العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
086.0 سورة الطارق
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
086.1 التعريف بالسورة:
1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 17 آية. 4) السادسة والثمانون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والسادسة والثلاثون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “البلد”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: لم يذكر في السورة لفظ الجلالة {الله}؛ لقادر 1 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الطارق 2 مرة؛ (1 مرّة): دافق، الصلب، الترائب، الهزل.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: أمهلهم 2 مرّة.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: كيداً 4 مرّات؛ (2 مرّة): السماء، خلق، الرجع؛ (1 مرّة): النجم، الثاقب، نفس، حافظ، السرائر، الأرض، الصدع.
086.2 فضائلها و ما ورد عنها من الأثر:
086.3 وقت ومناسبة نزولها:
أسلوب وموضوع السورة يشبه تلك السور التي أنزلت في بداية العهد المكي، وتشير إلى أنها نزلت في المرحلة التي كان فيها كفار مكّة يستخدمون كل إمكانياتهم ومخططاتهم لمنع وإيقاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلّم ورسالة القرآن. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
086.4 مقصد السورة:
086.4.1- التأكيد على أن ما كل نفس إلا أوكل بها مَلائكة تراقبها وتحفظها وتحفظ عليها أعمالها لتحاسب عليها يوم القيامة.
086.4.2- ومقصدها نجده في الآية {إن كلّ نفس لما عليها حافظ (4)}، ولمزيد من التفصيل عن المقصد: أن كل نفس لما عليها حافظ يحفظها من أمر الله ويحفظ عليها أعمالها. ولأجل تمام حفظها بعد أن أعطاها حرّية الإرادة، جعل الثواب والعقاب ليمنعها من الزلل ويحفظها بتصحيح أعمالها. كل المخلوقات راضية بتدبير الله شؤونها سعيدة بذلك، ولأن الإنسان منح حرية الإرادة والعبادة والطاعة أنزل الله عليه كتابه الفصل فيه بيان الحق من الباطل، لكي ليسعد إذا أراد: بمعرفة ربه وعبادته كباقي المخلوقات (انظر كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: 7.3.2- خلق الله الإنسان لكي يكرمه ويسعده في الدنيا والآخرة، بالعلم والمعرفة والعبادة).
086.4.3- وقال الإمام البقاعي: مقصودها بيان مجد القرآن في صدقه في الإخبار بتنعيم أهل الإيمان، وتعذيب أهل الكفران، في يوم القيامة حين تبلى السرائر وتكشف المخبات الضمائر عن مثقال الذر وما دون المثقال، مما دونته الحفظة الكرام في صحائف الأعمال، بعد استيفاء الآجال، كما قدر في أزل الآزال، من غير استعجال، ولا تأخير عن الوقت المضروب ولا إهمال، واسمها الطارق أدل ما فيها على هذا الموعود الصادق بتأمل القسم والمقسم عليه حسب ما اتَّسَقَ الكلام إليه.
086.5 ملخص موضوع السورة:
نزلت في بداية العهد المكي، ومقصدها أن كلّ نفس عليها حافظ من ربّها، يحفظها ويحفظ عملها، ويُحصي عليها ما تكسب من خير أو شرّ. وتضمّنت خمس مجموعات من الآيات بعدد أركان الإسلام الخمسة، في مقطعين: الأول عن التعريف بحفظ الله لكلّ شيء وأنهم إليه راجعون، والثاني عن حفظ الناس بالقرآن. وقد استهلّ المقطع الأوّل (4 آيات) بالقسم بالسماء ذات النجم الثاقب، على أن كل نفس عليها حافظ، ثم (3 آيات) يقيم على الإنسان الدليل من مبتدأ خلقه من ماء دافق يخرج يسعى في ملك الله وحفظه، ثم (3 آيات) بأن الذي خلقه وحفظه قادر على رجعه ليحاسبه ويجازيه بعمله وسرائره؛ واستهلّ المقطع الثاني (4 آيات) بالقسم بالسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع على أن ما جاء في السورة (والقرآن) هو القول الفصل وليس بالهزل، ثم (3 آيات) بأنّهم يكيدون كيداً لكنّ كيد الله أعظم، فأمهلهم قليلاً حتى يروا ذلك بأنفسهم، كما يلي:
المقطع الأول (عن حفظ الله): استهلّ (الآيات 1-4) بالقسم بالسماء والطارق وهو النجم الذي يطرق ليلاً والذي يثقب نوره السماوات فينفذ حتى يرى في الأرض، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} يحفظها ويحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيّئة وستجازى بعملها المحفوظ عليها، ثمّ (الآيات 5-7) يجب على الإنسان أن يتفكّر في مبتدأ خلقه وتولّده من ماء بسيط إلى تركيبات معقّدة حتى صار إنساناً سويّاً قادراً، ثمّ (الآيات 8-10) ليعلم أن الذي خلقه ابتداءً قادر على رجعه يوم القيامة، يوم تختبر سرائر القلوب ويظهر ما كان فيها من نوايا الخير والشر وغيرها، فما للإنسان من قوّة يمتنع بها عن الحساب على أعماله ولا ناصر ينصره.
