العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


043.0 سورة الزخرف


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


043.1 التعريف بالسورة:

1) مكية؛ ماعدا الآية 54 فمدنية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 89 آية. 4) الثالثة والأربعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والسادسة والستون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “فصلت”. 6) ليس لها أسماء أخرى. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

{الله} 3 مرات، رب 12 مرة، الرحمن 7 مرات؛ منتقم 3 مرّات؛ (2 مرّة): إله، العليم، خلق، أنعم؛ (1 مرة): العزيز، الحكيم، المقتدر، يورث، أنزل، كاشف، مبرم، كتب. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: أبرم 2 مرة، مالك (خازن النار) 1 مرة، آسفونا 1.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الرحمن 7 مرات بعد مريم 16 مرة، آباءنا 4 مرات، انتقمنا 3 مرات، قرين 2 مرة هي و ق.

وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: جعل 11 مرة، جاء 9 مرات، عباد 8 مرات، بعض 7 مرات؛ (6 مرات): أرض، مبين، خلق؛ (5 مرات): حق، سماء، مثلا، أرسل، اسأل، عذاب، يوم، يعلم؛ (4 مرات): رسول، ضرب، ذكر، مهتدون، ظلم؛ (3 مرات): وجدنا، كتاب، ملائكة، صراط، مستقيم، كافر، آيات، يرجعون، خير، الساعة، شهد؛ (2 مرة): قرآن، سبحان، نبي، الأولين، صفحاً، أزواج، نعمة، اتخذ، بنات، بنين، مستمسكون، آثار، الحياة، دنيا، بيوت، سوف، خالدون، سمع، يؤمنون، فرعون، الجنة، الشيطان؛ (1 مرة): شفاعة، بطش، أنشرنا، استويتم، مقرنين، منقلبون، إنسان، إناثاً، يخرصون، مقتدون، رجل، قريه، زخرفا، متاع، آخرة، يعش، نقيض، ضلال، أوحي، صم، عمي، أطيعون، حكمة، اتبعون، أليم، تعملون، مجرمين، جهنم، جدل.

043.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

انظر فضائلها وما ورد عنها من الأثر في سورة غافر (040.2).

043.3 وقت ومناسبة نزولها:

هي الرابعة في الحواميم “ديباج القرآن” كما في الأثر، نزلت بالتتابع بعد سورة الشورى وترتيبها في القرآن هو نفسه حسب الترتيب الزمني لها.

راجع ما قاله الإمام جلال الدين السيوطي في سورة غافر (040.8.1). أنظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

043.4 مقصد السورة:

043.4.1- التنبيه على شرف القرآن وفضله: أقسم تعالى به وأثنى عليه، ففيه للناس الخير كلّه، قرآن مبين، أصله عند الله (في اللوح المحفوظ)، عليّ، حكيم، أمر به الله ليتدبروا آياته ويهتدوا به. ولم يكن برحمته ليتركهم على ضلالهم وإن كانوا مسرفين معرضين بدون أن يذكرهم بكتابه، فنبههم لما خلقوا لأجله وهو عبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن عبادة الأصنام والأنداد.

أنزل للناس الكتاب وأرسل المرسلين، أنعم به عليهم لتحيا وتسعد به أرواحهم، كما وأنه سخّر لهم المخلوقات لتحيا وتسعد أبدانهم. متعهم في الدنيا، وحاورهم بالحق، وأراهم الآيات، ليهتدي به من قدّر هدايته فيفوز بالجنة وتقوم الحجة على من كتب شقاوته فيلقى في جهنم. فاغتروا بالنعمة وكفر أكثرهم وأعرضوا عن المنعم. فتوعدهم عقاب في الدنيا قبل الآخرة، تسلط عليهم الشياطين تغويهم وتضلهم، وخزي لهم بنصر المؤمنين.

كتاب مبين (أي الواضح الجلي المعاني والألفاظ) كي تفهمونه وتتدبرونه، عليّ (ذو مكانة عظيمة وشرف) لكي تقابلوه بالإكرام والتعظيم والانقياد له بالقبول والتسليم، حكيم (محكم، وذو حكمة بالغة) يهتدى به.

043.4.2- مقصدها نجده في الآيات الأولى (1-5) إذ يقسم سبحانه بالكتاب (ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، مما يدل على عظمة القرآن)، المبين (أي الواضح لفظاً ومعنى). وأنه جعله قرآناً عربياً وفي هذا دلالة على عظمة اللغة العربيّة (لاحتوائها القرآن العظيم المقسم به) وقوة بيانها. ويثني عليه بأن أصله في اللوح المحفوظ في السماء، عليٌّ في قَدْره وشرفه، محكم لا اختلاف فيه. وأنه تعالى لا يعرض عنهم لأجل إعراضهم، بل يرحمهم بإنزال كتابه: يدعوهم إلى الخير وإلى الذكر (القرآن) وإن كانوا مسرفين معرضين عنه لا يؤمنون، ليهتدي به من قدّر هدايته وتقوم الحجة على من كتب شقاوته.

