العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


052.0 سورة الطور


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


052.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصل. 3) عدد آياتها 49 آية. 4) الثانية والخمسون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والتاسعة والسبعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “السجدة”.  6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 3 مرّات، رب 7 مرّات؛ (1 مرة): هو، البر، الرحيم، وقاهم، أنعم. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: (مرة واحدة): رق، ألتناهم.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: تَمور 2 مرّة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: عذاب 4 مرّات؛ (3 مرّات): آمن، كيد، فاصبر، سبح، تربص، خلق؛ (2 مرة): كذب، ذريتهم، تسير، فاكه، صدق؛ (1 مرة): جنات، نعيم، كفروا.

052.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم عن جبير بن مطعم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور.

وأخرج البخاري وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ {والطور وكتاب مسطور}.

قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبي حدثنا موسى بن داود، عن صالح المري، عن جعفر بن زيد العبدي قال: خرج عمر يعس بالمدينة ذات ليلة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائما يصلي، فوقف يستمع قراءته فقرأ: {والطور} حتى بلغ: {إن عذاب ربك لواقع، ما له من دافع}. قال: قسم ورب الكعبة حق. فنزل عن حماره. واستند إلى حائط، فمكث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه، رضي الله عنه.

052.3 وقت ومناسبة نزولها:

نزلت سورة الطور وكذلك ق والذاريات والنجم في السنة الخامسة من البعثة وجميعها تتحدث عن الحساب والجزاء من زاوية مختلفة. وتشير موضوعاتها إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعرّض في دعوته للكثير من الاعتراضات والاتهامات، لكن المضايقات الشديدة لم تبدأ بعد. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.

052.4 مقصد السورة:

052.4.1- مقصدها: تأكيد حقيقة وقوع العذاب على المكذبين جزاء أعمالهم. وإطماعهم في حصول النعيم للمتقين ثواب أعمالهم. واستهجان تطاولهم على الحق وخوضهم فيه: فهم يخوضون ويلعبون، ويتطاولون على الحق بجهلهم: أي بغير علم. ودحض ادعاءاتهم وحججهم ومعاذيرهم ومقابلتها بالحجج البسيطة والمنطق المفهوم الذي لا يحتمل التأويل.

052.4.2- ومقصدها نجده في مطلعها في الآيات (1-8): يقسم تعالى بستّ من مخلوقاته (الطور، كتاب، رق، البيت، السقف، البحر) الدالة على قدرته العظيمة، على أن عذابه واقع بأعدائه وأنه لا دافع له عنهم.

052.4.3- وقال الإمام البقاعي في نظم الدرر: مقصودها هو تحقيق وقوع العذاب الذي هو مضمون الوعيد المقسم على وقوعه في الذاريات الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقه في {ق}، فإن وقوعه أثبت وأمكن من الجبال التي أخبر الصادق بسيرها، وجعل دك بعضها آية على ذلك، ومن الكتاب في أثبت أوضاعه لإمكان غسله وحرقه، ومن البيت الذي يمكن عامره وغيره إخرابه، والسقف الذي يمكن رافعه وضعه، والبحر الذي يمكن من سجره أن يرسله، وقد بان أن اسمها أدل ما يكون على ذلك بملاحظة القسم وجوابه حتى بمفردات الألفاظ في خطابه.

052.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت سورة الطور وكذلك ق والذاريات والنجم في السنة الخامسة من البعثة وجميعها تتحدث عن الحساب والجزاء من زاوية مختلفة. واستهلّت بالقسم بستّ من مخلوقات الله العظيمة (الطور، كتاب، رق، البيت، السقف، البحر) على أن العذاب واقع بالمكذبين وأنه لا دافع له عنهم، وحول هذا المقصد تضمنت ثلاث مجموعات من الآيات، في أولها التأكيد بالقسم على صحة وقوع العذاب، ثمّ الترهيب بذكر حالهم يومئذ بالويل للمكذبين والجنات والنعيم للمؤمنين، ثمّ توبيخهم على تكذيبهم وكذبهم وسوء مقالتهم وكيدهم، كما يلي:

(الآيات 1-10): يقسم تعالى بستّ من مخلوقاته العظيمة وهي: الطور، وكتاب مسطور، في رق منشور، والبيت المعمور، والسقف المرفوع، والبحر المسجور، بأن عذابه واقع لا محالة، وذلك في يوم تضطرب فيه السماء ويزول نظامها وتتحرك الجبال من أماكنها، وما من أحد غير الله يستطيع منع العذاب عن المكذبين.

