العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


041.0 سورة فصلت


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


041.1 التعريف بالسورة:

1) مكية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 54 آية. 4) الحادية والأربعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والرابعة والستون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “غافر”.  6) أسماء أخرى للسورة: وتسمى أيضاً سورة السجدة وسورة المصابيح. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

{الله} 10 مرات، {لله} 1 مرة، إله 1 مرة، إلهكم 1 مرة، رب 12 مرة، خَلَق 4 مرّات، هو 3 مرات؛ (2 مرة): له، العليم، رحيم؛ (1 مرّة): واحد، رحمن، العزيز، السميع، البصير، غفور، حكيم، شهيد، حميد، قدير، محيط، ذو مغفرة، ذو عقاب، محيي، أحيا، أنزل. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكر فيها (1 مرّة): لا تسمعوا، عريض، سنريهم، الآفاق، الآية {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} هي والآية 200 في الأعراف.

أكثر سورة ذكر فيها: ظن 5 مرات هي ويونس، صاعقة 3 مرات، جلود 3 مرات، فصلت 2 مرة، يومين 2 مرة، عربي 2 مرّة، صرصراً 1 مرة هي والقمر.

وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: عمل 11 مرة، كفر وكافرون 9 مرات، آيات 8 مرات، قالوا 8 مرات؛ (5 مرات): ظن، عذاب، قل؛ (4 مرات): خلق، الأرض، آمنوا، شيء، نار؛ (3 مرات): قرآن، كتاب، أعرض، سماء، دنيا، آخرة، صالح، جزاء، جلود، شهد، يوم، صاعقة؛ (2 مرة): عربي، الساعة، دعاء، رسل، أرسل، أشد، قوة، أحسن، ليل، نهار، فصلت، أيديهم، عبد، يومين، أيام، شمس، قمر، الحق، ملائكة، جن، خاسرين، شهيد، وقر، نزغ؛ (1 مرة): جنة، شك، مريب، غليظ، نأى، بشير، نذير، دخان، سبع، أربعة، حجاب، مصابيح، ممنون، دخان، صرصراً، نحسات، يوزعون، قيضنا، أعجمي، يلحدون.

041.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

انظر فضائلها وما ورد عنها من الأثر في سورة غافر (040.2).

وقد اختار النّبي صلّى الله عليه وسلّم الكلمات: { حم (1) … لَا يُنْصَرُونَ (16)} لتكون شعاراً للمسلمين يوم الخندق، كما في جوامع السّيرة لابن حزم. وبتأمّل الآيات ما بين هذه الكلمات نجد أنّ الله تعالى قد هزم الأحزاب يوم الخندق كما أهلك عاد بالرّيح، في قوله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)}. فكان في الشّعار دليلين من دلائل نبوّة النّبي صلى الله عليه وسلّم، وأنه لا ينطق عن الهوى، وذلك باختياره الشّعار إشارة إلى أنّ الله سيرسل عليهم الرّيح كما أرسل على قوم عاد، وبإخباره بأنّ الأحزاب يوم الخندق {لَا يُنْصَرُونَ (16)}.

وفي الحديث عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِى صُفْرَةَ أنّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: “إِنْ بُيِّتُّمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لاَ يُنْصَرُونَ” رواه أبو داوود، وفي الترمذي: “إِنْ بَيَّتَكُمُ الْعَدُوُّ فَقُولُوا: حم لاَ يُنْصَرُونَ”، وعند أحمد والبيهقي ايضاً: “مَا أُرَاهُمُ اللَّيْلَةَ إِلاَّ سَيُبَيِّتُونَكُمْ فَإِنْ فَعَلُوا فَشِعَارُكُمْ حم لاَ يُنْصَرُونَ”. وليس في الحديث دلالة على استحباب الدّعاء بهاتين الكلمتين عند طلب النّصر، كونها اتخذت شعاراً للتعارف في حال القتال بالليل فقط، وقيل معناه الخبر، كأنه قال والله لا ينصرون، ولو كان معناه الدّعاء لكان مجزوما أي لا ينصروا.

041.3 وقت ومناسبة نزولها:

نزلت السورة مع بداية الدعوة الجهريّة. وفي الأحاديث الصحيحة فإن هذه السورة نزلت بعد إسلام حمزة وقبل اسلام عمر رضي الله عنهما. عندما قرأ النبي محمد عليه السلام هذه السورة من بدايتها على عتبة بن ربيعة وقد أرسلته قريش ليفاوضه بالمال أو الرياسة أو الزواج مقابل الكف عن الذي فرقهم وعاب آلهتهم. حتى وصل قوله تعالى {فإن أعرضوا فقل: أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود (13)} عندئذ هبّ عتبة يمسك بفم النبي صلى الله عليه وسلم في ذعر وهو يقول: ناشدتك الرحم أن تكف. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

041.4 مقصد السورة:

041.4.1- المقصد: بيان عظمة القرآن وجلالة آياته وتفصيله (بشيراً ونذيراً) وكبير الرحمة به لمن تعلمه وعمل به: الله الرحمن الرحيم، أنزل قرآناً آياته مفصلات، ومعانيه واضحات، بلغة سهلة، يعلمونها ويفهمونها، بشيراً بالثواب ونذيراً بالعقاب، فأعرض عن سماعه أكثر الناس. فكانت النتيجة هلاك وخسران من أعرض وعاند، ونجاة وفوز من استمع وآمن:

