العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


080.0 سورة عبس


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


080.1 التعريف بالسورة:

1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 42 آية. 4) الثمانون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والرابعة والعشرون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “النجم”.  6) ليس لها أسماء أخرى.

7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: لم يذكر في السورة لفظ الجلالة {الله} ولا أي من أسمائه الحسنى ولا صفاته الفضلى ما عدا الفعل خلق 2 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: (1 مرّة): تصدّى، سفرة، مسفرة، قضباً، غلباً، أبّا، الصاخة، غبرة.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: يذّكر 4 مرّات؛ (2 مرّة) يزكى، خلق، صب، شق؛ عبس 1 مرّة.

080.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

080.3 وقت ومناسبة نزولها:

أخرج ابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس من ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة فيقول لهم أليس حسناً أن جئت بكذا وكذا؟ فيقولون: بلى والله، فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم فسأله فأعرض عنه، فأنزل الله {أما من استغنى (5) فأنت له تصدى (6) وما عليك ألا يزكى (7) وأما من جاءك يسعى (8) وهو يخشى (9) فأنت عنه تلهى (10)} يعني ابن أم مكتوم.

أجمع المحدثين والمفسرين على أن قدوم ابن أم مكتوم على الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعلّم منه كان مناسبة نزول هذه السورة. ومن هذه الحادثة نستطيع معرفة وقت نزول السورة، وهو أنها نزلت في وقت مبكر جداً في مكّة، كما يلي:

أولاً: حسب ما أخبر الحافظ ابن حجر والحافظ ابن كثير أن ابن أم مكتوم كان من أوائل من دخل الإسلام في مكّة.

ثانياً: بعض الأحاديث ترى أن ابن أم مكتوم كان قد دخل الإسلام فعلاً، وبعضها الآخر يرى أنه كان يميل إلى قبول الإسلام وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن الحقيقة. وقد فسّر ابن زيد كلمة {لعله يزكى} في الآية (3) أي لعله يسلم. وابن جرير فسّر الآيات (3-10) أن ابن ام مكتوم عندما أراد أن يتعلم الحقيقة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعتقد أنه المصدر الوحيد لإرشاده إليها، كما وأكدت الآية {أو يذّكّر فتنفعه الذكرى (4)} حقيقة أمر أنه أراد أن ينتفع علماً بمجيئه هذا {أو يذّكر فتنفعه الذكرى (4)}.

ثالثاً: أسماء الأشخاص الذين كانوا عند الرسول صلى الله عليه وسلم، جاءت في الأحاديث المختلفة ومنهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة، أبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، أميّة بن خلف، أبي بن خلف، والوليد بن المغيرة، وكانوا ألد أعداء الإسلام. هذا يدل على أن هذا الحدث حصل في الوقت الذي كان فيه هؤلاء الزعماء يقابلون الرسول صلى الله عليه وسلم يسمعون دعوته ويحاورونه فيها، أي قبل أن تستشري عداوتهم للإسلام له ويتوقفوا عن سماع كلامه.

080.4 مقصد السورة:

 

080.4.1- التأكيد على أن الأمر الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو التذكرة للناس جميعاً، بدون تمييز أو مفاضلة، لكي يزكوا أنفسهم بالقرآن: والذي فيه طاعة الله واتباع سبيله، لا فرق في دين الله لأحد على أحد إلا بالتقوى وخشية الله. فأما من سعى إلى الذكر فزكى نفسه فقد أفلح وفاز، وأما من أعرض واستغنى فقد خاب وخسر.

080.4.2- ومقصد السور نجده في الآيتين الثالثة والرابعة (3، 4) وفيهما أن الله خلق الإنسان لأجل أن يزّكّى أو يذكر فتنفعه الذكرى. والعلاقات الدنيوية مؤقتة، جعلت للدنيا فقط، ويوم القيامة لا يدري أحد ماذا يفعل به، كما في الآيات (34-37) من آخر السورة، وسوف تنتهي، وكلّ مشغول بنفسه، ولا ينجيه إلا عمله، فلا ينفع قريب، ولا يغني مال، ولا تنفع شفاعة، إلا بإذن الله.

