العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


038.0 سورة ص


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


038.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 88 آية. 4) الثامنة والثلاثون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثامنة والثلاثون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة القمر. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمّى أيضاً سورة داود. سماها الهذلي. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

الله 3 مرات، رب 10 مرات، خَلَق 3 مرّات؛ (2 مرّة): العزيز، الوهاب؛ (1 مرّة): الواحد، القهار، الغفار، الخالق، رحمة ربك، أنزل، فتن. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها: نعجة 4 مرات، مرحباً 2 مرة، {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ} 2 مرة، {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ} 1 مرة، {فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}؛ (1 مرة): قطنا، الصافنات الجياد، ضغثاً، تسع وتسعون.

أكثر سورة تكررت فيها: مآب 4 مرات، أواب 4 مرات، يوم الحساب 3 مرات، نبأ 3 مرات؛ (2 مرّة): الوهاب، طين، الأيد، زلفى؛ إبليس 2 مرّة هي والحجر.

وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: حق 6 مرات، عبد 6 مرات، نار 5 مرات؛ (4 مرات): بعض، حساب، خلق؛ (3 مرات): سجد، كفر، {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ (2 مرة): منذر، كذب، عجب، سبيل الله، الملائكة، استكبر، شيطان، بالعشي، شراب، شر، الصالحات.

038.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

038.3 وقت ومناسبة نزولها:

نزلت السورة حسب بعض الأحاديث عندما بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس جهراً إلى الإسلام، أي في السنة الرابعة من البعثة، فينادي ويقول: “يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا”، ففزع الكافرون من قوله وكذبوه وتعجبوا: {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)}؛ فهم لم يسمعوا من قبل بالله الواحد، ويرون في ذلك ما هو غير مألوف ومستحيل ومثير للسخرية: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)}. وذكرت أحاديث أخرى أنها نزلت بعد دخول عمر رضي الله عنه في الإسلام والذي حصل بعد الهجرة إلى الحبشة، وأخرى أنها نزلت بعد السنة العاشرة من البعثة في مرض أبي طالب، كالحديث التالي:

أخرج بن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب، دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويفعل ويفعل، ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته، فبعث إليه، فجاء النبي صلى الله عليه و سلم، فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس، فخشي أبو جهل إن جلس إلى أبي طالب أن يكون أرق عليه، فوثب فجلس في ذلك المجلس، فلم يجد رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمّه، فجلس عند الباب فقال له أبو طالب: أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك، يزعمون أنك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول، قال وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية، ففزعوا لكلمته ولقوله. فقال القوم: كلمة واحدة نعم وأبيك عشرا قالوا فما هي؟ قال: لا إله إلا الله فقاموا، فزعين ينفضون ثيابهم، وهم يقولون: {أجعل الآلهة الها واحداً إن هذا لشيء عجاب (5)} فنزل فيهم {ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق} إلى قوله {بل لما يذوقوا عذاب (8)}. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

038.4 مقصد السورة:

038.4.1- تستهجن عناد الإنسان وتشككه وتكبّره وامتناعه عن قبول الحق وسماع الذكر وفي تقليد أعمى لما وجدوا عليه آباءهم وعصبية وحمية ستهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم. وحسد لغيرهم على شيء لا يستحقونه ولا يملكون أسبابه.

في المقابل تدافع عن صدق القرآن (الوحي) وأنه من عند الله العزيز الوهاب خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق، يحكم بالعدل لا يستوي عنده المصلح والمفسد ولا المتقي والفاجر، وأنه إنذار بأن الإنسان مجازى على أعماله في الدنيا، وفي الآخرة.

038.4.2- ومقصدها، نجده في أربعة أماكن مختلفة: في أول ثلاثة آيات (1-3) ثم بعد الثلث الأول في ثلاثة آيات (27-29) ثم بعد الثلث الثاني في ستة آيات (65-70) ثم في آخر ثلاثة آيات (86-88)، وهو أن القرآن نذير يذكر الناس بالحق الذي خلقوا لأجله على الأرض، ثم ما يقابله من عناد المشركين وإعراضهم وتخاذهم الشركاء من دون الله، كما تم تفصيله أدناه.

 

038.5 ملخص موضوع السورة:

مقصدها هو إنذار المشركين لإعراضهم وعنادهم وسوء مرتكبهم بامتناعهم عن قبول الحق وسماع القرآن، كبراً وتقليداً وعصبية وحمية ستهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم، ونجده في السورة في أربعة أماكن مختلفة: في مطلعها (الآيات 1-3) حيث تتحدّث عن إعراض الكافرين وعنادهم وتشككهم وتكبّرهم وامتناعهم عن قبول الحق وسماع الذكر؛ ثم (الآيات 27-29) بأن الله لم يخلق الدنيا عبثاً باطلاً، وأنهم مبعوثون ومحاسبون، ولن يجعل جزاء المصلحين كالمفسدين في الأرض، فليدّبروا آيات الكتاب، وليتذكر أصحاب العقول؛ ثم (الآيات 65-70) الإنذار بأن لا إله إلا الله الواحد القهار رب كلّ شيء، وأن القرآن خبر عظيم النفع هم عنه غافلون منصرفون؛ وفي ختامها (الآيات 86-88) ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين، وليعلمن خبره وصدقه بعد حين.

وتتضمّن السورة أربع مجموعات من الآيات فيها قصص تؤكد مقصدها، تبدأ بقصة تكذيب وإعراض مشركي مكّة وتكذيب من كان قبلهم (13 آية)، ثم قصص المرسلين الذين اختارهم الله لرسالته (33 آية)، ثم أنباء عن المصير يوم القيامة وتخاصم أهل النار وتشاتمهم (21 آية)، ثم قصة بدء خلق آدم وعداوة الشيطان (15 آية)، كما يلي:

(الآيات 1-3) المقصد: القرآن فيه البيان والذكرى، لكن الكفار لم ينتفعوا به استكباراً وعناداً، ولم يعتبروا من هلاك من كان قبلهم من الأمم. ثم (الآيات 86-88) تختم بما بدأت به وهو أن الرسول لم يبتدع القرآن، إنما هو وحي من الله، فيه بيان وذكرى لمن يتذكر، فإن لم يفعلوا فسيعلمون صدق أخباره حين وقوعها.

(الآيات 4-16) تكذيب قريش عناداً لأنهم لم يذوقوا عذاب الله، فلو ذاقوا عذابه لما تجرؤوا على ما فعلوا؛ ثم هم في تكذيبهم كتكذيب من كان قبلهم: قوم نوح وعاد وفرعون وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة، فاستحقوا عذاب الله، وحلَّ بهم عقابه، يستعجلون العذاب في الدنيا استهزاءً بوعيده، وإن ما بينهم وبينه إلا صيحة واحدة.