المقطع الثاني (عن قولِ القرآن): استهلّ (الآيات 11-14) بالقسم بالسماء التي ترجع بالمطر وتنصدع الأرض للنبات فيعيش بذلك الآدميّون والبهائم، وترجع السماء أيضاً بالأقدار والشؤون الإلهية وتنصدع الأرض عن الأموات وغيرها {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)} أي ما أخبرت به السورة (والقرآن) من القدرة على إحيائهم وحسابهم هو حق وصدق وليس بالهزل، ثمّ (الآيات 15-17) إنهم يكيدون لمنع الحق أو إيقافه ولن يستطيعوا، لأن لله كيد أعظم فأمهلهم قليلاً حتى يروا ذلك بأنفسهم.
ولمّا كان مقصدها التأكيد على أن نوايا الإنسان وأعماله وأقواله وأفعاله محفوظة لتجلب عليه يوم القيامة للحساب، وتأكيد أن القرآن يفصل بين الحق والباطل، ويكلّم الناس بالجد وهم يهزلون ويمكرون، فأمهلهم قليلاً. وهي أكثر سورة تكرر فيها إمهال الكافرين (2) مرّتين، وهذا وعيد ختمت به بعد أن عرّفت: أن الله يحفظ الكون بسماواته ونجومه وأرضه، ويحفظ العوالم كلها بما فيها الإنسان المتولّد من مادّة بسيطة صارت إنساناً قادراً، وفق سنن وقوانين ثابته لا يستطيع مخلوق الخروج عنها، ووفق أسباب وموازين دقيقة تزن مثقال الذرّة وما دونها وتحاسب عليها.
وهي السورة الأخيرة من سبع سور متتالية ومتناسبة من عبس إلى الطارق، تكمل بعضها بعضاً في اللّوم والعتب على الذين {يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)} بعقولهم وقلوبهم وأعمالهم لمنع الحق ولا يتّبعون القول الفصل (القرآن) الذي فيه فلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ففي سورة عبس: ساوَت في الخطاب والتذكرة بين جميع الناس، والتكوير: خاطبت العقول، والانفطار: القلوب، والمطففين: الأعمال، وفي الانشقاق: تحكيم العقل ليختار الكدح والسعي الصالح، والبروج: محبّة واختيار نعيم الآخرة الدائم على الدنيا الفانية، والطارق: إمهال الله لهم ليرجعوا إليه بالأعمال فيحاسبهم. ثمّ أعقبتها مجموعة من اثنتا عشرة (12) سورة متتالية ومتناسبة من الأعلى إلى البيّنة، تكمل بعضها بعضاً في أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته (فرد وجماعة) وبما يحقق له السعادة والفوز في الدنيا والآخرة، وذلك بذكر الله وطاعته واتباع رسوله والعمل بكتابه من العبادات والعمل الصالح، والقيام بواجبات الدين من إنفاق وإطعام ومكابدة الهوى وبتزكية النفس وطلب العلم.
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلّمنا ما ينفعنا وزدنا علماً، وتوفّنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.
086.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
مقصد السورة هو التأكيد على أن ما كل نفس إلا أوكل بها مَلائكة تراقبها وتحفظها وتحفظ عليها أعمالها لتحاسب عليها يوم القيامة، ولهذا احتوت على موضوعين: الأول هو أن الإنسان سيرجع إلى ربه بعد الموت، وقد أقسمت وأقامت البرهان والدليل القاطع على قدرة الله جل وعلا على إمكان البعث فإن الذي خلق الإنسان من العدم قادر على إعادته بعد موته. الثاني أن القرآن هو الحق وأن كيد الكافرين لن يستطيع منعه أو ايقافه، فهو قول فصل وليس بالهزل يبلغهم بأن هناك نظام دقيق وحفظة، وليس فوضى أو هزل:
086.6.1- الآيات (1-4) المقصد: يقسم تعالى بالسماء، والطارق وهو النجم الذي يطرق ليلاً والذي يثقب نوره السماوات فينفذ حتى يرى في الأرض، {إن كلّ نفس لما عليها حافظ (4)} يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيّئة وستجازى بعملها المحفوظ عليها.
