العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


042.0 سورة الشورى


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


042.1 التعريف بالسورة:

1) مكية؛ ماعدا الآيات 23، 24، 25، 27 فمدنية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 53 آية. 4) الثانية والأربعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والخامسة والستون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “فصلت”. 6) ليس لها أسماء أخرى. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

{الله} 31 مرّه، هو 11 مرّة، رب 10 مرات، {لله} 1 مرّه، إليه 5 مرات، أنزل 4 مرّات، عليم 3 مرات، قدير 3 مرات؛ (2 مرة): العزيز، حكيم، العلي، غفور، بصير، الولي، خَلَق، عفو، جامع؛ (1 مرة): القوي، العظيم، حفيظ، شكور، رحيم، لطيف، سميع، خبير، الحميد، فاطر، يهدي، يَعْلَم، يقدر، يبسط، فضّل، ذرأ. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

هي السورة الوحيدة التي تكررت فيها الكلمات: شرع 2 مرة هي والمائدة 1 مرة، شورى 1 مرة، استقم 1 مرة هي وهود، داحضة 1 مرة.

وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الأرض 10 مرات، ظالمين 8 مرات، ولي 8 مرات بعد النساء 10 مرت،  السماوات 7 مرات؛ وحي 6 مرات، حق 5 مرات، (4 مرات): أنزل، كتاب، رزق، سيئة، بغي؛ (3 مرات): دين، جمع، يعلم، سيئة، كسب، بسط، من سبيل، حرث، قدير ، حجة ، يعفو؛ (2 مرة): فريق، الساعة، الدنيا، الآخرة، الدين، ينيب، تنذر، صراط، شكور، شرع، العلي، حفيظ؛ (1 مرة): جادل، روح، نور، قرآن، عربي.

042.1 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

انظر فضائلها وما ورد عنها من الأثر في سورة غافر (040.2).

042.3 وقت ومناسبة نزولها:

يصعب من الأحاديث معرفة وقت نزولها، إلا أنه بدراسة موضوع السورة يبدوا بأنها نزلت بالتتابع بعد سورة فصّلت وكأنها مكملة لها؛ فعند قراءة سورة فصّلت أوّلاً ثم الشورى، سنلاحظ أن زعماء قريش في سورة فصّلت سلكوا مسلك الأصم والأعمى، وأن أيّ منصف من داخل مكة أو خارجها سيعرف كم كان زعماءها متحاملين ولا حجة لهم وغير منطقيين في معارضة محمد صلّى الله عليه وسلّم وأن {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ (16)}. في مقابل هذا كم هي منطقيّة وجهة نظره صلّى الله عليه وسلّم وكم هو كريم طبعه وعظيمة رسالته فهي وحي من الله العزيز الحكيم له وللأمم من قبله {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)} وكم هو حقيقي وجادّ إنذاره {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)}. مباشرة بعد ذلك نزلت الشورى بالإنذار العادل بين الموقفين، والأمر باتباع التعاليم، وجعلت حقيقة رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم واضحة بطريقة باهرة بحيث أن أي إنسان يحب الحق أو لم تعميه الجاهليّة لا يملك إلا أن يتأثر بهذه الرسالة {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}.

042.4 مقصد السورة:

042.4.1- الله العزيز الحكيم هو مصدر الوحي والرسالة إلى الناس يدعوهم إلى الدين والإيمان، ويهديهم إلى صراطه المستقيم. وأنه أرسلها رحمة بهم ليصلح لهم حياتهم بإعادتهم إلى فطرتهم التي فطرهم عليها، وليغفر لهم وينذرهم {يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير (7)}.

042.4.1.1- تبين أن الله تعالى لم يترك مجالاً أو فرصة أو أسلوباً يهديهم به إلى فلاحهم وفوزهم إلا ودلهم عليه وأمدّهم بوسائله، بينما الإنسان مقصّر ظالم لنفسه بعدم طاعته لربه. الناس اختاروا أن يطيعوا الله بإرادتهم، فتركهم في اختيارهم، لكنه أعانهم عليه، لكي لا يهلكوا أنفسهم بجهلهم، لأنه لم يخلقهم ليعذبهم ولكن لكي يتولاهم ويكرمهم ويرزقهم.

042.4.1.2- يكلّم الله عباده بالوحي بأنه هو خالقهم ووليّهم، وأنزل عليهم الوحي بالحق والميزان، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وجعل الملائكة تستغفر لهم، وأمهلهم لعلهم يتوبوا فيغفر لهم، ويجزيهم بما سعوا له وعلى قدر ما اكتسبوا، يقدر لهم أرزاقهم بالقدر الذي لا يجعلهم يطغوا بنعمته عليهم، ولا يقنطوا من رحمته، ويقدر عليهم أمنهم وسهولة عيشهم ويبتليهم بالخير والشر فتنة لكي يعتبروا ويهديهم إليه. فالله بيده كل شيء خالق البدايات وجاعل النهايات ومدبر ما بينهما والإنسان له الخيار فيما بين ذلك إذا أراد الدنيا أوتي منها وإن أراد الآخرة يزد له الله فيها.

042.4.1.3- لكن أكثر الناس اتخذوا الأولياء من دون الله، ولم يكن لهم ممن اتخذوهم أولياء وشركاء من يشرع لهم ولا ليبين لهم الحق، فأطاعوا على هواهم، واتبعوا أهواءهم، فضلّوا بجهلهم، وبغوا وأفسدوا. فجرّوا على أنفسهم المصائب بمخالفتهم الفطرة وسنن الحق والعدل. ولكي يحميهم الله من جهلهم وسوء اختيارهم، لم يتركهم لجهلهم تتقاذفهم أهواءهم بل تولّى أمرهم ودلّهم على صراطه المستقيم، لعلهم يتذكرون فيهتدون.

042.4.2- مقصدها نجده في الآيات (1-7): حيث تشير إلى وحي الله ورسالته إلى الناس يبين لهم ويأمرهم بطاعته وعدم مخالفة أمره، وينذرهم بأنه من أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار.

