العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


087.0 سورة الأعلى


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


087.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 19 آية. 4) السابعة والثمانون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثامنة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “التكوير”. 6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: (1 مرّة) الله، الأعلى، خلق، هَدى، يَعْلَم، مخرج؛ رب 2 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: أحوى 1 مرّة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: ذكّر 4 مرّات، اسم 2 مرّة؛ (1 مرّة): سبح، خلق، سوّى، قدر، هدى، مرعى، غثاء، شاء، تزكى.

087.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

أخرج أحمد والبزار وابن مردويه عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب هذه السورة {سبح اسم ربك الأعلى (1)}.

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بِ {سبح اسم ربك الأعلى (1)} و {هل أتاك حديث الغاشية (1)} الغاشية، وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعاً.

أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن عقبة بن عامر الجهني قال: لما أنزلت {فسبح باسم ربك العظيم (74)} سورة الواقعة، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم “اجعلوها في ركوعكم”، فلما نزلت {سبح اسم ربك الأعلى (1)} قال: ” اجعلوها في سجودكم”.

قال الملوي: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها لكثرة ما اشتملت عليه من العلوم والخيرات.

 

087.3 وقت ومناسبة نزولها:

موضوع السورة يدل على أنها واحدة من أوائل السور التي نزلت في مكّة. والآية {سنقرئك فلا تنسى (6)} تشير إلى أنها نزلت في الفترة التي لم يتعود فيها النبي صلى الله عليه وسلم على تلقي الوحي كما علّمه الله لاحقاً حيث كان يخشى أن ينسى شيئاً مما يتنزل عليه فيردده قبل إكمال الوحي. فجاءت هذه الآية لتطمئنه وتؤكد بأنه لن ينسى، ويبدو أن هذه الآية نزلت أولاً، وفي نفس الموضوع، وبعد مرور مدّة من الزمن عندما بدأ عليه السلام لشدّة حرصه يكرر الكلمات أثناء الوحي نزلت الآيات {لا تحرّك به لسانك لتعجل به (16) إن علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (18) ثمّ إن علينا بيانه (19)} من سورة القيامة، وفي المرّة الأخيرة حين صار عليه السلام يحاول استذكار بعض مما يتنزل عليه أثناء الوحي، نزلت الآية {فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علماً (114)} من سورة طه، ثمّ بعد أن إعتاد النبي صلى الله عليه وسلم على تلقي الوحي، لم يعد بعد ذلك حاجة لتكرار هذا الأمر، فلم يتكرر إلا في هذه الأماكن الثلاثة.

087.4 مقصد السورة:

087.4.1- يأمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بأن يسبحوه وينزهوه عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته ونعمته عليهم في الدنيا وعدله في الآخرة، ويأمرهم بالتذكير بما أعدّه من الخير والنعيم لمن تزكى والعذاب الدائم في النار لمن آثر الحياة الدنيا.

087.4.2- ومقصدها نجده في الآية الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}: أي الأمر بأن يبقى الإنسان يسبح ربه تسبيحاً لا يتوقف، يليق بكمال الله وجلاله، ودوام نعمته التي لا تتوقف على مخلوقاته.

087.4.3- وقال الإمام البقاعي: مقصودها إيجاب التنزيه للأعلى سبحانه وتعالى عن أن يلحق ساحة عظمته شيء من شوائب النقص كاستعجال في أمر من إهلاك الكافرين أو غيره أو العجز عن البعث أو إهمال الخلق سدى يبغي بعضهم على بعض بغير حساب، أو أن يتكلم بما لا يطابق الواقع أو بما يقدر أحد أن يتكلم بمثله كما أَذِنَتْ بذلك الطارق مجملاً وشرحته هذه مفصلاً، وعلى ذلك دل كل من اسمها سبح والأعلى.

087.5 ملخص موضوع السورة:

– هي الثامنة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة التكوير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبّها لكثرة ما اشتملت عليه من العلوم والخيرات. وتضمّنت مجموعتين من الآيات، الأولى بدأت بأمر يتبعه تذكير بنعم الله وفضله، والثانية بأمر يتبعه تكليف بعمل لتدوم النعم وتزيد بلا انقطاع. وقد استهلّت الأولى بأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم (والمؤمنين) بأن سبّح اسم ربك الأعلى، أعقبه تعريف بنعم الله العظيمة فضلاً منه وتكريماً بدون سابق فضل أو عمل عمله الإنسان، فقد خلق فسوّى (بحكمة وإتقان) وقدّر فهدى (إلى الفلاح بالقرآن وشرائعه اليسرى السّمحة)، وفي الثانية يأمر تعالى بأن ذكّر إن نفعت الذكرى، أعقبه الإعلام بالنعيم والخير العظيم والفلاح الذي يناله الإنسان إن عمل بالذكر فتزكّى وذكر اسم ربّه وأقام الصلاة، أو الشقاء والعذاب إن أعرض فآثر زينة الحياة الدنيا، إن هذا لفي صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، كما يلي:

