العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


045.0 سورة الجاثية


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


045.1 التعريف بالسورة:

1) مكية؛ ماعدا الآية 14 فمدنية. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 37 آية. 4) الخامسة والأربعون من حيث الترتيب في المصحف .5) والثامنة والستون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “الدخان”. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمى أيضاً سورة الشريعة وسورة الدهر، حكاه الكرماني في العجائب. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

{الله} 16 مرّة، رب 7 مرات؛ (2 مرّة): لله، عزيز، حكيم، فضّل؛ (1 مرّة): له، هو، خلق، أحيا، جامع، يقضي، أنزل. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: جاثية 1 مرة، دهر 1 مرة هي والإنسان.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: تتلى 4 مرات بعد البقرة 8 مرات وآل عمران 6 مرات.

تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: آيات 12 مرّة؛ (7 مرات): السماوات، الأرض؛ (6 مرات): قوم، يوم، حيا؛ آمن 5 مرّت؛ (4 مرات): كتاب، تتلى، حق، عذاب، ميت؛ (3 مرات): هدى، علم، يعلمون، يوقنون، كسب، هزوا، الساعة، مستكبر؛ (2 مرّة): سخر، رزق، رحمة، هوى، كفر، الذين آمنوا وعملوا الصالحات، خلق، آتينا، القيامة، أمة؛ (1 مرّة): ليل، نهار، فوز، جاثية.

045.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

انظر فضائلها وما ورد عنها من الأثر في سورة غافر (040.2).

045.3 وقت ومناسبة نزولها:

هي السادسة في الحواميم “ديباج القرآن” كما في الأثر، نزلت بالتتابع بعد سورة الدخان وترتيبها في القرآن هو نفسه حسب الترتيب الزمني لها.

راجع ما قاله الإمام جلال الدين السيوطي في سورة غافر (040.8.1). أنظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

045.4 مقصد السورة:

045.4.1- التنبيه على أن العزيز الحكيم لم ينزّل فقط الكتاب تتلى عليهم فيه آياته فيعلموا الحق من الباطل، ويبصروا سبيل الرشاد؛ بل ونبّه أيضاً إلى آياته وعلاماته في مخلوقاته، الدالّة على كمال قدرته، وحكمته، وإرادته، بأنه وحده يستحق الحمد والطاعة، لا الهزء والجحود، وأن له وحده الكبرياء وليس لغيره شيء من ذلك، فبأي حديث بعد كلام الله في كتابه وآياته في مخلوقاته يؤمنون. فمن الناس من عقل دعوة الله له إلى الهدى فسمع وأطاع ومنهم من تبع هواه فأنكر مستكبراً عن قبولها مستهيناً بها. فاقتضت حكمة الله (بعد البيان والآيات) أن يجازي كلّ بعمله: المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

التنبيه على انه ليس بعد كلام الله في كتابه، ولا بعد ما جعله من الدلائل في مخلوقاته من هدى يهتدي به الناس ولا نور ينير طريقهم إلى ما خلقوا لأجله من عبادة الله وطاعته.

045.4.1.1- وبكلام آخر: إن منزل القرآن {الله العزيز الحكيم}، جعله بصائر وهدى ورحمة، وأشار فيه إلى آياته المبثوثة بالحق في الكون الذي خلقه بالحق، وبيّن أنه جامع الخلق ليوم الفصل والحساب، ليجازي الأنفس بما كسبت {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)}. لكن أكثر الناس تركوا الهدى واتبعوا الهوى وهم يعلمون ما يجب عليهم فعله في الدين (أو أضلهم الله عالماً بحالهم، من زوال استعدادهم). تؤكدها قصص بني اسرائيل وغيرهم من الأمم السابقة، وقد تليت عليهم كذلك الآيات وأتتهم البينات من قبل، فاختلفوا. فليؤخذ من اختلافهم وعدم اجتماعهم على الحق العبرة. فلا بدّ من اتباع شرع الله لا الأهواء، فالكون قائم على الحق والعدل الذي نص عليه سبحانه في كتابه، ولا بدّ من الحساب والجزاء.

