العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


053.0 سورة النجم


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


053.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصل. 3) عدد آياتها 62 آية. 4) الثالثة والخمسون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثالثة والعشرون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “الإخلاص”.  6) ليس لها أسماء أخرى. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 3 مرات، لله 3 مرات، هو 8 مرات، رب 7 مرات، أعلم 4 مرّات؛ (2 مرّة): أنشأ؛ (1 مرّة): خَلق، الواسع، أمات، أحيا، رضي، واسع المغفرة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: سدرة 2 مرّة؛ (1 مرّة): تدلّى، قاب، قوسين، مبلغهم، أزفت، مِرّة، الشعرى، اللمم، أجنة، أكدى، ضِيزى، أقنى، سامدون.

أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: هو أعلم 6 مرات، غشى 4 مرات، أوحى 3 مرات، بمن 3 مرات، تتمارى 2 مرة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: ما 21 مرة، علم 10، يرى 6؛ (4 مرّات): هوى، وحي، يغشى، تسمية، يجزي؛ (3 مرّات): وزر، أنثى، ذكر، ظن، الأولى؛ (2 مرّة): إنسان، هدى، ضل، أحسن، الآزفة، أضحك، أبكى، أرض، السماوات، سعي، أوفى، نذير؛ (1 مرّة): غوى، أمات، أحيا.

053.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن ابن مسعود قال: أول سورة نزلت فيها سجدة “والنجم” فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد الناس كلهم إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو أمية بن خلف.

وأخرج بن مردويه عن ابن مسعود قال: أول سورة أعلن بها النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها “والنجم”.

وأخرج ابن مردويه عن الشعبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ “والنجم” فسجد فيها المسلمون والمشركون والجن والإنس.

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس ركعتين قرأ في إحداهما النجم.

053.3 وقت ومناسبة نزولها:

نزلت هذه السورة في شهر رمضان من السنة الخامسة من بدئ النبوّة، وذلك كما ذكر ابن سعد: من أنه في شهر رجب من السنة الخامسة من النبوّة هاجرت مجموعة صغيرة من الصحابة إلى الحبشة. وبعدها في رمضان حصلت هذ الحادثة وانتشر خبرها وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم علناً في اجتماع لقريش، وأن كلّ الحاضرين مؤمنين وكافرين سجدوا معه حين وصل إلى الآية الأخيرة أي آية السجدة. وعندما سمع بهذه الحادثة المهاجرون إلى الحبشة فهموا خطأً بأن قريش أسلمت فعاد قسم منهم إلى مكّة وذلك في شوّال من السنة الخامسة للنبوّة، ليتبيّن لهم خطأ الخبر وأن الخلافات بين المسلمين وقريش لا زالت كما كانت عليه. مما ترتب عليه حصول الهجرة الثانية إلى الحبشة، والتي هاجر معهم فيها المزيد من المسلمين.

053.4 مقصد السورة:

053.4.1- يقسم الله تعالى ويبين: أنه هو الذي أنزل الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يضل الرسول ولم يأت بباطل أبداً؛ بل هو نذير، جاءهم بالحق والهدى، وأخبرهم أن جزاء الإنسان مترتب على أعماله، وأن في هلاك الأمم دليل عليه؛ وأن القيامة باتت قريبة ولن يمنع قدومها من دون الله مانع، وهو المالك لكل شيء والآمر والمتصرف. فلا يغرنّكم ما يأت به الناس من الظنون والضلالات وعبادة الأوثان، فهذه أمنيات وهوى نفس بسبب تمسكهم بالدنيا، التي هي منتهى علمهم، ولا دخل لها بعلم الله ولا بفعله ولا بهديه.

053.4.2- ومقصدها نجده في الآيات (1-4) يقسم فيها تعالى بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى، وأن ما جاءهم به هو وحي من عند الله.