042.4.3- قال الإمام البقاعي في نظم الدرر: مقصودها الاجتماع على الدين الذي أساسه الإيمان، وأهم دعائمه الصلاة، وروح أمره الألفة بالمشاورة المقتضية لكون أهل الدين كلهم في سواء كما أنهم في العبودية لشارعه سواء، وأعظم نافع في ذلك الإنفاق والمؤاساة فيما في اليد، والعفو والصفح عن المسيء، والإذعان للحق في الخضوع للآمر الحق وإن صعب وشق، وذلك كله الداعي إليه هذا الكتاب الذي هو روح جسد هذا الدين المعبر عما دعا إليه من محاسن الأعمال، وشرائف الخلال بالصراط المستقيم، وإلى ذلك لوّح آخر السورة الماضية {حتى يتبين لهم أنه الحق (53)} فصلت، {ألا إنه بكل شيء محيط (54)} فصلت، وصرح ما في هذه من قوله: {أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه (13)}، {إلا المودة في القربى (23)} {استجيبوا لربكم (47)} {نهدي به من نشاء من عبادنا (52)} {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم (52)} {ألا إلى الله تصير الأمور (53)}.

042.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت بالتتابع بعد سورة فصّلت، وموقعها الحالي حسب ترتيب السور في القرآن هو نفسه حسب الترتيب الزمني لها. واستهلّت بذكر مقصدها وهو أن {اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)} يكلّمهم بالوحي بأن {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)}، وهو خالقهم ووليّهم وحافظهم، وأنه باتخاذهم الأولياء من دونه {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ (5)}. يدعوهم بالقرآن إلى الدين والإيمان، ويهديهم إلى صراطه المستقيم، وينذرهم بأنهم مجموعون ل {يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ (7)}، ويمهلهم لعلهم يتوبون فيغفر لهم {أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)}، وأن كلّ ذلك إنما جرى بسابق علمه تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)} {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً (8)} {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)}.

وتتكوّن من مقدّمة (10 آيات) تبين أن الله يكلم عباده بالوحي يأمرهم بطاعته وينذرهم عقابه؛ ثم ثلاثة موضوعات: الأوّل (6 آيات) شرع لهم ما يحفظ وجودهم، والثاني (10 آيات) رزقهم وطمأنهم وبشّرهم وأنذرهم، والثالث (20 آية) علّمهم وربّاهم وأدّبهم، ثم خاتمة (7 آيات) تلخص موضوعاتها مرة أخرى بأن استجيبوا لربكم قبل فوات الأوان فقد أنزل الوحي وأمركم بطاعته وأراكم صراطه المستقيم وإليه تصير الأمور، كما يلي:

مقدمة (الآيات 1-10): أوحى الله إلى الناس ليهديهم لأنه {هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وبيّن آياته وأخبار الغيب وأمرهم بطاعته وعدم مخالفة أمره { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}، ولكن ترك لهم الخيار، وأنذرهم بأنه من أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار.

الموضوع الأوّل (الآيات 11-16): جعل الله للناس ما يحافظ على وجودهم وسعادتهم بأحسن ما يكون: فخلقهم أزواجاً ليتكاثروا ويتعارفوا، وبسط لهم الرزق وقدره بعلمه، وشرع لهم الدين لينظم حياتهم ومجتمعاتهم، وأمهلهم ليبتلي أعمالهم ويجزيهم على حسب استقامتهم.

الموضوع الثاني (الآيات 17-26): بيد الله الرزق ومصير العباد وبيده كل شيء، فمن أراد الدنيا يؤته منها وفق حكمته وتقديره، ومن أراد الآخرة يزد له فيها إلى أضعاف مضاعفة، فهو يطمئنهم على رزقهم ويأمرهم بطاعته وينذرهم الساعة ويبشرهم بالجزاء العادل على الأعمال، فتركوا العدل والحق والميزان واتبعوا مالم يأذن به الله.

الموضوع الثالث (الآيات 27-46): بيّن الله لهم كيفيّة تدبيره لأمور عباده، وتربيته لهم لعلهم يطيعون، ومن آياته خَلْقُ السماوات والأرض على غير مثال سابق، وما فيهما من الدواب، وهو على جَمْعهم بعد موتهم لموقف الحساب قدير. وهو يرزقهم تارة ويحرمهم تارة، يصيبهم بمصيبة ثم يعفوا عنهم، يخوفهم في البحر ويعطيهم الأمان، يبشرهم بأن ما عنده خير وأبقى، وينذرهم بأن المعصية يعاقب عليها في الدنيا والآخرة.

خلاصة (الآيات 47-53): بادروا بالاستجابة لربكم من قبل أن يأتي يوم الحساب، فإنه لا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه، وما على الرسول إلا البلاغ. وإن لله ملك السماوات والأرض، يخلق ما يشاء ويرزق ويهدي، وهو الذي يرحم أو يعذب، وإليه ترجع الأمور.

اللهم اغفر لنا وارحمنا وارزقنا واهدنا بالقرآن إلى الحق وصراطك المستقيم.

042.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

احتوت السورة باعتبار ترتيب آياتها على خمسة مجموعات من الآيات كما ذكر أعلاه وهي مقدّمة، ثم ثلاثة موضوعات تشرح مقصد السورة، ثم خاتمة تلخص كل موضوعات السورة، كما يلي:

042.6.1- وحي الله ورسالته إلى الناس يأمرهم بطاعته وعدم مخالفة أمره. ويؤكد لهم أنه قادر على أن يجعل الناس أمة واحدة على طاعته كما جعل جميع المخلوقات، ولكنه (خيرهم فاختاروا الحرية بأن) جعل لهم الخيار باختيار أعمالهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم، فينذرهم بأنه من أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار:

042.6.1.1- الآيات (3-7) وهذه الحقيقة التي يوحي بها الله إلينا وإلى من كان قبلنا، لأنه عزيز ولأنه حكيم. وأن له كل شيء، هو علي بذاته عظيم. فالكون كله مطيع له، والملائكة يسبحون بحمده وينزهونه، ومشفقون ويستغفرون لذنوب أهل الأرض فهو غفور رحيم (أي كيف لا يطيع الإنسان بل في المعصية). كيف يجرؤ على اتخاذ أولياء من دون الله، سيحفظ عليهم أفعالهم ليجازيهم. أوحى الله القرآن لينذر به عذاب يوم الجمع (فسيجمعنا ويحاسبنا على الأمانة التي حملناها وهي التزامنا وطاعتنا)، ونتيجة الحساب فريق في الجنة وفريق في السعير.