ومعنى يزّكى: قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} الشمس. ففلاح الإنسان وسعادته بتزكية نفسه أي دوام تطهيرها بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة التي أمر الله بها في القرآن؛ يقابله خيبة الإنسان وتعاسته وشقاء نفسه بأن دسّاها بأعمال الفساد وسوء الخُلق ومعصية أوامر الله واقتراف نواهيه التي بينها في القرآن. وفي الحديث: قال صلى الله عليه وسلم” … الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَك أَوْ عَلَيْك، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا”. رَوَاهُ مُسْلِم.

080.4.3- وقال البقاعي: سورة عبس وتسمى الصاخة، مقصودها شرح {إنما أنت منذر من يخشاها (45)} النازعات، بأن المراد الأعظم تزكية القابل للخشية بالتخويف بالقيامة التي قام الدليل على القدرة عليها بابتداء الخلق من الإنسان، وبكل من الابتداء والإعادة لطعامه والتعجيب ممن أعرض مع قيام الدليل، والإشارة إلى أن الاستغناء والترف أمارة الإعراض وعدم القابلية والتهيؤ للكفر والفجور، وإلى أن المصائب أمارة للطهارة والإقبال واستكانة القلوب وسمو النفوس لشريف الأعمال، فكل من كان فيها أرسخ كان قلبه أرق وألطف فكان أخشى، فكان الإقبال عليه أحب وأولى، واسمها {عبس} هو الدال على ذلك بتأمل آياته وتدبر فواصله وغاياته، وكذا الصاخة النافخة بشرها وشررها والباخة.

080.5 ملخص موضوع السورة:

نزلت في وقت مبكر جداً في مكّة، ومقصدها هو التأكيد بأن الأمر الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو التذكرة للناس جميعاً، دون تمييز أو مفاضلة، لكي يزكّوا أنفسهم بالقرآن: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)}، أي تزكو نفسه وتتطهر وينتفع بالذكرى. والزكاة هي تقرّب العبد إلى ربّه بما افترضه عليه، وهي درجات أعلاها محبة الله، ونقيضها الكفر في قوله: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)} أي هلك، وهو دعاء عليه بالقتل باختياره سبيل اللعنة والعذاب بدل سبيل الرحمة والنعيم.

وتضمنت ثلاث مجموعات من الآيات: الأولى (16 آية) فيها الإعلام بأن الله أنزل الذكر لكي يزكّي الإنسان نفسه فيحقق لها السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وأنهم مخيّرون ومحاسبون ومجازون بمقدار سعيهم وخشيتهم وإقبالهم على القرآن واتّباعهم، الثانية (16 آية) فيها التعجيب من شدّة كفر الإنسان مع وضوح الدليل على وحدانية الله وقدرته على الخلق وتيسير سبل العيش والبعث والحساب، الثالثة (10 آيات) الإنذار والتهديد بالبعث الذي يذهل فيه المرء عن أقرب أقربائه، ولن ينجيه إلا إيمانه وعمله الصالح، كما يلي:

(الآيات 1-16): بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم منشغلاً بدعوة بعض كبار قريش إلى الإسلام، جاءه أحد المؤمنين (وهو عبد الله بن أم مكتوم) يسأل ويتعلم، فأعرض عليه السلام عنه طمعاً في إسلام أكابر الكفار، فعاتبه الله عتاباً لطيفاً لأنه لا يدري {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)}، فلا ينبغي أن يتعرض للمستغني (بثروته وجاهه) ويترك من جاء يسعى وهو يخشى الله ويتقيه طالباً العلم حريصاً عليه، فإن تبليغ هذا القرآن وهذا العلم والتذكرة بدون تمييز هو حق مثبت في اللوح المحفوظ {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)} أي شاء فاختار إمّا الفجور أو التزكية.

