العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


097.0 سورة القدر


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


097.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 5 آيات. 4) السابعة والتسعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والخامسة والعشرون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “عبس”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: رب 1 مرة، أنزل 2 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: {ليلة القدر} 3 مرات.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (2 مرّة): أنزلناه، ما؛ (1 مرّة): الملائكة، الروح، سلام، الفجر.

097.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في شعب الإيمان عنه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمال الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر.

قال ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثمّ نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى معظماً لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن الكريم فيها، فقال {وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر (3)}.

097.3 وقت ومناسبة نزولها:

مكّية أو مدنيّة مختلف فيها: أبو حيّان في البحر المحيط اعتبر أن الأغلبية تري أنها مدنيّة، وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة. في الرأي المقابل قال الماوردي هي مكيّة عند أكثر المفسرين، ونفس الشيء قاله السيوطي في كتابه الإتقان. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت بمكة. محتويات السورة تشير إلى أنها مكية كما هو مبين أدناه. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

097.4 مقصد السورة:

097.4.1- بيان فضل ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، يتنزل فيها الملائكة والروح بأمر الله، أي قدره وقضاءه، قد أنزل الله فيها القرآن لبركتها وعظيم فضلها.

جميع آيات السورة تتحدث عن ليلة القدر، وحتى الآية الأولى التي فيها الضمير يعود إلى تنزيل القرآن، وقد اختير له أن يكون في هذه الليلة العظيمة القدر، وهي عظيمة بسبب نزول الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، وبسبب فضائلها الأخرى.

097.4.2- لا نعلم لماذا جعل الله هذه الليلة مباركة عظيمة القدر، أنزل فيها القرآن الكريم، ويضاعف فيها الأجر، ويجب أن نقف نحن عند نص القرآن، ونفوّض الأمر إلى الله تعالى في ذلك، وليلة القدر ليست وحدها التي تتضاعف فيها الأجور أضعافاً مضاعفة، بل في غيرها من الأشياء التي تمّ وضعها في سياق السورة (رقم 097.7.4) أدناه؛ وقد ذكرت في هذه السورة الكريمة وغيرها فضائل متعددة لليلة القدر، تمّ وضعها أيضاً أدناه في سياق السورة (رقم 097.7.3).

097.4.3- وقال البقاعي: مقصودها تفصيل الأمر الذي هو أحد قسمي ما ضمنه مقصود {اقرأ} وعلى ذلك دل اسمها لأن الليلة فضلت به، فهو من إطلاق المسبب على السبب، وهو دليل لمن يقول باعتبار تفضيل الأوقات لأجل ما كان فيها، كما قال ذلك اليهودي في اليوم الذي نزل فيه قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم (3)} المائدة، وأفرده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على ذلك وأعلمه أنه صار لنا عيدين: عيداً من جهة كونه يوم عرفة، وعيداً من جهة كونه يوم جمعة.

097.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في المرحلة الأولى من العهد المكي، وتتحدث جميع آياتها عن ليلة القدر وعن بيان فضلها، فهي: خير من ألف شهر، يتنزل فيها الملائكة والروح بأمر الله، وأنزل الله فيها القرآن لبركتها وعظيم فضلها، وضاعف فيها الأجر. وتضمّنت موضوعين متلازمين ومترابطين يعظّم ويشرّف بعضهما بعضاً ويزيد بعضهما من قدر بعض، في الأول بيان فضل القرآن وعلو قدره لأن الله أنزله، ولأنه نزل في ليلة القدر المباركة والتي هي خير من ألف شهر، وفي الثاني بيان فضائل ليلة القدر فهي مباركة لأن القرآن نزل فيها، وتتضاعف فيها الحسنات، وتتنزل فيها الملائكة والروح، ولأنها سلام، ووضعت فيها الأقدار، كما يلي:

(الآية 1): التنويه بفضل القرآن وعَظَمتِه بإسناد إنزاله إلى الله تعالى، والتنويه إلى فضل ليلة القدر وبركتها لأن الله اختار أن ينزل فيها القرآن، فهي ليلة القدر أي الشرف والفضل.

