العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
075.0 سورة القيامة
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
075.1 التعريف بالسورة:
1) مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 40 آية. 4) الخامسة والسبعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والحادية والثلاثون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “القارعة”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: رب 3 مرّات، قادر 2 مرّة، خلق 1 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: (1 مرّة): يتمطى، سدى، فاقرة، التراقي، راق.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: الإنسان 6 مرات (بعد الإسراء 7 مرات)، أولى 4 مرات.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: يوم 8 مرّات؛ (3 مرات): قرأ، جمع؛ (2 مرّة): القيامة، أيحسب، أقسم، نفس، القمر، وجوه، الساق، مني، قادر؛ (1 مرّة): ليفجر، أيان، ألّن، اللوّامة، بنانه، الشمس، تعجل، ناضرة، باسرة، المساق، جعل.
075.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال: حدثنا أن عمر بن الخطاب قال: من سأل عن يوم القيامة فليقرأ هذه السورة، والله أعلم.
أخرج الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدّة وكان يحرّك به لسانه وشفتيه مخافة أن يتفلّت منه يريد أن يحفظه فأنزل الله {لا تحرك به لسانك لتعجل به (16) إن علينا جمعه وقرآنه (17)} قال: يقول إن علينا أن نجمعه في صدرك ثم نقرأه {فإذا قرأناه (18)} يقول: إذا أنزلناه عليك {فاتبع قرآنه (18)} فاستمع له وأنصت {ثم إن علينا بيانه (19)} يبنه بلسانك، وفي لفظ علينا أن نقرأه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق. وفي لفظ استمع فإذا ذهب قرأ كما وعده الله عز وجلّ.
075.3 وقت ومناسبة نزولها:
على الرغم من عدم وجود أي حديث صحيح يدل على وقت نزول هذه السورة، إلا أن في موضوعها شواهد تدلّ على أنها واحدة من السور الأوائل التي نزلت في مكّة. بعد الآية (15) الحديث يقطع فجأة ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلّم بِ {لا تحرّك به لسانك لتعجل به (16) إن علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (18) ثم إن علينا بيانه (19)}، ثم من الآية (20) وما بعدها يكمل الحديث في نفس الموضوع الذي تمّت مقاطعته. هذه الآيات المعترضة واعتماداً على سياق الكلام والأحاديث الصحيحة جاءت هنا بسبب، حرص النبي صلى الله عليه وسلم ألا يتفلّت منه شيء من القرآن عندما يقرأه عليه الملك جبريل عليه السلام.
في الواقع كان هذا يحدث عندما كان نزول وتلقي الوحي أمراً جديداً على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتعوّد بعد الإطراق له كما أمره الله. هنالك أيضاً حالتين يذكر فيهما الشيء ذاته في القرآن: الأولى: في سورة طه {فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه (114)}، والثانية: في سورة الأعلى {سنقرؤك فلا تنسى (6)}. أخيراً وبعد أن اعتاد النبي صلى الله عليه وسلم على تلقي الوحي، لم يعد بعد ذلك حاجة لتكرار هذا الأمر، فلم يتكرر إلا في هذه الأماكن الثلاثة. انظر أيضاً مناسبة نزول سورة الأعلى (087.3).
بالنظر إلى محتويات وأسلوب معظم السور ابتداءاً من هذه السورة إلى نهاية القرآن، تبدوا أنها نزلت في الفترة ما بعد نزول الآيات السبعة الأولى من سورة المدّثر، فقد بدأ بعدها نزول القرآن يتتابع كوابل المطر: وهكذا بالنزول المتتابع للسور تم عرض مفاهيم الإسلام الأساسيّة وتعاليمه الأخلاقية على نحو قويّ ومؤثر في بلاغته وجمله المختصرة، وتم إنذار كفار قريش بشدة وحزم على أخطائهم وانحرافاتهم إلى حد أن زعماء قريش باتوا في حيرة وارتباك شديد تجاه هذا الأمر. لهذا السبب وقبل قدوم موسم الحج اجتمع زعماء قريش وعقدوا اجتماعهم المذكور في سورة المدّثر واتفقوا على أنهم: يجلسون بسبل الناس حين يقدموا لموسم الحج ولا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره.