(الآيات 11-29): فالويل في جهنم للمكذبين الذين يخوضون في الباطل ويتخذون دينهم هزواً ولعباً، والنعيم في الجنات للمتقين الذين كانوا في الدنيا مشفقين من عذاب الله وعقابه، وكانوا يتضرعون إليه وحده لا شريك له. {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)} أي لا تبال بتقوّلهم الباطل فقد برّأك الله منه، ذكّر فيهتدي المؤمنون وتقام الحجة على المكذبين.

(الآيات 30-49): توبيخهم وتعنيفهم على: تقوّلهم الباطل عن الله والرسول والقرآن فهم لا يؤمنون، وجهلهم بالحق والخلق والملك والرزق فلا عقل لهم، وقصور سمعهم وعدم علمهم بالغيب وشركهم وكيدهم وضعف فهمهم وحجتهم فهم لا يبصرون. وتكرر فيها حرف العطف {أم} خمس عشرة مرّة كما يلي: أم يقولون عن الرسول بأنه شاعر ينتظرون موته فهم أيضاً ميتون، أم تأمرهم عقولهم بهذا الباطل أم هم قوم طاغون، أم يقولون تقوّل القرآن بل لا يؤمنون، وإلا فليأتوا بكلام مثله إن كانوا صادقين، أم خُلِقوا من غير خالق أم هم خالقوا أنفسهم؟ أم خَلَقوا السماوات والأرض؟ بل لا يوقنون، أم عندهم خزائن ربك، أم هم المسيطرون؟ أم لهم سلّم يستمعون فيه الوحي؟ فليأت مُستمعهم بحجة تصدّق دعواه، أم لِلهِ البنات ولهم البنون؟ أم تسألهم أجراً على تبليغ الرسالة فهم منه مثقلون؟ أم عندهم علم الغيب فهم يكتبونه؟ أم يريدون بالمؤمنين مكراً؟ فالذين كفروا هم المكيدون، أم لهم إله غير الله يعبدونه؟ تنزَّه وتعالى عما يشركون. وإن يروا قطعاً من السماء ساقطاً عليهم بالعذاب لقالوا سحاب متراكم بعضه فوق بعض، فدع المشركين حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يُهْلكون، فلا ينفعهم كيدهم ولا ينصرون، وإن لهم عذاباً يلقونه في الدنيا قبل عذاب يوم القيامة ولكن أكثرهم لا يعلمون. فاصبر لحكم ربك {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} وسبِّح بحمد ربك حين تقوم وعند كل صلاة.

وهكذا فالعذاب واقع لا محالة، تمّ تأكيد وقوعه، نعوذ بالله البرّ الرحيم منه، وإسقاط كل أباطيل المكذبين به ومعاذيرهم بإظهار الحق والعقل والبرهان الذي هم عاجزون عن أن يأتوا بمثله. فوظيفة القرآن والرسول هي التذكير، وبتصديقهما واتباع أمرهما يتحقق الفوز والنعيم والنجاة، ولا نجاة لأحد إلا بهما.

اللهم ارزقنا برحمتك جنّات ونعيم واغفر لنا وامنن علينا وقنا عذاب الجحيم.

052.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تنقسم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى ثلاث مجموعات من الآيات كما يلي:

الآيات (1-10) يقسم تعالى بأن عذابه واقع لا محالة، وذلك في يوم تضطرب فيه السماء ويزول نظامها وتتحرك الجبال من أماكنها، ذلك اليوم الذي هو واقع في علم الله، وسيأتي زمانه المعلوم عند الله سلفاً، فالله لا يحكمه زمان وهو خالق الزمان؛ (الآيات 11-28) ثم في علم الله الأزلي أن الكثير من الناس سيكذّبون كلامه ويكفرون، ولأجل هذا أعدّ لهم ما يستحقونه من العذاب، وحذرهم بأن عذابه واقع لا رادّ له، ليتقوا فيصلحوا أعمالهم، كما أعد لهم النعيم، وبشّرهم بأنه هو البرّ الرحيم، لمن يخاف عذابه ويطلب بالعمل الصالح رحمته، ليطمّعهم فيه فيستعدّوا بالأعمال لينالوا الجزاء الذي يستحقون، كلّ حسب عمله؛ (الآيات 29-49) قد فصلت هذه الآيات من السورة عظيم مكرهم وظلمهم وفي نفس الوقت دحضت ادعاءاتهم وحججهم ومعاذيرهم وقابلتها بالحجج البسيطة والمنطق المفهوم الذي لا يحتمل التأويل، ثم أمر الرسول (ومن سار على نهجه) أن يكون مبلّغاً لرسالة ربه، وأن يعبد الله، ويصبر على تحمّل أذى المكذبين فسيهلكهم الله ويعذبهم عقاباً لهم، وسينجي المؤمنين ويدخلهم النعيم ثواباً لهم.