045.4.2- ومقصد السورة نجده في مطلعها: ابتدأت بالآيات (1، 2) وهو أن هذا القرآن منزل من الله العزيز في مقامه، الحكيم في تدبير أمور خلقه، هو كلام الله للإنسان، يحتوي رسالة حق له لعله يعقل ويطيع ما فيها. تلته الآيات (3-6) فيها الإشارة إلى بديع خلق الله، وهي أيضاً لسان حالها آيات تتحدث عن مقام العزّة لله خالقها وعن أنه يوجد حكمة بليغة وأمر عظيم وراء هذا التدبير الدقيق للكون. ثم تمضي السورة في بيان تفاصيل هذه الحكمة والأمر العظيم الذي خلق الكون لأجله، والذي محوره الإنسان، وبيان ما يجب أن يجري، ثم ما جرى فيه من أحداث، ثم بيان مصيره النهائي، من حيث قيام الساعة وإقامة العدل بين المخلوقات. إلى أن تختم بالآيات (36، 37) وفيها أن لله (وحده سبحانه العظمة والجلال) والكبرياء (والسُّلْطان والقدرة والكمال) في السماوات والأرض، وهو العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في أقواله وأفعاله وقدره وشرعه. فابتدأت السورة وختمت بهاتين الصفتين لله العزيز في مقامه والحكيم في تدبيره، واللتين على تأكيدهما والدلالة عليهما يدور مقصد السورة، كما يلي:

045.4.3- وقال الإمام برهان الدين البقاعي: مقصودها الدلالة على أن منزل هذا الكتاب، كما دلّ عليه في الدخان، ذو العزة لأنه لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء، والحكمة لأنه لم يضع شيئاً إلا في أحكم مواضعه، فعلم أنه المختص بالكبرياء، فوضع شرعاً هو في غاية الاستقامة لا تستقل العقول بإدراكه ولا يخرج شيء منه عنه، أمَرَ فيه ونهى، ورغّب ورهّب، ثم بطّن حتى أنه لا يعرف، ثم ظهر حتى أنه لا يجهل، فمن المكلفين من حكّم عقله وجانب هواه فشهد جلاله فسمع وأطاع، ومنهم من تبع هواه فضل عن نور العقل فزاغ وأضاع. فاقتضت الحكمة، ولا بد، أن يجمع سبحانه الخلق ليوم الفصل، فيظهر كل الظهور، ويدين عباده، ليشهد رحمته المطيع، وكبرياءه العاصي، وينشر العدل ويظهر الفضل، ويتجلى في جميع صفاته لجميع خلقه، وعلى ذلك دل اسمها الشريعة، واسمها الجاثية واضح الدلالة فيه إذا تؤمل كل من آيتيهما. والله سبحانه وتعالى الهادي.

045.5 ملخص موضوع السورة:

واستهلّت بذكر مقصدها حول {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)}، وآيات السماوات والأرض وخلق الناس، تلاه اتخاذهم الهوى بدل الهدى وإنكارهم للآخرة، وختمت بنفس الاسمين {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}، أي يغلب كل شيء ولا يُغلب، ويضع الأشياء في أحكم مواضعها. وتضمنت عشر موضوعات في مجموعتين من الآيات: الأولى (22 آية) حول تنزيل الكتاب والآيات، والوعيد بالعذاب، وتسخير السماوات والأرض وما فيهن، والقصص والهدى والبصائر والجزاء بما كسبوا فلا يظلمون، والثانية (15 آية) حول تكذيبهم بالبعث بعد الموت، وأن البعث حق فإمّا الجنة أو النار، فالحمد لله رب كل شيء وهو العزيز الحكيم، كما يلي:

المجموعة الأولى: وفيها (الآيات 1، 2) أن هذا القرآن تنزيل من الله العزيز في مقامه، الحكيم في تدبير أمور خلقه. ثم (الآيات 3-6) عن آياته في مخلوقاته، للمؤمنين الموقنين به وبشرعه ويعقلون عنه حججه وأدلته وآياته، فيؤمنون ويصدقون ويعملون. (الآيات 7-11) الويل لكل كذاب أثيم يسمع الآيات فيصرّ مستكبراً ويتخذها هزواً، فالقرآن هدى، والذين كفروا لهم عذابٌ أليم ومهين في جهنم، ولا يغني عنهم كسبهم ولا أولياؤهم. (الآيات 12-15) الله سخر البحر لمنافعهم لعلهم يشكرون، والسماوات والأرض وما فيهن لقوم يتفكرون فيعتبرون، فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها. (الآيات 16-17) بنو إسرائيل آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوّة والبينات، ورزقهم وفضلهم على العالمين فاختلفوا ببغيهم، فالله يقضي بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه. (الآيات 18-20) جعل الله لهذه الأمة شريعة كاملة واضحة تتبعها بدلاً من اتباع أهواء الذين لا يعلمون، فهم أولياء بعض والله ولي المؤمنين وناصرهم، والقرآن بصائر وهدى ورحمة لقوم يوقنون. (الآيات 21، 22) فلا يحسبنّ المسيؤون الذين يرتكبون المعاصي أن يستووا والمحسنين الذين عاشوا على الطاعات، وقد خَلَق الله السماوات والأرض بالحق والعدل والحكمة، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يُظْلمون.