وبمعنى أوسع: بيان عظمة القرآن وجلالة قدره وتفصيله (بشيراً ونذيراً) وكبير الرحمة به: الله الرحمن الرحيم (بمخلوقاته)، أنزل القرآن (آية قائمة إلى قيام الساعة)، آياته مفصلات (بالقصص والأمثال والأحكام والعبر، والأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، والحق والباطل، والثواب والعقاب، والإشارات إلى التفكّر في الآيات البيّنات في السماوات والأرض والأنفس، وغيرها مما لا يحصى من أساليب الخطاب والوعظ التي تلامس عقول وقلوب ونفوس كل الناس على اختلاف مشاربهم) ومعانيه واضحات بلغة سهلة يعلمونها ويفهمونها (فلا يستطيعون الإتيان بمثلها، وفي ذكر هذا تقريعاً لهم وتوبيخاً)، بشيراً بالثواب ونذيراً بالعقاب، فأعرض عنه أكثر الناس (متعللين بحجج واهية باطلة) لا يريدون سماعه. فكانت النتيجة هلاك وخسران من أعرض وعاند، ونجاة وفوز من استمع وآمن.

041.4.2- ومقصدها نجده في الآيات (1-4) كتاب أنزله {الرحمن الرحيم (2)}، فصلت آياته تمام التفصيل، قرآناً عربياً ميسَّراً فهمه لقوم يعلمون. بشيراً بالثواب العاجل والآجل لمن آمن به وعمل بمقتضاه، ونذيراً بالعقاب العاجل والآجل لمن كفر به. فأعرض عنه أكثر الناس، فهم لا يسمعون له. فيه من العلم والهدى والنور والشفاء والرحمة والخير الكثير، وهو طريق السعادة في الدارين. {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر، وهو عليهم عمى، أولئك ينادون من مكان بعيد (44)}.

041.5 ملخص موضوع السورة:

وباعتبار ترتيب آياتها فهي تتضمّن مقدمة (الآيات 1-5) تبيتن مقصدها وهو أن القرآن أنزله {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، مفصّل بلغة سهلة ميسّرة، أعرض عنه الكافرون فحجبوا عن الحق، ثم مجموعتان من الآيات الأولى (الآيات 6-36) تشير إلى أوامر وآيات الله التي في القرآن، والثانية (الآيات 37-51) آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق، ثم خاتمة (الآيات 52-54) تلخّص موضوعاتها الثلاثة أعلاه، كما يلي:

مقدمة (5 آيات): تبين أن القرآن {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)}، مفصّل بلغة سهلة يسيرة {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)}، معرضون حجبهم كفرهم عن الحق عاملون وفق هواهم ودينهم الباطل.

المجموعة الأولى (31 آية): تبدأ بـ (الآيات 6-8) تبلّغهم أن الرسول بشرٌ مثلهم وأن إلههم واحد، فالويل للمشركين والأجر العظيم للمؤمنين الذين يعملون الصالحات. ثمّ (الآيات 9-12) توبخهم على شركهم بالله رب العالمين، خالق الأرض والسماوات والجبال والأرزاق وكل شيء وحافظها {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)}. ثمّ (الآيات 13-18) تنذرهم بهلاك الأمم من قبلهم قوم عاد وثمود حين كفروا بربهم وعصوا رسله، ثم نجاة القلة المؤمنون الذين كانوا يتقون. (الآيات 19-24) وتحذرهم من عذاب النار يوم القيامة، يوم تشهد عليهم جوارحهم، بعد أن أنطقها الله وأشهدها عليهم، فأصبحوا في العذاب خاسرين. (الآيات 25-29) قيّض الله لهم بجحودهم قرناء يزيّنون لهم سوء أعمالهم حتى تقوم عليهم الحجة ويحق عليهم القول بالخسران والعذاب الشديد في الدنيا والآخرة. (الآيات 30-36) في المقابل فالذين أمنوا واستقاموا تؤيدهم وتثبتهم الملائكة في الدنيا، وتبشرهم بالجنة التي كانوا يوعدون، وتحثهم على الدعوة إلى الله سبحانه، وتأمرهم بالعفو والحلم والإحسان إلى المسيئين، وبالاستعاذة بالله من وسوسة الشياطين.