(الآيات 2-5): بيان فضائل ليلة القدر: وما أدراك ما ليلة القدر؟ ليلة مباركة، فَضْلُها خير من فضل ألف شهر، يكثر نزول الملائكة وجبريل عليه السلام فيها، بإذن ربهم من كل أمر قضاه في تلك السنة، هي أمن كلها، لا شرَّ فيها إلى مطلع الفجر (وهي إحدى ليالي شهر رمضان شهر العتق من النار).

هذه الليلة المباركة العظيمة القدر التي جعلها تعالى مناسبة تُضاعف فيها الحسنات وترفع فيها الدرجات ويجزل فيها العطاء حتّى يعلم المؤمن أن الله خلقه لينعم عليه ويعطيه ويكرمه ويتفضل عليه من غير سابق فضل، نعيم وعطاء لا ينتهي وبغير حساب من خزائن لا تنفذ، وبقدر لا يعلم مقداره إلا الله تعالى. وهي ليست وحدها التي تتضاعف فيها الأجور، بل وفي غيرها من العبادات والأعمال والأزمنة والأماكن، كمضاعفة أجر إنفاق المال في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف، وفضل الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، والمسجد النبوي بألف صلاة، ومسجد بيت المقدس بخمسمئة صلاة، ويوم عرفة تعتق فيه الرقاب من النار وتضاعف الأجور ويستجاب الدعاء وتغفر الذنوب فيعود كيوم ولدته أمّه. وصيام رمضان لله يجزي به، وأشياء أخرى كفضل الشهادة في سبيل الله وصلاة الجماعة والضحى وقيام الليل والصدقة الخفيّة والصبر وصلة الأرحام وغيرها كالحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء ليدخلهم الجنّة والله واسع عليم، ولا يهلك على الله بعد هذا الفضل والإحسان إلّا هالك.

اللهم اجعلنا من الذين قلت فيهم رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك هم خير البريّة.

097.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تبين السورة تلازم وترابط نزول القرآن العظيم مع ليلة القدر المباركة، مما يدل على فضل وشرف وعلو قدرهما معاً، وعلى زيادة تشريفهما وقدرهما بهذا التلازم والترابط.

097.6.1- الآية (1) بيان فضل القرآن وعلو قدره من ثلاثة وجوه: الأول بأن أسند الله إنزاله إليه فقال {إنا أنزلناه (1)}. الثاني: بأن جاء بضميره في {أنزلناه} دون اسمه شهادة له بالاستغناء عن التعريف. الثالث: الوقت المبارك والفضيل الذي نزل فيه فقال {إنا أنزلناه في ليلة القدر (1)}، {ليلة القدر خير من ألف شهر (3)} كما قال تعالى في سورة الدخان {إنا أنزلناه في ليلة مباركة (3)}.

097.6.2- الآيات (2-5) وفي فضل ليلة القدر: بينت السورة أنها خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها، وهي ليلة سالمة من كلّ آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها. وقد ورد في سورة الدخان أنه {فيها يفرق كل أمر حكيم (4)} من عند الله، وهي ليلة سلام من غروب الشمس حتى مطلع الفجر. وقد تواترت الأحاديث في فضلها وأنها في رمضان وفي العشر الأواخر منه خصوصاً في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة.

وليلة القدر تحمل معنيين: الأول أنها الليلة التي تقررت فيها الأقدار، بمعنى آخر أنها ليست ليلة عادية كباقي الليالي، ولكنها ليلة رحمة وضعت فيها الأقدار أو عينت. ونزول الوحي بهذا الكتاب في هذه الليلة ليس فقط لإنزال الكتاب ولكنه رسالة إنذار، ورحمة من الله، وحدث يفرق بين الحق والباطل، وتتغير فيه أقدار العالم كلّه.

وهذا المعنى قيل في سورة الدخان: {حم (1) والكتاب المبين (2) إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم (4) أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين (5) رحمة من ربك إنه هو السميع العليم (6)}.