053.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في السنة الخامسة من البعثة، وهي أول سورة أُعلن بقراءتها، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأها في اجتماع لقريش، فسجد معه كلّ الحاضرين مؤمنين وكافرين حين وصل آخر آية، آية السجدة. واستهلت بالقسم على أن النبي ما ضل وما غوى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}، وختمت بالإعلام والإنذار بانفراده سبحانه وتعالى بالإيجاد وأن إليه المنتهى، فيوفّيهم جزاء أعمالهم. وحول هذا المقصد تضمنت ثلاث موضوعات، أولها التأكيد بالقسم على صدق النبي والوحي وأنه من عند الله، ثم توبيخهم بلطف ورحمة على عظيم غفلتهم وجهلهم وضلالهم باتباعهم الظن والغواية والهوى، وأثناءه قارن لهم تعالى بين الضلال والهدى، ثمّ أعلمهم بأنه وحده المالك لكل شيء والآمر والمتصرف، لا شريك له، وأن القيامة باتت قريبة، ولن يمنع قدومها من دون الله مانع، فليحذروه وليعبدوه كما أمرهم، كما يلي:

(الآيات 1-18): يقسم تعالى على تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عما تقوّله وتوهمه المشركون، وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى، وأن ما جاء به هو وحي من عند الله، علّمه إياه مَلَك شديد القوة ذو منظر حسن (وهو جبريل)، ثم دنا من الرسول صلى الله عليه وسلم فأوحى الله إليه ما أوحى؛ وقد رأى جبريل مرة أخرى عند سدرة المنتهى، ورأى (ليلة المعراج) من الآيات الكبرى. وفي إبداء هذه المكانة العظيمة لفت انتباه وتذكير بأنه عزّ وجلّ هو مرسل الوحي، وفيه الخير والحق والهدى تبصره قلوبهم وتعقله عقولهم فيعلموا آياته الكبرى.

(الآيات 19-32): يخاطبهم سبحانه بلطف وحكمة وموعظة حسنة فيقول: أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها هل نفعت أو ضرَّت حتى تكون لله شركاء؟ أتجعلون لكم الذَّكر ولله الأنثى؟ تلك إذاً قسمة جائرة! ما يتبعون إلا الظن وهوى أنفسهم، ولقد جاءهم من ربهم ما فيه هدايتهم فما انتفعوا به. وإن أمر الدنيا والآخرة كله لله لا بأمنياتهم، ولا تنفع عنده الشفاعة إلا من بعد إذنه ورضاه؛ فأعرض عمّن تولّى ولم يرد إلا الحياة الدنيا، إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى. ولله ملك السماوات الأرض ما فيهما، ليعاقب الذين أساؤوا بإساءتهم، ويجزي الذي أحسنوا بالجنة، وهو أعلم بأحوالهم حين أنشأهم من الأرض وحين هم أجنة في بطون أمهاتهم.

(الآيات 33-62): أفرأيت الذي أعرض عن طاعة الله، أعنده علم الغيب فهو يرى؟ (مقبحاً فعله)، أم لم يُنبّأ بما في صحف إبراهيم وموسى؟ بأن كل نفس لا تحمل إلا وزرها، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأنَّ إلى ربك المنتهى؛ وأنه سبحانه أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وخلق الزوجين: الذكر والأنثى، وأن عليه إعادة خلقهم بعد مماتهم. وأنه أغنى وأرضى، وأنه ربّ الشِّعْرى، وأنه أهلك عاداً الأولى، وثمود فما أبقى، وقوم نوح كانوا أظلم وأطغى، والمؤتفكة جعل عاليها سافلها، فبأيِّ نعم ربك تشكّ؟ أم بأي آياته تكذب؟ هذا نذير كما أنذرت الأمم من قبل. اقتربت القيامة، لا يردّها عنهم ولا يَطَّلِع على وقتها أحد إلا الله، {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)} وأنتم لاهون معرضون عنه، {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}.