(الآيات 17-49) الأمر بالصبر على ما يقولون، والبشارة بعظيم خزائن رحمة الله من التكريم والنعيم، كالذي أوتي لداود تسبح معه الجبال والطير والملك والحكمة وفصل الخطاب؛ ثمّ التعقيب بأن الله لم يخلق الدنيا عبثاً باطلاً، بل ينعم على الذين أمنوا وعملوا الصالحات ولا يعذبهم كالمفسدين في الأرض، فليدّبروا آياته وليتذكروا ما كلفهم الله به؛ ثمّ البشارة بالملك العظيم كالذي أوتي لسليمان ولم يؤت لأحد من قبله ولا من بعده؛ ثم النعمة العظيمة والاصطفاء لأيوب الصابر الأواب والجزاء العظيم بعد الابتلاء، وكذلك إبراهيم وإسحاق ويعقوب أصحاب القوة في طاعة الله وبصيرة في دينه؛ وإسماعيل واليسع وذا الكفل الذين اختارهم الله لطاعته واصطفاهم لرسالته.

(الآيات 50-70) جزاء الآخرة من الجنات لأهل تقوى الله وطاعته، لهم فيها كل ما تشتهيه أنفسهم، وتلذه أعينهم، ورزق ليس له نفاذ. وأما الطاغون المتجاوزون الحدَّ في الكفر والمعاصي، فلهم شر مرجع ومصير في النار يُعذَّبون فيها، تغمرهم من جميع جوانبهم، ويشتم بعضهم بعضاً، ثمّ التعقيب: بأن الرسول نذير، وهذا القرآن خبر عظيم النفع للناس هم عنه غافلون منصرفون، لا يعملون به.

(الآيات 71-85) قصّة خلق البشر تبيّن أن سبب كفرهم هي غواية الشيطان، حين قال تعالى للملائكة إني خالق بشراً من طين {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)}. فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس لم يسجد أنَفَةً وتكبراً، فطرده الله، مرجوماً ملعوناً إلى يوم القيامة، فطلب إبليس أن يمهله الله إلى حين يبعث الخلق من قبورهم، فجعل له ذلك، فأقسم بعزة الله ليضلنَّ بني آدم أجمعين، إلا مَن أخلصه منهم لعبادته، وعصمه من إضلاله، فلم يجعل تعالى له عليهم سبيلاً.

اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، التوّابين الأوّابين المستغفرين، المنيبين المحبين للإيمان والخير والصلاح، والصابرين على طاعتك والمتقين.

038.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

سنلاحظ أن السورة لخصت مقصدها، وهو أن القرآن نذير يذكر الناس بالحق الذي خلقوا لأجله على الأرض، ثم ما يقابله من عناد المشركين وإعراضهم وتخاذهم الشركاء من دون الله، في أربعة أماكن مختلفة: في أول ثلاثة آيات (1-3) ثم بعد الثلث الأول في ثلاثة آيات (27-29) ثم بعد الثلث الثاني في ستة آيات (65-70) ثم في آخر ثلاثة آيات (86-88).

ثم باقي السورة فهي مجموعة من القصص تدور حول مقصدها (إعراض الناس عن سماع القرآن، الذي فيه ذكر مقصد وجودهم ووظيفتهم في الدنيا ومصيرهم في الآخرة)، من أجل تسهيل فهمه وإقامة الدليل عليه. تبدأ بقصة تكذيب وإعراض مشركي مكّة عن القرآن وتكذيب من كان قبلهم، في الآيات (4-16)، ثم قصص المرسلين الذين اختارهم الله لرسالته في الآيات (17-49)، ثم أنباء عن المصير يوم القيامة وتخاصم أهل النار وتشاتمهم وأن الرسول نذير والقرآن نبأ عظيم في الآيات (50-64)، ثم قصة بدء خلق آدم وعداوة الشيطان له في الآيات (71-85).

038.6.1- المقصد: القرآن فيه البيان والذكرى لمن يتذكر بأن الله واحد لا شريك له، خلق الناس ليبتليهم بالعمل ويجزيهم بأعمالهم. لكن الكفار لم ينتفعوا به استكباراً وحمية ومخالفة ومعانده. ولم يعتبروا بهلاك من كان قبلهم من الأمم المشركة الذين استغاثوا وتابوا )فقط( حين جاءهم العذاب وقد أغلق باب التوبة فلم يستجب لهم. الآيات (1-3)

تختم السورة أيضاً بثلاثة آيات تكرر ما بدأت به وهو أن الرسول لم يبتدع القرآن، ولكنه وحي من الله، وأن القرآن بيان وذكرى لمن يتذكر، فإن لم يفعلوا فسيعلمون صدق أخبار هذا القرآن بعد حين أي وقت وقوعها على الحقيقة في الدنيا حين يغلب الإسلام أو في الآخرة حين وقوع العذاب. الآيات (86-88)

038.6.2- قصة تكذيب قريش وتكذيب الأمم من قبلهم:

038.6.2.1- تبدأ بقصة إعراض مشركي مكّة عن القرآن. فتبين تكذيب قريش عناداً لأنهم لم يذوقوا عذاب الله، فلو ذاقوا عذابه لما تجرؤوا على ما فعلوا وقالوا. هل يملكون خزائن فضل الله أم هل لهم مُلْك السماوات والأرض وما بينهما، فيُعْطوا ويَمْنعوا؟ فليأخذوا إذاً بالأسباب الموصلة، حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع. الآيات (4-11)

038.6.2.2- تكذيب من كان قبلهم: قوم نوح وعاد وفرعون وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب. فاستحقوا عذاب الله، وحلَّ بهم عقابه. الآيات (12-14)

038.6.2.3- تعقيب على إعراض المشركين وتكذيبهم: إن بين هؤلاء المكذبين وبين وقوعهم في العذاب هو صيحة واحدة لا رجوع بعدها. فليستمرّوا على استهزائهم واستعجالهم أن يأتيهم نصيبهم من العذاب في الدنيا قبل يوم القيامة. الآيات (15-16)

038.6.3- قصص تبين أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق، وعنده خزائن الرحمة يهبها لمن يشاء، كل الخلق يسير على السنن والأسباب، من سار على السنن سعد ومن خالفها تعس.