(الآيات 1-8): استهلّت بالأمر {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} أي نزهه عن الشريك والنقائص تنزيهاً يليق بعظمته سبحانه، أتبعه التعريف بعظيم قدرته تعالى وعليّ حكمته، فهو الذي خلق المخلوقات فأتقن خلقها وأحسنه، والذي قدَّر فهدى كل خلق إلى ما يناسبه، والذي أنبت المرعى، فجعله بعد ذلك هشيماً جافاً، وبشّر الرسول صلى الله عليه وسلّم بحفظ القرآن وتيسير حفظه عليه بحيث لا ينساه إلا ما شاء الله، إنّه يعلم الجهر وما يخفى من القول والعمل، ونيسرك لليسرى في جميع أمورك.

(الآيات 9-19): استهلّت بالأمر {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)}، أتبعه الإعلام بأنّ الناس قسمان: سيذّكر من يخشى ربه، ويتجنبها الأشقى الذي سيدخل النار الكبرى خالداً فيها، وقد أفلح مَن طهّر نفسه من الكفر والأخلاق السيئة وذَكر الله وأقام الصلاة كما أمر الله، بل الناس يؤثرون الحياة الدنيا الفانية على الآخرة التي هي خير من الدنيا وأبقى، إن هذا الذي في السورة قد سبق ذكره في {الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}.

ولمّا أمر تعالى بالتسبيح {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، وعرّف على نفسه بأنّه الأعلى الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى وأخرج المرعى، وسيقرئ نبيّه صلى الله عليه وسلم القرآن العظيم فلا ينسى، وأنه يعلم الجهر وما يخفى وييسّر لليسرى، ففيه رفع لقيمة الإنسان بمعرفة ربه الأحد سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وخشيته وتقواه بعد أن علّمه ذلك في كتابه، وبأنه ملاقيه وسيحاسبه على أعماله، فوجب أن يطيعه بذكره وإقام الصلاة محبة وإيماناً وخشية وطمعاً بجنته؛ ولمّا أمرت بالتذكير بنعم الله {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)}، وبأنه خالقهم وهاديهم ورازقهم ومعلّمهم وميسّر أمرهم لليسرى وبأنهم محاسبون على أعمالهم، ففيه بشارة بأنّ الاتعاظ بالقرآن فيه فلاحهم ورفع مكانتهم بالتزكية والذكر وإقام الصلاة في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، ووعيد لمن أعرض بالشقاء والعذاب في النار خالداً فيها.

وهي الأولى من اثنتا عشرة (12) سورة متتالية ومتناسبة من الأعلى إلى البيّنة، تكمل بعضها بعضاً في أمر الإنسان بطاعة ربّه الذي خلقه فسوّاه فعدله وفي أحسن صورة ركّبه، وقد جعل له عقلاً رشيداً وقلباً بصيراً وجوارح تعمل بالمعروف وتطيع وتتبع الهدى وما يحقق لها السعادة والفوز في الدنيا والآخرة، وذلك بطاعة الله واتباع رسوله والعمل بكتابه وما فيه من العبادات والعمل الصالح والإنفاق وإطعام المسكين ومكابدة الهوى وتزكية النفس وكل ما جاء به الدين من إسلام وإيمان وإحسان. وقد سبقها سبع (7) سور متتالية ومتناسبة من عبس إلى الطارق، فيها عتاب شديد على المعرضين عن العلم بالقرآن والتذكرة، المكذّبين بيوم الدين والحساب، وتعجيب من شدّة كفرهم وإعراضهم عن التذكرة النافعة لهم وصدق وعد الله بالبعث والجزاء على الأعمال.

اللهم اجعلنا من المسبّحين الذاكرين الحامدين الشاكرين، واجعل ألسنتنا رطبة بذكرك وقلوبنا حيّة بقرآنك ونفوسنا زكية بفضلك وإحسانك.

 

– يجب أن يبقى الإنسان مسبحاً لربّه {الأعلى (1)}، ومعظماً له على نعمه عليه في الحياة الدنيا، وبشاراته له بالعلم والتيسير، وعلى عدله في الآخرة وما أعدّه من الخير والنعيم لمن تزكى والعذاب الدائم في النار لمن آثر الحياة الدنيا، بعد تحذيره من الاغترار بالدنيا.

