العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


012.0 سورة يوسف


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


012.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المئين. 3) عدد آياتها 111 آية. 4) هي السورة الثانية عشرة من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثالثة والخمسون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “هود”. 6) ليس لها أسماء أخرى. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

لفظ الجلالة {الله} تكرر 40 مرّة، {لله} 4 مرّات، مقارنة بعدد آيات السورة وهي 111 آية. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

أسماء وصفات الله الأخرى المكررة في السورة، هي: رب 13 مره، هو 7 مرّات، عليم 7 مرات، يُعَلّم 4 مرّات، حكيم 3 مرات؛ (2 مرتين): غفور، رحيم، أرحم الراحمين، له الحكم، أحسن؛ (1 مرّة): الواحد، القهار، السميع، المستعان، خير حافظاً، غالب، وكيل، فاطر، لطيف، يحكم، يغفر، ولي، أعلم، خير الحاكمين، فضّل، أنعم، أنزل، مخرج.

هي السورة الوحيدة التي تكررت فيها الآيات التالية {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} 2 مرّة.

هي السورة الوحيدة التي وردت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (6 مرّات): قميص، السجن؛ (5 مرّات): بضاعة؛ (4 مرّات): العزيز؛ (3 مرّات): يسجن، رحل، وعاء، العير، الذئب؛ (2 مرّة): الجب، جهزهم بجهازهم، حاش، عجاف؛ (1 مرّة): بدو، أحد عشر، دراهم، حصحص، خبزاً، أصب.

هي أكثر سورة وردت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: أب 28 مرّة، يوسف 25 مرّة، أخ 19 مرّة، كيد/كدنا 9 مرّات؛ (8 مرّات): تأويل، سبع، محسنين/أحسن؛ (7 مرّات): الكيل/نكتل؛ (5 مرّات): باب، راود؛ (4 مرّات): رؤيا، قدّ؛ (3 مرّات): يعقوب، خاطئين، سنبله، استيئس؛ (2 مرّة): صبر جميل، روح الله، أرحم الراحمين.

وتكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الأرض 9 مرّات، سبع 8 مرّات، راود 7 مرّات؛ (5 مرّات): كذب، المحسنين؛ (3 مرّات)؛ وجه، حب، صبر، سنبلات، أحسن، الشيطان؛ (2 مرّة): قرآن، السماوات، عصبة، جميل، سيارة، شروه، بقرات، سمان؛ (1 مرّة): عربي، كتاب، كوكب، الشمس، القمر، نزغ.

012.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

قال الألوسي: وسبب نزولها على ما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه أنزل القرآن على رسوله عليه الصلاة والسلام فتلاه على أصحابه زمانا فقالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت. وقيل: هو تسلية الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عما يفعله به قومه بما فعلت إخوة يوسف عليه السلام به. وقيل: إن اليهود سألوه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يحدثهم بأمر يعقوب وولده وشأن يوسف وما انتهى إليه فنزلت. وقيل: إن كفار مكة أمرتهم اليهود أن يسألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر فسألوه فنزلت. وقال: وقد جاء عن ابن عباس وجابر بن زيد أن يونس نزلت ثم هود ثم يوسف وعد هذا وجها آخر من وجوه المناسبة.

ذكر أنه لا يقرأها محزون إلا سلّي عنه.

012.3 وقت ومناسبة نزولها:

موضوع السّورة يشير بوضوح إلى انها نزلت في المرحلة الأخيرة من وجود النبي عليه السّلام في مكّة، عندما بدأت قريش تفكّر جدّياً بنفيه أو سجنه أو قتله. في هذا الوقت قام اليهود وعن سوء نيّة بالإيعاز الى مشركي مكّة لسؤال النبي عليه السلام عن سبب رحيل بني إسرائيل إلى مصر؟ سألوا هذا السؤال لأنّهم يعلمون ان العرب لا يعرفون شيئاً عن هذه القصّة من التاريخ ولم يسبق أن تطرّق الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الموضوع من قبل. فاعتقدوا أنّه لن يأتيهم بإجابة شافية، ولكي يستطيع الإجابة سيلجأ إليهم لطلب المساعدة عندها سينكشف على حقيقته. لكن وعلى النقيض من توقعاتهم، جاءت النتيجة على خلاف مرادهم، عندما أوحى الله سبحانه وتعالى إليه سورة يوسف كاملة، فقرأها الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم في الحال. هذا جعل قريش في وضع مربك لأنه لم يحبط كيدهم هذا فقط بل أضاف اليها تهديد بأنهم سيواجهون نفس مصير إخوة يوسف عليه السّلام إن هم استمرّوا في التآمر على نبيّهم ومحاولة قتله أو نفيه كما تآمر إخوة يوسف من قبلهم. هذه السورة تثبت أن هذا القرآن من عند الله؛ وفيها إنذار شديد لقريش بأنّ نهايتهم ستكون نفس نهاية إخوة يوسف إن هم تصرّفوا مع نبيهم بنفس الطريقة، وأنّ الله سينصر رسوله صلّى الله عليه وسلّم (والذي هو أخوهم) عليهم وسيطلبون منه العفو كما نصر من قبله يوسف عليه السلام على إخوته وسجدوا له طالبين العفو. وهو فعلا ما حصل حينما طلبوا منه العفو حين أصرّت قريش على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فأنجاه الله سبحانه وتعالى بالهجرة إلى المدينة ثم أعاده في أقل من ثماني سنوات فاتحاً مكّة وقريش ترجوا عفوه عنهم بفضل إخوّتهم له (التي كانوا خانوها من قبل) فعفى عنهم، قال تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين (7)}.

012.4 مقصد السورة:

012.4.1- مقصد السورة: (بيان وتفصيل موضوع) الابتلاء بالخير والشر: كما هو واضح من قصة يوسف عليه السلام.

012.4.2- ومقصدها نجده في الآية الخامسة، وهو الابتلاء بالخير والشر الناتج عن كيد الناس بعضهم لبعض (داء الحسد) وعداوة الشيطان، ثمّ بيّنت أن الله بهم عليم حكيم في الآية السادسة، وكيدهم هذا جاء تفصيله في السورة ليكون آيات للسائلين كما أشارت إليه الآية السابعة. وهي أكثر سورة وردت فيها كلمة كيد بعدد ثماني (8) مرات في إشارة إلى مقصدها، وكلمة محسنين بعدد ثماني (8) مرات لمقابلته بالإحسان. وفيها بيان وتفصيل ابتلاء الناس كأفراد، ثم بيان النتيجة السعيدة بعد الصبر لهذا الابتلاء (للأفراد) بالإحسان والتوبة في الآيات (90، 91، 92) وبأن الله لا يضيع أجر المحسنين، ويغفر للتائبين؛ ثم النتيجة السعيدة لهذا الابتلاء نجدها (لجميع العائلة) في الآيات (99 و 100) بتحقق الرؤيا والعفو وحسن المعاملة، إذ آوى إليه أبويه ودخلوا جميعاً مصر آمنين؛ والنتيجة السعيدة للأمم أو القرى الذي أشارت إليه الآيات الأخيرة من سورة يوسف (109، 110، 111) العاقبة وهي أن الله نصر المرسلين والمتقين وعاقب أعداءهم وللدار الآخرة خير للمتقين، فكان في قصصهم عبرة وبشارة للمؤمنين. وقد كانت نتيجة الصبر على الابتلاء في سورة يوسف سعيدة لكل من ذكر في القصّة، فلم يهلك الله منهم أحداً، بل تاب على المذنبين وغفر لهم لأنهم تابوا، ورفع مقام أولياءه لصبرهم على الابتلاء.

فالله تعالى ينجي أولياءه ويهلك الظالمين. وأنه تعالى لا يعاقب أحداً إلا بذنب اقترفه. وبالرجوع إلى سورة هود، فقد كان فيها بيان ابتلاء الناس كجماعات وأمم، وكانت النتيجة هناك هي الهلاك لتلك الأمم. وهو ما فصّلته سورة هود أبلغ تفصيل، فقد هلكت جميع الأمم واستبدلت بأقوام غيرهم ممن آمنوا واتبعوا هدي ربهم. فاكتمل بذلك تفصيل ابتلاء الناس بالخير والشر، كأفراد وجماعات، فمنهم من ينجوا ومنهم من يهلك.

012.4.2.1- وفي سورة الأعراف التي سبقت هاتين السورتين، كانت الإشارة إلى الفئتين: فئة السعداء المؤمنين، وفئة الأشقياء الكافرين. وجاء فيها تفصيل النتيجة للطرفين: أي بالنجاة للرسل والذين آمنوا معهم والهلاك والتدمير للكافرين المكذبين. كما ذكر فيها قصص الجماعات والأمم (كأقوام نوح وعاد وثمود ولوط ومدين وبني إسرائيل)، وقصص والأفراد كالذي أتته الآيات فانسلخ منها فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

والغرض من القصص في السور الثلاثة باعتبار موضوع الابتلاء هو أنه: في الأعراف خاطبت العقل للتفكر بمصائر الأمم والتمييز ما بين النجاة أو الهلاك: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)} الأعراف؛ وفي هود خاطبت القلب ليتعظ من هلاك الأمم ويتذكر ما فطره الله عليه حب الحق والعدل {وَكُلّاً نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (120)} هود؛ وفي يوسف خاطبت لبّ الإنسان وتفكيره ليتعظ مما تقترفه نفسه (الجسد والمشاعر) من أفعال، فالصبر بحاجة إلى أن يسود الفكر وليس العواطف، فالقصص عبرة لأولي الألباب الذين يعتبرون ويختارون ما فيه سعادتهم، ويتبعون سبل الهدى والسعادة بالإيمان: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}، وبهذا التنوع في الخطاب: للعقل تارة والقلب تارة والشهوات تارة أخرى دليل على أن الإنسان متميز بتكوينه وتركيبته المختلفة عن باقي المخلوقات، فلا يجوز له أن يقلّد أفعالها، ولا حتى أن يقلّد أفعال غيره من الناس، أو من سبقوه من الأمم، بل يتعلّم منها ويستفيد من تجاربها، فالناس مختلفين كما سبق بيانه؛ وأن القرآن يهدي كل مكونات الجسد ويلبي حاجاتها إلى التعلم واكتساب الخبرات، وأن خيار الإنسان لا يعتمد على العقل أو القلب أو النفس كل على حده، بل عليها مجتمعة، والله أعلم. انظر المزيد من التفصيل عن الاختلاف أدناه (012.7.3.6- اختلاف الناس) في هذه السورة، وعن مكونات الإنسان في المقدمة (7.4.8- وملخص ما قاله القرآن الكريم عن الإنسان).