097.7 الشكل العام وسياق السورة:

097.7.1- اسم السورة: سُميت ‏‏ ‏سورة ‏القدر، لتكرار ذكر ليلة القدر فيها، ‏وعظَم شرفها. ومعنى ليلة القدر ليلة تقدير الأمور وقضائها، أو ليلة الحكم. من قوله تعالى {فيها يفرق كل أمر حكيم (4)} الدخان، وقيل سميت بذلك لخطرها وشرفها على سائر الليالي، من قولهم: لفلان قدر: أي شرف ومنزلة. وقيل لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً. وقيل لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة.

097.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعاتها وترتيب آياتها:

في السورة بيان لفضل القرآن وليلة القدر وعلو قدرهما. أي أن هذه خير ليلة قدر الله فيها للإنسان، وأنعم عليه بإنزال القرآن، فيه نور وفيه هدى، وفيه بيان تشريف الله للإنسان بالخلق القويم وبالتعليم وبالهداية إلى طريق السلام، هي {خير من ألف شهر (3)}.

097.7.2.1- إنا أنزلنا القرآن، بمعنى ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وكرر ذكرها ثلاث مرات، فصرّح في الأولى بجلالة ما وقع فيها من إنزال القرآن، ثم بالاستفهام الدالّ على أن شرفها ليس مما تسهل إحاطة العلم به، ثم قال: إنها خير من ألف شهر، أي هي خير كثير، أكثر من ألف شهر، وبقدر لا يعلم مقداره إلا الله.

وسميت ليلة القدر: إما بمعنى ليلة التقدير؛ لأن الله تعالى ابتدأ فيها تقدير دِينه وتحديد الرسالة لنبيه في دعوة الناس إلى ما ينقذهم مما كانوا فيه؛ أو بمعنى العظمة والشرف، من قولهم: فلان له قدر، أي: له شرف وعظمة؛ وقيل القدر أن تعرف الله حق المعرفة فتطيعه، من قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (67)} الزمر، فإن عصيته فإنك لا تعرفه وتستهين بأوامره وأحكامه وثوابه وعقابه.

097.7.2.2- ثم بينت أسباب تفضيلها لأنه: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} بإذن ربهم ليقوموا بتنفيذ وتبليغ أوامر الله وأحكامه إلى عباده. كما في قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)} الدخان، فالكلام في الرسالة والأوامر والأحكام، لا في شيء سواها. ومبدأ النزول كان فيها، ولكن بقية الكتاب وما فيه من تفصيل الأوامر والأحكام كان فيما بعد حتى أكمل الدين. وهي ليلة سالمة من كل شر وأذى.

وقد وصفت بالمباركة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3)} الدخان؛ وكانت في رمضان، لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (185)} البقرة.

097.7.3- سياق السورة باعتبار فضائل ليلة القدر:

وقد ذكرت في هذه السورة الكريمة وغيرها فضائل متعددة لليلة القدر، كما يلي:

097.7.3.1- أن الله أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة: فهي الليلة التي حظيت بنزول القرآن الكريم فيها، وهو حدث عظيم لم تشهد الأرض ولا السماء مثله في عظمته. وكأن هذه الليلة لها قدر عند الله منذ الأزل، وقد ازدادت قدراً على قدر بنزول القرآن فيها، وحظيت بهذا الشرف فوق شرفها الأول، وأصبحت سيدة الليالي.

097.7.3.2- ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم في قوله: {وما أدراك ما ليلة القدر}: أي أن دراية علوها ومنزلتها خارج عن دائرة دراية الخلق، فلا يعلم ذلك إلا علام الغيوب جل جلاله. وقال الرازي: يعني ولم تبلغ درايتك غاية فضلها، ومنتهى علو قدرها. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: هذه الجملة بهذه الصيغة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} يستفاد منها التعظيم والتفخيم، وهي مطردة في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)}، وقال تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)} الحاقة، {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)} القارعة، فهذه الصيغة تعني التفخيم والتعظيم.

097.7.3.3- أنها خير من ألف شهر: أن العمل فيها خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، والله ذو الفضل العظيم.

097.7.3.4- أن الملائكة تتنزل فيها، وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة: قال ابن كثير: أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق؛ تعظيما له، وأما الروح فقيل المراد به ها هنا جبريل عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام.