وهكذا فالله هو المالك لكل شيء والآمر والمتصرف، أوحى إلى عبده وقرّبه وأراه من آياته الكبرى، وأن القيامة باتت قريبة، وستجزى كلّ نفس بسعيها الجزاء الأوفى، {هَذَا نَذِيرٌ (56)} فسوف ترون صدقه كما رأته القرون الأولى. وقد ظهر تأكيد صدقه في السور السابقة: ففي محمّد حين امتحن إيمانهم وصبرهم بالجهاد في سبيله بأموالهم وأنفسهم، كافأهم في الفتح بالفتوحات والمكافآت الربانيّة القريبة والبعيدة، ونظّم لهم في الحجرات مجتمعهم المسلم القائم على الأخلاق واحترام كرامة الإنسان وحقوقه، وفي ق حين أمرهم بالجهاد بالدليل والبرهان والتذكير بالقرآن، كافأهم في الذاريات بالرزق والسعادة في الدنيا والآخرة، ووعدهم في الطور بالفوز والفلاح في الجنّة منعمين فاكهين، وألحقت بهم ذرّياتهم ولم ينقص من عملهم شيء، وفيه أيضاً إطماع للمكذّبين ليؤمنوا.

اللهم اجعلنا من المهتدين المتقين الساجدين العابدين المحسنين العاملين بالقرآن، واشملنا برحمتك ومغفرتك فإنك واسع المغفرة.

053.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تنقسم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى ثلاثة مجموعات من الآيات كما يلي:

053.6.1- دفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى، وأن ما جاءهم به هو وحي من عند الله. وأن الله قد أرى رسوله من الآيات الكبرى التي لم يرها أحد غيره من البشر. الآيات (1-18) = 18 آية

053.6.1.1- الآيات (1-4) دفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أقسم الله تعالى بالنجوم إذا غابت، ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق، وما خرج عن الرشاد، بل هو في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد، وليس نطقه صادراً عن هوى نفسه. ما القرآن وما السنة إلا وحي من الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

053.6.1.2- الآيات (5-11) وأن ما جاءهم به هو وحي من عند الله، علّمه إياه مَلَك شديد القوة، ذو منظر حسن، وهو جبريل عليه السلام، الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم في الأفق الأعلى. ثم دنا جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان دنوُّه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك. فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى بواسطة جبريل عليه السلام. ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره.

053.6.1.3- الآيات (12-18) أتُكذِّبون محمداً صلى الله عليه وسلم، فتجادلونه على ما يراه ويشاهده من آيات ربه؟ ولقد رأى جبريل على صورته الحقيقية مرة أخرى عند سدرة المنتهى، وهي في السماء السابعة، عندها جنة المأوى التي وُعِد بها المتقون. إذ يغشى السدرة من أمر الله شيء عظيم، لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل. وكان النبي صلى الله عليه وسلم على صفة عظيمة من الثبات والطاعة، فما مال بصره يميناً ولا شمالا ولا جاوز ما أُمِر برؤيته. لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من آيات ربه الكبرى الدالة على قدرة الله وعظمته من الجنة والنار وغير ذلك.

053.6.2- أما قولهم (أي قول المشركين) فهو الضلال والغواية والهوى. الآيات (19-32) = 14 آية.

053.6.2.1- الآيات (19-23) أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها: اللات والعزَّى ومناة الثالثة الأخرى، هل نفعت أو ضرَّت حتى تكون شركاء لله؟ أتجعلون لكم الذَّكر الذي ترضونه، وتجعلون لله الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم؟ تلك إذاً قسمة جائرة. ما هذه الأوثان إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها مِن حجة تصدق دعواكم فيها. ما يتبعون إلا الظن، وهوى أنفسهم، ولقد جاءهم من ربهم ما فيه هدايتهم، فما انتفعوا به.

053.6.2.2- الآيات (24-26) ليس للإنسان ما تمنّاه من شفاعة هذه المعبودات أو غيرها مما تهواه نفسه، فلله أمر الدنيا والآخرة. وكثير من الملائكة في السماوات مع علوِّ منزلتهم، لا تنفع شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة، ويرضى عن المشفوع له.

