العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)


016.0 سورة النحل


ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا


016.1 التعريف بالسورة:

1) مكية ماعدا من الآية 126 إلى الآية 128 فمدنية. 2) من المئين. 3) آياتها 128 آية. 4) هي السورة السادسة عشرة من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثالثة والسبعون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “الكهف”. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمّى أيضاً سورة النعم. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:

ورد لفظ الجلالة {الله} في السورة 75 مرّة، {لله} 9 مرّات، إله 3 مرّات، رب 20 مرّة، أنزل 10 مرّات؛ (9 مرّات): خلق، أنعم؛ هو 7 مرات، رحيم 6 مرّات: (4 مرّات): غفور، يَعْلَم؛ (3 مرّات): أعلم، بعث؛ (2 مرّة): واحد، عليم، قدير، عفو، يبين، فضّل، تعالى؛ (1 مرّة): عزيز، يحكم، حكيم، هَدى، يهدي، نحيي، كفيل، كاشف، ذرأ، نبلو، مخرج؛ انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.

السورة الوحيدة التي تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): النحل، دفء، البغال، فرث، غزلها، يتفيّأ، فخرّ، واصباً، تسيمون، مملوك، حفدة، جو السماء، ظعنكم، أصوافها، أوبارها، أشعارها؛ وتكررت هذه الآية في سورتين فقط إبراهيم والنحل {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا (18)} النحل، والآية (34) سورة إبراهيم.

هي أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: حسن 12 مرّة؛ نعمة 9 مرّات؛ سخر 4 مرّات، هي وإبراهيم؛ (3 مرّات): يتفكرون، {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً}؛ (2 مرّة): سرابيل.

تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (14 مرّة): جعل؛ (11 مرّة): خلق، كفر، يؤمنون، عذاب، شرك؛ (10 مرّات): الأرض، رزق؛ (9 مرّات): الكذب؛ (6 مرات): متقين؛ (5 مرّات): السماوات، أرسل؛ (4 مرّات): تشكرون، مستكبرون، طيب، ضرب، هدى، بشرى؛ (3 مرّات): أنعام، أوزار، الثمرات، يذكرون، مكر، سمع، يسرون، بيوت، يشعرون؛ (2 مرّة): أتى، الملائكة، الروح، الضر، دآبة، صراط مستقيم، رجالاً، يسجد، ساعة، أجل، سبل، أزواج، الشيطان، سلطان، رحمة، لسان، لماً، حلال، إبراهيم، حنيفاً؛ (1 مرّة): قرآن، طاغوت، منافع، ولنعم، الزبر، أسلكي، كلمح، بنات، أرذل، بنين، شفاء.

016.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:

قال قتادة: تسمّى سورة النعم أخرجه ابن أبي حاتم. لما عدد الله فيها من النعم على عباده.

قال بن مسعود: أعدل آية في القرآن، وأجمع آية للخير والشرّ هي هذه الآية {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون (90)}.

016.3 وقت ومناسبة نزولها:

نزلت السورة في المرحلة الأخيرة من العهد المكّي مستهلّة بالردّ على استعجال المشركين طلب العذاب في أوّل آية: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)}. فقد كان المشركون يستعجلون الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، استعجالاً واستهزاءً واستهتاراً، غير مصدقين ولا مدركين حكمة الله في إمهالهم، ورحمته في إنظارهم إلى أجل مسمّى ليقيم عليهم الحجة البالغة.

وتشير الآية: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا (41)} إلى أنها نزلت بعد أن هاجر بعض المسلمين إلى الحبشة بسبب الظلم الواقع عليهم في مكّة؛ والآية: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (106)} على أن اضطهاد المسلمين وصل ذروته حتى صار بعضهم يتلفّظون بالكفر وهم مكرهون. وتشير الآية: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)} وآيتان بعدها إلى نهاية السبع سنوات من الجوع التي أصابت مكّة بعد عدّة سنوات من بعثة محمد عليه الصلاة والسلام. وتتحدث الآيتان (116، 118) عن افترائهم على الله الكذب بقولهم هذا حلال وهذا حرام، وهو نفس موضوع الآيتين (145، 146) من سورة الأنعام، مما يعني أنهما نزلتا في نفس الفترة، ويؤكده أيضاً حديثهما عن توحيد الله ونعمه التي لا تحصى وغزارة معانيهما وأسلوبهما في البيان.

016.4 مقصد السورة:

016.4.1- مقصد السورة: إرادة الله ومشيئته بخلق الكون ووقوع قضاءه فيه وفق سننه وتقديره. وهي لا تحتاج إلى تأكيد، فآياتها في الكون (فعله) وفي القرآن (كلامه). يأمر الله عباده المؤمنين بتقواه وحده لا شريك له، ويبشرهم بالمغفرة والأجر الحسن في الدنيا والآخرة. وينزه نفسه عن الشركاء ويتوعد الكافرين والمشركين بأن الساعة قد قربت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا (في حينه المقدر).

016.4.2- ومقصدها نجده في الآيتين الأوليين، فهما مقدمة عن مقصدها وجميع موضوعاتها، والمتمثلة في أمر الله الناس بالتوحيد والتقوى {أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)}. كما وعادت أيضاً ولخصت مقصدها في الآية الأخيرة وهي {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}. أي أنها في مقدمتها كما هو الحال في خاتمتها، جاء تلخيص مقصدها الذي هو: (في أنه) لا مفر من توحيد الله وتقواه، لأن خلق الإنسان وفطرته قامت على هذا المقصد، وكل ما في الكون يسير وفق الأسباب والسنن التي خلقها الله فيه. فمن أطاع الله وافق الفطرة وحصل على معيته وإحسانه، ومن عصى الله فقد خالف الفطرة وعرّض أو وضع نفسه تحت العقاب والعذاب.

والمتقون هم الذين يخافون الله ويتبعون أحكامه. وكلمة {للمتقين} تعني: الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار، أو الصائرين إلى الهدى بامتثال الأوامر والمتقين النار (عقاب ربهم) باجتناب النواهي. (انظر مقصد سورة البقرة)

016.4.3- مقصد السورة ومواضيعها هو أمر الله تعالى ووعيده لفئتين من الناس، بأمرين لكل فئة منهما، والذي لخصته الآيتين الأوليين، كما يلي:

016.4.3.1- أمر الله لعباده المؤمنين: بالإيمان بالله وحده لا شريك له وتنزيهه عن الشركاء، أولاً، ثم بالتقوى ثانياً، (أي باتباع دينه وهديه، وإطاعة أوامره واجتناب نواهيه، والعيش في أمان وسلام متمتعين بمعيته سبحانه لهم وبنعمته عليهم حلالاً طيباً كما أمر. فالله مع الذين اتقوا وأحسنوا العمل).

016.4.3.2- وعيد من الله لأهل الشرك به: أولاً بأن نزه سبحانه وتعالى نفسه عن الشرك، وثانياً أخبرهم أن الساعة قد قَرُبت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا، فنهاهم عن استعجاله.

وقد أنزل سبحانه بذلك ملائكته بالوحي منذرين. فكانت هاتين الآيتين أيضاً، بمثابة العنوان المناسب وبراعة الاستهلال لما تلاهما من الآيات التي احتوت على مزيد من البيان والتفصيل والإيضاح عن مقصد السورة وموضوعاتها.

016.4.4- أتى أمر الله المنزه عن الشرك المتعالي عما يشركون. الله الذي لا يدع الناس إلى ضلالهم وأوهامهم إنما هو ينزل عليهم من السماء ما يحييهم وينجيهم، وهو ما نزلت به الملائكة على من يشاء من عباده.

وقال السعدي: وزبدة دعوة الرسل كلهم ومدارها على قوله: {أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2)}. أي: على معرفة الله تعالى وتوحده في صفات العظمة وهي صفات الألوهيّة وعبادته وحده لا شريك له، فهي التي أنزل الله بها كتبه وأرسل رسله، وجعل الشرائع كلّها تدعوا إليها، وتحث وتجاهد من حاربها وقام بضدها. وقال أيضاً: ومن أسماء السورة “سورة النعم”، فإن الله ذكر في أولها أصول النعم وقواعدها، وفي آخرها متمماتها ومكملاتها، فأخبر أنه خلق السماوات والأرض بالحق، ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما، وما له من نعوت الكمال ويعلموا أنه خلقهما مسكناً لعباده الذين يعبدونه، بما يأمرهم به في الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله، ولهذا نزّه نفسه عن شرك المشركين به فقال: {تعالى عما يشركون (1)} أي: تنزّه وتعاظم عن شركهم فإنه الإله حقاً الذي لا تنبغي العبادة والحب والذل إلا له سبحانه وتعالى.

