العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
028.0 سورة القصص
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
028.1 التعريف بالسورة:
1) مكية ماعدا الآيات (52 – 85) فمدنية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 88 آية. 4) هي السورة الثامنة والعشرون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والتاسعة والأربعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “النمل”. 6) ليس لها أسماء أخرى. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:
{الله} 26 مرّه، {رب} 19 مرّة، {لله} 1 مرّه، هو 5 مرّات، أعلم 3 مرّات؛ (2 مرّة): {لا إله إلا هو}، له الحكم، أنزل؛ (1 مرّة): غفور، رحيم، وكيل، الله يهدي، الله لا يهدي، الله رب العالمين، سبحان الله وتعالى، خلَقَ، وارث، يَعْلَم، يقضي، يقدر، يبسط، فضّل، أنعم، أحسن، أنشأ، بعث، تعالى. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
هي السورة الوحيدة التي تكررت فيها الكلمات: سرمداً 2 مره، استنصره 1 مره، يستصرخه 1 مرّه.
أكثر سورة وردت فيها: كلمة موسى 18 مرة بعد الأعراف 20 مره، جنود 4 مرات، غوي 4 مرات، الأمس 3 مرّات، مدينه 3 مرات، هامان 3 مرات، مدين 3 مرات، قارون 2 مره، شيخ 1 مرّه.
وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: عليك 21 مره، كان 15 مره، علم 13 مرة، هدى 10 مرات، حق 9 مرات، كنت 8 مرات، على 7 مرات، ظالمين 7 مرات؛ (6 مرّات): أرسل، هلك، عدو؛ (5 مرّات): كتاب، نريد، شرك؛ (4 مرات): رحمه، عمل، أحسن، كنا، فساد، كافر، سقى؛ (3 مرّات): مؤمن، يفلح، وعد، كأن، حسنه، سيئة، ليل، حزن، يأتيكم؛ (2 مرّة): لعلّي، نهار، سحر، وارث؛ الشيطان 1 مرة.
028.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج بن مردويه، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: “أعطيت السّورة التي ذكرت فيها الأنعام من الذكر الأوّل، وأعطيت طه والطواسيم من ألواح موسى، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصّل نافلة”.
028.3 وقت ومناسبة نزولها:
لقد ذكر في حديث ابن عباس وجابر ابن زيد الذي ورد في مناسبة نزول سورة النمل أن سورة الشعراء والنمل والقصص نزلت الواحدة تلو الأخرى. ويبدو أيضاً من لهجة هذه السور واسلوبها وموضوعها أنها تقريباً نزلت في نفس الفترة المكّية.
نزلت سورة القصص بعد سورتي الشعراء والنمل في منتصف الفترة المكّية، وهي قريبة الشبه من بعضها في الأسلوب والموضوعات، وتكتمل فيها الأجزاء المتفرّقة من قصة موسى عليه السلام لتكوّن قصة واحدة، ففي سورة الشعراء أرسل موسى إلى فرعون فدعاه إلى عبادة الله، فكفر فرعون فأغرقه الله ونجى موسى، وفي سورة النمل كان مع أهله وفجأة رأى ناراً فكلّمه ربّه وأيّده بتسع آيات، وفي القصص عن ولادته وكفالته وإرضاعه وتربيته، وخروجه خائفاً إلى مدين وتكليفه بالذهاب إلى فرعون وتكذيب فرعون بالآيات وهلاكه ونزول التوراة وغيرها من التفاصيل الضروريّة لإكمال القصّة.
انظر أيضاً سورة طه: 020.8.5- قصة موسى في القرآن.
028.4 مقصد السورة:
028.4.1- الإيمان بالله وحده هو مفتاح الأمان للإنسان وهو مصدر كلّ خير: الله خلق الإنسان ليكرمه وليستخلفه في الأرض ويمتعه لأجل محدد ثم يبعث إلى حياة خالدة يوم القيامة (الآيات 61، 83). ومن شروط الاستخلاف الإيمان والعمل الصالح {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض (55)} النور، ومن أسباب سحب الخلافة العلو والاستكبار والإفساد في الأرض (الآيات 4، 58، 83). وهو ما حصل في القصة هنا: إذ يريد سبحانه أن يمن على الذين استضعفوا ويجعلهم الوارثين (الآية 5)، ويريد أن يهلك المفسدين ولن ينفعهم حذرهم من الله.
الدار الآخرة يجعلها الله للذين لا يريدون علوّاً (الذين لا يتكبرون على الحق) في الأرض ولا فساداً، وهي لمن اتقى عذاب الله وعمل الصالحات، وترك المحرمات. من المسلم به أن الخير للإنسان في الدارين بالإيمان، وأن الشر بالكفر.
الأصل في خلق الله للإنسان هو تكريم ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل، وتسخير الكون والدواب في البر والبحر والرزق من طيبات الطعام والشراب وتفضيلهم على الكثير من المخلوقات. أما الإهلاك والاستبدال بقوم آخرين فهو نتيجة الظلم والإفساد في الأرض، إذ أن الله أخبر أنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الإهلاك بظلمهم، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسل، ولا يجعل علمه بأحوالهم حجة عليهم ونزه ذاته أن يهلكهم وهم غير ظالمين.
028.4.2- ومقصدها نجده في الآيات الست الأولى (1-6) حيث بدأت السورة بمقدمة صريحة تقول إن الله يريد أن يمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ظلماً وعدواناً، فيجعلهم ورثة الأرض، قادة في الخير دعاة إليه يقتدى بهم. ثم الآيات (7-43) بدأت تحكي لنا في قصة متواصلة استغرقت نصف عدد آيات السورة تقريباً، يتبين منها كيف يحقق الله سبحانه هذا في قوم موسى الذين استضعفهم فرعون يذبح أبناءهم ويستبقي نساءهم. يليها في الآيات (44-61) قصة تكذيب أهل مكة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما نزل عليه من القرآن، فلم يستخلصوا العبر من قصة موسى وفرعون التي أظهر الله فيها العدل باتباع دينه وقضى على الفساد في الأرض بإهلاك المفسدين، لكن الله أظهر دينه الخاتم وحفظ قرآنه. ثم يليها في الآيات (62-67) قصة تبين تخاصم الشركاء من دون الله يوم القيامة وتخليهم عن شركائهم، هؤلاء الشركاء كانوا سبب غواية الناس لكنهم لا يملكون لأحد ولا لأنفسهم ضراً ولا نفعاً. تليها الآيات (68-75) تبين أن الله خالق كل شيء، وأنه الضار النافع الذي له ملك الدنيا والآخرة. يليها في الآيات (76-82) قصة بليغة فيها الدليل على أن الله هو المنعم الرزاق مدبر الأمور، رزق قارون الكنوز ليشكر، لكنه بغى على قومه ونسب الملك لعلمه وقوته، فخسف الله به وبملكه الأرض. وأخيراً تختتم السورة بالآيات (83-88) ببيان أن الإيمان بالله والعمل الصالح يجلب الرزق والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن الكفر والإفساد هو سبب الشقاء والهلاك في الدارين، وأن القرآن هو كتاب هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين.
تؤكّد القصص ثبات سنن الله في العباد والبلاد، وصدق وعده بنصر المستضعفين والتمكين لهم في الأرض، ووعيده بهلاك الجبابرة وزوال ملكهم، فحين تأتي إرادته سبحانه بإزالة الظلم والفساد وردّ الأمر كلّه إليه فلا رادّ لإرادته، فهذا فرعون لم يزل يذبح الأبناء خيفة من مولود يزيل ملكه حتى إذا كان ذلك المولود تولى بنفسه تربيته وحفظه وخدمته، فنجّا الله موسى من الذبح وليداً ومن القتل كبيراً وهيّأ له سبحانه الأمور وردّه إلى أمه وإلى قومه، وهدى قومه إلى الحق، وأهلك فرعون. وهذا درس وبشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه (ولأمّته من بعده) بأنه سيعيدهم إلى بلدهم منتصرين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85)}، وإنذار لقريش (وأمثالهم) بالهلاك إذا ما استمرّوا على ما هم فيه من التكذيب. والموعظة أو العبرة الأخرى فهي متمثلة بأنه جلّت قدرته خسف بقارون وبداره الأرض بسبب تعاليه بنعمة الله وادعائها لنفسه بغير حق وبغيه على قوم موسى.
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا، ونجّنا من القوم الظالمين، واهدنا سواء السبيل، وإنا لما أنزلت إلينا من خير فقراء.
028.5 ملخص موضوع السورة:
ملخص موضوع السورة (انظر أيضاً مقصد السورة أعلاه 028.4.2): قصّة الإنسان وإفساده في الأرض: أي اجتراءه على حق الله وحقوق اخوته في البشريّة، وذلك بسبب غروره وافتراءه وبغيه. ثمّ تدخّل إرادة الله وسنّته في نصر المستضعفين وتمكينهم في الأرض.