053.6.2.3- الآيات (27-28) إن الذين لا يصدِّقون بالحياة الآخرة ولا يعملون لها ليسمُّون الملائكة تسمية الإناث؛ لاعتقادهم جهلا أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله. وما لهم بذلك من علم صحيح يصدِّق ما قالوه، ما يتبعون إلا الظن الذي لا يقوم أبداً مقام الحق.

053.6.2.4- الآيات (29-32) فأعْرِضْ عمَّن تولى عن ذكرنا، وهو القرآن، ولم يُرِدْ إلا الحياة الدنيا. ذلك الذي هم عليه هو منتهى علمهم وغايتهم. إن ربك هو أعلم بمن حادَ عن طريق الهدى (وفيه إنذار للمعرضين شديد)، وهو أعلم بمن اهتدى.

ولله سبحانه وتعالى ملك ما في السماوات وما في الأرض؛ ليجزي الذين أساؤوا بعقابهم على ما عملوا من السوء، ويجزي الذي أحسنوا بالجنة، وهم الذين يبتعدون عن كبائر الذنوب والفواحش إلا الصغائر بغير اصرار، إن ربك واسع المغفرة، هو أعلم بأحوالكم حين خلقكم من تراب، وحين أنتم أجنَّة في بطون أمهاتكم، فلا تزكُّوا أنفسكم فتمدحوها وتَصِفُوها بالتقوى، هو أعلم بمن اتقى عقابه فاجتنب معاصيه.

053.6.3- هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو نفسه ما أنذر به الأنبياء الأولون بأن الله خلق الناس ليحاسبهم على أعمالهم أيهم أحسن عملاً، وأن ساعة الحساب قريبة. الآيات (33-62) = 30 آية

– وجوب العمل بما أمر به الله، لأن الله خلق الناس ليحاسبهم على أعمالهم.

– كل شيء بيد الله هو خالق كل شيء من أعرض عنه أهلكه كما أهلك الأمم السابقة.

– وأن ساعة الحساب قريبة.

053.6.3.1- الآيات (33-42) أفرأيت الذي أعرض عن طاعة الله وأعطى قليلا، ثم توقف عن العطاء؟ أعنده علم الغيب فهو يرى أن ما في يده مِن مال سينفَد؟ أم لم يُخَبَّر بما جاء في التوراة وصحف إبراهيم الذي وفَّى ما أُمر به وبلَّغه؟ أن كل نفس تحمل وزرها ولا تحمل وزر غيرها، وأنه لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه، وأن سعيه سوف يُرى في الآخرة، فيُجزى عليه الجزاء المستكمل لجميع عمله، وأنَّ إلى ربك انتهاء جميع خلقه يوم القيامة.

053.6.3.2- الآيات (43-55) وأنه سبحانه وتعالى أضحك مَن شاء في الدنيا بأن سرَّه، وأبكى من شاء بأن غَمَّه. وأنه سبحانه أمات مَن أراد موته مِن خلقه، وأحيا مَن أراد حياته منهم. وأنه خلق الزوجين: الذكر والأنثى من الإنسان والحيوان، من نطفة تُصَبُّ في الرحم. وأن على ربك إعادة خلقهم بعد مماتهم. وأنه هو أغنى مَن شاء مِن خلقه بالمال، وملَّكه لهم وأرضاهم به. وأنه هو رب الشِّعْرى، وهو نجم كان أهل الجاهلية يعبدونه. وأنه أهلك عاداً الأولى، وهم قوم هود، وأهلك ثمود، وهم قوم صالح، فلم يُبْقِ منهم أحداً، وأهلك قوم نوح قبلُ. هؤلاء كانوا أشد تمرداً وأعظم كفراً من الذين جاؤوا من بعدهم. ومدائن قوم لوط جعل الله عاليها سافلها، فألبسها ما ألبسها من الحجارة. فبأيِّ نعم ربك عليك- أيها الإنسان المكذب- تَشُك؟