المجموعة الثانية: وفيها (الآيات 23-26) أنّ الكافر عابد هواه مطموس على حواسه، فلا يسمع الهدى ولا يعقل منه شيئاً، ويظنّ جهلاً بأن لا حياة سوى الحياة الدنيا. ويطلبون آية إحياء آبائهم الموتى، قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم يوم القيامة ولكن أكثركم لا يعلمون. (الآيات 27-35) ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يخسر المبطلون، وترى كل أمة جاثمة، تُدْعى إلى كتاب أعمالها، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات فازوا بالجنة، والذين كفروا مأواهم النار لا يُخرجون منها ولا يُرَدُّون إلى الدنيا ليتوبوا ويعملوا صالحاً. (الآيات 36، 37) فلله الحمد ربّ كل شيء، وله الكبرياء وهو العزيز الذي لا يغالَب الحكيم في تدبيره كلّ مخلوقاته.

أما باعتبار موضوعاتها، فاحتوت السورة على أربعة موضوعات، ثلاثة أرباعها عن خلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما وخلق الناس ودلائل وحجج لقوم يتفكرون ويعقلون، وربعها عن تكذيبهم وبأنهم لم يعتبروا بشيء من الآيات، لذلك قال: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)}، ثمّ توعدهم فقال: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)}، وتواصل البيان والوعيد تقريعاً وتوبيخاً وتهديداً إلى آخر السورة. وموضوعاتها الأربع هي: (10 آيات) بأن الله أنزل الكتاب هُدى لطاعته واتباع شرعه، (9 آيات) وجعل الآيات ليعلموا أنه الإله الحق فيؤمنوا به ويتبعوا هديه، وسخّر المخلوقات ليستدلّوا بها على حكمته وحسن تدبيره فيشكروه، والقصص ليعلموا سنته فيعتبروا ويتعظوا، و(9 آيات) عن تكذيبهم واستكبارهم وكفرهم بما جاءهم من الكتاب والحجج والآيات، وتوعّدهم بالجزاء على ما اكتسبوا، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ثم (9 آيات) عن إقامة الحجّة على المنكرين للبعث بأن من بدأ الخلق قادر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على الأعمال.

ربّنا زدنا علماً وبصيرة وفهماً لكتابك ويقيناً بآياتك وإخلاصاً لدينك.

045.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

باعتبار ترتيب آيات السورة:

045.6.1- الآيات (1-22) الإشارة إلى ما نزل به الكتاب من كلام الله وآياته المبثوثة في الكون، والهدى والبصائر، وأن الأرض خلقت للعمل والآخرة للجزاء، وأن الله جامع الخلق ليوم الفصل.

045.6.1.1- الآيات (1، 2) هذا القرآن هو كلام منزل من الله العزيز في مقامه، الحكيم في تدبير أمور خلقه.

045.6.1.2- الآيات (3-6) بيان آيات الله للمؤمنين بها الموقنين به وبشرعه الذين يعقلون عنه حججه وأدلته. فبأي شيء بعد حديث الله في كتابه، وحديث آياته وأدلته في مخلوقاته، يؤمنون ويصدقون ويعملون؟

045.6.1.3- الآيات (7-11) الويل لكل كذاب كثير الآثام. يسمع آيات كتاب الله تتلى عليه فيصرّ متعالياً كأن لم يسمعها، ويتخذها هزواً. أولئك لهم عذاب أليم ومهين في جهنم، ولا يغني عنهم ما كسبوا، ولا آلهتُهم التي عبدوها مِن دون الله، ولهم عذاب عظيم. هذا القرآن هو الهدى، والذين جحدوا به ولم يُصَدِّقوا لهم عذابٌ أليم.

045.6.1.4- الآيات (12-15) الله سخر وهيّأ الوسائل والأسباب للإيمان والعبادة: سخر البحر لمنافعهم لعلهم يشكرون، وسخر ما في السماوات والأرض جميعاً، وفي هذا التسخير آيات لقوم يتفكرون فيعتبرون. على الذين آمنوا أن يعفوا ويتجاوزوا عن أذى الذين لا يرجون ثواب الله، فسيجزي هؤلاء بما كانوا يكسبون من الإيذاء، فإنه من عمل صالحاً فلنفسه، ومن عمل سيئاً فعلى نفسه.