043.5 ملخص موضوع السورة:

وقد استهلت بالقسم بالقرآن المبين، لعلوّ مقامه {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)}، توبيخاً للكفار على جهالاتهم وشركهم وإسرافهم بحق أنفسهم وحق خالقهم الذي لم يعرض عنهم رغم إعراضهم. وتضمنت ثلاث مجموعات من الآيات: تبدأ (الآيات 1-39) بأن الله هداهم بالقرآن والأنبياء والرزق وأقام عليهم الحجّة، فلم يهتدوا وبقوا على شركهم مقتدين بجهل آباءهم؛ ثمّ (الآيات 40-78) قصص وبراهين حول هدى الله في الكتاب وفضله العظيم: رزقاً وأمناً وراحة وجمالاً وزخرفة، وما قابلوه به من إعراض وجحود؛ ثمّ (الآيات 79-89) ختمت بالوعيد والتهديد بأن الله له كلّ شيء ويعلم عنهم كل شيء ورسله يكتبون، فذرهم فسوف يعلمون، كما يلي:

المجموعة الأولى (39 آية): وفيها (الآيات 1-5) مقصدها هو علو قدر القرآن وشرفه وإحكامه وبيانه، أقسم به، ولا يقسم إلا بعظيم، عربياً دلالة على عظمة اللسان العربيّ وقوة بيانه، أصله عند الله (في اللوح المحفوظ)، ولم يكن برحمته ليتركهم على ضلالهم وإن كانوا مسرفين معرضين دون أن يذكّرهم بالقرآن. (الآيات 6-8) كثير من الأنبياء استهزأ بهم أقوامهم فأهلكهوا وبقيت أمثالهم وسنّة الله فيهم عبرة للمكذبين. (الآيات 9-14) الله خلق الأرض وأنزل الماء وخلق الأزواج والفلك والأنعام فيها طعامهم وشرابهم وركوبهم. ثمّ (الآيات 15-25) جعلوا لله البنات مما لا يرضونه لأنفسهم ومن الملائكة إناثاً وعبدوا الأوثان اقتداءً بعبادة آبائهم فانتقم الله منهم. (الآيات 26-28) تبرّؤ إبراهيم من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان، ودعوته إلى عبادة الله وحده فاطر كل شيء، وجعلت كلمة التوحيد باقية في ذريّته من بعده. (الآيات 29-35) متّع الله المشركين وآباءهم ولم يعاجلهم بالعقوبة حتى جاءهم القرآن والرسول يبيِّن لهم، فقالوا سحر وكفروا يريدون أن ينزل القرآن على عظيم منهم، لكن الله قسم بينهم معيشتهم وجعلهم درجات لتصلح حياتهم ولو آتاهم زخرف الحياة لكفروا كلّهم. (الآيات 36-39) ومن يُعْرِض عن القرآن، إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم، يجعل له قرين يصده عن السبيل، حتى إذا جاءهم العذاب فهم جميعاً فيه مشتركون كما اشتركوا في الكفر.

المجموعة الثانية (39 آية): وفيها (الآيات 40-45) إنك لن تهدي من هو في ضلال، فاستمسك بما أوحي إليك، وسوف تسألون، فجميع الرسل دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له. (الآيات 46-56) جاء موسى فرعون وملأه بالبينات فضحكوا منها وسخروا، وقالوا عن الآيات سحراً، وطلبوا أن يأتي الرسول بالملائكة أو أن يكون غنياً ، فأغرقم الله وجعلهم عبرة لمن بعدهم. (الآيات 57-62) ولما ضُرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يضجّون، وقالوا: أآلهتنا التي نعبدها خير أم عيسى الذي يعبده قومه؟ ما ضربوه إلا جدلاً، ولو يشاء الله لجعل ملائكة بدلاً من بني آدم، فلا يصدَّنكم الشيطان إنه لكم عدوّ مبين. (الآيات 63-66) ولمّا جاء عيسى بالبينات والحكمة اختلفوا وتركوا الحكمة، فالويل للذين ظلموا من عذاب أليم. (الآيات 67-78) الأصدقاء في الدنيا يصبحون أعداء يوم القيامة، إلا المتقين وقرناؤهم المؤمنين، يدخلون الجنة منعّمين خالدين، أمّا المجرمين ففي عذاب جهنم خالدون، لا يخفف عنهم وهم فيه آيسون من رحمة الله.

الخاتمة (11 آية): وفيها (الآيات 79-89) تهديد ووعيد شديد: هم يمكرون ويمكر الله ويسمع سرّهم ونجواهم ويكتب أعمالهم، إن كان للرحمن ولد فهذا لا يمنع أن نعبده كما أمر، تنزّه الله ربّ كلّ شيء عما يصفون، فاتركهم يخوضون ويلعبون حتى يلاقوا وعده لهم بالعذاب، {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)}، تبارك وتكاثر خيره وملكه وعلمه، لا يملك الذين يشركون به الشفاعة عنده لأحد، وهم يعلمون أنّه خالقهم فكيف يعبدون غيره، فأعرض عنهم فسوف يعلمون ما يلقَوْنه من العذاب.

إسم السورة “الزخرف” لما ذكر فيها من قدرة الله على خلق كلّ الأشياء على تنوعها واختلافها (الآيات 9-14)، والوصف الرائع لمتاع الدنيا الزائل وبريقها الخادع (الآيات 33-35)، وأنه لو أراد أن يعمّ الكفر جميع الناس لعمهم بسبوغ النعم، ولكنه لم يعمهم بذلك بل فاوت بينهم {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا (32)}، فالأخيار والأشرار مسخّرون لبعض، لتصلح بذلك معيشتهم، وليسهل ردّهم عن الكفر بما يشهدون من قباحة الظلم والعدوان إلى ما يرونه من محاسن الدين والإيمان، ويعقلوا حسن ما جاءهم به القرآن من بيان وحكمة وطاعة للملك الرحمن (هي أكثر سورة تكرّر فيها ذكر: الرحمن 7 مرّت بعد مريم 16 مرّة من أصل 61 مرة في القرآن كله).

والزخرف ككل الحواميم تبين أن الله يريد أن يرحم عباده فيفوزوا: إذ بعد أن أوضحت عظيم حال القرآن وجليل نعمة الله به، وأردفت بذكر سعة عفوه وجميل إحسانه إلى عباده ورحمتهم بكتابه والنبي، وإعطائهم الدنيا بزخارفها وتسخيرها مع إسرافهم وقبيح مرتكبهم {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)}، جاء تفصيل يعالج المشكلتين المستعصيتين عند الإنسان وهما: الشرك والتقليد، وتنزيهه سبحانه وتعالى نفسه عن عظيم افترائهم في جعلهم الشريك والولد إلى آخر السورة، وختمت بوعيد {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}، وقبلها {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ (80)}.