012.4.2.2- أما الغرض من الابتلاء فهو اتمام النعمة، أي أن الصبر على الابتلاء هو طريق للنعمة، وهذا هو المقصد الذي ورد في آخر قصّة يوسف عليه السلام {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (90)}، أي توكّل على تدبير الله واصبر ولا تيأس، لأن تسيير الكون فوق إدراك الإنسان. وهو ما قصّته هذه السورة وبينه هذا الكتاب الموصوف بالإبانة. أي أن إخراج يوسف من حضن أبيه، ليواجه الابتلاءات كلها. ثم لينتهي به ذلك إلى النصر والتمكين {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض (56)}. وفيه درس كذلك فإن إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى دار أخرى يكون فيها النصر والتمكين، مهما بدا أن الخروج كان إكراها تحت التهديد. فالمؤمن لا ييأس {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (87)}.

012.4.3- مقصد السورة هو الابتلاء بالخير والشر، وذلك باعتبار أن المقصود بالخطاب هو الإنسان المؤمن من أجل هدايته إلى الصراط المستقيم. وللسورة مقاصد أخرى (باعتبارات أخرى) منها تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بما مر عليه من الكرب والشدة وما لاقاه من أذى القريب والبعيد. واثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أجاب على سؤال أهل الكتاب، وصدق القرآن، وفيها تثبيت لفؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتصديق لنبوته. ومن مقاصدها إثبات وحدانية الله، وشمول علمه، وحسن تدبيره، وأنه غالب على أمره. وتثبيتاً وتطميناً للمؤمنين بأنّ أمر الله وسنته هما الغالبتان. عدا عن أنّ الله سبحانه وتعالى يعجّل بعاقبة الأعمال في الدنيا قبل الحساب في الآخرة.

012.4.4- مشيئة الله تعالى وسنته في خلقه للإنسان اقتضت حتمية الابتلاء، ولو بشيء من الخوف والجوع أو نقص في النعمة {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والثمرات وبشر الصابرين (155)} البقرة: أي أن الله يبتلي الناس بأخذ شيء من النعمة التي وهبها، لا كلها، وفي السورة فإن ما خسره يوسف عليه السلام من الحب في اسرته، عوّضه الله له في أسرة أخرى في بيت العزيز، وكذلك الشقاء الذي عاشه في بداية حياته، عوضه الله له بالعز في آخر حياته. وأيضاً يعقوب عليه السلام خسر ولداً واحداً (يوسف)، في حين أبقى له الله سبحانه أحد عشر ولداً. وفيها تفصيل مشيئته سبحانه في الابتلاء {لتبلون في أموالكم وأنفسكم (186)} آل عمران. وأن هذا الابتلاء عام وشامل لكلّ الناس في ما آتاهم الله {ليبلوكم فيما آتاكم (48)} المائدة وآية (165) الأنعام. وهو أشد وأعظم لمن يجتبيه الله من الناس.

012.4.5- وقال الإمام برهان الدين البقاعي: {في قصصهم} أي الخبر العظيم الذي تلي عليك تتبعاً لأخبار الرسل الذين طال بهم البلاء حتى استيأسوا من نوح إلى يوسف ومن بعده، على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام {عبرة} أي عظة عظيمة وذكرى شريفة {لأولي الألباب} أي لأهل العقول الخالصة من شوائب الكدر يعبرون بها إلى ما يسعدهم، بعلم أن من قدر على ما قص من أمر يوسف عليه السلام وغيره قادر على أن يعز محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويعلي كلمته وينصره على من عاداه كائناً من كان كما فعل بيوسف وغيره.

012.5 ملخص موضوع السورة:

لقد قام اليهود عن سوء نيّة بالإيعاز إلى مشركي مكّة لسؤال النبي عليه الصلاة والسلام عن سبب رحيل بني إسرائيل إلى مصر؟ لأنّهم يعلمون أن العرب لا يعرفون شيئاً عن هذه القصّة، وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسبق أن تطرّق لها وسيلجأ إليهم لسؤالهم، عندها سينكشف على حقيقته. لكن وعلى خلاف مرادهم ونقيض توقعاتهم، أوحى الله سبحانه وتعالى إليه سورة يوسف كاملة، فقرأها عليهم في الحال، قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7)}؛ وهذا أربك قريش لأنه لم يحبط كيدهم فقط، بل بطّن لهم تهديداً بأنهم سيواجهون نفس مصير إخوة يوسف عليه السّلام إن هم استمرّوا في التآمر على نبيّهم ومحاولة قتله أو نفيه كما تآمر إخوة يوسف من قبلهم. وأنهم يرون ظواهر الأسباب ولا يدركون خفاء يد مدبّرها وغلبة أمر الله مُجريها.

وبهذا أثبتت سورة يوسف أن هذا القرآن من عند الله، وأنذرت قريش بأنّ نهايتهم ستكون نفس نهاية إخوة يوسف، وأنّ الله سينصر أخوهم محمد صلّى الله عليه وسلّم عليهم، وسيطلبون منه العفو كما نصر من قبله يوسف عليه السلام على إخوته وسجدوا له طالبين العفو. وهو فعلاً ما حصل حينما طلبوا منه العفو لمّا أصرّت قريش على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فأنجاه الله تعالى بالهجرة إلى المدينة ثم أعاده في أقل من ثماني سنوات فاتحاً مكّة، وقريش ترجوا عفوه عنهم بفضل أخوّتهم له (التي كانوا خانوها من قبل) فعفى عنهم، قائلاً اذهبوا فأنتم الطلقاء. فتأمل سنّة الله في إعزاز دينه وإظهار كلمته، التي لا تستثني أحداً ولا تتبدّل مع تغيّر الأحوال ولا تبلى مع مرور الزمان.

1- ومقصد السورة نجده في الآية الخامسة، وهو الابتلاء بالخير والشر الناتج عن كيد الناس بعضهم لبعض (داء الحسد) وعداوة الشيطان، ثمّ بيّنت أن الله بهم عليم حكيم في الآية السادسة، وكيدهم هذا جاء تفصيله في السورة ليكون آيات للسائلين كما أشارت إليه الآية السابعة. وهي أكثر سورة وردت فيها كلمة كيد بعدد ثماني (8) مرات في إشارة إلى مقصدها، وكلمة محسنين بعدد ثماني (8) مرات لمقابلته بالإحسان. وذكر أن السورة لا يقرؤها محزون إلا سلّي عنه. وباعتبار ترتيب آياتها فهي تحتوي على ثلاث مجموعات من الآيات: هي مقدمة ثم قصة ثم خاتمة، كما يلي:

المجموعة الأولى هي مقدمة السورة في الآيات (1-6): وفيها رؤيا يوسف عليه السلام: وقد استُهلّت بوصف الله العليم لها بأنها أحسن القصص لعلّهم يعقلون. وابتدأت ببداية مشوقة من بضع كلمات عن رؤيا يوسف الغلام يقصّ على أبيه أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، تحمل في ثناياها بشرى اجتباء يوسف عليه السلام للنبوة والملك، فيأمره أبوه أن يكتم رؤياه حتى لا يكيد له إخوته. ثمّ تكمل تاركة النتيجة التي لا تظهر إلا في آخر القصة. وختمت السورة بقوله تعالى إنّ: {فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (111)} تنبيهاً على أن من حُسنها أن تحصل العبرة ومعرفة الحكمة من الابتلاء والقدرة على إتمام النعمة.

المجموعة الثانية (الآيات 7-101): قصّة يوسف عليه السلام، وقد سمّيت بسورة يوسف لأنها ذكرت قصته كاملة دون غيرها من سور القرآن الكريم، وتكرر فيها اسمه خمساً وعشرين (25) مرّة. وتبدأ (7-20) بكيد أخوة يوسف عليه السلام لحبّ أبيهم له وتفضيله عليهم، بالخلاص من يوسف عليه السلام وإلقائه في غيابة الجب. ثمّ (21-35) استقرار يوسف عليه السلام في مصر، بعد أن اشتراه في مصر من أكرم مثواه ليتخذه ولداً. وهناك آتاه الله الحكم والعلم؛ وتوالت عليه خلالها المكائد والابتلاءات ثم دخوله السجن، في قصة واضحة ومشوقة. ثم (36-42) يوسف عليه السلام في السجن، الذي دخله ظلماً، وفيه ابتدأت دعوته عليه السلام إلى “التوحيد” ملّة آبائه إبراهيم واسحق ويعقوب عليهم جميعاً الصلاة والسلام. وعلّمه الله التأويل، فأوّل رؤيا فتيان دخلا معه السجن، ثمّ (43-57) رؤيا الملك لسبع بقرات وسبع سنبلات وتفسير يوسف عليه السلام لها، وتصديقهم له وعلمهم بفضله وعملهم بما أمرهم به؛ ثم طلب يوسف عليه السلام من الملك أن يظهر براءته بسؤال النسوة؛ ولما انجلى الأمر، وظهرت براءته ونزاهته، أمر الملك بإحضاره، ليستعين به في الملك؛ وبذلك مكّن الله له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء. ثمّ (58-101) تحقق تأويل رؤيا يوسف عليه السلام بقدوم إخوته عليه إلى مصر طلباً للميرة، ثم اجتماع شملهم، واستقرارهم آمنين في مصر، وتحقق ما بشر به يعقوب عليه السلام من إتمام النعمة وكمال العلم والحكمة.

