العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
050.0 سورة ق
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
050.1 التعريف بالسورة:
1) سورة مكية؛ إلا الآية 38 فمدنية. 2) من المفصل. 3) عدد آياتها 45 آية. 4) الخمسون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والرابعة والثلاثون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “المرسلات”. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمى أيضاً سورة الباسقات. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: {الله} 1 مرّة؛ (2 مرّة): رب، خلق؛ (1 مرّة): الرحمن، قدّم، أعلم، نحيي، نميت، أحيا، أنزل، كاشف، أقرب. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: (2 مرّة): عتيد، مزيد؛ (1 مرّة): باسقات، نضيد، الوريد.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: وعيد 4 مرّات من أصل 6 مرات في القرآن كله.
تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: يوم 8 مرّات؛ (4 مرّات): وعيد، خلق، حق، الأرض؛ (3 مّرات): كذب، ذكرى، سماء، سمع، بعيد؛ (2 مرّة): عتيد، شهيد، قرين، مزيد، مناد، سبح، قرآن، منيب، قلب، الخروج، جهنم؛ (1 مرّة): عبد، عباد، أزلفت، الجنة، الخلود، إنسان، شمس، ليل، توعدون، سكرة، الموت، كفار، عذاب، وسوس، رقيب، سائق، عنيد، نقبوا، لغوب، جبار، قعيد، مريج، فروج، بهيج، باسقات، طلع، نضيد، حبل، الوريد، فروج، نضيد، أفعيينا.
050.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي واقد الليثي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد بقاف، واقتربت.
أخرج أحمد ومسلم وابن أبي شيبة أبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أم هشام ابنة حارثة قالت: ما أخذت {ق والقرآن المجيد} إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ بها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس.
وأخرج ابن سعد عن أم صبية خولة بنت قيس الجهنية قالت: كنت أسمع خطبة في رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وأنا في مؤخر النساء، فأسمع قراءته {ق والقرآن المجيد} على المنبر وأنا في مؤخر المسجد.
هذه السورة هي أوّل المفصّل على الصحيح، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود في سننه (باب تحزيب القرآن) ثم قال قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن؟ فقالوا ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصّل وحده. أخرجه أبو داود وابن ماجة. وبيانه: ثلاث البقرة وآل عمران والنساء، وخمس المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة، وسبع يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل، وتسع سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان، وإحدى عشرة الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والم السجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويسن، وثلاث عشرة الصافات وص والزمر وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف والقتال والفتح والحجرات، ثم بعد ذلك الحزب المفصّل، كما قاله الصحابة رضي الله عنهم، فتعين أن أوله ق.
050.3 وقت ومناسبة نزولها:
بدراسة موضوع السورة يتبين لنا أنها نزلت في المرحلة الثانية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكّة، والتي تمتد من السنة الثالثة لغاية السنة الخامسة من بداية النبوّة. وفي الأغلب أنها نزلت في السنة الخامسة عندما بدأ يتكثف ويزداد عداء الكفار للمسلمين، إلا أنه لم يصل بعد إلى مرحلة الاستبداد والطغيان. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
050.4 مقصد السورة:
050.4.1- هذه السورة هي تذكرة ووعيد للذين يكذبون بالبعث ويعجبون من مجيء النذير به (ولا يرون قدرة الله الذي يحيي ويميت وصدق وعيده الذي يتحقق في الأمم السابقة): وعيد بالرجوع بعد الموت للحساب، وتذكرة بالقرآن وبالآيات بأنهم في هذه الدنيا مكلفون بعبادة الله وطاعته مختارون غير مكرهون، ثم هم في الآخرة مخرجون محاسبون وموزونة عليهم أعمالهم وأقوالهم وطاعاتهم ومجازون على كل ما ارتكبوه من طاعة أو معصية، وأن مصيرهم إما الجنة أو النار.
050.4.2- ومقصدها نجده في الآيات (1-5): يقسم الله تعالى بالقرآن الكريم ذي المجد والشرف على صدق ما جاءهم به النذير من الأنباء والوعيد بالرجوع بعد الموت والحساب على الأعمال وعلى كل ما فعلوه في الدنيا؛ في المقابل يعجب الكافرين من هذا النذير والوعيد الذي جاءهم به القرآن على لسان رسول الله، فكذبوه وظلّوا على الباطل. ثم تكمل السورة بأن المكذبون قد أعمتهم غفلتهم، واضطراب أمرهم، عن تدبّر دلائل الحق في آيات الله في السماوات والأرض وفي هلاك الأمم الكافرة. ثم أن الله جعل لكل إنسان قرين يكتب عليه أقواله وأعماله؛ فأمّا من أحسن فله الجنّة وأما من أساءه فمصيره النار.