042.6.1.2- الآيات (8-10) الله قادر على أن يجعلهم أمة واحدة مطيعة، لكنه يرحم من أراد الرحمة لنفسه، والظالمون أنفسهم بالشرك ليس لهم ولي ولا نصير. بل اتخذوا أولياء من دون الله، وهو وحده الولي، يحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء. ما اختلفتم فيه من أمور الدين فحكمه إلى الله، هو ربي عليه توكلت وإليه أرجع.

042.6.2- لأن الله مبدع الكون جعل للناس ما يحافظ على وجودهم وسعادتهم بأحسن ما يكون إذ خلقهم أزواجاً ليتكاثروا ويتعارفوا، وبسط لهم أرزاقهم وقدرها بعلمه، وشرع لهم الدين لينظم حياتهم ومجتمعاتهم:

042.6.2.1- الآيات (11، 12) الله خالق السماوات والأرض على غير سابق مثال، جعل لكم أزواجاً، وجعل من الأنعام أزواجاً، على هذه الصفة ليكثركم بالتوالد، ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهو السميع البصير. بيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، يوسِّع رزقه على مَن يشاء ويضيِّقه على مَن يشاء، إنه تبارك وتعالى بكل شيء عليم.

042.6.2.2- الآيات (13-16) شرع لكل الناس دين واحد لم يتغير وهو عبادة الله وحده لا شريك له. أمرهم بإقامته وعدم الاختلاف فيه، عظم على المشركين ما دعوا إليه من التوحيد والعبادة، الله يصطفي للتوحيد مَن يشاء مِن خلقه، ويوفِّق للعمل بطاعته مَن يرجع إليه. وما تفرق أهل الأديان في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض إلا من بعد ما جاءهم العلم وقامت عليهم الحجة، حملهم على ذلك البغي والعناد ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة، لقضي بينهم بتعجيل العذاب. وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك من الدين موقع للريبة والاختلاف. فإلى ذلك الدين فادع واستقم كما أمرك الله، ولا تتبع أهواءهم، وقل: صدَّقت بجميع الكتب المنزلة، وأمرت أن أعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا جدال بعدما تبين الحق، الله يجمع بيننا يوم القيامة، فيقضي بالحق إليه المصير. والذين يجادلون في دين الله مِن بعد ما استجاب الناس له وأسلموا، مجادلتهم باطلة عند ربهم، وعليهم غضب في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب شديد.

042.6.3- يريد الله من عباده أن يعلموا أنه إله عادل، ميزانه دقيق، جعل يوماً ليحكم بين الناس بالإنصاف. لذلك يطمئنهم على رزقهم في الدنيا، ويبشرهم الجزاء العادل على الأعمال يوم القيامة. فمن أراد الدنيا يؤته منها وفق حكمته وتقديره، ومن أراد الآخرة يزد له فيها إلى أضعاف مضاعفة.

لطيف بعباده، بيده رزقهم ومصيرهم وبيده كلّ شيء. يريد الله من عباده أن يعلموا أنه سيتدبر لهم أمورهم فيطيعوه، وأنه سيحاسبهم ويعدل بينهم ويقسم بينهم الأرزاق فيصبروا ويغفروا، وأن يستبشروا به ويسيروا على طريقه لأنه لا يظلم أحداً وسيحاسبهم على أعمالهم.

042.6.3.1- الآيات (17، 18) الله الذي أنزل القرآن بالحق والعدل وما يدريك لعل ساعة إحقاق الحق وإقامة العدل وهي القيامة قريب. يستعجل بها الكفار استهزاءاً والذين آمنوا خائفون من قيامها لأنها الحق.

042.6.3.2- الآيات (19، 20) الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز. من أراد بعمله الآخرة يزد له ويضاعف له في حسناته ومن أراد بعمله الدنيا يؤته منها وليس له في الآخرة شيء.

042.6.3.3- الآية (21) أم لهم شركاء ابتدعوا لهم دين غير دين الله، ولولا قضاء الله وقدره بإمهالهم، لعجل لهم العذاب في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم.

042.6.3.4- الآيات (22، 23) ترى الكافرين يوم القيامة خائفين من العقاب على ما كسبوا وهم ذائقوه لا محالة، والذين آمنوا وأطاعوا في الجنات، لهم ما تشتهيه أنفسهم، ذلك هو الفضل الكبير. ذلك النعيم والكرامة في الآخرة هو البشرى التي يبشر الله بها عباده المؤمنين، ومن يكتسب حسنة يضاعفها له بعشر فصاعداً. إن الله غفور شكور.

042.6.3.5- الآية (24) أيقولون أن الرسول اختلق على الله الكذب ولو فعل لختم على قلبه ويذهب الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بما في قلوب العباد.

042.6.3.6- الآيات (25، 26) الله يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات يعلم ما تصنعون. ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويزيدهم من فضله ويضاعف لهم الأجر، والكافرون لهم عذاب شديد.

042.6.4- تبين هذه الآيات العجيبة كيفية تدبير الله لأمور عباده وتربيته لهم وتأديبه لهم لعلهم يطيعون، فهو يرزقهم تارة ويحرمهم تارة يصيبهم بمصيبة ثم يعفوا عنهم يخوفهم في البحر ويعطيهم الأمان، يبشرهم بأن ما عنده خير وأبقى، وينذرهم بأن المعصية يعاقب عليها في الدنيا أيضاً:

042.6.4.1- الآية (27) في الدنيا: ولو بسط الله الرزق لعباده فوسَّعه عليهم، لبغوا في الأرض، ولكن الله ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء إنه خبير بصير بما يصلح أحوالهم.

042.6.4.1.1- الآية (28) والله ينزل المطر فيغيثهم به من بعد ما يئسوا من نزوله، وينشر رحمته في خلقه وهو الوليُّ الحميد.

042.6.4.1.2- الآيات (29-31) ومن آياته خَلْقُ السماوات والأرض على غير مثال سابق، وما فيهما من الدواب، وهو على جَمْعهم بعد موتهم لموقف القيامة إذا يشاء قدير. وما أصابكم من مصيبة (في دينكم ودنياكم) فبما كسبتم من الذنوب ويعفو عن كثير. وما أنتم بمعجزين قدرة الله عليكم، وما لكم من دون الله مِن وليٍّ ولا نصير.