052.6.1- الآيات (1-10) = 20.41% تأكيد أن عذاب الله واقع لا محالة: يقسم تعالى بستّ من مخلوقاته (الطور، كتاب، رق، البيت، السقف، البحر) الدالة على قدرته العظيمة، على شيئين كما يلي:

052.6.1.1- أن عذابه واقع بأعدائه وأنه لا دافع له عنهم،

052.6.1.2- وذلك يوم تمور السماء وتسير الجبال.

052.6.2- الآيات (11-28) = 18 آية = 36.73% أخبرنا اللّه تعالى عن حال ومصائر العباد يوم القيامة، جزاءاً على ما قدّموه من الأعمال إلى مصيرين لا ثالث لهما: فالويل في جهنم للمكذبين الذين يخوضون في الباطل ويتخذون دينهم هزواً ولعباً، والنعيم في الجنات للمتقين الذين كانوا في الدنيا مشفقين من عذابه ومن عقابه يوم القيامة وكانوا يتضرعون إليه وحده لا شريك له في أن يوصلهم النعيم.

052.6.3- الآيات (29-49) = 21 آية = 42.86% احتوت هذه الآيات على موضوعين متداخلين: الأول فيه بيان نعمة الله على الناس بأن أرسل إليهم رسول منهم يذكرهم بما هو مطلوب منهم لكي يحققوا السعادة لأنفسهم وينهاهم عن كل ما يسبب لهم الشقاء ويكدّر حياتهم. والثاني في بيان أن الله ترك للناس الحرية في اختيار أي عمل أو أي شيء يريدونه: فهم يستطيعون طاعة الله واجتناب نهيه، أو معصيته وارتكاب ما نهاهم عنه، وبالتالي هم يتحمّلون النتائج والأمر واضح وتعليماته بسيطة جداً ويفهمها الجميع: فإما أن تطيع أمر العقل والحجة والمنطق والدليل والآيات التي تأمر باتباع أمر الله ونهيه في الخير والصلاح (وقد وعدت بالفوز في الدنيا والآخرة)، أو تطيع أمر الشيطان والنفس الأمارة بالسوء فتتبع الشهوات والشرور والفساد والمكر والخبث والخداع (وقد وعدت بالخسران في الدنيا والآخرة).

ملاحظة: الآية {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)} أتت بين المجموعتين الثانية والثالثة، فهي كالخاتمة لما قبلها: تذكرهم بالجزاء بالنار للمكذبين والجنة للمؤمنين كما بيناه في الملخص أعلاه؛ وهي كالمقدّمة لما بعدها: تذكّرهم بأنهم أحرار في اختيارهم ما بين الحق وهو طاعة الله، والباطل وهو معصيته، كما بينّاه هنا.

052.6.3.1- الآيات (29-44) = 32.65% الإشارة إلى نعمة الله على الناس بأن أرسل إليهم رسول منهم يذكرهم بما هو مطلوب منهم، ثم فصّلت عظيم مكرهم وظلمهم، وفي نفس الوقت دحضت ادعاءاتهم وحججهم ومعاذيرهم وقابلتها بالحجج البسيطة والمنطق المفهوم الذي لا يحتمل التأويل. هم يخوضون في الباطل ويتشاغلون به عن الحق مضيعين وقتهم وجهدهم في دنياهم يلعبون فيما لا فائدة منه بدلاً من عمل الصالحات وطاعة الله بما أمرهم به وبما يعود عليهم بالفائدة والفوز في الدنيا والآخرة.