050.4.3- وقال الإمام برهان الدين البقاعي: ومقصودها تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في الرسالة التي معظمها الإنذار وأعظمه الإعلام بيوم الخروج بالدلالة على ذلك بعد الآيات المسموعة الغنية بإعجازها عن تأييد بالآيات المرئية الدالة قطعا على الإحاطة بجميع صفات الكمال، وأحسن من هذا أن يقال: مقصودها الدلالة على إحاطة القدرة التي هي نتيجة ما ختمت به الحجرات من إحاطة العلم لبيان أنه لابد من البعث ليوم الوعيد، فتكتنف هذه الإحاطة بما يحصل من الفضل بين العباد بالعدل لأن ذلك هو سر الملك الذي هو سر الوجود وذلك هو نتيجة مقصود البقرة، والذي تكفل بالدلالة على هذا كله ما شوهد من إحاطة مجد القرآن بإعجازه في بلوغه في كل من جميع المعاني وعلو التراكيب وجلالة المفردات وتلازم الحروف وتناسب النظم ورشاقة الجمع وحلاوة التفصيل إلى حد لا تطيقه القوى، ومن إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآن من آيات الإيجاد والإعدام، وعلى كل من الاحتمالين دل اسمها ق لما في آياته من إثبات المجد بهذا الكتاب، والمجد هو الشرف والكرم والرفعة والعلو، وذلك لا يكون إلا والآتي به كذلك، وهو ملازم لصدقه في جميع ما أتى به.
050.5 ملخص موضوع السورة:
050.5.1- الملخص باعتبار ترتيب الآيات:
050.5.1.1- نزلت في السنة الخامسة من البعثة، عندما بدأ يزداد عداء الكفار للمسلمين إلا أنه لم يصل بعد إلى مرحلة الاستبداد والطغيان، وكان صلى الله عليه وسلّم يقرأ بها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس، لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور، والمعاد والقيام، والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب.
استهلّت بالقسم بالقرآن المجيد أي الشريف الكريم على الله، وختمت بقوله: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}. وتتضمن ثلاث مجموعات من الآيات: الأولى (الآيات 1-15) فيها إبطال إنكارهم البعث وعجبهم من حصوله وتكذيبهم بالحق بثلاثة أدلّة من آيات القرآن وآيات خلق الأشياء وخلق الأمم، ثمّ (الآيات 16-35) عن ضرورة البعث لجزاء الكافرين بالنار والمتقين بالجنة، ثمّ (الآيات 36-45) ثلاث براهين على البعث من هلاك الأمم الظالمة وخلق السماوات والأرض وخبر القرآن، كما يلي:
المجموعة الأولى (15 آية) حول إنكارهم للبعث: تبيّن (الآيات 1-5) عجب الكافرين حين جاءهم منذر منهم ينذرهم بالقرآن بوعد الله لهم بالرجوع إلى الحياة بعد الموت. ثمّ (الآيات 6-11) تنبّههم إلى وضوح الآيات الدالّة على ما هو أعظم مما تعجّبوا مستبعدين وقوعه: أفلم ينظروا كيف بنى السماء سليمة بلا عيوب، والأرض أرساها بالجبال، وأنبت فيها من كل زوج بهيج، وأنزل الماء وأنبت البساتين والحقول والنخيل رزقاً لهم، كذلك يخرج الله الموتى. ثمّ (الآيات 12-15) التذكير بمآل المكذبين قبلهم الذين حق عليهم الوعيد بالعذاب.
المجموعة الثانية (20 آية) حول ضرورة البعث للجزاء على الأعمال: (الآيات 16-19) فالإنسان في هذه الدنيا مبتلى بالعمل، وأن الله قريب منه يعلم ما يقول وما توسوس به نفسه، وجعل ملائكة عن يمينه وعن شماله تراقبه وتكتب جميع أقواله وأعماله، بينما هو في غفلة وانشغال عن مصيره فإذا مات أفاق. ثمّ (الآيات 20-35) الإنذار بقيام الساعة ووقوع الوعيد وزوال غفلة القلب، فيرى الإنسان حقيقة ما كان ينكره، وجميع ما صدر عنه مكتوباً في كتاب: فالكافر يقرأ أنه كان منّاعاً للخير معتد على عباد الله وحدوده يعبد مع الله إلهاً آخر، فيعلم أنه يستحق أن يلقى في العذاب الشديد، والمؤمن يقرأ أنه كان يخشى الله ويتوب من ذنوبه ويحافظ على الطاعات، فيدخل الجنة بسلام خالداً فيها.
المجموعة الثالثة (10 آيات) حول البرهان على قدوم البعث: ففي (الآيات 36، 37) التنبيه على هلاك القرون الذين كانوا أشدّ منهم قوة وبطشاً، آية للقلب والسمع والبصر. وفي (الآية 38) قدرة الله العظيمة على خلق الكون في ستة أيام بدون تعب أو نصب، آيات للفكر والعقل. وفي (الآيات 39-45) آيات الله في الإحياء والإماتة دليل على الحشر والحساب وهو عليه يسير، ثمّ تأمرهم بالصبر على ما يقوله المكذبون، وبالتحميد والتسبيح والسجود، ولينتظروا المنادي وصيحة البعث بالحق، فالله أعلم بما يقولون فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد.