المجموعة الثانية (15 آية): تبدأ بـ (الآيات 37-40) تذكّرهم بآيات الله: في الليل والنهار، والشمس والقمر، والملائكة يسبحون بالليل والنهار لا يسأمون، والأرض اليابسة إذا نزل عليها المطر دبَّت فيها الحياة، وتحرّكت بالنبات، فكما لا تعجز قدرته عن إحياء الأرض فكذلك لا تعجز عن إحياء الموتى، ولا يخفى عليه الذين يكفرون بالقرآن ويحرّفونه، فإنه بصير بأعمالهم وسيجازيهم عليها. (الآيات 41-45) هذا القرآن كتاب عزيز تعهّد الله الحكيم الحميد بإعزازه وحفظه من أي تغيير فلا يقربه الباطل أبداً، وهو هدى وشفاء للمؤمنين، لا يؤمن به الكافرون كما لم تؤمن بكتبهم الأمم من قبلهم، واختلف قوم موسى على التوراة، إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم. (الآيات 46-48) من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)}، إليه يرد علم الساعة ولا يحدث شيء إلا بعلمه ولا يخفى عليه شيء وما من حسابه من مهرب. (الآيات 49-51) لا يملُّ الإنسان من طلب الدنيا، وإن أصابته شدة فهو يؤوس قنوط مسيء الظن بربه، ولئن أذاقه الله نعمة من بعد شدّة لم يشكر، وينكر البعث والحساب، فيوقع نفسه في العذاب الشديد.

خاتمة (3 آيات) تعيد تلخيص موضوعات السورة: فالآية (52) تنذرهم بأن القرآن الذي يكفرون به من عند الله، فمن أضلّ منهم في كفرهم وشقاقهم البعيد عن الهدى. والآية (53) سيريهم الله آياته في الآفاق والأنفس حتى يتبيّن لهم أن القرآن حق تنزيل من رب العالمين. والآية (54) ألا إنهم في شكّ من لقاء ربهم {أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}.

اللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخلصوا في عبادتك وصبروا واستقاموا على دينك وبشّروا بجنتك.

041.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

موضوعات السورة بحسب ترتيب آياتها:

السورة هي مقدمة تبين المقصد ثم موضوعين فيهما إشارة إلى عظيم الكتاب وتفصيله وجلالة قدره وإعجازه وكبير الرحمة به، ثم خاتمة.

الآيات (1-5) مقدمة تبين المقصد.

الآيات (6-36) أوامر وآيات الله التي في القرآن.

الآيات (37-51) آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق.

الآيات (52-54) تلخيص موضوعات السورة بمنطق الحق والعقل والواقع الذي فيه مصلحتهم: أن هذا القرآن إذا كان من عند الله، وكفروا به فقد ضلوا ولا أحد أضل منهم. وأن الله أراهم وسيريهم آياته حتى يتبين لهم أنه الحق. لكن القضية أنهم في مرية من لقاء ربهم، وهو بهم محيط، فلا عذر لهم بعد هذا البيان والتفصيل.

041.6.1- مقدمة تبين المقصد: الآيات (1-5)

041.6.1.1- هذا القرآن تنزيل من الرحمن الرحيم، فصلت آياته تمام التفصيل، عربياً ميسَّراً فهمه لقوم يعلمون اللسان العربي. بشيراً بالثواب العاجل والآجل لمن آمن به وعمل بمقتضاه، ونذيراً بالعقاب العاجل والآجل لمن كفر به. فأعرض عنه أكثر الناس، فهم لا يسمعون له.

041.6.1.2- أكثر الناس قالوا قلوبنا في أغطية مانعة لنا من فهم ما تدعونا إليه، وفي آذاننا صمم فلا نسمع، ومن بيننا وبينك ساتر يحجبنا عن إجابة دعوتك، فاعمل على وَفْق دينك، كما أننا عاملون على وَفْق ديننا.

041.6.2- الآيات (6-36) أوامر وآيات الله التي في القرآن:

041.6.2.1- الآيات (6-8) بلغهم أيها الرسول أنك بشر مثلهم وأن إلههم واحد لا شريك له فليعبدوه وليستقيموا على ذلك وليطلبوا مغفرته. وبلغهم وعيد الله لهم بالعذاب على شركهم وكفرهم بالآخرة. ووعده بالأجر العظيم غير المنقطع للمؤمنين الذين يعملون الصالحات.

041.6.2.2- الآيات (9-12) بلّغهم (موبخاً لهم ومتعجباً من فعلهم) أن الذي يشركون به هو الله رب العالمين، خالق الأرض والسماوات والجبال والأرزاق ومزين السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً بتقدير منه وهو العزيز في ملكه، العليم الذي أحاط علمه بكل شيء.

041.6.2.3- الآيات (13-18) أنذرهم عذاباً يستأصلهم من الدنيا إن هم أعرضوا، مثل ما حل بالأمم من قبلهم قوم عاد وثمود من العذاب والهلاك حين كفروا بربهم وعصوا رسله. ثم نجاة القلة المؤمنون الذين كانوا يتقون.

041.6.2.4- الآيات (19-24) حذرهم عذاب النار يوم القيامة. يوم يحشرون فيها فتشهد على أعمالهم جوارحهم، بعد أن أنطقها الله بأنهم يستحقون العذاب. وقد ظنوا أن الله لا يعلم أعمالهم التي يعصونه بها، فأهلكهم ظنهم السيِّئ وأوردهم النار، فأصبحوا خاسرين، لا يقبل لهم عذر.