(الآيات 17-32): ما أشدَّ كفر الإنسان بربّه! ألم ير أن الله خلقه فقدَّره أطواراً، ثم بين له طريق الخير والشر، ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أحياه وبعثه للحساب والجزاء، لكن ليس قبل أن يقض ما قدّره الله وأمره به من الإيمان والعمل، فلا تستعجلوا النشور، فكلّ له وقته المقدّر في أمر الله، فليتدبّر الإنسان كيف خلق الله طعامه: بأن صبّ الماء ثمّ شقّ الأرض، فأنبت فيها حباً وعنباً وعلفاً للدواب، وزيتوناً ونخلاً وحدائق عظيمة، وثماراً وكلأ، متاعاً لهم ولأنعامهم.

(الآيات 33-42): فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ الأسماع، يوم يفرُّ المرء من أخيه، وأمّه وأبيه، وزوجه وبنيه، لكل واحد منهم يومئذٍ شأن يغنيه عن الانشغال بغيره، فوجوه أهل النعيم في ذلك اليوم ضاحكة مستبشرة، ووجوه أهل الجحيم عليها غبرة وتغشاها ذلَّة أولئك هم الكفرة الفجرة.

وهكذا لمّا أعلمت عن تميّز الإنسان بقدرته على التعّلم والزكاة بلا حدود، وعاتبته بلطف، ليعلم أن الله خلقه ليكرمه بالعقل والزكاة لا فرق لشريف على فقير، وأن هذا قضاءه المكتوب {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)}، ولمّا أعقبه إعراض الكافرين عن دعوة القرآن بسبب إنكارهم البعث والنشور، وبالتالي استمرار جحودهم مع كثرة نعم الله تعالى عليهم، اختتمت بتهديد ووعيد شديد بالصاخّة التي استدلّ على إثباتها بخلقهم وطعامهم ومتاعهم، وحذّرت من أهوالها، يوم يفر المرء من أقرب الناس إليه، وما يعقبها من ثواب المتقين وعقاب الجاحدين.

اللهم اجعلنا ممن يتزكّى ويتذكّر فتنفعه الذكرى، وممن قلت عنهم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)}، آمين.

080.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:

باعتبار ترتيب آياتها، وكذلك من مناسبة النزول احتوت السورة على ثلاث موضوعات في خمس مجموعات من الآيات تتحدث عن أن الأمر الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو التذكرة للناس جميعاً بدون تمييز أو مفاضلة لكي يزكّوا أنفسهم بالقرآن. ثم وأن الناس نوعين مستغني عن الزكاة أو ساعي لها. ثمّ تذمّ وتعجب من إفراط الإنسان في كفران نعم الله عليه، فيتكبّر ولا يتذكر: لا بالقرآن ولا بأصل خلقته ولا نعم الله عليه حتى يفاجئه الحساب والجزاء على ما قدّم من عمل، كما يلي:

080.6.1- الآيات (1-4) تسأل الآيات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله يزّكى؟ وفي هذا السؤال تأكيد على أن الأمر الذي جاء به هو التذكرة لجميع الناس بدون تمييز أو مفاضلة، فالرسول لا يدري من يشاء الزكاة لنفسه ممن لم يشاء؟ ومن باب أولى أن لا أحد من الناس يستطيع أن يحكم على ما في قلوب العباد، ولا أن يزكي على الله أحداً من خلقه، ولا أن يفاضل بينهم في الدعوة إلى الله أو التذكرة، فالكل سواء في هذا الأمر.

080.6.2- الآيات (5-10) تأكيد أن الناس نوعين: كافر منكر للبعث مستغني عن زكاة نفسه بالانشغال بنعيم الدنيا، ومقبل على التذكرة ويسعى إلى التزكية يخشى الله ولا تلهيه الدنيا.