016.4.5- على الإنسان أن يختار ما اختاره الله له وأمره به وهو التقوى: أي باتباع دينه وهديه، وإطاعة أوامره واجتناب نواهيه، لأن هذا الاختيار هو من أمر الله وهو الحق وفيه الخير وفيه النجاة، وفيه معية الله الخالق وحده لا شريك له ونعمه التي لا تحصى، التي يديمها باتباع هديه المنزل وموافقة فطرته ويزيلها بمخالفة أمره. وهذه كلها أسباب أقامها الله ولو شاء لأقام أسباب غيرها أو أغنى عن الأسباب.

بينت السورة أن كل ما يدركه الإنسان بسمعه وبصره وبحواسه والكثير مما لا يدركه هو آية ودليل على حصول أمر الله بإيجاد هذا الكون الذي نحن نعيشه، وبما فيه من التدابير والأسباب والنتائج ويستدل الناس بهذه الآيات على عظمة الله الخالق والمدبر والحافظ لهذا الكون وحده لا شريك له. أراد سبحانه لهذا الكون أن يكون فكان كما قال سبحانه {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له: كن. فيكون (40)}. وأراد سبحانه أن يكرم الإنسان، وينعمه بالأمان والسلام والوحي والعبادة والكتاب والرسالة والرزق وتسخير المخلوقات وغيره الكثير مما ذكرته السورة. كل ما خلقه الله لأجل الإنسان فهو نعمة، وهو آية، ونعم الله لا تحصى {وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها (18)}، وآياته لا حصر لها، فاهتدوا بهداها أيها الناس لكي تؤمنوا وتفوزوا، واستخدموها في طاعته سبحانه كي تدوم، وانعموا بوجودها كما فعلت النحل، واشكروه عليها، فهو يديمها بالشكر والإيمان ويزيلها بالكفر والنكران.

016.4.6- وقال الإمام البقاعي: مقصودها الدلالة على أنه تعالى تام القدرة والعلم، فاعل بالاختيار، منزه عن شوائب النقص، وأدل ما فيها على هذا المعنى: أمر النحل لما ذكر من شأنها من دقة الفهم في ترتيب بيوتها ورعيها وسائر أمرها وما يخرج منها من أعسالها، وجعله شفاء مع أكلها من الثمار النافعة والضارة، وغير ذلك من الأمور، ووسمها بالنعم واضح في ذلك.

016.5 ملخص موضوع السورة:

ومقصد السورة الذي استهلّ به في الآيتين الأوليين هو أن الله يأمر عباده المؤمنين بتقواه وحده لا شريك له {أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)}، ويبشرهم بالمغفرة والأجر الحسن في الدنيا والآخرة، وينزه نفسه عن الشركاء ويتوعد الكافرين والمشركين بأن الساعة قد قربت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا في حينه المقدّر؛ وقد عادت ولخّصت مقصدها في الآية الأخيرة بقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}.

016.5.1- واحتوت السورة باعتبار ترتيب آياتها على عشر (10) موضوعات يبدأ كل منها بعنوان من آيتين أو ثلاث يتبعها شرح أو آيات كونية أو مثال أو قصة، كما يلي:

أولاً الآيتان (1، 2): أمر الله عباده بالتوحيد والتقوى وعدم الشرك، يتبعهما (16) آية فيها بيان مخلوقات الله، للتدبر وأخذ العبر، واستخدام العقل للتفكر في أن الله خلق كل شيء، وبيان نعمه التي لا تحصى على الإنسان في الدنيا، وتسخير المخلوقات له، وجعله جميع الأسباب مواتية لحياة الناس، وموافقة لفطرتهم، وإلا لما استطاعوا الحياة على الأرض، وبيان آياته في السماوات والأرض، الدالة على وحدانيته، وعلى وجوب تقواه وشكره، واجتناب الإشراك به.

ثانياً الآيات (19-21): الإنسان جاهل وظالم لنفسه، فهو ينكر ويترك من يعلم السر والعلن ويخلق كل شيء، ويدعو أمواتاً لا يشعرون، ويخلقون ولا يخلقون. يتبعها (13) آية ببيان عبادة الله وإتباع دينه الذي هو نعمة للدنيا والآخرة، فالمكذبون والمنكرون أهلكهم الله في الدنيا بما عملوا، وأدخلوا جهنم في الآخرة، والمتقون لهم في الدنيا حسنة وأدخلهم الله الجنة في الآخرة.

ثالثاً الآيتان (35، 36): إرسال الرسل تأمر الأمم بعبادة الله واجتناب الطاغوت، يتبعهما (14) آية ببيان نتيجة دعوة الرسل، بأن من الناس من آمن وهاجر إلى الله فكافأه الله في الدنيا والآخرة، ومنهم من كفر فعوقب في الدنيا والآخرة. وحتى يعلم أنه كان كاذباً، فإن كل مخلوقات الله في السماوات والأرض تسجد له وتنفذ أوامره، وعلى الإنسان المشاركة مع هذا الوجود في عبادة الله وتسبيحه، وأن يذعن كما أذعنت جميع المخلوقات، وأن يخافوا أخذ الله لهم في ساعة من ليل أو نهار وهم لا يشعرون.

رابعاً الآيتان (51، 52): إعادة الأمر إلى الله بتوحيده واتباع دينه، وأن لا يعبدوا إلهين اثنين، يتبعهما (10) آيات فيها إعادة التأكيد بأن الله هو مصدر النعمة، فلا مفر من توحيد الله واتباع دينه للحفاظ على النعمة وتجنب الهلاك. والإنسان يعلم ذلك بدليل أنه إذا مس الناس الضر لم يلجؤوا بالدعاء إلا إليه وحده، ومع ذلك فالإنسان ظالم لنفسه لا يؤمن بل ويقتري على الله الكذب إرضاءً لشهواته.

خامساً الآيتان (63، 64): الله أنزل الكتاب هدى ورحمة، لكن الشيطان تَولّى الأمم وزَيَّن لها أعمالها، يتبعهما (9) آيات ببيان وضوح آيات الهدى، لمن أراد أن يسمع أو يعقل أو يتفكر في آيات الله التي هي في السماوات والأرض، والأنعام، والنحل، وفي خلق الناس، وتفضيل بعضهم على بعض في الأعمار والأرزاق وغيره.

سادساً الآيات (74-76): ضرب الله الأمثال التي تبين فساد عبادة وأعمال أهل الكفر والشرك، وبأن الله هو وحده الخالق العالم العادل القادر على كل شيء، وغيره لا يقدر بل هو عالة على الله. فكيف يُسوى بين الله المالك الرازق وبين من لا يقدر ولا يملك ولا يرزق؟ وكيف يُسوى بين الأصم الأبكم وبين الله القادر المنعم بكل خير؟ يتبعها (7) آيات ببيان الآيات التي تدل على علم الله وقدرته على الرزق، وبث الخير وإسباغ النعم، وبيان أنها آيات محسوسة في أنفسهم، ومعلومة مشاهدة حولهم، يعرفها الناس ثم ينكرونها. أنعم عليهم بالسمع والأبصار والأفئدة، والسكن والهدوء والاستظلال في البيوت المبنية والبيوت المتخذة من جلود الأنعام للظعن والإقامة، والأثاث والمتاع من الأصواف والأوبار والأشعار، والظلال والأكنان والسرابيل تقي الحر وتقي البأس في الحرب. يتبعها (6) آيات ببيان يوم البعث، والإشهاد على أفعال العباد.

سابعاً الآيتان (90، 91): أوامر الله بالعدل والإحسان والوفاء بالعهد، يتبعهما (6) آيات ببيان أن أوامر الله هي ابتلاء، وأن فيها الخير وتحقيق مصالح الناس من الحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في الآخرة.

ثامناً الآيات (98-100): الأمر بالاستعانة بالله على الشيطان، يتبعها (11) آية ببيان نماذج من ضلالات وحيل ومكر الشيطان والكافرين، ثم تثبيت الله للمؤمنين.

تاسعاً الآيتان (112، 113): ضرب مثل في أن قريش كانت آمنة فكفرت، فعاقبهم الله بالجوع والخوف، يتبعهما (6) آيات ببيان الأمر بعبادة الله كما أمر، وشكره على نعمه، وأن لا يفتروا الكذب، فيُحرموا الطيبات تقرباً للأوثان.