المجموعة الثالثة الآيات (102-111): خاتمة تلخص العبر والدروس المستفادة من قصة يوسف عليه السلام وهي بيان سنة الله في ابتلاء الناس بالسراء والضراء، والإشارة إلى كثرة الكفّار، بسبب إعراضهم عن الآيات، وعدم أخذهم العبرة من قصص من سبقهم، وقلّة المؤمنين، وما يؤمن أكثرهم إلا وهم مشركون؛ ثمّ بيان أن سبيل المرسلين هو الدعوة إلى الله على بصيرة، وأن طريق الدعوة صعب وشاق ومليء بالابتلاءات، التي قد تصل بالمؤمنين إلى درجة اليأس من تحقيق الله لوعده بالنصر للمؤمنين وإيقاع البأس بالمشركين.

2- كلّ المصائب التي حصلت ليعقوب وابنه يوسف عليهما السلام، وما لاقياه من أنواع البلاء وضروب المحن والشدائد كان سببها الإنسان نفسه؛ فإخوة يوسف ابتداءً كانوا هم سبب تفريق يوسف عن أبيه، ثمّ طول صبره في بيت عزيز مصر، وفي خروجه إلى السجن بسبب امرأة العزيز، وفي تآمر النسوة حتى نَجَّاهُ الله من ذلك الضيق. ثم كيف أنّ عناية الله أحاطت بيوسف عليه السلام الذي أخرج من حضن أبيه فأصبح لا يساوي دراهم معدودة وواجه الابتلاءات كلها بثبات على الحق وحكمة، لينتهي به الأمر بعد ذلك إلى النصر والتمكين والسلطان المطلق المتصرّف بأقوات الناس ورقابهم. جعل الله تعالى من خلال هذا المكر تدبير وتدريب يزكو فيه المؤمن ويرتقي، ويدسو فيه الكافر ويهوي، حتى يتحقق العدل لكل عامل بعمله ولكل ماكر بمكره كما بيّنته السورة.

اتبعت سورة يوسف أسلوب القصة السهل في سرد أحداثها الحقيقية وما فيها من شدائد وأحزان، فقد امتُحن يعقوب عليه الصلاة والسلام بفقد ابنيه وبصره وشتات بنيه، وامتُحن يوسف عليه الصلاة والسلام بالجب والبيع وامرأة العزيز وفقد الأب والإخوة والسجن، ثم امتُحن جميعهم بشمول الضر وقلة ذات اليد، ثمّ انقلاب الأحوال وتنقلاتها إلى فرج من بعد شدّة، وقوّة من بعد ضعف، وسرور من بعد حزن، ولقاء من بعد فراق، وهكذا، ثم تعريف بحسن عاقبة الصبر ليتنبه المؤمنون إلى جميل عاقبة من رضي وسلّم بقدر الله. والسورة ابتدأت بثلاث آيات (1-3) تصفها بأنها “أحسن القصص” لعلهم يعقلون، ثم معظمها (98 آية من أصل 111 آية) على شكل قصة واحدة مترابطة ومشوقة وسهلة وبديعة. وفي آخر عشر آيات (102-111) تلخص العبرة المستفادة بأن طريق المرسلين واحد، وقد ابتلاهم الله بالدعوة إلى دينه، وعندهم من العلم والحكمة والبصيرة والقدرة على الصبر والتحمل ما ليس عند غيرهم، فكانت قصصهم عبرة لأصحاب العقول السليمة، لكنّ أكثر الناس معرضون، ويمكرون، ولا يؤمنون إلا وهم مشركون.

3- تتألّف تكاليف الإسلام من نوعين من الأعمال متكاملين: هما العبادات والمعاملات. وتتحدّث سورة يوسف عن النوع الثاني من الابتلاء: وهو الابتلاء بالأعمال وحسن الخلق، وهو المكمل للابتلاء الأول بالعبادة لله الواحد لا شريك له، والذي جاء في مقصد سورة هود. وفيه أيضاً إشارة إلى أنه بانتهاء سورة هود انتهى أو اكتمل موضوع الابتلاء بالعبادة، وابتدأ تفصيل نوع آخر من الابتلاء وهو الابتلاء بالنعمة والمعاملات بين الناس، وأن الله يبتلي أولياءه في الشدة والرخاء، والعسر واليسر، ليمتحن صبرهم وشكرهم، ويزداد بذلك إيمانهم، كما بينته قصّة يوسف.

إنّ أمر الله وسنته هما الغالبتان، حتى لو رأى الناس أو حاولوا غير ذلك. فإخوة يوسف ظنّوا أنهم تخلّصوا منه بإلقائه في الجب، ولم يخطر ببالهم أنهم بذلك مهّدوا له الطريق ليأخذه السيّارة ويصبح عزيز مصر، تماماً كما أراد الله، قال تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ (21)} أي غالب الأمر الذي يريده. غلبةٌ ظاهرٌ أمرها لكل من له بصيرة: أمرُ يعقوب ليوسف عليهما الصلاة والسلام بألا يقص رؤياه حذراً عليه من إخوته، فغلب أمره سبحانه حتى وقع ما حذّره، فأراد إخوته قتله فغلب أمره عليهم، وأرادوا أن يلتقطه بعض السيارة ليندرس اسمه فغلب أمره سبحانه وظهر اسمه واشتهر، ثم باعوه ليكون مملوكاً فغلب أمره تعالى حتى صار ملكاً وسجدوا بين يديه، ثم أرادوا أن يغروا أباهم ويطيّبوا قلبه حتى يخلو لهم وجهه فغلب أمره تعالى فأظهره على مكرهم، واحتالت عليه امرأة العزيز لتخدعه عن نفسه فغلب أمره سبحانه فعصمه، ثم بذلت جهدها في إذلاله وإلقاء التهمة عليه فأبى الله إلا إعزازه وبراءته، ثم أراد يوسف عليه الصلاة والسلام ذكر الساقي له فغلب أمره سبحانه فأنساه ذكره حتى مضى الأجل الذي ضربه سبحانه. قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون (21)} لعدم تفكّرهم بأنه تعالى خالق كلّ شيء، ومسبب أسبابه، وأن الحكم له وحده، ولانشغالهم بظواهر الأسباب التي يقيمها، فهم يرون ظهور فعله وأمره وحكمه وتدبيره مفصّلاً بالقوانين والشرائع والأسباب، ولا يدركون خفاء يد مدبّرها ومسببها ومُجريها. فاصبر وتوكّل على حسن تدبير الله ولطفه ولا تيأس من روح الله، لأن تسيير الكون والتمكين فيه أعلى من تدبيرك وفوق إدراكك، قال تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)} صدق الله العظيم. فليحذر الأقوياء من فعل الله فيهم وغلبة أمره عليهم، وليستبشر الضعفاء بأن لهم ربّ يمكر لهم ويحميهم.

ربّنا لا تحمّلنا مالا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

012.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

افتتحت السورة بقوله تعالى: {الر تلك آيات الكتاب المبين، إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون، نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} ثم ذكر قصة يوسف التي هي من أحسن القصص، ثم ختم السورة بقوله: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}، إذ لم يجمع تفصيل قصة واحدة في موضع واحد في القرآن الكريم مثل قصة يوسف، وفي مطلع السورة قوله: {لعلكم تعقلون} خطاباً للقلب ليرى بعين بصيرته الآيات فيعقلها فهي مبينة لا تحتاج إلى تفكير يحلل ما فيها، وفي ختامها {عبرة لأولي الألباب} أصحاب العقول الراجحة التي تختار ما فيه فلاحها وسعادتها.

الآيات (1-3) مقدمة السورة:

تبين الآيات أن القرآن من عند الله، وأن آياته مبينه، وفيه من القصص أحسنها، أوحاها الله للهداية والتربية على الإيمان، لعل الناس تعقل ما في القصص من العبر والمعاني وتعمل بها.

الآيات (4-6) رؤيا يوسف عليه السلام:

والتي علم منها أبوه يعقوب عليه السلام ما سيصير إليه ولده يوسف من النبوّة والملك. وقد اجتباه ربه ليتم عليه وعلى آل يعقوب النعمة بالنبوّة كما أتمها على أبويه من قبل إبراهيم وإسحق. ثم أمر يعقوب عليه السلام ابنه أن يكتم الرؤيا حتى لا يكيد له إخوته، لفضله عليهم، بتسليط من الشيطان، واضح العداوة يوقعها بينهم. هذه هي البداية المشوقة التي ابتدأت بها السورة، باجتباء يوسف عليه السلام للنبوة والملك، وهل سيكتم هذه النعمة حتى تتحقق رؤياه، وكل صاحب نعمة محسود بنعمته، أم لا يكتم، وكيف سيكون كيد إخوته له بالشر.

الآيات (7-20) كيد أخوة يوسف عليه السلام لحبّ أبيهم له وتفضيله عليهم:

يبدأ كيد الأخوة وحسدهم لأخيهم بسبب حبّ أبيهم له وتفضيله عليهم. وهو أول كيد في السورة وأعظمها، بالخلاص من يوسف عليه السلام وإلقاءه في غيابة الجب. ثم شروه بثمن بخس بعض السيارة وكانوا فيه من الزاهدين.

الآيات (21-35) استقرار يوسف عليه السلام في مصر:

حمل السيارة يوسف عليه السلام، واشتراه في مصر من أكرم مثواه ليتخذه ولداً. وهناك آتاه الله الحكم والعلم. وتوالت عليه المكائد والابتلاءات. فراودته التي في هو في بيتها عن نفسه. وكادت له نسوة المدينة. ثم دخل السجن. في قصة متسلسلة واضحة ومشوقة.

الآيات (36-42) يوسف عليه السلام في السجن:

وفي السجن الذي دخله ظلماً، ابتدأت دعوته عليه السلام إلى التوحيد ملّة آبائه إبراهيم واسحق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام. وعلمه الله التأويل، فأوّل رؤيا فتيان دخلا معه السجن.

الآيات (43-57) رؤيا الملك وتفسير يوسف عليه السلام لها:

تفسير يوسف عليه السلام رؤيا الملك، وتصديقهم له وعلمهم بفضله وعملهم بما أمرهم به. ثم طلب يوسف عليه السلام من الملك أن يظهر براءته بسؤال النسوة. ولما انجلى الأمر، وظهرت براءته ونزاهته، أمر الملك بإحضاره، ليستعين به في الملك. وبذلك مكن الله له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.