086.6.2- الآيات (5-10) وهذا يوجب على الإنسان أن يتفكّر في مبتدأ خلقه ليعلم قدرة الله على ما هو دون ذلك من البعث. يوم عرض الأعمال ونشر الصحف، وتختبر سرائر القلوب من العقائد والنيّات وغيرها، فما للإنسان من قوّة يمتنع بها عن عذاب الله ولا ناصر ينصره مما نزل به.
086.6.3- الآيات (11-17) يقسم تعالى بالسماء التي ترجع بالمطر وتنصدع الأرض للنبات فيعيش بذلك الآدميّون والبهائم، وترجع السماء أيضاً بالأقدار والشئون الإلهية وتنصدع الأرض عن الأموات وغيرها، {إنه لقول فصل (13)} أي القرآن حق وصدق بين واضح وهو جدّ وليس بالهزل. وأن كيد الكافرين لن يستطيع منعه أو ايقافه، لأن لله كيد أعظم فأمهلهم قليلاً حتى يروا ذلك بأنفسهم.
086.7 الشكل العام وسياق السورة:
086.7.1- إسم السورة “الطارق” وهو النجم الذي يطرق بالليل ويختفي بالنهار وما يأتي ليلاً فهو طارق. وقيل هو الذي ترمى به الشياطين. وأصل الطروق الدق فسمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه في الوصول إلى الدق. وهو نجم من نجوم السماء من صفاته أيضاً أنه ثاقب يثقب الظلام بضوئه. هذا الطارق يشبه أو إشارة للأشياء الطوارق والثواقب في السورة أي الملائكة الحافظة، الماء الدافق، اختبار السرائر، رجوع المطر والأقدار من السماء، وصدع الأرض للنبات والأموات.
086.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:
الله خلق الأنفس وهو يحفظها، ويحفظ عليها أعمالها. ولأجل حفظها من الزلل أنزل القرآن (كلام الله) به توزن الأعمال ويفصل بين الحق والباطل، وهو ليس هزل.
086.7.2.1- الآيات (1-4) ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالسماء ذات الكواكب الساطعة، وما أدراك ما عظم هذه الكواكب، التي تطلع ليلا لتضيء للناس وتهديهم سبلهم، على أن كل إنسان، قد وكل به من يحرسه، ويتعهد أمره من الملائكة الأبرار.
086.7.2.2- الآيات (5-10) الدليل والبرهان على قدرة رب العالمين، على إعادة الإنسان بعد فنائه. وهو أن إعادة خلقه ليست أصعب من خلقه أولاً من ماء يخرج من بين صلب الرجل وصدر المرأة. إن الذي خلق الإنسان من هذا الماء لَقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت. في ذلك اليوم تكشف الأستار ويبدأ الحساب، حيث لا قوة للإنسان يدفع بها عن نفسه، ولا نصير يمنع عنه الحساب والجزاء.
086.7.2.3- الآيات (11-17) يقسم تعالى بالسماء ذات المطر المتكرر، والأرض ذات التشقق بما يتخللها من نبات، إن القرآن لقول فصل بَيْنَ الحق والباطل، وما هو بالهزل. وإن المكذبين يكيدون ليدفعوا بكيدهم الحق، وأن الله يكيد كيداً لإظهار الحق، فأمهلهم قليلا ولا تستعجل لهم، وسترى ما يحلُّ بهم من العذاب والنكال والعقوبة والهلاك.