ولمّا كان تقليدهم آبائهم {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)} هو سبب ركونهم إلى الزخرفة والزينة واتباع الهوى والشهوات وبالتالي هلاكهم، حاربته السورة فأبطلت اقتداءهم الباطل بأمثلة من تاريخ آبائهم الذي يحتجّون به: فإبراهيم عليه السلام تبرّأ من عبادة آبائه، وعيسى عليه السلام لم يطلب من النصارى أن يجعلوه ابن لله، وعن طلبهم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلاً من القريتين عظيم، فقد قال فرعون نفس الكلام لموسى عليه السلام عندما دعاه بأن الله {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (85)}، فردّ فرعون {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي (51)}، فمن الأولى أن يرسل لي رسولاً غنياً ومعه ملائكة.

اللهم اجعلنا من عبادك المتّقين الموحدين الذاكرين المتبعين فطرتك ودينك الإسلام ملّة أبينا إبراهيم عليه السلام.

043.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تنقسم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى نصفين الأول يتكلم عن موضوعاتها المذكورة أعلاه والثاني قصص تسهل فهم الموضوعات وتفاصيل عن يوم القيامة ثم خلاصة تلخص نتائج موضوعات السورة:

043.6.1- النصف الأول يتكلم عن موضوعات السورة بالتفصيل، وهي أن الله الرحمن رب العالمين: أنزل عليهم القرآن تحيا وتسعد به أرواحهم، أمرهم فيه بما فيه سعادتهم ونهاهم عما فيه شقاؤهم. وأنه سخّر لهم نعمه ظاهرة وباطنة. وحاورهم حتى ظهر لهم أنهم على الباطل وأن ما يدعوهم إليه هو الحق. فكانت النتيجة أن انشغل أكثرهم بزخارف الحياة والمتاع الزائل عن الحق الدائم وهو عبادة الله استعداداً للحساب في الآخرة، كما يلي:

043.6.1.1- الآيات (1-5) تلخص الآيات مقصد السورة وهو علو قدر القرآن وشرفه وإحكامه أنزله عليهم رحمة بهم رغم إعراضهم: يقسم سبحانه بالكتاب (ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، مما يدل على عظمة القرآن)، المبين (أي الواضح لفظاً ومعنى). وأنه جعله قرآناً عربياً وفي هذا دلالة على عظمة اللغة العربيّة (لاحتوائها القرآن العظيم المقسم به) وقوة بيانها. ويثني عليه بأن أصله في اللوح المحفوظ في السماء، عليٌّ في قَدْره وشرفه، محكم لا اختلاف فيه.

وأنه تعالى لا يعرض عنهم لأجل إعراضهم، بل يرحمهم بإنزال كتابه: يدعوهم إلى الخير وإلى الذكر (القرآن) وإن كانوا مسرفين معرضين عنه لا يؤمنون، ليهتدي به من قدّر هدايته وتقوم الحجة على من كتب شقاوته.

043.6.1.2- الآيات (6-8) وكم أرسل من النبيين فاستهزأوا بهم فأهلكهم. لقد كانت الأمم السابقة تأتيها المرسلين، وما من أمة إلا وكان لها نبي، فلما ختمت الرسالات بخاتم النبيين محمّد صلى الله عليه وسلّم، حفظ الله دعوته متواصلة يرحم بها الناس إلى يوم القيامة في القرآن العظيم، وهو كتاب مبين بلغة عربية فصيحة وفي أم الكتاب عليّ حكيم.

043.6.1.3- الآيات (9-14) هذه معضلة عند الناس أنهم يستهزئون بالأنبياء من عند الله مع إقرارهم بأن خالق السماوات والأرض هو الله. سهّل الله لهم أمور حياتهم على الأرض ورزقهم وسخر لهم الأنعام والفلك (ولم يحرمهم من نعيم الدنيا): الله خلق السماوات والأرض ومهدها وجعل فيها طرقاً، ونزل من السماء مطراً بقدر، أحيا به أرضاً مقفرة، كذلك يخرجكم بعد الموت، وخلق الأزواج كلها، وجعل المراكب في البحر والبر، كل ذلك لتذكروا أن الله المنعم على عليكم بشتَّى النعم، هو المستحق للعبادة.

043.6.1.4- الآيات (15-25) حوار عقلي منطقي يبين لهم بطلان معتقدهم وضلال طريقهم وبعده عن الصواب: بينت هذه الآيات وأبرزت بحوار عقلي ومنطقي المشكلتين المستعصيتين عند الإنسان والذي نزل ليحاربهما القرآن، وهما الشرك والتقليد، وسبب وجود هاتين المشكلتين هو ركون الإنسان إلى ما تزينه له نفسه من اتباع الهوى والشهوات وعدم بذل الجهد لمعرفة الحقيقة التي فطر عليها واتباعها. الفطرة فيها التزام وحقوق وواجبات تجاه الغير إذا أقيمت سعد الجميع، وإذا خولفت شقي الجميع. وهذا ما ميّز الإنسان عن باقي المخلوقات أي أن الله أعطاه حرية الاختيار في أن يفعل أو لا يفعل أشياء بيّنها له عن طريق الوحي في الكتاب وإرسال المرسلين وهي الدين. هذا الدين هو الفطرة {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)} الروم، التي ترك للإنسان حرية الاختيار في الالتزام بها طواعية، وهي المقياس والميزان الذي يحدد درجة ما يستحقه من الثواب بسبب طاعته لله ودرجة التزامه بها.