050.5.1.2- وهي أكثر سورة تكررت فيها كلمة وعيد (4 مرّات من أصل 6 مرات في القرآن)، توعّدت في الأولى المكذبين بالعقاب في الدنيا وفي الثانية بالجزاء في الآخرة وفي الثالثة بالحكم بالعدل وفي الرابعة ختمت بالتخويف والوعيد: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}، وهي الوحيدة التي ذكرت كلمة {َعَتِيدٌ} مرتين بمعنى معدّ لحفظ وكتابة دواوين أعمال كل إنسان وسيشهد بها عليه يوم القيامة، والوحيدة التي ذكرت كلمة {مزيد} مرتين الأولى لجهنّم تقول هل من مزيد؟ والثانية لأهل الجنة بالوعد بالنعيم والمزيد. ولمّا استهلت بالقسم بالقرآن المجيد، أي العظيم الكثير الخير الوسيع المعاني، الذي نسجت كلماته وآياته وتلاحمت وتناسبت سوره كالسورة الواحدة، وتضمنت البشائر والنذر والبلاغ والوعيد، مع النبأ والبيان والقصص والأمثال، والهدى والرحمة والنور الشفاء والعلم والموعظة والحكمة …إلخ للناس. وبيّنت قبلها سورة ص صدق القرآن وأنه من ربهم يأمرهم بالعمل ليختبرهم، وفي الزمر خلقهم ليعبدوه فيفوزوا بالجنّة، وفي غافر ليذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم، وفي فصلت بشيراً ونذيراً ورحمة لمن تعلمه وعمل به، وفي الشورى رحمة ليصلح حياتهم بإعادتهم إلى فطرتهم، وفي الزخرف ليعبدوا الله وحده لا الأصنام والأنداد، وفي الدخان رحمة وخير كثير لمن أراد الفوز والنجاة، وفي الجاثية ليس بعد كلام الله هدي يهتدى به ولا نور ينير طريقهم، وفي الأحقاف ابتلاهم إلى أجل مسمّى ليرتقوا في الدرجات، وفي محمد تكريم المؤمنين ونصرهم باتباعهم الحق، وفي الفتح الفتح المبين والمغفرة والنصر وتمام النعمة، وفي الحجرات الآداب والأخلاق التي تنظم المجتمع المسلم بالإيمان والتقوى، وفي ق الوعيد بأنهم مبعوثون للحساب ونيل الجزاء؛ وتليها سورة الذاريات وفيها تأكيد وإثبات صدق الوعيد بالحساب على الأعمال، ثم الطور تؤكد حقيقة وقوع العذاب على المكذبين جزاءً على أعمالهم، ثم النجم تبيّن أن جزاء الإنسان مترتب على أعماله، ولن يمنع قدوم القيامة من دون الله مانع، ثم القمر تبيّن شدّة قرب الساعة، وأن هؤلاء لا يزالون متبعين أهواءهم، مكذبين بالساعة رغم اقتراب أوانها، ورغم الإنذار والأنباء والآيات البليغة والقرآن الميسّر، وقد أراهم سبحانه الآيات العظيمة الدالّة على وقوعها.
اللهم ارزقنا الإيمان والعمل والتقوى واليقين والعقل والبصيرة والأوبة والإنابة والخشية والحفظ لأمرك والسلامة والفوز بالجنّة.
050.5.2- الملخص باعتبار موضوعات الآيات:
نذير ووعيد بالرجوع بعد الموت للحساب، وتذكير الناس بمقصد وجودهم على الأرض، بعد أن غفلوا عنه (قد أضلهم الشيطان وأنساهم انشغالهم بزخرفها واختلطت عليهم الأمور) فكذبوا النذير. فأنزل القرآن المجيد ليذكّرهم بالحق وبالحكمة من خلق الإنسان والوجود من حوله: فقد خلق الله الناس على مراحل وسخر لهم الدنيا ليعملوا وتسجّل أقوالهم وأعمالهم، فالله يحييهم ويميتهم في الدنيا، أجيال تأتي وأخرى تذهب، ثم إليه مصيرهم جميعاً في يوم القيامة للحساب والجزاء على أعمالهم، فالمحسن في الجنّة والمسيء في النار. هذه حقيقة يعلمها العاقل ويرى المتدبّر دليلها في أربعة براهين ذكرتها السورة، كما يلي:
050.5.2.1- دعوة الرسل مبشرين ومنذرين، بأن الناس مقبلون على يوم عظيم، يبعثون فيه من بعد الموت ويحاسبون على أعمالهم. والتذكير بالقرآن المجيد وما فيه من الآيات والأنباء والوعيد، عن الحساب ووزن الأعمال وحصول الجزاء الخالد في الجنة أو في النار.
050.5.2.2- التحريض على التأمّل والتفكر في: خلق السماوات يرونها مبنية ثابتة ليس فيها عيوب، والأرض وما فيها من الآيات العظيمة: من الجبال الثوابت والنبات الجميل المبهج والماء المبارك والجنات والرزق.
050.5.2.3- دروس وعبر من خلق الناس وإماتتهم وهلاك الأمم على شدّتهم قوّتهم، وبقاء آثارهم.
050.5.2.4- أنباء عن يوم القيامة وما فيها من تفاصيل الحساب والجزاء، وبيان حقيقة الوعيد لمن أراد أن يتذكر بالقرآن ويخاف وعيد الله.
كان رسول الله عليه السلام يخطب بهذه السورة في العيد والجمعة، فيجعلها موضوع خطبته ومادّتها. وكان كثيراَ ما يصلي بها صلاة الفجر. وهذا يدل على أهميّة هذه السورة في نظر الرسول الله عليه السلام بحيث ظلّ يكررها لإيصال محتواها إلى أكبر قدر من الناس، وكان يقرأ بها في المجامع الكبار كالعيد والجمع.