مهمّة الرسول هي تذكير الناس بمقصد وجودهم على الأرض: أي تذكيرهم بعبادة الله وتسبيحه وحمده على نعمة الهداية ونعمة الرسالة، وتذكيرهم وتحذيرهم من عاقبة ما هم عليه من الضلال والطغيان، وهي نعمة من الله للمتقين إذ لولاها لهلكوا، وحجّة على المكذبين تبين لهم سبب هلاكهم، وتذكيرهم بغيرها من النعم التي لا تحصى في الدنيا والآخرة. أما المكذبين فهم في تناقض في كلامهم وفي غفلتهم وفي كيدهم لا شيء لديهم حقيقي، كما يلي:

052.6.3.1.1- الآيات (29، 30) يقولون عن الرسول كاهن ومجنون وشاعر وهو قول متناقض (ذلك أن صفات الكهانة والشعر والجنون لا يمكن اجتماعها في آن واحد).

052.6.3.1.2- الآية (31) ينتظرون موت الرسول فهم أيضاً ميتون.

052.6.3.1.3- الآية (32) بل هم قوم متجاوزون الحدَّ في الطغيان.

052.6.3.1.4- الآيات (33، 34) يقولون أن القرآن كلام محمد بل هم لا يؤمنون، وإلا فليأتوا بكلام مثل القرآن، إن كانوا صادقين (في زعمهم بأن محمداً صلى الله عليه وسلم اختلقه).

052.6.3.1.5- الآية (35) أخُلِق هؤلاء المشركون من غير خالق لهم وموجد، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ (وكلا الأمرين باطل ومستحيل).

052.6.3.1.6- الآية (36) أم خَلَقوا السموات والأرض (على هذا الصنع البديع)؟ بل هم لا يوقنون (بعذاب الله).

052.6.3.1.7- الآية (37) أم عندهم خزائن ربك يتصرفون فيها، أم هم الجبارون المتسلطون على خلق الله بالقهر والغلبة؟ (هم على يقين بأنهم لا هذا ولا ذاك)

052.6.3.1.8- الآية (38) أم لهم مصعد إلى السماء، يستمعون فيه الوحي بأن الذي هم عليه حق؟ فليأت مَن يزعم أنه استمع ذلك بحجة بينة تصدِّق دعواه.

052.6.3.1.9- الآية (39) ألِلهِ سبحانه البنات ولكم البنون (كما تزعمون افتراء وكذباً)؟

052.6.3.1.10- الآية (40) أتسأل (أيها الرسول) هؤلاء المشركون أجراً على تبليغ الرسالة، فهم في جهد ومشقة من التزام غرامة تطلبها منهم؟

052.6.3.1.11- الآية (41) أم عندهم علم الغيب فهم يكتبونه للناس ويخبرونهم به؟ (لن يكتبوا الغيب لأنهم لا يعلمونه).

052.6.3.1.12- الآية (42) بل يريدون برسول الله وبالمؤمنين مكراً، فالذين كفروا يرجع كيدهم ومكرهم على أنفسهم.

052.6.3.1.13- الآية (43) أم لهم معبود يستحق العبادة غير الله؟ تنزَّه وتعالى عما يشركون.

052.6.3.1.14- الآية (44) وإن ير هؤلاء المشركون قطعاً من السماء ساقطاً عليهم عذاباً لهم، لم ينتقلوا عما هم عليه من التكذيب، ولقالوا: هذا سحاب متراكم بعضه فوق بعض.

جمعت السورة حججهم وأعذارهم وشكوكهم وأباطيلهم المذكورة في سور القرآن الأخرى (قالوا إنه كاهن، شاعر، تقوّل القرآن، وأن لله البنات ولهم البنون، وأن لهم آلهة إلا الله، إلخ)، على شكل مجموعة من الأسئلة المتلاحقة التي تستهجن أن تكون ضلالاتهم وادّعاءاتهم الجاهلة ذات منطق مقبول في مقابل الحق الذي هم عاجزون أن يأتوا بمثله. والتي في نفس الوقت تنسف باطلهم، وتخرس كل لسان يخوض في الحق أو يجادل فيه: فأقوالهم لا يمكن أن تصدر عن عاقل (فهم مخلوقون غير خالقين، ولا يملكون خزائن رحمة الله فيعطون ويمنعون، إلخ).