075.4 مقصد السورة:
075.4.1- تأكيده سبحانه وتعالى أن القيامة قائمة، لا ريب فيها، وإثبات ذلك بالحجة والبرهان العقلي. ويعتقد الناس بحبّهم وانشغالهم وإيثارهم للدنيا استحالة القيامة، لكن كمال عدل الله يقتضي أن يبعث الناس ويحاسبوا على أعمالهم ليجازى كل إنسان على ما قدم وأخر.
075.4.2- ومقصدها نجده في آياتها الأولى (1-4): حيث تبدأ بالقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة، على أن البعث حق لا ريب فيه، وأن الله قادر على أن يعيد خلق الإنسان ويسوّي بنانه كما كانت قبل الموت. ثم تختم في آياتها الأخيرة (36-40) بإثبات يوم القيامة، بالأدلة المنطقية والبراهين العقلية، كما سيأتي تفصيله.
075.4.3- وقال البقاعي: سورة القيامة مقصودها الدلالة على عظمة المدثر المأمور بالإنذار (محمّد) صلى الله عليه وسلم لعظمة مرسله سبحانه وتمام اقتداره بأنه كشف له العلوم حتى صار إلى الأعيان بعد الرسوم بشرح آخر سورته من أن هذا القرآن تذكرة عظيمة لما أودعه الله من وضوح المعاني وعذوبة الألفاظ وجلالة النظوم ورونق السبك وعلو المقاصد، فهو لذلك معشوق لكل طبع، معلوم ما خفي من أسراره وإشاراته بصدق النية وقوة العزم بحيث يصير بعد كشفه إذا أثر كأنه كان منسيا بعد حفظه فذكر {فمن شاء ذكره (55)} المدّثر، فحفظه وعلم معانيه وتخلق بها، وإنما المانع عن ذلك مشيئة الله تعالى، فمن شاء حجبه عنه أصلا ورأسا، ومن شاء حجبه عن بعضه، ومن شاء كشف عنه الحجاب، وجعله يعينه على أعظم صواب، دون شك ولا ارتياب، وجلى عليه أوانسه وعرائسه وحباه جواهره ونفائسه، وحلاه به؛ فكان ملكه وسائسه، كما كان المدثر صلى الله عليه وسلم حين كان خلقه القرآن، واسمها القيامة واضح في ذلك جدا، وليس فيها ما يقوم بالدلالة عليه غيره إذا تؤملت الآية مع ما أشارت إليه (لا) النافية للقسم أو المؤكدة مع أنها في الوضوح في حد لا يحتاج إلى الإقسام عليه لأنه لا يوجد أحد يدع من تحت يده يعدو بعضهم على بعض، ويتصرفون فيما خولهم فيه منه غير حساب، فكيف بأحكم الحاكمين الذي وكل بعبيده أضعافهم من الملائكة فهم يديرون في كل لحظة فيهم كؤوس المنايا، ويأخذون من أمرهم به سبحانه إلى داره البرزخ للتهيئة للعرض ويسوقونهم زمراً بعد زمر إلى العود في الأرض حتى ينتهي الجمع في القبور، ويقيمهم بالنقر في الناقور، والنفخ في الصور، إلى ساحة الحساب للثواب والعقاب، ولم يحجب عن علم ذلك حتى ضل عنه أكثر الخلق إلا مشيئته سبحانه بتغليب النفس الأمارة حتى صارت اللوامة منهمكة في الشر شديدة اللوم عن الإقصار عن شيء منه كما أن ما جلاه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى كان خلقه، ولمن أراد من أتباعه إلا إرادته سبحانه بتغليب المطمئنة حتى صار الكل روحاً صرفاً ونوراً خالصاً بحتاً.
075.5 ملخص موضوع السورة:
من السور الأوائل التي نزلت في مكّة، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم في البداية عند تلقّي الوحي أن يحرّك به لسانه مخافة أن يتفلّت منه شيء من القرآن، فأنزل الله {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}.