045.6.1.5- الآيات (16-17) ضرب الله على ذلك مثلاً من بني إسرائيل، آتاهم الكتاب والحكم بما فيه وجعل فيهم أكثر الأنبياء، ورزقهم وفضلهم على العالمين في زمانهم، وبين لهم الحق من الباطل، فاختلفوا بسبب بغيهم على بعض، فالله يحكم بينهم ويجزيهم يوم القيامة بما اختلفوا فيه. وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم.

045.6.1.6- الآيات (18-22) ثم بعد بني إسرائيل واختلافهم، جعل الله لهذه الأمة شريعة كاملة واضحة، وجب عليها أن تنقاد لحكمها ولا تميل إلى أهواء الكفرة والملحدين، لأنهم لن يغنوا عنهم من عقاب الله شيئاً، فهم بظلمهم واتباعهم أهوائهم أولياء بعض على المؤمنين، والله ولي المؤمنين وناصرهم.

هذا القرآن بصائر يبصر به الناس الحق من الباطل، وهدى ورحمة به يعرفون سبيل الرشاد. فلا يحسبنّ المسيئون الذين يرتكبون المعاصي أن يستووا والمحسنون الذين عاشوا على القيام بالطاعات. وقد خَلَق الله السماوات والأرض بالحق والعدل والحكمة، ولكي تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يُظْلمون.

045.6.2- الآيات (23-37) بعد ذلك البيان الذي لا غموض فيه بأن الله جعل شريعة تتبع، يأتي هنا في هذه المجموعة من الآيات الرد على اتخاذهم الهوى بدل الهدى، وعلى إنكار الكفار للآخرة، ثم أنباء عن خزي وعذاب الكفار يوم القيامة وفوز المؤمنين بالجنة، ثم حمد الله وتسبيحه وملكيته للكون.

045.6.2.1- الآيات (23-26) الكافر عابد هواه مطموس على حواسه، يعلم ما يجب عليه فعله في الدين لكنه تركه واتبع هواه وجعله إلهاً، ومن يكون الهوى هو الباعث له على أعماله يطمس الله على سمعه وقلبه فلا يسمع الهدى ولا يعقل منه شيئاً ويجعل على بصره غشاوة فلا يرى حجج الله وآياته. وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا لا حياة سواها وما يهلكنا إلا مرُّ الليالي والأيام وطول العمر، وما يقولون ذلك عن علم، ولكن عن ظن وتخمين. وما كان حجتهم حين تليت عليهم آيات البعث واضحات إلا أن طلبوا أن يحيوا آباءهم الذين هلكوا من الموت ولم تكن هذه حجة. قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا شك فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون قدرة الله.

045.6.2.2- الآيات (27-35) ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يخسر الذين أتوا بالباطل في أقوالهم وأفعالهم. وترى كل أمة جاثمة، تُدْعى إلى كتاب أعمالها ويقال لهم: اليوم تُجزون ما كنتم تعملون. أعمالكم مكتوبة عليكم، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقد فازوا بالجنة، وأما الذين كفروا فمأواهم النار وما لهم من ناصرين. حل بهم العذاب بسبب أنهم اتخذوا آيات الله وحججه هزواً، وخدعتهم الحياة الدنيا، فاليوم لا يُخرجون من النار ولا هم يُرَدُّون إلى الدنيا ليتوبوا ويعملوا صالحاً.

045.6.2.3- الآيات (36، 37) فلله الحمد رب السماوات والأرض والخلائق أجمعين، فإياه فاحمدوا أيها الناس، فإن كل ما بكم من نعمة فمنه وحده. وله وحده الكبرياء في السماوات والأرض، وهو العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في تدبيره خلقه وتصريفه إياهم فيما شاء كيف شاء.

ويمكن أيضاً تقسيم السورة إلى مجموعتين من الآيات تتكرر فيهما الموضوعات بطريقة مختلفة، في المجموعة الأولى التركيز على بيان فعل الله مع عباده (أي بيان هديه وآياته وتوعده وعقابه)، وفي المجموعة الثانية التركيز على بيان تصرف الناس حيال كلام ربهم وتكليفه (من حيث اتباعهم أهوائهم وتكذيبهم وعدم مبالاتهم ووقوع أمر الله فيهم بالجزاء على أعمالهم)، كما أشرنا إليه في السياق أدناه.