050.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
السورة مكونة من ثلاثة مجموعات من الآيات: فيها المجموعتين الأولى والأخيرة متشابهتين في تضمّنهما إشارة إلى وعيد الله بإهلاك القرون المكذبة، وآيات الله في خلق السماوات والأرض وما بينهما، والبعث والحشر. أما المجموعة الوسطى فتتضمّن الموت وسكراته وتفاصيل عن يوم الوعيد: ابتداءاً بالموت ثم نفخ الصور ثم تفاصيل الحساب ثم الفوز بالجنة أو العذاب في النار.
050.6.1- الآيات (1-15) تبين غفلة الكافرين وعظيم انشغالهم بنعم الله عليهم في الدنيا عن التفكير بمقصد وجودهم على الأرض والمصير الذي ينتظرهم، حتى إذا جاءهم منذر منهم ينذرهم بالقرآن بوعيد الله لهم بالبعث والحساب بعد الموت، عجبوا وكذبوا حقيقة أن يرجعوا بعد أن صاروا تراباً، واختلطت عليهم الأمور، لغفلة قلوبهم عن التفكير في ما وراء هذا العالم المشاهد من الموازين الدقيقة التي تربط بنيانه وكل أركانه فتحفظه من الزوال، ووفي العدل المطلق الذي يحكم وجوده وجميع حركاته وسكناته فلا يدوم فيه باطل، لأن الباطل طارئ والحق أصيل.
050.6.1.1- الآيات (1-5) تبين عجب الكافرين حين جاءهم منذر منهم ينذرهم بالقرآن بوعد الله لهم بالرجوع إلى الحياة بعد الموت (البعث)؛
050.6.1.2- الآيات (6-11) التذكير بوضوح الآيات الدالّة على قدرة الله على إخراج الموتى، فهم إذا تفكروا وتدبروا في بناء السماء ومدّ الأرض ونزول الماء وإنبات الجنات وغيرها من الآيات دائمة التكرار فيما حولهم؛ علموا أن البعث حق.
050.6.1.3- الآيات (12-15) التذكير بمآل المكذبين قبلهم، والذين حق عليهم وعيد الله لهم بالعذاب بسبب تكذيبهم.
050.6.2- الآيات (16-35) بيان الحكمة من خلق الإنسان وهي العمل في الدنيا والجزاء في الآخرة: ففي الآيات إشارة إلى حقيقة خلق الله للإنسان وتدوين جميع أعماله، وأن الله سبحانه قريب ويعلم كل ما يصدر عن الإنسان وما توسوس به نفسه، يعاملهم بالعدل والرحمة وعدم الظلم كما وعدهم. وفيها إشارة إلى الموت وسكراته، ثم البعث والحساب وعرض السجلات، وجهنم تقول {هل من مزيد}، وفي الجنة النعيم التكريم.
050.6.2.1- الآيات (16-19) الإنسان في هذه الدنيا مبتلى بالعمل، إذ جعل الله ملائكة عن يمينه وعن شماله تراقبه وتكتب جميع أعماله وأقواله. وفي الآيات بيان قرب الله من الإنسان ومراقبته له وعلمه بما يقول وما توسوس به نفسه وكتابة كل شيء من أقواله وأفعاله، إلى أن يموت. بينما الإنسان في غفلة وانشغال عن مصيره هذا فإذا مات أفاق.
050.6.2.2- الآيات (20-35) الإنذار بحتمية قيام الساعة ووقوع الوعيد، وزوال غفلة القلب فيرى الإنسان ببصره ديوان أعماله. وتبين الآيات بعض ما يحصل في ذلك اليوم الآخر من الحساب والجزاء بحضور الخالق، ونتائجه إما جهنم أو الجنّة. الكافر يقرأ بنفسه في كتابه جميع ما صدر عنه مكتوباً فيه أنه كان منّاع الخير معتد على عباد الله وحدوده يعبد مع الله إلهاً آخر، فيعلم أنه يستحق أن يلقى في العذاب الشديد، والمؤمن يقرأ أنه كان يخشى الله ويتوب من ذنوبه ويحافظ على الطاعات، فيدخل الجنة بسلام خالداً فيها.
050.6.3- الآيات (36-45) التذكير والوعيد وبيان الدليل على صدق النذير بالبعث بعد الموت: والآيات هنا تشير (ولكن بطريقة مختلفة) لما سبق ذكره من تاريخ وهلاك الأمم السابقة، ومن الآيات التبصرة، وآيات الله في الكون، والبعث والحشر، وأن السبب في التذكير بها هو العبرة لمن حضر بقلبه وأصغى السمع بأن الله قادر على أن يهلك الكافرين ويعذبهم، وأنه لا مهرب لهم مهما وصلت إليه الأمم من القوة والشدّة، وأن قدرة الله العظيمة التي خلق بها هذا الكون في ستة أيام بدون تعب أو نصب قادر على إحياء الموتى من باب أولى. فليصبر الرسول (والمؤمنون) على ما يقوله المكذبون، وليحمدوا وليسبّحوا وليسجدوا فإن الله لهم بالمرصاد، ولينتظروا المنادي وصيحة البعث بالحق، فالله يحيي الخلق ويميتهم وسيحشرهم للحساب وهو عليه يسير. الله يعلم ما يقوله هؤلاء المشركون من الكذب، وما على الرسول إلا البلاغ والتذكير بالقرآن لمن يخاف الوعيد.