سميت “القيامة” لوقوع القسم بها في أولها، وهي من أسماء الآخرة، أحد أركان الإيمان الستّة، ولم يقسم بها فيما نزل قبلها من السور، وذكر فيها الدليل على القيامة، ووصف أهوالها وأحوالها، والساعة وشدائدها، وحال الإنسان عند الاحتضار، وما يلقاه الكافر في الآخرة من المصاعب والمتاعب. وتضمّنت أربع مجموعات من الآيات تتحدّث عن خمسة أسباب لكفر الإنسان، وهي: أنه ينكر الآخرة، ويريد الفجور، ويلقي الأعذار، ويحب العاجلة، ويظن أنه لن يحاسب، واشتملت أيضاً الرد على هذه الأعذار الخمسة، كما يلي:
(الآيات 1-6): استهلّت بالقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوّامة على أن البعث حق لا ريب فيه، {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)}، وذلك رداً على السببين الأوليين لكفر الإنسان وهما إنكار يوم القيامة، أو استبعاد قيامها وتسويفه لكي يبقى على الفجور.
(الآيات 7-15): ذكر قصص من أهوال وعلامات يوم القيامة {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8 ) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)}، وأن فيها الحساب والمستقر، وأن الإنسان شاهد وحجّة على نفسه، وذلك رداً على السبب الثالث لكفره وهو إلقاء المعاذير يتعذر بها عن إجرامه وإنكاره، فإنه لا ينفعه ذلك.
(الآيات 16-25): الأمر بعدم التعجّل بالقرآن لأن الله تكفّل بجمعه وقرآنه ثمّ بيانه (معانيه وأحكامه وشرائعه)، والإشارة إلى حبّ العاجلة على الآخرة؛ فتضمّنت الإعلام عن صفتي العجلة عند الإنسان: الأولى العجلة في تلقي العلم فلا يعي ما يقال والثانية انشغاله بالدنيا العاجلة عن الآخرة الباقية، وذلك رداً على السبب الرابع لكفره وهو حب العاجلة.
(الآيات 26-40): إنذار وزجر ووعيد، ببيان حال الإنسان عند فراق الدنيا بالموت، ثم البعث ثم الحساب والجزاء {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)}، وكان من الأولى له أن يؤمن بيوم القيامة؛ وذلك رداً على حسبانه الباطل بأنه لن يبعث {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)}، فالذي خلقه أوّل مرّة قادر على إعادة إحيائه.
لمّا عُلم أن الإنسان مأمور منهي في الدنيا، مبعوث محاسب مجازى يوم القيامة، وذُكر عليه الدليل بوسائل العلم الثلاثة: العقل وخبر السماء والتجربة؛ فبالعقل (15 آية) في أولها: من الحكمة قيام القيامة ليحاسب الناس على فجورهم وعدم اتباعهم شرع الله تعالى، رغم لوم أنفسهم المفطورة على تقوى الله، وأنهم يعرفون حقيقة أنفسهم ولو جاؤوا بالحجج والأعذار؛ وبخبر السماء (10 آيات) في أوسطها: القرآن لا يُعلم فقط بتحريك اللسان، بل بالتدبّر والتفكّر، فالله تكفّل بجمعه وقرآنه وبيانه، ففيه سعادة الدارين الدنيا والآخرة، فهذه ثلاث حالات للوحي يجب أن تُعلم: الأولى جمعه في الصدور، والثانية تلاوته وتدبّر آياته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه بالأقوال والأعمال والعبادة والأخلاق؛ وبالتجربة والبصيرة (15 آية) في آخرها: حبّهم للدنيا وانشغالهم عن الاستعداد للآخرة هو ما يمنعهم عن التصديق والعمل {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)}، وكذلك عدم رؤيتهم الآيات، فالقدرة على إعادة الخلق أهون من بدئه {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}.
اللهم انفعنا بما علّمتنا وعلّمنا ما ينفعنا وزدنا علماً، والحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من حال أهل النار.