052.6.3.2- الآيات (45-49) = 10.20% أمر الرسول بأن يترك للناس الخيار في اختيار أي عمل أو أي شيء يريدونه: فيستطيعون طاعة الله واجتناب نهيه، أو معصيته وارتكاب ما نهاهم عنه، وبالتالي هم يتحمّلون النتائج.

052.6.3.2.1- الآيات (45، 46) فدع (أيها الرسول) هؤلاء المشركين حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يُهْلكون، وهو يوم القيامة. وفي ذلك اليوم لا يَدْفع عنهم كيدهم من عذاب الله شيئاً، ولا ينصرهم ناصر من عذاب الله.

052.6.3.2.2- الآية (47) وإن لهؤلاء الظلمة عذاباً يلقونه في الدنيا قبل عذاب يوم القيامة (من القتل والسبي وعذاب البرزخ وغير ذلك، ولكن أكثرهم لا يعلمون ذلك).

052.6.3.2.3- الآيات (48، 49) أمر الرسول (والمؤمنين معه) بالصبر لحكم ربه وأمره، ويطمئنه بأنه بمرأى منه وحفظ واعتناء. ويأمره أن يسبِّح بحمد ربه حين تقوم إلى الصلاة، وأن يفعل ذلك عند كل صلاة.

052.7 الشكل العام وسياق السورة:

052.7.1- اسم السورة: {الطور} الذي هو الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى بن عمران عليه الصلاة السلام، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام؛ كما أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم من الأحكام {واصبر لحكم ربّك (48)}، وفي ذلك من المنة عليه وعلى أمّته، ما هو من آيات الله العظيمة، يجعل جوّاَ من القداسة على السورة، والحضور الإلهي وقربه من مخلوقاته ورحمته لهم بالوحي والهداية. تماماَ كما ذكر في قصّة موسى عليه السلام على الطور حين ناداه الله وكلّمه وأنزل عليه الألواح. كذلك {وكتاب مسطور} (إذا كان المراد به اللوح المحفوظ) فهو الذي كتب الله فيه كل شيء. {والبيت المعمور} وهو الذي فوق السماء السابعة، المعمور مدى الأوقات بالملائكة الكرام، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلا يوم القيامة.

052.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

تنقسم السورة باعتبار موضوعات آياتها إلى ثلاثة مجموعات متساوية تقريباً من الآيات كما يلي:

052.7.2.1- المجموعة الأولى: هي مقدمة فيها مقصد موضوعات السورة وهو أن عذاب الله واقع، وخاتمة فيها خلاصة موضوعات السورة وهو أن يصبر المؤمنون فجزاؤهم الجنة، ويذروا المكذبين فمصيرهم العذاب. الآيات (1-12، 45-49) = 17 آية = 34.69%:

052.7.2.1.1- الآيات (1-12) المقدمة: وفيها مقصد موضوعات السورة: وهي عبارة عن 6 آيات يقسم تعالى فيها بمخلوقاته الدالة على قدرته العظيمة (الطور، كتاب، رق، البيت، السقف، البحر)، ثم 6 آيات أخرى تبين الحدث المقسم عليه (هذا الحدث هو مقصد السورة) بأن عذاب الله واقع لا محالة، في يوم ستضطرب فيه السماء (أي تدور وتموج وتتمايل) وتسير الجبال (تنتقل من أماكنها)، وما من أحد غير الله يستطيع منع هذا العذاب عن المكذبين الذين يخوضون في الباطل ويلعبون في وقت الجد.

052.7.2.1.2- الآيات (45-49) أما الخاتمة (أو الخلاصة): ففيها خلاصة موضوعات السورة: وهي 5 آيات تستنتج الموعظة والدرس والتطبيق العملي المستفاد من السورة، وهو أن يذر الرسول صلى الله عليه وسلم (ومن آمن معه) هؤلاء المكذبين، وأن يصبر لحكم ربه فيه وفيهم، ويظل يسبّح بحمده حين يقوم ومن الليل ووقت ذهاب النجوم؛ أما المكذبين أنفسهم فالعذاب في الآخرة ينتظرهم ولن يغني عنهم كيدهم شيئاً ولا هم ينصرون، وقد أصابهم العذاب في الدنيا وابتلاهم الله بالمصائب لعلهم يعتبرون فيرجعون عن كفرهم ولكنهم لا يفهمون ما يراد بهم ويعودون إلى أسوأ مما كانوا.