الآيات (58-101) تأويل رؤيا يوسف عليه السلام:

تفصل هذه الآيات في قدوم إخوة يوسف عليه إلى مصر طلباً للميرة، وكيده عليهم لإحضار أخيه وأبيه من البدو، ثم اجتماع شملهم، وتحقق رؤيا يوسف عليه السلام، واستقرارهم آمنين في مصر. وتحقق ما بشر به يعقوب عليه السلام من إتمام النعمة وكمال العلم والحكمة. والقصة سهلة، وأحداثها متتابعة واضحة، لا تحتاج إلى مزيد شرح أو تفصيل. لكن مع سهولتها فإن معانيها واسعة، ومرامي كلماتها بعيدة، تحتاج إلى حضور وتدبر، كلما أعيدت تلاوتها يزداد فهمنا أكثر للدروس والعبر التي سيقت قصة يوسف عليه السلام لأجلها.

الآيات (102-111) خاتمة.

تلخص الآيات العبر والدروس المستفادة من قصة يوسف عليه السلام وهي: بيان سنة الله في ابتلاء الناس بالسراء والضراء، وطريق الهدى موضحاً بالآيات والقصص ليؤمن أولي الألباب ولإثبات صدق الوحي. كثرة الكفار، بسبب إعراضهم عن الآيات، وعدم أخذهم العبرة من قصص من سبقهم، وقلة المؤمنين، وما يؤمن أكثرهم إلا وهم مشركون. بيان أن سبيل المرسلين هو الدعوة إلى الله على بصيرة، وأن طريق الدعوة صعب وشاق ومليء بالابتلاءات التي قد تصل بالمؤمنين إلى درجة اليأس من تحقيق الله لوعده بالنصر للمؤمنين وإيقاع البأس بالمشركين.

012.7 الشكل العام وسياق السورة:

012.7.1- اسم السورة: سميت ‏بسورة ‏يوسف ‏لأنها ‏ذكرت ‏قصة ‏نبي ‏الله ‏يوسف ‏عليه السلام ‏كاملة ‏دون ‏غيرها ‏من ‏سور ‏القران ‏الكريم. ذكر فيها اسم نبي الله يوسف أكثر من 25 مرة.

اسم السورة: يشير إلى مقصدها وهو الابتلاء بالخير والشر: وإبراز ذلك من خلال قصة حياة يوسف عليه الصلاة والسلام والتي ابتدأت برؤيا استبشر بها أبيه يعقوب عليه الصلاة والسلام، وعلم منها أن يوسف عليه السلام سيصبح ذو شأن عظيم ومستقبل مهمّ في الحياة، وستصير إليه النبوة والملك، فوجب الاهتمام به والمحافظة عليه. ومن هنا تبدأ القصة وتبدأ معها الدروس عن حكمة الله التي لا يفهمها إنسان في تدبير أمور خلقه، وعن نموذج من نماذج ابتلائه لعباده في الشدة والرخاء، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. فيوسف عليه الصلاة والسلام لا يشفع له كونه من أولي العزم من الرسل، أو أن أبوه النبي يعقوب، وجدّه النبي اسحاق، وجدّ أبيه ابراهيم الخليل عليهم جميعاً الصلاة والسلام، من سلالة النبوة المطهرة، أن تنطبق عليه سنة الله في خلق الإنسان للعبادة والابتلاء. ولا يعني كونه نبي ابن نبي أنه عليه السلام سيعيش منعماً مترفاً تأتيه الدنيا بكل ما يسرّه وتدفع عنه كل ما يسيئه. بل هو في شرع الله إنسان ككل الناس، خلقهم سبحانه ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، بل إن قصص القرآن الكريم ومنها قصة يوسف عليه السلام، وكذلك الأحاديث الشريفة، تبين أن النبيين والمرسلين هم أشد ابتلاءاً من أولياء الله من المؤمنين الصالحين، وهم بدورهم أشد ابتلاءاً من الناس العاديين.

الإطار العام للسورة هو الابتلاء والصبر والتصرف الحكيم تجاه المصائب. وهو مستمد من قصّة يوسف عليه السلام بأنّ أمر الله وسنته هما الغالبتان، حتى لو رأى الناس أو حاولوا غير ذلك. فإخوة يوسف ظنّوا أنهم تخلّصوا منه بإلقائه في الجب، ولم يخطر ببالهم أنهم بذلك مهّدوا له الطريق ليأخذه السيّارة ويصبح عزيز مصر، ليفسّر حلمه بأن رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، تماماً كما أراد الله. فعلى المسلم أن يتمسّك بالحكمة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى كما فعل يوسف عليه السلام والذي استطاع بذلك التغلب على غربته وأن تعلو مكانته عند أهل مصر وأن تكون له السيادة على أرزاقهم وعلى أرزاق اهل الأرض جميعاً في ذلك الوقت.

وقال الفخر الرازي: ذكر في أول السورة {نحن نقص عليك أحسن القصص (3)}، ثم ذكر في آخرها: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب (111)} تنبيها على أن حسن هذه القصة إنما كان بسبب أنه يحصل منها العبرة ومعرفة الحكمة والقدرة. والمراد من قصصهم قصة يوسف عليه السلام وإخوته وأبيه. ومن الناس من قال: المراد قصص الرسل لأنه تقدم في القرآن ذكر قصص سائر الرسل إلا أن الأولى أن يكون المراد قصة يوسف عليه السلام.

012.7.2- سياق السورة واعتمادها على القصة لإيصال المعلومات:

سورة يوسف هي من أسهل سور القرآن فهماً، يفهما كل من يقرأها، لاتباعها اسلوب القصة في سرد أحداثها. فمن أكثر وسائل القرآن الكريم استخداماً لإيصال المعاني للناس هو استخدام القصص الحقيقية، والسورة جاءت في معظمها على شكل قصة واحدة مترابطة، ومشوقة، وسهلة الألفاظ والكلمات، وبديعة التعابير. فهي سهلة الفهم، مع أنها واسعة المعاني بعيدة المرامي. كما أن ورودها على شكل قصة واحدة، أوجزت ما ستؤول إليها نهايتها، برؤيا مشوقة رآها يوسف عليه السلام بأنه سيكون ذو شأن عظيم دون إخوته، حفزت لدى قارئها اهتماماً لمعرفة التفاصيل. وكذلك فالأحداث التي تقصها الكلمات الحية، والتعابير المعجزة، والحوارات الدائرة، تحيي في مخيلة من يقرأها صورا للأحداث مصحوبة بالظروف والأجواء المحيطة بها، تجعل عند من يتأملها فهماً أبعد من مجرد سرد الكلمات، يرى من خلاله حكمة الله في الابتلاء في السراء والضراء، وارتباط الابتلاء بالصبر والإحسان، وجزاء الصابرين، وتوفيق الله للمحسنين، وضعف كيد شياطين الإنس والجان، أمام قدرة الله، وتدبيره، وغلبة أمره.

بتأمل سياق السورة نجد أنها احتوت على قصة واحدة من أولها إلى أخرها (في 98 آية من أصل 111 آية)، وأول ثلاث آيات منها (1-3) هي مقدمة تبين أن هذه القصص من الله أنزلها لكي يفهم الناس ويعقلون، وثلاث آيات في سياق القصص في وسطها (38-40) تتحدث عن توحيد الله في العبادة، وآخر عشر آيات منها (102-111)، تلخص العبرة المستفادة من السورة: بأن طريق المرسلين واحدة، وقد ابتلاهم الله بالدعوة إلى دينه، وهو عمل صعب وشاق يحتاج إلى أناس غير عاديين عندهم من العلم والحكمة والبصيرة والقدرة على الصبر والتحمل ما ليس عند غيرهم، فكانت قصصهم عبرة لأصحاب العقول السليمة، وهم قدوة لأهل الإيمان، دون غيرهم من الكفار والمشركون، ذلك لأن أكثر الناس كما بينته الخاتمة معرضون، ويمكرون، ولا يؤمنون إلا وهم مشركون.

012.7.3- سياق السورة عن الابتلاء:

012.7.3.1- خلق الله الناس ليبتليهم أيهم أحسن عملاً:

من المعلوم أن الله خلق الناس ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وقد جعل سبحانه دينه الإسلام مقياس الابتلاء. والإسلام يتألف من نوعين من الأعمال متكاملين: الأول وهو تكاليف العبادة من صلاة وزكاة وصوم وحج، والثاني التخلق بالأخلاق الحسنة من صبر، وإخلاص، وصدق، وعدل، وإحسان، وغيره كما جاء به الدين من عند الله تعالى. والملاحظ في هذه السورة أن يوسف عليه السلام لم يأمر أحد بالعبادة، ماعدا في (الآية 40) التي بين فيها للفتيان اللذان دخلا معه السجن أنهم مشركون، وما يعبدون إلا أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وأن الله أمر الا يعبدوا إلا إياه. وفي عدم ذكر الأمر بالعبادة إشارة إلى أن مقصد هذه السورة هو النوع الثاني من الابتلاء بالأعمال وحسن الخلق، وهو المكمل للابتلاء الأول بالعبادات لله وحده لا شريك له، والذي كان مقصد سورة هود السابقة. وفيه أيضاً إشارة إلى أنه بانتهاء سورة هود انتهى أو اكتمل موضوع الابتلاء بالعبادة، وابتدأ تفصيل نوع آخر من الابتلاء وهو الابتلاء بالنعمة والمعاملات بين الناس، وأن الله يبتلي أولياءه بالشدة والرخاء، والعسر واليسر ليمتحن صبرهم وشكرهم، ويزداد بذلك إيمانهم، كما بينته سورة يوسف.

012.7.3.2- كيف يكون هذا الابتلاء:

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)} هود. هذه الآية وكثير غيرها من الآيات تبين أن الله تعالى خلق الناس والحياة ليبتلي عباده أيهم أحسن عملاً وأنهم مبعوثون من بعد الموت. وها هي قصة يوسف عليه السلام تفصل كيف يكون هذا الابتلاء بالشدة والرخاء وبالعسر واليسر. يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: هذه القصة، من أحسن القصص وأوضحها، وأبينها، لما فيها من أنوع التنقلات، من حال إلى حال، ومن محنة إلى منحة، ومن محنة إلى محنة ومنة، ومن ذل إلى عز ومن رق إلى ملك، ومن فرقة وشتات، إلى اجتماع وائتلاف، ومن حزن إلى سرور، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، ومن إنكار إلى قرار، فتبارك من قصها، فأحسنها، ووضحها وبينها.