075.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
تفاصيل عن موضوعات السورة باعتبار ترتيب آياتها: احتوت السورة على أربعة مجموعات من الآيات تتحدث عن خمسة أسباب لكفر الإنسان، مذكورة في السورة: وهي أنه ينكر الآخرة التي فيها يتقرر مصيره ومستقرّه، وأنه يريد الفجور، ويلقي الأعذار، ويحب العاجلة وتفضيل الدنيا على الآخرة، ويظن أنه سيترك سدى ولن يحاسب.
وقد فصلت السورة أسباب الكفر هذه بأن: اشتملت على إِثباتِ البعث؛ وذكرت أسباب كفر الإنسان؛ ثم بالتذكير بيوم القيامة وذكر أشراطه، والتذكيرِ بالموت وأنه أول مراحل الآخرة، وإثبات الجزاء على الأعمال التي عملها الناس في الدنيا، واختلاف أحوال أهل السعادة وأهل الشقاء وتكريم أهل السعادة؛ وأخيراً بالزجرِ عن إيثار منافع الحياة العاجلة على ما أعد لأهل الخير من نعيم الآخرة، كما يلي:
075.6.1- الآيات (1-6) بيان السببين الأوليين لكفر الإنسان وهما الإنكار والفجور، وذلك بإثبات البعث والقيامة: فتبدأ بالقسم بها وبالنفس التي ستلوم الإنسان يومها بسبب تقصيره، ثم تأكيد الله سبحانه وتعالى أنها قائمة، وذلك رداً على إنكار الإنسان ليوم القيامة، أو استبعاده قيامها وتسويفه لكي يبقى على الفجور.
والفجور: هو ضد التقوى والبر والإيمان، والفاجر هنا يكثر الذنوب والخطايا ويؤخّر التوبة بالتسويف، والتسويف زيادة على الإثم. فإذا كان الفاجر مكذب بالبعث فهو بهذا نقيض الإيمان وهو كفر أكبر. كذلك هو نقيض التقوى كما في قوله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} ص، ونقيض البر كما في قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} الانفطار.
075.6.2- الآيات (7-15) بيان السبب الثالث وهو معاذير الناس عن طريق تخويفهم من خطورة ما هم مقبلين عليه من أهوال يوم القيامة وأن فيها الحساب والمستقر: فتنقل الآيات قصص حيّة لبعض أحداثه المخيفة وأهواله العظيمة. ثم تؤكد بأن الإنسان شاهد وحجة واضحة على نفسه، ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن إجرامه، وإنكاره، فإنه لا ينفعه ذلك.
075.6.3- الآيات (16-25) تتحدث عن السبب الرابع وهو أن الإنسان خلق عجولاً بينما هو في مثل حالته من التكليف والابتلاء وارتهان كل نفس بما كسبت، بحاجة ماسّة إلى التمهل والتأمل والنظر في نتائج أعماله، وحساب عواقب أفعاله. وتذكر الآيات حالتان من تعجل الإنسان واللتان هما سبب شقاءه وهلاكه، الأولى تتحدث عن العجلة في تلقي العلم فلا يعي ما يقال والثانية انشغاله بالدنيا العاجلة عن الآخرة الباقية، كما يلي:
075.6.3.1- الآيات (16-19) آداب تلقي العلم في عدم التعجل وسماع الحديث كاملاً من مصدره حتى نهايته واستيعاب ما يقال قبل أي ردة فعل أو تصرّف.
075.6.3.2- الآيات (20-25) سبب غفلة الإنسان وإعراضه عن الآخرة هو حبّه للدنيا وإيثاره لها لأنها العاجلة، أما الآخرة لأنها بعيدة فيذر العمل لها. تبين الآيات ضرورة إيثار العمل للآخرة لأن فيها الجزاء الأخير: إما نعيم ونظر إلى وجه ربه الكريم وإما عقوبة شديدة وعذاب أليم.
075.6.4- الآيات (26-40) السبب الخامس لكفر الإنسان هو أنه يظن أن الله خلقه ثم أهمله لذلك، فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى: وفي الآيات إنذار وزجر ووعيد، ببيان حال الإنسان عند فراق الدنيا التي يحبها بالموت وأنه لن {يترك سدى (36)} بل سيحاسب على فجوره وعدم مبالاته، ومن الأولى له أن يؤمن بيوم القيامة، لأن الذي خلقه أوّل مرّة من نطفة قادر على إعادة إحياءه.