عاشراً الآيات (120-122): بيان أن الله اصطفى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه كان إماماً في أعمال الخير، موحداً لله شاكراً لأنعمه، ولم يكن من المشركين. يتبعهما (6) آيات ببيان أمر الله تعالى للأمة الخاتمة ممثلة برسولها محمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد كان مسلماً غير مشرك، وإماماً في عمل الخير، وعدم تقليد اليهود واختلافهم. وأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى دينه بالقرآن والحسنى، والصبر بالله فهو المعين، وعدم الاكتراث لمكر اليهود، لأن الله مع الذين يخافونه باجتناب معاصيه، والمحسنين في عبادته، ينصرهم ويرعاهم ويهديهم طريق الخير والفلاح.

016.5.2- أما باعتبار موضوعات آياتها، فتنقسم السورة إلى أربعة أرباع متساوية من حيث عدد الآيات وهي: ربع أوّل لبيان نعمة العبادة واتباع الدين الذي يأمر بالعدل والإحسان وغيره من مكارم الأخلاق، وربع ثانٍ عن نعمة تسخير المخلوقات لمعيشة الإنسان ورفاهيته وتحقيق جميع مصالحه، وغيرها من النعم التي لا تحصى على الإنسان، وربع ثالث لبيان أسلوب تعامل الإنسان مع هذه النعم، وهل حافظ عليها أم أفسدها، وأسلوب تعامله مع خالقه وهل أطاع أوامره في المحافظة على هذه النعم أم أطاع الطاغوت، ثم ربع أخير عن حساب الله للناس على أعمالهم، وجزائهم بالحسنى في المحافظة على نعمته، وعقابهم بالعذاب على إفسادهم ومخالفتهم.

016.5.3- السورة تستهجن حال الكافرين وتعجب من أمرهم، لأن الله أنزل عليهم النعيم بدون سابق فضل أو عمل استحقوا عليه هذه النعمة، وأمهلهم ليتقوه، ومع ذلك استعجلوا نزول العذاب والشقاء. ولسان حالها البليغ يذكّرهم بسنن الله الثابتة وصدق وعده ووعيده، الذي ظهر لهم لاحقاً بقيام المجتمع المسلم في المدينة، ثمّ تلاه مسلسل هزيمتهم، وهو الردّ المعجّل على ما طلبوه من العذاب والشقاء في الدنيا، ناهيك عما ينظرهم من العذاب والخزي في الآخرة.

لقد خلق الله الناس ليسعدوا بمعرفته وعبادته، وليتمتعوا بنعمه التي لا تحصى فضلاً عن أن تشكر. وزبدة دعوة الرسالات والرسل كلّهم ومدارها على قوله تعالى: {أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)}، أي: على معرفة الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له. ومن أسمائها: “سورة النعم” فقد ذُكر في أوّلها أصول النعم وقواعدها، وفي آخرها متمماتها ومكملاتها، وفي أوسطها أن لهم في الأنعام لعبرة، وما أوحاه تعالى إلى النحل من اتخاذ البيوت وسلوك سبل ربها ذللاً، في إشارة إلى أنهم إذا ما سلكوا مسلك النحل تصير صفاتهم وحياتهم طيّبة كصفاتها وحياتها، فكلّ شأنها منافع، قال تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97)}. وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن كمثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً، وإذا وقعت على العود لم تكسره، وإذا وقعت على زهرة لم تفسدها.

اللهم ارزقنا حياة طيبة بمعيّتك واجعلنا كما أردت من الذين اتقوا والذين هم محسنون.

016.6 بعض التفاصيل عن موضوعات السورة:

اعتمدت السورة في عرض موضوعاتها (باعتبار ترتيب آياتها) على أسلوب ايجاز عنوان رئيسي مبدوء بآيتين أو ثلاثة على الأكثر ثم يليها (سرد) أو شرح مفصل أو آيات أو مثال أو قصة حول نفس الموضوع.

على الإنسان أن يطيع كما أطاعت جميع المخلوقات، وأن يخاف من مكر الله الذي لا يأمنه أحد في ساعة من ليل أو نهار. عليه المشاركة مع هذا الوجود في عبادة الله وتسبيحه. فالإنسان هو الذي يستكبر ويمكر. وكل ما حوله يحمد ويسبح.

016.6.1- الآيات (1، 2) أمر الله عباده بالتوحيد والتقوى وعدم الشرك. (2 آية)

016.6.1.1- الآيات (3-18) بين سبحانه الأسباب الموجبة للتوحيد والعبادة لله وحده وعدم الشرك: وهي أن الله وحده هو الخالق المنعم، أما ما دونه فلا يخلقون شيئاً بل هم يخلقون، فالأولى بنا أن نعبد الله الذي خلقنا وأنعم علينا وأمرنا بعبادته وألا نشرك معه من لا يخلق. وقد بينت لنا الآيات مخلوقات الله للتدبر وأخذ العبر، واستخدام عقولنا للتفكر في أن الله خلق كل شيء. وبينت نعمه التي لا تحصى (فضلاً عن أن تشكر) على الإنسان في الدنيا، وتسخير المخلوقات له، وجعله جميع الأسباب مواتية لحياة الناس، وموافقة لفطرتهم، وإلا لما استطاعوا الحياة على الأرض. وبينت آياته في السماوات والأرض الدالة على وحدانيته، وعلى وجوب تقواه وشكره، واجتناب الإشراك به. (16 آية).

016.6.2- الآيات (19-21) الإنسان جاهل وظالم لنفسه فهو ينكر ويترك من يعلم السر والعلن ويخلق كل شيء، ويدعو أموات لا يشعرون ويخلقون ولا يخلقون. (3 آيات)

016.6.2.1- الآيات (22-34) عبادة الله وإتباع دينه (الذي هو الإسلام والإيمان) هو نعمة على الناس في الدنيا والآخرة، فالمكذبون والمنكرون أهلكهم الله في الدنيا بما عملوا وأدخلوا جهنم في الآخرة، والمتقون لهم في الدنيا حسنة وأدخلهم الله الجنة في الآخرة. (13 آية)

016.6.3- الآيات (35، 36) إرسال الرسل تأمر الأمم بعبادة الله واجتناب الطاغوت. (2 آية)

016.6.3.1- الآيات (37-50) فكان نتيجة دعوة الرسل أن من الناس من آمن وهاجر إلى الله فكافأه الله في الدنيا والآخرة، ومنهم من كفر فعوقب في الدنيا والآخرة، وحتى يعلم أنه كان كاذباً، فإن كل مخلوقات الله في السماوات والأرض تسجد له وتنفذ أوامره. على الإنسان المشاركة مع هذا الوجود في عبادة الله وتسبيحه، وأن يذعن كما أذعنت جميع المخلوقات، وأن يخافوا أخذ الله لهم في ساعة من ليل أو نهار وهم لا يشعرون. (14 آية)

016.6.4- الآيات (51، 52) إعادة الأمر إلى الله، بتوحيده واتباع دينه، وأن لا يعبدوا إلهين اثنين. (2 آية)

016.6.4.1- الآيات (53-62) إعادة التأكيد بأن الله هو مصدر النعمة، فلا مفر من توحيد الله واتباع دينه للحفاظ على النعمة وتجنب الهلاك. والإنسان يعلم ذلك بدليل أنه إذا مس الناس الضر فلا يلجؤون بالدعاء إلا إليه وحده. ومع ذلك فالإنسان ظالم لنفسه لا يؤمن بل ويقتري على الله الكذب إرضاءاً لشهواته. (10 آيات)

016.6.5- الآيات (63، 64) الله أنزل الكتاب هدى ورحمة، لكن الشيطان تَولّى الأمم وزَيَّن لهم أعمالهم (2 آية)

016.6.5.1- الآيات (65-73) وضوح آيات الهدى لمن أراد أن يسمع أو يعقل أو يتفكر في آيات الله التي هي في السماوات والأرض، والأنعام، والنحل، وفي خلق الناس، وتفضيل بعضهم على بعض في الأعمار والأرزاق وغيره. (9 آيات)

016.6.6- الآيات (74-76) ضرب الله الأمثال التي تبين فساد عبادة وأعمال أهل الكفر والشرك، وبأن الله هو وحده الخالق العالم العادل القادر على كل شيء، وغيره لا يقدر بل هو عالة على الله. فكيف يسوى بين الله المالك الرازق وبين من لا يقدر ولا يملك ولا يرزق؟ وكيف يسوى بين الأصم الأبكم وبين الله القادر المنعم بكل خير؟ (3 آيات)