045.7 الشكل العام وسياق السورة:

045.7.1- إسم السورة: سميت “سورة الجاثية” للأهوال التي يلقاها الناس يوم الحساب، حيث تجثوا الخلائق من الفزع على الرُكَب في انتظار الحساب، ويغشى الناس من الأهوال مالا يخطر على البال (آية 28)، وحقاً إنه يوم رهيب يشيب له الولدان. السورة من الحواميم، الجاثية أحد أسماء يوم القيامة.

كذلك “الجاثية” هو التعبير البليغ عن أن العزة والكبرياء لله وحده، أما ما سواه فهم مفتقرون إليه، وهو تعبير عن حال الناس وهم جاثون مرتقبون ينتظرون في خوف ما الله فاعل بهم: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)} الدخان. وكل ما في السورة هو بيان مفصل لحال هؤلاء الجاثون، المكلفون والمستخلفون في الأرض، الذين أرسلت إليهم الرسل وسخرت لهم المخلوقات، لكي يصلحوا ولا يفسدوا، ثم مصيرهم يرتقبون قدوم ذلك اليوم الذي لا بدّ قائم، وقدوم تلك الساعة للحساب بلا حراك (خائفون منتظرون) قول الحق فيهم وما هو فاعل بهم {اليوم تجزون ما كنتم تعملون (28)}.

045.7.2- يمكن تقسيم السورة باعتبار موضوعات آياتها والقصص الموجودة فيها إلى أربعة مجموعات متساوية تقريباً من الآيات كما يلي:

ويمكن أيضاً تقسيمها إلى نصفين في مجموعتين من الآيات: نصف فيه الإشارة إلى ما نزل به الكتاب من كلام الله وآياته المبثوثة في الكون، والهدى والبصائر، وأن الأرض خلقت للعمل والآخرة للجزاء، وأن الله جامع الخلق ليوم الفصل (في المجموعتين 1 ، 2). ونصف فيه اتباعهم أهوائهم وعدم اعتمادهم على أساس بمعتقداتهم، وفيه تكذيبهم بالبعث وعدم اتعاظهم بما سيلاقوه يوم القيامة جزاء أعمالهم (في المجموعتين 3 ، 4).

045.7.2.1- الآيات (1، 2، 18-23، 36، 37) أنزل الله الكتاب لهداية الناس: وفيه بيان مقصد خلق الله الكون والناس، وبيان جميع الأسباب المؤدية إلى الهدى وإلى السعادة، وأسباب الضلال المؤدية إلى الشقاء. 10 آيات = 27.02%

045.7.2.1.1- الآيات (1، 2، 36، 37) وفيها بيان مقصد السورة: وهو أن منزل الكتاب هو الله، من مقام عزته بمقتضى حكمته. للدلالة على أنه وحده المختص بالكبرياء، يغلب كل شيء، لا يضع شيء إلا في أحكم مواضعه، صاحب الكمال ليس كمثله شيء، أفاض الحجج والأدلة والآيات لمن أراد الإيمان واليقين من أصحاب العقول والفهم.

045.7.2.1.2- الآيات (18-23) بيان طريق الهدى والحق الذي خلق الله لأجله وبينه في الكتاب:

045.7.2.1.2.1- الآيات (18-20) جعل الله للناس شريعة واضحة وهي دين الإسلام ليتبعوه، ولا يتبعوا الشرائع القائمة على أهواء الذين لا يعلمون الحق. الذين يتبعون أهواءهم ويدعون غيرهم إليه هم أولياء بعض، ولن يغنوا أحد عن عقاب الله، لأن الله هو فقط ولي المتقين. هذا الذي أنزله الله هو بصائر يبصر به الناس الحق من الباطل، وهدى ورحمةٌ لقوم يوقنون بحقيقة صحته.

045.7.2.1.2.2- الآيات (21-23) الله خلق الإنسان وسخر له السماوات والأرض ليختبره ويجزيه بما عمل وما كسبت يداه. فلا يستوي في الجزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات والذين ولم يؤمنوا ولم يتبعوا دين الله وشرعه، بل اتبعوا أهواءهم وعملوا السيئات.

045.7.2.2- الآيات (3-6، 12-14، 16، 17) جعل الله الآيات ليعلموا أنه الإله الحق فيؤمنوا به ويطيعوه، وسخر لهم المخلوقات ليستدلوا بها على حكمته وحسن تدبيره فيشكروه ويتبعوا هديه، وقص عليهم القصص ليعلموا سنته فيعتبروا ويتعظوا. الله 9 آيات = 24.32%

045.7.2.2.1- الآيات (3-6) الإشارة إلى آيات الله في السماوات الأرض وفي مخلوقاته الدالة على كمال قدرته، وحكمته، وإرادته، وهي موعظة ودعوة إليه. فبأي حديث بعد الله وآياته وأدلته على أنه الإله الحق وحده لا شريك له يؤمنون.