075.7 الشكل العام وسياق السورة:
075.7.1- إسم السورة: سميت بهذا الاسم لوقوع القسم بيوم القيامة في أولها ولم يقسم به فيما نزل قبلها من السور، وذكرت بوجه خاص القيامة وأهوالها، والساعة وشدائدها، وعن حال الإنسان عند الاحتضار، وما يلقاه الكافر في الآخرة من المصاعب والمتاعب. وسميت أيضاً {لا أقسم}. والقيامة هو اسم من أسماء الآخرة. ولم يذكر لفظ الجلالة “الله” في السورة.
075.7.2- باعتبار موضوعات آياتها ها يمكن تقسيم السورة إلى أربعة مجموعات من الآيات كما يلي:
احتوت السورة على أربعة موضوعات رئيسية تدور حول مقصد السورة، وهو أن الله لا يترك مخلوقاته هملاً بلا حساب ولا جزاء، فجعل يوم القيامة يخوّف بها عباده في الدنيا ويقيم فيها العدل الكامل في الآخرة. فابتدأت بالقسم بأن القيامة حق، وبرهنت عليه في آخر السورة، وفي الموضوع الثاني بينت ظلم الإنسان لنفسه وإفساده وجهله بربه وبمقصد وجوده، والثالث في أنباء القيامة ابتداءاً بالموت ثم البعث ثم الحساب والجزاء، والرابع الأمر بعدم التعجل بالقرآن لأن الله تكفل بجمعه وبيانه ليتبّعوا قرآنه، كما يلي:
075.7.2.1- إثبات البعث والقيامة: الآيات (1، 2، 4، 37-40)
075.7.2.1.1- تبدأ السورة بالقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة، على أن البعث حق لا ريب فيه، وأن الله قادر على أن يعيد خلق الإنسان ويسوّي بنانه كما كانت قبل الموت.
075.7.2.1.2- وتختم السورة بإثبات يوم القيامة، بالأدلة والبراهين العقلية، فمن غير المعقول أن يُترك الإنسان هَمَلا لا يحاسب ولا يعاقب؟ فالذي خلقه أول مرّة من نطفة ضعيفة من ماء مهين، ثم صار علقة، ثم خلقه الله فسوَّاه في أحسن تقويم؟ فجعل منه الذكر والأنثى، أليس ذلك الإله الخالق لهذه الأشياء بقادر على إعادة الخلق بعد فنائهم؟ بلى إنه سبحانه وتعالى لقادر على ذلك.
075.7.2.2- ظلم الإنسان لنفسه وجهله بربه وبمقصد وجوده: الآيات (3، 5، 6، 14، 15، 20، 21، 31-36)
ثلث آيات السورة تتحدث عن ظلم الإنسان لنفسه وجهله بربه، وقصر نظره، فهو يريد الفجور ويحب العاجلة ويحسب أن لن يحاسبه الله. لكن الله لن يترك الناس سدى، لذلك جعل يوم القيامة رحمة بهم (وقد اختاروا حمل أمانة التكليف)، ليخوفهم بها ولكمال عدله وواسع رحمته ليجنبهم عواقب القبائح الخمسة المهلكة التالية:
075.7.2.2.1- سوء ظن الإنسان بربه فيحسب أن لن تجمع عظامه: ينكر القيامة وهي ركن من أركان الإيمان: أيظنُّ هذا الإنسان الكافر أن لن نقدر على جَمْع عظامه بعد تفرقها؟ الآية (3)
075.7.2.2.2- يريد أن يبقى على الفجور فيما يستقبل من أيام عمره: بل ينكر البعث لأنه يريد أن يبقى على الفجور ويسأل هذا الكافر مستبعداً قيام الساعة: متى يكون يوم القيامة؟ الآيات (5، 6)
075.7.2.2.3- هو يعلم حقيقة ما يفعله مهما قدم من أعذار: بل الإنسان حجة واضحة على نفسه تلزمه بما فعل أو ترك، ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن إجرامه، فإنه لا ينفعه ذلك. الآيات (14، 15)