أن من طبع الإنسان الإفساد والعلوّ في الأرض (إرادة الإنسان)، يستضعف بعضه بعضاً. لكن رحمة الله وسنتة (إرادة الله) اقتضت بأن يرسل الرسل {بصائر للناس وهدى ورحمة لعلّهم يتذكرون (43)}، لإقامة العدل وإصلاح الأرض، بعد أن ملأها الإنسان بالظلم والفساد.
الإيمان بالله يفضي إلى العدل وعمارة الأرض والخلافة فيها، وعدم الإيمان يفضي إلى الظلم والفساد في الأرض والهلاك الله يريد الخير للإنسان (الذي هو الإيمان بالله وحده واتباع دينه) فبين له طريقه وتركه يختار بنفسه. من آمن فله الخير كلّه، ومن لم يؤمن فليس له شيء سوى الشقاء والهلاك. فلنرى كيف فصلت السورة ذلك:
احتوت السورة على الموضوعات الرئيسية التالية:
028.5.1- قصة موسى وفيها أن الله يريد أن يمنّ على قوم موسى الذين استضعفهم فرعون يذبح أبناءهم ويستبقي نساءهم ظلماً وعدواناً، فيجعلهم ورثة الأرض، قادة في الخير دعاة إليه يقتدى بهم. الآيات (1-43)
028.5.2- قصة تكذيب أهل مكة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما نزل عليه من القرآن، فلم يستخلصوا العبر من قصة موسى وفرعون التي أظهر الله فيها العدل باتباع دينه وقضى على الفساد في الأرض بإهلاك المفسدين. لكن الله أظهر دينه الخاتم وحفظ قرآنه. الآيات (44-61)
028.5.3- قصة تبين تخاصم الشركاء من دون الله يوم القيامة وتخليهم عن شركائهم، هؤلاء الشركاء كانوا سبب غواية الناس لكنهم لا يملكون لأحد ولا لأنفسهم ضراً ولا نفعاً. الآيات (62-67)
028.5.4- آيات تبين أن الله خالق كل شيء وأنه الضار النافع الذي له ملك الدنيا والآخرة. الآيات (68-75)
028.5.5- قصة بليغة فيها الدليل على أن الله هو المنعم الرزاق مدبر الأمور، رزق قارون الكنوز ليشكر لكنه بغى على قومه ونسب الملك لعلمه وقوته، فخسف الله به وبملكه الأرض. الآيات (76-82)
028.5.6- تختتم السورة ببيان أن الإيمان بالله والعمل الصالح يجلب الرزق والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن الكفر والإفساد هو سبب الشقاء والهلاك في الدارين، وأن القرآن هو كتاب هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين. الآيات (83-88)
القصص في السورة تبين أنه حين تأتي إرادة الله سبحانه بإزالة الظلم والفساد ورد الأمر كلّه إليه فلا رادّ لإرادته. عندما أراد الله الأمر هيّأ له: فنجا موسى من الذبح ومن القتل وهيّأ له سبحانه الأمور وردّه إلى أمه وإلى قومه، وهدى قومه إلى الحق، وأهلك فرعون. وهذا درس وبشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه بأنه سيعيدهم إلى وطنهم منتصرين. ودرس وإنذار لقريش بالهلاك إذا ما استمرّوا على ما هم فيه من التكذيب. والموعظة أو العبرة الأخرى فهي متمثلة بأنه جلّت قدرته خسف بقارون وبداره الأرض بسبب تعاليه بنعمة الله وادعاءها لنفسه بغير حق وبغيه على قوم موسى.
028.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
احتوت السورة على أربعة قصص تحكي عن الماضي والحاضر والمستقبل، في 70 آية من أصل 88 مجموع آيات السورة، أي 8 من كل 10 هي آيات قصص فيها موعظة وعبرة بأن الخير في الدارين يتحقق بالإيمان والشر بالكفر. كما يلي:
– قصتين في بني إسرائيل عن فرعون وقارون تبينان أن فرعون قد بغى على بني إسرائيل واستطال بجبروت الحكم والسلطان، وكذلك بغى قارون عليهم واستطال بجبروت العلم والمال. وكانت النهاية واحدة، هذا خسف به وبداره، وذلك أخذه اليم هو وجنوده. تدخلت يد القدرة فوضعت حدا للبغي والفساد، ورفعت الحق والإيمان حينما عجز الناس عن الوقوف للبغي والفساد.
– قصة تبين أن كفار مكّة لم يتبعوا الحق حذراُ من أن تؤخذ منهم أرضهم وأن يقتلوا أو يؤسروا، فحاربوا دين الله وتآمروا على قتل رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يتركوه وشأنه حذراً من أن يظهر بدينه على أوثانهم وآلهتهم. فعاقبهم الله بأن أزال أوثانهم على أيدي عباده المؤمنين، وجعل أرضهم وبلادهم بلاد إيمان وأمان للمسلمين المؤمنين بالله وحده.
– قصّة تحصل يوم الحساب يوم القيامة يتبين فيها كيف تخلى عن المشركين ما أشركوا مع الله من أولياء وأوثان في الدنيا فلم يستجيبوا لهم ولم يغنوا عنهم شيئاً من العذاب. في ذلك اليوم لا ينفع الناس إلا إيمانهم وعملهم الصالح.
أما باقي الآيات (18 آية) ففيها مقصود السورة وموضوعاتها مذكورة في 12 آية، بالإضافة إلى بعض من آيات الله في الكون ونعمه على الناس مذكورة في 6 آيات، وسيأتي بيانها عند الحديث عن سياق السورة.
الآيات (1-43) تفصيل قصة موسى عليه السلام وفرعون: تعرض إرادة الشر والفساد عند فرعون الطاغية المتجبر اليقظ الحذر، وفي مواجهتها إرادة الخير والإصلاح عند الله الخالق المدبر الذي لا ملجأ له ولا وقاية إلا به.
الآيات (1-6) طغيان فرعون وجعله أهل الأرض شيعاً، يذبح أبناءهم ويستبقي نساءهم. (7-13) حفظ الله لموسى الرضيع وإعادته إلى أمه. (14-28) خروج موسى من أرض فرعون وذهابه إلى أرض مدين وزواجه ومكوثه في مدين عشر سنين. (29-35) تكليف موسى بالذهاب إلى فرعون. (36-42) رفض فرعون وآله للدعوة وإهلاكهم. (43) نزول التوراة على موسى بصائر للناس وهدى ورحمة.
الآيات (44-75) تعقيبات على قصة موسى وبيان أن نبوّة محمّد عليه السّلام هي امتداد لنبوة من جاء قبله بعد أن تطاول عليهم العمر. وإبطال الأعذار التي يتذرّع بها المشركون في عدم الإيمان به. منها أن النبوة هي من اختيار الله {وربك يخلق ما يشاء ويختار (68)} فحتى النبي نفسه لا يعلم أنه نبي إلا بعد أن يفاجأ من الله سبحانه وتعالى بأنه اختير للرسالة. ومنها أنه إذا كانت قريش تطلب من محمّد صلى الله عليه وسلم المعجزات فقد آتينا موسى المعجزات فكفروا بها وقالوا إنها سحر. وإذا كنتم تريدون مثل معجزات موسى فلماذا أنتم الآن لا تؤمنون ولا تتبعون ما جاء به موسى من البشارة برسالة محمد. ومنها أنّ من سنن الله إرسال الرسل يتلون آياته قبل إهلاك المكذّبين.
(44-51) قصة موسى في القرآن دليل على الوحي. (52-55) ثناء على مؤمنين من أهل الكتاب آمنوا بالقران، لهم أجرهم مرتين. (56) الهداية بين قدر الله واختيار الإنسان. (57-61) أمن قريش في مكة ولفت نظرهم لمصارع السابقين. (62-67) من أحوال الكفار يوم القيامة. (68-70) حكمة الله وإرادته وعلمه وشكره. (71-73) نعمة الله على الإنسان في تعاقب الليل والنهار. (74-75) خسارة المشركين يوم القيامة.
الآيات (76-84) قصة قارون مع قومه، قوم موسى، وتمنيهم أن يؤتيهم الله كنوزاً مثله، وفي خاتمة القصة تعرض قيمة المال الذي يستخف به القوم. وقيمة العلم الذي يعتز به قارون، ويحسب أنه بسببه أوتي ذلك المال. ولكن الذين أوتوا العلم الصحيح من قومه لا تستخفهم خزائنه، ولا تستخفهم زينته، بل يتطلعون إلى ثواب الله، ويعلمون أنه خير وأبقى. ثم تتدخل يد الله فتخسف به وبداره الأرض، لا يغني عنه ماله ولا يغني عنه علمه.