053.6.3.3- الآيات (56-62) هذا محمد صلى الله عليه وسلم، نذير بالحق الذي أنذر به الأنبياء قبله، فليس ببدع من الرسل. قربت القيامة ودنا وقتها، لا يدفعها إذاً من دون الله أحد، ولا يَطَّلِع على وقت وقوعها إلا الله. أفمِن هذا القرآن تعجبون من أن يكون صحيحاً، وتضحكون منه سخرية واستهزاءً، ولا تبكون خوفاً من وعيده، وأنتم لاهون معرضون عنه؟ فاسجدوا لله وأخلصوا العبادة له وحده.

053.7 الشكل العام وسياق السورة:

053.7.1- اسم السورة وهو: سقوط النجم المستقر في مكانه فيهوي بسرعة غير متوقعة من علو إلى أسفل، وهو يتناسب مع موضوعاتها وأحداثها أي سرعة سقوط النجم، وسرعة انتهاء حياة الإنسان ليوفّيه الله جزاء أعماله فلا مجال للمماطلة والتسويف، كذلك في آخر السورة {أزفت الآزفة (57)}، اقتراب قيام الساعة ولن يدفع حصول ذلك من دون الله أحد، فعليهم المسارعة بالسجود والعبادة لأن الأمر جد مفاجئ وخطير.

053.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

تنقسم السورة باعتبار موضوعات آياتها إلى نصفين متساويين من الآيات، النصف الأوّل يتحدث الله سبحانه وتعالى فيه بأن ما عند الرسول هو وحي من عنده، بينما الذي عند المشركون المكذبون هو ظنون وهوى نفس؛ وفي النصف الثاني يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه له كل شيء أرسل المرسلين والكتاب وأهلك المكذبين، وأن هذا الذي بين أيديهم الآن هو نفس النذير الذي أنذرت به الأمم من قبلهم، بأنهم محاسبون وأن القيامة تقترب منهم فليسجدوا لله ويعبدوا، وذلك كما يلي:

053.7.2.1- النصف الأول من الآيات (1-24، 27-30، 33-35) = 31 آية: الله سبحانه يتحدّث إلى الناس الذين لا يؤمنون، عن موضوعين الأوّل أن ما جاءهم به محمّد صلى الله عليه وسلّم هو الحق والهدى، والثاني أن ما يعبدونه هو الباطل والظنون والهوى والضلال الذي لا يغني عن الحق:

053.7.2.1.1- الآيات (1-18) يدافع عن الرسول الحق: كما ذكر أعلاه ففي هذه الآيات دفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى، وأن ما جاءهم به هو وحي من عند الله، وقد أراه الله الآيات الكبرى. 18 آية

053.7.2.1.2- عن ظنون الناس الذين لا يؤمنون وهوى أنفسهم: الآيات (19-24، 27-30، 33-35) = 13 آية

053.7.2.1.2.1- الآيات (19-24) أفرأيتم أيها المشركون هذه الآلهة التي تعبدونها: اللات والعزَّى ومناة الثالثة الأخرى، هل نفعت أو ضرَّت حتى تكون شركاء لله؟ ليس للإنسان ما تمناه من شفاعة هذه المعبودات أو غيرها مما تهواه نفسه.

053.7.2.1.2.2- الآيات (27-30) إن الذين لا يصدِّقون بالحياة الآخرة ولا يعملون لها ليسمُّون الملائكة تسمية الإناث؛ لاعتقادهم جهلا أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله. وما لهم بذلك من علم صحيح يصدِّق ما قالوه، ما يتبعون إلا الظن الذي لا يقوم مقام الحق. فأعْرِضْ عمَّن تولى عن ذكرنا، وهو القرآن، ولم يُرِدْ إلا الحياة الدنيا. ذلك الذي هم عليه هو منتهى علمهم وغايتهم. إن ربك هو أعلم بمن حادَ عن طريق الهدى، وهو أعلم بمن اهتدى وسلك طريق الإسلام.