012.7.3.3- جعل سبحانه للصابرين جزاء في الدنيا، ولكن جزاء الآخرة خير منه:

من يتأمل السورة ويتفكر في تفاصيلها، لا بد أن يتبادر إلى ذهنه سؤال: ما هو الذنب الذي فعله يوسف عليه السلام حتى تقع على رأسه كل هذه المصائب؟ صحيح أن هذه المصائب كانت سبباً في أن ينتقل من موطنه إلى مكان صار فيه هو المتحكم بأرزاق الناس. وأوصلته تلك الأحوال، والشدائد، والمحن إلى أعلى الغايات، ورفيع الدرجات. لكن ما فائدة هذا الملك وهذه الدرجات بعد أن أضاع عمره وهو بعيد عن أهله، وهذه السنوات التي خسرها من حياته في السجن بدون ذنب اقترفه من سيعوضه عنها وعن عمره الذي انقضى ولن يعود. وكذلك في حالة أبيه يعقوب عليه السلام هذه المحنة العظيمة، التي امتحن الله بها نبيه وصفيه، يعقوب عليه السلام، حيث قضى بالتفريق، بينه وبين ابنه يوسف، الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة، ويحزنه ذلك أشد الحزن. فحصل التفريق بينه وبينه، مدة طويلة، لا تقصر عن ثلاثين سنة، ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه في هذه المدة {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم (84)}. ثم ازداد به الأمر شدة، حين صار الفراق بينه وبين ابنه الثاني، شقيق يوسف. صحيح أن بصره عاد إليه، والتم شمله ببنيه، ولكن هذا الثمن لا يوازي شيئاً مع محنته المتواصلة وحزنه الشديد، ولو سأله سائل لاختار أن يظل مع أبنائه مجتمعين يربيهم على عينه وفي كنفه على أن يشيخ وهم بعيدون عنه. وحتى لو كان ثمن ذلك البعد أن يصيروا كلهم ملوكاً على خزائن الأرض لا واحد فقط. القرآن الكريم يذكر سببين لحصول هذا الابتلاء في حياة الناس، كما يلي:

 

012.7.3.3.1- أن كلّ المصائب التي حصلت ليعقوب وابنه يوسف عليهما السلام، كان سببها الإنسان نفسه، فإخوة يوسف ابتداءاً كانوا هم سبب مصيبة تفريق يوسف عن أبيه، ثمّ امرأة العزيز ثانياً كانت سبب خروجه من بيت العزيز إلى السجن؛ وهذا الشر الذي يلقاه الإنسان هو من نتائج فعله أو فعل غيره الخاطئ، فالخطأ ضارّ للجميع، لفاعله ولغير فاعله، وهو ضرر يجلبه لنفسه ولغيره أو يوقعها فيه بعمله المخالف لسنن الله، وهو ليس من الله، بل شرّ يحصل نتيجة خطأ فعله الإنسان، فآذى نفسه، وآذى غيره، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} الروم، وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير (30)ٍ} الشورى، وقال: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ…(47)} القصص، فهي قاعدة ثابتة بأن الخير من الله، والشر والضرر من الإنسان، قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (79)} النساء، وهذه القاعدة في الابتلاء بالمصيبة بسبب المخالفة هي من السنن التي جعلها الله للناس لعلّهم يعودون إلى رشدهم ويرجعون إلى الصواب، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} الروم؛ وحول نفس الموضوع انظر ايضاً سورة هود مبحث 011.7.1.2، هلاك الأمم سببه الذنوب؛ وتسهيل فهم وتدبّر القرآن، الفرع: 7.3.7.2.6.

012.7.3.3.2- لا بد وأن يكون لكل هذا الابتلاء بالشدائد ثمن لا يعلمه إلا الله، والثمن الذي نراه في الدنيا هو التمييز بين الناس بالأعمال {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)}: فبعضهم يعمل وبعضهم لا يعمل، وبعضهم يعمل صالحاً وبعضهم يعمل السيئات، وغيرها الكثير من وسائل التمييز بين الناس في: الصبر والشكر، والإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والحب والكره، والزكاة والتدسية، والإخلاص والنفاق، والسمع واللاسمع، والبصر واللابصر، والعدل والظلم، والعطاء والمنع، وحسن الخلق وسوء الخلق، وصلة الرحم وقطعها، والاقتصاد والإسراف، والإنفاق في سبيل الله والتبذير، والإقدام يوم الزحف والفرار من الأعداء، وغيرها الكثير من وسائل التمييز؛ ثمّ أن هذا الابتلاء في الأعمال من أجل التمييز بين الناس يأتي بالتدريج ليتعلم منه الإنسان وينتقل من مرحلة إلى مرحلة ومن درجة إلى درجة، وهكذا إلى أن يصل به الابتلاء إلى درجة من الوضوح، أو مرحلة من الثبات والاستقرار تقام عليه فيها الحجة، فيشهد على نفسه بالصلاح أو الفساد، فمنهم من يصل به الابتلاء إلى درجة أن يحبه الله فيكون سمعه وبصره ويده ولو أقسم على الله لأبرّه، ومنهم من يطمس على بصيرته ويختم على قلبه فلا يعود يميز بين الحق والباطل. فهو الذي خلق الإنسان لهذا الابتلاء {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)} هود. ويجب أن نعلم أن الابتلاء يكون بنقص بسيط من نعمة أكبر أنعمها على الإنسان وليس باستئصال كامل النعم كما ذكرنا أعلاه في الفصل (012.4.4)؛ أما جزاء الابتلاء فقد بينه سبحانه في أماكن كثيرة من القرآن وفصله في الكثير من القصص، وبشر به الصابرين، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين َ(155)} البقرة، وقد رأينا في السورة مقدمات من جزاء الله في الدنيا لنبيه يوسف عليه السلام، حين جمع شمله بأبيه وأخوته، وجعله على خزائن الأرض يتحكم في أرزاق الناس. وهو بعد ذلك صابر لأمر الله، محتسب الأجر العظيم والنعيم المقيم من عنده، باللحاق بالصالحين {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}. هكذا جعل سبحانه للصابرين جزاء في الدنيا، وهذا مما يستعظمه الناس ولكن، جزاء الآخرة خير، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)} يوسف.

012.7.3.4- معرفة الإنسان بأنه مبتلى تعينه على ألا يجزع في حياته، وتكون له حافزاً على إحسان العمل:

إذا علم الإنسان هذه الحقيقة فإنها تعينه على ألا يجزع في حياته، بل تكون له حافزاً على إحسان العمل. فمهما ابتلي الإنسان في حياته فإنه يزداد إيماناً ويقيناً بأن كلام الله حق وأنه لم يخلق الدنيا عبثاً، وأنه رحيم بعباده ولو بدا لهم غير هذا. قال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب اللوامع: وعلى الجملة فكل أحوال يوسف عليه الصلاة والسلام لطف في عنف، ونعمة في طي بلية ونقمة، ويسر في عسر، ورجاء في يأس، وخلاص بعد لات مناص، وسائق القدر ربما يسوق القدر إلى المقدور بعنف، وربما يسوقه بلطف، والقهر والعنف أحمد عاقبة وأقل تبعة. انتهى.

012.7.3.5- الأسلوب القصصي لإيصال المعاني والعبر للناس:

نستطيع أن نفهم، بسهولة ودون عناء، مقصود الله في الابتلاء من خلال تدبر أحداث قصة يوسف عليه السلام. وهذا الأسلوب القصصي لإيصال المعاني للناس، كما ورد في السورة، هو أسلوب تربوي ظاهر الإعجاز. جعل سبحانه لنا قدوة تصرفت بمنتهى الصبر والحكمة والعلم والاحسان في شتى مواطن الابتلاء. ومن أراد النجاح في الابتلاء، في الدنيا والفوز بالآخرة لا بد أن يسير على نفس الخطى ويتحلى بنفس الأخلاق التي رأيناها في يوسف ويعقوب عليهما الصلاة والسلام، ويصبر نفس الصبر الذي صبروه. ولولا أن جاءت هذه المعاني على هذا الشكل من القصص كما وردت في السورة، لما سهل علينا فهمها كما فهمناها من خلال القصة.

 

012.7.3.6- إختلاف الناس، والابتلاء بالإيمان، وبعبادة الله وحده لا شريك له، وبالخير والشر، وبالفتن، وبأيهم أحسن عملاً:

وفي القرآن نجد الكثير من قصص الابتلاء منها الابتلاء بعبادة الله وحده لا شريك له كما في سورة هود، والابتلاء بالخير والشر كما في سورة يوسف، والابتلاء بالفتن كما في سورة الكهف، والابتلاء بالإيمان كما في سورة العنكبوت. بل أن كل القصص في القرآن عن الابتلاء لأن الإنسان خلق لهذا الأمر، ليزكوا ويتعلم بالتجربة كما بيناه في سورة البقرة وفي تسهيل فهم وتدبّر القرآن. ولم يخلقهم الله ليكونوا على مستوى واحد من النعيم أو الإيمان، بل خلقهم ليكونوا مختلفين. كل قصص القرآن تتحدث عن الاختلاف وعن الابتلاء بالعبادة وبأيهم أحسن عملاً، قال تعالى {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)} البقرة، هذا في الابتلاء بالاختلاف في الإيمان وعلى المرسلين. وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} هود، وهذا في الابتلاء باختلاف طبائع البشر واستعداداتهم للإيمان أو الكفر، وأن هذا اختلاف مقصود في أصل خلقة الإنسان، لحكمة لا يعلمها إلا الله. وغيرها كثير من الآيات تبين اختلاف الناس واستعداداتهم وطبقاتهم وقسمة المعيشة بينهم وتسخير بعضهم لبعض. فالناس مختلفين في كل شيء حتى الأخوة من أب واحد، ولو عاشوا في بيت واحد، أو كان أبوهم نبياً كيعقوب عليه السلام. والناس كذلك خلقوا مختلفين حتى في بنيتهم وتركيب أجسادهم، وجيناتهم، وفي بصمات أصابعهم وعيونهم وأصواتهم، فلا يوجد شخصين متطابقين على وجه الأرض. بل وفي العلم الحديث، تستطيع الأدوات والتقنيات المستخدمة في الأدلة الجنائية أن تتعرف على المجرم حتى من أي جزء من نسيج جسمه أو من شعره، ناهيك عن بصمات أصابعه أو بصمات عينيه. ناهيك عما أشارت إليه السورة من اختلاف الناس حتى في روائح أجسادهم حين تعرّف يعقوب على يوسف عليهما السلام، مع تطاول الزمان، من رائحته العالقة في قميصه، ويؤيده تعرف بعض الحيوانات كالكلاب على الناس من روائحهم. فتبارك الله أحسن الخالقين، خلق الناس ليكونوا مختلفين، وليبلوهم أيهم أحسن عملاً.