087.5.1- الأمر بالتسبيح وتنزيه الله جل وعلا، الذي خلق فأبدع، وصور فأحسن، وأخرج العشب، والنبات، رحمة بالعباد، وجعل ما فيه بقاؤهم؛ والذي أنزل القرآن ويسر حفظه وجعل فيه شريعة سمحة يسيرة تدعوا إلى كل ما فيه الفلاح والسعادة. الآيات (1-8)

 

087.5.2- الأمر بالتذكير بالقرآن الذي فيه فلاح الإنسان وسعادته بتزكية نفسه أي دوام تطهيرها بذكر اسم ربه وبالصلاة، وبالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة التي أمر الله بها في القرآن والصحف الأولى لكل الأمم (انظر تفاصيل الآيات 14-19). وسيتذكر أهل النفوس الزكية الذين يخشون ربهم، ويُعرض أهل الشقاوة الذين يُؤثرون الحياة الدنيا الفانية ولا يعبئون بالحياة الأبدية الباقية. الآيات (9-19)

087.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

تأمر السورة بأمرين، يجب على الإنسان القيام بهما لأن فيهما الخير الكثير والتزكية: الأوّل تسبيح اسم ربنا الأعلى وتنزيهه على نعمه العظيمة لأنه خلق فسوّى وقدر فهدى إلى الفلاح بالقرآن، والثاني التذكير بالقرآن وأنه جاء بالأمر بالتزكية وذكر الله والصلاة من أجل صلاح حياة الإنسان في الدنيا وسعادته في الآخرة.

087.6.1- الأمر الأول التسبيح، في الآيات (1-8):

087.6.1.0- الآية (1) يأمر تعالى تسبيح اسمه عز وعلا وتنزيهه عما لا يصح فيه، والانقياد لعزّته وصفات ملكه.

087.6.1.1- الآيات (2-5) ذكر صفات الله وقدراته، التي تظهر في أفعاله: فقد خلق فسوّى أي أتقن وأحسن، وقدّر فهدى كل مخلوق لما يناسب تقديره، وأخرج المرعى ليأكل الناس والأنعام.

087.6.1.2- الآيات (6-8) بشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم بأن الله سيعلمه علماً لن ينساه، إلا ما اقتضته حكمة الله بعلمه السر وأخفى. وأن الله سيوفقه للطريقة التي هي أيسر له في جميع أموره، وهي الشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذاً.

087.6.2- الأمر الثاني التذكرة، في الآيات (9-19): وقد بين سبحانه مسبقاً من ينتفع ومن لا ينتفع بالتذكرة {سيذكر من يخشى (10) ويتجنبها الأشقى (11)}.

087.6.2.1- الآيات (9-13) بعد كل هذه النعم والبشارات يأمره تعالى بأن يذكّر بشرعه وآياته ونعمه (المذكورة في الآيات السابقة (2-5)، وباليوم الآخر المذكور في الآيات اللاحقة (14-19)).

087.6.2.2- الآيات (14-19) الفلاح يوم القيامة يكون لمن طهّر نفسه ونقاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق، فوضع ربه نصب عينيه وسبح باسمه الأعلى وأقام له الصلاة تعظيماً. لكن جهل الإنسان يجعله يفضل الحياة الدنيا القصيرة لأنها حاضرة على حياة الخلود في الآخرة لأنها بعيدة. إن هذا المذكور في هذه السورة هو نفسه ما سبق ذكره في صحف إبراهيم وموسى، فشرع الله الذي فيه مصلحة الإنسان ثابت لا يتغير.

087.7 الشكل العام وسياق السورة:

087.7.1- إسم السورة {الأعلى} أي الأرفع من كل شيء، قدرةً وملكاً وسلطاناً، هو واحد من أسماء الله الحسنى يأمر تعالى بتسبيحه وتنزيهه عن شوائب النقص. تسبيحه على نعم الخلق والإتقان والهداية، فلكل مخلوق بيئته وفلكه أو مساره حسب تقدير الله؛ وعلى نعمة اليسر في الحياة والفوز في الآخرة، ونعمة الفلاح بالزكاة، وتعليم الشريعة كونها فيها مصالح الدارين، والإنذار من حب الدنيا وترك الآخرة. وقد فطر الله الكون كلّه على طاعته، فتجاوبت كل أرجاءه طاعة وتسبيحاً. وفيه تذكيراَ للإنسان بهذه الحقيقة وبدوره كجزء من الكون.