038.6.3.1- جزاء الدنيا من التكريم والنعيم الذي أوتي لداود تسبح معه الجبال والطير، وأوتي من الملك والحكمة وفصل الخطاب. الآيات (17-26)

038.6.3.2- التعقيب على قصة داود بأن الله لم يخلق الدنيا عبثاً باطلاً، فالويل لمن يظن ذلك. بدليل أن الله أنعم على الذين أمنوا وعملوا الصالحات ولم يجعلهم كالمفسدين في الأرض الذين حل عليهم عذابه، ذلك لا يليق بحكمته. فليدّبروا آيات الكتاب، وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به. الآيات (27-29)

038.6.3.3- جزاء الدنيا من الملك العظيم الذي أوتي سليمان ولم يؤتى لأحد من قبله ولا من بعده. الآيات (30-40)

038.6.3.4- النعمة العظيمة والاصطفاء لأيوب الصابر الأواب والجزاء العظيم بعد الابتلاء. وكذلك إبراهيم وإسحاق ويعقوب فإنهم أصحاب قوة في طاعة الله، وبصيرة في دينه. وإسماعيل واليسع وذا الكفل الذين اختارهم الله من الخلق، واختار لهم أكمل الأحوال والصفات. اختارهم الله لطاعته، واصطفاهم لرسالته. الآيات (41-49)

038.6.4- أنباء عن المصير يوم القيامة وتخاصم أهل النار وتشاتمهم:

جزاء الآخرة من الجنات لأهل تقوى الله وطاعته، لهم فيها كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه أعينهم، ورزق ليس له نفاذ. وأما الطاغون المتجاوزون الحدَّ في الكفر والمعاصي، فلهم شر مرجع ومصير في النار يُعذَّبون فيها، تغمرهم من جميع جوانبهم، ويشتم بعضهم بعضاً. الآيات (50-64)

038.6.5- القرآن هو نبأ عظيم فيه قصة خلق آدم ونفخ الروح فيه، وفيه نبأ بداية عداوة إبليس له:

يخبرنا القرآن بأن الله لم يخلق الناس باطلاً بل ليختبر أعمالهم وليقيم العدل بينهم، لا يستوي عنده المصلح والمفسد ولا المتقي والفاجر.

038.6.5.1- الرسول هو نذير فقط. وليس هناك إله إلا الله وحده، القهَّارُ الذي قهر كل شيء وغلبه، مالك السماوات والأرض وما بينهما العزيز في انتقامه، الغفار لذنوب مَن تاب من عباده. وهذا القرآن هو خبر عظيم النفع للناس هم عنه غافلون منصرفون، لا يعملون به. الرسول ليس له علم باختصام الملائكة في شأن خلق آدم، لولا تعليم الله له وإيحاؤه إليه، وما هو إلا نذير من عذابه، مبيِّن شرعه. الآيات (65-70)

038.6.5.2- خلق آدم ونفخ فيه من روح الله. حين قال تعالى للملائكة إني خالق بشراً من طين. فإذا سوَّيته ونفخت فيه الروح، فدبت فيه الحياة، فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون طاعة وامتثالا غير إبليس، فإنه لم يسجد أنَفَةً وتكبراً، متعللاً أن خلقتني من نارٍ، وخلقته من طين. (والنار خير من الطين) وكان من الكافرين في علم الله تعالى. فطرده الله من الجنة مرجوم ملعون إلى يوم القيامة. فطلب إبليس أن يمهله الله إلى حين يبعث الخلق من قبورهم، فجعل له ذلك. فأقسم بعزة الله ليضلنَّ بني آدم أجمعين، إلا مَن أخلصه منهم لعبادته، وعصمه من إضلاله، فلم يجعل له عليهم سبيلاً. قال تعالى لأملان جهنم منك ومن ذريتك وممن تبعك من بني آدم أجمعين. الآيات (71-85)

038.6.5.3- قل أيها الرسول للمشركين لا أطلب منكم أجراً أو جزاءً على دعوتكم وهدايتكم، ولا أدَّعي أمراً ليس لي، ولا أتكلفه، بل أتبع ما يوحى إليَّ. ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين من الجن والإنس، يتذكرون به ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم. ولتعلمن أيها المشركون خبر القرآن وصدقه، حين يقع عليكم العذاب، وتنقطع عنكم الأسباب. الآيات (86-88)

038.7 الشكل العام وسياق السورة:

038.7.1- إسم السورة: وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره أن معنى {ص}: الله صادق فيما وعد، وقد انبسط هذا الصدق على كل صدق في الوجود فاستمال كل من فيه من نوع من الصدق، ولهذا قال في السورة التي بعدها {والذي جاء بالصدق وصدق به (33)} الزمر، فذكر هؤلاء الأنبياء عليهم السلام شاهد وجودي على ما هو معنى الصاد من أنه مطابقة ما بين الخلق والأمر.

وتسمى سورة داود عليه السلام (كما قال ابن الجوزي رحمه الله) وحاله صلى الله عليه وسلم أدل أحوال من فيها من الأنبياء على هذا المقصود، لما كان فيه من الضعف أولاً والملك آخراً.

إن في هذا القرآن لذكرى لمن يتذكر وعبرة لمن يعتبر وإنما لم ينتفع به الكافرون لأنهم في استكبار عنه وحميّة ومخالفة له ومعاندة ومفارقة. ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من السماء. فالسورة تشير إلى بغي الناس بعضهم على بعض ومخاصمتهم في الباطل، تعصباً (وحميّة)، ونزاعهم بسبب غواية إبليس لهم وتكبرهم بتزيينه ذلك لهم. لذلك أنزل القرآن (وكذلك الكتب السابقة) من عند الله يذكرهم بأنهم خلقوا للعبادة وليعملوا بما أمرهم الله به من العبادة لله وحده واتباع دينه، فإن هم أطاعوا فازوا، وإن هم استكبروا وعاندوا خسروا. الناس جعلوا خلفاء على الأرض، مأمورين بتحكيم عقولهم واتباع الحق وأن لا يتبعوا الهوى فيضلوا عن سبيل الله فيعذبوا (آية 26). كل الناس سيفتنون كما فتن داوود وسليمان لكي يجتازوا الاختبار فيفوزوا بحسب صبرهم وإخلاصهم في أعمالهم.

تبين السورة ما كانت عليه قريش من الكبر والحسد والتعصب والشك والتعجب حين استقبلت الوحي المنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم، وعجب الكفار ليس لعيب في الرسالة لكن لمخالفته ما عليه آبائهم {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلا اختلاق (7)}. كما تبين أن الخلق ثمّ الحساب في الآخرة ليس لعب أو باطل. وأنّ عدالة الله تقتضي أن لا يتساوى في الجزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمفسدين في الأرض ولا المتّقين والفجار. وأن عطاء الله للصابرين يبدأ في الدنيا قبل الآخرة، وتجيء قصص خمسة عشرة من الرسل والأمم كيف أن الله سبحانه وتعالى نصرهم أو أكرمهم أو اصطفاهم.