086.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:
مقصدها التأكيد على أن الله هو يحفظ الناس بعد أن خلقهم، ثم يرجعهم إليه يوم القيامة ويجازيهم بما ابتلاهم به من بالأعمال. يرجعهم يوم تبلى السرائر، كما ترجع السماء الأشياء كالماء والضوء والصوت، لينالوا جزاء أعمالهم. ولأجل تأكيد هذا المقصد أقسم جل جلاله قَسَمين بمخلوقات الله العظيمة وأمر بالتفكّر بها فهي الدليل على حقيقة حفظه وصدق قوله، كما يلي:
086.7.3.1- الآيات (1-10) التأكيد على أن الله هو يحفظ الناس بعد أن خلقهم ثم يرجعهم إليه يوم القيامة ويجازيهم بما ابتلاهم به من بالأعمال. لأنه إذا علم الإنسان أن الله يحفظه ويحفظ أعماله ويجازيه عليها في الدنيا والأخرة، فسوف يستقيم، ويقبل على الله عزَّ وجلَّ، فيسعد بقربه وبعبادته، وإذا كذّب الإنسان انحرف وفسد وخسر الدنيا والآخرة. لأن الله خلق الكون بميزان دقيق قائم على سنن وقوانين تجري بالأسباب، من التزم بها فاز ومن خالفها خسر. وقد أكدت السورة أن الله حافظ بطريقتين:
086.7.3.1.1- أقسم الله سبحانه بالسماء والنجم العظيم الذي يطرق ليلاً، بأن ما كل نفس إلا عليها حافظ.
086.7.3.1.2- الأمر بالتفكر وتدبر أصل خلق الإنسان وفيه البرهان على أن الله يحفظ النفس كما (سبق وأن) حفظها وهي نطفة. فلينظر الإنسان مم خلق: ليس نظر رؤية ولكن نظر تفكُّر، فالعين هذه لا ترى مم خُلق، ولكن الفكر يرى كيف حفظ الله الماء الدافق بين الصلب والترائب ثم صار إنساناً عاقلاً يصنع ويخترع ويتحكم في المخلوقات ويصنع امبراطوريات. والفكر يرى ما الذي يحفظ كل ذرة من ذرات الكون وكل خلية، وأن الحافظ قادر على إرجاع الناس وكشف خبايا أنفسهم فيحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم.
086.7.3.2- الآيات (11-17) التأكيد على أن هذا القول الفصل في القرآن جد وليس بالهزل، وعلى قدرته تعالى على أن يرجعهم يوم تبلى السرائر للجزاء، فيفصل بين الحق والباطل، بطريقتين:
086.7.3.2.1- أقسم الله سبحانه على ذلك بعظيم وعجيب خلقه المعجز: بالسماء التي ترجع الأشياء (كالماء والضوء والصوت والحرارة والغازات وغيره)، وبالأرض التي تنشق (فيخرج منها النباتات والمخلوقات والبراكين والمعادن والكنوز وغيره).
086.7.3.2.2- التنبيه إلى التفكر بصفة السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، وأن هذا الذي تفعله السماء بإرجاعها، والأرض بصدعها، هو حق جعله خالق السنن والقوانين ومسبب الأسباب، من أجل مصلحة الناس وسعادتهم، وكذلك إن القرآن لقول فصل بَيْنَ الحق والباطل، وما هو بالهزل.
إن المكذبين يكيدون ليدفعوا بكيدهم الحق ويؤيدوا الباطل، والله تعالى، يكيد كيداً لإظهار الحق، فأنظرهم قليلا ولا تستعجل لهم، وسترى ما يحلُّ بهم من الشقاء والهلاك والعذاب.
086.7.4- الله يحفظ الناس بالقرآن (القول الفصل):
القرآن (كلام الله) يفصل بين الحق والباطل وليس هزل: لن تجد أعظم من كلمة فصل لتعبر عن هذا الأمر الذي نحن فيه. فهو ليس هزل ولا صدفة. بل سنن وقوانين وموازين دقيقة تتعامل مع مثاقيل الذر. خلق الله الكرة الأرضية بعظمتها بالنسبة للناس، لكن صغيرة بحجم الذرّة إذا ما قيست مقارنة بهذا النظام الهائل في الكون العظيم، تكاد لا ترى ولا لها تأثير. يعني مهما أفسد الناس في الأرض، وكادُوا، فسيكون إفسادهم وكيدهم محصور في الأرض، فلن يتأثر الكون بهم.