053.7.2.1.2.3- الآيات (33-35) أفرأيت الذي أعرض عن طاعة الله وأعطى قليلا مِن ماله، ثم توقف عن العطاء وقطع معروفه؟ أعند هذا الذي قطع عطاءه علم الغيب أنه سينفَد ما في يده حتى أمسك معروفه، فهو يرى ذلك عِياناً؟ ليس الأمر كذلك، وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة، بخلا وشُحّاً.

053.7.2.2- النصف الثاني من الآيات (25، 26، 31، 32، 36-62) = 31 آية: الله سبحانه وتعالى يتحدث عن ثلاثة موضوعات: الأول عن نفسه له كلّ شيء، ولماذا خلق الكون والناس وهو ليحاسب الناس بما عملوا؛ الثاني عن كيف أوصل لهم رسالته وما هو مصيرهم؛ الثالث أن وظيفة المرسلين هو الإنذار باقتراب قيام الساعة وأن عليهم المسارعة بالسجود والعبادة قبل أن يفاجئهم يوم الحساب وهم لاهون معرضون:

053.7.2.2.1- الآيات (25، 26، 31، 32) الله له كل شيء: له الآخرة والأولى، وله ما في السماوات وما في الأرض، خلق الناس وجعل لهم الحرية باختيار أعمالهم وسوف يحاسبهم على أعمالهم فيجزي المسيئين بما عملوا والذين أحسنوا بالحسنى. 4 آيات

053.7.2.2.2.1- الآيات (36-49) أرسل المرسلين من قبل بالكتاب والنذير يبلغون الناس بأنهم خلقوا على هذه الأرض ليحاسبوا كل حسب عمله، وأن الله هو رب كل شيء خلقهم وسيميتهم ثم يبعثهم إلى دار الجزاء ليجزيهم الجزاء الأوفى. 14 آية

053.7.2.2.2.2- الآيات (50-54) كل يحاسب على عمله، والجزاء يبدأ في الدنيا ثم يستكمل في الآخرة، بدليل أنه أهلك الأمم الأولى بسبب ظلمهم وطغيانهم. 5 آيات

053.7.2.2.3- الآيات (55-62) فأعرض يا محمد صلى الله عليه وسلم عمّن تولى عن ذكر الله ولم يريد إلا الحياة الدنيا، فبأي نعم الله تتشكك ايها الإنسان وتكذب، هذا القرآن وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إنذار كما أنذرت الأمم السابقة، وقد اقتربت الساعة. 8 آيات

053.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

053.7.3.1- آيات القصص: (2-42، 50-56) = 48 آية.

053.7.3.2- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (1، 43-49) = 8 آيات.

053.7.3.3- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (57-62) = 6 آيات.

053.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

053.8.0- بينت سورة النجم أن الله هو المالك لكل شيء والآمر والمتصرف، أوحى إلى عبده وقرّبه وأراه من آياته الكبرى، وأن القيامة باتت قريبة، وستجزى كلّ نفس بسعيها الجزاء الأوفى، {هَذَا نَذِيرٌ (56)} فسوف ترون صدقه كما رأته القرون الأولى. وقد ظهر تأكيد صدقه في السور السابقة: ففي محمّد حين امتحن إيمانهم وصبرهم بالجهاد في سبيله بأموالهم وأنفسهم، كافأهم في الفتح بالفتوحات والمكافآت الربانيّة القريبة والبعيدة، ونظّم لهم في الحجرات مجتمعهم المسلم القائم على الأخلاق واحترام كرامة الإنسان وحقوقه، وفي ق حين أمرهم بالجهاد بالدليل والبرهان والتذكير بالقرآن، كافأهم في الذاريات بالرزق والسعادة في الدنيا والآخرة، ووعدهم في الطور بالفوز والفلاح في الجنّة منعمين فاكهين، وألحقت بهم ذرّياتهم ولم ينقص من عملهم شيء، وفيه أيضاً إطماع للمكذّبين ليؤمنوا.