016.6.6.1- الآيات (77-83) بيان الآيات التي تدل على علم الله وقدرته على الرزق وبث الخير وإسباغ النعم، وبيان أنها آيات محسوسة في أنفسهم ومعلومة مشاهدة حولهم، يعرفها الناس ثم ينكرونها. أنعم عليهم بالسمع والأبصار والأفئدة، والسكن والهدوء والاستظلال في البيوت المبنية والبيوت المتخذة من جلود الأنعام للظعن والإقامة، والأثاث والمتاع من الأصواف والأوبار والأشعار، والظلال والأكنان والسرابيل تقي الحر وتقي البأس في الحرب. (7 آيات)

016.6.6.2- الآيات (84-89) يوم البعث، والإشهاد على أفعال العباد. (6 آيات)

016.6.7- الآيات (90، 91) أوامر الله بالعدل والإحسان والوفاء بالعهد (2 آية)

016.6.7.1- الآيات (92-97) بيان أن أوامر الله هي ابتلاء وأن فيها الخير وتحقيق مصالح الناس من الحياة الطيبة في الدنيا والجزاء الحسن في الآخرة. (6 آيات)

016.6.8- الآيات (98-100) الأمر بالاستعانة بالله على الشيطان (3 آيات)

016.6.8.1- الآيات (101-111) نماذج من ضلالات وحيل ومكر الشيطان والكافرين، ثم تثبيت الله للمؤمنين (11 آية)

016.6.9- الآيات (112، 113) ضرب مثل في أن قريش كانت آمنة فكفرت فعاقبهم الله بالجوع والخوف (2 آية)

016.6.9.1- الآيات (114-119) الأمر بعبادة الله كما أمر وشكره على نعمه، وأن لا يفتروا الكذب، فيحرموا الطيبات تقرباً للأوثان. (6 آيات)

016.6.10- الآيات (120-122) بيان أن الله اصطفى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه كان إماماً في أعمال الخير موحداً لله شاكراً لأنعمه، ولم يكن من المشركين. (3 آيات)

016.6.10.1- الآيات (123-128) أمر الله تعالى للأمة الخاتمة ممثلة برسولها محمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد كان مسلماً غير مشرك، وإماماً في عمل الخير، وعدم تقليد اليهود واختلافهم (في العبادة يوم الجمعة، فاختاروا السبت، فشدد عليهم فيه في العبادة). وأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى دينه بالقرآن وبالحسنى، والصبر بالله فهو المعين، وعدم الاكتراث لمكرهم، لأن الله مع الذين يخافونه باجتناب معاصيه، والمحسنين في عبادته، ينصرهم ويرعاهم ويهديهم طريق الخير والفلاح. (6 آيات)

016.7 الشكل العام وسياق السورة:

016.7.1- إسم السورة:

016.7.1.1- سميت هذه السورة الكريمة “سورة النحل” لاشتمالها ‏على ‏تلك ‏العبرة ‏البليغة ‏التي ‏تشير ‏إلى عجيب صنع الخالق وتدل ‏على ‏الألوهية ‏بهذا ‏الصنع ‏العجيب، الذي التزم سبل ربه ذللاً فاستفاد وأفاد.

ومن ذلك فاسم السّورة يوحي ويبشّر من يعمل الصالحات بالحياة الطّيبة كالحياة الطيبة التي وهبها الله للنحلة {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيّبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)}. حياة المسلم كلّها بناء وخير ونعمة. كالنحلة التي لا تملّ العمل والبناء وتقديم الخير. وهذه حقيقة الإرادة الإلهية {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى (90)} في توجبه الإرادة البشريّة لما فيه مصلحتها.

016.7.1.2- ذكرت السور السابقة الكثير من القصص عن أمم قد جاءهم الوحي من ربهم، يبين لهم أمر الله لهم بالتوحيد والعبادة وعدم الشرك، وذكرت الكثير من أفعالهم وأعمالهم التي اكتسبوها ونالوا جزاؤهم عليها. وقد علمنا من تلك القصص أن معيّة الله وتوفيقه وهدايته يتوقف على عمل الإنسان الذي هو دليل وترجمان لإرادته أو عدم إرادته لذلك التوفيق وتلك الهداية. وسورة النحل من اسمها، ومن تأمل حياة النحل فيها، وطريقة معيشتها على الحقيقة، نتبين أن النحل كانت مثالاً رائعاً على الخير، بموافقتها للفطرة، باتخاذها سبل ربها ذللاً، فقد ملأ الخير حياتها وتعداه إلى ما حولها. وحصول هذا الخير هو قاعدة عامة وسنة من سنن الله التي جعلها في مخلوقاته. وسنرى أن مقصد سورة النحل هو إعادة تأكيد هذه القاعدة، أي سلوك طريق الله المستقيم، الذي إذا سلكه الإنسان تحولت حياته وحياة ما حوله إلى نعيم وجمال وغيره، كما هو الحال عند أمة النحل، لأن توفيق الله يصحبهم باتباعهم لهديه، وانسجامهم مع فطرته. هذا الذي تقرره السورة جاء بعد أن وردت الكثير من الأمثلة والقصص في السور السابقة والتي تدل وتؤكد على حقيقة أن الجزاء يتوقف على العمل كما حصل في الأمم الأخرى.

016.7.1.3- تبين السورة إكرام الله العظيم للإنسان بأن هداه للإيمان وأسبغ عليه نعمه. وتبين في المقابل أنه حين أعطى الإنسان شيئاً من الحرية والاختيار، فإذا به يكذب بالدين ويكفر بالنعيم. أي أنه أساء الاختيار لنفسه فاختار الهلاك والشقاء. بينما المخلوقات الأخرى تسجد لله وتلتزم بأوامره طوعاً وكرهاً. ومنه النحل الذي سميت به السورة ليكون داعياً لكي يتفكر الإنسان ويتأمل كيف أن التزام دين الله واتباع أوامره يحيل حياة المخلوقات إلى خير ونعيم. ولو أن الله أكره الإنسان على الطاعة لكان خيراً له، ولكن لحكمة أرادها الله جعل للإنسان اختياراً أهلك به نفسه، أي جعل له مشيئة كما في الآية: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (93)}. بدليل ما ساقته السورة من أمثلة مثل ما حصل لقريش حين كفرت بأنعم الله فعوقبت بالجوع والخوف، وبدليل أن إبراهيم عليه السلام أوتي المنازل العالية في الدنيا والآخرة، بسبب اتباعه لدين الله الحنيف وشكره لنعمه عليه.

016.7.2- سياق السورة باعتمادها على القصص والأمثلة كوسائل لتسهيل فهم مقاصدها ومعانيها:

في كل كائن خلقه الله وكل زاوية في هذه الحياة التي يعيشها الإنسان يوجد قصة أو آية أو عبرة تدل على خالق الكون وعلى إكرامه وحسن تدبيره لشئون مخلوقاته ورحمته وعدله. كل هذه القصص والآيات والحقائق، سواء أكانت خلق الإنسان أو الأنعام أو السماوات والأرض وغيرها مما نعلمه وما لا نعلمه، تستحق أن يتدبرها الإنسان ويتفكر فيها ويفهم معانيها. وما ورد في السورة هو غيض من فيض من هذه الآيات الواضحة المعبرة عن الحق الدالة على أن الله خالق الناس وهو معهم أين ما كانوا يحفظهم بحفظه ويرعاهم برعايته.

ونستطيع تقسيم آيات هذه السورة باعتبار آيات القصص والأمثال والآيات التي احتوتها إلى أربعة أقسام كما يلي:

– آيات الله في الكون (32 آية) 25%

– آيات القصص الحقيقة (48 آية) 37.5%

– آيات ضرب الأمثال (16 آية) 12.5%

– آيات الوعظ والأمر وتقرير إكرام الله للإنسان، بأن هداه للإيمان وأسبغ عليه نعمه (32 آية) 25%.

ومنه يتبين لنا أن مقصد السورة (الذي جاء على شكل آيات ومواعظ وأوامر مباشره عن تكليف الإنسان وابتلائه في الدنيا) جاء في ربع عدد آيات السورة فقط، أما الثلاثة أرباع الأخرى فكانت في وسائل استخدمت لتسهيل فهم هذا المقصد، ممثلة نصفها (48 آية) بالقصص ونصفها الآخر بالأمثال (16 آية) وآيات الكون (32 آية) = (48 آية). يعنى أن من كل أربعة آيات جاءت آية واحدة موعظة، وآية ونصف قصة، وآية واحدة آيات، ونصف آية أمثال.

016.7.2.1- آيات الله في الكون التي تدل على تكريم الله للإنسان بإنزال الكتاب وتسخير الكون: مجموعها (32 آية) 25%.