وتبين مصائر الأمم السابقة، الذين طغوا وتجبروا واستعلوا على الرسل والمؤمنين، ثم انتهوا إلى الهزيمة والدمار والخذلان، وهم أقوام نوح وعاد وفرعون وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة. الهزيمة والدمار والهلاك للطغاة المكذبين. ثم تعرض بإزائها صفحة العز والتمكين والرحمة والرعاية لعباد الله المختارين، في قصص داود وسليمان وأيوب. هذا وذلك في واقع الأرض. ثم في يوم القيامة وما وراءه من صور النعيم والرضوان. وصور الجحيم والغضب. حيث يرى لوناً آخر مما يلقاه الفريقان في دار البقاء. بعدما لقياه في دار الفناء.

038.7.2- سياق السورة باعتبار مناسبة نزولها وترتيب آياتها:

038.7.2.1- الآيات (1-10) تبدأ السورة بالإشارة الى الجلسة التي نزلت بمناسبتها. معتمدة على الحوار الذي تم بين الرسول صلى الله عليه وسلم والكفار من قريش كمقدّمة لموضوعها. يقول الله سبحانه وتعالى أن السبب الحقيقي وراء عدم قبولهم للدين، هو ليس ما جاء به الدين، بل هو تكبرهم وحسدهم وتعصبهم. هم لا يريدون أن يأتيهم رسول منهم بل يصرّون على البقاء على ما وجدوا عليه آبائهم وأجدادهم. وإذا جاءهم الهدى من عند ربّهم وقيل لهم أن آبائهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، انزعجوا واعتبروه شيئاً عجيباً أو جديداً عليهم، لم يألفوه من قبل أو حتى شيء مستحيل. لأنهم يعتقدون أن موضوع جعل الآلهة إله واحد وموضوع وجود اليوم الآخر ليس شيئا مستحيلا فقط بل هو موضوع مثير للضحك والسخرية.

038.7.2.2- الآيات (11-49) لقد حذّر الله سبحانه وتعالى الكفّار عاقبة كفرهم وأبلغهم بأن مصيرهم الهزيمة {جندٌ ما هنالك مهزوم من الأحزاب (11)}. وذكر مثلاً كيف أن ستة من الأقوام السابقة استحقوا العقاب لأنهم كذّبوا الرسل. كما ذكر قصّة نصره وعنايته بثلاثة من المرسلين السابقين. واصطفاءه واختياره لستة من المرسلين.

هذه القصص تدافع عن صدق الوحي إلى محمّد عليه السلام، وأن ما جاء به هو الحق، فهي تعرض آثار رحمة الله بالرسل قبله: وما أغدق عليهم من نعمة وفضل، وما آتاهم من ملك وسلطان ومن رعاية وإنعام. وذلك رداً على عجب قومه من اختيار الله له. وما هو ببدع من الرسل. وفيهم من آتاه الله إلى جانب الرسالة الملك والسلطان، وفيهم من سخر له الجبال يسبحن معه والطير، وفيهم من سخر له الريح والشياطين. كداود وسليمان. فما وجه العجب في أن يختار الله محمداً الصادق لينزل عليه الذكر من بين قريش في آخر الزمان؟

038.7.2.3- الآيات (50-70) قصص حقيقية عن النبأ العظيم وما فيه من الأنباء عن الجنة أو النار وعن وعد الله فيه، وتفاصيل عجيبة عن كيفية ونوعية الحوار الذي سيتم بين الكفار في ذلك اليوم الذي يراه الكفار مستحيلا.

بعد ما جاء في الآيات السابقة من الابتلاء والصبر، والرحمة والإفضال، مع المختارين من عباد الله. والحياة الرفيعة في الدنيا للمؤمنين بعد أن أظهرهم الله على الأحزاب. تتابع هذه الآيات مع عباد الله المتقين، ومع المكذبين الطاغين إلى العالم الآخر وفي الحياة الباقية بمشاهد لنعيم المؤمنين وآخر لعذاب الكافرين في الآخرة:

{لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49)} يقابله {لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55)}

{جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} يقابله {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)}

{مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)} يقابله {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)}

{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) … مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} يقابله {وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)}

أما أولئك الطاغين من أهل جهنم، كانت في الدنيا متوادة متحابة، وهي اليوم متناكرة متنابذة كان بعضهم يملي لبعض في الضلال.

038.7.2.4- الآيات (71-88) بيان السبب الرئيسي لغواية الإنسان، وقصة بداية العدو الأول الذي ظهر مع بدايات خلقه. وبيان صريح لخطّة عداوته واسلوبه لعل الإنسان يأخذ حذره {إن هو إلا ذكر للعالمين (87)}. ولعلّ كفار قريش يعتبروا ويحذروا من أن الحسد والكبر الذي يمنعهم من قبول الدين هو الذي منع إبليس اللعين من إطاعة أمر الله سبحانه وتعالى.

هذه القصّة ذكرها الله تبارك وتعالى في سبع سور: هي سورة البقرة، والأعراف، والحجر، والإسراء، والكهف، طه، وص؛ وفيها أن الله سبحانه وتعالى، أعلم الملائكة قبل خلق آدم عليه الصلاة السلام، بأنه سيخلق بشراً من صلصال من حمأ مسنون، وقد تقدّم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته، فليسجدوا له إكراماً وإعظاماً واحتراماً وامتثالاً لأمر الله عزّ وجلّ، فامتثل الملائكة كلّهم سوى إبليس ولم يكن منهم جنساً، كان من الجن {إلا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربه (50)} الكهف.

انظر أيضاً سورة الحجر، 015.8.3- تناسب مقاصد وموضوعات وسياق السور السبع التي ذكرت فيها قصة خلق آدم وعداوة إبليس في القرآن.

038.7.3- سياق السورة باعتبار ما جاء فيها من القصص:

احتوت السورة على قصص حقيقية حصلت في الماضي في 55 آية من آياتها، أي ما يعادل ستة من كل عشرة آيات من السورة. واحتوت على 15 آية تتحدث عن مصير الناس في الآخرة وقصص تنعمهم في الجنة أو عذابهم في النار. أما باقي السورة 18 آية فهي تبين مقصدها وموضوعاتها الرئيسية. وذلك كما يلي:

038.7.3.1- القصص: احتوت على قصص من الماضي الغابر يعود إلى بداية خلق الإنسان وحمله الأمانة وبداية عداوة إبليس لآدم، ثم عن الماضي الأقرب وبدئ الوحي إلى قوم نوح مروراً بالأمم إلى أن انتهى بنزول القرآن على أمة محمّد صلى الله عليه وسلم، ثم في قصص عن المستقبل البعيد ما بعد البعث وقيام الساعة وهو وقت دخول أصحاب الجنة في الجنة منعمين ودخول أصحاب النار في النار متخاصمين. الآيات (4-8، 12-26، 30-64، 71-85) = 70 آية = 79.55%