053.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه وضعها بعد الطور‏:‏ أنها شديدة المناسبة لها فإن الطور ختمت بقوله: {وإِدبار النجوم}‏ وافتتحت هذه بقوله‏: {والنجمِ إِذا هوى} ووجه آخر‏:‏ أَن الطور ذكر فيها ذرية المؤمنين وأنهم تبع لآبائهم وهذه فيها ذكر ذرية اليهود في قوله‏: {هوَ أَعلم بكم إِذ أَنشأَكم من الأَرض (32)} ولما قال هناك في المؤمنين‏: {أَلحقنا بهم ذريتهم وما أَلتناهم من عملهم من شيء (21)} أي‏:‏ ما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين مع نفعهم بما عمل آباؤهم قال هنا في صفة الكفار أو بني الكفار‏:‏ {وأن ليسَ للإِنسان إِلا ما سعى (39)} خلاف ما ذكر في المؤمنين الصغار وهذا وجه بين بديع في المناسبة من وادي التضاد.

053.8.2- وقال الإمام البقاعي في نظم الدرر: مقصودها ذم الهوى لإنتاجه الضلال والعمى بالإخلاد إلى الدنيا التي هي دار الكدور والبلاء، والتصرم والفناء، ومدح العلم لإثماره الهدى في الإقبال على الأخرى لأنها دار البقاء في السعادة أو الشقاء، والحث على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في نذارته التي بينتها سورة {ق} وصدقتها الذاريات وأوقعتها وعينتها الطور كما تتبع في بشارته لأن علمه هو العلم لأنه لا ينطق عن الهوى لا في صريح الكناية ولا في بيانه له لأن الكل عن الله الذي له صفات الكمال فلا بد من بعث الخلق إليه وحشرهم لديه لتظهر حكمته غاية الظهور فيرفع أهل التزكي والظهور، ويضع أهل الفجور، ويفضح كل متحل بالزور، متجل للشرور، وعلى ذلك دلّ اسمها النجم عن تأمل القسم والجواب وما نظم به من نجوم الكتاب.

053.8.3- وقال أبو جعفر ابن الزبير في برهانه: لما قطع سبحانه تعليقهم بقوله: ساحر وشاعر ومجنون – إلى ما هو به مما علموا أنه لا يقوم على ساق، ولكن شأن المنقطع المبهوت أن يستريح إلى ما أمكنه وإن لم يغن عنه، أعقب الله سبحانه بقسمة على تنزيه نبيه وصفيه من خلقه عما تقوله وتوهمه الضعفاء فقال تعالى: {والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى (2)} ثم أتبع سبحانه هذا القسم ببسط الحال في تقريبه عليه السلام وإدنائه وتلقيه لما يتلقاه من ربه وعظيم منزلته لديه، وفي إبداء ذلك يحركهم عزّ وجلّ ويذكرهم ويوبخهم على سوء نكاياتهم بلطف واستدعاء كريم منعم فقال تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى (19)} والتحمت الآي على هذه الأغراض إلى الإعلام بانفراده سبحانه بالإيجاد والقهر والإعزاز والانتقام، لا يشاركه في شيء من ذلك غيره فقال: {وأن إلى ربك المنتهى (42) وأنه هو أضحك وأبكى (43)}. ولما بين ذلك فقال: {فبأي آلاء ربك تتمارى (55)} أي في أيّ نعمة تشكون أم بأي آية تكذبون؟ ثم قال: {هذا نذير من النذر الأولى (56)} وإذا كان عليه الصلاة والسلام (قد كذّب)… فشأن مكذبيه شأن مكذبي غيره – انتهى.

053.8.4- راجع أيضاً تناسب سورة الذاريات (من ق إلى النجم) (051.8.1).

انظر تناسب سورة القمر مع غيرها من السور (054.8.4).

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top