016.7.2.1.1- الآيات (1-23) آيات الله في خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان، وخلق الأنعام لطعام الإنسان وركوبه ولباسه وزينته، وخلق الماء والشجر والبحار والجبال وغيرها مما نعلمه ومالا نعلمه. (دليل على أن الله هو الحق الخلاق العليم المنعم، وما دونه لا يخلقون شيئاً بل هم يخلقون، وهم أموات غير أحياء لا يشعرون بالوقت الذي يبعثون فيه إلى خالقهم للحساب) (نعمة الخلق). 23 آية.

016.7.2.1.2- الآيات (49، 50) آيات سجود المخلوقات: سجود السماوات والأرض والملائكة (تسخير الله وتدبيره وقهره). 2 آية.

016.7.2.1.3- الآيات (65-67) آيات الله لمن يعقل من الناس في إنزال الماء ليحيي به الأرض بعد موتها، ويحيي به الأنعام ويجعل الثمرات لكي يشرب الإنسان ويعتبر من خلق (نعمة الشراب). 3 آيات.

016.7.2.1.4- الآيات (70-73) آيات الله لمن يعقل في خلق الناس وأرزاقهم: الناس (وتفضيل بعض على بعض في العمر وفي الرزق والأزواج والأولاد والعبادة). 4 آيات.

016.7.2.2- قصص حقيقية عما حصل: من إرسال الله للرسل تأمر الناس بالعبادة وتبين لهم أن سعادتهم وشقائهم مرهون بأعمالهم في الدنيا والتي هي دار ابتلاء وأن كل ما في الدنيا مسخر للإنسان لكي يستعين به على اجتياز الابتلاء بالأعمال. ثم كيف أن أكثر الناس اختاروا طريق الشقاء ممثلاً بالشرك والكفر، والقليل اختاروا طريق السعادة وهو الإيمان. ثم بيان أن آثار ما آلت له مصائر الفئتان، المكذبين منهم والمؤمنين، لا تزال باقية على الأرض عبرة لم أراد أن يعتبر. وقد كان الشيطان هو المحرك الخفي في ضلال أولائك الذين اختاروا طريق الكفر والشقاء. مجموعها (48 آية) 37.5%

016.7.2.2.1- الآيات (24-26) قصص عن مكر الكفار والمشركين والذين من قبلهم: حيث أنهم كانوا إذا سئلوا عن التنزيل يقولون كذباً وزوراً أنه من أساطير الأولين، وذلك إضلالاً للناس. 3 آيات.

016.7.2.2.2- الآية (30) قصة عن المؤمنين الخائفين من الله، يقولون الحق وما آمنوا به: بأن ما عند الله هو الخير، ودعوا الناس إليه ودلوهم عليه. 1 آية.

016.7.2.2.3- الآيات (33-35) قصص ظلم الكفار والمشركين لأنفسهم وانتظارهم لأمر الله فيهم بإنزال الملائكة تقبض أرواحهم للعذاب أو إنزال عذاب عاجل فيهم. ثم إنكارهم واحتجاجهم الباطل بعد وقوع العذاب عليهم. وهم كاذبون باحتجاجهم لأن الله أرسل لهم الرسل تأمرهم وتنهاهم، وجعل لهم مشيئة وإرادة تصدر عنها أفعالهم. 3 آيات.

016.7.2.2.4- الآيات (36-47) قصص عن إرسال المرسلين تبين للناس وتأمرهم بالعبادة لله وحده وترك عبادة غيره من الأوثان والطواغيت. ثم انقسام الناس إلى فئتين: فئة حقت عليها الضلالة بسب كفرها وتكذيبها بما جاءت به الرسل، فعاقبها الله بالعذاب في الدنيا والآخرة. وفئة أمنت وهاجرت إلى ربها فأنزلهم الله داراً حسنة في الدنيا ولأجر الآخرة في الجنة أكبر. 12 آية.

016.7.2.2.5- الآيات (51-55) قصة عن وصول رسالة الله الواضحة للناس، وبيانه الواضح (سواء بالفطرة التي فطرهم عليها أو عن طريق إرسال الرسل) عن حقيقة خلق هذا الوجود وعن المقصد الحقيقي من خلقه (أي أن هذه الآيات تلخص وتبين حقيقة أمر الله): بأنه فطر الناس على التوحيد والإيمان، وبين لهم وأمرهم بعبادته وحده لا شريك له، لأن السعادة والنعيم الذي يريده الإنسان عند الله وحده، فهو له ما في السماوات والأرض (وهي مصدر نعيم الجسد والحياة الحسنة في الدنيا)، وله الدين الخالص والدائم (وهو مصدر النعيم الروحي في الدنيا ووسيلة الفوز بالنعيم الخالد في الجنة). فلا يليق بهم أن يخافوا غير الله ويعبدوه. وهم بالفطرة مؤمنون بهذا بدليل أنهم إذا مسهم الضر تركوا الآلهة ولجأوا إلى الله الواحد يرفعون أصواتهم له بالدعاء. 5 آيات.

016.7.2.2.6- الآيات (56-64) قصة عن أفعال الكفار وأحكامهم السيئة، وجهلهم، وكذبهم، وعدم إيمانهم، وتزيين الشيطان لهم أعمالهم، وتوليه أمورهم في الدنيا. ثم إمهال الله لهم وتأخيرهم إلى نهاية آجالهم، كي يؤاخذهم فيحاسبهم على ظلمهم وأفعالهم. 9 آيات.

016.7.2.2.7- الآيات (101-110) قصة تفنيد الله جل جلاله (بذاته العليمة الغفورة الرحيمة التي لا تظلم أحداً) لدعاوي المشركين الباطلة وتطاولهم على رسوله بأنه كاذب، وتأكيد أن الذين لا يصدقون بالقرآن هم الكاذبون، ولن يوفقهم الله لإصابة الحق ولن يهديهم ولهم العذاب الأليم، لأنهم اختاروا فاستحبوا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية. لقد أنزل الله الحق فمن هاجر وجاهد في سبيل الله وصبر، فسوف يثبهم الله ولهم البشرى والمغفرة والرحمة. 10 آيات.

016.7.2.2.8- الآيات (118، 119) قصة تحريم الله على اليهود أشياء عقوبة لهم بسبب ظلمهم، وبيان مغفرة الله ورحمته بمن يعمل السوء في حال جهله بعقوبتها، ثم توبته وإصلاحه بعد علمه بالتحريم. 2 آية.

016.7.2.2.9- الآيات (120-122) قصة أكرام الله لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وهدايته إلى الصراط المستقيم، والإحسان إليه في الدنيا والدرجات العالية في الآخرة، لأنه كان إماماً في عمل الخير وكان مسلماً موحداً لربه غير مشرك وشاكراً لنعمه. 3 آيات.

016.7.2.3- ضرب الأمثال لتسهيل فهم حقيقة الأعمال ونتائجها السلبية والإيجابية: مجموعها (16 آية) 12.5%.

016.7.2.3.1- الآية (48) مثال يبين أن جميع المخلوقات مهتدية وتحت تسخير الله وقهره. 1 آية.

016.7.2.3.2- الآيات (68، 69) مثال يبين أن النحل مهتدي: آيات الله لمن يعقل في النحل وفي اهتدائها واتباعها لما فطرها الله عليه وكيف أنها أصبحت بذلك رمزاً للخير والشفاء الذي تعداها إلى غيرها من المخلوقات، وصارت عبرة للإنسان لكي يعتبر من عظمة خلق الله المعجز لنعمتين له هما أشرف طعام وأعظم شفاء من هذه الحشرة الضعيفة. (الهداية واتباع الفطرة + شفاء الناس). 2 آية.

016.7.2.3.3- الآيات (74، 75) مثال على كلّ على مولاه (القدرة على نفع الغير). 2 آية.

016.7.2.3.4- الآية (76) مثال على الأبكم (القدرة على عمل الخير). 1 آية.

016.7.2.3.5- الآيات (77، 78) مثال عن أن علم الغيب لله وحده، وقد أنعم على الإنسان بشيء من هذا العلم، كون الناس في بطون الأمهات لا يعلمون شيئاً فجعل الله لهم أدوات اكتساب العلم. (العلم). 2 آية.

016.7.2.3.6- الآيات (79-83) مثال على نعمة عناية الله وحفظه للناس من الهلاك بأن جعل لهم البيوت والأثاث والظلال واللباس، وبأنه يمسك الطير ولا يستطيع أحد أن يمسك الطير في جو السماء إلا الله، وأن المشركون يعرفون نعمة الله عليهم (في العناية والحفظ) ثم يجحدونها. 5 آيات.