لو أن الله جعل للناس أحجام كبيرة كالنجوم التي في السماء، وطاقات هائلة وجوارح قوية وتركهم على حريتهم كما هم الآن طليقي الإرادة، فستفسد السماوات والأرض من فورها، ولأهلك بعضهم بعضاً وانقرضوا في أسرع وقت. والدليل هو ما نراه أمامنا من الحروب التي لا تنتهي، ونرى كيف يفني الإنسان الأخضر واليابس بإمكانياته المحدودة. لذلك في هذه الأرض الصغيرة أنزل الله القرآن، فيه هدى، يحفظها بمن فيها، الله يمهل الجبابرة المفسدين ولكن لا يهملهم، بل يهلكهم رحمة بالمستضعفين وليعود الصلاح إلى الأرض، فلو عاش الطغاة آلاف السنين، أو ألف سنة كما عاش نوح عليه السلام فلربما انتهت الحياة من على الأرض منذ زمن بعيد.
086.7.5- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
086.7.5.1- قصص يوم القيامة في الآيات: (8-10) = 3 آيات.
086.7.5.2- آيات الله في السماوات والأرض: (1-7، 11، 12) = 9 آيات.
086.7.5.3- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (13-17) = 5 آيات.
086.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
086.8.0- وهي السورة الأخيرة من سبع سور متتالية ومتناسبة من عبس إلى الطارق، تكمل بعضها بعضاً في اللّوم والعتب على الذين {يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)} بعقولهم وقلوبهم وأعمالهم لمنع الحق ولا يتّبعون القول الفصل (القرآن) الذي فيه فلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ففي سورة عبس: ساوَت في الخطاب والتذكرة بين جميع الناس، والتكوير: خاطبت العقول، والانفطار: القلوب، والمطففين: الأعمال، وفي الانشقاق: تحكيم العقل ليختار الكدح والسعي الصالح، والبروج: محبّة واختيار نعيم الآخرة الدائم على الدنيا الفانية، والطارق: إمهال الله لهم ليرجعوا إليه بالأعمال فيحاسبهم. ثمّ أعقبتها مجموعة من اثنتا عشرة (12) سورة متتالية ومتناسبة من الأعلى إلى البيّنة، تكمل بعضها بعضاً في أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته (فرد وجماعة) وبما يحقق له السعادة والفوز في الدنيا والآخرة، وذلك بذكر الله وطاعته واتباع رسوله والعمل بكتابه من العبادات والعمل الصالح، والقيام بواجبات الدين من إنفاق وإطعام ومكابدة الهوى وبتزكية النفس وطلب العلم.
086.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: سورة البروج والطارق: هما متآخيتان فقرنتا وقدمت الأولى لطولها وذكرا بعد الانشقاق للمؤاخاة في الافتتاح بذكر السماء ولهذا ورد في الحديث ذكر السماوات مراداً بها السور الأربع كما قيل: المسبحات.
086.8.2- وقال الإمام البقاعي: لما تقدم في آخر سورة البروج أن القرآن في لوح محفوظ، وأن منزله محيط بالجنود من المعاندين وبكل شيء. أخبر في سورة الطارق أن من إحاطته حفظ كل نفس لتجازى على أعمالها يوم إحقاق الحق. وجاء مقصود الطارق في بيان صدق القرآن في الإخبار بأن الله سيحاسب الناس وسيلاقون جزاء أعمالهم في يوم القيامة حين {تبلى السرائر (9)} وتكشف ما دونته الحفظة الكرام في صحائف الأعمال.
086.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال الله سبحانه وتعالى في سورة البروج {والله على كل شيء شهيد (9)}، {والله من ورائهم محيط (20)} البروج، وكان في ذلك تعريف العباد بأنه سبحانه وتعالى لا يغيب عنه شيء، ولا يفوته شيء ولا ينجوا منه هارب، أردف ذلك بتفصيل يزيد إيضاح ذلك التعريف المجمل من شهادته سبحانه وتعالى على كل شيء وإحاطته به فقال تعالى {إن كل نفس لما عليها حافظ (4)} الطارق، فأعلم الله سبحانه وتعالى بخصوص كل نفس ممن يحفظ أنفاسها {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18)} ق، ليعلم العبد أنه ليس بمهمل ولا مضيع، وهو سبحانه وتعالى الغني عن كتب الحفظة وإحصائهم وشهادة الشهود من الأعضاء وغيرهم، وإنما كان ذلك لإظهار عدله سبحانه وتعالى {إن الله لا يظلم مثقال ذرة (40)} النساء، ولا أقل من المثقال، ولكن هي سنته حتى لا يبقى لأحد حجة ولا تعلق، وأقسم سبحانه وتعالى على ذلك تحقيقاً وتأكيداً يناسب القصد المذكور.