(76-78) طغيان قارون واعتداؤه بماله. (79-80) الناس فريقان أمام فتنة قارون. (81-82) الخسف بقارون وماله. (83-84) تعقيب على قصة قارون.
الآية (85) تنتهي السورة بوعد من الله لرسوله الكريم وهو مخرج من مكة مطارد من المشركين {إن الذي فرض عليه القرآن لرادّك إلى معاد (85)}، أي لا بدّ راده إلى بلده، ناصره على الشرك وأهله. وقد أنعم عليه بالرسالة ولم يكن يتطلع إليها، وسينعم عليه بالنصر والعودة إلى البلد الذي أخرجه منه المشركون. سيعود آمنا ظافرا مؤيدا. وفي قصص السورة ما يضمن هذا ويؤكده. فقد عاد موسى عليه السلام، إلى البلد الذي خرج منه خائفا طريدا. عاد فأخرج معه بني إسرائيل واستنقذهم، فكان موسى وقومه الناجين، وهلك فرعون وجنوده في البحر.
الآيات (86-88) ما كان محمد صلى الله عليه وسلم يرجو أن ينزل عليه هذا القرآن، فأنزله ربه رحمة ونعمة حتى يعلم الأنباء والأخبار عن الماضي والحاضر والمستقبل، فلا يكونن عوناً للكافرين على دينهم. وأنّ الإيمان هو مفتاح الخيرات. وأنه أنزلت إليه الآيات البينات حتى لا يصرفنه عن تبليغ آيات الله وحججه بعد أن أنزلها إليك ربك هؤلاء المشركون. وألا يعبد مع الله الهاً آخر، لا إله إلا هو، كلّ شيء هالك إلا وجهه، له القضاء النافذ وإليه الرجعى والمعاد بعد الموت للحساب والجزاء.
028.7 الشكل العام وسياق السورة:
028.7.1- إسم السورة: سميت “القصص” لأن الله تعالى ذكر فيها قصة موسى عليه السلام مفصلة موضحة من حين ولادته إلى حين رسالته وفيها من نعم الله على المستضعفين، وانتقامه من المتكبرين، ومن الأحداث العجيبة، ما يتجلى فيه بوضوح عناية الله بأوليائه وخذلانه لأعدائه.
اسم السورة يرسم الإطار العام والجو القصصي لموضوعها وأحداثها. إن حياة الإنسان كلها قصة، قصص مكررة كقصة موسى وقارون، بغوا وكفروا وأفسدوا، التاريخ يعيد نفسه، ما تفعله قريش فُعل مثله من قبل. على الرغم من أن قصص إفساد الإنسان في الأرض كثيرة، إلا أن القصص الجميلة {للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً (83)} أيضاً كثيرة. كأمّ موسى حين ارضعته عزيزاً بصفته ابن ملك بعد أن كانت وضعته في التابوت وكانت أقصى ما ترجوه له هو ألا يقتله فرعون. كذلك موسى حين أن طلب الأمان فأعطاه الله الأمان والعمل والسكن والأهل ثم بعد ذلك النبوة. قصص الله سبحانه وتعالى وعجائبه في خلقه كثيرة ولا تحصى، أناس تعمل الخير بدون مقابل {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى (20)}، وأناس (تخلق الشر لغيرها) تعمل الشر بدون مقابل {فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه (18)}، وأناس يريدون متاع الحياة الدنيا وآخرون يريدون ما عند الله، وما عند الله خير وأبقى {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون (60)}.
028.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:
028.7.2.1- الآيات (1-43) قصة موسى وفرعون تبين كيف أن الله يمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ظلماً وعدواناً، فيجعلهم ورثة الأرض، قادة في الخير دعاة إليه يقتدى بهم:
028.7.2.1.1- الآيات (1-6) مقدمة للسورة تقول بأن هذه الآيات من القرآن تتلوا علينا نبأ موسى وفرعون، وهي قصة صدق للمؤمنين ينتفعون بها، أما الذين لا يؤمنون فهم في عمى عن هذا الحق المبين، لا ينتفعون به.
كما تبين المقدّمة ملخص هذا النبأ أي الخبر: وهو أن فرعون تكبر وطغى في الأرض، وجعل أهلها طوائف متفرقة، يستضعف طائفة منهم، وهم بنوا إسرائيل، يذبّح أبناءهم، ويستبقي نساءهم، إنه كان من المفسدين في الأرض بالقتل وغيره. ويريد سبحانه أن يتفضل على الذين استضعفهم فرعون في الأرض، ويجعلهم قادة في الخير دعاة إليه يقتدى بهم، ويجعلهم يرثون الأرض بعد هلاك فرعون وقومه. ويريد سبحانه أن يمكن لهم في الأرض، ويجعل فرعون وهامان وجنودهما يرون ما كانوا يخافونه ويحذرونه من هلاكهم وذهاب ملكهم على يد مولود من بني إسرائيل.
028.7.2.1.2- الآيات (7-13) في هذا النبأ يرينا الله بعض نعيمه، بل هي كنوزاً من كنوز رحمته يفتحها على عبده ورسوله موسى عليه السلام: أنجاه الله من الذل الذي يعيشه قومه بني إسرائيل، ومن القتل على يد فرعون، ثم أنقذه من الهلاك في التابوت، ذلك بأن التقطه أعداءه آل فرعون واتخذوه ولداً قرة عين لفرعون ولزوجته. ربّاه الله في قصر فرعون وفي أحضان زوجته يخدمونه وهو عدوهم وهم لا يعلمون. ثم أعاده إلى أمّه ترضعه وتكفله فتقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق، وبشرها سبحانه بأنه رادّه إليها وجاعله من المرسلين. وسنرى كنوزاً أخرى تفتح على بني اسرائيل بأن ينجيهم الله، وكذلك جعل لهم منهم أنبياء زكريا ويحيى وعيسى وإلياس واليسع ويونس وداوود وسليمان، وجعل منهم ملوكاً يقاتلون في سبيل الله وينتصرون على جالوت ومن ملوكهم داوود وسليمان عليهما السلام.
إن الله إذا أعطى فلا حدود لعطائه {وإن يردك بخير فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم (107)} يونس.
أنعم الله على موسى نعمة لم يعرفها أحد: تربى في أعظم القصور وفي رعاية أعظم ملوك الأرض وبين أحضان زوجته بعد أن اتخذته ولداً وقرّة عين، وبنفس الوقت ترضعه والدته الحقيقية وتقر عينها به، وهكذا نشأ عليه السلام كل هذا النعيم العظيم الذي لا مثيل له على الأرض. ثم والأعظم منه أن يفتح الله عليه من كنوز الحكمة والعلم، وهو النعيم الحقيقي، يعرف أن له رباً يدعوه ويطلب منه المغفرة فيغفر له، يطلب النجاة فينجيه الله. فما أعظم هذا النعيم: أمان واستقرار وعلم وحكمة ورب يستجيب الدعاء، فهل بقي بعد نعيم الدنيا هذا شيء.
028.7.2.1.3- الآيات (14-28) نعيم الله ليس له حدود، وكنوزه لا تنضب. بل وتستمر أنهار النعيم على موسى عليه السلام. فبعد أن بلغ موسى أشده، وبعد أن وعى الحياة وأصبح يعرف الله ويعرف الحق من الباطل، ولحكمة أرادها الله، وكز رجلاً فقتله، فأصبح خائفاً يترقب ويطلب النجاة من ظلم آل فرعون فينجيه الله. أرسل الله له رجل ينذره وينصحه بالخروج فنجا، ليس هذا فحسب، فالنجاة والأمان قليل في بحور نعيم الله، فقد بعثه إلى مدين ليعيش في ظلّ مجتمع عادل مؤمن عوضاً عن مجتمع الشرك والجور والظلم عند فرعون. وأبدله قوماً صالحين استأجروه ليعمل معهم أسكنوه بيوتهم وزوجوه من ابنتهم. كل هذا يتحقق لموسى عليه السلام سريعاً بدون جهد ولا ترتيب منه. لقد كان في الخفاء من يرتب له ويختار، ويصلح له الأمور، ويهيء له العمل والزوجة والبيت والاستقرار في مجتمع طاهر نظيف موحّد هناك في مدين.
028.7.2.1.4- الآيات (29-35) هل بقي من كنوز الله من نعيم يفتح أبوابه على موسى. نعم بقي الكثير فقد حان الآن موعد نعيم لا يخطر على قلب بشر، إنه الله لا إله إلا هو رب العالمين يكلّم موسى عليه السلام يناديه ويقول له يا موسى إني أنا الله رب العالمين، نداء مذهل لا يتصوره عقل. ثم يكلفه بمهمّة الدعوة إلى دينه. إنه ليس تكليف من فرعون وليس تكليف من أي ملك من ملوك الأرض والذي لو حصل لأحد من الناس لكان اعتبره شرف وتكريم ما بعده تكريم. إنه تكريم وتشريف من ملك الملوك الله الواحد القهار يصطفيه من بين العالمين ويرسله لإخراج بني إسرائيل من ظلم فرعون وجنوده. ولم يرسله هكذا بدون دليل بل أيده ببرهانين من ربه إلى فرعون وملئه، وآيتين تبطلان كل سحر يأتي به سحرته. ولم يتركه وحده بل استجاب لدعائه بأن شد عضده بأخيه هارون. ما هذا النعيم، إنه شيء لا يصدّق غير أنه من الله رب العالمين.