012.7.3.7- أسلوب القرآن المعجز في هداية الناس:

وبتأمل أسلوب القرآن المعجز في هداية الناس وفي إفهامهم لمقاصده، نجد أنه في سورة هود جاءت الدعوة إلى العبادة على شكل قصص متتالية لرسالات متلاحقة، فكلما حرّف قوم عبادتهم وصاروا إلى الشرك، تلتها دعوة أخرى تدعوا الناس إلى العبادة الخالصة لوجه الله الكريم. أما الابتلاء فلا يمكن أن يتم تفهيمه على شكل رسالات متتالية كما حصل في سورة هود. التي بينت كيف كانت فيها الرسل تدعوا إلى العبادة، ثم بينت مصائر الأمم حسب تقبلهم أو إعراضهم عن دعوة رسلهم. ومن قبلها كذلك سورة يونس وهي تثبت صدق الوحي، وتبين مصائر الأمم تبعا لإيمانهم أو كفرهم. في الابتلاء لا بد إلا أن تأتي قصة واحدة، وتعرض بطريقة معجزة متكاملة، كما في هذه السورة، ويرى فيها أول الابتلاء ومراحله وآخره وتفاصيله. لا بد أن يكون هذا الابتلاء مشخصاً في شخص واحد يكون قدوة، ومثال مشاهد، يواجه الابتلاءات كما يجب، ومن خلال حياته وتعاملاته، يرينا سبحانه ما هو الابتلاء. كيف يكون، وكيف يتم هذا الابتلاء، وما هو المطلوب من الناس في حالة الابتلاء. قصّت علينا السورة قصة يوسف عليه السلام، وقد ابتلي، كشخص في نفسه، ابتلاءات لا يمكن أن يصبر عليها إنسان. وأوتي من الصبر الجميل والحكمة ما جعل رسولنا عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم أتاني الداعي لأجبته”. وفي حديث آخر عن عكرمة رفعه: “لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره حتى سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أجبته حتى أشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول، يعني ليخرج إلى الملك فقال ارجع إلى ربك، ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة ولبادرت الباب ولما ابتغيت العذر” مرسل وقد وصله الطبري.

012.7.3.8- الله جل جلاله سيبتلينا كما ابتلى أنبيائه وأوليائه:

لا بد من الإيمان بالله وحده لا شريك له، ومن فهم مقصد الحياة بالابتلاء. وعلينا أن نكون على يقين بأن الله سيبتلينا كما ابتلى أنبيائه وأوليائه، وأن نعتقد بأن هذا هو قدرنا ومشيئة الله فينا. في أن خلقنا ليبتلينا بالسراء والضراء، حتى إذا جاء هذا الابتلاء صبرنا صبراً جميلا بحول الله وقوته، كما صبر من قبلنا ممن جعلهم الله قدوة لنا في الإحسان والصبر على الابتلاء. وقد تعلمنا من سورة يوسف ومن سورة هود التي سبقتها أن الله خلقنا في هذه الحياة وأوجدنا لمقصدين لا ثالث لهما هما العبادة له وحده لا شريك له ثم ليبلونا أينا أحسن عملاً، وقد تكرر هذ المعنى أربع مرّات في سور هود والكهف والملك، بأن الله خلق كل شيء: خلق السماوات والأرض والموت والحياة وزين الأرض وأمر بالإيمان والعمل الصالح {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}.

012.7.4- سياق السورة يدل على وحدانية الله وربوبيته وحكمه وأنه غالب على أمره: ويقود إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له، الرب العليم، والحاكم خير الحاكمين، والرحيم أرحم الراحمين، وخير حافظاً، والمستعان، وغيرها من الصفات التي وردت في السورة وذكرناها أعلاه.

012.7.4.1- دليل على الإيمان بالله وحده لا شريك له:

مشيئة الله سبحانه في الابتلاء، كما وردت في السورة فيها دليل على وحدانية الله، وعلى تمام علمه وشمول قدرته، وقدرته على تدبير أمر خلقه بما تذهل عن فهمه الألباب والعقول. يجعل للمحسن من الإيحاءات والإيماءات والموافقات والحدس والفراسة والتسديد ما يجعله على يقين من نفاذ وعد الله، ويجعل للمسيء من الكبوات، ودلائل الخيبة والكذب والبطلان وعمى البصيرة والممانعات والضلال ما يجعلهم على يقين من خيبتهم وسوء مصيرهم. ويجعل الإنسان على يقين من حسن اختيار الله ونفاذ مشيئته مالا يملكون معه سوى الإذعان والتسليم لإرادته وقهره وغلبة أمره، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)} البقرة.

012.7.4.2- َاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، غلبة ظاهرة لكل من له بصيرة:

وقال الإمام برهان الدين البقاعي: عند تفسير الآية {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون (21)} يوسف: أي غالب الأمر الذي يريده، غلبة ظاهر أمرها لكل من له بصيرة: أمر يعقوب يوسف عليهما الصلاة والسلام أن لا يقص رؤياه حذراً عليه من إخوته، فغلب أمره سبحانه حتى وقع ما حذره، فأراد إخوته قتله فغلب أمره عليهم، وأرادوا أن يلتقطه بعض السيارة ليندرس اسمه فغلب أمره سبحانه وظهر اسمه واشتهر، ثم باعوه ليكون مملوكاً فغلب أمره تعالى حتى صار ملكاً وسجدوا بين يديه، ثم أرادوا أن يغروا أباهم ويطيّبوا قلبه حتى يخلو لهم وجهه فغلب أمره تعالى فأظهره على مكرهم، واحتالت عليه امرأة العزيز لتخدعه عن نفسه فغلب أمره سبحانه فعصمه حتى لم يهم بسوء، بل هرب منه غاية الهرب، ثم بذلت جهدها في إذلاله وإلقاء التهمة عليه فأبى الله إلا إعزازه وبراءته، ثم أراد يوسف عليه الصلاة والسلام ذكر الساقي له فغلب أمره سبحانه فأنساه ذكره حتى مضى الأجل الذي ضربه سبحانه، وكم من أمر كان في هذه القصة وفي غيرها يرشد إلى أن لا أمر لغيره سبحانه! {ولكن أكثر الناس} أي الذين هم أهل الاضطراب {لا يعلمون} لعدم التأمل أنه تعالى عالٍ على كل أمر، وأن الحكم له وحده، لاشتغالهم بالنظر في الظواهر للأسباب التي يقيمها، فهو سبحانه محتجب عنهم بحجاب الأسباب.

012.7.4.3- دين الله الإسلام، هو دين التوحيد الخالص:

بينت الآيات (37-40) على لسان يوسف عليه السلام، أن دين الله الخالص هو دين آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، باحتوائه على الإيمان بالله، والإيمان بالآخرة، وتوحيد الله وعدم الشرك به، ومعرفة الله سبحانه بصفاته. الواحد، القهار، وعدم وجود سلطان لغيره، وأن الحكم والسلطان لله وحده، أمر بالعبادة له وحده، وأن دينه القيّم هو العبادة والإذعان لأمره ونهيه، فله الحكم والعبادة والدين القيم: {إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه. ذلك الدين القيم (40)}.

 

012.7.5- الله مسبب الأسباب وخالقها:

ليست الأسباب هي كل شيء، بل هناك ما هو بعد الأسباب. والقصص والآيات التي في القرآن تدل على أن الله هو مسبب الأسباب. وهذه قاعدة أخرى تعين الإنسان على الصبر على الابتلاء، لأن ما نرى في ظاهره الخير قد يكون فيه الشر وما نرى في ظاهره الشر قد يكون فيه الخير. والابتلاء هذا شأنه. والمؤمن يعقل أمر الله في هذه المسألة، فيستشعر ابتلاء الله له في الحالين، فيشكره على السراء ويصبر على الضراء.

القرآن العظيم أعظم الآيات بما أنبأ فيه عن الأخبار الماضية، والأحداث الآتية. وبما احتوى عليه من أحسن القصص، كما أشارت إليه أول السورة، لتكون عبرة لأصحاب العقول السليمة. جعل الله القصص عن أنباء الأمم، وجعل مثلها من الآيات في السماوات والأرض، ما لا يحيط به الحصر، لتكون سبباً لهداية الناس، ولكي يعرفوا من خلالها أن الله خلقهم ليبتليهم. ومع ذلك فهم لم ينتفعوا بها، ويمرون عليها وهم معرضون، مع أنها لا تحتاج لوضوحها إلى أكثر من حضور البصيرة والعقل. ولما كان هذا حال الناس من الإعراض، وعدم استعمال عقولهم في التفكر في الآيات وأخذ العبر والدروس من الأدلة الموجبة للعلم، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، في ختام السورة بالاستمرار على طريق الدعوة، لإبقاء الحجة قائمة على الناس، {على بصيرة} أي حجة واضحة من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة وترك تقليد الآباء الدال على البلادة والجمود. {لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاوْلِى ٱلأَلْباٰبِ} أي أن في قصص المرسلين مع أممهم، ونجاة المؤمنين وهلاك الكافرين عبرة لأولي الألباب، أي عظة لأهل العقول.