080.6.3- الآيات (11-16) تأكيد على أن الغرض من نزول الوحي بهذه السورة (وبالقرآن) هو التذكرة من أجل التمييز والفصل بين من شاء الكفر وبين من شاء الإيمان، وأن كل فرد مسؤول عن نفسه، حرّ في اختيار إحدى السبيلين، فإما الفجور أو التزكية.

فالأمر ليس كما فعل الرسول، بل السورة موعظة لكل من شاء الاتعاظ، فمن شاء ذكر الله وَاتبع وحيه، وهو القرآن في صحف مكرّمة، عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة والنقص، بأيدي ملائكة كرام برره، سفراء بين الله وخلقه.

080.6.4- الآيات (17-32) تأكيد شدّة كفر الإنسان مع وضوح الدليل على البعث والحساب، لهذا كانت التذكرة هنا بأقرب الأشياء إليه، وهي خلق الإنسان نفسه ونعم الله عليه، كما يلي:

080.6.4.1- الآيات (17-23) التذكرة والدليل على البعث والحساب من خلق الإِنسان أوّل مرّة:

ما أشدَّ كفر الإنسان بربه!! ألم ير أن الله خلقه من نطفة، فقدَّره أطواراً، ثم بين له طريق الخير والشر، ثم أماته فجعل له مكاناً يُقبر فيه، ثم إذا شاء سبحانه أحياه، وبعثه بعد موته للحساب والجزاء. كلا فلم يُؤَدِّ ما أمره الله به من الإيمان والعمل بطاعته.

وجاء هذا الدليل لأن إنكار البعث هو من أعظم أسباب إعراض المشركين عن دعوة القرآن توهماً منهم بأنه يدعو إلى المحال، وبالتالي استمرار جحود الإنسان، وكفره الفاحش بربه مع كثرة نعم الله تعالى عليه.

080.6.4.2- (24-32) واستدل بعده بإخراج النبات والأشجار من أرض ميتة.

فليتدبر الإنسان: كيف خلق الله طعامه بأن صببنا الماء على الأرض صَبّاً، ثم شقّت بما أخرج منها من نبات شتى، فأنبت فيها حباً، وعنباً وعلفاً للدواب، وزيتوناً ونخلا وحدائق عظيمة الأشجار، وثماراً وكلأ، يَنْعَمون بها هم وأنعامهم.

080.6.5- (33-42) الإنذار بحلول الساعة والتحذير من أهوالها وبما يعقبها من ثواب المتقين وعقاب الجاحدين.

080.6.5.1- الآيات (33-37) أهوال يوم البعث: فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ الأسماع، يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه، وأمه وأبيه، وزوجه وبنيه. لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله ويمنعه من الانشغال بغيره.

080.6.5.2- الآيات (38-42) المصير الأخير: وجوه أهل النعيم في ذلك اليوم مستنيرة، مسرورة فرحة؛ ووجوه أهل الجحيم مظلمة مسودَّة، تغشاها ذلَّة، أولئك هم الكفرة الفجرة.

080.7 الشكل العام وسياق السورة:

080.7.1- إسم السورة “عبس” وهي تصف الرسول صلى الله عليه وسلم وتوليّه عمن جاء يسأل عن الحق، ومن ثمّ تدخّل الحق سبحانه وتعالى وعتابه: أنه لا ينبغي للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتعرض للغني الذي لا يبدي رغبة في سماع الخير، مع تركه من هو أهم منه وجاء طالباً الموعظة ولو كان فقيراً. وفيه تعليم الإنسان كيف يزن الأمور ويقدرها حق قدرها أثناء تعامله مع أخيه الإنسان، في الإرشاد إلى سبيل الله والوقاية من النار. تسَمَّى ‏أَيضاً‏‏ ‏الصَّاخَّةُ‏‏، ‏والسَّفَرَةُ‎.