041.6.2.5- الآيات (25-29) بين لهم أنه بسبب إعراضهم قيض الله لهم قرناء يزينون لهم سوء أعمالهم حتى تقوم عليهم الحجة ويحق عليهم القول بالخسران والعذاب الشديد في الدنيا والآخرة. يقول الكافرون بعضهم لبعض: لا تسمعوا لهذا القرآن، ولا تطيعوه، ولا تنقادوا لأوامره، وارفعوا أصواتكم، لعلكم تغلبونه. فجزاؤهم النار خالدين فيها بما كانوا يجحدون الحجج والآيات.

041.6.2.6- الآيات (30-36) في المقابل بين لهم أن الذين أمنوا واستقاموا تؤيدهم وتثبتهم الملائكة في الدنيا، وتبشرهم بالجنة التي كانوا يوعدون. وتقول لهم نحن أنصاركم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم في الجنة كل ما تشتهيه أنفسكم وكل ما تطلبون ضيافة وإنعاماً مِن غفور رحيم. ثم تحثهم على الدعوة إلى الله سبحانه، وتبين فضل العلماء الداعين إليه على بصيرة. وتأمرهم بالعفو والحلم والإحسان إلى المسيئين لتتحوّل عداوتهم إلى ولاية. وتأمرهم بالاستعاذة بالله من وسوسة الشياطين.

041.6.3- الآيات (37-51) آيات الله التي تدل على أن الله هو الواحد الخالق المستحق لأن يطاع وأن يعبد. وأن القرآن عزيز بإعزاز الله وحفظه له، وأنه كلام الله لعباده يبشرهم بالجنة ويتوعدهم بالنار، وأن الله لا يخفى عليه شيء وأنه يحيي ويميت، وسيبعث الناس ليحاسبهم على أعمالهم. وقد أنزل القرآن مفصلاً وبلغتهم التي يفهموها فيعلموا سنة الله فيهم، وأنهم مبتلون في أعمالهم وأنهم سيحاسبون، لأن الإنسان لجهله يكفر وهو في النعمة ويدعوا ربه وهو في الشدة، ويغفل عن أن الله يبتليه في الحالين.

041.6.3.1- الآيات (37-40) يبين لهم آياته العظيمة في مخلوقاته لكي يعبدوه هو خالقها، فهو أعظم منها، لا أن يعبدوا مخلوقاته، التي منها: الليل والنهار، والشمس والقمر، والملائكة الذين عنده يسبحون بالليل والنهار لا يسأمون. ومن الآيات الأرض اليابسة التي لا نبات فيها، فإذا أنزل عليها المطر دبَّت فيها الحياة، وتحركت بالنبات، فكما لا تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها، فكذلك لا تعجز عن إحياء الموتى. وكذلك لا يخفى عليه الذين يكفرون بالقرآن ويحرفونه، فإنه بصير بأعمالهم وسيجازيهم عليها، فليعملوا ما يشاؤوا، وفيه وعيد وتهديد لهم.

041.6.3.2- الآيات (41-45) هذا القرآن هو كتاب عزيز تعهد الله الحكيم الحميد بإعزازه وحفظه من أي تغيير فلا يقربه الباطل أبداً. ما يقول عنه هؤلاء المشركون إلا ما قد قاله مَن قبلهم مِنَ الأمم لرسلهم. إن هذا القرآن هو هدى وشفاء للمؤمنين. والذين لا يؤمنون به في آذانهم صمم، وعلى قلوبهم عَمًى، فلا يهتدون به. إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم. لقد آتى قوم موسى التوراة فاختلفوا فيها ولولا كلمة سبقت من ربك بتأجيل العذاب لفُصِل بينهم بإهلاك الكافرين في الحال.

041.6.3.3- الآيات (46-48) الحساب آية لأن هذا الظلم الذي يملأ الأرض سيزول وتعود الحقوق لأصحابها، من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها. وخبر الساعة آية لأن فيها يقام العدل بين العباد فلا تظلم نفس شيئاً. ستأتي الساعة ولا يعلم وقت مجيئها إلا هو، ولا يحصل شيء إلا بعلمه، وما تخرج من ثمرات من أوعيتها، وما تحمل مِن أنثى ولا تضع حَمْلها إلا بعلم من الله، لا يخفى عليه شيء من ذلك. يوم تأتي الساعة سوف يذهب عن هؤلاء المشركين شركاؤهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله، ولن ينفعوهم من عذاب الله وحسابه.

041.6.3.4- الآيات (49-51) صفات الإنسان أنه يكفر وهو في النعمة ويدعوا ربه وهو في الشدة:

لا يملُّ الإنسان من طلب الدنيا، وإن أصابه شدة فهو يؤوس قنوط بسوء الظن بربه. ولئن أذاقه الله نعمة من بعد شدة لم يشكر، بل يطغى وينسب الخير لنفسه لأنه يستحقه، وينكر البعث والحساب، وينكر أن الله وعد في كتابه المفصل أن يحاسبهم على أعمالهم، فيوقع نفسه في العذاب الشديد. ولما كان هذا هو حال الإنسان وطبعه فلا بد من كتاب يذكّره بأنه في النعمة يترفع عن الانقياد للحق، وفي الضرّاء فهو في دعاء لربه كثير.