045.7.2.2.2- الآيات (12-14) آيات الله في تسخير الله ونعمه عليهم، وأن هذا التسخير لكي يستعينوا به على طاعة الله، وهو دليل حكمته وكمال تدبيره. فمن أنكر هذه الآيات، ولم يشكر هذه النعم، استوجب أعظم وجوه الانتقام. فليتجاوز المؤمنون عن الذين لا يرجون ثواب الله، ليجزي الله هؤلاء المشركون بما كانوا يكسبون من الآثام وإيذاء المؤمنين.

045.7.2.2.3- الآيات (16، 17) آيات الله في قصص من سبقهم من الأمم وبيان مصير الذين آتاهم الكتاب. وقد ذكرت الآيات مثلاً من بني إسرائيل الذين آتاهم الله التوراة والإنجيل والحكم بما فيهما، وجعل منهم الأنبياء، ورزقهم من الطيبات، وفضلهم على عالمي أهل زمانهم، بإيتائهم ما لم يؤت غيرهم. وآتاهم حججاً وبراهين، وأدلة قاطعات، تأبى الاختلاف، ولكن أبوا إلا الاختلاف ظلماً وتعدياً منهم، اتباعاً للهوى، ولطلب الحظوظ العاجلة. وسيحكم الله بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا. وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم.

045.7.2.3- الآيات (7-11، 15، 24، 25، 32) تكذيبهم واستكبارهم وكفرهم بما جاءهم من الكتاب والحجج والآيات وتوعدهم بالجزاء على ما اكتسبوا، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. 9 آيات = 24.32%

045.7.2.3.1- الآيات (7-11) الويل لكل كذاب يتكلم في حق الله، وصفاته على خلاف الدليل، بترك الاستدلال، مع كونه: يسمع آيات الله ثم يصر على إنكارها مستكبراً عن قبولها وكأنه لم يسمعها، فبشره بعذاب أليم، وإذا علم من آيات الله شيئاً اتخذها هزواً استهانة بها، أولئك لهم عذاب جهنم بعد انقضاء آجالهم، ولن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا آلهتهم شيئاً ولهم عذاب عظيم. هذا القرآن بيان ودليل على الحق، يهدي إلى صراط مستقيم، والذين كفروا بما فيه من الآيات لهم أسوأ العذاب يوم القيامة.

045.7.2.3.2- الآية (15) من عمل صالحاً فقد افتك نفسه من العذاب، ومن أساء عمله بمعصية ربه، فعلى نفسه جنى؛ لأنه أوقعها بذلك، ثم إلى ربكم تصيرون فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

045.7.2.3.3- الآيات (24، 25) كانوا ينكرون البعث، ويزعمون أن الدهر أي مرور الأيام، والليالي هو الذي يهلك الأنفس، وينكرون قبض الأرواح بأمر الله، وما يقولون ذلك عن علم، ولكن عن ظن وتخمين. وإذا تتلى عليهم الآيات بأنهم سيبعثون ويحاسبون، لم يكن لهم حجة إلا قولهم: أحْيوا آباءنا الذين قد هلكوا إن كنتم صادقين.

045.7.2.3.4- الآية (32) وإذا قيل إن وعد الله ببعث الناس من قبورهم حق، والساعة لا شك فيها، قلتم: ما ندري ما الساعة، وما نحن بمستيقنين أن الساعة آتية.

045.7.2.4- الآيات (26-31، 33-35) يقال للمنكرين للبعث: بأن من قدر على الإبداء، قدر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على الأعمال. ثم تذكر الآيات أنباء الآخرة والحساب وبعض التفاصيل عن الجزاء يوم القيامة، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة: 9 آيات = 24.32%

045.7.2.4.1- الآيات (26-31) وفي جواب قولهم ما يهلكنا إلا الدهر: قل الله يحييكم ثم يميتكم، لا الدهر، لأن من قدر على الإبداء، قدر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على الأعمال. فالله لا مالك غيره، ولا معبود سواه، ويوم تقوم الساعة يخسر أهل الباطل. كل أمة جاثية على الركب بلا حراك خائفة مما ينتظرها، وقد كتبت أعمالها في كتب تشهد عليهم بما عملوا بلا زيادة ولا نقصان. فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقد فازوا برحمة الله في الجنة، وأما الذين كفروا ففي النار.