087.7.2- سياق السورة باعتبار موضوعات آياتها:

تأمر السورة الرسول الكريم (والمؤمنون) بأمرين الأوّل أن سبح اسم ربك الأعلى، والثاني أن ذكر إن نفعت الذكرى، أما باقي السورة فتشرح موجبات أو لماذا يجب على المأمورين أن يطيعوا بمقتضى هذين الأمرين، كما يلي:

087.7.2.1 الآيات (1-8) يأمر تعالى بأن سبح اسم ربك الأعلى (أي نزهه عن الشريك والنقائص تنزيهاً يليق بعظمته سبحانه)، لأنه:

087.7.2.1.1 هو الذي خلق المخلوقات، فأتقن خلقها، وأحسنه، والذي قدَّر فهدى كل خلق إلى ما يناسبه، والذي أنبت المرعى، فجعله بعد ذلك هشيماً جافاً.

087.7.2.1.2- يبشر بتحفيظ القرآن، وتيسير حفظه عليه، بحيث لا ينساه، إلا ما شاء الله مما اقتضت حكمته أن ينسيه لمصلحة يعلمها، إنه يعلم الجهر وما يخفى (من القول والعمل).

087.7.2.1.3- ونيسرك لليسرى في جميع أمورك.

087.7.2.2- الآيات (9-19) يأمر تعالى بالتذكير، لأجل أن:

087.7.2.2.1- سيتعظ الذي يخاف ربه؛ ويبتعد عن الذكرى الأشقى الذي سيدخل النار الكبرى خالداً فيها لا يموت، ولا يحيا حياة تنفعه.

087.7.2.2.2- قد فاز مَن طهر نفسه من الأخلاق السيئة، وذكر الله، وأقام الصلاة كما أمر الله.

087.7.2.2.3- أنتم تؤثرون الدنيا، فنذكركم بأن الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى.

087.7.2.2.4- شرع الله هذا الذي فيه مصلحة الإنسان ثابت لا يتغير، قد سبق ذكره في الصحف الأولى.

087.7.3- سياق السورة باعتبار مقصدها وهو الأمر بالتسبيح:

هذه السورة قائمة على أمر واحد هام ومحوري في حياة الإنسان وهو الأمر الذي ابتدأت به السورة في الآية الأولى: أي الأمر بأن يبقى الإنسان يسبح ربه (أي ينزهه عن كل عيب أو نقص، راجع المزيد من التفصيل عن التسبيح ومعنى التسبيح في السور المسبحة: 057.8.8 و 066.8.1) تسبيحاً لا يتوقف، يليق بكمال الله وجلاله، ودوام نعمته التي لا تتوقف على مخلوقاته، أما باقي السورة فهو في بيان علّة هذا التسبيح الدائم لاسم الرب الأعلى، كما يلي:

087.7.3.1- الآيات (2-5) خلق كل شيء (وخلق الإنسان) فسوى خلقه تسوية محكمة متسقة صادرة عن عالم، صُنعة حكيم. وقدر لكل مخلوق ما يصلحه، وهداه إليه وعرَّفه على وجه الانتفاع به، وأخرج من الأرض المرعى من صنوف النبات وما يستمر به بقاء الأحياء، ثم يذهب هذا المرعى ليعود في دورة تالية بتقدير الله وعظيم صنعه.

087.7.3.2- الآيات (6-13) بشارة للرسول النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، (سبّح) ربك الذي سيقرئك القرآن فيجعلك قارئاً له تحفظه ولا تنساه، وسيظل مقروءاً مأموناً عليه من الضياع أو النسيان، محفوظاً بحفظ الله، وهادياً للناس إلى قيام الساعة. وعدم النسيان من فضل الله وإحسانه ولو أراد تعالى أن ينسى هذا القرآن لقدر عليه.

وبشارة أخرى بأن هذا القرآن ليس فيه حرج وعسر، بل فيه شريعة سَّمحة سهلة، التي هي أيسر الشرائع وفيه الصلاح والسعادة، {فَذَكِّرْ} به عباد الله، وعظهم وحذرهم عقوبته، {سَيَذَّكَّرُ} ويقبل التذكرة وينتفع بها الذي يخاف الحساب والعقاب، {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} الذي يصلى العذاب في النار، فلا يهلك فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه.

087.7.3.3- الآيات (14-19) فلاح الإنسان وسعادته بتزكية نفسه أي دوام تطهيرها بذكر اسم ربه (المتضمن جميع صفات الكمال) وبالصلاة، الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة التي أمر الله بها في القرآن؛ يقابله خيبة الإنسان وتعاسته وشقاء نفسه بأن دسّاها بأعمال الفساد وسوء الخُلق ومعصية أوامر الله واقتراف نواهيه التي بينها في القرآن.