لكنهم أعرضوا عن أمر ربهم، أشركوا ولاموا ربهم أراحوا رؤوسهم بتقليد آبائهم وكفروا بالهدى فأهلكهم الله (هذه حال كل القرى): يقول تعالى مخبراً عن المشركين أنهم جعلوا له من خلقه نصيبا، مثل قولهم عن الملائكة بنات الله، فأتبع ذلك توبيخه لهم فيما افتروه وكذبوه في جعلهم له من قسمة البنات والبنين أخسهما وأردأهما (في رأيهم) وهو البنات. وأنكر عليهم غاية الإنكار، كيف اتخذ ربكم أيها الجاهلون مما يخلق بنات، وأنتم لا ترضونه لأنفسكم، وأصفاكم بالبنين. وهم إذا بشّر أحدهم بهن ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يجترئون على الله فينسبون له من يربى في الزينة وغير مبين لحجته، لأنوثته. وأنكر عليهم تعالى قولهم عن الملائكة إناثاً، فهل شاهدوه وقد خلقهم إناثا، سيسألون عن ذلك يوم القيامة وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد. وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدنا أحداً من دونه، وهذه حجة باطلة كاذبة، فقد أقام الله الحجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب. هل أعطيناهم كتاباً من قبل القرآن الذي أنزلناه، فهم به مستمسكون يعملون بما فيه. ولكنهم قالوا: وجدنا آباءنا الذين كانوا قبلنا يعبدون غير الله، فنحن نعبد كما كانوا يعبدون. ولو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به من الهدى لما انقادوا لذلك لسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله. فانتقم الله منهم فانظر كيف بادوا وهلكوا ونجى الله المؤمنين.

043.6.1.5- الآيات (26-28) يقول تعالى مخبرا عن جدهم وجد آبائهم إبراهيم عليه السلام ووالد من بعث بعده من الأنبياء، أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان، دعا إلى التوحيد دين الفطرة، ووصى بذلك أبناءه: عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها.

043.6.1.6- الآيات (29-35) متعهم الله وآباءهم فاغترّوا بالنعمة وكفروا بالحق (الحق التزام ومسئولية وليس الثراء على حساب الضعفاء) هذا التفاوت جعله الله ليتكامل المجتمع ويتداولوا المسئوليات رحمة بهم.

من معضلات الإنسان أيضاً اختلاق الحجج والأعذار لعدم إيمانهم يقولون سحر ويقولون لو نزل على رجل عظيم. إنما هي حجج باطلة لأن الله هو الذي يقسم الرزق بين الناس وهو الذي جعلهم درجات رحمة بهم لتتكامل حياتهم ويعلموا قيمة الأشياء وأن رحمة الله خير: المريض يعلم قيمة الصحة والفقير يعلم قيمة الغنى والخائف يعلم قيمة الأمن وكل هذا من الله وليرجوا رحمته خير مما يجمعون. الله قادر أن يغني كل الناس ويزخرف لهم البيوت لكن هذا ليس المقصد من الحياة الدنيا بل أبقاه للآخرة وهي خير للمتقين.

يقول تعالى: بل متعت هؤلاء المشركين وآباءهم ولم أعاجلهم بالعقوبة حتى جاءهم القرآن ورسول يبيِّن لهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم. ولما جاءهم القرآن قالوا هذا سحر وإنا به كافرون. فإن كان حقا فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف. وليس الأمر مردودا إليهم بل إلى الله عز وجل والله أعلم حيث يجعل رسالاته فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق، ثم قال عز وجل مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك، ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا وهذا إلى هذا، ورحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا.

أي لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه فيجتمعوا على الكفر لأجل المال، لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة وسلالم عليها يصعدون. إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى أي يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها، والآخرة عند ربك للمتقين لا يشاركهم فيها أحد غيرهم.

043.6.1.7- الآيات (36-39) ومن يُعْرِض عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم. نجعل له شيطانا في الدنيا يغويه جزاء له على إعراضه عن ذكر الله. وإن الشياطين ليصدون عن السبيل ويظن المعرضون بتحسين الشياطين لهم الضلال أنهم على الحق والهدى. حتى إذا جاء الحساب والجزاء، قال المعرض يا ليت بيني وبينك بُعْدَ ما بين المشرق والمغرب، فبئس القرين لي حيث أغويتني، ولن ينفعهم بل هم في العذاب مشتركون كما اشتركوا في الكفر.

من أخطاء الإنسان إعراضه عن الذكر. الذي هو لسعادتهم، لأن هذا الدين وما فيه من الذكر يحميهم من الشيطان عدوهم. فاستمسك به وسوف يسألون.

043.6.1.8- الآيات (40-45) ليس إليك أن تسمع الصم أو تهدي العمي أو تهدي الضال، إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك. أي لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت أو بقيت على قيد الحياة فالله قادر عليهم. أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم. وإن هذا القرآن لتذكير لك ولقومك وسوف تسألون وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له. فإن جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ونهوا عن عبادة الأصنام.

من أخطائهم أنهم في ضلال يصمهم ويعميهم عن الهدى والصراط المستقيم، وسوف يسألون عن الوحي الذي نزل عليهم ماذا فعلوا به.

043.6.2- الآن قصص توضح ما ذكر أعلاه بالمثال الحقيقي والدليل:

043.6.2.1- قصة موسى عليه السلام مع فرعون تسهّل فهم كل ما ذكر أعلاه من موضوعات السورة بالدليل الحقيقي: جاءهم موسى بالبينات فضحكوا منها وسخروا، وقالوا عن الآيات سحراً، وطلبوا أن يكون الرسول غني أو يأتي بالملائكة، فأغرقم الله، وجعلهم عبرة لمن بعدهم.