028.7.2.1.5- الآيات (36-43) هذه السورة لا تتحدث إلا عن كنوز النعيم التي يفتحها المفتاح السحري الذي هو الإيمان بالله، والكنز التالي هو تحقيق ما جاء موسى لأجله وهو هلاك فرعون وجنوده وغرقهم في البحر بسبب استكبارهم وعدم إيمانهم وبالتالي نجاة موسى وبني إسرائيل من أيدي هؤلاء الظالمين. لم يهلك فرعون لقلّة العدد والعدة وقلة الجنود، بل هلك هو وجنوده بسبب تكذيبهم وعدم إيمانهم.
وكنز الكنوز الأخير في هذه السورة هو الكتاب آتاه الله موسى بصائر للناس وهدى ورحمة. وهذا يتناسق ومصداق ما جاء في سورة النمل عن القرآن أنه {هدى وبشرى للمؤمنين (2)} {هدى ورحمة للمؤمنين (77)}.
028.7.2.2- الآيات (44-61) قصة تكذيب أهل مكة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم وما نزل عليه من القرآن، فلم يستخلصوا العبر من قصة موسى وفرعون التي أظهر الله فيها العدل باتباع دينه وقضى على الفساد في الأرض بإهلاك المفسدين. لكن الله أظهر دينه الخاتم وحفظ قرآنه.
028.7.2.2.1- الآيات (44-50) الخلاصة والعبرة التي نستخلصها من نبأ موسى وفرعون أن نعمة الله على المؤمنين ورحمته ليس لها حدود، وهي عندما تأتي تدهش فلا حدود لعطاءه. هذه القصة هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين لأمة محمد صلى الله عليه وسلم يقصها عليهم في كتابه الذي أنزله على نبيهم عليه الصلاة والسلام، الذي لم يحضر أيّاً من هذه الأحداث، بل هي أنباء رحمة من الله لينذر قوماً ما أتاهم من نذير.
يقابل هذا النعيم، العذاب والمصائب والشدائد التي تصيب الكفار بما كسبت أيديهم، فيقولوا حين يحل بهم العذاب، ربنا هلا أرسلت إلينا رسولاً من قبل، فنتبع آياتك المنزلة في كتابك، ونكون من المؤمنين بك. فلمّا جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا هلا أوتي من المعجزات الحسيّة كما أوتي موسى، أو يؤتى كتاب جملة واحدة، أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل. وقالوا في التوراة والقرآن سحران تعاونا في سحرهما وقالوا إنا بكل كافرين بالنبيين وبالكتابين. قل لهم يا محمد صلى الله عليه وسلم فأتوا بكتاب من عند الله يكون أقوم من التوراة والقرآن أتبعه إن كنتم صادقين في زعمكم، فإن لم يستجيبوا فاعلم أنهم يتبعون أهواءهم بغير هدى من الله، إن الله لا يوفق لإصابة الحق القوم الظالمين الذين خالفوا أمره.
028.7.2.2.2- الآيات (51-61) يقول تعالى ذكره ولقد وصلنا يا محمد لقومك من قريش ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبإ عما أحللنا بهم من بأسنا، إذ كذبوا رسلنا. وفصلنا ما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم، واحتذى حذوهم في الكفر بالله، وتكذيب رسله، ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا.
ويقول إن قوما من أهل الكتاب آمنوا برسوله وصدقوه، وأنهم كانوا مؤمنين بما جاء به الأنبياء قبل مجيء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي كتبهم صفته ونعته، فكانوا به وبمبعثه وبكتابه مصدقين قبل نزول القرآن {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} بإيمانهم بالكتابين. ومن صفتهم أنهم صبروا على العمل بالكتابين وأنهم يدفعون بالحسنة السيئة وينفقون مما رزقهم الله ويعرضون عن الباطل ولا يجارونه ولا يصحبون الجاهلين.
وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إيمان الناس وخاصة ذوي قرباه وأهل مكة، وكان يغتم كثيراً حتى يكاد يقتله الهمّ والحزن بسبب تكذيبهم وعدم إيمانهم، قال تعالى: {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين (3)} الشعراء، تكررت في آية (6) سورة الكهف. ونزل هنا في حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان عمه أبي طالب {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين (56)} من خلقه بتوفيقهم للإيمان به وبرسوله.
بينت قصة موسى وفرعون بأن الأمن والأمان والرزق والنعيم كله من الله. لكن في هذه الآيات قالت كفار قريش: إن نتبع الحق الذي جئتنا به، ونتبرأ من الآلهة، يتخطفنا الناس من أرضنا. فقل مذكراً بنعمة الله على سكان بيته الحرام {أولم نمكن لهم حرماً آمناً} أي لهم بلدا حرمنا على الناس سفك الدماء فيه، يجلب إليهم ثمرات كل شيء رزقاً من الله، لكن أكثرهم لا يعلمون قدر هذه النعم عليهم فيشكروا الله المنعم ويطيعوه. وفي هذا بيان لعدله وتقدسه عن الظلم لأن الأصل في خلقه هو تكريم ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل، وتسخير الكون والدواب في البر والبحر والرزق من طيبات الطعام والشراب وتفضيلهم على الكثير من المخلوقات. أما الإهلاك والاستبدال بقوم آخرين فهو نتيجة الظلم والإفساد في الأرض، إذ أن الله أخبر أنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الإهلاك بظلمهم، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسل، ولا يجعل علمه بأحوالهم حجة عليهم ونزه ذاته أن يهلكهم وهم غير ظالمين.
إن كفار مكّة لم يتبعوا الحق حذراُ من أن تؤخذ منهم أرضهم وأن يقتلوا أو يؤسروا، فحاربوا دين الله وتآمروا على قتل رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يتركوه وشأنه حذراً. فعاقبهم الله إذ تلقفه أهل المدينة من الأوس والخزرج معاهدين مبايعين ليخرج إليهم ويمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم، ثم رده الله إليهم فاتحاً فلم ينفعهم حذرهم. تماماً كما كان من نبأ فرعون فلم يزل يذبح مواليد بني إسرائيل حذراً من أن يأتي المولود الذي سيقضي على ملكه، حتى إذا جاء ذلك المولود (موسى عليه السلام) اتخذه ولداً وربّاه بنفسه في قصره ترعاه زوجته، ثم رده الله إلى أمه الحقيقية ثم جعله من المرسلين فما أغنى عن فرعون حذره.
يبين سبحانه عظيم عدله وتقدسه عن الظلم بأنه ينذرهم بالعقاب حتى إذا وقع كانوا أعلم الناس بأنهم يستحقون العقاب فيندمون حين لا ينفع الندم. هؤلاء المشركين في مكة الذين لم يشكروا، ولم يصدقوا بشارة ربهم لهم بالنعيم إن هم آمنوا، يهددهم ربهم بهلاك الأمم من قبلهم، فكم هلكت من قرية أبطرتها معيشتها، فبطرت، وأشرت، وطغت، فكفرت ربها. فتلك دور القوم الذين أهلكهم بكفرهم ومنازلهم، لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، خربت من بعدهم، فلم يعمر منها إلا أقلها، وأكثرها خراب، ولم يكن منهم وارث، وعادت كما كانت قبل سكناهم فيها، لا مالك لها إلا الله، الذي له ميراث السماوات والأرض. أفمن وعده الله من خلقه على طاعته إياه وعداً حسناً فهو لاق ما وعد وصائر إليه، كمن متعه في الحياة الدنيا، فنسي العمل للآخرة فكان من المعذبين، حتماً لا يستويان.
028.7.2.3- الآيات (62-67) يقص علينا سبحانه فيبين من نبأ الحساب يوم القيامة، يوم يسأل عز وجل الذين أشركوا به الأولياء والأوثان في الدنيا، أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم لي شركاء؟ فدعوهم فلم يستجيبوا لهم، وعاينوا العذاب، لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين للحق لما عُذِّبوا. ويوم يسألهم الله بأيِّ شيء أجبتم المرسلين فيما أرسلناهم به إليكم؟ فخفيت عليهم الحجج، فلم يَدْروا ما يحتجون به. فأما من تاب من المشركين، وأخلص لله العبادة، وعمل بما أمره الله به ورسوله، فهو من الفائزين في الدارين.