052.7.2.2- المجموعة الثانية: الآيات (13-28) تخبرنا الآيات عن الجزاء يوم القيامة: 16 آية = 32.65%

052.7.2.2.1- عقاب المكذبين: الويل لهم ذلك اليوم من عذاب اللّه، وقد كانوا الدنيا يخوضون في الباطل ويتخذون دينهم هزواً ولعباً. سوف يُدَعُّون ويساقون إلى نار جهنم دَعّاً، وسواء صبروا على عذابها أم لم يصبروا، لا محيد لهم عنها ولا خلاص لهم منها، إنما يجزون ما كانوا يعملون، أي كل يجازي بعمله.

052.7.2.2.2- جزاء المؤمنين المتقين ربهم يوم القيامة: أنهم في جنات ونعيم، يتفكهون بما آتاهم اللّه، وقد نجاهم كذلك من عذاب النار، وتلك نعمة مستقلة بذاتها، مع ما أضيف إليها من دخول الجنة، التي فيها من السرور ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر: يأكلون، ويشربون، على سرر متكئين، أزواجهم الحور العين، يلحق بهم أبناؤهم، فضلاً من الله لتقر أعين الآباء بالأبناء وإن لم يبلغوا عملهم، ولا يؤاخذ أحداً بذنب أحد. وزادهم ربهم على ما ذكر من النعيم فواكه ولحوماً وكأساً فيه شراب لا يذهب العقل، يناول أحدهم صاحبه؛ ويطوف عليهم غلمان لخدمتهم كأنهم اللؤلؤ؛ ويسأل بعضهم بعضاً عن عظيم ما هم فيه وسببه، أنهم كانوا في الدنيا خائفين ربهم مشفقين ويدعونه أن يقيهم العذاب، فمنَّ الله عليهم بالهداية والتوفيق، ووقاهم عذاب جهنم، إنه هو البَرُّ الرحيم (أنالهم رضاه والجنة، ووقاهم مِن سخطه والنار).

052.7.2.3- المجموعة الثالثة: الآيات (29-44) بيان كيد وحجج المكذبين ومحاورتهم بالمنطق والمعقول: 16 آية = 32.65

الحق سبحانه وتعالى يسوق لهم البراهين العقلية التي تثبت صدق رسوله في البلاغ عن الله، ويتعجب من فعلهم، وكيف أنهم يكفرون بالله ويعاندون دعوة رسوله.

052.7.2.3.1- الآيات (29-34) بيان تطاول المكذبين وكذبهم على الرسول وعلى القرآن: يأمر سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ رسالته إلى عباده، وأن يذكرهم بما أنزله عليه، ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور من الكهانة والجنون والشعر. فهل عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقاويل الباطلة، التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور (لأنها صفات متناقضة لا تجتمع في شخص)، إنما يحملهم على هذه المقالة أنهم قوم طاغون في ضلال معاندون. فليأتوا بمثل ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم من هذا القرآن، فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض، من الجن والإنس ما جاءوا بمثله ولا بسورة من مثله.

052.7.2.3.2- الآيات (35-44) توبيخ المكذبين لسذاجة تفكيرهم وتعلقهم بالجهل، وبيان كيدهم الباطل وعظيم كفرهم: فهل أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ بل اللّه هو الذي خلقهم وأنشأهم، بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً. أهم خلقوا السماوات والأرض؟ وهم يعلمون أنه الخالق وحده لا شريك له. هل عندهم خزائن الله يتصرفون في ملكه، أم هم المصيطرون على الخلائق، بل اللّه عزَّ وجلَّ هو المالك المتصرف الفعال لما يريد. أم لهم سلم يستمعون فيه إلى الملأ الأعلى؟ فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة، على صحة قولهم وفعلهم. أم باختيارهم وبقدرتهم أن جعلوا لله البنات ولهم البنون؟ وفيه تهديد شديد ووعيد أكيد. أم يسألهم أجرة على إبلاغه إياهم رسالة الله؟ فهم متبرمون لأنه يثقلهم ويشق عليهم. أم عندهم الغيب فهم يكتبون؟ فإنه لا يعلم أحد الغيب إلا اللّه. أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول، وفي الدين غرور الناس وكيد الرسول وأصحابه؟ فكيدهم إنما يرجع وباله على أنفسهم، فالذين كفروا هم المكيدون. أم لهم إله غير اللّه؟ وهذا إنكار شديد عليهم في عبادتهم الأصنام والأنداد مع اللّه، بل هو منزه عما يقولون ويفترون ويشركون. ومن عنادهم ومكابرتهم أنهم إن يروا كسفاً من السماء ساقطاً عليهم يعذبون به لما صدقوا، بل يقولون هذا سحاب متراكم.