097.7.3.5- أنها سلام، لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل: وقيل: سلام من الشر كله، فلا يكون فيها إلا السلامة، وقيل: تنزل الملائكة في هذه الليلة تسلم على أهل الإيمان، وقيل: لا يستطيع الشيطان أن يمسَّ أحداً فيها بسوء، وقيل غير ذلك.

097.7.3.6- أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة.

097.7.3.7- ومن فضائلها الغير مذكورة في السورة: أنها ليلة مباركة، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ (3) الدخان؛ ويتم فيها تقدير مقادير السنة، قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} الدخان؛ ومن فضائلها ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”.

097.7.4- لا نعلم لماذا جعل الله هذه الليلة مباركة عظيمة القدر، يضاعف فيها الأجر ثلاثون ألف مرّة (على افتراض أن الشهر ثلاثون يوماً) أو أكثر على اعتبار أن العدد في اللغة يقصد به التكثير، فهو الذي يعلم سبب ذلك ولم يبينه لنا، ويجب أن نقف نحن عند نص القرآن، ونفوض الأمر إلى الله تعالى، حتى وإن ظهر جليّاً لنا بعض فضائلها كالمذكورة هنا. وليلة القدر ليست وحدها التي تتضاعف فيها الأجور أضعافاً مضاعفة، بل جعل الله الفضل والبركة ومضاعفة الأجور في غيرها من العبادات والأزمنة والأماكن، وفيما يلي بعض ذلك:

097.7.4.1- مضاعفة أجر إنفاق المال في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} البقرة.

097.7.4.2- وفي الصلوات: كفضل قيام الليل؛ وفضل صلاة الجماعة: كما في الحديث عَنْ عبدِ اللّه بْن عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قال: “صلاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ من صَلاَةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وعِشرين دَرَجَة”. متفق عليه؛ وفضل الصلاة في المساجد الثلاث: فعن أبي الدرداء وجابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي هذا ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة”.

وإذا كانت الأعمال في ليلة القدر تتضاعف ثلاثون ألف ضعف (ألف شهر مضروبة بثلاثون يوماً)، فإن فضل الله أوسع وأعظم من ذلك فهو خالق كلّ شيء، قد جعل الصلاة في المسجد الحرام تتضاعف أكثر من ذلك إلى مائة ألف صلاة.

097.7.4.3- وفي الحج: في فضل يوم عرفة قد جعل من مضاعفة الأجور والمغفرة من الذنوب مالا يعلمه إلا الله، حتى يعود الحاج المبرور مغفورة ذنوبه كما ولدته أمه. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه”.

097.7.4.4- وفي صوم رمضان: فالله يجزي الصائم بنفسه، ففي الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ” إلى آخر الحديث المتفق عليه.

097.7.4.5- اصطفاء بعض الناس والرسل على بعض: فقد اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وفضلهم بالنبوة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} آل عمران؛ وفضّل بعض الرسل على بعض، قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (253)} البقرة.

097.7.4.6- أشياء أخرى: كالحسنة بعشرة أمثالها، وتفضيل الساعة التي يقبل فيها الدعاء يوم الجمعة، والصلاة في جوف الليل، وصلاة الضحى؛ وأيام التشريق، والعيدين؛ وتفضيل بعض الأماكن: كالوادي المقدس طوى، والمسجد الأقصى الذي باركنا حوله؛ واصطفاء الملائكة، وتأييد المقاتلين في سبيله بالملائكة وجنود لا يرونها، وكفضل الجهاد ذروة سنام الإسلام، والشهادة في سبيل الله، وإخفاء الصدقة خير من إظهارها، وفضل عمل العالم على العابد أو الجاهل، وكلمة حق عند سلطان جائر، والصبر والإخلاص في العمل، وصلة الرحم، وغيره.

097.7.4.7- وقال الرازي في تفسيره: أنه تعالى أخفى هذه الليلة لوجوه أحدها: أنه تعالى أخفاها، كما أخفى سائر الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات حتى يرغبوا في الكل، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء، وأخفى في الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان.

097.7.5- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

097.7.5.1- آيات القصص: 0 آية.

