العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
101.0 سورة القارعة
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
101.1 التعريف بالسورة:
1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 11 آية. 4) الأولى بعد المائة من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثلاثون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “قريش”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: لم يذكر فيها لفظ الجلالة أو أي اسم من أسماء الله وصفاته. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): كالفراش، المنفوش.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: القارعة 3 مرّات.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: ما 5 مرّات؛ (2 مرّة): فأمّا، أدراك، يكون، موازينه؛ (1 مرّة): المبثوث، العهن، أمه، هاوية، هيه، حامية.
101.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أسرع إليك الشيب. قال: “أجل شيبتني هود وأخواتها، الواقعة والقارعة والحاقّة وإذا الشمس كوّرت وسأل سائل”.
101.3 وقت ومناسبة نزولها:
هي مكّية بلا خلاف. ومحتوياتها تظهر أنها من السور الأولى التي نزلت في مكّة. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
101.4 مقصد السورة:
101.4.1- تحذير الناس وتخويفهم بالقارعة، لأن مصيرهم يتحدد يومها: إما العيشة الراضية بالنعيم، أو الهويّ في الجحيم، وذلك يعتمد على قيمة أعمالهم وثقلها في ميزان الله العادل. (والقارعة: هي أحد أسماء يوم القيامة، وقد كرّرت ثلاث مرّات مع الاستفهام، تعظيماً وتهويلاً لما يقع فيها من الأحداث المفزعة والمذهلة والشدائد)
101.4.2- ومقصد السورة نجده في الآيات الأخيرة: وهو أن أعمال الناس في هذه الدنيا سوف توزن عليهم يوم القارعة، لينالوا جزاؤهم في الدار الآخرة، فإما عيشة راضية، أو نار حامية.
قال الفخر: معنى {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)}: أي أنها قارعة فاقت القوارع في الهول والشدة. ومعنى {وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة (3)}: أي ولا علم لك بكنهها، لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد ولا فهمه، وكيفما قدرته فهو أعظم من تقديرك، كأنه تعالى قال: قوارع الدنيا في جنب تلك القارعة كأنها ليست بقوارع، ونار الدنيا في جنب نار الآخرة كأنها ليست بنار، ولذلك قال في آخر السورة: {نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} تنبيهاً على أن نار الدنيا في جنب تلك ليست بحامية، وصار آخر السورة مطابقاً لأولها من هذا الوجه.
101.4.3- وقال البقاعي: مقصودها إيضاح يوم الدين بتصوير ثواني أحواله في مبدئه ومآله، وتقسيم الناس فيه إلى ناج وهالك، واسمها القارعة واضح في ذلك.
101.5 ملخص موضوع السورة:
نزلت في المرحلة السريّة من العهد المكي بعد سورة قريش، واسمها “القارعة” أي وقوع الأمر العظيم الفظيع، وهو من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع. ومقصدها التحذير والتخويف بالقارعة التي تقرع بالأهوال والحوادث العظيمة التي لا يدرك فهم شدّتها أحد. وتضمّنت مجموعتين من الآيات: استهلّت بوصف القارعة وهي يوم القيامة وما يكون فيها من أحداث وأهوال عظام، ثمّ الإخبار عن جزاء الناس ومصائرهم بحسب ثقل موازينهم وخفّتها، كما يلي:
(الآيات 1-5): وصف القارعة التي تقرع الناس بأحداثها العظيمة، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)} أي لا علم لك بكنهها، وكيفما قدّرتها فهي أعظم من تقديرك، ثمّ ما يكون فيها من أحداث عصيبة رهيبة يوم يكون الناس منتشرين كالفراش المتطاير من شدة حيرتهم وفزعهم، وتكون الجبال كالصوف المنفوش المتطاير في الهواء.
(الآيات 6-11): الإخبار عن الموازين التي توزن بها أعمال الناس ومصيرهم، فأمّا من ثقلت موازين حسناته فهو في حياة مرضيّة في الجنة، وأما من خفت موازين حسناته فمأواه الهاوية، وهي نار جهنم الحامية.