توبيخ للكافرين الذين يؤثرون الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، وعتاب على من فعل مثلهم من المسلمين. الكافرين الذين يؤثرون اللذات العاجلة الفانية فيسعون لتحصيلها. ويرضون بها ويعرضون عن التزكية وعن الآخرة الباقية بالكلية.

هذا المذكور في السورة، هو كلام قديم ثابت لا يتغير بتغير الأمم، مذكور في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.

087.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

087.7.4.1- آيات القصص: (16-19) = 4 آيات.

087.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (12-15) = 4 آيات.

087.7.4.3- آيات الله في السماوات والأرض: (2-5) = 4 آيات.

087.7.4.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1، 6-11) = 7 آيات.

087.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

087.8.0- سوة الأعلى هي الأولى من اثنتا عشرة (12) سورة متتالية ومتناسبة من الأعلى إلى البيّنة، تكمل بعضها بعضاً في أمر الإنسان بطاعة ربّه الذي خلقه فسوّاه فعدله وفي أحسن صورة ركّبه، وقد جعل له عقلاً رشيداً وقلباً بصيراً وجوارح تعمل بالمعروف وتطيع وتتبع الهدى وما يحقق لها السعادة والفوز في الدنيا والآخرة، وذلك بطاعة الله واتباع رسوله والعمل بكتابه وما فيه من العبادات والعمل الصالح والإنفاق وإطعام المسكين ومكابدة الهوى وتزكية النفس وكل ما جاء به الدين من إسلام وإيمان وإحسان. وقد سبقها سبع (7) سور متتالية ومتناسبة من عبس إلى الطارق، فيها عتاب شديد على المعرضين عن العلم بالقرآن والتذكرة، المكذّبين بيوم الدين والحساب، وتعجيب من شدّة كفرهم وإعراضهم عن التذكرة النافعة لهم وصدق وعد الله بالبعث والجزاء على الأعمال.

087.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: في سورة الطارق ذكر خلق النبات والإنسان في قوله‏: {والأَرض ذات الصدع} وقوله: {فلينظُرُ الإِنسانُ مِمَّ خُلِق} إلى {إِنَّهُ عَلى رجعهِ لقادر} وذكره في هذه السورة في قوله: {خَلقَ فسوى‏}‏ وقوله في النبات: {والَذي أَخرج المَرعى فجعَلهُ غُثاءً أَحوى} وقصة النبات في هذه السورة أبسط كما أن قصة الإنسان هناك أبسط، نعم ما في هذه السورة أعم من جهة شموله للإنسان وسائر المخلوقات.

087.8.2- وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لما قال سبحانه وتعالى مخبراً عن عمه الكفار في ظلام حيرتهم {إنهم يكيدون كيداً (15)} الطارق، وكان وقوع ذلك من العبيد المحاط بأعمالهم ودقائق أنفاسهم وأحوالهم من أقبح مرتكب وأبعده عن المعرفة بشيء من عظيم أمر الخالق جلّ جلاله وتعالى علاؤه وشأنه، أتبع سبحانه (في سورة الأعلى) ذلك بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتنزيه ربه الأعلى عن شنيع اعتداءاتهم وإفك افترائهم، فقال {سبح اسم ربك الأعلى (1)} أي نزهه عن قبيح مقالهم، وقدم التنبيه على التنزيه في أمثال هذا ونظائره ووقوع ذلك أثناء السور فيما بين سورة وأخرى، وأتبع سبحانه وتعالى من التعريف بعظيم قدرته وعليّ حكمته بما يبين ضلالهم فقال {الذي خلق فسوّى (2) والذي قدر فهدى (3)} فتبارك الله أحسن الخالقين، وتنزه عما يقوله المفترون.

– راجع تناسب سورة الحديد مع غيرها من السور (057.8). حول موضوعات: اسم الله الأعظم، والإنفاق في سبيل الله، والتسبيح في القرآن.

– راجع تناسب سورة الحديد مع غيرها من السور (057.8.8) حول التسبيح في القرآن.

– راجع تناسب سورة التحريم مع غيرها من السور (066.8). حول ترابط السور المسبحة مع بعضها، ومع ما تلاها من السور المدنية، ومع سورتي الإسراء والأعلى المكّيتين. ومع ما قبلها من بداية سورة الفاتحة حتى سورة الواقعة.

– راجع سورة البينة (098.8.5): تناسب الأعلى حتى البينة (اثنتا عشرة سورة). حول موضوع أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته وبما يحقق له السعادة والفوز.

– راجع كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن، مبحث: 7.3.3- سعادة الإنسان بالتزكية.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top