045.7.2.4.2- الآيات (33-35) وبدا لهم عقوبات أعمالهم السيئات وجزاء ما كانوا به يستهزئون، وقيل لهم اليوم نترككم في عذاب جهنم، كما تركتم الإيمان بربكم والعمل للقاء يومكم هذا، وما لكم من ناصرين. خدعتهم زينة الحياة الدنيا، فاليوم لا يُخرجون من النار، ولا هم يُرَدُّون إلى الدنيا، ليتوبوا ويعملوا صالحاً.

045.7.3- آيات الله ومظاهر ربوبيته، واتخاذهم الهوى إلهاً من دون الله:

قال الدكتور فاضل السامرّائي: تردد ذكر السماوات والأرض، وما فيهن أكثر من مرة في السورة، وذكر مظاهر ربوبية الله لها في الآيات (3، 4، 13، 22، 27، 36، 37). كما ذكر مظاهر ربوبيته للعقلاء، وسائر الأحياء الأخرى في الآيات (4، 12، 13) فقد سخّر الله البحر وما في السماوات والأرض للإنسان، وهذا من مظاهر الربوبية له. وذكر الإحياء والإماتة والجمع يوم القيامة في الآيات (26، 30). وذكر الشرائع التي أنزلها على البشر في الآيات (16، 18، 25)، وهذا كله من مظاهر الربوبية للعالمين. ثم قال بعد ذلك {وله الكبرياء في السماوات والأرض (37)}، فذكر الكبرياء إضافة إلى الحمد {فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين (36)}، ذلك أنه جرى ذكر المستكبرين بغير الحق، فناسب ذكر الكبرياء الحق له سبحانه، وأنه مختص به في الآيات (7، 8، 9، 31، 33، 35). انظر صفحة 28 و29 من كتاب لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرّائي.

وذكرت السورة أصنافاً من الكفار، وفصلت في ذكر عقائدهم، ومواقفهم من آيات الله ورسله. فقد ذكرت أنهم اتخذوا من دون الله أولياء (الآية 10)، وأنهم اتخذوا الهوى إلهاً لهم (الآية 23)، وأنهم نسبوا الحياةَ والموتَ إلى الدهر، لا إلى الله (الآية 24). فلم يعترفوا لله بشيء من خصائص الربوبية والألوهية. ولم يقرّوا له بفضل على الإنسان. ولذا كرر وأعاد القول إنه هو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن، وهو الذي يحيي ويميت وإنه وحده المتفضّل في هذا الوجود، لا متفضل سواه على الحقيقة (الآيات 5، 12، 13، 22، 26)، فقدم الذات الإلهية، وقصر الحمد عليه {فلله الحمد رب السموات والأرض رب العالمين (36)}، فهو المستحق الحمد على وجه الحصر والقصر، وإنّ جُل التعبيرات في السورة جرت على طريقة الحصر مثل {الله الذي (12)}، {ولله ملك (27)}، {فلله الحمد (36)}، {وله الكبرياء (37)}، وغيرها. انظر صفحة 20 و21 و22 من كتاب لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرّائي.

045.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

045.7.4.1- آيات القصص: (16، 17) = 2 آية.

045.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (27-35) = 9 آيات.

045.7.4.3- الأمثال في الآيات: (21-25) = 5 آيات.

045.7.4.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (3-5، 12، 13، 26) = 6 آيات.

045.7.4.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1، 2، 6-11، 14، 15، 18-20، 36، 37) = 15 آية.

045.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

045.8.0- وكلّ الحواميم تتحدث عن أن في الكتاب كلام الله وآياته وإشاراته وحججه، يأتيهم مع الرسول عن طريق الوحي، يبين لهم مقصد خلقهم وهو الإيمان والعمل الصالح بإخلاص الدين لله وحده، ففيه صلاحهم وسعادتهم في الدنيا وفوزهم في الآخرة. وآيات أخرى مشاهدة في الأنفس والآفاق ومصارع الأمم على وجوب الإيمان، وبأن الله خلق بينما الأوثان لا تخلق، ويهدي ويطعم ويسقي ويشفي وينجي ويرحم ويغفر بينما الشركاء لا يفعلون، وغيرها من الدلائل العظيمة التي تساند بعضها بعضاً لتخاطب عقولهم بالحق وأنفسهم بالترغيب والترهيب وقلوبهم بالأمثلة والقصص ليعقلوا الحق، لكنهم للأسف اتخذوا الأمر لعباً ولهواً وأعرضوا فأهلكوا.