041.6.4- الآيات (52-54) ثلاثة آيات كل منها تعيد تلخيص موضوع من موضوعات السورة:

فالآية (52) تشير إلى أوامر الله ونواهيه التي في القرآن ونذير من أعرض وبشير من آمن في الآيات (6-36). والآية (53) تشير إلى آيات الله في معجزة حفظ القرآن وفي الآفاق والأنفس وإحياء الموتى وقيام الساعة في الآيات (52-54). والآية (54) تشير إلى مقصد السورة وهو شكهم العظيم في كلام الله ووعيده بالبعث والحساب في الآيات (1-5).

041.7 الشكل العام وسياق السورة:

041.7.1- اسم السورة: سميت بهذا الاسم لأن الله تعالى فصّل فيها الآيات، ووضح فيها الدلائل على قدرته ووحدانيته، وأقام البراهين القاطعة على وجوده وعظمته، وخلقه لهذا الكون البديع الذي ينطق بجلال وعظيم سلطانه.

ويدل ذكر اسمها {فصلت} في بداية السورة {لقوم يعلمون (3)} على أن هذا التفصيل كافي (مذكور في السورة وفي الكتاب وبلغتهم) لمن يعلم هذا التفصيل ممن أراد أن يتعلم، لكن ما يمنع علمهم واستفادتهم من هذه الآيات هو أعراضهم {بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4)} وقولهم في الآية (5). كما تستمر الإشارة إلى التفصيل وتواصله مع مرور الزمان حتى يعلموا أنه الحق في ختام السورة {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق (53)} لكن ما يمنع استفادتهم هو شكهم العظيم في البعث بعد الممات ولقاء الله {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}.

ويشير اسمها السجدة إلى ما في آياتها من الطاعة له بالسجود الذي هو أقرب مقرب من الملك الديان، والتسبيح الذي هو المدخل الأول للإيمان.

041.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

باعتبار موضوعات الآيات نجد أن السورة احتوت على أربعة موضوعات رئيسة في نصفين متساويين من عدد الآيات: النصف الأول فيه ثلاثة موضوعات وهي: القرآن كلام الله المفصل المحفوظ من الباطل، يخاطب به الناس يأمرهم بالعبادة والعمل الصالح، ويبشرهم بالثواب ويحذرهم من العقاب. كتاب أنزله {الرحمن الرحيم (2)}، فيه من العلم والهدى والنور والشفاء والرحمة والخير الكثير، وهو طريق السعادة في الدارين. {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر، وهو عليهم عمى، أولئك ينادون من مكان بعيد (44)}.

ثم إعراض أكثر الناس عن القرآن واتباعهم الباطل فاستحقوا العقاب، وأن من صفة الإنسان أنه لا يؤمن إلا إذا وقع عليه العذاب وسلبت منه النعمة. ثم الآيات الدالة على الله وعلى صدق كتابه. النصف الثاني فيه موضوع واحد فيه تفصيل ما جاء به القرآن من البشارة للمؤمنين والنذارة للكافرين، كما يلي:

041.7.2.1- القرآن: كلام الله المفصل الذي تعهد بحفظه، فلا يأتيه الباطل من بين يديه لا من خلفه. أنزله على رسوله ليكون بشيراً بالثواب، ونذيراً بالعقاب: الآيات (1-4، 6، 7، 41، 42، 44، 46) = 10 آيات = 18.52%

إن هذا القرآن المفصل لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه وحفظه له من كل تغيير أو تبديل، لا يأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه ولا يبطله شيء، فهو محفوظ من أن يُنقص منه، أو يزاد فيه، تنزيل من حكيم بتدبير أمور عباده، محمود على ما له من صفات الكمال. أنزله على رسول بشر مثلهم، يبشر الناس بالثواب، وينذرهم بالعقاب. هذا القرآن للذين آمنوا هدى من الضلالة، وشفاء لما في الصدور من الشكوك والأمراض، والذين لا يؤمنون بالقرآن في آذانهم صمم من سماعه وتدبره، وهو على قلوبهم عَمًى، فلا يهتدون به.

041.7.2.2- أكثر الناس معرضين عن القرآن: مشغولين بنعم الله عليهم في الدنيا التي يعصونه بها، ومعرضين عن سماع كلامه ويمنعون غيرهم من سماعها، وأنهم لا يؤمنون إلا إذا وقع عليهم العذاب وسلبت منهم النعمة: الآيات (5، 26، 43، 45، 49-52، 54) = 9 آيات =16.67%.

041.7.2.2.1- الآيات (5، 26، 43، 45) كلام الناس عن القرآن وإعراضهم عنه لانشغالهم بالنعيم:

قالوا قلوبنا في أغطية مانعة لنا من فهم ما تدعونا إليه، وفي آذاننا صمم فلا نسمع، ومن بيننا وبينك ساتر يحجبنا عن إجابة دعوتك، فاعمل على وَفْق دينك، كما أننا عاملون على وَفْق ديننا. ويقول بعضهم لبعض لا تسمعوا لهذا القرآن، ولا تطيعوه، ولا تنقادوا لأوامره. وهذا الذي يقال، قد قاله كل الأمم لرسلهم. إن الله لذو مغفرة لذنوب التائبين، وذو عقاب لمن أصرَّ على الكفر.