038.7.3.1.1- مشركي مكة: قصة تبين ما كانت عليه قريش من الكبر والحسد والتعصب والشك والتعجب حين استقبلت الوحي إلى محمّد عليه السلام، وعجب الكفار ليس لعيب في الرسالة لكن لمخالفتها ما عليه آبائهم. الآيات (4-8) = 5 آيات

038.7.3.1.2- الإشارة إلى تكذيب الأمم من قبل قوم نوح وعاد وفرعون وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة. الآيات (12-16) = 5 آيات

038.7.3.1.3- بيان نعيم الله ورحماته تتنزل على عباده المخلصين داوود وسليمان وأيوب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب. الآيات (17-26، 30-49) = 30 آية

038.7.3.1.4- بيان المقصد من خلق آدم ووجود الشيطان. وقد خلق الله سبحانه آدم ونفخ فيه من روحه ليختبره ويرقيه في الاختبار حتى يصير من عباده المخلصين. لولا غواية الشيطان وتربصه بآدم ليدخله معه في جهنم. الآيات (71-85) = 15 آية

038.7.3.1.5- بيان نعيم وأحوال أهل الجنة في الجنة في نعيم مقيم مع الحور العين ورزق لا نفاذ له، وبيان عذاب أهل النار في النار يتخاصمون ويشتمون بعضهم لأنهم السبب في ضلالهم ودخولهم النار. ذلك لكلي يعلموا أن الأمر جد وليس لعب فيأخذ كل حذره. الآيات (50-64) = 15 آية

038.7.3.2- مقصد السورة وموضوعاتها الرئيسية: الآيات (1-3، 9-11، 27-29، 65-70، 68-88) = 18 آية = 20.45%

تستهجن عناد الإنسان وتكبّره وامتناعه عن قبول الحق وسماع الذكر وفي تقليد أعمى لما وجدوا عليه آباءهم وعصبية وحمية ستهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم. وحسد لغيرهم على شيء لا يستحقونه ولا يملكون أسبابه. في المقابل تدافع عن صدق القرآن (الوحي) وأنه من عند الله العزيز الوهاب خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق، يحكم بالعدل لا يستوي عنده المصلح والمفسد ولا المتقي والفاجر، وأنه إنذار بأن الإنسان مجازى على أعماله في الدنيا، وفي الآخرة.

038.7.4- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

باعتبار موضوعات الآيات سنجد أنها تنقسم إلى ثلاثة مجموعات متساوية تقريباً من الآيات، أي ثلاثة أثلاث، كل ثلث يبين بطريقة مختلفة مقصد السورة وهو أن القرآن (والكتب السابقة) من عند الله تذكرهم بأنهم خلقوا للعبادة، وليعملوا بما أمروا به من العبادة لله وحده واتباع دينه، فإن هم أطاعوا فازوا، وإن هم استكبروا وعاندوا خسروا. وأن الناس مفتونون في دينهم لكي يجتازوا الاختبار فيفوزوا. الناس جعلوا خلفاء على الأرض، مأمورون بتحكيم عقولهم واتباع الحق وأن لا يتبعوا الهوى فيضلوا عن سبيل الله فيعذبوا (آية 26)

ثلث عدد آيات السورة (29 آية) تتحدث باستغراب واستهجان عن إعراض الناس عن الحق استكباراً وتقليداً، وثلث عدد آيات السورة الثاني (29 آية) قصص فيها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، الثلث الثالث من الآيات عبارة عن مجموعتين متساويتين من الآيات تبينان مصير المؤمنين ومصير المتكبرين (30 آية).

038.7.4.1- فإن ثلث عدد آيات السورة (29 آية) تتحدث باستغراب واستهجان عن إعراض الناس عن الحق استكباراً وتقليداً في خمسة مجموعات من الآيات مختلفة من السورة كما يلي: الآيات (1-16، 27-29، 47، 65-70، 86-88)

038.7.4.1.1- مقدمة طويله تستهجن على الناس تكبرهم وامتناعهم من قبول الحق (أي عزتهم وشقاقهم)، والعزة عند العرب: الغلبة والقهر الآيات (1-16)

هذه المقدمة طويله تستهجن على الناس تكبّرهم وامتناعهم من قبول الحق وسماع الذكر، وهذه طبيعة بشرية مهلكة، فالإنسان مهما كان وضعه أو مستواه في المجتمع يرى أنه أعز وأعلى من غيره من الناس، وهذه صفة مجرّبة لا تخفى على أحد (وتؤكدها الآية 8)، حتى أفقر الناس أو أقلهم في المجتمع احتراماً أو حتى أشدهم مرضاً، يرى من نفسه أنه يستحق أكثر وأعلى وأشرف مما يستحقه أي أحد غيره من الناس إلا من رحم الله ممن هدي لسماع الحق. لقد ورثوا عن آبائهم أن الآلهة التي يعبدونها كثيرة، فهم ألفوا بذلك أنهم على حق وآباؤهم على حق، فكيف يخرج بشر منهم ومثلهم فيجعل كل هذه الآلهة إلاهاً واحداً؟ إن هذا بمقاييسهم اجتراء وتطاول على دينهم وتسفيه لأحلامهم لا يصدّق، وقد قالوه كبراً وحميّة وانتصاراً لآلهتهم (وهو الإثم الذي ارتكبه ابليس، الآيات 74-78)، ولو أصغوا للذكر الذي هو من عند الله خالقهم لآمنوا. وهذا ما تؤكده الآية الثانية من السورة، أي أن الكفار يدعون عزة ليسوا أهلاً لها ولا عندهم من أسبابها (والعزة عند العرب: الغلبة والقهر)، وشقاق سيهلكهم بسبب ما يلي: (وفي سورة الصافات وفي غيرها فإن العزة لله {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)}):

038.7.4.1.1.1- هم يرون كيف أهلك الله القرون السابقة، الذين استغاثوا حين جاءهم العذاب، فلم يستطيعوا الفرار ولا الخلاص مما أصابهم. وهم مع ذلك يعجبون (كما فعل الذين من قبلهم) من بعث الله إليهم منذر منهم يدعوهم إليه ويخوفهم عذابه، وقالوا عنه كاذب وساحر ويحرضون عليه ويقولون ما سمعنا به في دين آبائنا. واستمرّوا على الشرك وتعدد الآلهة يمشون على خطا الذين هلكوا من قبل. فقد قالوا ذلك؛ لأنهم لم يذوقوا عذاب الله، فلو ذاقوا عذابه لما تجرؤوا على ما قالوا. الآيات (1-8)

038.7.4.1.1.2- لا يملكون شيئاً، لا يملكون خزائن الرحمة لأنها لله العزيز في سلطانه. ولا يملكون السماوات والأرض وما بينهما فيعطوا أو يمنعوا فلا يملكون أسباب ذلك، لأن لها مالك غيرهم وهو الله الذي أنزل عليهم الذكر. الآيات (9-10)