043.6.2.1.1- الآية (46) إرسال موسى بالآيات إلى فرعون وقومه.

043.6.2.1.2- الآية (47) جاءهم موسى بالآيات لتسعد به أرواحهم.

043.6.2.1.3- الآيات (48-50) وجدالهم بالآيات والحجج البينة المقنعة بأن ما جاءهم هو الحق وأنهم على باطل.

043.6.2.1.4- الآية (51) بسط تعالى لهم الرزق لتسعد أجسادهم.

043.6.2.1.5- الآيات (52، 53) منعهم عن الاتباع اغترارهم بنعمة الله عليهم فقد أعمتهم عن الحق.

043.6.2.1.6- الآية (54) فأطاعوا فرعون والشيطان.

043.6.2.1.7- الآيات (55، 56) فانتقم الله منهم بأن أغرقهم وجعلهم مثلاً وآية لمن بعدهم.

043.6.2.2- الآيات (57-62) أمر الخلاف وجدال المشركين العرب في عيسى عليه السلام: إنهم لضيق أفقهم وعدم استخدامهم لعقولهم تركوا القرآن العظيم الواضح وراحوا يتجادلون في أمر عيسى عليه السلام. فالأمر عندهم جدال لمجرّد الجدال ليبطلوا بذلك الحق، لكن موضوع الكتاب أخطر من الجدال في عيسى إنه أمر الساعة فعليهم اتباع الرسول الذي يهديهم صراط الله المستقيم الموصل إلى الجنة. وأن لا يتبعوا وساوس الشيطان عدوهم المبين الموصلة إلى النار.

ولما ضرب المشركون عيسى ابن مريم مثلا حين حاجُّوا محمدا صلى الله عليه وسلم، بعبادة النصارى إياه، إذا قومك من ذلك يضجون فرحاً وسروراً، وذلك لقوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون}، وقال المشركون: أآلهتنا التي نعبدها خير أم عيسى الذي يعبده قومه؟ فإذا كان عيسى في النار، فلنكن نحن وآلهتنا معه، ما ضربوا لك هذا المثل إلا جدلا بل هم قوم مخاصمون بالباطل. ما عيسى ابن مريم إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة، وجعلناه آية وعبرة لبني إسرائيل يُستدل بها على قدرتنا. ولو نشاء لجعلنا بدلا منكم ملائكة يَخْلُف بعضهم بعضاً بدلا من بني آدم. وإن نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة لدليل على قُرْبِ، وقوع الساعة، فلا تشُكُّوا أنها واقعة لا محالة، واتبعون فيما أخبركم به عن الله تعالى، هذا طريق مستقيم. ولا يصدَّنكم الشيطان بوساوسه عن طاعتي فيما آمركم به وأنهاكم عنه، إنه لكم عدو بيِّن العداوة.

043.6.2.3- الآيات (63-66) قصة عيسى تبين كيف اختلف قومه على الحكمة والبينات التي جاءهم بها، فتركوا الحكمة واتبعوا الخلاف.

043.6.2.4- الآيات (67-78) المصير يوم القيامة:

043.6.2.4.1- الآية (67) الأصدقاء في الدنيا يصبحون أعداء يوم القيامة، إلا الذين تصادقوا على تقوى الله فهي دائمة في الدنيا والآخرة.

043.6.2.4.2- الآيات (68-73) المتقين: يقال لهم: يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، بسبب إيمانهم وإسلامهم وأعمالهم الصالحة. ادخلوا الجنة أنتم وقرناؤكم المؤمنون تُنَعَّمون. يطاف عليهم بالطعام والشراب ولهم ما تشتهي أنفسهم وتلذه أعينهم من كل الأصناف وهم فيها خالدون.

043.6.2.4.3- الآيات (74-78) المجرمين: في عذاب جهنم خالدون، لا يخفف عنهم، وهم فيه آيسون من رحمة الله، وما ظلمهم الله، ولكن كانوا هم الظالمين أنفسهم، يتمنون الموت ويطلبونه، فلا يموتون ولا يخرجون، لقد جاءهم الحق ولكن أكثرهم للحق كارهون.

043.6.2.5- الآيات (79-89) الله لهم بالمرصاد ولن يفلتوا من عقابه لهم على كيدهم للحق وسوء ما فعلوه. أسرارهم مسموعة وأعمالهم مكتوبة. أن يكون لله ولد أو لا يكون هذه ليست القضية. الله تعالى ليس مثلهم فليس له ولد، سبحانه رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون من الكذب والافتراء، وحده المعبود في السماوات والأرض. القضية أنهم يخوضون في فيما لا يعلمون ويلعبون بينما الأمر ليس كذلك، هم مبتلون والساعة تنتظرهم وهم إليه راجعون للحساب والجزاء، ولا يملك الذين يعبدونهم الشفاعة عنده لأحد إلا من شهد بالحق. هم يعلمون أن الله هو خالقهم فكيف يعبدون غيره، لذلك (وفي تهديد ووعيد شديد) أعرض عنهم فسوف يعلمون ما يلقَوْنه من العذاب.

043.7 الشكل العام وسياق السورة:

043.7.1- إسم السورة: سُميت “الزخرف” لما فيها من التمثيل الرائع لمتاع الدنيا الزائل وبريقها الخادع بالزخرف اللامع الذي ينخدع به الكثيرون مع أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولهذا يعطيها الله للأبرار والفجار، وينالها الأخيار والأشرار، أما الآخرة فلا يمنحها الله إلا لعباده المتقين فالدنيا دار الفناء والآخرة دار البقاء.