042.6.4.1.3- الآيات (32-35) ومن آياته الدالة على قدرته السفن العظيمة كالجبال تجري في البحر. إن يشأ يُسكن الريح، فتظل السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري، إن في ذلك لآيات الله لكل صبار شكور. أو يهلكِ السفن بالغرق بسبب ذنوب أهلها، ويعفُ عن كثير. ويَعْلَم الذين يجادلون بالباطل في آياتنا ما لهم من محيد ولا ملجأ من عقاب الله.

042.6.4.2- الآيات (36-39) لكن الآخرة أحسن: فما أوتيتم من شيء فهو متاع لكم في الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. والذين يجتنبون كبائر ما نهى الله عنه، وإذا ما غضبوا هم يغفرون. والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة ويتشاورون فيما بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم الظلم هم ينتصرون.

042.6.4.3- الآيات (40-43) جزاء في الدنيا يجب أن يطبق: وجزاء سيئة المسيء سيئة مثلها من غير زيادة، فمن عفا وأصلح، فأَجْرُه على الله، إن الله لا يحب الظالمين. ولمن انتصر من بعد ظلمه له فأولئك ما عليهم من حرج إنما المؤاخذة على الذين يظلمون الناس، فيفسدون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم. ولمن صبر وقابل الإساءة بالعفو والصفح، إن ذلك من عزائم الأمور المحمودة.

042.6.4.4- الآيات (44-46) جزاء في الآخرة يجب أن يطبق: ومن يضلله الله بسبب ظلمه فليس له من ناصر يهديه سبيل الرشاد. وترى الظالمين حين رأوا العذاب يقولون: هل لنا من سبيل إلى الرجوع إلى الدنيا، لنعمل بطاعة الله؟ وتراهم يُعْرَضون على النار خاشعين ينظرون إليها مِن طرْف خفي. وقال الذين آمنوا: إن الخاسرين حقاً هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بدخول النار. وما كان لهم من أعوان ينصرونهم من عذاب الله. ومن يضلله الله فما له من طريق يصل به إلى الحق في الدنيا، وإلى الجنة في الآخرة.

042.6.5- الخلاصة: فليستجيبوا للوحي وإلا هلكوا. لا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه. وما على الرسول إلا البلاغ. أن يرزق العبد ذكر أو أنثى أو لا شيء فهذا وغيره من الله، له الملك يصنع فيه ما يشاء، هو الرازق والهادي، وهو الذي يرحم أو يعذب، يهدي إلى صراط الله المستقيم وإليه ترجع الأمور.

042.6.5.1- الآية (47) بادروا بالاستجابة لربكم من قبل أن يأتي يوم القيامة، الذي لا مرد له، ما لكم من ملجأ يومئذ ينجيكم من العذاب، ولا مكان تتنكرون فيه.

042.6.5.2- الآية (48) فإن أعرضوا عن الإيمان فما أرسلناك عليهم حفيظاً، ما عليك إلا البلاغ. إذا أعطينا الإنسان منا رحمة فَرِح بها، وإن تصبهم مصيبة بسبب ما قدمته أيديهم فإن الإنسان كفور وينسى النعم.

042.6.5.3- الآيات (49-53) لله ملك السماوات والأرض، يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. ويعطي لمن يشاء الذكور والإناث، ويجعل مَن يشاء عقيماً لا يولد له، إنه عليم قدير. وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه الله إلا وحياً، أو يكلمه من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذن ربه ما يشاء، إنه عليٌّ حكيم. وكذلك أوحينا إليك قرآناً من عندنا، ما كنت تدري قبله ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلنا القرآن نوراً نهدي به مَن نشاء مِن عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، ألا إلى الله ترجع جميع الأمور من الخير والشر، فيجازي كلا بعمله.

042.7 الشكل العام وسياق السورة:

042.7.1- اسم السورة: سُميت “سورة الشورى” تنويهاً بمكانة الشورى في الإسلام وتعليماً للمؤمنين أن يقيموا حياتهم على هذا المنهج الأكمل منهج الشورى لما له من أثر عظيم جليل في حياة الفرد والمجتمع، كما قال الله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ (38)}.

أي أن المسلمون يتشاورون فيما بينهم لا يستبد أحد برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعاً عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمراً من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي في الغزو والجهاد للانتصار على البغي وتجنب الإثم والفواحش، وكالبحث في المسائل الدينيّة عموماً وللاستجابة لربهم وتطبيق أوامره وإقامة الصلاة كمجموعة. يقابله ما سبق ذكره من تشاور زعماء قريش في محاربة الدين الجديد واتخاذهم المواقف المختلفة والتي منها عدم سماع القرآن واللغو فيه، إلخ.

042.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:

يكلّم الله عباده بالوحي بأنه خالقهم ووليّهم، أنزل عليهم الوحي بالحق والميزان، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وجعل الملائكة تستغفر لهم، وأمهلهم لعلهم يتوبوا فيغفر لهم، ويجزيهم بما سعوا له وعلى قدر ما كسبوا، يقدر لهم أرزاقهم بالقدر الذي لا يجعلهم يطغوا بنعمته عليهم، ولا يقنطوا من رحمته، ويقدر عليهم أمنهم وسهولة عيشهم ويبتليهم لكي يعتبروا ويهديهم إليه. فالله بيده كل شيء خالق البدايات وجاعل النهايات ومدبر ما بينهما والإنسان له الخيار فيما بين ذلك إذا أراد الدنيا أوتي منها وإن أراد الآخرة يزد له الله فيها.

042.7.2.1- الآيات (1-10) الله تعالى أنزل الوحي على الناس وأرسل لهم المرسلين، وجعل الملائكة تستغفر لهم، لأن الله رحيم بعباده ويريد أن يغفر لهم ظلمهم بحق أنفسهم وقد ضلّوا الطريق واتخذوا من دونه أولياء، ليس كلهم بل انقسموا فريقين اتخذوا الله وليهم في الجنة واتخذوا من دونه في السعير. هذا كله غير خارج عن مشيئة الله بل هو من جعل فيهم القدرة على التمييز والاختيار من اختار رحمة الله اعطيت له ومن ظلم فلا ناصر له.