028.7.2.4- الآيات (68-75) الله يخلق ما يشاء، وليس لأحد من الأمر والاختيار شيء، تعالى وتنزَّه عن شركهم، يعلم ما تُخفي صدورهم وما يظهرونه. وهو الله الذي لا معبود بحق سواه، له الثناء الجميل والشكر في الدنيا والآخرة، وله الحكم بين خلقه، وإليه يُرَدُّون بعد مماتهم للحساب والجزاء. يعدد الله من نعمه على الناس التي لا غنى لهم عنها ويلمسونها في كل لحظة من حياتهم بأن جعل لهم الليل يسكنون فيه والنهار ضياء ليبتغوا من فضله. وينبئهم سبحانه بأنه سيجمعهم هم والذين اتخذوهم شركاء ويسألهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم لي شركاء؟ ثم يخرج الله من كلّ أمة رسولهم شهيداً عليهم بما جرى من شركهم تكذيبهم، ويدعوهم إلى الإتيان ببرهانهم على ما أشركوا مع الله، فعلوا أن الألوهية لله لا يشاركه فيه أحد وذهب عنهم شركاؤهم فلم ينفعوهم بل أردوهم نار جهنم.
028.7.2.5- الآيات (76-82) الدليل على أن مصدر كل الكنوز والنعم هو من الله تتمثل في قصة قارون وهو من قوم موسى: فتح الله عليه أبواب الرزق وآتاه الله من الكنوز العظيمة ما إن مفاتحه تثقل على الجماعة أن تحملها، فنسب ذلك لنفسه ولم ينسبه إلى الله، وبغى على قومه بالكبر والعلو، فنصحوه أن يشكر الله بالطاعة والإحسان إلى الناس كما أحسن الله إليه، فقال هو بما عندي من القوّة والعلم، ونسي أن الله أهلك من القرون من هو أشد منه قوّة وأكثر جمعاً، فخرج على قومه في زينته مظهراً عظمته وكثرة أمواله، فخسف الله به وبداره الأرض فلم تنصره قوته ولم يغني عنه ماله. وصار الذين تمنّوا حاله بالأمس في ندم من قولهم لكيلا يخسف بهم بسبب تمنيهم كما خسف بقارون، وأصبحوا على يقين بأن الحياة متاع زائل وأن تقدير الرزق وبسطه على الناس من الله، وأن العاقبة المحمودة هي لمن لا يريد العلو في الأرض ولا الفساد. وأن ما عند الله من الثواب والنعمة هو خير لمن آمن به وعمل الصالحات وصبر على عبادته.
028.7.2.6- الآيات (83-88) يبين سبحانه أن تلك الدار الآخرة جعل الله نعيمها للذين يتقون الله ويعملون الخيرات ويجتنبون السيئات ولا يريدون تكبراً في الأرض ولا فساداً. كما جعل سبحانه الدنيا دار ابتلاء من جاء بالحسنة فيها فله خير منها أضعاف مضاعفة، ومن جاء بالسيئة فله مثلها.
القرآن هو كتاب هدى وبشرى ورحمة للمؤمنين، ختم سبحانه فيه هذه السورة ببشارة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالنعم التالية:
– يرده إلى مكة قاهرا لأعدائه، وقيل: هو بشارة له بالجنة والأول أصح.
– يريد ربه أن يرحمه ويرحم أمته فأنزل عليه القرآن يبين له الهدى من الضلال.
– ما كان يرجو أن ينزل عليه هذا القرآن، فأنزله ربه رحمة ونعمة حتى يعلم الأنباء والأخبار عن الماضي والحاضر والمستقبل، فلا يكونن عوناً للكافرين على دينهم.
– أنزلت إليه الآيات البينات. حتى لا يصرفنه عن تبليغ آيات الله وحججه بعد أن أنزلها إليك ربك هؤلاء المشركون.
– ألا يعبد مع الله الهاً آخر، لا إله إلا هو، كلّ شيء هالك إلا وجهه، له القضاء النافذ وإليه الرجعى والمعاد بعد الموت للحساب والجزاء.
028.7.3- سياق السورة باعتبار القصص الموجودة فيها:
مقصود السورة وموضوعاتها مذكورة في 12 آية من أصل 88 آية هي مجموع عدد آيات السورة. أما باقي السورة فهي عبارة عن أربعة قصص احتوتها 70 آية وبعض من آيات الله في الكون ونعمه على الناس في 6 آيات. كما يلي:
028.7.3.1- (الآيات 1-2، 58-61، 83-88) = 12 آية، تتحدث عن القرآن كتاب مبين في الأنباء عن إهلاك القرى التي بطرت معيشتها واغترت بنعمة الله عليها فكفروا وطغوا. وما كان الله ليهلك أهل قرية حتى يبعث رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته وما كان الله مهلكهم إلا وهم ظالمون لأنفسهم بكفرهم ومعصيتهم. كما تتحدث عن الدار الآخرة وأنها هي دار القرار الباقية أما الدنيا فهي متاع مؤقت. وقد أنزل الله القرآن فيه الهدى يأمر بعبادة الله وحده لا شريك له وعدم التكبر في الأرض ولا الإفساد فيها، وأن الناس مجازون على أعمالهم من أطاع فاز في الدارين ومن عصى هلك في الدارين.
028.7.3.2- في السورة أربعة قصص تبين تكريم الله للناس بإرسال الرسل والرسالات تنذرهم وتبشرهم وتريهم طريق الهدى والإيمان، لأن الله لا يحاسب أحداً حتى يبعث رسولاً يقيم عليهم الحجة. وتبين فيض نعيمه على عباده المؤمنين التي حصلت في الماضي والحاضر والمستقبل، فكل شيء عند الله في مقام الحاصل فهو لا يحكمه زمان ولا مكان وهو خالق الزمان والمكان. قصتان تتحدثان عن نعمة الله على بني إسرائيل وواحدة عن أمة محمد وواحدة عن تخاصم الناس يوم القيامة:
028.7.3.2.1- (الآيات 3-43) = 41 آية، (آيات بشارة) تتحدث عن نعمة الله على موسي عليه السلام وإخراج قومه من الذل والعبودية للعباد إلى الملك والعبودية لله.
هذه القصة هي آية بشارة ورحمة لمن يؤمن بالقرآن، تبين كيف يجازي الله العباد على أعمالهم في الدنيا فينعم على المحسنين ويهلك المفسدين. فهي تتحدث عن تكبّر فرعون وطغيانه بأن جعل الناس طوائف يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويفسد في الأرض. وأن الله يريد أن يهلك فرعون وأن يمنّ على هؤلاء المستضعفين ويجعلهم دعاة إلى الخير يقتدى بهم. وقد رأى فرعون رؤيا عبرها له أحد الكهنة بأن من هؤلاء المستضعفين سيولد مولود يكون سبب زوال ملكه، فأمر فرعون أن يذبح كل مولود يولد لبني إسرائيل تلك السنة.
وكان هذا المولود هو موسى عليه السلام، فألهم الله أمه حين ولدته أن ترضعه فإذا خافت عليه القتل أن تضعه في التابوت وتلقيه في نهر النيل، وطمأنها بأنه سيرده إليها وبشرها بأنه جاعله من المرسلين. فعثر عليه أعوان فرعون في النهر فأخذوه، وقالت امرأة فرعون لفرعون: هذا الطفل سيكون مصدر سرور لي ولك، لا تقتلوه؛ فقد نصيب منه خيراً أو نتخذه ولدا، وفرعون وآله لا يدركون أن هلاكهم على يديه. فتتبعت أخته أثره فأبصرته عن بُعْد، وقوم فرعون لا يعرفون أنها أخته، فدلّتهم على أمه كي ترضعه لهم فرده الله إلى أمه كي تقر عينها فوفى الله بوعده لها بأن أرجعه سالماً.
ولما بلغ موسى أشد قوته وتكامل عقله، آتاه الله حكماً وعلماً، وكذلك الله يجزي مَن أحسن مِن عباده. وقد أراد الله له أن يغادر تلك المدينة، فقدّر الله وحصل أن استغاث به رجلان يقتتلان، فضرب موسى أحدهما بجُمْع كفِّه فمات، فخرج من المدينة خائفاً على نفسه أن يقتله قوم فرعون، فقصد متوجها إلى مدين تاركاً سلطان فرعون وطالباً الهداية من الله. وهناك في مدين قابل شيخاً كبيراً لا يملك القوة على العمل فقص عليه قصته، قال الشيخ لموسى لا تخف واستأجره ثماني سنين في رعي ماشيته وله الخيار أن يكمل عشراً مقابل أنه يزوجه إحدى ابنتيه واتفقا على ذلك.