075.7.2.2.4- يحب العاجلة ويذر الآخرة: بل أنتم قوم تحبون الدنيا وزينتها، وتتركون الآخرة ونعيمها. الآيات (20، 21)
075.7.2.2.5- الإنسان عنده مشكله مستعصية في الجهل والظلم والإفساد ولابد لها من علاج بالحساب والجزاء يوم القيامة. فالله يمهل ولا يهمل: الآيات (31-36)
فلا صدّق الكافر بالرسول والقرآن، ولا أدَّى الصلاة، ولكن كذَّب، وأعرض عن الإيمان، ثم مضى إلى أهله يتبختر مختالا في مشيته. هلاك لك فهلاك، ثم هلاك لك فهلاك. أيظنُّ هذا الإنسان المنكر للبعث أن يُترك هَمَلا لا يُؤمر ولا يُنْهى، ولا يحاسب ولا يعاقب؟
وهذا تهديد ووعيد أكيد، أي: يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك؛ وهو على سبيل التهكم والتهديد كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} الدخان. كذلك فهو وعيد أربعة لأربعة: كما روي أنها نزلت في أبي جهل، فترك التصديق، وكذّب، وترك الصلاة، وتولى عن الله تعالى.
075.7.2.3- تخويف الناس بخطورة ما هم مقبلين عليه من أهوال يوم القيامة والتي لا مفر منها والحساب وأن الناس إما نعيم في الجنة أو عذاب في النار. الآيات (7-13، 22-30)
أكثر آيات السورة جاءت في بيان قدرة الله على البعث والحساب، ونبأ وما سيحصل يوم القيامة (تخويفاً وترغيباً) ابتداءاً من خروج الروح مروراً بالحساب حتى المستقر النهائي. كما يلي:
075.7.2.3.1- يوم البعث: فإذا برق البصر فزعاً، وخسف القمر، وجُمِع بين الشمس والقمر، يقول الإنسان وقتها: أين المهرب من العذاب؟ فلا فرار، ولا نجاة. إلى الله مصير الخلائق يوم القيامة ومستقرهم، يُخَبَّر الإنسان بجميع أعماله، ما قدَّمه منها في حياته وما أخَّره، فيجازى كل بما يستحق.
075.7.2.3.2- نتائج الأعمال: وجوه أهل السعادة يوم القيامة مشرقة حسنة ناعمة، ترى خالقها ومالك أمرها، فتتمتع بذلك. ووجوه الأشقياء عابسة كالحة، تتوقع أن تنزل بها مصيبة تقصم فَقَار ظَّهْرها.
075.7.2.3.3- الموت وفراق الدنيا: إذا وصلت الروح إلى أعالي الصدر، وقال بعض الحاضرين لبعض: هل مِن راق يَرْقيه ويَشْفيه مما هو فيه؟ وأيقن المحتضر أنَّ الذي نزل به هو فراق الدنيا؛ لمعاينته ملائكة الموت، واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، إلى الله تعالى مساق العباد يوم القيامة: إما إلى الجنة وإما إلى النار.
075.7.2.4- الأمر بعدم العجلة أثناء قراءة وحفظ القرآن، لأن الله تكفل بجمعه وبيانه، ليتبّعوا قرآنه: الآيات (16-19)
لا تحرك أيها النبي، بالقرآن لسانك حين نزول الوحي؛ لأجل أن تتعجل بحفظه، مخافة أن يتفلَّت منك. إن علينا جَمْعه في صدرك، ثم أن تقرأه بلسانك متى شئت. فإذا قرأه عليك رسولنا جبريل فاستمِعْ لقراءته وأنصت له، ثم اقرأه كما أقرأك إياه، ثم إن علينا توضيح ما أشكل عليك فهمه من معانيه وأحكامه.
075.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
075.7.3.1- قصص يوم القيامة في الآيات: (7-15، 22-35) = 23 آية.
075.7.3.2- آيات الله في السماوات والأرض: (4، 37-39) = 4 آيات.