050.7 الشكل العام وسياق السورة:
050.7.1- اسم السورة: “ق” وهو الحرف الأوّل من لفظ قرآن الذي ابتدأت بذكره وهم يعجبون مما فيه من الحق وأخبار البعث، واختتمت بالتذكير به وهو يخوّف من الوعيد الإلهي بالبعث والحساب. والقرآن ينذر ويتوعّد في هذه السورة العباد ليردّهم إلى الحق، ويجاهد النفس ويخوّفها لتصحوا من غفلتها. فكما كانت سورة محمّد سورة الجهاد والقتال بالأنفس والأموال كانت هذه السورة جهاد بالقرآن للنفس من وساوسها ووساوس الشيطان لها. ففيها الحجاج والنقاش مع المشركين وفيها من الأدلة على وجود الله وفيها التهديد والتخويف من الوعيد.
050.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها:
سورة واضحة في طرحها ومحتوياتها واختيار كلماتها سهلة الفهم قويّة في معانيها كقوّة الحق الذي تحدثت عنه، وقد بينت كل ما يتعلق بخلق الإنسان والحكمة من وجوده: بدأت بمقدمة بالتعجّب من عجب الكفار من سماع الحق وتكذيبهم به، وهو ما كان سائداً بينهم وقت نزول القرآن. ثم سردت الآيات والآلاء التي تدل على هذا الحق، آيات وآلاء سهلة الفهم واضحة المعاني لمن أراد العبرة والتفكّر لمعرفة الحق من باب أن لكل سبب مسبب (كما قال الإعرابي: الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟ الجواب: بلى). ثم ثنّت بالأنباء عن المصير في الدنيا وهو الموت، ثم البعث للحساب والمصير الخطير في الأخرة وهو الخلود في الجنة أو في النار، وفيه الإشارة إلى خطورة الأمر والوعيد وعظيم ما هم مقبلون عليه من الحساب، والبشارة بالجنة والنذارة من النار. ثم تعود بالإشارة إلى الآيات والآلاء ولكن هذه المرّة ببيان ما تبرهنه وتثبته الآيات وما يجب استنتاجه منها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وهو أن لا محيص من هلاك الظالمين مهما كانت قوتهم، وأنه لا بدّ من العمل بطاعة الله والصبر على الأذى، لأن الذي خلق هذا الوجود دون أن يمسّه تعب قادر على أن يعيده مرة ثانية كما وعد وأن يخرجهم لمواجهة الحق ونيل نصيبهم من الحساب والجزاء. ثم الخاتمة أن من يخاف سيتذكر بالقرآن، وأن ليس لنبي ولا لأحد غير الله من قدرة على أن يُجبِر من لا يريد ذلك التذكر بنفسه.
050.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات الآيات:
احتوت السورة على وعيد شديد للكافرين لعلهم يعودوا إلى رشدهم فيطيعوا ربهم الذي ليس لهم خيار آخر ينجيهم سوى طاعته: تبدأ بمقدمة عن عجبهم وتنتهي بالوعيد بحسابهم على كل ما بدر منهم وهو وعيد مخيف للكافرين (لما فيه من الأنباء عن الهلاك والعذاب في الدنيا والآخرة) ومطمئن للمؤمنين (لما فيه من البشارات بالسعادة في الدنيا والآخرة).
ثلث عدد آيات السورة تحدثت عن وجوب التفكر بآيات الله المسخرات المزيَّنات وآلائه ونعمه السابغات المبهجات ورزقه المتجدد الدائم لبقاء الحياة؛ ثم نصف آيات السورة تحدث عن صدق الوعد وأهوال يوم الميعاد؛ أما ما تبقى فهي مقدمة من أربع آيات عن القرآن والنذير وتكذيبهم وتخبطهم، وخاتمة من ثلاث آيات تؤكد علم الله بكل شيء وأمر المؤمنين بالصبر على العبادة والطاعة حتى يتحقق وعد الله.
050.7.3.1- مقدمة: عجيب عجب الكافرين من قدرة الله على إرسال رسول إليهم من البشر مثلهم، وعجيب تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه، يقولون أئذا متنا وصرنا تراباً، كيف يمكن الرجوع بعد ذلك أجساداً كما كنّا، أي يرون استحالته. فكذبوا بالحق (بالقرآن) لما جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم، واختلط عليهم الأمر، (هل هو سحر أو شعر أو كهانه وإلى ما دون ذلك من الالتباس). الآيات (1-3، 5).
050.7.3.2- لأن الله هو الرحمن ولا يظلم أحداً من خلقه فلا بدّ أن يقيم عليهم الحجة بصدق وعيده، فهو يدلّهم هنا (بالترغيب بالآيات والوعيد بالعقاب) على ما فيه مصلحتهم ونجاتهم. من ذلك أنه ذكرهم بآياته وآلائه البينات التي تدلّ على عدله وحسن تدبيره لمخلوقاته ورحمته بهم لتكون ذكرى وتبصرة لكل عبد منيب، وفي الوقت نفسه توعدهم بالعقاب إن هم استمرّوا على كفرهم وتكذيبهم، كما يلي: الآيات (4، 6-16، 36-38) = 15 آية = 33.33%.