فلمّا وفّى موسى عليه السلام المدة عشر سنين، وهي أكمل المدتين، وسار بأهله إلى مصر أبصر من جانب الطور ناراً. فلما أتى موسى النار ناداه الله أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وأن ألق عصاك، فألقاها موسى، فصارت حية تسعى، وأدخل يدك في فتحة قميصك وأخرجها تخرج بيضاء كالثلج مِن غير مرض ولا برص، فهاتان الآيتان مِن تحوُّل العصا حية، وجَعْلِ يدك بيضاء، آيتان من ربك إلى فرعون وقومه، إنهم كانوا قوماً كافرين. قال موسى لربه إن أخي هارون هو أفصح مني نطقاً، فأرسله معي عوناً يصدقني، قال الله لموسى: سنقوِّيك بأخيك، أنتما ومَن آمن بكما المنتصرون على فرعون وقومه؛ بسبب آياتنا وما دلَّتْ عليه من الحق. فلما جاء موسى فرعون وملأه بالأدلة والآيات من عند الله، كذبوه وقالوا لموسى: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته كذباً وباطلا وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في أسلافنا الذين مضوا قبلنا. واستعلى فرعون وجنوده في أرض بغير الحق عن تصديق موسى واتِّباعه على ما دعاهم إليه، وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون. فأخذ الله فرعون وجنوده، فألقاهم جميعاً في البحر وأغرقهم، فكانت نهاية هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم، فكفروا بربهم وكذبوا رسوله، وهذا في المقابل يعني نعمة عظيمة على بني إسرائيل بأن أهلك الله عدوهم وجعل لهم موسى نبياً يهديهم إلى صراط الله المستقيم.
028.7.3.2.2- (الآيات 76-82) = 7 آية، تتحدث عن ملك قارون وهي قصّة تثبت تواصل وامتداد النعيم والكنوز في قوم موسى عليه السلام، وهي دليل على عظمة الملك الذي أوصل الله قوم موسى إليه (كذلك ذكر في سورة النمل امتداد وعظم ملك نبي الله سليمان عليه السلام وهو من بني إسرائيل أيضاً)، وفي القصة (إنذار) يصف زوال ملك قارون ذلك لأن قارون لم يشكر النعمة كما شكر سليمان عليه السلام وقد نسب الفضل لنفسه لا لله صاحب الحق المنعم الذي كنوزه لا نفاذ لها.
إن قارون كان من قوم موسى عليه الصلاة والسلام- فتجاوز حدَّه في الكِبْر والتجبر عليهم، ذلك لأن الله أعطاه من كنوز الأموال شيئاً عظيماً، حتى إنَّ مفاتحه لَيثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء، فلم يشكر الله ولم يعمل بها في طاعة الله وفي الإحسان إلى الناس بالصدقة كما أحسن الله إليه. بل بغي على قومه وأفسد، إن الله لا يحب المفسدين. فأخذ الله ما أعطى وخسف بقارون وبداره الأرض، فما كان له من جند ينصرونه، وصار الذين تمنوا حاله بالأمس يقولون معتبرين وخائفين: إن الله يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده، ويضيِّق على مَن يشاء منهم، إنه لا يفلح الكافرون، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
028.7.3.2.3- (الآيات 44-57) = 14 آية، تتحدث عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقد جاء أمته بنعمة عظيمة من عند الله وهي القرآن آية ومعجزة فيها خبر من قبلهم ومن بعدهم وهدى وبشرى ورحمة، يأمر بالحسنات وينهى عن السيئات يهديهم إلى الصراط المستقيم ويبين لهم أن الإنسان مبتلى في الدنيا وأنه محاسب على أعماله في الآخرة. وتتحدث عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى وعن قريش وما فعلوه من تكذيب أكثرهم وجحودهم بما جاءهم به القرآن مفصّلاً، ومتواصلاً بالوحي من قبله ونزوله أخيراً على خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم.
قصة موسى عليه السلام وفرعون يقصها الله على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم لمن يؤمن منهم بالقرآن، تماماً كما قص على قوم موسى في التوراة أخبار من أهلك من الأمم التي كانت من قبلهم فيها بصائر لبني إسرائيل، يبصرون بها ما ينفعهم وما يضرهم، وفيها رحمة لمن عمل بها منهم، لعلهم يتذكرون نِعَم الله عليهم، فيشكروه عليها، ولا يكفروه. كذلك على أهل مكة أن يتعظوا ويتبعوا الحق ويتركوا الأصنام، فقد جعلهم الله متمكنين في بلد آمن، وحرَّم على الناس سفك الدماء فيه، يُجلب إليه ثمرات كل شيء رزقاً مِن لدنه، ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون قَدْر هذه النعم عليهم، فيشكروا مَن أنعم بها عليهم ويطيعوه. إنك أيها الرسول لا تهدي مَن أحببت ولكن ذلك بيد الله يهدي مَن يشاء أن يهديه للإيمان، ويوفقه إليه، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه.
هذه الأنباء التي تطاول عليها الزمان ونسيتها الأمم التي جاءت بعد موسى، هي وحي من الله ورحمة على محمّد صلى الله عليه وسلم وشاهد على صدق رسالته، فهو لم يشهد أياً منها. لينذر قوماً لم يأتهم من نذير لعلهم يتذكرون الخير فيفعلوه، والشرَّ فيجتنبوه. كذلك لكيلا يكون للكفار عذر أن ينزل بهم عذاب بسبب كفرهم بربهم، فيقولوا: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من قبل، فنتبع آياتك المنزلة في كتابك، ونكون من المؤمنين بك. يخاطب سبحانه رسوله بأنه قد فصَّلنا وبيَّنا القرآن رحمة بقومك، لعلهم يتذكرون، فيتعظوا به. وأن الذين آتيناهم الكتاب من قبل القرآن يؤمنون به وبمحمد عليه الصلاة والسلام، هؤلاء يُؤتَوْن ثواب عملهم مرتين: على الإيمان بكتابهم، وعلى إيمانهم بالقرآن، ومن أوصافهم أنهم يدفعون السيئة بالحسنة، ومما رزقناهم ينفقون في سبيل الخير والبر.
028.7.3.2.4- (الآيات 62-67، 74-75) = 8 آيات، قصة تخاصمهم يوم القيامة:
ويوم ينادي الله عز وجل الذين أشركوا به الأولياء والأوثان في الدنيا، فيقول لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم لي شركاء؟ قال الذين حقَّ عليهم العذاب، وهم دعاة الكفر: ربنا هؤلاء الذين أضللنا، أضللناهم كما ضللنا، تبرأنا إليك مِن ولايتهم ونصرتهم، ما كانوا إيانا يعبدون، وإنما كانوا يعبدون الشياطين. وقيل للمشركين بالله يوم القيامة: ادعوا شركاءكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله، فدعوهم فلم يستجيبوا لهم، وعاينوا العذاب، لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين للحق لما عُذِّبوا. ويوم ينادي الله هؤلاء المشركين، فيقول: بأيِّ شيء أجبتم المرسلين فيما أرسلناهم به إليكم؟ فخفيت عليهم الحجج، فلم يَدْروا ما يحتجون به، فهم لا يسأل بعضهم بعضاً عما يحتجون به سؤال انتفاع. فأما من تاب من المشركين، وأخلص لله العبادة، وعمل بما أمره الله به ورسوله، فهو من الفائزين في الدارين.
028.7.3.3- آيات الله (الآيات 68-73) = 6 آيات
الله وحده سبحانه يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويصطفي لولايته مَن يشاء من خلقه، وليس لأحد من الأمر والاختيار شيء، تعالى وتنزَّه عن شركهم، يعلم ما تُخفي صدورهم وما يظهرونه. وهو الله الذي لا معبود بحق سواه، له الثناء الجميل والشكر في الدنيا والآخرة، وله الحكم بين خلقه، وإليه يُرَدُّون بعد مماتهم للحساب والجزاء. قل -أيها الرسول-: أخبروني -أيها الناس- إن جعل الله عليكم الليل دائماً إلى يوم القيامة، مَن إله غير الله يأتيكم بضياء تستضيئون به؟ أفلا تسمعون سماع فهم وقَبول؟ قل لهم: أخبروني إن جعل الله عليكم النهار دائماً إلى يوم القيامة، مَن إله غير الله يأتيكم بليل تستقرون وتهدؤون فيه؟ أفلا ترون بأبصاركم اختلاف الليل والنهار؟ ومن رحمته بكم -أيها الناس- أن جعل لكم الليل والنهار فخالف بينهما، فجعل هذا الليل ظلاماً؛ لتستقروا فيه وترتاح أبدانكم، وجعل لكم النهار ضياءً؛ لتطلبوا فيه معايشكم، ولتشكروا له على إنعامه عليكم بذلك.
028.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
028.7.4.1- آيات القصص: (3-59، 76-82) = 64 آية.
028.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (62-67، 74، 75) = 8 آيات.
028.7.4.3- الأمثال في الآيات: (71، 72) = 2 آية.