038.7.4.1.1.3- هؤلاء الجند المكذِّبون جند مهزومون، كما هُزم غيرهم من الأحزاب قبلهم، كذَّبت قبلهم قوم نوح، وعاد، وفرعون، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب. فاستحقوا عذاب الله، وحلَّ بهم عقابه. الآيات (11-14)

038.7.4.1.1.4- تستهجن على الناس تكبرهم وامتناعهم من قبول الحق، واستعجالهم العذاب في الدنيا قبل يوم الحساب استهزاءاً، وما ينتظر هؤلاء المشركون لحلول العذاب عليهم سوى الصيحة ما لها من رجوع. الآيات (15-16)

038.7.4.1.2- في مقابل هذا التكبر والامتناع تتوعدهم الآيات بالويل من النار لإعراضهم: الآيات (27-29)

بعد أن استهجنت على الناس تكبرهم وامتناعهم من قبول الحق تتوعدهم بالويل من النار يوم القيامة، وتحث المؤمنين على الصبر، لأنه لا يمكن أن يكون هذا الخلق العظيم المحكم للسماوات والأرض وما بينهما عبثاً ولهواً باطلاً، كذلك لا يمكن في قانون الله الواحد العادل أن يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمفسدين في الأرض، ولا أهل التقوى المؤمنين وأصحاب الفجور الكافرين؟ هذه التسوية غير لائقة بحكمة الله وحُكْمه؟ هذا الكتاب أنزله الله مبارك؛ ليتفكروا في آياته، ويعملوا بهداياته ودلالاته، وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به.

038.7.4.1.3- ثم يبين لهم أن هؤلاء الذين يتكبرون عليهم هم خيارهم الذين اختارهم لطاعته واصطفاهم لرسالته: الآية (47)،

الله يصطفي من عباده خيارهم، يختارهم لطاعته، ويصطفيهم لرسالته.

038.7.4.1.4- ينذرهم من عذابه أن يحل بهم، فليس هناك إله مستحق للعبادة إلا الله وحده، وما على الرسول إلا البلاغ المبين: الآيات (65-70)،

الله ينذرهم من عذابه أن يحل بهم، فليس هناك إله مستحق للعبادة إلا الله وحده، القهَّارُ الذي قهر كل شيء وغلبه. مالك السماوات والأرض وما بينهما العزيز في انتقامه، الغفار لذنوب مَن تاب إليه. إن هذا القرآن خبر عظيم النفع. أنتم عنه غافلون منصرفون، لا تعملون به.

ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم علم باختصام ملائكة السماء في شأن خلق آدم، لولا تعليم الله. ما يوحي الله إليه مِن عِلْم إلا لأنه نذير لكم من عذابه، مبيِّن لكم شرعه.

038.7.4.1.5- ثم خاتمة مختصرة لمقصد السورة وهو أن الرسول لا يدعوهم لدنيا يريدها أو أجر يناله منهم، وهو لم يأت بشيء من عند نفسه، ما هو إلا مذكر لهم بما أوحي إليه في القرآن بما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم، وسيعلمون خبر هذا القرآن وصدقه (يعني حقيقة ما فيه من الوعد والوعيد) عن قريب. الآيات (86-88)

خاتمة مختصرة لمقصد السورة: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لمشركي قومك: ما أسألكم على هذا الذكر وهو القرآن الذي أتيتكم به من عند الله أجراً، وما أنا من المتكلفين ما لم يأمرني الله به. ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين من الجن والإنس، يتذكرون به ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم. ولتعلمن أيها المشركون خبر هذا القرآن وصدقه، يعني حقيقة ما فيه من الوعد والوعيد بعد حين، (حين يَغْلب الإسلام، وحين يقع عليكم العذاب).

038.7.4.2- ثلث عدد آيات السورة الثاني (29 آية) قصص فيها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، ولأمته، بأن الله قادر على كل شيء، عنده خزائن كل شيء، يصطفي من عباده من يشاء، ويهب ما يشاء من رزقه وفضله لمن يشاء. والدليل على هذا ما جاء في قصص الأنبياء داوود وسليمان وأيوب، فانظروا وتأملوا ماذا يفعل الله واهب الرزق والفضل والنعم لعباده المخلصين: الآيات (17-26، 30-46، 48، 49)

بينت الآيات السابقة أن السبب في اعتراض هؤلاء الكفار على القرآن هو عجبهم من أن الله اختار له منذر منهم، هو بشر من عامتهم يدعوهم إليه (آية 4). واعترضوا لأن الله اختص محمد صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن وليس أحد من عظمائهم أو رؤسائهم (آية 8)، وهذا الاعتراض يشبه اعتراض إبليس على خلق آدم في آخر السورة (في الآيات 71-85). فهل هم يملكون خزائن فضل الله، أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما حتى يعترضوا على حكمه؟

038.7.4.2.1- يقول تعال لنبيه: اصبر على ما يقولونه مما تكره (فقد وعدت بالنصر والظفر والتأييد) واذكر عبدنا داود صاحب القوة على أعداء الله والصبر على طاعته، إنه توَّاب كثير الرجوع إلى ما يرضي الله. الآيات (17-26) = 10 آيات

لقد أنعم الله على داوود نعمة عظيمة يعجز الخيال عن استيعابها: لقد سخَّر معه الجبال الصمّاء يسبِّحن بتسبيحه صباحاً ومساءاً، وسخر معه الطير مجموعة تسبِّح، وتطيع تبعاً له. وقوَّى له ملكه بالهيبة والقوة والنصر، وآتاه النبوة، والفصل في الكلام والحكم.

ولأن الله خلق بني آدم ليختبرهم، وحتى في هذا الملك الواسع العظيم فلا بدّ من الابتلاء، وهو ابتلاء ضروري لكي يترقى المؤمنون والأنبياء والصالحون في رتب الكمال. ففي الآيات دخل على داود في مكان عبادته خصمان يختصمان ظلم أحدهما الآخر ليقضي بينهما بالعدل. فتعجل في الحكم وأيقن داود أن الله فتنه بهذه الخصومة، فاستغفر ربه، وسجد تقرباً، ورجع إليه وتاب (أو ظن أن يكون ما آتاه الله من سعة الملك العظيم فتنه فاستغفر الله من هذا الظن) فغفر الله له هذا الظن أو التعجل في الحكم، وجعله من المقرَّبين عنده، وأعد له حسن المصير في الآخرة. واستخلفه في الأرض وملَّكه فيها، ليحكم بين الناس بالعدل والإنصاف، ولا يتبع الهوى في الأحكام، فيُضله ذلك عن دين الله وشرعه، إن الذين يَضِلُّون عن سبيل الله لهم عذاب أليم في النار؛ بغفلتهم عن يوم الجزاء والحساب.