050.7.3.2.1- الآيات (6-11) الترغيب وبيان الحق بالآيات: أشار إليهم ليتدبّروا كيف بنى السماء سليمة بلا عيوب، والأرض أرساها بالجبال، وأنبت فيها من كل زوج بهيج، وأنزل الماء وأنبت البساتين والحقول والنخيل رزقاً لهم. وفي هذه الآيات المشاهدة دليل على قدرة الله على إخراج الموتى.
050.7.3.2.2- الوعيد بقدرة الله عليهم: هذه الآيات فيها وعيد مخيف لمن يعجب من قدرة الله ويظن بأن الله يعجزه شيء في الأرض أو في السماء: فإذا كان عقل الكافر يعجب ولا يستوعب أن الله يستطيع أن يعيدهم بعد أن صاروا تراباً، فهو يزيدهم هنا بما لم يخطر لهم على بال، وبأعجب مما عجبوا منه لعلّهم يفيقوا من غفلتهم، إذ تخبرنا الآيات بأن الله يقدر على أكثر منه كما يلي:
050.7.3.2.2.1- الآية (4) يعلم كل ما تنقص الأرض وتفني من أجسامهم وتتحلل إلى عناصر وذرات، وليس هذا فقط بل هو يكتبه في كتاب حفيظ ليكون حجة عليهم.
050.7.3.2.2.2- الآيات (15، 16) كذلك فليس الله هو خالق الإنسان ومُبدعه بدون أن يعجزه ذلك وانتهى، بل هو يعلم ما تخفيه وما توسوس به نفس هذا الإنسان ناهيك عن ظواهر عمله، وليس العلم فقط بل هو أقرب إليه حتى من حبل الوريد الذي هو داخل جسده.
050.7.3.2.2.3- الآية (38) وهو لمّ يخلق السماوات والأرض وما بينهما فقط، بل وما مسّه من ذلك الخلق تعب ولا نَصَب، وفي هذه القدرة العظيمة دليل على قدرته سبحانه على إحياء الموتى من باب أولى.
050.7.3.2.3- الآيات (12-14، 36، 37) التذكرة وأخذ الدروس والعبر من أفعال ومصائر الأمم السابقة: هلاك الأمم المكذبة فيه العبرة لمن كان له قلب، بأنه لا بد من تحقق وعد الله وأمره في خلقه كما نراه بأم أعيننا يتحقق في الأمم السابقة.
ليس هؤلاء الذين يكذبون بالقرآن هم وحدهم من فعل هذا، بل كذبت كلّ القرون الأولى، وكانوا أشد منهم قوّة وبطشاً وتنقلوا في البلاد بحثاً واستكشافاً ولم يكتفوا بما في أوطانهم، ومع ذلك حين جاءهم العذاب لم يجدوا ملجأ ولا مأوى يحميهم، وفي هذه القصص عن الأمم السابقة، وقد بلغهم خبرهم بسماعه في القرآن، وبمشاهدة آثارهم وبقايا ديارهم، ففيه وعيد شديد وتذكير كان يجب على المكذبين أنْ يعتبروا بهم، لمن يسمع ويشاهد بقلب حاضر وفهم واعٍ بعيد عن الغفلة.
050.7.3.3- تأكيد أنه لا مفرّ من الموت، وبيان تفاصيل يوم الوعيد (يوم ينفخ في الصور) والإنذار من أهوال ذلك اليوم: الآيات (17-35، 41-44) = 23 آية = 51.11%
تنبيه الناس وإنذارهم بأن أعمالهم في الدنيا مكتوبة في كتاب، ثم أنهم ميتون، ثم مخرجون ليوم الحساب. تنذرهم بما ينتظرهم في الآخرة من أيام عصيبة تفضح مكنونات صدورهم وتحاسبهم على مثاقيل الذرّ من أعمالهم. تذكرهم بيوم الوعيد والحساب وإعادة الحقوق لأصحابها، والوعد بالجزاء على الأعمال. وتذكرهم ليفيقوا من غفلتهم وبأنهم مكلّفون ومحاسبون على عبادة الله وخشيته بالغيب، وبأن لا يشركوا به فلا يمنعوا الخير ولا يعتدوا. من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها. مقصد وجود الإنسان هو الاستخلاف في الأرض والتكليف بأن يكون مختاراً لأفعاله وأقواله، من البداية إلى النهاية وأنه مراقب في كل أقواله وأعماله وكل أنفاسه وكل ما يحيك في نفسه، مكتوبة في كتاب سيقرأه بنفسه، وأنه هو من يحدد مصير نفسه ضمن ما منحه الله من حرّية في أن يختار وتكون النتيجة تبعاً لاختياره، إمّا الجنة أو النار. وأنها كلها واقعة تحت سيطرة الله وعلمه وترتيبه وتدبيره ووعده ووعيده وقضاءه وقدره.
050.7.3.4- النتيجة: (لكن مقابل ما فعله الكافرون، من الغفلة والتكذيب) ماذا على الرسول والمؤمنون أن يفعلوا في انتظار تحقق الوعد والوعيد الذي خوّف القرآن من جديّة قدومه وشدّة المسائلة والحساب فيه؟ عليهم أن يصبروا وينتظروا صدق الوعد مستعينين بالتسبيح بحمد الله في كل الأوقات الآيات (39، 40، 45).