041.7.2.2.2- الآيات (49-52، 54) صفة الناس: وأن أكثرهم مشغولين بنعم الله عليهم في الدنيا يعصونه بها، وأنهم لا يؤمنون إلا إذا وقع عليهم العذاب وسلبت منهم النعمة.

041.7.2.3- آيات الله الدالة على أنه هو الحق وعلى أن قوله الحق: الآيات (9-12، 37، 39، 47، 53) = 8 آيات = 14.81%

نراها في خلق السماوات والأرض والشمس والقمر وفي خلق الناس وفي تقدير الرزق وغيرها. وتبين الآيات أن المكذبين من الجن والإنس هم وحدهم الذين لا يسلمون بهذه الحقائق ولا يستسلمون لله وحده، بينما السماء والأرض والشمس والقمر والملائكة. كلهم يسجدون لله ويخشعون ويسلمون ويستسلمون.

خلق الأرض في يومين، جعل في الأرض رواسي وبارك فيها وقدر فيها أرزاقها وأحياها بالماء. وخلق السماوات السبع من الدخان، وزين السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً. وخلق الشمس والقمر وجعل الليل والنهار. وأن الله سيظل يري هؤلاء المكذبين آياته في السماوات والأرض وفي أنفسهم وما اشتملت عليه من بديع آيات الله وعجائب صنعه، حتى يتبين لهم من تلك الآيات بيان لا يقبل الشك أن القرآن الكريم هو الحق الموحَى به من رب العالمين.

041.7.2.4- تفصيل ما جاء به القرآن من البشارة للمؤمنين الذين تتولاهم الملائكة، والنذارة للكافرين الذين يتخلى شركائهم عنهم وتشهد جوارحهم على سوء أعمالهم يوم القيامة، وقد جاءت في نصف عدد آيات السورة، كما يلي: (8، 13-25، 27-36، 38، 40، 48) = 27 آية = 50 %

بينت السورة عناد كفار قريش ونفورهم من سماع رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولشدّة عدائهم حرصوا على تضليل الناس حتى لا يسمعوا القرآن. فأخبرهم سبحانه أن القرآن عمى على من لا يؤمن به ولكنّه شفاء للمؤمنين، وسواء حجبتم سمعكم وأبصاركم أو لم تفعلوا فليس من وظيفة الرسل سوى إسماع وإفهام من يريد ذلك، فالرسل بشر مثلكم. الله الذي تكفرون به هو وحده خالق كل شيء، فاحذروا عاقبة إعراضكم {عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى (16)}. وعلى العكس من الكفر، ففي الآيات (30-36) تشجيع للمؤمنين بأنّ الملائكة تواليهم وتحميهم في الدنيا والآخرة وأن الله السميع العليم قادر على حمايتهم من الشيطان.

041.7.2.4.1- بشارة المؤمنين: الآيات (8، 18، 30-36، 38) = 10 آيات = 18.52%

إن الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة، لهم ثواب عظيم غير مقطوع. تتنزل عليهم الملائكة عند الموت تثبتهم وتبشرهم بالجنة، وتقول لهم كنا أولياؤكم ونحفظكم في الدنيا، وكذلك نكون معكم في الآخرة.

وتحثهم الآيات على الدعوة إلى الله وحده وعبادته وعمل الصالحات. هناك فرق عظيم بين الحسنة والسيئة، فليدفع المؤمن بالتي هي أحسن وليصبر على الإحسان، وما يُوفَّق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة. وليستجر المؤمن بالله وليعتصم به من وسوسة الشيطان ليحمله على مجازاة المسيء بالإساءة.

كل المخلوقات بحاجة إلى عبادة الله وتسبيحه، أما هو فلا. فإن يستكبر المشركون، فالملائكة الذين عند الله يسبحون له، وينزِّهونه عن كل نقص بالليل والنهار، وهم لا يملّون.

041.7.2.4.2- إنذار الكافرين وتخويفهم: الآيات (13-17، 19-25، 27-29، 40، 48) = 17 آية = 31.48 %

إنذارهم بما أصاب الأمم من قبلهم من العذاب الهون الذي استحقوه بما كسبت أيديهم.

إنذارهم بما ينتظرهم من العذاب الشديد في النار يوم القيامة جزاءً على شركهم وكفرهم وإعراضهم عن سماع كلام الله.

إنذارهم بأن سمعهم وأبصارهم وجلودهم ستشهد عليهم وعلى سوء أعمالهم يوم القيامة.

إنذارهم بأن الله هيأ لهم بسبب إعراضهم وظلمهم وجحودهم قرناء فاسدين من شياطين الإنس والجن، يزينون لهم قبائح أعمالهم في الدنيا. وأن من يدعونهم من الشركاء ويتخذونهم آلهة في الدنيا سيخذلونهم ويتخلّون عنهم يوم القيامة بل سيكونون معهم شركاء في النار.

041.7.3- سياق السورة باعتبار القصص الموجودة فيها: باعتبار القصص نجد أن السورة احتوت على أربعة موضوعات رئيسة في نصفين متساويين من عدد الآيات، كما يلي:

– النصف الأول وفيه آيات القصص في الدنيا وفي الآخرة: (27 آية)

041.7.3.1- القصص في الدنيا في الآيات (4-9، 14-18، 25، 26، 30-32، 45) = 17 آية.