وقال البقاعي: دلت تسميتها بالزخرف على ما في آياتها من أنه لو أراد أن يعم الكفر جميع الناس لعمهم بسبوغ النعم، ولكنه لم يعمهم بذلك، بل فاوت بينهم فأفقر بعضهم وأكثر بؤسهم وضرهم وفرق أمرهم، ليسهل ردهم عن الكفر الذي أدتهم إليه طبائعهم وحظوظهم ونقائصهم بما يشهدون من قباحة الظلم والعدوان إلى ما يرونه من محاسن الدين والإيمان، ولذة الخضوع للملك الديان.

043.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها والقصص الموجودة فيها:

يمكن تقسيم السورة باعتبار موضوعات آياتها والقصص الموجودة فيها إلى أربعة مجموعات من الآيات كما يلي:

– المجموعة الأولى: مقصد السورة وهو: سعة عفو الله تعالى بأن أرسل المرسلين وأنزل الكتاب المبين، ولم يترك الناس على ضلالهم، رغم إسرافهم وقبيح صنعهم، بدون أن ينبههم لما خلقوا لأجله وهو عبادة الله وحده لا شريك له ونهيهم عن عبادة الأصنام والأنداد. الآيات (1-5، 13، 14، 43-45، 81، 82، 84-89) = 18 آية = 20.22%

– المجموعة الثانية: قصص تبين تكرار ارسال المرسلين إلى كل الأمم وتكرار ما تفعله الأمم من الإسراف والشرك والتكبر بالنعمة. الآيات (6-8، 23-28، 46-65) = 29 آية = 32.58%

– المجموعة الثالثة: نعم الله على الناس وآياته وجدالهم فيها واختلافهم. الآيات (9-12، 33-35، 15-22، 29-32، 83) = 20 آية = 22.47%

– المجموعة الرابعة: عقاب الدنيا والآخرة. الآيات (36-42، 66-80) = 22 آية = 24.72%

043.7.2.1- نعمة الدين وإرسال المرسلين وإنزال الكتاب المبين لهداية الناس وإبعادهم عن وسوسة الشيطان عدوهم وعن ظلمهم لأنفسهم: الآيات (1-5، 13، 14، 43-45، 81، 82، 84-89) = 18 آية = 20.22%

الآيات (1-5) عناية الله العلي الحكيم بهم ليكونوا على بينة من حقيقة أمرهم وأنهم خلقوا ليعبدوا الله وحده، فأنزل الكتاب المبين ولم يتركهم لأنفسهم بسبب اسرافهم.

الآيات (13، 14) عناية الله بدنياهم وراحتهم: وجوب ذكر نعمة الله عليهم في الدنيا التي سخرها لهم وركوبهم، فهو المستحق للعبادة وأنهم صائرون إليه بعد مماتهم. (وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة)

الآيات (43-45) يأمرهم بالتمسك بما أمر به الله في القرآن الذي أوحاه إليهم، وأنهم على صراط مستقيم، وأن القرآن ذكر لهم مبين، وسوف يسألون عمّا فعلوا فيه. وأن جميع الرسل من قبل دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونهوا عن عبادة ما سواه.

الآيات (81-82) إن كان للرحمن ولد كما يزعمون فهذا لا يمنع أن نعبده كما أمر، ولكن هذا لم يكن ولا يكون، تنزّه وتقدّس رب السماوات والأرض رب العرش العظيم عما يصفون من الكذب والافتراء.

الآيات (84-89) الله وحده هو الإله الحق في السماء وفي الأرض، وهو الحكيم العليم بكل شيء. تكاثرت بركته، وكَثُر خيره، وعَظُم ملكه، له وحده السماوات والأرض وما بينهما، وعنده علم الساعة وإليه تُرَدُّون بعد مماتكم، فيجازي كلاً بما يستحق. ولا يملك الذين يعبدهم المشركون الشفاعة عنده لأحد، إلا مَن شهد بالحق، وهم يعلمون حقيقة ما أقرّوا وشهدوا به. ولئن سألتهم مَن خلقهم؟ ليقولُنَّ: الله خلقنا، فكيف ينصرفون عن عبادته ويشركون به غيره؟ وقال صلى الله عليه وسلم شاكياً إلى ربه قومه الذين كذَّبوه: يا ربِّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. فاصفح أيها الرسول عنهم، وقل سلام، فسوف يعلمون ما يلقَوْنه من البلاء والنكال. وفي هذا تهديد ووعيد شديد لهؤلاء الكافرين المعاندين وأمثالهم.

043.7.2.2- القصص: الآيات (6-8، 23-28، 46-65) = 29 آية = 32.58%

043.7.2.2.1- تبين هذه الآيات سنة الله في إرسال النبيين إلى الأمم وكثرتهم. لكن ما يأتيهم من نبيّ ينذرهم عاقبة كفرهم إلا استهزأوا به، بطراً بالنعمة وسخرية من الحق، فأهلكوا بذنوبهم وكفرهم، كما أهلك من هو أشدّ منهم من قبلهم. (دورة الدين في الأمم). الآيات (6-8، 23-25) = 6 آيات = 6.74%.

الآيات (6-8) تبين كثرة ما أرسلهم الله من الأنبياء إلى الأمم، وما يأتيهم من نبي إلا كذبوه وسخروا منه، فأهلكهم الله وهي سنته القائمة في إهلاك الأمم المكذبة.

الآيات (23-25) تبين كفرهم بما أرسل إليهم من النذير، وتقليدهم الأعمى للآباء. ما أرسل الله في قرية مِن نذير، إلا قال الذين أبطرتهم النعمة: إنَّا وجدنا آباءنا على دين وإنا بهم مقتدون. فانتقمنا من الأمم المكذبة فانظر كيف كان عاقبة أمرهم بأن بادوا وهلكوا.