050.7.4- سياق السورة باعتبار الحكمة من خلق ووجود الإنسان:
أقسم الله تعالى بالقرآن الكريم ذي المجد والشرف، لاحتوائه على الإنذار والتذكرة بقصّة الإنسان كاملة، ومقصد وجوده ووجود الموت والحياة (أي الحكمة من، أو حقيقة وجود الإنسان) لماذا وجد وماذا فعل وما هو مصيره، والتي لخصتها هذه السورة، من ذلك ما يلي:
050.7.4.1- أصل خلق الكون وجوهره: وهو أن الله خلقه وبناه في ستة أيام.
050.7.4.2- الخالق (الصانع) والتساؤل حول وجوده وفعله وإرادته بالمخلوق: فقد خلق الله الإنسان وفطره على الحق وابتلاه بالطاعة والعمل ووعده بالجزاء في الآخرة على ما يقدمه من العمل في الدنيا.
050.7.4.3- صفات الخالق (الصانع) ولماذا وجد الإنسان؟ فالله يحيي ويميت وإليه المصير، يعلم كل شيء وقريب من كل شيء لا يخفى عليه شيء في الظاهر ولا في الباطن وكل شيء عنده في كتاب حفيظ يقيم به الحجة على مخلوقاته.
050.7.4.4- العقل وأسس التفكير السليم: جعل للإنسان عقلاً عاقلاً مميزاً ينظر في الأشياء والآيات فيعلم ما ينفعه وما يضّره.
050.7.4.5- الإرادة الحرّة ووجودها: جعل الله للإنسان السمع والبصر والقلب ينيب إلى ربّه باختياره فيدخله الجنّة، فإن كفر ومنع الخير فيلقى في النار.
050.7.4.6- البحث في الهدف من الحياة وكيفية العيش السليم: وأن طاعة الله فيها النجاة في الدنيا والآخرة ومعصية الله فيها الهلاك والخسران.
050.7.4.7- مصير الإنسان وهذا الوجود: وأن هذه الدنيا هي دار عمل والآخرة هي دار القرار، وسوف تبدّل هذه الأرض الفانية بغير الأرض والسماوات إلى دنيا الخلود في الدار الآخرة.
050.7.5- سياق السورة باعتبار بيان الوعد الحق الموعود به الإنسان:
ما هو الوعد الحق، الذي كذّبوا به، وجاءت به الرسل، وبينته السورة؟
قد علمنا أن جميع المخلوقات خاضعة لله منقادة لإرادته عابدة له بالتسخير، لا فرق بين مؤمن، وكافر، وبر، وفاجر، وطير وحيوان وجمادات وأحياء، كما في قوله تعالى: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ (6)} الرحمن، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)} فصلت. وأن الله قد قضى في الأزل أن يخلق نوعين من المخلوقات الجن والإنس، وأن يترك لهما الاختيار في بعض أشياء، أي أنهما خلقا منقادين خاضعين في كل شيء ما عدا بعض أشياء يكون انقيادهما لله فيها باختيارهما. فإن أطاعا فازا، وكانا بطاعتهما أفضل من الملائكة لأن الملائكة جُبلوا على الطاعة أمّا الإنس والجان أعطيا الاختيار فأطاعا. وكان إبليس يُسمَّى طاووس الملائكة لأنه مخلوق مطيع باختياره، إلى أنْ عصى الله حين أمره بالسجود لآدم وأصر على ذلك فأُبعِد وطُرِد من رحمة الله. كذلك آدم أكرمه الله بدخول الجنّة ونهاه أن يقرب تلك الشجرة، فزلَّ فعصى نهي ربه فأخرج من الجنة، لكن آدم لم يصر على المعصية بل تاب، فتاب الله عليه وجعله هو وذرّيته خلفاء على الأرض يبتليهم بالعمل والطاعة، والموت والحياة {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} الملك. لهم أن يطيعوا، ولهم أنْ يعصوا، وقد أعدَّ لهم دار الجزاء في الجنة على اعتبار أنهم جميعاً سيطيعون، فلكل واحد منهم منزلة في الجنة، كذلك أعدَّ لهم في النار أماكن تسعهم جميعاً لو عصوا. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن (5- الباب الخامس: ملخص مواضيع القرآن الكريم:)
050.7.6- سياق السورة باعتبار القصص المذكورة فيها:
يمكن تقسم السورة باعتبار القصص المذكورة فيها إلى ثلاثة مجموعات من الآيات: القصص 33 آية، وآيات الله في الخلق 7 آيات، ومقصدها 5 آيات. وهي كما يلي:
050.7.6.1- الآيات (2-5) قصص عجب الناس من وعيد القرآن. الآيات (13-15، 36) تكذيب الأمم وهلاكها. الآيات. 9 آيات.
050.7.6.2- الآيات (16-35، 41-44) نتائج الأعمال والبعث والحساب على شكل قصص وحوارات. 24 آية.
050.7.6.3- الآيات (7-11، 38) آيات الله في السماوات والأرض والموت والحياة والرزق. 7 آيات.