038.7.4.2.2- وتتواصل النعمة في ذرية داوود عليه السلام، فوهب لداود ابنه سليمان، فأنعم به عليه، وأقرّ به عينه، نِعْم العبد سليمان، إنه كان كثير الرجوع إلى الله والإنابة إليه. الآيات (30-40)

الله لم يخلق الناس ليعذبهم بل ليكرمهم، لكن لا يمكن أن يكون من العدل والحكمة أن يتساوى الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع المفسدين في الأرض ولا أن يكون المتقين كالفجار.

لقد ورث سليمان عن أبيه الملك، وحين عُرِضت عليه عصراً الخيول الأصيلة السريعة، حتى غابت الشمس. فقال: إنني آثرت حب المال عن ذكر ربي، فشرع يمسح سوقها وأعناقها براً بها وإكراماً لها (أو تشريفاً لها وإبانة لعزتها، لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو، ولكونه يباشر الأمور بنفسه). ولقد فتن سليمان في ملكه بأن ألقي على كرسيّه جسداً، وآتاه الله من الملك ما اختبر به طاعته، إذ من الفتنة ما يهدي الله بها من يشاء، ويختبر بها من يشاء حتى يظهر المهتدي من الضال. ثم رجع سليمان إلى ربه وتاب، وطلب منه ملكاً عظيماً خاصاً لا يكون مثله لأحد من البشر بعده، فاستجاب له، وذلل له الريح تجري بأمره، وسخر له الشياطين يستعملهم في أعماله. ثم وإن لسليمان عند الله في الدار الآخرة لَقربةً وحسن مرجع.

038.7.4.2.3- ومن عباد الله المخلصين الذين اختبرهم نبيه أيوب عليه السلام: وكان أيوب عليه السلام نبياً غنياً من أصحاب العقار والماشية. وكان أميراً في قومه. أصابته بلوى عظيمة في نفسه وماله وأهله. وأنه صبر على ذلك صبراً يضرب به المثل لثباته وسعة صدره وشجاعته. وأنه جوزي بحسَنَة صبره أضعافاً مضاعفة. الآيات (41-44)

حين دعا ربه أن الشيطان تسبب له بتعب ومشقة، وألم في جسده وماله وأهله. وكان يوسوس إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء، ويغريه على الكراهية والجزع، فالتجأ إلى الله تعالى أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل، فأذهب الله عنه الضر، وأكرمه فوهب له أهله من زوجة وولد وزاده مثلهم رحمة وإكراماً على صبره. كذلك وهبه رحمة أخرى ونعمة ثانية بالخروج من حنث اليمين، برخصة ترفع الحرج، بأن يأخذ بيده ضغثاً، نعم العبد كان صابراً على البلاء.

038.7.4.2.4- ومن عباد الله الذين ابتلاهم: إبراهيم وإسحق ويعقوب وكانوا أصحاب قوة في طاعة الله، وبصيرة في دينه، اختارهم لطاعته، واصطفاهم لرسالته. وكذلك إسماعيل، واليسع، وذا الكفل، كانوا من الأخيار الذين اختارهم الله من الخلق، واختار لهم أكمل الأحوال والصفات، وإن لهم في الآخرة حسن مآب في الجنة. الآيات (45، 46، 48، 49)

038.7.4.3- الثلث الثالث من الآيات عبارة عن مجموعتين متساويتين من الآيات تبينان مصير المتكبرين، في المجموعة الأولى نبأ مصير الناس يوم القيامة إما الجنة وإما النار. وفي المجموعة الثانية مصير إبليس ومن تبعه من بني آدم. وفيها تفصيل نبأ إبليس الذي لعنه الله وطرده من رحمته بسبب امتناعه من السجود لآدم. الآيات (50-64، 71-85)

هؤلاء الكفار (الذين هم في عزة وشقاق ويحسدون الرسول لأنه أوتي الرسالة من دونهم) يفعلون كما فعل إبليس حين استكبر فحسد آدم على تكريم الله له.

038.7.4.3.1- المجموعة الأولى فيها نبأ الآخرة جنات عدن مفتحة أبوابها ورزق ما له من نفاذ لأهل تقوى الله وطاعته. وجهنم وبئس المهاد أعدت للطاغين. وعند توارد الطاغين على النار يَشْتم بعضهم بعضاً لأنهم أضلوا بعضهم بعضاً في الدنيا. ثم يتساءل الطاغون: ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالا كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار الأشقياء؟ هل تحقيرنا لهم واستهزاؤنا بهم خطأ، أو أنهم معنا في النار، لكن لم تقع عليهم الأبصار؟ إن ذلك من جدال أهل النار وخصامهم حق واقع لا مرية فيه. الآيات (50-64)

 

038.7.4.3.2- المجموعة الثانية فيها قصة عجيبة حصلت يوم خلق الله آدم عليه السلام وهي عصيان إبليس لما أمره به من السجود واعتزازه بنفسه وتحقيره لآدم. وتبين عاقبة من يعصي الله ويتكبر على خلقه وعن طاعته. الآيات (71-85)

لا شيء في الوجود يستطيع أن يعصي الله، بل الكل مسيّر مجبر على طاعته. فأراد سبحانه وتعالى أن يخلق مخلوقاً مسيّر على شكل مخير، أي مخلوق يفعل الأشياء باختياره لكن في مجال محدد جداً، وهو في النهاية مسيّر لا يخرج عن علم الله ولا عن ملكه. وجعل الله له ذلك فيختبر فيه حسن اختياره، ثم ينال يعصي جزاءه بحسب أفعاله، فكان هذا المخلوق هو آدم عليه السلام. تماماً كما خيّر إبليس في السجود لآدم فاستكبر فعوقب، ولو شاء الله لأجبره على طاعته. هذا المخلوق الجديد الذي هو آدم خلقه من طين سوّاه ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له. ظن إبليس أنه هو أحق بهذا التكريم من آدم لأنه خلق من نار وآدم خلق من طين وفي تقديره أن النار خير من الطين بينما الله ميّز آدم عن سائر مخلوقاته بأنه نفخ فيه من روحه وميّزه بالعقل الذي هو من صفة الله. بهذا العقل ومن هذه النفخة من روح الله يستطيع الإنسان أن يتخلق ويتصف ببعض من أسماء الله الحسنى من مثل العدل والرحمة والخلق والملك وغيرها. استكبر إبليس ورأى نفسه خير من آدم فعصى الله فأخرجه الله من رحمته وأنزل عليه لعنته إلى يوم الدين. ولو تراجع إبليس عن كفره لغفر الله له، فالله لا يريد أن يعذب مخلوقاته، لكنه تمادى في كفره واستعلائه، وأصرّ على ذلك إصرار عجيب، بل وطلب أن يمهله الله إلى يوم البعث حتى يغوي آدم فيكون شريكاً له في الدخول في العذاب والطرد من رحمة الله. فأنظره الله، وتوعده هو ومن يتبعه من بني آدم بالعذاب في جهنم، إلا من أخلصهم الله لنفسه وأخلصوا له بالعبادة وعصمهم من إضلاله فهم في حفظ الله ولا سلطان لإبليس عليهم.