041.7.3.2- القصص في الآخرة في الآيات (19-24، 27-29، 48) = 10 آيات.

– النصف الثاني وفيه خطاب الله تعالى للناس فيبين لهم آياته ويأمرهم بالعبادة والعمل الصالح، ويبشرهم بالثواب ويحذرهم من العقاب. ثم إعراض أكثر الناس عن القرآن واتباعهم الباطل فاستحقوا العقاب: (27 آية)

041.7.3.3- آيات الله في الدنيا في الآيات (10-13، 37-40، 47، 53) = 10 آيات.

041.7.3.4- فعل الله وفعل العبيد في الآيات (1-3، 33-36، 41-44، 46، 49-52، 54) = 17 آية.

041.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

041.7.4.1- آيات القصص: (4-9، 13-18، 25، 26، 43، 45) = 16 آية.

041.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (19-24، 27-29، 48) = 10 آيات.

041.7.4.3- الأمثال في الآيات: (44، 49-52) = 5 آيات.

041.7.4.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (10-12، 37-40، 47، 53) = 9 آيات.

041.7.4.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-3، 30-36، 41، 42، 46، 54) = 14 آية.

041.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

041.8.0- وهكذا بينت السورة أن الله {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أنزل القرآن بحججه وآياته وبيّناته رحمة للناس لكي يهتدوا، لكن {أَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}. وقد سبق هذا تمهيد في أربع سور قبلها هي: الصّافات: أبطلت كلّ مزاعم الكافرين من أن القرآن سحر، والرسول ساحر، وإنكارهم البعث، وجعلهم البنات والبنين والأنساب لله؛ و ص: أبطلت عبادة الأوثان، وزعمهم بتعدد الآلهة والشركاء، واستكبارهم وعنادهم؛ والزمر: أكّدت أن العبادة الخالصة لله هي تكريم للعباد في الدنيا ونعيم في الآخرة؛ وغافر: أمرت الناس بالعبادة ليغفر لهم ويفوزوا، وحذرتهم من المعصية لكي لا يخسروا؛ أمّا فصلت: ففصّلت لهم الرحمة التي في القرآن وهي الحق الواضح البليغ الفصيح الذي أبهر العقول من أوّل وهلة وارتعدت لواضح حجته فرائص الكافرين يتواصون بالتشويش عليه {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ (26)} لكيلا يسمعوا براهينه، ومفاد ما فيه أن الرسول بشر، وأن الله واحد، خالق كل شيء ورازقه ومدبر أمره، أنزل فيه البيان والهدى والشفاء والأمر بالعبادة والعمل الصالح، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر وإحياء الموتى وإهلاك الظالمين، وجعل يوم للبعث والحساب وإقامة العدل، بُشر فيه بالنعيم للمؤمنين وأنذر بالعذاب للكافرين.

وفصلت هي ثاني سورة في الحواميم السبعة، وجميعها تتحدّث عن القرآن: الذي أنزله الله على الأمّة الخاتمة بشيراً ونذيراً، يأمرهم بالعبادة ليفوزوا ويحذرهم من المعصية لكيلا يخسروا، وفيه كلّ الآيات والحجج والبراهين والدلائل الكونية في السماوات والأرض وفي الأنفس وغيرها، لينصتوا له ويتدبروا آياته فيؤمنوا. وجميع سور الحواميم بيّنت أن أكثر الناس انشغلوا عن القرآن بأهوائهم ونعم الله عليهم فأعرضوا ولم يؤمنوا، وكانت أفعالهم كالتالي: في سورة غافر: أكثرهم لم يتوبوا بل جادلوا في الآيات وتآمروا على رسله، وفي فصلت: أعرض عنه أكثرهم لا يريدون سماع الآيات، وفي الشورى: الإنسان له الخيار إذا أراد الدنيا أوتي منها، وإذا أراد الآخرة زاد الله له فيها، وفي الزخرف: اغترّوا بالنعمة وكفر أكثرهم وأعرضوا عن المنعم، وفي الدخان: الناس في شك يلعبون، وفي الجاثية: من الناس من عَقل دعوة الله إلى الهدى فسمع وأطاع، ومنهم من اتبع هواه فأنكر مستكبراً عن قبولها مستهيناً بها، وفي الأحقاف: الذين كفروا عن هذا الإنذار مُعرضون (مستكبرون).

041.8.1- وقال الإمام البقاعي: ولما ختمت غافر بأن الكفرة جادلوا في آيات الله بالباطل، وفرحوا بما عندهم من علم ظاهر الحياة الدنيا، وأنهم عند البأس انسلخوا عنه وتبرؤوا منه ورجعوا إلى ما جاءت به الرسل فلم يقبل منهم، فعلم أن كل علم لم ينفع عند الشدة والبأس فليس بعلم، بل الجهل خير منه، وكان ذلك شاقاً على النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن يكون آخر أمر أمته الهلاك، مع الإصرار على الكفر إلى مجيء البأس، وأن يكون أغلب أحواله صلى الله عليه وسلم النذارة، افتتح سبحانه هذه السورة بأن هذا القرآن رحمة لمن كان له علم وله قوة توجب له القيام فيما ينفعه، وكرر الوصف بالرحمة في صفة العموم وصفة الخصوص إشارة إلى أن أكثر الأمة مرحوم، وأعلم أن الكتاب فصل تفصيلاً وبين تبييناً لا يضره جدال مجادل، وكيد مماحك مماحل، وأنه مغن بعجز الخلق عنه عن اقتراح الآيات.