080.7.2- سياق السورة باعتبار ترتيب آياتها ومناسبة نزولها:

ابتدأت السورة الكريمة بذكر قصة الأعمى (عبد الله بن أم مكتوم) الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول مع جماعة من كبراء قريش، يدعوهم إلى الإسلام، فعبس صلى الله عليه وسلم في وجهه وأعرض عنه، فنزل القرآن بالعتاب. ثم بعد الحادثة التي شغلت النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات إلى رغبة ابن أم مكتوم بسماع الذكر. ثمّ تحدثت عن جحود الإنسان، وكفره الفاحش بربه رغم التذكرة، ومع كثرة نعم الله تعالى عليه. ثم أنذرته بالصاخة التي يذهل فيها المرء عن أقرب أقرباءه.

080.7.2.1- الآيات (1-10) عاتب الله نبيّه صلى الله عليه وسلّم عتاب لطيف بسبب ميله إلى وإصغائه لزعماء قريش طمعاً في إسلامهم بسبب نفوذهم في قومهم ورجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، وتشاغله عن الأعمى الذي جاءه يسعى طالباً منه إرشاده إلى الخير ورغبة في سماع الموعظة. حيث بين له تعالى أن إقبالك على من جاء بنفسه مفتقراً إلى الموعظة منك، هو الواجب، أما تعرضك للمستغني الذي لا يسأل ولا يستفتي لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أهم منه، فإنه لا ينبغي لك.

080.7.2.2- الآيات (11-16) بيان أن هذه الآيات أو السورة موعظة حقها أن تتعظ بها وتقبلها وتعمل بموجبها ويعمل بها كلّ أمتك.

080.7.2.3- الآيات (17-32) بدأت الآيات تذمّ وتعجب من إفراط الإنسان في كفران نعم الله وتدعوا عليه بالقتل. ثم تصف حاله من ابتداء خلقه من شيء حقير مهين، ثمّ غمره بالنعم التي لا حصر لها، بينما هو غارق في الكفر واللامبالاة والغفلة عما يتقلب فيه، وإلى ما يجب عليه من القيام به وهو تزكية نفسه. لقد هداه الله وبين له سبيل الخير والشر وأنعم عليه بالماء والطعام والفواكه من مختلف الأنواع والأشكال، وامتن عليه بالمتاع له ولأنعامه لكيلا ينشغل، ليتفرّغ لما أمر به من التزكية.

080.7.2.4- الآيات (33-42) إنذار لكي يفيق الإنسان من غفلته وكفره، إلى الحقيقة التي أمر بالاستعداد لها بزكاة نفسه، وقبل أن تفاجئه صيحة القيامة، التي تصخّ لهولها الأسماع، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ويفرّ المرء من أقرب الناس إليه، لأن الكل مشغول بنفسه يكفيه ما هو فيه، يترقب مصيره، فترى وجوهاً سعيدة ضاحكة مستبشرة، ووجوهاً شقيّة عليها غبرة وترهقها قترة.

080.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعات الآيات:

احتوت السورة على مجموعتين من الآيات: الأولى فيها الإعلام بأن الله خلق الإنسان وأنزل عليه الذكر لكي يزكي نفسه فيحقق لها السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، لكن (المجموعة الثانية) أكثر الناس أعرضوا وأفسدوا في الأرض فشقوا وخسروا. والمجموعة الثانية فيها بيان صفات الإنسان بإعراضه وكفره وشدة جحوده، وبيان علاج السورة لهذا الإعراض والجحود: بإنزال القرآن تذكرة، وبالاستدلال بنعم الله المحسوسة على وجود المنعم، وبالوعد والوعيد بالبعث والحساب والجزاء على الأعمال يوم القيامة.

080.7.3.1- الآيات (1-10) تقرير أن الله خلق الإنسان وأنزل عليه الذكر لكي يزكي نفسه فيحقق لها السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، (لكن أكثر الناس أعرضوا وأفسدوا في الأرض فشقوا وخسروا).