042.7.2.2- الآيات (11-16) الله فطرهم وهيأ لهم كل أسباب الحياة من تكاثر وغذاء بدني وروحي، بينه بالوحي في الكتاب (لأنهم غير قادرون على فهم مصلحتهم وفطرتهم)، فاتبعوا أهواءهم، واتبعوا الباطل وحاججوا به الحق. فأقام الله عليهم الحجة وأمهلهم حتى لم يبقى لهم عذر وأبطل حجتهم، من استقام رضي الله عنه ومن لم يستقم غضب الله عليه وله عذاب شديد.

042.7.2.3- الآيات (17-26) الله يحاسب على الأعمال ويقسم بينهم الأرزاق وهذا ما يريد من العباد أن يعلموه وأن يستبشروا به ويسيروا على طريقه لأن الله لا يظلم ويقبل التوبة وقد جعل يوماً للحساب، بل اتهموا رسول الله بالكذب على الله، فتركوا العدل والحق والميزان واتبعوا شريعة الغاب ومالم يأذن به الله.

042.7.2.4- الآيات (27-46) ينزل الله الأرزاق بقدر ما يشاء لكفايتهم، ولكي يحمي الأرض من ظلمهم وطغيانهم. يغيثهم بالمطر ويتولاهم برحمته وإحسانه. ومن آياته الدالة على عظمته وقدرته وسلطانه خَلْقُ السماوات والأرض. وهو يدبر أمرهم حتى لا يبغوا في الأرض وحتى يؤدبهم ويجازيهم بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير ويعلموا أنه هو الولي والنصير وأن ما عنده في الآخرة خير وأبقى للذين آمنوا ويتوكلون ويجتنبون الكبائر ويغفرون وأقاموا الصلاة ويتشاورون وينفقون وينتصرون، أما الظالمون ففي العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل خسروا أنفسهم. فلا أسف على الدنيا لأنها فانية أما الآخرة ففيها الخير الكثير والبقاء الخالد عند الله للذين آمنوا وتوكلوا عليه.

042.7.2.5- الآيات (47-53) استجيبوا لربكم فالوحي من عنده (أنزل القرآن) ولا تعرضوا وقد أراكم الصراط المستقيم قبل أن يأتي يوم لا رجعة فيه وإلى الله تصير الأمور.

042.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها: احتوت باعتبار موضوعات آياتها على أربعة مجموعات من الآيات كما يلي:

– وحي السماء وما جاء فيه من الأمر باتباع الدين والإنذار من الجزاء والمصير يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير، 13 آية.

– أن الله مالك كل شيء وفاطره وبيده كل شيء. الله وليهم يدبر أمورهم ويربيهم لعلهم يطيعون ويؤدبهم بالرحمة والشدائد، 14 آية.

– لا أحد ولن يستطيع أحد أن يخرج شيء عن سيطرة الله تعالى إلا إذا الله شاء ذلك، جعل لهم الخيار باتباع الدين، 10 آيات

– بدلاً من أن يتخذوا الله اللطيف بهم ولي اتخذوا من دونه أولياء. وجادلوا في الدين وأعرضوا رغم بطلان حججهم. وانقسم الناس إلى فريقين فريق شكّكوا في الوحي وتفرقوا، وفريق استجابوا لربهم وآمنوا، 16 آية

042.7.3.1- وحي السماء: تبين هذه الآيات أن الله يكلّم عباده بالوحي يعرفهم على نفسه، بأنه العزيز الحكيم، ينذرهم كما أنذر الذين من قبلهم بأنهم مقبلون على يوم الجمع فيه الحساب على أعمالهم ونتيجته إما الجنة وإما النار. هذه الأعمال التي سيحاسبون عليها هي تطبيق دينه الذي شرعه لهم، وأنزله عن طريق الوحي إلى المرسلين الذين اصطفاهم، ليقيموه فيما بينهم ولا يختلفوا فيه. هذا الدين جاء ليقيم العدل والميزان فيما بين الناس في الدنيا، فليستقيموا على الدين كما أمرهم، ومن لم يستقم فإن ساعة الحساب قادمة، فيجازي كلا بعمله: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. الآيات (1-3، 7، 13، 15، 17، 22، 44-46، 51، 52) = 13 آية

هذه السورة هي من أكثر سور القرآن تكررت فيها كلمة الوحي من الله (6 مرات) في الآيات الخمسة: (3، 7، 13، 51، 52)، وركزت على أن الله لا يكلم أحد من البشر أو المرسلين إلا بالوحي أو من وراء حجاب في الآية (51). وتكرر فيها الثناء على القرآن العربي في الآيات (7، 13، 15، 17، 52)، ووصفته بأنه روح تحيا به الأرواح ونور تهتدي به الأبدان في الدنيا.

042.7.3.1.1- الآيات (1-3، 7) أنزل الله العزيز الحكيم الوحي على كل الأمم. ينذرهم يوم الجمع الذي لا شك فيه، وفيه الحساب على الأعمال فريق في الجنة وفريق في النار.

042.7.3.1.2- الآية (13) يبين لهم أن الدين لله ومن عند الله فهو المشرع وهو الحكم في أي اختلاف بين الناس.

042.7.3.1.3- الآيات (15، 17) يأمر رسوله بأن يدعوهم أن يتبعوا ويستقيموا، ويؤمنوا بما في الكتاب من الحق والعدل وأن ينتظروا الساعة.

042.7.3.1.4- الآيات (22، 44-46) ينذرهم يوم القيامة فريق في الجنة وفريق في السعير، يود الظالمون لو يجدوا طريقة يعودون فيها إلى الدنيا ليعملوا عمل أهل الجنة. ويقول الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله.

042.7.3.1.4.1- الآية (22) الكافرين يوم القيامة خائفين من عقاب الله، والعذاب نازل بهم، والذين آمنوا بالله وأطاعوه في بساتين الجنات وقصورها ونعيم الآخرة.