لمّا علمنا أنّه تعالى خلق الدنيا وسخّرها لنا لنعمل ونرتقي ثم نحاسب، ولم يخلقها لنلعب، وأنّها دار اختبار والآخرة دار جزاء وقرار، فقد خوّفت بذلك الناس من الإنشغال بالدنيا على حساب العمل للآخرة وأنذرت بأن مصيرهم يوم القيامة إمّا {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} أي يرضاها صاحبها، وإما في {نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} هي مأواه ومسكنه. وهي الثالثة من ستّ (6) سور متتالية ومتناسبة من الزلزلة إلى الهمزة، تكمل بعضها بعضاً في خطاب جميع مكوّنات الإنسان بالإنذار والتخويف من الحساب والجزاء، لعلهم يعقلون فيبصرون الحق فيتّبعون دين الله الذي فيه فلاحهم، ففي الزلزلة: تخويف العقل بالزّلزلة وبشهادة الأرض عن أخبارهم وأعمالهم والحساب والجزاء على مثاقيل الذرّ، وفي العاديات: تخويف القلب بإظهار ما يخفيه والحساب والجزاء بحسبه والتحذير من عواقب قبائح نواياه وحبّه الشديد للمال بدلاً من حُبّ الله المنعم، وفي القارعة: تخويف أجسادهم من أهوال يوم القيامة ووزن الأعمال وبالوعد والوعيد فهم إمّا في عيشة راضية أو نار حامية، وفي التكاثر: تخويف عقولهم بأنّهم سوف يموتون ويرون الجحيم ثمّ يرونها عين اليقين ثمّ سيُسألون عن النعيم الذي اتخذوه جهلاً للتكاثر بدلاً من التقرّب إلى الله، وفي العصر: تخويف قلوبهم بالخسران إن لم تبصر الإيمان وتعمل الصّالحات وتتبع دين الفطرة، وفي الهُمزة: تخويف جوارحهم المشغولة بالهَمز واللمز وجمع المّال وتعداده بأنَّ مصيرَهم أَن يُطرحوا خالدين في النار الموقدة يوم القيامة.
اللّهم إنا نسألك الجنّة وما قرّب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل. اللّهم ثقّل موازيننا وبارك أعمالنا وأقوالنا وارفع درجاتنا وأعتق رقابنا من النار.
101.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
احتوت السورة على مجموعتين من الآيات الأولى تصف القارعة والثانية تخبر عن موازين الأعمال وجزاء الناس ومصائرهم. فهي تخويف في مقدمتها، ووعد ووعيد في آخرها.
101.6.1- الآيات (1-5) وصف القارعة، وهي الساعة التي تقرع قلوب الناس بأهوالها، وما يكون فيها من أحداث وأهوال عظام: يخرج الناس من القبور، وينتشرون كالفراش المتطاير جيئة وذهاباً على غير نظام، من شدة حيرتهم وفزعهم في ذلك اليوم العصيب. وتطير الجبال حتى تصبح كالصوف المنبث المتطاير في الهواء.
101.6.2- الآيات (6-11) الإخبار عن الموازين ومصائر الناس: فأما من رجحت موازين حسناته، فهو في حياة مرضية في الجنة. وأما من خفت موازين حسناته، ورجحت موازين سيئاته، فمأواه الهاوية، وهي نار جهنم الحامية.
101.7 الشكل العام وسياق السورة:
101.7.1- أسم السورة “القارعة” أي وقوع الأمر العظيم الفظيع، وهو اسم من أسماء القيامة، لأنها تقرع القلوب بالفزع والأسماع بهولها، وتقرع أعداء الله بالعذاب، هي أنسب أسلوب أو سياق يقرع غفلة الإنسان وينذره فظائع يوم الميزان والحساب.
101.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعاتها:
موضوعات السورة فيها وعظ وإنذار شديد وتخويف بأن أعمالهم سوف توزن عليهم، وأنهم لم يوجدوا على الأرض ليلهوا ويلعبوا، بل ليعملوا، ثم توزن بعدها يوم القارعة أعمالهم، فيتفرّقوا إلى قسمين: سعداء في عيشة راضية وأشقياء في نار حامية، حسب ثقل الموازين وخفتها. لذلك تحدثت عن موضوعين، هما القارعة والموازين، كما يلي:
101.7.2.1- القارعة: تقريع دنيا وتقريع آخرة:
101.7.2.1.1- تقريع في الدنيا: إن القرآن الكريم قد رغّب الناس في عبادة الله والعمل الصالح، وخوّفهم من عبادتهم ما لا يضر ولا ينفع، وبالغ في تخويفهم من عاقبة تكذيبهم وكفرهم وشركهم وإعراضهم، وكذلك حذرهم وأنذرهم وتوعدهم ووبخهم وقرّعهم كما رأيناه واضحاً في سورة ص وما بعدها إلى سورة القمر (سبعة عشرة سورة) انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).
101.7.2.1.2- القارعة في الآخرة: ثمّ بعد ذلك، فإذا لم يأت هذا التوبيخ والتقريع الدنيوي بنتيجة، فإن سور القارعة تبشرهم بتقريع مخيف ما بعده تقريع، في اليوم الآخر، يفيق الكافرون وقد فات الأوان، فلا يعودوا بعده يغفلون، وكيف يغفلون وقد نفخ في الصور وجاء يوم الوعيد، يرون فيه أهوال وأفزاع يكونون فيها كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش، جبال نسفت وبحار فجرت وسماء انشقت وكواكب انتثرت وشمس كوّرت ونجوم انكدرت وغيرها من الأهوال، تقرع أعداء الله بالعذاب والخزي والنكال، أما المؤمنون فهم من كل هذا الفزع آمنون قال تعالى: {وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)} النمل.