016.7.2.3.7- الآية (92) مثال على نقض العهود، لإبراز نعمة الوفاء بكل عهد أوجبه الإنسان على نفسه، بينه وبين الله تعالى أو بينه وبين الناس. فيكون مثلكم مثل امرأة غزلت غزلاً وأحكمته ثم نقضته. فالإنسان تربطه بربه وبأقربائه وغيرهم من الناس عقود كثيرة من مثل العدل والإحسان والبر وعدم الكفر والتعدي والظلم. (الوفاء بالعهد). 1 آية.

016.7.2.3.8- الآيات (112، 113) مثال عن قصة قرية “مكة” كانت آمنة يأتيها رزقها سهلاً واسعاً، فجحدت النعمة، فعاقبها الله واستبدلها بعذاب الجوع والخوف، بسبب صنيعهم وكفرهم بالرسول الذي جاءهم، وظلمهم بالشرك بالله. 2 آية.

016.7.2.4 بيان أمر الله: مجموعها (32 آية) 25%.

016.7.2.4.1- الآيات (27-29، 31، 32، 84-89، 111) الجزاء يوم القيامة مرهون بما اكتسبه الإنسان من العمل في الدنيا: ذكر ما يكون يوم القيامة من الحساب وحضور الشهداء ثم إقامة العدل والجزاء فتوفى كل نفس ما عملت بدخول الجنة أو النار وهم لا يظلمون. 12 آية

016.7.2.4.2- الآيات (90، 91، 93-100) إقامة الدين: إكرام الله العظيم للإنسان بأن هداه للإيمان وإقامة الدين: 10 آيات.

بيان أمر الله ووعظه للناس: بالعدل والإحسان والوفاء وغيرها من مكارم الأخلاق، ونهيه عن الفحشاء والمنكر وغيرها من مساوئ الأخلاق: (2 آية) إرادة الله بالابتلاء بالأعمال وجعل الناس مختلفين، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة على دينه الإسلام والإيمان، وجعل الثمن لنيل ما عنده من الخير والحياة الطيبة، أجره بالأعمال الصالحة. وإرادة الشيطان للإنسان بالتمتع بالنعيم الفاني وعدم الصبر على ما عند الله من النعيم الباقي، وتسلط الشيطان على الناس الذين لا يؤمنون بالقرآن، وحماية الله للمؤمنين من تسلطه. (8 آية)

016.7.2.4.3- الآيات (117-114) الاستخلاف في الأرض في حدود ما أحل أو حرم الله: إكرام الله العظيم للإنسان بأن أسبغ عليه نعمه واستخلفه في الأرض. 4 آيات.

أمر الله للناس بالتمتع برزقه الحلال الطيب، وشكر هذه النعمة، والابتعاد عن الحرام الخبيث، وطلب المغفرة إذا اضطروا إلى الحرام. فمن أحل أو حرم افتراء على الله فلن يفلح في الدنيا وله العذاب في الآخرة.

016.7.2.4.4- الآيات (123-128) القدوة الحسنة في اتباع: إبراهيم عليه السلام أوتي المنازل العالية في الدنيا والآخرة، بسبب اتباعه لدين الله الحنيف وشكره لنعمه عليه: أمر الله تعالى للأمة الخاتمة ممثلة برسولها محمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد كان مسلماً غير مشرك، وإماماً في عمل الخير، وعدم تقليد اليهود واختلافهم (في العبادة يوم الجمعة، فاختاروا السبت، فشدد عليهم فيه في العبادة). وأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى دينه بالقرآن وبالحسنى، والصبر بالله فهو المعين، وعدم الاكتراث لمكرهم، لأن الله مع الذين يخافونه باجتناب معاصيه، والمحسنين في عبادته. 6 آيات.

016.7.3- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:

016.7.3.1- آيات القصص: (24-26، 30، 33-47، 51-64، 101-110، 118-124) = 50 آية.

016.7.3.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (27-29، 31، 32، 84-89، 111) = 12 آية.

016.7.3.3- الأمثال في الآيات: (48، 74-76، 92، 112، 113) = 7 آيات.

016.7.3.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (1-23، 49، 50، 65-73، 77-83) = 41 آية.

016.7.3.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (90، 91، 93-100، 114-117، 125-128) = 18 آية.

016.7.4- سياق السورة من حيث موضوعات آياتها:

لقد خلق الله الإنسان وأكرمه بنعمتين عظيمتين هما غاية مراد الإنسان، ونهاية آماله وطموحاته، فمن كان له أدنى عقل وأراد المحافظة عليهما سلك طريقهما، ومن كان لا عقل له وغلب عليه جهلة وتولاه شيطانه، كما هو عند أكثر الناس سلك الطرق الأخرى الموصلة إلى نقيضهما. إن لله على الناس نعمتين عظيمتين نعمة الدين (كما جاء بيانه في سورة إبراهيم، ومن قبلها سورتي الأعراف وهود) ونعمة العيش السعيد الآمن في الدنيا والآخرة (كما جاء بيانه في سورة الحجر، ومن قبلها سورتي الأنعام ويونس).

وفي هذا السياق، كانت أوامر الله وإرادته للناس بالعبادة، واتباع الحلال وترك الحرام، لأن في ذلك تحقيق أمانيهم وآمالهم، وفيه صلاح حياتهم، وهو سبب حصول النعم ونزول الرحمات عليهم. ولو شاء سبحانه لهدى الناس جميعاً، لكن اقتضت حكمته أن يجعل للناس إرادة واختيار، يتوقف مصيرهم عليها. وقد بين سبحانه للإنسان الحكمة من وجوده وأنه جعله مختاراً لأفعاله ومريداً للأشياء التي تحدد مصير حياته، فقد أرسل له الرسل بذلك وبين له بواسطتهم الصراط المستقيم وسبل الهداية، وحذره من اتباع سبل الضلال، وبين له أن له عدو يتربص به وهو الشيطان. وفي نفس السياق أيضاً بين سبحانه أنه خلق المخلوقات وسخرها لخدمة الإنسان، وبين سبحانه له أن هذا التسخير والتذليل للمخلوقات له لكي يستعين بها على عبادته وحده لا شريك له.

ونستطيع تقسيم هذه آيات السورة في بيان هذا المعنى، من حيث موضوعات آياتها إلى أربعة أقسام متساوية من حيث عدد الآيات، موضوعان أحدهما لبيان نعمة العبادة واتباع الدين لإنه يأمر بالعدل والإحسان وغيره من مكارم الأخلاق، ثم الآخر عن نعمة تسخير المخلوقات لمعيشة الإنسان ورفاهيته وتحقيق جميع مصالحه، وغيرها من النعم التي لا تحصى على الإنسان. وموضوعان آخران أحدهما لبيان أسلوب تعامل الإنسان مع هذه النعم، وهل حافظ عليها أم أفسدها، وأسلوب تعامله مع خالقه وهل أطاع أوامره في المحافظة على هذه النعم أم أطاع الطاغوت، ثم الآخر عن حساب الله للناس على أعمالهم وجزاءهم بالحسنى في المحافظة على نعمته، وعقابهم بالعذاب على إفسادهم وإهلاكهم ومخالفتهم كما يلي:

016.7.4.1- أمر الله الإنسان بعبادة الله وحده لا شريك له واتباع دينه (وشرعه في الحلال والحرام) والوفاء بعهده، واجتناب الطاغوت، وبيان منافع الإتباع من عدمه، مع الأمثلة على من يتبع ومن لا يتبع في الآيات (1-2، 36، 39-44، 51، 52، 64، 90-97، 114-119، 123-128) (32 آية 25%)

016.7.4.2- نماذج من مخلوقات الله في السماوات والأرض، ونعمه التي لا تحصى على الإنسان وتسخير المخلوقات لمعيشته ورفاهيته وتحقيق جميع مصالحه، وبيان السبيل إلى هدايته، وانه لو شاء لهدى الناس جميعاً. مع الإشارة إلى أن جميع المخلوقات تسجد لله خالقها وتفعل ما تؤمر به، وأمثلة حقيقية على فوائد ومنافع الهدى. هذه السورة كالتي سبقتها اعتمدت على الحق والواقع والآيات (نعم الله التي لا تحصى) التي غفل الإنسان عنها وهي: (3-18، 37، 48-50، 65-72، 78-81) (32 آية 25%)

016.7.4.3- بيان أسلوب تعامل الإنسان مع خالقه ومع المخلوقات الأخرى، من حيث جهل الإنسان لحقيقة وجوده وحقيقة التكليف بالعبادة والإيمان بالبعث للحساب، وإتباعه أوامر (وضلالات) الشيطان وشهوات نفسه. هم يعرفون نعمة الله عليهم ثم ينكرونها، من أراد أن يعيش في النعيم فعليه إتباع أوامر الله الخالق وإلا فالعذاب مصيره. (19-25، 38، 53-63، 73، 77، 82، 83، 98-103، 120-122) (32 آية 25%).

