ومصيره واستعصامه به يحصل اليقين واستصغار درجات المتقين، ثم لما لم يكن هذا غائباً بالجملة عن آحاد المكلفين أعني ما يثمر العلم اليقين ويعلي من أهل للترقي في درجات المتقين، بل قد يطلع سبحانه خواص عباده – بملازمته التقوى والاعتبار – على واضحة السبيل ويريهم مشاهدة وعياناً ما قد انتهجوا قبل سبيله بمشقة النظر في الدليل، قال صلى الله عليه وسلم لحارثة “وجدت فالزم” وقال مثله للصديق، وقال تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة (64)} يونس، {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة (30)} فصلت، فلم يبق في حق هؤلاء ذلك الإبهام، ولا كدر خواطرهم بتكاثف ذلك الإظلام، بما منحهم سبحانه وتعالى من نعمة الإحسان بما وعدهم في قوله: {يجعل لكم فرقاناً (29)} الأنفال، و {يجعل لكم نوراً تمشون به (28)} الحديد، {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها (122)} الأنعام، فعمل هؤلاء على بصيرة، واستولوا اجتهاداً بتوفيق ربهم على أعمال جليلة خطيرة، فقطعوا على الدنيا الآمال، وتأهبوا لآخرتهم بأوضح الأعمال {تتجافى جنوبهم عن المضاجع (16)} السجدة، {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين (17)} السجدة، فلابتداء الأمر وشدة الإبهام والإظلام أشار قوله سبحانه وتعالى: {والليل إذا يغشى (1)} الليل، ولما يؤول إليه الحال في حق من كتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه أشار قوله سبحانه وتعالى: {والنهار إذا تجلى (2)} الليل، ولانحصار السبل وإن تشعبت في طريقي {فمنكم كافر ومنكم مؤمن (2)} التغابن، {فريق في الجنة وفريق في السعير (7)} الشورى، أشار قوله سبحانه وتعالى: {وما خلق الذكر والأنثى (3)} الليل، {ومن كل شيء خلقنا زوجين (49)} الذاريات، {ففروا إلى الله (50)} الذاريات، الواحد مطلقاً، فقد وضح لك إن شاء الله بعض ما يسر من تخصيص هذا القسم – والله أعلم، أما سورة الضحى فلا إشكال في مناسبة في استفتاح القسم بالضحى لما يسره به سبحانه لا سيما إذا اعتبر ما ذكر من سبب نزول السورة، وأنه صلى الله عليه وسلم كان قد فتر عنه الوحي حتى قال بعض الكفار: قلى محمداً ربه، فنزلت السورة مشعرة عن هذه النعمة والبشارة.
– راجع سورة البينة (098.8.5): تناسب الأعلى حتى البينة (اثنتا عشرة سورة). حول موضوع أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته وبما يحقق له السعادة والفوز.