097.7.5.2- قصص يوم القيامة في الآيات: 0 آية.

097.7.5.3- آيات الله في السماوات والأرض: 0 آية.

097.7.5.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-5) = 5 آيات.

097.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

097.8.0- هذه الليلة المباركة العظيمة القدر التي جعلها تعالى مناسبة تُضاعف فيها الحسنات وترفع فيها الدرجات ويجزل فيها العطاء حتّى يعلم المؤمن أن الله خلقه لينعم عليه ويعطيه ويكرمه ويتفضل عليه من غير سابق فضل، نعيم وعطاء لا ينتهي وبغير حساب من خزائن لا تنفذ، وبقدر لا يعلم مقداره إلا الله تعالى. وهي ليست وحدها التي تتضاعف فيها الأجور، بل وفي غيرها من العبادات والأعمال والأزمنة والأماكن، كمضاعفة أجر إنفاق المال في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف، وفضل الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، والمسجد النبوي بألف صلاة، ومسجد بيت المقدس بخمسمئة صلاة، ويوم عرفة تعتق فيه الرقاب من النار وتضاعف الأجور ويستجاب الدعاء وتغفر الذنوب فيعود كيوم ولدته أمّه. وصيام رمضان لله يجزي به، وأشياء أخرى كفضل الشهادة في سبيل الله وصلاة الجماعة والضحى وقيام الليل والصدقة الخفيّة والصبر وصلة الأرحام وغيرها كالحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء ليدخلهم الجنّة والله واسع عليم، ولا يهلك على الله بعد هذا الفضل والإحسان إلّا هالك.

وتناسبت وتكاملت ستّ (6) سور متتالية من الضحى إلى البيّنة حول إظهار نعم الله على الناس والإعلام عن مقصد وجودهم، وأنه خلقهم لينعم عليهم بالحياة الكريمة ويهديهم إلى الحق والصراط المستقيم ويرفع درجاتهم بأعمالهم إلى عليين ويزكيهم ويكرمهم حتى يرضى عنهم ويرضيهم. ففي الضحى: أشارت إلى النعم الحسّية وهي الإيواء والهدى والغنى، وفي الشرح: النعم المعنويّة وهي شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر، وفي التين: أبدع خلقهم {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} خَلقاً وخُلُقاً وصورة وعلى دين الفطرة وبعملهم الصالحات فلهم أجر غير ممنون، وفي العلق: نعمة العلم ومعرفة أسماء الله والقرب منه بطاعته، وفي القدر: مضاعفة الأجور على الأعمال بأكثر من ألف شهر وبركات لا يعلم مقدارها إلا الله، وفي البيّنة: صاروا بإيمانهم وأعمالهم الصالحة خير خلق الله تعالى واستحقوا بذلك جنّاته ورضوانه {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} صدق الله العظيم.

097.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: قال الخطابي‏:‏ لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن ووضعوا سورة القدر عقب العلق استدلوا بذلك على أن المراد بهاء الكناية في قوله: {إِنّا أَنزلناهُ في ليلةِ القدر} الإشارة إلى قوله {اقرأ}‏ قال القاضي أبو بكر بن العربي وهذا بديع جداً.

097.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ورد تعريفاً بإنزال ما تقدم الأمر بقراءته لما قدمت الإشارة إلى عظيم أمر الكتب، وأن السلوك إليه سبحانه إنما هو من ذلك الباب، أعلم سبحانه وتعالى بليلة إنزاله وعرفنا بقدرها لنعتمدها في مظان دعائنا وتعلق رجائنا ونبحث في الاجتهاد في العمل لعلنا نوافقها وهي كالساعة في يوم الجمعة في إبهام أمرها مع جليل قدرها ومن قبيل الصلاة الوسطى، ولله سبحانه في إخفاء ذلك أعظم رحمة، وكان في التعريف بعظيم قدر هذه الليلة التعريف بجلالة المنزل فيها، فصارت سورة القدر من تمام ما تقدم ووضح اتصالها.

– راجع سورة البينة (098.8.5): تناسب الأعلى حتى البينة (اثنتا عشرة سورة). حول موضوع أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته وبما يحقق له السعادة والفوز.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top