052.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

052.7.3.1- آيات القصص: (29-34، 48، 49) = 8 آيات.

052.7.3.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (9، 10، 13-28، 44-47) = 22 آية.

052.7.3.3- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (1-6) = 6 آيات.

052.7.3.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (7، 8، 11، 12، 35-43) = 13 آية.

052.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

052.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه وضعها بعد الذاريات‏:‏ تشابههما في المطلع والمقطع فإِن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين بقوله‏:‏ {إِنَّ المُتَقينَ في جنّات} الآية (15) من سورة الذاريات والآية (17) من سورة الطور. وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفار بقوله في تلك: {فويلٌ للَذينَ كفروا (60)} وفي هذه‏: {فالذينَ كَفَروا (42)}.

052.8.2- سورة الطور بالنسبة لسورتي قّ والذاريات هي كسورة الحجرات بالنسبة لسورتي محمد والفتح، في وصف حياة المتقين في الدنيا في الذاريات ووصف حياتهم في الآخرة في الطور؛ والحجرات تصف جو الخصوصية للأفراد والجماعات، وتحذر من المساس بها، وتبين أن أصل الناس واحد، وأن الله جعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا فيحصل التناصر والتعاون والتوارث، ويحترم بعضهم حقوق بعض، وحقوق الأنساب وخصوصية البيوت وكيان الأسرة المبنية على التقوى والإيمان، وسورة الطور تصف حياتهم الهانئة في الجنة يطوف عليهم غلمان لهم وقد زوجهم ربهم وألحق بهم ذريتهم  فضلاً منه لتقر أعين الآباء بالأبناء وإن لم يبلغوا عملهم، كما وتبين أن كيد الذين ظلموا في الدنيا لم يغن عنهم شيئاً في الآخرة.

052.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما توعد تعالى كفار قريش ومن كان على طريقتهم من سائر من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سيصيبهم ما أصاب غيرهم من مكذبي الأمم، المنبه على ذكرهم في السورة قبل، ثم أشار سبحانه إلى عظيم ما ينالهم من الخزي وأليم العذاب بقوله: {فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون (60)} الذاريات، أقسم سبحانه على صحة ذلك ووقوعه – والعياذ به سبحانه من سخطه وأليم عذابه – فقال تعالى: {والطور (1)} – إلى قوله – {إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع (8)} ثم أومأ سبحانه إلى مستحقيه ومستوجبيه فقال {فويل يومئذ للمكذبين (11)} ثم ذكر ما يعنفون به ويوبخون على ما سلف منهم من نسبته عليه الصلاة والسلام إلى السحر فقال تعالى {هذه النار التي كنتم بها تكذبون (14)}، {أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون (15)} ثم أعقب بذكر حال المؤمنين المستجيبين، ثم ذكر إثر إعلامه بحال الفريقين – نعمته على نبيه عليه الصلاة والسلام وعصمته ووقايته مما يقول المفترون فقال تعالى {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون (29)} ثم جرت الآي على توبيخهم في مقالتهم ووهن انتقالاتهم، فمرة يقولون: كاهن، ومرة يقولون: مجنون، ومرة يقولون: شاعر يترقب موته. فوبخهم على ذلك كله وبين كذبهم وأرغمهم وأسقط ما بأيديهم بقوله {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين (34)} وهذا هو المسقط لما تقولوه أولاً وآخراً، وهذا الذي لم يجدوا عنه جواباً، ورضوا بالسيف والجلاء، لم يتعرضوا لتعاطي معارضته، وهذا هو الوارد في قوله تعالى في صدر سورة البقرة {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله (23)} البقرة الآيات، فما نطقوا في جوابه ببنت شفة {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله (88)} الإسراء، فتبارك من جعله آية باهرة وحجة قاهرة – انتهى.

052.8.4- راجع أيضاً تناسب سورة الذاريات (من ق إلى النجم) (051.8.1).

انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top