042.7.3.1.4.2- الآيات (44-46) ومن يضلله الله فليس له من ناصر يهديه سبيل الرشاد. وترى الكافرين بالله يوم القيامة – حين رأوا العذاب- يقولون لربهم: هل لنا من سبيل إلى الرجوع إلى الدنيا؛ لنعمل بطاعتك؟ فلا يجابون إلى ذلك. وترى هؤلاء الظالمين يُعْرَضون على النار خاضعين متذللين، وقال الذين آمنوا في الجنة: إن الخاسرين هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بدخول النار. وما كان لهم من أعوان ونصراء ينصرونهم من عذاب الله. ومن يضلله الله فما له من طريق إلى الحق في الدنيا، وإلى الجنة في الآخرة.

042.7.3.1.5- الآيات (51-52) الوحي نور من عند الله يهدي إلى صراط الله الذي تصير إليه الأمور.

042.7.3.2- كل شيء لله وبيد الله ومن صنعه وفطرته هو الولي لا يعجزه شيء، يدبر أمورهم ويربيهم لعلهم يطيعون ويؤدبهم بالرحمة والشدائد. ومن آياته الدالة على البعث خلق السماوات والأرض وما فيهما، من آياته الدالة على تدبيره للكون الجواري في البحر كالأعلام. كذلك فطرت الله وتدبيره في ملكه وما جعله لعباده من النعم لكي يستعينوا بها على طاعته ويعلموا أنه غفور لذنوبهم رحيم بهم، ولكي تكون آية من آياته الدالة على أنه عليم بهم يعلم حاجاتهم قوي عزيز قادر على نفعهم وضرهم: الآيات (4، 5، 11، 12، 19، 28، 29، 31-35، 49، 50) = 14 آية

042.7.3.2.1- الآية (4) لله ما في السماوات والأرض وهو العلي العظيم.

042.7.3.2.2- الآية (5) تكاد السماوات يتشققن لعظمته تعالى، والملائكة يسبحون بحمد ربهم، ويسألونه المغفرة لذنوب مَن في الأرض، ألا إن الله هو الغفور الرحيم.

042.7.3.2.3- الآيات (11، 12) خالق السماوات والأرض، جعل لكم أزواجاً ليكثركم بالتوالد، ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، وهو السميع البصير. بيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، يوسِّع رزقه على مَن يشاء ويضيِّقه على مَن يشاء، إنه تبارك وتعالى بكل شيء عليم.

042.7.3.2.4- الآية (19) الله لطيف بعباده، يرزق مَن يشاء وَفْق حكمته سبحانه.

042.7.3.2.5- الآيات (28، 29) ينزل المطر وينشر رحمته، خلق السماوات والأرض وبث فيها من أصناف الدواب.

042.7.3.2.6- الآيات (31-35) وأنتم لا تعجزون الله، ولن ينصركم أحد من دونه. ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه القاهر السفن العظيمة كالجبال تجري في البحر يحركها بقدرته في مصلحة الناس وأن يغرقها بذنوبهم. الذين يجادلون في هذه الآيات يعلمون أن لا ملجأ لهم من الله.

042.7.3.2.7- الآيات (49، 50) لله ملك السماوات والأرض، يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، ويجعل مَن يشاء عقيماً، إنه عليم قدير لا يعجزه شيء.

042.7.3.3- لا أحد ولن يستطيع أحد أن يخرج شيء عن سيطرة الله تعالى إلا إذا الله شاء ذلك، فكل مخلوقاته ضمن حدود قضاءه وقدره: أراد سبحانه أن يخير مخلوقاته في أمر طاعته، فاختار الناس أن يطيعوه مختارين لا مكرهين {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)} سورة الأحزاب. هم اختاروا حمل الأمانة فيأمرهم الله بالوفاء ويذكرهم بأنهم مبتلون بذلك وأن كل ما يصيبهم في الدنيا والآخرة هو نتيجة أعمالهم وبما كسبت أيديهم: الآيات (8، 10، 20، 23، 25، 26، 30، 36، 47، 53) = 10 آيات

042.7.3.3.1- الآية (8) ولو شاء الله أن يجعل الناس أمة واحدة مهتدية لفعل، ولكن تركه لاختيارهم يحاسبهم عليه.

042.7.3.3.2- الآية (10) الله هو الحكم في أي اختلاف بين الناس.

042.7.3.3.3- الآية (20) من كان يريد بعمله الآخرة، يزد له في حسناته، ومن كان يريد بعمله الدنيا، يؤته قسمته منها، وليس له في الآخرة من شيء.

042.7.3.3.4- الآية (23) يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالجنة.

042.7.3.3.5- الآيات (25، 26) يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، لا يخفى عليه شيء. ويستجيب الذين آمنوا لربهم، ويزيدهم من فضله، والكافرون لهم يوم القيامة عذاب شديد.

042.7.3.3.6- الآية (30) وما أصابكم من مصيبة في دينكم ودنياكم فبما كسبتم من الذنوب والآثام، ويعفو عن كثير.

042.7.3.3.7- الآية (36) فما أوتيتم من شيء فهو متاع لكم في الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.

042.7.3.3.8- الآية (47) فليستجيبوا لله قبل فوات الأوان.

042.7.3.3.9- الآية (53) الله الذي له كل شيء وإليه تصير الأمور.

042.7.3.4- بيان حقيقة ما فعله الناس (من جدال الكفار والتزام المؤمنين): بدلاً من أن يتخذوا الله اللطيف بهم ولي اتخذوا من دونه أولياء. وجادلوا في الدين وأعرضوا رغم بطلان حججهم. وانقسم الناس إلى فريقين فريق شكّكوا في الوحي وتفرقوا، وفريق استجابوا لربهم وآمنوا. الآيات (6، 9، 14، 16، 18، 21، 24، 27، 37-43، 48) = 16 آية

042.7.3.4.1- بدلاً من أن يتخذوا الله اللطيف بهم ولي اتخذوا من دونه أولياء:

042.7.3.4.1.1- الآية (6) والذين اتخذوا غير الله آلهة، فهو يحفظ عليهم أفعالهم، ليجازيهم بها يوم القيامة، وما أنت عليهم بوكيل.

042.7.3.4.1.2- الآية (9) بل اتخذوا من دون الله، فالله هو الوليُّ، فهو يحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير.