تؤكد السورة أن الله خلق الناس سواسية أحراراً، وأرسل إليهم المرسلين بالتذكرة، وبأنهم في الحياة الدنيا مبتلون ومحاسبون على أعمالهم؛ فأما من سعى إلى الذكر فزكى نفسه فقد أفلح وفاز، وأما من أعرض واستغنى فقد خاب وخسر؛ لا فرق في دين الله لأحد على أحد إلا بخشية الله والتقوى.

080.7.3.2- الآيات (11-42) تقرير صفة الإعراض وشدة الجحود عند الإنسان، وعلاج السورة لهذا الإعراض والجحود بإنزال القرآن تذكرة، وبالاستدلال بنعم الله المحسوسة على وجود المنعم، وبالوعد والوعيد بالبعث والحساب والجزاء على الأعمال يوم القيامة.

خلق الله الإنسان ليكرمه وينعّمه إن هو أطاع الله في ملكه، فزكى نفسه ولم يعصيه بالفساد وسوء الخلق. من أجل ذلك جعله الله في الدنيا التي هي دار عمل ليبتليه. وأنزل إليه الوحي بكلماته ليذكره بمقصد وجوده، كما يلي:

080.7.3.2.1- الآيات (11-16) نزول الوحي بالقرآن من أجل التذكرة للمتذكرين بمقصد وجودهم، وهو التزكية بطاعة أوامر الله واجتناب نواهيه وبالعبادات والتكاليف. وأن كل فرد مسؤول عن نفسه، حرّ في اختيار إحدى السبيلين، فإما سبيل الفجور أو سبيل التزكية.

080.7.3.2.2- الآيات (17-32) تعديد النِّعم الظاهرة والمحسوسة التي يمكن بها الاستدلال على الموجد المنعم والقيام بشكره وطاعته واتباع هديه. وهي خلق الإِنسان أوّل مرّة، وأحواله في نفسه، ثم ما هيّأه له مما لا يمكن حياته إلا به من إنزال المطر وخلق الطعام والمتاع له ولأنعامه.

080.7.3.3- الآيات (33-42) الوعد والوعيد بالبعث والحساب والجزاء على الأعمال يوم القيامة. ذلك اليوم العصيب الذي لا يدري فيه أحد، قوي أو ضعيف غني أو فقير، ماذا يفعل به، وكلّ مشغول بنفسه، ولا ينجيه إلا عمله، فلا ينفع قريب، ولا يغني مال، ولا تنفع شفاعة، إلا بإذن الله.

080.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

080.7.4.1- آيات القصص: (1-10) = 10 آيات.

080.7.4.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (33-42) = 10 آية.

080.7.4.3- آيات الله في السماوات والأرض: (18-32) = 15 آيات.

080.7.4.4- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (11-17) = 7 آيات.

080.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

080.8.0- وهي الأولى من سبع سور متتالية ومتناسبة من عبس إلى الطارق، فيها عتاب شديد على للإنسان المعرض عن التذكرة، المقصّر في حق ربه، والمتجرّء على مساخطه، والمكذب لرسالته، وتعجب من شدّة كفرهم بالتذكرة النافعة لهم وصدق وعد الله لهم بالبعث والجزاء على الأعمال. وقد سبقتها خمس سور متتالية ومتناسبة من القيامة إلى النازعات، مقصدها البرهان على قيام السّاعة وإبطال اعتقادهم باستحالة البعث والحساب على الأعمال، عن طريق الإشارة إلى نعم الله التي لا تحصى وآياته في الكون والإشارة إلى سنّته في خلق الموت والحياة وإخراج الحيّ من الميت وأن الذي خلقهم وفطرهم أول مرّة قادر على إعادتهم وبعثهم للحساب والجزاء وهو أهون عليه، وتضمنت ذكر تفاصيل عن أحداث الموت والبعث وبالتخويف والترهيب من أهوال يوم القيامة.