075.7.3.3- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-3، 5، 6، 16-21، 36، 40) = 13 آيات.
075.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
075.8.0- لمّا عُلم أن الإنسان مأمور منهي في الدنيا، مبعوث محاسب مجازى يوم القيامة، وذُكر عليه الدليل بوسائل العلم الثلاثة: العقل وخبر السماء والتجربة؛ فبالعقل (15 آية) في أولها: من الحكمة قيام القيامة ليحاسب الناس على فجورهم وعدم اتباعهم شرع الله تعالى، رغم لوم أنفسهم المفطورة على تقوى الله، وأنهم يعرفون حقيقة أنفسهم ولو جاؤوا بالحجج والأعذار؛ وبخبر السماء (10 آيات) في أوسطها: القرآن لا يُعلم فقط بتحريك اللسان، بل بالتدبّر والتفكّر، فالله تكفّل بجمعه وقرآنه وبيانه، ففيه سعادة الدارين الدنيا والآخرة، فهذه ثلاث حالات للوحي يجب أن تُعلم: الأولى جمعه في الصدور، والثانية تلاوته وتدبّر آياته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه بالأقوال والأعمال والعبادة والأخلاق؛ وبالتجربة والبصيرة (15 آية) في آخرها: حبّهم للدنيا وانشغالهم عن الاستعداد للآخرة هو ما يمنعهم عن التصديق والعمل {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)}، وكذلك عدم رؤيتهم الآيات، فالقدرة على إعادة الخلق أهون من بدئه {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}.
يتناسب هذا السياق والدليل مع ما سبق تأكيده في سورة الملك: عن ملك الله، والقلم: عن خُلق الرسول، والحاقة: عن صدق القرآن، والمعارج: عن حسن تدبير الله، ونوح: عن تمام الرسالة والبلاغ، والجن: عن بساطة كلام الله، والمزّمل: عن الأمر بتدبّر القرآن، والمدّثر: عن الأمر بالإنذار بالقرآن، ويتناسب قيام القيامة مع ما أعقبها من تفاصيل، في الإنسان: فإما شاكراً أو كفوراً، والمرسلات: ألقي عليه الذكر عذراً أو نذراً، والنبأ: القيامة مسألة وقت، والنازعات: حقيقة الموت والبعث والجزاء، وعبس: الدنيا مؤقتة زائلة والآخرة دائمة، والتكوير: علمت نفس ما أحضرت يوم القيامة، والانفطار: إما النعيم أو الجحيم، والمطففين: العدل في الميزان والثواب على قدر العمل، والانشقاق: العمل والكدح وفعل الصالحات لنيل الثواب.
075.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: لما قال سبحانه في آخر المدثر {كلا بَل لا يخافونَ الآخِرة (53)} بعد ذكر الجنة والنار وكان عدم خوفهم إياها لإنكارهم البعث ذكر في هذه السورة الدليل على البعث ووصف يوم القيامة وأهواله وأحواله ثم ذكر ما قبل ذلك من مبدأ الخلق فذكرت الأحوال في هذه السورة على عكس ما هي في الواقع.
2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم قوله مخبراً عن أهل الكفر {وكنا نكذب بيوم الدين (46)} المدثر، ثم تقدم في صدر السورة قوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور (8)} المدثر، إلى قوله {غير يسير (9)} المدثر، والمراد به يوم القيامة، والوعيد به لمن ذكر بعد في قوله {ذرني ومن خلقت وحيداً (11)} المدثر الآيات، ومن كان على حاله في تكذيب وقوع ذلك اليوم، ثم تكرر ذكره عند جواب من سئل بقوله {ما سلككم في سقر (42)} المدثر. فبسط القول في هذه السورة في بيان ذكر ذلك اليوم وأهواله، وأشير إلى حال من كذب به في قوله تعالى {يسأل أيّان يوم القيامة (6)} القيامة، وفي قوله تعالى {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه (3)} القيامة، ثم أتبع ذلك بذكر أحوال الخلائق في ذلك اليوم {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر (13)} القيامة.
انظر في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: المبحث 7.3.5- لماذا يكفر الإنسان ولا يؤمن.