028.7.4.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (68-70، 73) = 4 آيات.
028.7.4.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1، 2، 60، 61، 83-88) = 10 آيات.
028.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
028.8.0- استهلّت السور الأربعة المتتالية: الفرقان والشعراء والنمل والقصص بالحديث عن القرآن وصفاته ووظيفته بين الناس: فهو يفرق بين الحق والباطل في الفرقان، ويبين لهم آياته في الشعراء، والبشرى بالهدى وآيات العزّة الرحمة في النمل، ثم أنباء رعاية الله لأوليائه في سورة القصص، كما يلي: بينت سورة الفرقان أن القرآن ما نزل إلا للتفرقة بين الهدى والضلال وتمييز الحق من الباطل فكان بذلك حجّة وإنذاراً للمكذبين بلزوم الجزاء على أفعالهم. وفي الشعراء تصف الكتاب بالمبين أي الواضح في نفسه وأنه من عند الله، وأنه معجز، وأنه فرقان، وأن فيه أدلة الإيمان وآياته، وهو بذلك مناف لكلام الشياطين وأقوال الشعراء الذين تجمعهما صفات الكذب والغواية وأقوالهم المخالفة لأفعالهم، فيكون بذلك إنذاراً وتهديداً لمن لم يؤمن بالهلاك والعذاب. وفي سورة النمل تصف الكتاب بالكفاية لهداية الخلق أجمعين كما هدى النمل إلى حسن التدبير، وسداد المذهب في العيش، وهو من الله العليم الحكيم هدى وبشرى ورحمة لمن يؤمن به، أما من لم يؤمن فلا ينتفع بما فيه من الهدى والبشرى والرحمة لامتناعه عن إدراك معانيه وبالتالي تطبيقاته الموصلة إلى الفلاح والسعادة في الدارين. وفي سورة القصص هو كتاب مبين كاشف موضّح ومظهر بالقصص والآيات سنن الله في تمكين المؤمنين المستضعفين وإهلاك المفسدين المستكبرين، وأن الإيمان بالله والعمل الصالح يجلب الرزق والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن الكفر والإفساد هو سبب الشقاء والهلاك في الدارين.
وتتشابه وتتناظر مقاصد السور الأربعة الفرقان والشعراء والنمل والقصص، مع موضوعات سورة المائدة الأربعة التي تتحدث عن كمال الدين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (3)}. ففي الفرقان: تبارك عطاء الله، الذي نزّل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وأرسل رسوله مبشراً ونذيراً، وفي الشعراء: جاء القرآن بالبينات لكن أكثر الناس لا يؤمنون، فيعاقب المكذبين ويرعى الله المؤمنين، وفي النمل: بيان أن الكتاب مبين لكل الناس، ويخص المؤمنين بالهدى والبشرى والرحمة، لإدراكهم معانيه وآياته وانتفاعهم بها، وفي القصص: الإيمان بالله وحده هو مفتاح الأمان والتمكين للإنسان وهو مصدر كلّ خير، وأن العاقبة للمتقين؛ بما يتناسب مع موضوعات المائدة الأربعة ومرتبة كترتيبها، وهي: الأمر بالوفاء بالعقود والالتزام بالميثاق، ثمّ قصص أهل الكتاب وتحريفهم لدينهم وإخفائهم ما في كتبهم، ثمّ بيان الحلال والحرام وما بقي من العقود، ثمّ وقوف النصارى يوم القيامة أمام الله وأمام نبيّهم للحساب وربهم سبحانه يذكّرهم بنعمه عليهم وعلى رسوله عيسى عليه السلام.
ولمّا تشابهت هذه السور الأربعة وتناظرت مع موضوعات سورة المائدة بالحديث عن كمال الدين، يكون بذلك قد اكتمل تشابه مطالع نصفيّ القرآن حول بيان طريق الهدى كما يلي: ابتدأ النصف الثاني من القرآن بثلاث سور هي مريم وطه والأنبياء ركّزت على إظهار رحمة الله بالناس مقابل إظهار رحمته في الفاتحة، ثمّ ثنّى في الحج بدعوة الناس إلى الإسلام بقوله تعالى: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ (1)} في مقابل ما ثنّى به في البقرة بِ{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}، ثمّ المؤمنون تتشابه مع آل عمران في اصطفاء الله للمرسلين وعباده المؤمنين، ثمّ النور تتشابه مع النساء من حيث تضمّنهما أعمال المحسنين، وبهذا تتناظر مقاصد مطلعي نصفي القرآن حول بيان: أن رحمة الله هي إسلام ثم ّ إيمان ثمّ إحسان ثمّ كمال الدين بالوفاء بالعقود وبالتخلّق بأخلاق القرآن.
028.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: يظهر أنه سبحانه لما حكى في الشعراء قول فرعون لموسى {أَلم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عُمرِكَ سنينَ وفعلتَ فِعلتَكَ التي فعلت} إلى قول موسى {ففررتُ مِنكُم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المُرسلين} وقال في طس النمل قول موسى لأهله: {إِني آنست ناراً} إلى آخره، الذي هو في الوقوع بعد الفرار ولما كان على سبيل الإشارة والإجمال. بسط في هذه السورة ما أوجزه في السورتين وفصل ما أجمله فيهما على حسب ترتيبهما:
فبدأ بشرح تربية فرعون له مصدراً بسبب ذلك: من علو فرعون وذبح أبناء بني إسرائيل الموجب لإلقاء موسى عند ولادته في اليم خوفاً عليه من الذبح وبسط القصة في تربيته وما وقع فيها، إلى كبره، إلى السبب الذي من أجله قتل القبطي وهي الفعلة التي فعل، إلى الهم بذلك عليه والموجب لفراره إلى مدين، إلى ما وقع له مع شعيب وتزوجه بابنته، إلى أن سار بأهله وآنس من جانب الطور ناراً فقال لأهله: {امكثوا إِني آنست ناراً}، إلى ما وقع له فيها من المناجاة لربه وبعثه إياه رسولاً، وما استتبع ذلك إلى آخر القصة فكانت السورة شارحة لما أجمل في السورتين معاً على الترتيب وبذلك عرف وجه الحكمة في تقديم {طس} النمل على القصص وتأخيرها عن الشعراء.
028.8.2- تناسب سورة المؤمنون والنور والفرقان والشعراء والنمل والقصص والعنكبوت:
سورة المؤمنون: بيان صفات المؤمنون المفلحون وأعمالهم التي تدل عليهم، وهي عبادة الله وطاعته كما أمر. وبيان أن الله خلق الكون وسخره لخدمته الله للإنسان وتحقيق مصالحه وإعانته على العبادة. وأرسل المرسلين يدعون إلى الإيمان ومعهم الآيات التي تبين الصراط المستقيم.
سورة النور: دين الله نور: لقد علمنا من سورة النور: أنّ دين الله بشرائعه وأحكامه وآدابه ما هو إلا فيض من نور الله الذي أشرقت به السماوات والأرض والنفوس والقلوب والأرواح {الله نور السماوات والأرض (35)}. تسموا بنوره مكارم الأخلاق فتجعل المجتمع المؤمن نزيهاً شريفاً وطاهراً. وذلك لإذعانه لقضاء الله وطاعته لسننه وانسجامه مع الكون الذي يستمدّ وجوده من النور الكلّي الإلهي الشامل.
سورة الفرقان: الناس يكذبون بالدّين: على الرغم من الآيات المبينات والنور المبهر والحق المنير، فإن الناس تكذب بالآيات وتهزأ بالرسل وما أُرسلوا به من الحق وتجعل مع الله الشركاء، فقد أنساهم الشيطان بأن لديهم مهمّة في هذه الحياة، وبأنهم مسئولون أمام الله: ها هم متمتعين بحياتهم يهزأون من دين الله والهدى، فما حاجتهم إلى الذكر. تأتي سورة الفرقان تعرفهم خطورة التكذيب وضرره على الناس وعلى الكون. فيعرفهم الله سبحانه، مرّة تلو الأخرى، على دينه الحق وعلى أنبياءه وعلى نفسه، من صفات عباده الذين يتبعون هديه المفصّلة في هذه السور الثلاث، المؤمنون والنور والفرقان: أي صفات المؤمنون وهي الصفات المذكورة في الآيات (63-77) من سورة الفرقان التي جاءت لتكمل صفات الإيمان في الآيات (1-9) من سورة المؤمنون وصفات النزاهة والشرف والطهارة الموجودة في سورة النور.