043.7.2.2.2- ولتسهيل فهم موضوعات السورة وهي: عبادة الله وجدال المشركين وتكبرهم بنعمة الله عليهم، جاء فيها قصص ثلاثة أنبياء من أولي العزم من الرسل كما يلي: الآيات (26-28، 46-65) = 23 آية = 28.84%:

الآيات (26-28) إبراهيم أبو الأنبياء وقد دلّت قصته أنه على دين التوحيد، أوصى بها ذريته من بعده.

الآيات (46-56) موسى وفرعون الذي دلّت قصته على طغيان النعمة على عقول المترفين وحربهم للدين. وقد جاءهم موسى بالآيات الكثيرة من عند الله، فسخروا منها وكذبوا بها واستكبروا بنعمة الله عليهم، وأصرّوا على الفساد فغضب الله عليهم وانتقم منهم بعاجل العذاب الذي عجله لهم في الدنيا، فأغرقهم جميعا في البحر.

الآيات (57-65) جدال المشركين في عيسى عليه السلام الذي دلّت قصته على تركهم للحكمة واتباعهم للخلاف. جادل فيه العرب فرحاً أنهم وجدوا موضوعاً للخلاف والجدال بالباطل بأن النصارى عبدوا عيسى وهم يعبدون الأصنام وأن الآلهة في النار أو أن محمداً صلى الله عليه وسلم يريد أن يعبده قومه كما عبد عيسى، وغيرها من الجدال بالباطل ليصدوا به عن الحق.

الحق هو أن عيسى عبد الله أنعم عليه بالنبوّة وجعله آية وعبرة لبني إسرائيل، فلما جاءهم بالحكمة والبينات يدعوهم إلى عبادة الله وحده وإلى الصراط المستقيم، اختلفوا فيه وصاروا فرقاً وشيعاً يناقض ويظلم بعضهم بعضاً، فويل لهم من عذاب أليم يوم القيامة.

043.7.2.3- نعم الله على الناس وآياته، وميل الناس إلى الكفر بسبب النعمة. وجدالهم بالباطل (أي انشغالهم بالنعمة وزخارف الحياة) بينما الله خالقهم يذكرهم ويجادلهم بالحق من أجل مصلحتهم: الآيات (9-12، 33-35، 15-22، 29-32، 83) = 20 آية = 22.47%

043.7.2.3.1- نعم الله على الناس وآياته، وميل الناس إلى الكفر بسبب النعمة: الآيات (9-12، 33-35) = 7 آيات = 7.87%.

الآيات (9-12) هؤلاء المشركين يعلمون أن الله العزيز العليم هو مَن خلق السماوات والأرض. الذي جعل الأرض مهداً، وسهَّل فيها طرقاً لكي يهتدوا بها إلى مصالحهم الدينية والدنيوية. والذي نزل من السماء مطراً بقدر، فأحيا بالماء بلدة مُقْفِرَة من النبات. وكما أخرج بهذا الماء من هذه البلدة الميتة النبات والزرع، تُخْرَجون أيها الناس من قبوركم بعد فنائكم. والذي خلق الأزواج كلها من حيوان ونبات، وجعل من السفن ما تركبون في البحر، ومن البهائم ما تركبون في البر.

الآيات (33-35) ولولا أن يكون الناس جماعة واحدة على الكفر، لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفا من فضة وسلالم عليها يصعدون. وجعلنا لبيوتهم أبواباً من فضة، وجعلنا لهم سرراً عليها يتكئون، وجعلنا لهم ذهباً، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، وهو متاع قليل زائل، ونعيم الآخرة مدَّخر عند ربك للمتقين ليس لغيرهم.

قال الحسن: المعنى لولا أن يكفر الناس جميعا بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه، لهوان الدنيا عند الله عز وجل. وقال: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك! فكيف لو فعل؟!

043.7.2.3.2- جدالهم بالباطل (وانشغالهم بالنعمة وزخارف الحياة) بينما الله خالقهم يذكرهم بمقصد وجودهم ويجادلهم بالحق: الآيات (15-22، 29-32، 83) = 13 آية = 14.61%

جدالهم واختلافهم بسبب ميلهم إلى الدنيا وإعراضهم عن اتباع الحق. فالنعمة وزخارف الدنيا جعلتهم في غفلة عن الحق: حجبت عقولهم وأعمت أبصارهم وأغنتهم عن طاعة الله مع علمهم أن الله خالق كل شيء ورازقه ومدبّر أمره وهو المستحق للعبادة والطاعة وحده لا شريك له:

الآيات (15-22) جعل هؤلاء المشركون لله مِن خلقه نصيباً، إن الإنسان لجحود لنعم ربه التي أنعم بها عليه. يزعمون أن ربهم اتخذ مما يخلق بنات، وخصَّهم بالبنين. وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى التي نسبها للرحمن، صار وجهه مُسْوَدَّا من سوء البشارة بالأنثى، وهو حزين (فكيف يرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم؟ تعالى الله وتقدَّس عما يقول الكافرون علواً كبيراً). يجترئون وينسبون إلى الله تعالى مَن يُرَبَّى في الزينة، وهو في الجدال غير مبين لحجته. وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، أحَضَروا حالة خَلْقهم؟ ستُكتب شهادتهم، ويُسألون عنها في الآخرة. وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم (وهذه حجة بالقضاء والقَدَر باطلة، فقد أقام الله الحجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب) ما لهم بما يقولون مِن علم، إنما هم يكذبون. أم أعطيناهم كتاباً من قبل القرآن فهم به مستمسكون. بل قالوا: إنا وجدنا آباءنا على طريقة وإنا على آثارهم متبعون لهم.