042.7.3.4.2- الجدال في الدين والإعراض وبطلان حجج الذين جادلوا فيه بالباطل:

بعد أن استجيب للدين من أهل الإيمان: بذلك تكون بطلت حجج الذين جادلوا فيه بالباطل، وضلّوا بأن استعجلوا قيام الساعة وهي الحق، واتضح أنه ليس لهم شركاء ابتدعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله، ولولا قضاء الله وقدره بإمهالهم، لقضي بينهم بتعجيل العذاب لهم. فاتهموا الرسول بالكذب على الله وأعرضوا عن سماع ما جاءهم به من البلاغ عن ربه، وغاب عنهم أن الله هو الحفيظ عليهم فيرحمهم أو يعذبهم بما قدمت أيديهم.

042.7.3.4.2.1- الآية (16) والذين يجادلون في دين الله، مِن بعد ما استجاب الناس له وأسلموا، حجتهم باطلة، وعليهم غضب في الدنيا، وفي الآخرة عذاب شديد.

042.7.3.4.2.2- الآية (18) يستعجل بمجيء الساعة (استهزاءً) الضالين الذين لا يؤمنون بها، والذين آمنوا بها خائفون من قيامها، ويعلمون أنها الحق الذي لا شك فيه.

042.7.3.4.2.3- الآية (21) هل لهؤلاء المشركين شركاء ابتدعوا لهم من الدين والشرك ما لم يأذن به الله؟ ولولا قضاء الله وقدره بإمهالهم، لقضي بينهم في الدنيا ولهم يوم القيامة عذاب أليم.

042.7.3.4.2.4- الآية (24) لا يستطيع أحد أن يختلق الكذب على الله، ولو فعل فسيُذْهِبُ الله الباطل ويمحقه، ويحق الحق بكلماته. إن الله عليم بما في قلوب العباد.

042.7.3.4.2.5- الآية (48) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حافظاً، ما عليك إلا البلاغ. وإذا أعطينا الإنسان منا رحمة فَرِح بها، وإن تصبهم مصيبة بسبب ما قدمته أيديهم من المعاصي، فإن الإنسان جحود يعدِّد المصائب، وينسى النعم.

042.7.3.4.3- وانقسامهم إلى فريقين فريق شكّوا في الوحي وتفرقوا وبغوا، وفريق استجابوا لربهم في كل ما أمرهم به في الكتاب المنزل من عنده:

042.7.3.4.3.1- الآية (14) فريق يقابلون العلم بالشك (فيمهلهم): وما تفرَّقوا إلا مِن بعدما جاءهم العلم وقامت الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد، ولولا كلمة سبقت من ربك، لقضي بينهم. وإن الذين أورثوا الكتاب لفي شك من الدين مريب.

042.7.3.4.3.2- الآية (27) ويقابلون الرزق بالبغي (ينزل بقدر): ولو بسط الله الرزق لعباده فوسَّعه عليهم، لبغوا في الأرض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء لكفايتهم. إنه بعباده خبير بما يصلحهم، بصير بأحوالهم.

042.7.3.4.3.3- الآيات (37-43) فريق منهم من يطيع ويجتنب الآثام ويستجيب بإقامة الصلاة والشورى والنفقة والعفو والصبر (أجرهم على الله، الذي لا يظلم أحداً، بل ينصر المظلومين، ويعذب الظالمين):

والذين يجتنبون كبائر الإثم، وإذا ما غضبوا هم يغفرون الإساءة. والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وإذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه، ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم الظلم هم ينتصرون. وجزاء سيئة المسيء عقوبته بسيئة مثلها، فمن عفا عن المسيء، وأصلح، فأَجْرُه على الله، إن الله لا يحب الظالمين. ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه له فأولئك ما عليهم من مؤاخذة. إنما المؤاخذة على الذين يظلمون ويتجاوزون الحدَّ فيفسدون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم يوم القيامة عذاب أليم. ولمن صبر على الأذى، وغفر إن ذلك من عزائم الأمور.

042.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

042.7.4.1- آيات القصص: (13-18) = 6 آيات.

042.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (22، 23، 44-46) = 5 آيات.

042.7.4.3- الأمثال في الآيات: (20، 21، 24) = 3 آيات.

042.7.4.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (4-6، 8-12، 19، 27-29، 32-35، 49، 50) = 18 آية.

042.7.4.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-3، 7، 25، 26، 30، 31، 36-43، 47، 48، 51-53) = 21 آية.

042.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

042.8.0- واسمها “الشورى” تنويهاً لأن المسلمين يتشاورون فيما بينهم ولا يستبدّ أحد برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، ولا يعجلون حتى يتبين لهم، وأن ما يأمرهم به الوحي هو دين {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ….بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}. وهو دين كل الأنبياء والأمم {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى … (13)}؛ وتنويهاً كذلك لأن كل ما في الملكوت يرقب ويتأثر وينفعل بأفعال الإنسان الحسنة والسيّئة، بدءاً بالإنسان نفسه {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}، ومروراً بكل شيء في السماوات والأرض وباستغفار الملائكة وكذلك انتهاءً بصلاة الله تعالى وملائكته عليهم في قوله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ (43)} الأحزاب، وأشير إليه في الآيات: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ (5)}، وإلى أثره على بسط الرزق وتنزيل الغيث ورحماته وفضله، وما يقابله من إرسال العذاب (الآيات 26-28) وكل مصيبة بما كسبت أيديهم (الآيات 30، 34)؛ لأجل ذلك كان على الإنسان أن يتبع وإلا عوقب.