101.7.2.2- الموازين: هي الأعمال التي لها وزن عند الله، وقد قسم الناس فيها إلى قسمين:
101.7.2.2.1- فأما من ثقلت موازينه (بعمله الصالح) فهو في عيشة راضية منعمة في الجنة يرضاها صاحبها، وأما من خفت موازينه {فأمه هاوية} دعاء عليه لأنهم كانوا إذا دعوا على الرجل بالهلكة قالوا هوت أمه أي ثكلاً وحزناً. أو قد شبهت النار بالأم لأن الأم هي مأوى الولد ومفزعه. أو لأنهم يهوون في النار على رؤوسهم.
101.7.2.2.2- روى ابن أبي شيبة في كتاب المغازي حديث أبي بكر لعمر رضي الله عنهما في وصيّته له: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفاً، وقال مقاتل: إنما كان كذلك لأن الحق ثقيل والباطل خفيف.
101.7.2.2.3- وقيل إن الموازين الحجج والدلائل.
101.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
101.8.0- لمّا علمنا أنّه تعالى خلق الدنيا وسخّرها لنا لنعمل ونرتقي ثم نحاسب، ولم يخلقها لنلعب، وأنّها دار اختبار والآخرة دار جزاء وقرار، فقد خوّفت بذلك الناس من الإنشغال بالدنيا على حساب العمل للآخرة وأنذرت بأن مصيرهم يوم القيامة إمّا {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} أي يرضاها صاحبها، وإما في {نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} هي مأواه ومسكنه. وهي الثالثة من ستّ (6) سور متتالية ومتناسبة من الزلزلة إلى الهمزة، تكمل بعضها بعضاً في خطاب جميع مكوّنات الإنسان بالإنذار والتخويف من الحساب والجزاء، لعلهم يعقلون فيبصرون الحق فيتّبعون دين الله الذي فيه فلاحهم، ففي الزلزلة: تخويف العقل بالزّلزلة وبشهادة الأرض عن أخبارهم وأعمالهم والحساب والجزاء على مثاقيل الذرّ، وفي العاديات: تخويف القلب بإظهار ما يخفيه والحساب والجزاء بحسبه والتحذير من عواقب قبائح نواياه وحبّه الشديد للمال بدلاً من حُبّ الله المنعم، وفي القارعة: تخويف أجسادهم من أهوال يوم القيامة ووزن الأعمال وبالوعد والوعيد فهم إمّا في عيشة راضية أو نار حامية، وفي التكاثر: تخويف عقولهم بأنّهم سوف يموتون ويرون الجحيم ثمّ يرونها عين اليقين ثمّ سيُسألون عن النعيم الذي اتخذوه جهلاً للتكاثر بدلاً من التقرّب إلى الله، وفي العصر: تخويف قلوبهم بالخسران إن لم تبصر الإيمان وتعمل الصّالحات وتتبع دين الفطرة، وفي الهُمزة: تخويف جوارحهم المشغولة بالهَمز واللمز وجمع المّال وتعداده بأنَّ مصيرَهم أَن يُطرحوا خالدين في النار الموقدة يوم القيامة.
101.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: لما ختم الله سبحانه سورة العاديات بقوله: {إِنَّ ربَهُم بِهِم يَومئذٍ لخَبير (11)} فكأنه قيل: وما ذاك قال: هي القارعة قال: وتقديره: ستأتيك القارعة على ما أخبرت عنه بقوله: {إِذا بُعثِرَ ما في القبور (9)} العاديات.
101.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال الله سبحانه وتعالى {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور (9) وحصل ما في الصدور (10)} كان ذلك مظنة لأن يسأل: متى ذلك؟ فقيل: يوم القيامة الهائل الأمر، الفظيع الحال، الشديد البأس، والقيامة هي القارعة، وكررت تعظيماً لأمرها كما ورد في قوله تعالى {الحاقة (1) ما الحاقة (2)} الحاقة، وفي قوله سبحانه: {فغشيهم من اليم ما غشيهم (78)} طه، ثم زاد عظيم هولها إيضاحاً بقوله تعالى {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث (4)} والفراش ما تهافت في النار من البعوض، والمبثوث: المنتشر {وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5)} والعهن: الصوف المصبوغ، وخص لإعداده للغزل إذ لا يصبغ لغيره بخلاف الأبيض فإنه لا يلزم فيه ذلك، ثم ذكر حال الخلق في وزن الأعمال وصيرورة كل فريق إلى ما كتب له وقدر.