الآيات (29-32) بل متع الله هؤلاء المشركين وآباءهم بالحياة، فلم يعاجلهم بالعقوبة، حتى جاءهم القرآن ورسول يبيّن لهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم. ولما جاءهم قالوا: هذا سحرٌ وإنا به مكذِّبون، وقالوا فهلا نُزِّل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين “مكة” أو “الطائف”. أهم يقسمون النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في حياتهم الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات، ليكون بعضهم مُسَخَّراً لبعض في المعاش، ورحمة ربك خير مما يجمعون.

الآية (83) فاترك هؤلاء المفترين على الله يخوضوا ويلعبوا، حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يوعدون بالعذاب: إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما معاً.

043.7.2.4- جزاء وعقاب في الدنيا وفي الآخرة: الآيات (36-42، 66-80) = 22 آية = 24.72%

043.7.2.4.1- عقاب في الدنيا: الآيات (36، 37، 40-42، 79، 80) = 7 آيات = 7.87%

الآيات (36، 37) ومن يُعْرِض عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، نجعل له شيطاناً في الدنيا يغويه؛ جزاء له على إعراضه عن ذكر الله، فهو له ملازم ومصاحب يمنعه الحلال، ويبعثه على الحرام. وإن الشياطين ليصدونهم عن السبيل بتحسين الضلالة، ويحسبون أنهم على الحق والهدى.

الآيات (40-42) أنت لا تُسمع الصم، أو تهدي العمي، ومَن كان في ضلال عن الحق بيِّن واضح؛ إنما عليك البلاغ، والله يهدي مَن يشاء. فإن توفيناك قبل نصرك على المكذبين فإنَّا منهم منتقمون في الآخرة، أو نرينك الذي وعدناهم من العذاب النازل بهم في الدنيا فإنا عليهم مقتدرون، نخزيهم بيدك وأيدي المؤمنين بك.

الآيات (79، 80) هل أحْكمَ المشركون أمراً يكيدون به الحق؟ فإنا مدبِّرون لهم ما يجزيهم من العذاب والنكال. أم يظنّون أنَّا لا نسمع ما يسرونه ويتناجون به؟ بلى نسمع ونعلم، والملائكة يكتبون أعمالهم.

043.7.2.4.2- جزاء وعقاب في الآخرة: الآيات (38، 39، 66-78) = 15 آية = 16.85%

الآيات (38، 39) حتى إذا جاءنا الذي أعرض للحساب والجزاء، قال لقرينه يا ليت بيني وبينك بُعْدَ المشرقين، فبئس القرين أغويتني. ولن ينفعهم ذلك اليوم إذ أشركوا في الدنيا أنهم في العذاب مشتركون كما اشتركوا في الكفر.

الآيات (66-78) هل ينتظر هؤلاء إلا الساعة أن تأتيهم فجأة، وهم لا يشعرون بها؟ كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه.

حال السعداء في الآخرة: بشّر عبادي أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين. يقال لهم ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تتنعمون وتسعدون. يطاف عليهم بأوانٍ من ذهب وأكواب، وفيها لهم ما تشتهي أنفسهم وتلذه أعينهم، وهم فيها خالدون. تلك الجنة التي أورثتموها بسبب أعمالكم الصالحة برحمة الله وفضله. لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون.

حال الأشقياء في الآخرة: إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون، لا يخفف عنهم وهم فيه آيسون من رحمة الله، وما ظلمهم (بعد قيام الحجة عليهم وإرسال الرسل إليهم) ولكن كانوا هم الظالمين أنفسهم. ونادوا يا مالك (وهو خازن النار): ليقبض أرواحنا ربك فيريحنا مما نحن فيه، قال: إنكم ماكثون، لا خروج لكم، لقد جاءكم الحق ووضحناه لكم، ولكن أكثركم للحق كارهون.

043.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

043.7.3.1- آيات القصص: (6-8، 15-32، 43-65) = 44 آية.

043.7.3.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (38، 39، 66-78) = 15 آية.

043.7.3.3- الأمثال في الآيات: (33-35، 40-42، 81) = 7 آيات.

043.7.3.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (9-14، 84-87) = 10 آيات.

043.7.3.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-5، 36، 37، 79، 80، 82، 83، 88، 89) = 13 آية.

043.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

043.8.1- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أخر سبحانه بامتحان خَلَف بني إسرائيل في شكهم في كتابهم بقوله: {وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب (14)} الشورى، ووصى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتبري من سيئ حالهم والتنزه عن سوء محالهم فقال {ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب (15)} الشورى، وتكرر الثناء على الكتاب العربي كقوله {وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً (7)} الشورى، وقوله {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان (17)} الشورى، وقوله {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا (52)} – إلى آخر السورة، أعقب ذلك بالقسم به وعضد الثناء عليه فقال {حم (1) والكتاب المبين (2) إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون (3) وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم (4)} ولما أوضح عظيم حال الكتاب وجليل نعمته به، أردف ذلك بذكر سعة عفوه وجميل إحسانه إلى عباده ورحمتهم بكتابه مع إسرافهم وقبيح مرتكبهم فقال: {أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين (5)} ولما قدم في الشورى قوله {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً (50)} فأعلم أن ذلك إنما يكون بقدرته وإرادته، والجاري على هذا أن يسلم الواقع من ذلك ويرضى بما قسم واختار، عنف تعالى في هذه السورة من اعتدى وزاغ فقال {وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم (17)} فكمل الواقع هنا بما تعلق به، وكذلك قوله تعالى {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض (27)} وقوله في الزخرف {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة (33)} إلى آخره – انتهى.

043.8.2- انظر أيضاً تناسب وتناسق سورة الأحقاف مع غيرها من السور؛ وتناسب سور الحواميم مع بعضها ومع السورتين التي قبلها والتي بعدها (في 046.8.2)؛ وتناسب وتناسق الحواميم مع بعضها ومع قبلها وبعدها في (046.8.4).

انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top