انظر في مقدمة كتاب التسهيل: المبحث 7.3.7- تكامل الأسباب المادية والمعنوية.

وقال البقاعي: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)}، والآية صالحة لإرادة الشرك الخفي الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل”، وهو شرك الأسباب التي قدر الله وصول ما يصل إلى العبد بواسطتها، فقل من يتخطى من الأسباب إلى مسببها! قال الرازي في اللوامع: وقال الإمام محمد بن علي الترمذي: إنما هو شك وشرك: فالشك ضيق الصدر عند النوائب، ومنه ثوب مشكوك، والشرك بنور التوحيد، فعند هذا يتولاه الله تعالى، وقال الواسطي: إلا وهم مشركون: في ملاحظة الخواطر والحركات.

012.7.6- عبادة الله الواحد القهار، هو السبيل الوحيد لصلاح هذه الحياة على الأرض، والسبيل لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة:

هي أكثر سورة وردت فيها كلمة كيد 8 مرات، يقابله أنها أكثر سورة وردت فيها محسنين ومشتقاتها 8 مرات، وفيه إشارة إلى مقصد السورة في الكيد والابتلاء ومقابلته بالإحسان والجزاء. كذلك من يتدبر ما جاء في السورة من إحسان العليم الحكيم لعباده ورحمته بهم، سيلاحظ الفرق الشاسع بين حسن تدبيره لهم، وبين أفعالهم السيئة الماكرة وظلمهم لأنفسهم: فهو سبحانه ينزل عليهم الوحي ويرسل لهم الآيات ويثبتهم بأحسن القصص، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويمكن لهم في الأرض، ويبشرهم بالتوفيق في الحياة، ويريهم الرؤى الصادقة، ويختار لهم، ويدربهم على الإيمان، ويبتليهم بالسراء والضراء، ويستجيب لدعائهم، ويغفر ذنوبهم. يقابله من أفعال الناس: جهلهم، وكثرة أخطائهم، ونسيانهم، وجحودهم، وكيدهم، ومكرهم، واتباعهم للشيطان، ولأنفسهم الأمارة بالسوء، وتصارعهم على النعمة، والتنافس، والحسد، والكره، والقتل، والشرك، والإيمان مع الشرك.

احتوت قصة يوسف عليه السلام مع إخوته على خير دليل على أن عبادة الله الواحد القهار، ملة إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف ومن جاء بعدهم من المرسلين الأطهار عليهم جميعاً الصلاة والسلام، خير من عبادة الأرباب المتفرقون، ما يعبدون إلا أسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان. عبادة الله واتباع دينه في الصبر على الضراء والشكر على السرّاء، هو السبيل الوحيد لصلاح هذه الحياة على الأرض، والسبيل لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. صحيح أن الظاهر من القصة هو شقاء يوسف عليه السلام وتشرده بعيداً عن أهله وأحبائه، وحزن أبيه المتواصل عليه، ونجاح إخوته في التخلص منه، وكيد امرأة العزيز بجعله في السجن. لكن ما تبطنه الأحداث، لمن يتدبر مسارها، ولمن يرى نتائجها، لا يشك ولو للحظة بقرب الله تعالى ومراقبته لكل كبيرة وصغيرة، وبأن له سبحانه وتعالى تدبيراً ما بعده تدبير، وأنه أرحم الراحمين. ابتلى يوسف وأعطاه من العلم والحكمة ما أعانه على تحمل الابتلاء وبارك له عمله وأن يظل طوال حياته عزيزاً، كريما، معطاءاً، مصداقاً لما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبدٌ مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا”. ما فشلت معيشة يوسف عليه السلام من ابتلاء، بل ساعده ربه على الصبر ورفعه ومكن له في الأرض وجعله أمين على خزائنها، وخذل مساعي إخوته الظالمة بحق أخيهم، وسلبهم المقدرة على أن يكونوا مثله، وآثره عليهم، وكشف أمرهم، وانتهى بهم المطاف إلى أن سجدوا بين يديه، مصداقاً لما في الرؤيا التي كانت من أسباب كيدهم ومكرهم له.

012.7.7- بعض الموافقات التي احتوتها السورة حول تكرار الأشياء ثلاث مرات:

– ورد اسم القميص في ثلاث مناسبات مختلفة: الأولى استخدم فيه كدليل كاذب على أكل الذئب ليوسف، الثانية دليل على صدق يوسف وبراءته من مراودة امرأة العزيز، والثالثة دليل على معرفة يوسف من رائحته العالقة في قميصه.

– تحدثت السورة عن ثلاث مراحل عمرية من حياة يوسف طفولته وشبابه ثم نضجه ورجولته.

– مكانة يوسف وقيمته في الناس مرت بثلاثة مراحل: عاش مزهوداً فيه عندما اشتروه السيارة وعندما دخل السجن، ومكرماً في بيت أبيه وفي بيت العزيز، وملكاً يتطلع الناس إليه، عندما ولي خزائن الأرض.

– عاش حراً في بيت أبيه، وعبداً يباع ويشترى في مصر، ومالكاً لرقاب الناس عندما تحكم في أرزاقهم.

– سافر أخوة يوسف للميرة في ثلاث رحلات: في الآيات (57-65) بدون أخيهم من أبيهم، وفي الآيات (66-83) مع أخيهم من أبيهم، وفي الآيات (87-98) حين أمرهم أبوهم أن يتحسسوا من يوسف وأخيه، وجاءوا ببضاعة مزجاة.

– رأى يوسف إخوته وأبويه على ثلاث مراحل: أولها رأى أخوته الذين ألقوه في الجب، والثانية مع أخيه، والثالثة حين آوى إليه أبويه ورفعهم على العرش.

– الرؤى حصلت على ثلاثة مراحل: الأولى حين رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، والثانية رؤيا الفتيان صاحبيه في السجن، والثالثة رؤيا الملك.

– عاش يوسف في ثلاثة أماكن أحبها: بيت أبيه وبيت العزيز وبيت الملك وهو على خزائن الأرض.

– أحب يوسف الخروج، وخرج من ثلاثة أماكن كره البقاء فيها لوقوع الظلم عليه: خرج من الجب فراراً من الهلاك جوعاً، وخرج من بيت العزيز فراراً من الوقوع في الفتنه، وخرج من السجن الذي دخله ظلماً وجوراً.

– لم يحب يوسف الخروج، أو رضي البقاء في ثلاثة أماكن أخرج منها بدون إرادته بسبب من غيره: إخراجه من حضن أبيه وإلقائه في الجب، وإخراجه من البيت الذي أكرم فيه مثواه إلى السجن، وإخراجه من السجن الذي أحبه هرباً كيد النساء إلى التحكم في خزائن الأرض، بأن أظهر له الملك براءته.

– ذكر ليوسف أسماء ثلاثة آباء: إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم جمعاً الصلاة والسلام.

– ذكر الاسم يعقوب ثلاث مرات في الآيات (6، 38، 68).

– السورة مقسومة إلى ثلاثة أجزاء: مقدمة ثم قصة ثم خاتمة.

– بينت السورة أن الابتلاء يحصل بثلاثة أشياء: في النفس وفي الشهوة وفي المال.

– أطراف الابتلاء ثلاثة: الله المبتلي والإنسان المبتلى، والشيطان يمكر ويوقع بالإنسان.

– ابتلي يعقوب بفقد أحبّ أبناءه إلى قلبه، وابتلي أخوة يوسف بفقد حبّ أبيهم لهم وحسدهم لأخيهم وفي إلقاءهم أخيهم في الجب، وابتليت امرأة العزيز بعشق يوسف ومراودته عن نفسه ثم إدخاله السجن.

– وصفت حياة الناس في البدو، وفي المدينة، وفي السجن.

– السورة الوحيدة التي وردت فيها كلمة “رحل” ومشتقاتها، ثلاث مرات، في ثلاثة آيات (62، 70، 75)، وكذلك الكلمات: العير، الذئب، يسجن، وعاء.

– تكررت فيها هذه الكلمات ومشتقاتها ثلاث مرات: خاطئين، أحسن، يعقوب، استيئس، سنبله، آيات، بصيرة، واحد، حب، حديث، حزن، حكيم، دبر، رجع، سوء، الشيطان، شهد، صبر، ضلال، ظلم، عبد، عند، غيب، أفتى، فتى، قص، كل، متاع، امرأة، مكن، أنزل، موثقاً، وجه، أوفي، اتقوا.

012.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

012.8.0- انظر سورة الكهف 018.8.0- تناسب السّور من الأعراف إلى الكهف في الربع الثاني من القرآن

012.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه وضعها بعد سورة هود زيادة على الأوجه السابقة‏:‏ أن قوله في مطلعها‏: {نحنُ نَقُصُ عَليكَ أَحسنَ القِصص} مناسبة لقوله في مقطع تلك‏: {وكلا نقُصُ عليكَ من أَنباءِ الرسل ما نُثبت به فؤادك}. وأيضاً فلما وقع في سورة هود {فبشرناها بإِسحاق ومِن وراءِ إِسحاق يعقوب} وقوله‏: {رحمة اللَهِ وبَركاتهِ عليكُم أَهل البيت} ذكر هنا حال يعقوب مع أولاده وحال ولده الذي هو من أهل البيت مع إخوته فكان كالشرح لإجمال ذلك وكذلك قال هنا‏:‏ {ويتمَ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أَتمها على أَبويك مِن قبل إِبراهيم وإسحاق} فكان ذلك كالمقترن بقوله في هود‏:‏ {رحمة اللَهِ وبَركاتهِ عليكُم أَهل البيت}. وقد روي عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب النزول‏:‏ أن يونس نزلت ثم هود ثم يوسف وهذا وجه آخر من وجوه المناسبة في ترتيب هذه السور الثلاث لترتيبها في النزول هكذا.