038.7.5- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

038.7.5.1- آيات القصص: (3-8، 12-26، 30-48، 65-88) = 64 آية.

038.7.5.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (49-64) = 16 آية.

038.7.5.3- الأمثال في الآيات: (9-11) = 3 آيات.

038.7.5.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-2، 27-29) = 5 آيات.

038.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

038.8.0- وقد تكررت قصّة خلق آدم عليه السلام، والأمرُ بسجود الملائكة وعداوةُ إبليسَ له، ثم زلّتُه بعصيانه أمر ربه في القرآن سبع مرات في سبع سور هي: البقرة، والأعراف، والحجر، والإسراء، والكهف، طه، وص. فكانت قصّةً وتجرُبةً ومثالاً، وجُزءاً أساسياً من الهدى، الذي ثنّي ذكره في القرآن، وفيها من العبر بأن طاعةَ الله فيها الفوز والفلاح، ومعصيتُه فيها الخسران والعذاب. وخلاصة العبر والدروس المستفادة منها هي: في سورة البقرة أن الشيطان حسود متكبّر مطرود من رحمة الله، بينما الإنسان خطّاء توّاب مهتد؛ وفي الأعراف أن الشيطان يدّعي كذباً أنه ناصح أمين للإنسان، وأكثر الناس يصدقونه؛ وفي الحجر عصيان إبليس أمر الله له بالسجود، وتكبره، وطرده من رحمة الله، وعداوته للناس يزيّن لهم في الأرض ويغويهم، وأكثرهم يتبعونه، ولكن عباد الله المخلصين ليس للشيطان عليهم سلطان إلا من اتبعه منهم؛ وفي الإسراء تكرر ذكر الأمان للإنسان بأن الشيطان ليس له عليه سلطان فالله هو الوكيل؛ وفي الكهف آية واحدة تأمر الإنسان وتحذّره بأن لا يتخذ الشيطان وذريته أولياء من دون الله وهم لهم عدوّ؛ وتعود هذه العبر والدروس وتتكرر في تناظر مع النصف الثاني من القرآن: ففي سورة طه أن الشيطان حسود متكبّر مطرود من رحمة الله، بينما الإنسان خطّاء توّاب مهتد، لكنه نسي عهد ربه فعصى أمره، فأخرجه من الجنة وأهبطه إلى الأرض، عقاباً على هذه الزلّة، ثم وعده تعالى بأن يأتيِه بالهدى فإن اتبع الهدى فلا ضلالَ ولا شقاء، وبصورة مشابهة للقصّة التي في سورة البقرة؛ وأخيراً في سورة ص: سجود الملائكة وتكبّر إبليس، ثمّ طلبه من الله أن يمهله لكي يغوي ويضل بني آدم بصورة مشابهة للقصة التي في سورة الأعراف.

038.8.1- في سورة الصافات أقسم سبحانه بالملائكة (التي تملأ الكون مخلصة لله في تنفيذ أوامره) بأن الله واحد لا إله إلا هو، وهو رب العزة، وهو رب كل شيء، ويقيم الدليل على ذلك بزينة السماء بالكواكب وبحفظ والأرض من الشياطين، لذلك على الكل أن يخلص له وحده في العبادة. هنا يقسم سبحانه بالقرآن المشتمل على تذكير الناس بما هم عنه غافلون (بأن الأمر ليس كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة) بل هو الله الواحد لا شريك له {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)}، ولكن الكافرين متكبرون على الحق مخالفون له.

038.8.2- قال الإمام جلال الدين السيوطي: هذه السورة بعد الصافات كطس (النمل) بعد الشعراء وكطه والأنبياء بعد مريم وكيوسف بعد هود في كونها متممة لها بذكر من بقى من الأنبياء ممن لم يذكروا فيها فإنه سبحانه ذكر في الصافات نوحاً وإبراهيم والذبيح وموسى وهارون ولوطاً وإلياس ويونس وذكر هنا داود وسليمان وأيوب وأشار إلى بقية من ذكر فهي بعدها أشبه شيء بالأنبياء وطس بعد مريم والشعراء.

038.8.3- وقال البقاعي في نظم الدرر: مقصد سورة “ص” بيان ما ذكر في آخر الصافات من أن جند الله هم الغالبون، وإن رئي أنهم ضعفاء، وإن تأخر نصرهم، غلبة آخرها سلامة للفريقين، لأنه سبحانه واحد لكونه محيط بصفات الكمال كما أفهمه آخر الصافات من التنزيه والحمد وما معهما. ولأن ما له من الصفات العالية أكثر من ضدها وأفخم وأعلى وأضخم، لذلك ذكر من فيها من الأنبياء الذين لم يكن على أيديهم إهلاك، بل ابتلوا وعرفوا وسلمهم الله من أعدائهم من الجن والإنس.

038.8.4- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما ذكر تعالى حال الأمم السالفة مع أنبيائهم في العتو والتكذيب، وأن ذلك أعقبهم الأخذ الوبيل والطويل، كان هذا مظنة لتذكير حال مشركي العرب وبيان سوء مرتكبهم وأنهم قد سبقوا إلى ذلك الارتكاب، فحل بالمعاند سوء العذاب، فبسط حال هؤلاء وسوء مقالهم ليعلم أنه لا فرق بينهم وبين مكذبي الأمم السالفة في استحقاق العذاب وسوء الانقلاب، وقد وقع التصريح بذلك في قوله تعالى {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد} إلى قوله: {إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب} ولما أتبع سبحانه هذا بذكر استعجالهم في قوله {عجل لنا قطناً قبل يوم الحساب} أتبع ذلك بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر فقال {اصبر على ما يقولون} ثم آنسه بذكر الأنبياء وحال المقربين الأصفياء {وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك}.

038.8.5- راجع سورة الزمر (039.8.1).

انظر أيضاً تناسب وتناسق سورة الأحقاف مع غيرها من السور؛ وتناسب سور الحواميم مع بعضها ومع السورتين التي قبلها والتي بعدها (في 046.8.2)؛ وتناسب وتناسق الحواميم مع بعضها ومع قبلها وبعدها في (046.8.4).

انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top