050.7.6.4- مقصد السورة نجده في السورة في خمس آيات: وهي (1، 37، 39، 40، 45) وفيه القسم بالقرآن الحق، وبأن فيه تذكرة ووعيد للذين يكذبون بالبعث ويعجبون من مجيء النذير به، ثم الأمر بالتسبيح والسجود لمن يخاف وعيد. 5 آيات.
050.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
050.8.1- تبين سورة غافر 40 في الكتاب أن الله خلق الناس لغرض هو أن يذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم ويدخلهم الجنة، ولكن أكثرهم لم يتوبوا. وتؤكد سورة الأحقاف 46 نفس المعنى في الكتاب بأن الله خلق بالحق (وهو الابتلاء بالعمل) إلى أجل مسمّى فأعرضوا. وما بين هاتين السورتين يأتي بيان أن التفاصيل عن هذا الابتلاء أو التكليف نزل بها الوحي وهي في القرآن، ففي: فصلت 41 تفصيل القرآن بشيراً ونذيراً. الشورى 42 الله هو مصدر الوحي والرسالة. الزخرف 43 قرآن مبين، فيه للناس الخير كلّه. الدخان 44 عذاب ينتظرهم إن لم يؤمنوا. الجاثية 45 ليس بعد كتاب الله، ولا بعد أدلته في مخلوقاته من هدى. (انظر أيضاً الشرح في الملخص أعلاه 050.5.1.2)
وبعد كل هذا البيان المفصل عن حقيقة ومقصد وجود الإنسان، وأن آيات الله جعلت في كتابين: كتاب عربي يقرأ وهو القرآن، وكتاب كوني حقيقي مشاهد في الأنفس والآفاق، وأن في القرآن كلام الله وآياته وإشاراته وحججه وحواراته، يأتيهم مع الرسول عن طريق الوحي، وأن الله خلق الناس برحمته، وأنه يريد أن يرحمهم رغم ذنوبهم إن هم تابوا وآمنوا، وبعد هذه الرحمة والمغفرة الواضحة تأتي سورة محمد (47) وهي سورة الحرب والقتال لمن لم تسعه رحمة ربه في السور السبعة السابقة، ولا بد أن تأتي ثمرة لهذه الحرب ألا وهي الفتح (48) من الله كما هي سنته في خلقه وكما بشر به عباده المؤمنين. أمّا سورة الحجرات (49) ففيها تنظيم للمجتمع المسلم ووضع للقواعد الأخلاقيّة بعد أن تمّ الفتح. ثم سورة ق (50) هي سورة تجاهد بالقرآن فتذكّر وتحرض على الالتفات إلى آيات الله التي جاء بها المرسلين، وآياته في السماوات والأرض، وآياته في هلاك الأمم السابقة وبقاء آثارهم، وتتوعّدهم بأنباء يوم القيامة وما فيها من حساب عسير على كل ما ظهر وما بطن من أعمالهم، ووعيد شديد بأن مصيرهم إما الجنة أو النار. ويمكن القول باختصار أن فيها الدعوة والترغيب بالدليل والحجة والتخويف والوعيد بالحساب والعذاب في الآخرة – بينما كان الوعيد في سورة محمد في الترغيب بسعادة المؤمنين ونصرهم في الدنيا وتعاسة الكافرين وخذلانهم في الدنيا قبل الآخرة.
050.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما كانت سورة الفتح قد انطوت على جملة من الألطاف التي خص الله بها عباده المؤمنين كذكره تعالى أخوّتهم وأمرهم بالتثبت عند غائلة معتد فاسق {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ (6)} الحجرات الآية، وأمرهم بغض الأصوات عند نبيهم وأن لا يقدموا بين يديه ولا يعاملوه في الجهر بالقول كمعاملة بعضهم بعضاً، وأمرهم باجتناب كثير من الظن ونهيهم عن التجسس والغيبة، وأمرهم بالتواضع في قوله {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى (13)} الحجرات، وأخبرهم تعالى أن استجابتهم وامتثالهم هذه الأوامر ليست بحولهم، ولكن بفضله وإنعامه، فقال: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان (7)} الآيتين، ثم أعقب ذلك بقوله {يمنون عليك أن أسلموا (17)} الحجرات الآية، ليبين أن ذلك كله بيده ومن عنده، أراهم سبحانه حال من قضى عليه الكفر ولم يحبب إليه الإيمان ولا زينه في قلبه، بل جعله في طرف من حال من أمر ونهى في سورة الفتح مع المساواة في الخلق وتماثل الأدوات فقال تعالى: {والقرآن المجيد (1) بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم (2)} الآيات، ثم ذكر سبحانه وتعالى وضوح الأدلة {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم (6)} الآيات، ثم ذكر حال غيرهم ممن كان على رأيهم {كذبت قبلهم قوم نوح (12)} ليتذكر بمجموع هذا من قدم ذكره بحاله وأمره ونهيه في سورة الفتح، ويتأدب المؤمن بآداب الله ويعلم أن ما أصابه من الخير فإنما هو من فضل ربه وإحسانه، ثم التحمت الآي إلى قوله خاتمة السورة {نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم (45)} الآيات – انتهى.
راجع أيضاً تناسب سورة الذاريات (من ق إلى النجم) (051.8.1).