012.8.2- وقال الإمام برهان الدين البقاعي: لما خلل سبحانه تلك مما خللها به من القصص والآيات القاطعة بأن القرآن من عنده وبإذنه نزل، وأنه لا يؤمن إلاّ من شاء إيمانه، وأنه مهما شاءه كان، وبيّن عظيم قدرته على مثل ما عذب به الأمم، وعلى التأليف بين من أراد وإيقاع الخلاف بين من شاء، وأشار إلى أنه حكم بالنصرة لعابديه فلا بد أن يكون ما أراد لأنه إليه يرجع الأمر كله. تلاها بهذه السورة لبيان هذه الأغراض بهذه القصة العظيمة الطويلة التي لقي فيها يوسف علية الصلاة والسلام ما لقي من أقرب الناس إليه ومن غيرهم ومن الغربة وشتات الشمل، ثم كانت له العاقبة فيه على أتم الوجوه لما تدرع به من الصبر على شديد البلاء والتفويض لأمر الله جلَّ وعلا تسلية لهذا النبي الأمين وتأسية بمن مضى من إخوانه المرسلين فيما يلقى في حياته من أقاربه الكافرين وبعد وفاته ممن دخل منهم في الدين في آل بيته كما وقع ليوسف عليه السلام من تعذيب عقبه وعقب إخوته ممن بالغ في الإحسان إليهم، وقد وقع ليوسف عليه السلام بالفعل ما همّ الكفار من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بفعله به كما حكاه سبحانه في قوله {ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك (30)} الأنفال، فنجا منهم أن يكون شيء منه بأيديهم، إلاّ ما كان من الحصر في شعب أبي طالب ومن الهجرة بأمر الحكيم العليم. ثم نصر الله يوسف عليه السلام على إخوته الذين فعلوا به ذلك وملكه قيادهم، فكان في سوق قصته عقب الإخبار بأن المراد بهذه القصص تثبيته صلى الله عليه وسلم وتسلية فؤاده إشارة إلى البشارة بما وقع له صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من ملك قيادهم ورد عنادهم ومنّه عليهم وإحسانه إليهم.

وقال: ولما تقدم أول سورتي يونس وهود وصفة بالحكمة والإحكام والتفصيل، وصف هنا بأخص من ذلك فقال تعالى: {المبين} أي البين في نفسه، أنه جامع معجز لا يشتبه على العرب بوجه، والموضح لجميع ما حوى، وهو جميع المرادات لمن أمعن التدبر وأنعم التفكير، ولأنه من عند الله {ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه (111)} يوسف، و {موعظة وذكرى للمؤمنين (120)} هود، والبيان: إظهار المعنى للنفس بما يفصله عن غيره وهو غرض كل حكيم في كلامه، ويزيد عليه البرهان بأنه إظهار صحة المعنى بما يشهد به.

وقد ضمنها سبحانه من النكت والعبر والحكم أمراً عظيماً، وذكر فيها حسن مجاورة يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوته وصبره على أذاهم وحلمه عنهم وإغضاءه عند لقائهم عن تبكيتهم وكرمه في العفو. والأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والإنس والجن والأنعام والطير وسير الملوك والمماليك والتجار والعلماء والجهال والرجال والنساء ومكرهن والتوحيد والنبوة والإعجاز والتعبير والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش وجميع الفوائد التي تصلح للدين والدنيا، وذكر الحبيب والمحبوب، ولم يدخل فيها شيئاً من غيرها دون سائر القصص، وكان عقابها إلى خير وسلامة واجتماع شمل وعفو من الله وتجاوز عن الكل.

012.8.3- وقال الإمام ابو جعفر بن الزبير: هذه السورة من جملة ما قص عليه صلى الله عليه وسلم من أنباء الرسل وأخبار من تقدمه مما فيه التثبيت الممنوح في قوله سبحانه وتعالى {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك (120)} هود، ومما وقعت الإحالة عليه في سورة الأنعام، كما تقدم، وإنما أفردت على حدتها ولم تنسق على قصص الرسل مع أنهم في سورة واحدة لمفارقة مضمونها تلك القصص، ألا ترى أن تلك قصص إرسال من تقدم ذكرهم عليهم الصلاة والسلام وكيفية تلقي قومهم لهم وإهلاك مكذبيهم، أما هذه القصة فحاصلها فرج بعد شدة وتعريف بحسن عاقبة الصبر، فإنه تعالى امتحن يعقوب عليه الصلاة والسلام بفقد ابنيه وبصره وشتات بنيه، وامتحن يوسف عليه الصلاة والسلام بالجب والبيع وامرأة العزيز وفقد الأب والإخوة والسجن، ثم امتحن جميعهم بشمول الضر وقلة ذات اليد {مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا (88)} يوسف، ثم تداركهم الله بالفهم وجمع شملهم ورد بصر أبيهم وائتلاف قلوبهم ورفع ما نزع به الشيطان وخلاص يوسف عليه الصلاة والسلام من كيد كاده واكتنافه بالعصمة وبراءته عند الملك والنسوة، وكل ذلك مما أعقبه جميل صبره وجلالة اليقين في حسن تلقي الأقدار بالتفويض والتسليم على توالي الامتحان وطول المدة، ثم انجرَّ في أثناء هذه القصة الجليلة إنابة امرأة العزيز ورجوعها إلى الحق وشهادتها ليوسف عليه الصلاة والسلام بما منحه الله من النزاهة عن كل ما يشين، ثم استخلاص العزيز إياه، إلى ما انجرّ في هذه القصة الجليلة من العجائب والعبر {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب (111)} يوسف، فقد انفردت هذه القصة بنفسها ولم تناسب ما ذكر من قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام وما جرى في أممهم، فلهذا فصلت عنهم، وقد أشار في سورة برأسها إلى عاقبة من صبر ورضى وسلم ليتنبه المؤمنون على ما في طيّ ذلك، وقد صرح لهم مما أجملته هذه السورة من الإشارة في قوله تعالى {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض (55)} النور، إلى قوله {آمنا (55)} النور.

وكانت قصة يوسف عليه الصلاة والسلام بجملتها أشبه شيء بحال المؤمنين في مكابدتهم في أول الأمر وهجرتهم وتشققهم مع قومهم وقلة ذات أيديهم إلى أن جمع الله شملهم {اذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً (103)} آل عمران، وأورثهم الله الأرض وأيدهم ونصرهم، ذلك بجليل إيمانهم وعظيم صبرهم، فهذا ما أوجب تجرد هذه القصة عن تلك القصص، والله أعلم. وأما تأخر ذكرها عنها فمناسب لحالها ولأنها إخبار بعاقبة من آمن واتعظ ووقف عند ما حد له، فلم يضره ما كان، ولم تذكر إثر قصص الأعراف لما بقي من استيفاء تلك القصص الحاصل ذلك في سورة هود؛ ثم إن ذكر أحوال المؤمنين مع من كان معهم من المنافقين وصبرهم عليهم مما يجب أن يتقدم ويعقب بهذه القصة من حيث عاقبة الصبر والحض عليه، كما مر، فأخرت إلى عقب سورة هود عليه الصلاة والسلام لمجموع هذا، والله تعالى أعلم.

ثم ناسبت سورة يوسف عليه الصلاة والسلام أيضاً أن تذكر إثر قوله تعالى {إنّ الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (114)} هود، وقوله {واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (115)} هود، وقول {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة (118)} الآية، هود، وقوله {وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون (121)} هود، فتدبر ذلك. إما نسبتها للأولى فإن ندم إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام واعترافهم بخطأ فعلهم وفضل يوسف عليه الصلاة والسلام عليهم {لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين (91)} يوسف، وعفوه عنهم {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم (92)} يوسف، وندم امرأة العزيز وقولها {الآن حصحص الحق (51)} الآية، يوسف، كل هذا من باب إذهاب الحسنة السيئة، وكأن ذلك مثال لما عرف المؤمنون من إذهاب الحسنة السيئة؛ وأما نسبة السورة لقوله تعالى {واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (115)} هود، فإن هذا أمر منه سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر على قومه، فأتبع بحال يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام وما كان من أمرهما وصبرهما مع طول المدة وتوالى امتحان يوسف عليه الصلاة والسلام بالجب ومفارقة الأب والسجن حتى خلصه الله أجمل خلاص بعد طول تلك المشقات، ألا ترى قول نبينا وقد ذكر يوسف عليه الصلاة والسلام فشهد له بجلالة الحال وعظيم الصبر فقال: “ولو لبثتُ في السجن ما لبث اخي يوسف لأجبت الداعي”، فتأمل عذره له عليهما الصلاة والسلام، وشهادته بعظيم قدر يوسف عليهما الصلاة والسلام {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك (120)} هود. لما قيل له {واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (115)} هود، أتبع بحال يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام من المحسنين {ووهبنا له إسحاق ويعقوب (84)} الأنعام، إلى قوله: {وكذلك نجزي المحسنين (84)} الأنعام، وقد شملت الآية ذكر يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام، ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قد أمر بالاقتداء في الصبر بهم، وقيل له {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل (35)} الأحقاف، ويوسف عليه الصلاة والسلام من أولي العزم؛ ثم إن حال يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام – في صبرهما ورؤية حسن عاقبة الصبر في الدنيا مع ما أعد الله لهما من عظيم الثواب – أنسب شيء لحال نبينا عليه الصلاة والسلام في مكابدة قريش ومفارقة وطنه، ثم تعقب ذلك بظفره بعدوه وإعزاز دينه وإظهار كلمته ورجوعه إلى بلده على حالة قرت بها عيون المؤمنين وما فتح الله عليه وعلى أصحابه – فتأمل ذلك، ويوضح ما ذكرنا ختم السورة بقوله تعالى {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاء نصرنا (110)} الآية، يوسف، فحاصل هذا كله الأمر بالصبر وحسن عواقب أولياء الله فيه؛ وأما النسبة لقوله {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118)} هود، فلا أنسب لهذا ولا أعجب من حال إخوة فضلاء لأب واحد من أنبياء الله تعالى وصالحي عباده جرى بينهم من التشتت ما جعله الله عبرة لأولي الألباب؛ وأما النسبة لآية التهديد فبينة، وكأن الكلام في قوة {اعملوا على مكانتكم (121)} هود، {وانتظروا (122)} هود، فلن نصبر عليكم مدة صبر يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام، فقد وضح بفضل الله وجهُ ورود هذه السورة عقب سورة هود، والله أعلم. انتهى.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top