بدأت الحواميم بالحرفين {حم}، يليهما أن القرآن وحي من عند الله {العزيز الحكيم} في ثلاث سور: الشورى والجاثية والأحقاف، و{العزيز العليم} في غافر، و{الرحمن الرحيم} في فصلت، و{إنا جعلناه} في الزخرف، و{إنا أنزلناه} في الدخان. بعد الكتاب تشير إلى آيات الله في السماوات والأرض وما بينهما وفي الأنفس، لتؤكّد أن آياته جعلت في كتابين: كتاب عربي يُقرأ وهو القرآن {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}، وتكررت {عربياً} في أربع (4) من الحواميم (فصلت والشورى والزخرف والأحقاف) من أصل عشر (10) في القرآن وفي الدخان {يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ}، وكتاب كوني حقيقي مشاهد في الأنفس والآفاق {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ (53)} فصلت، كل كتاب قائم بذاته في الدلالة على الله الحق، فيكون الإنسان في كل أوقاته بين آيات الله، لا تغيب عنه لحظة واحدة، إذ تكمل الآيات بعضها بعضاً في آيات مقروءة مبينة في القرآن، وآيات محسوسة في الأنفس ومشاهدة في الآفاق.

045.8.1- التهديد والوعيد الذي جاء في نهاية سورة الدخان {فارتقب إنهم مرتقبون (59)}، فصّلته سورة الجاثية أبلغ تفصيل في اماكن مختلفة من السورة أهمها الآيات {من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون (15)}، {إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (17)}، {وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون (22)}، ‏‏{وترى كل أمة جاثية. كل أمة تدعى إلى كتابها. اليوم تجزون ما كنتم تعملون (28)}.

045.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت السورة المتقدمة إيضاح أمر الكتاب وعظيم بيانه وأنه شاف كاف وهدى ونور، كان أمر من كفر من العرب أعظم شيء لانقطاعهم عجزهم وقيام الحجة به عليهم حتى رضوا بالقتل والخزي العاجل وما قاموا بادعاء معارضته ولا تشوفوا إلى الإسناد إلى عظيم تلك المعارضة، أتبع ذلك تعالى تنبيهاً لنبيه والمؤمنين إلى ما قد نصبه من الدلائل سواه مما صد المعرض عن الاعتبار بها أو ببعضها مجرد هواه، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، فقال تعالى بعد القسم بالكتاب المبين {إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين (3)} أي لو لم تجئهم يا محمد بعظيم آية الكتاب فقد كان لهم فيما نصبنا من الأدلة أعظم برهان وأعظم تبيان {أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى (8)} الروم، فلما نبه بخلق السماوات والأرض، أتبع بذكر ما بث في الأرض فقال {وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون (4) واختلاف الّيل والنهار… (5)} أي في دخول أحدهما على الآخر بألطف اتصال وأربط انفصال {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار (40)} يس، ثم نبه على الاعتبار بإنزال الماء من السماء وسماه رزقاً بحط القياس فقال {وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها (5)} ثم قال {وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون (5)} الاستدلال بهذه الآي يستدعي بسطاً يطول، ثم قال {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق (6)} أي علاماته ودلائله {وإن من شيء إلا يسبح بحمده (44)} الإسراء، ثم قال {فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون (6)} أبعد ما شاهدوه من شاهد الكتاب وما تضمنه خلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهن من عجائب الدلائل الواضحة لأولي الألباب، فإذا لم يعتبروا بشيء من ذلك فبماذا يعتبر، ثم أردف تعالى بتقريعهم وتوبيخهم في تصميمهم مع وضوح الأمر فقال {ويل لكل أفاك أثيم (7)} الآيات الثلاث، ثم قال {هذا هدى (11)} وأشار إلى الكتاب وجعله نفس الهدى لتحمله كل أسباب الهدى وجميع جهاته، ثم توعد من كفر به ثم أردف ذلك بذكر نعمه وآلائه ليكون ذلك زائداً في توبيخهم، والتحمت الآي عاضدة هذا الغرض تقريعاً وتوبيخاً ووعيداً وتهديداً إلى آخر السورة – انتهى.

045.8.3- انظر أيضاً تناسب وتناسق سورة الأحقاف مع غيرها من السور؛ وتناسب سور الحواميم مع بعضها ومع السورتين التي قبلها والتي بعدها (في 046.8.2)؛ وتناسب وتناسق الحواميم مع بعضها ومع قبلها وبعدها في (046.8.4).

انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top