لم يتعامل الإنسان مع نعم ربه عليه كما يجب، ولم يتفكر في خلق نفسه، وأن الله خلقه بالحق، ولا في خلق السماوات والأرض وما بينهما وتسخيرهما لأجله، ولا في آيات الله ونعمه عليه وحسن تدبيره لكل ما حوله وعدله. فقد كان من الأولى به ومن واجبه شكر هذه النعم التي لا تحصى، بعمل الخيرات وترك المنكرات، والتوسل إلى خالقه لإدامتها. لكنه عمل عكس ذلك، فقد كفر وظلم نفسه وعمل السوء، أعمته كثرة النعم عن حتى أن يعلم مصدرها، جعلته يلغي عقله وتفكيره، ويجري وراء الشيطان ووراء شهواته، نسي الله فأنساه الله نفسه، فأوردها موارد الهوى فأهلكها. هذا هو حال الإنسان في ظلمه لنفسه وجهله، لا يبالي بالمرسلين، ولا يتفكر في إنذار ربه، لا يتعلم من انسجام الكون حوله، ولا يعتبر من قصص الأمم قبله، يكرر نفس الأخطاء عبر تاريخه، فإذا مسه الضر، تذكر أن كل هذه النعم من الله، ثم إذا كشف الله عنه ضره عاد لسابق كفره وشركه. وقد بينت هذه الآيات مدى جهل هذا الإنسان وعداوته وظلمه لنفسه، وما يقابلها من علم الله به وبأفعاله وبسره وعلانيته. وبمعنى آخر فقد بينت الآيات صفات وأفعال الأطراف الخمسة في موضوع الدين والعبادة وهم الله جل جلاله الخالق الرازق، والآلهة المدعاة، والكفار، والمؤمنين، وعدو الإنسانية الشيطان، كما يلي:

016.7.4.3.1- بينت صفات الله جل جلاله في العلم والقدرة، التي ينكرها المستكبرين. الآيات (19، 22، 23، 77).

016.7.4.3.2- بينت صفات الآلهة الأخرى المدعاة وأنها لا تملك لنفسها موتاً ولا حياة، ولا ضراً ولا نفعاً، لا بل هي ميتة لا تشعر بما يدور حولها. الآيات (20، 21، 73).

016.7.4.3.3- بيان جهل الإنسان وإنكاره وجحوده وكفره وتطاوله على خالقه، وأنه لا يعرف ربه إلا وقت الشدة: الآيات (24، 25، 38، 53-62، 82، 83، 101-103). 18 آية

016.7.4.3.4- بيان أن بعضاً من الناس (وهم القلة) أمنوا بربهم وشكروا نعمه فاستفادوا دنيا وآخرة: الآيات (120-122).

016.7.4.3.5- بيان أن الشيطان هو الأساس في البلاء للإنسان، وهو الذي زين له وأغواه وأضله حتى نسي ذكر ربه، على الرغم من تحذير الله للإنسان وأمره له بالاستعانة به على كيده العظيم: الآيات (63، 98-100).

016.7.4.4- الجزاء والعقاب مترتب على الأعمال. وقد بلغت به الرسل، وبينته الآيات، وضربت عليه الأمثال، وجيء عليه بالشهداء. فالعذاب في الدنيا والخزي يوم القيامة هو جزاء الكافرين والمشركين. والأجر الحسن في الدنيا والآخرة هو جزاء الله للمتقين والمهاجرين إليه. (26-35، 45-47، 74-76، 84-89، 104-113) (32 آية 25%)

016.7.4.4.1- العذاب والخزي للكافرين. الآيات (26-29).

016.7.4.4.2- الأجر الحسن للمتقين والمهاجرين. الآيات (30-32).

016.7.4.4.3- الجزاء والعقاب مترتب على الأعمال، وقد بلغت به الرسل. الآيات (33-35).

016.7.4.4.4- كيف أمنوا العذاب. الآيات (45-47).

016.7.4.4.5- ضرب الأمثال على عدم التساوي بين من يعمل أعمال الخير والصلاح ويأمر به وعلى من لا يعمل به ولا يقدر عليه، وضرب الأمثال على أنواع الناس من حيث عمل الخير. الآيات (74-76).

016.7.4.4.6- لقد بين الله، وأقام الشهداء على الناس. الآيات (84-89).

016.7.4.4.7- الذين لا يؤمنون استحبوا الحياة الدنيا، والذين أمنوا هاجروا إلى ربهم وجاهدوا وصبروا. الآيات (104-110).

016.7.4.4.8- ضرب الأمثال على أنعام الله وعدم ظلمه للناس وإرساله للرسل، ومقابلتهم ذلك بالكفر والتكذيب. الآيات (111-113).

016.7.5- سياق السورة باعتبار تقوى الله وحده لا شريك له هو تكريم للإنسان، ونعمة عظيمة أنعمها عليه ربه وخالقه:

016.7.5.1- ذكر الله سبحانه وتعالى أنه هو الذي خلق السماوات والأرض، ثم ذكر أنه خلق الإنسان، وجعل له السمع والأبصار والأفئدة، ثم ذكر أنه خلق الأنعام وما جعل فيها من منافع، وسخرها لخدمة الإنسان، وأنزل الماء، وأنبت به الزرع، ليشرب ويأكل الإنسان، وهدى المخلوقات كلها وسخرها لأمره، وتسبح بحمده، ولو شاء لهدى الناس جميعاً، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة، فكل شيء بأمره، ومن خلقه وفعله، وتحت قهره، الخلق والإفناء، والهداية والضلال، والإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، كل شيء بإرادته، سبحانه إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون، {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}. وقد أراد سبحانه واقتضت مشيئته وإرادته أن يجعل للإنسان مشيئة وإرادة واختيار، يختار بها سعادته وشقاءه، جعل له السمع والبصر والفؤاد، ليميز الخبيث من الطيب، أراه الآيات، وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتاب، بين له سواء السبيل، وحذره من سبل الضلال، ومن حب الشهوات، وعداوة والشيطان، ضرب له الأمثلة، وقص عليه القصص، وأراه مصائر من سبقه في الدنيا، وآثارهم، وبين له أنهم يوم القيامة في الحساب، إما في الجنة أو النار، بشره وأنذره، أمله وخوفه، ولم يترك مجالاً لموعظة إلا ووعظه إياها، ولا تحذيراً إلا وحذره. ثم تركه يختار لنفسه السعادة أو الشقاء في الدنيا، والجنة أو النار في الآخرة، فلا يلومن الإنسان إلا نفسه، فإن ربه غفور رحيم للناس على ظلمهم، وإنه لشديد العقاب.

016.7.5.2- الإنسان كباقي المخلوقات ليس له خيار في أمر وجوده من شيء، ولا يملك من أمر نفسه شيئاً، سوى ما وهبه له الله أو رخص له به. لقد وهب سبحانه الإنسان القدرة على اختيار شيء واحد، لا غير، من نعم الله الكثيرة عليه، وهو إما أن يكون عبداً مطيعاً لله وحده أو عبداً لغيره. فكانت النتيجة أن اختار أكثر الناس المعصية، وعبادة غير الله، فأهلكوا أنفسهم. وقد كان سبحانه بهذه الهبة المحصورة والمحددة للإنسان، أي بأن جعل له اختياراً واحداً فقط، بالغ الرأفة والرحمة بالإنسان. لأنه لو جعله مختاراً مثلاً لجنسه (ذكر أو أنثى) أو طول عمره أو دقات قلبه أو مكان سكنه أو مستوى معيشته أو غيرها لأفنى حياته بنفسه، ولما بقي على الأرض إلى يومنا هذا. كما سخر سبحانه المخلوقات من سماء وأرض وأنعام وزرع وغيرها لخدمة الإنسان وطعامه وشرابه وسكنه وركوبه وغيرها من حاجاته الضرورية وحاجات رفاهيته، وفي هذا أيضاً بليغ الكرم والرحمة بالإنسان. لأنه لو كانت هذه المخلوقات مختارة كما اختار الإنسان، لهلك من فوره، وإن لم يهلك لصارت حياته على الأرض جحيماً لا يطاق.