سورة الشعراء: تقرير بطش العزيز بالمكذبين وعقابه لهم، ورحمته وتنجيته للمؤمنين: كم هو رحيم سبحانه بعباده فيرسل لهم بالكتب وبالرسل وبالآيات المبيّنات تبشّر المؤمنين بالخير وبنور الإيمان والعبادة. وتنذر المكذبين بالعقاب وبظلمات كالبحر اللجّي {إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور (40)} النور. في سورة الشعراء تكررت هاتين الآيتين ثماني مرّات {إن في ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربّك لهو العزيز الرحيم}. إن من طبيعة الناس أن أكثرهم لا يؤمنون وحتى مع وجود الآيات والإنذارات والعذاب. فتبين السورة عاقبة هؤلاء المكذبين، بإظهار البطش والنقمة منهم، ورعاية الله لدعوته والمؤمنين بها ولو كانوا مجردين من القوة. وجاءت المقاطع المعروضة في السورة من قصص الأنبياء مع أممهم لتوضيح قضيّة الرسالة والتكذيب وما كان من عقاب الله للمكذبين وتنجيته للمؤمنين.
سورة النمل: تبيّن عظيم حكمة الله بإنزال الكتاب {هدى وبشرى للمؤمنين}، مع علمه سبحانه بتكذيب الناس بالآيات وإنكارهم للمعجزات: يريد سبحانه وتعالى إيصال رحمته للإنسان، بإيصال الهدى والنور والخير له. مع علمه تعالى بتكذيب الناس بالآيات وبالمعجزات، إلا أن حكمته سبحانه اقتضت مواجهتهم بالبينات حتى يعرفونها {سيريكم آياته فتعرفونها (93)}. فهو خالق مقادير الأشياء، وسنن الكون وأسبابه، وهو قادر على إفهام الناس الغافلين لسننه وأسبابه في الكون. بينت سورة النمل وهي تشير إلى الكتاب المبين: أن الذين يتبعون الهدى وينسجمون مع حقيقة الوجود هم فقط من يستحق الرحمة والبشارة المبيّنة في القرآن، أمّا من لا يؤمن فقد عميت بصيرته في الدنيا وخسر الآخرة. وضربت على ذلك مثلاً ما للنمل من حسن التدبير، وسداد المذاهب في العيش وذلك باتباعها لهدي ربها بالعمل الدؤوب في تنفيذه. وأن وعلى الإنسان أن يتعلّم من النمل كيف يعمل الخير لجماعته. يستطيع الله سبحانه ان يهدي الإنسان كما هدى النمل، لكن ترك له الخيار.
سورة القصص: تبيّن السورة بالأمثلة الحقيقيّة، قصّة الإنسان وإفساده في الأرض: أي اجتراءه على حق الله وحقوق اخوته في البشريّة، وذلك بسبب تكبره وغروره وبغيه. ثمّ تدخّل إرادة الله وسنّته في نصر المستضعفين وتمكينهم في الأرض. الله خلق الإنسان ليكرمه وليستخلفه في الأرض ويمتعه لأجل محدد ثم يبعث إلى حياة خالدة يوم القيامة. ومن شروط الاستخلاف الإيمان والعمل الصالح، ومن أسباب سحب الخلافة العلو والاستكبار والإفساد في الأرض.
سورة العنكبوت: في الفتنة: أي أن بعض الناس يتخذون أولياء غير الله طلباً للرزق أو الأمن إلخ. وتأتي فتنة الله ليعلم الصادق من الكاذب {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين (3)}، وليعلم المؤمن من المنافق {وليعلمنّ الله الذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين (11)}. بتركيز السورة على الفتن فهي تسعى إلى تثبيت المؤمنين الذين سبق ذكر صفاتهم في السور الثلاثة المؤمنون والنور والفرقان. وإلى الحث على الصبر على الإيمان والاجتهاد والعمل الصالح. وعدم الإفساد في الأرض وعدم الإشراك بالله، أو اتخاذ غير الله أولياء {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون}. فاتخاذ الأولياء من دون الله تمثّل علاقة واهية كالعلاقات الأسرية والاجتماعيّة داخل بيت العنكبوت حين يأكل بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً. وهذا على النقيض مما عليه علاقات مجتمع النمل القائم على العمل بالأسباب وحسن التدبير واتباع هدى الله وسننه في المعاش.
028.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمن قوله سبحانه {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها (91)} النمل – إلى آخر السورة من التخويف والترهيب والإنذار والتهديد لما انجرّ معه الإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام سيملك مكة البلدة ويفتحها الله تعالى عليه، ويذل عتاة قريش ومتمرديهم، ويعز أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن استضعفته قريش من المؤمنين، اتبع سبحانه ذلك بما قصه على نبيه من تطهير ما أشار إليه من قصة بني إسرائيل وابتداء امتحانهم بفرعون، واستيلائه عليهم، وفتكه بهم إلى أن أعزهم الله وأظهرهم على عدوهم، وأورثهم أرضهم وديارهم، ولهذا أشار تعالى في كلا القصتين بقوله في الأولى {سيريكم آياته فتعرفونها (93)} النمل، وفي الثانية بقوله: {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون (6)} ثم قص ابتداء أمر فرعون وحذره واستعصامه بقتل ذكور الأولاد ثم لم يغن ذلك عنه من قدر الله شيئاً، ففي حاله عبرة لمن وفق للاعتبار، ودليل على أنه سبحانه المتفرد بملكه، يؤتي ملكه من يشاء، وينزعه ممن يشاء، لا يزعه وازع، ولا يمنعه عما يشاء مانع، {قل الله مالك الملك (26)} آل عمران، وقد أفصح قوله تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض (55)} النور – الآية بما أشار إليه مجمل ما أوضحنا اتصاله من خاتمة النمل وفاتحة القصص، ونحن نزيده بياناً بذكر لمع من تفسير ما قصد التحامه فنقول: إن قوله تعالى معلماً لنبيه صلى الله عليه وسلم وآمراً {إنما أمرت أن أعبد (91)} إلى قوله: {سيريكم آياته (93)} لا خفاء بما تضمن ذلك من التهديد، وشديد الوعيد، ثم في قوله: {رب هذه البلدة (91)} إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام سيفتحها ويملكها، لأنه بلد ربه وملكه، وهو عبده ورسوله، وقد اختصه برسالته، وله كل شيء، فالعباد والبلاد ملكه، ففي هذا من الإشارة مثل ما في قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد (85)} وقوله تعالى: {وأن أتلو القرآن (92)} أي ليسمعوه فيتذكروا ويتذكر من سبقت له السعادة، ويلحظ سنة الله في العباد والبلاد، ويسمع ما جرى لمن عاند وعنى وكذب واستكبر، فكيف وقصه الله وأخذه ولم يغن عنه حذره، وأورث مستضعف عباده أرضه ودياره، ومكن لهم في الأرض وأعز رسله وأتباعهم {نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون (2)} أي يصدقون ويعتبرون ويستدلون ويستوضحون، وقوله: {سيريكم آياته (93)} يشير إلى ما حل بهم يوم بدر، وبعد ذلك إلى يوم فتح مكة، وإذعان من لم يكن يظن انقياده، وإهلاك من طال تمرده وعناده، وانقياد العرب بجملتها بعد فتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجاً، وعزة أقوام وذلة آخرين، بحاكم {إن أكرمكم عند الله أتقاكم (13)} الحجرات، إلى أن فتح الله على الصحابة رضوان الله عليهم ما وعدهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم، فكان كما وعد، فلما تضمنت هذه الآية ما أشير إليه، أعقب بما هو في قوة أن لو قيل: ليس عتوكم بأعظم من عتو فرعون وآله، ولا حال مستضعفي المؤمنين بمكة ممن قصدتم فتنته في دينه بدون حال بني إسرائيل حين كان فرعون يمتحنهم بذبح أبنائهم. فهلا تأملتم عاقبة الفريقين، وسلكتم أنهج الطريقين؟ {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم (82)} غافر – إلى قوله: {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون (82)} فلو تأملتم ذلك لعلمتم أن العاقبة للتقوى، فقال سبحانه بعد افتتاح السورة إن فرعون علا في الأرض، ثم ذكر من خبره ما فيه عبرة، وذكر سبحانه آياته الباهرة في أمر موسى عليه السلام وحفظه ورعايته وأخذ أم عدوه إياه {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً (9)} فلم يزل يذبح الأبناء خيفة من مولود يهتك ملكه حتى إذا كان ذلك المولود تولي بنفسه تربيته وحفظه وخدمته ليعلم لمن التدبير والإمضاء، وكيف نفوذ سابق الحكم والقضاء، فهلا سألت قريش وسمعت وفكرت واعتبرت {أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى (133)} طه، ثم أتبع سبحانه ذلك بخروج موسى عليه السلام من أرضه فخرج منها خائفاً يترقب، وما ناله عليه السلام في ذلك الخروج من عظيم السعادة، وفي ذلك منبهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على خروجه من مكة وتعزية له وإعلام بأنه تعالى سيعيده إلى بلده ويفتحه عليه، وبهذا المستشعر من هنا صرح آخر السورة في قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد (85)} وهذا كاف فيما قصد – انتهى.