وباقي الحواميم تشير أيضاً إلى هذا التناغم المدهش الذي يثبت الوحدة والتوازن بين الأشياء في ملكوت الله والإنسان ويؤثر فيه وكأن الكون جسد واحد: ففي غافر: (الآيات 7-10) حملة العرش يستغفرون للذين آمنوا، وينادون الذين كفروا بأن الله يمقتهم، و(الآية 35) الله يمقت المجادلين ويطبع على قلوب المتكبرين الجبارين، و(الآيات 5، 21، 22، 81) الله أهلك الكافرين بذنوبهم، و(الآيات 45، 51) نجّا المؤمنين، ومثله مكرر في السور الأخرى. وفي فصلت: (الآيات 13، 17) بعث الله الصواعق تصعق المعرضين، و(آية 16) والرياح تعذبهم، و(آية 25) يسلط عليهم شياطين الإنس والجن تزيّن لهم قبائح أعمالهم، و(آية 30) تتنزل الملائكة على المؤمنين تثبتهم وتبشرهم، و(آية 53) يريهم الله آياته في السماوات والأرض وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم صدق القرآن والدين. وفي الزخرف: (الآيات 48-50) يعذبهم الله لعلهم يرجعون عن ضلالهم وجهلهم، فإذا رجعوا وكشف عنهم العذاب عادوا إلى الجهل والضلال. وفي الدخان: (الآيات 10-12) تجدب الأرض ويشتد بهم الجوع إلى أن يروا كهيئة الدخان من شدّة العذاب لأنهم لا يؤمنون، و(الآيات 22-29) عدم بكاء السماء على المجرمين، أما المؤمنون فيبكي عليهم بموتهم مصلاهم من الأرض ومصعد عملهم من السماء. وفي الجاثية: (آية 19) الله يتولّى المتقين بنصره وعونه وتوفيقه، والظالمون أولياء بعض على الهلاك والخسران والضلال. وفي الأحقاف: (الآيات 24-26) ريح فيها عذاب أليم، تهلك المجرمين وتدمّر كل شيء في مساكنهم، و(الآيات 29-32) سماع الجن للقرآن وتأثرهم به وتأثيرهم في الإنسان. وكذلك باقي سور القرآن مليئة بمثل هذه الأدلة وغيرها من الآيات الدالّة على أن الكون يتأثّر بأعمال الإنسان، وفيها دليل على أن الله تعالى يعامل الناس ويسلّط عليهم المخلوقات بحسب أعمالهم، وأن السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات الحيّة وغير الحيّة تتفاعل وتتأثر بأعمال الإنسان؛ وكذلك في الأحاديث الصحيحة، كحديث: “ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده” وغيره. فصحيح أن الإنسان مخيّر في أفعاله لكنه أيضاً مجبر بالالتزام بقوانين وسنن الكون.

042.8.1- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة غافر ما تقدم من بيان حالي المعاندين والجاحدين، وأعقبت بسورة السجدة (فصلت) بياناً أن حال كفار العرب في ذلك كحال من تقدمه وإيضاحاً لأنه الكتاب العزيز وعظيم برهانه، ومع ذلك فلم يجد على من قضى عليه تعالى بالكفر، اتبعت السورتان بما اشتملت عليه سورة الشورى من أن ذلك كله إنما جرى على ما سبق في علمه تعالى بحكم الأزلية {فريق في الجنة وفريق في السعير (7)} {وما أنت عليهم بوكيل (6)} {ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة (8)} {ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم (21)} {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير (29)} {وما أنتم بمعجزين في الأرض (31)} {ومن يضلل الله فما له من سبيل (46)} {إن عليك إلا البلاغ (48)} {نهدي به من نشاء من عبادنا (52)} فتأمل هذه وما التحم بها مما لم يجر في السورة المتقدمة منه إلا النادر، ومحكم ما استجره، وبناء هذه السورة على ذلك ومدار آيها، يلح لك وجه اتصالها بما قبلها والتحامها بما جاورها. ولما ختمت سورة السجدة بقوله تعالى {إلا أنهم في مرية من لقاء ربهم (54)} فصلت، أعقبها سبحانه بتنزيهه وتعاليه عن ريبهم وشكهم، فقال تعالى {تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن (5)} الشورى، كما أعقب بمثله في قوله تعالى {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً (88) لقد جئتم شيئاً إداً (89) تكاد السماوات يتفطرن منه (90)} سورة مريم، ولما تكرر في سورة حم السجدة ذكر تكبر المشركين وبعد انقيادهم في قوله تعالى {فأعرض أكثرهم (4)} فصلت، {وقالوا قلوبنا في أكنة (5)} فصلت، إلى ما ذكر تعالى من حالهم المنبئة عن بعد استجابتهم فقال تعالى في سورة الشورى {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه (13)}.

042.8.2- قال الإمام البقاعي في نظم الدرر (في تناسبها مع سورة مريم): وهذا المقصود في الشورى هو غاية المقصود من أختها سورة مريم الموافقة لها في الابتداء بالتساوي في عدد الحروف المقطعة، وفي الانتهاء من حيث أن من اختص بمصير الأمور، كان المختص بالقدرة على إهلاك القرون، وذلك لأن مقصودها اتصافه تعالى بشمول الرحمة بإفاضة جميع النعم على جميع خلقه، وغاية هذه الاجتماع على الدين، ولما توافقتا في المقصود وفي الابتداء والانتهاء، واختصت الشورى بأن حروفها اثنان، دل سبحانه بذلك أرباب البصائر على أنه إشارة إلى أن الدين قسمان: أصول وفروع، دلت سورة مريم على الأصول {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون (34)}، {وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (36)}، {هل تعلم له سميا (65)} مريم، والشورى مجموع على الدين أصولاً وفروعاً {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك (13)} الآية، هذا موافقة البداية، وأما موافقة النهاية فهو أنهما ختمتا بكلمتين {ركزا} و {الأمور}: أول كل منهما آخر الأخرى وآخر كل أول الأخرى إيذاناً بأن السورتين دائرة واحدة محيطة بالدين متصلة لا انفصام لها، وذلك أن آخر مريم أول الشورى وآخر الشورى أول مريم {فإنما يسرناه بلسانك (97)} مريم، الآية هو {كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم (3)} الشورى، {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا (52)} الشورى، {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان (52)} الشورى، إلى آخرها هو {ذكر رحمة ربك عبده زكريّا (2)} مريم، إلى آخر القصة في الدعاء بإرث الحكمة والنبوة الذي روحه الوحي والله الهادي، وكذا تسميتها ببعضها بدلالة الجزء على الكل.

042.8.3- انظر أيضاً تناسب وتناسق سورة الأحقاف مع غيرها من السور؛ وتناسب سور الحواميم مع بعضها ومع السورتين التي قبلها والتي بعدها (في 046.8.2)؛ وتناسب وتناسق الحواميم مع بعضها ومع قبلها وبعدها في (046.8.4).

انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top