041.8.2- وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير: لما تضمنت سورة غافر بيان حال المعاندين وجاحدي الآيات، وأن ذلك ثمرة تكذيبهم وجدلهم، وكان بناء السورة على هذا الغرض بدليل افتتاحها وختمها، ألا ترى قوله تعالى {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا (4)} غافر، وتأنيس نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله {فلا يغررك تقلبهم في البلاد (4)} غافر، فقد تقدم ذلك من غيرهم فأعقبهم سوء العاقبة والأخذ الوبيل {كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه (5)} فعصمتهم واقية {أنا لننصر رسلنا (51)} غافر، وقال تعالى: {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب (5)} غافر، أي رأيت ما حل بهم وقد بلغك خبرهم، فهلا اعتبر هؤلاء بهم {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وإثاراً في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق (21)} غافر، وإنما أخذهم بتكذيبهم الآيات {ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله (22)} ثم ذكر تعالى من حزب المكذبين فرعون وهامان وقارون، وبسط القصة تنبيهاً على سوء عاقبة من عاند وجادل بالباطل وكذب الآيات، ثم قال تعالى بعد آيات {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه (56)} إذ الحول والقوة ليست لهم {فاستعذ بالله (56)} من شرهم، فخلق غيرهم لو استبصروا أعظم من خلقهم {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس (57)} غافر، وهم غير آمنين من الأخذ من كلا الخلقين {إنما نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء (9)} سبأ، ثم قال تعالى بعد هذا {ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنّى يصرفون (69)} إن أمرهم لعجيب في صرفهم عن استيضاح الآيات بعد بيانها، ثم ذكر تعالى سوء حالهم في العذاب الأخروي وواهي اعتذارهم بقولهم {ضلوا عنا بل لمن نكن ندعو من قبل شيئاً (74)} غافر، ثم صبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {فاصبر إن وعد الله حق (77)} غافر، ثم أعاد تنبيههم فقال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض (82)} غافر، إلى ختم السورة، ولم يقع من هذا التنبيه الذي دارت عليه آي هذه السورة في سورة الزمر شيء ولا من تكرار التحذير من تكذيب الآيات.

فلما بنيت على هذا الغرض أعقبت بذكر الآية العظيمة التي تحديت بها العرب، وقامت بها حجة الله سبحانه على الخلق، وكان قيل لهم: احذروا ما قدم لكم، فقد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم بأوضح آية وأعظم برهان {تنزيل من الرحمن الرحيم (2) كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون (3) بشيراً ونذيراً (4)} وتضمنت هذه السورة العظيمة من بيان عظيم الكتاب وجلالة قدره وكبير الرحمة به ما لا يوجد في غيرها من أقرانها كما أنها في الفصاحة تبهر العقول بأول وهلة، فلا يمكن العربي الفصيح في شاهد برهان أدنى توقف، ولا يجول في وهمه إلى معارضة بعض آيها أدنى تشوف، وأنه لكتاب عزيز {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)} {ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي (44)} فوبخهم سبحانه وتعالى وأدحض حجتهم وأرغم باطلهم وبكَّت دعاويهم ثم قال {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في اذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد (44)} {إنما يستجيب الذين يسمعون (36)} الأنعام، وقرعهم تعالى في ركيك جوابهم عن واضح حجته بقولهم {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر (5)} وقولهم {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه (26)} وهذه شهادة منهم على أنفسهم بالانقطاع عن معارضته، وتسجيلهم بقوة عارضته، ثم فضحهم بقوله {قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به (52)} – الآية، وتحملت السورة مع هذا بيان هلاك من عاند وكذب ممن كان قبلهم وأشد قوة منهم، وهم الذين قدم ذكرهم مجملاً في سورة غافر في آيتي {أو لم يسيروا في الأرض (21)} غافر، {أفلم يسيروا (82)} غافر، فقال تعالى مفصلاً لبعض ذلك الإجمال {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود (13)} ثم قال {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة (15)} ثم قال تعالى {فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً (16)} الآية، ثم قال {وأما ثمود (17)} فبين تعالى حالهم وأخذهم، فاعتضد التحام السورتين، واتصال المقصدين – والله أعلم – انتهى

041.8.3- راجع ما قاله الإمام جلال الدين السيوطي في سورة غافر (040.8.1).

انظر أيضاً تناسب وتناسق سورة الأحقاف مع غيرها من السور؛ وتناسب سور الحواميم مع بعضها ومع السورتين التي قبلها والتي بعدها (في 046.8.2)؛ وتناسب وتناسق الحواميم مع بعضها ومع قبلها وبعدها في (046.8.4).

انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top