016.7.5.3- ومن هذا يجب أن يتعلم الإنسان درساً مهمّاً يحدد له طريق حياته وسعادة حاضره ومصير مستقبله، وهو أن اختياره لنفسه قد يصيب ويخطئ، أما اختيار الله له فهو أنفع له وأصلح. وقد أرسل له بذلك المرسلين، وأنزل له الكتاب وأراه الآيات، وبيّن له، وبشره وأنذره، وضرب له الأمثلة، وقص عليه القصص، وأراه مصائر من سبقه في الدنيا، وآثارهم، وغيرها الكثير من أسباب الهدى. أمر الله الإنسان أن يتفكر في أسماءه تعالى وصفاته وفي خلقه وملكوته فيحب الله بعقله، وأمره أن ينظر فيبصر نعم الله ببصيرته وقلبه وحواسّه فيحب نعم الله عليه وتكريمه له، وأن يتدبر فيرى نعمة الصحة والمعافاة والأمان في حياته بسبب الدين فيعبد الله حق عبادته ويتقيه حق تقاه.

016.7.5.4- فهذا الدين خير للإنسان وهذه الشرائع والعبادات والأوامر والنواهي هي كلها أيضاً خير، وهذه النعم المغمور بها الإنسان من تسخير السماوات والأرض، وإنزال الماء، والأنعام، والزروع، وغيرها، والليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات كله خير، وفيه رزق حسن وعيش سعيد، وأمن، وجمال لقوم يعقلون ويعرفون نعمة الله عليهم فلا ينكرونها. فليتق الإنسان ربه لأن في التقوى الفلاح، وليحمده وليشكره على كل ما أعطى، حتى تدوم هذه النعمة. {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}.

016.7.6- قال الرازي في اللوامع: فالله تعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، فبعضها بالتسخير المجرد كالجمادات، وبعضها بالإلهام والتسخير كالنحل والسرفة – أي بضم وسكون، وهي دويبة تتخذ بيتاً من دقاق العيدان فتدخله وتموت – والعنكبوت، وبعضها بالتسخير والإلهام والعقل المتفق على نظام واحد كالملائكة، وبعضها بكل ذلك والفكر والتمييز والأعمال المختلفة المبنية على الفكر كالإنسان.

016.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:

016.8.0- انظر سورة الكهف 018.8.0- تناسب السّور من الأعراف إلى الكهف في الربع الثاني من القرآن

016.8.1- من لا يتبع الصراط المستقيم فقد ظلم نفسه وغير الفطرة ودمر نعيمها بمعاكسته وتخريبه لها. لأن التوحيد والعبادة نعمة، والشرك والكفر هلاك، أي نعمة الدين والعبادة (كما جاء بيانه في سورة إبراهيم، ومن قبلها سور الأعراف وهود والرعد). ومن يتأمل ما حوله يرى عظمة نعم الله وعظمة خلقه وعظمة علمه وتدبيره، أي نعمة العيش السعيد الآمن في الدنيا والآخرة (كما جاء بيانه في سورة الحجر، ومن قبلها سورتي الأنعام ويونس ويوسف). كذلك تبين سورة النحل هذه الأمور العظيمة متداخلة، وقد قال لها سبحانه: كن. فكانت كما أمر {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له: كن. فيكون (40)}. فالله لا يعجزه شيء في السماوات والأرض ولا يحدّه الزمان ولا المكان {إن الله على كل شيء قدير (77)}. وقد سعت هذه السورة إلى تقرير أن كل هذه النعم المغمور فيها الإنسان هي من أمر الله الواحد، الذي يديمها بالشكر والتقوى وينزعها بالكفران والجحود. ويأتي هذا قبل الانتقال إلى السورة التي بعدها أي سورة الإسراء والتي تقرر بأنه لا مفر من الإقبال على الله خالق النعم وخلع ما سواه.

016.8.2- قال الإمام جلال الدين السيوطي:

وجه الارتباط بين آخر سورة الحجر وأول سورة النحل: قال تعالى في آخر سورة الحجر: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} الذي هو مفسر بالموت. وقال في أول سورة النحل: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه} أي ما دام أن أمر الله تعالى آتٍ فلا يضيق صدرك بما يقولون، فالذي خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان من نطفةٍ ينـزل الملائكة بالروح على من يشاء من عباده فهو الذي يصطفى الرسل. فآخرها شديد الالتئام بأول النحل، وانظر كيف جاء في المقدمة بيأتيك اليقين وفي المتأخرة بلفظ الماضي لأن المستقبل سابق على الماضي كما تقرر في المعقول والعربية.

وجه الارتباط بين سورة النحل وسورة إبراهيم: وهذه السورة شديدة الاعتلاق بسورة إبراهيم وإنما تأخرت عنها لمناسبة الحجر في كونها من ذوات ‏{‏الر‏}‏ وذلك‏:‏ أن سورة إبراهيم وقع فيها ذكر فتنة الميت ومن هو ميت وغيره وذلك أيضاً في هذه بقوله‏:‏ {الذينَ تتوفاهُم الملائكة ظالمي أَنفسهم (28)}، {الذين تتوفاهم الملائكة طيّبين (32)} النحل، فذكر الفتنة وما يحصل عندها من الثبات والإضلال وذكر هنا ما يحصل عقب ذلك من النعيم والعذاب ووقع في سورة إبراهيم‏:‏ {وقَد مَكروا مَكرَهُم وعِندَ اللَهِ مكرُهُم وإِن كانَ مكرُهُم لتزول منه الجبال} وقيل‏:‏ إنها في الجبار الذي أراد أن يصعد السماء بالنسور ووقع هنا أيضاً في قوله‏:‏ {وقد مكرَ الذينَ من قبلهم} ووقع في سورة إبراهيم ذكر النعم وقال عقبها‏: {وإِن تعُدوا نعمة اللَهِ لا تحصوها} ووقع هنا ذكر سورة بني اسرائيل.

016.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: هذه السورة في التحامها بسورة الحجر مثل الحجر بسورة إبراهيم من غير فرق، لما قال تعالى {فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون (92)} الحجر، وقال تعالى بعد ذلك في وعيد المستهزئين {فسوف يعلمون} أعقب هذا ببيان تعجيل الأمر فقال تعالى {أتى أمر الله فلا تستعجلوه (1)} النحل، وزاد هذا بياناً قوله {سبحانه وتعالى عما يشركون} فنزه سبحانه نفسه عما فاهوا به في استهزائهم وشركهم وعظيم بهتهم، وأتبع ذلك تنزيهاً وتعظيماً فقال تعالى {خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون} ثم أتبع ذلك بذكر ابتداء خلق الإنسان وضعف جبلته {خلق الإنسان من نطفة} ثم أبلغه تعالى حداً يكون فيه الخصام والمحاجة، كل ذلك ابتلاء منه واختبار ليميز الخبيث من الطيب، وأعقب هذا بذكر بعض ألطافه في خلق الأنعام وما جعل فيها من المنافع المختلفة، وما هو سبحانه عليه من الرأفة والرحمة اللتين بهما أخر العقوبة عن مستوجبها، وهدى من لم يستحق الهداية بذاته بل كل هداية فبرأفة الخالق ورحمته، ثم أعقب ما ذكره بعد من خلق الخيل والبغال والحمير وما في ذلك كله بقوله {ولو شاء لهداكم أجمعين} فبين أن كل الواقع من هداية وضلال خلقه وفعله، وأنه أوجد الكل من واحد، وابتدأهم ابتداء واحداً {خلق الإنسان من نطفة} فلا بعد في اختلاف غاياتهم بعد ذلك، فقد أرانا سبحانه مثال هذا الفعل ونظيره في قوله {وهو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر – إلى قوله: لآية لقوم يتفكرون} انتهى.

016.8.4- انظر أيضاً تناسب سورة البينة مع غيرها من السور (098.8.4): قال البقاعي: سورة البينة على قصرها حاوية إجمالاً لكل ما في سورة النحل على طولها بزيادة، إلخ.

– انظر 4.2.4.18.2.0- جدول يبيّن تناظر نصفي القرآن، ويلخص تناسب مقاصد سوره حول أن الإيمان واتباع طريق الهدى نعمة وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

– انظر الجدول 7.4.9: وفيه تلخيص مقصد القرآن: وهو الهدى إلى طريق السعادة والزكاة بثلاثة أشياء مجتمعة هي: العقل والقلب والجسد، وأن الناس فريقين شقي وسعيد.

أعلى الصفحة Top