080.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه وضعها عقب النازعات مع تآخيهما في المقطع لقوله هناك: {فإِذا جاءتِ الطامة} وقوله هنا: {فإِذا جاءت الصاخة}‏ وهما من أسماء يوم القيامة.

080.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال سبحانه {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى (26)} النازعات، وقال بعد {إنما أنت منذر من يخشاها (45)} النازعات، افتتحت هذه السورة الأخرى بمثال يكشف عن المقصود من حال أهل التذكر والخشية وجميل الاعتناء الرباني بهم وأنهم وإن كانوا في دنياهم ذوي خمول لا يؤبه لهم فهم عنده سبحانه في عداد من اختاره لعبادته وأهله لطاعته وإجابة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلى منزلته لديه “رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره” ومنهم ابن أم مكتوم الأعمى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي بسببه نزلت السورة ووردت بطريق العتب وصاة لنبيه صلى الله عليه وسلم وتنبيهاً على أن يعمل نفسه الكريمة على مصابرة أمثال ابن أم مكتوم وأن لا يحتقر وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولكن التحذير من هذا وإن لم يكن وقع يشعر بعظيم الاعتناء بمن حذر، ومنه قوله سبحانه {لئن أشركت ليحبطن عملك (65)} الزمر، و {لا تدع مع الله إلهاً آخر (88)} ص، و {لا تمش في الأرض مرحاً (18)} لقمان، وهو كثير، وبسط هذا الضرب لا يلائم مقصودنا في هذا التعليق، لما دخل عليه صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم سائلاً ومسترشداً وهو صلى الله عليه وسلم يكلم رجلاً من أشراف قريش وقد طمع في إسلامه ورجاء إنقاذه من النار وإنقاذ ذويه وأتباعه، فتمادى على طلبه هذا الرجل لما كان يرجوه ووكل ابن أم مكتوم إلى إيمانه فأغفل فورية مجاوبته وشق عليه إلحاحه خوفاً من تفلت الآخرة ومضيه على عقبه وهلاكه عتب سبحانه وتعالى عليه فقال: {عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى (2) وما يدريك لعله يزكى (3) أو يذكر … (4)} عبس، وهي منه سبحانه واجبة، وقد تقدم في السورة قبل قول موسى عليه الصلاة والسلام {هل لك إلى أن تزكى (18)} النازعات، فلم يقدر له بذلك ولا انتفع ببعد صيته في دنياه ولا أغنى عنه ما نال منها وبارت مواد تدبيره وعميت عليه الأنباء إلى أن قال {ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى (38)} القصص، {وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل (37)} غافر، فأنى يزكى؟ ولو سبقت له سعادة لأبصر من حاله عين اللهو وللعب حين مقالته الشنعاء {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين (52)} الزخرف. ولما سبقت لابن أم مكتوم الحسنى لم يضره عدم الصيت الدنياوي ولا أخل به عماه بل عظّم ربه شأنه لما نزل في حقه {وما يدريك لعله يزكى (3) أو يذكر فتنفعه الذكرى (4)} عبس، فيا له صيتاً ما أجله بخلاف من قدم ذكره ممن طرد فلم يتزك ولم ينتفع بالذكرى حين قصد بها {إنما أنت منذر من يخشاها (45)} النازعات، كابن أم مكتوم، ومن نمط ما نزل في ابن أم مكتوم قوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه (28)} الكهف، وقوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه (52)} الأنعام، فتبارك ربنا ما أعظم لطفه بعبيده، اللهم لا تؤيسنا من رحمتك ولا تقنطنا من لطفك ولا تقطع بنا عنك بمنك وإحسانك.

راجع تناسب سورة الانفطار مع غيرها من السور (082.8.1) حول تناسب السور عبس والتكوير والانفطار مع بعضها.

انظر كذلك: كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: 7.3.3.1- أرسل الله المرسلين من أجل تزكية المؤمنين بالإضافة إلى تعليمهم الكتاب والحكمة وتعليمهم مالم يكونوا يعلمون.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top