العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
040.0 سورة غافر
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
040.1 التعريف بالسورة:
1) مكية؛ ماعدا الآيتين (56 ، 57) فمدنيتان. 2) من المثاني. 3) عدد آياتها 85 آية. 4) الأربعون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والثالثة والستون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “الزمر”. 6) أسماء أخرى للسورة: وتسمى أيضاً سورة الطول من “ذي الطول”، والمؤمن لقوله تعالى فيها {وقال رجل مؤمن}. 7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة:
{الله} 50 مرة، {لله} 3 مرات، {إله} 1 مرة، رب 19 مرة، هو 7 مرات، العزيز 3 مرات، بصير 3 مرات، السميع 2 مرة، شديد العقاب 2 مرّة؛ (1 مرة): الخالق، خلَق، العليم، العلي، الكبير، غافر الذنب، الحكيم، قوي، سريع الحساب، الواحد القهار، الغفار، له الحكم، له الملك، ذي الطول، ذو العرش، هو الحي لا إله إلا هو، يَعْلَم، يحيي، يميت، يورث، وقاهم، غافر، يقضي، أنزل، قابل التوب، رفيع الدرجات، أحسن، مخرج، انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
أكثر سورة تكرر فيها: ادعوا ومشتقاتها 16 مرة، فرعون 9 مرات هي والأعراف، لفظة {كبر} ومشتقاتها 6 مرّات بعد الأنعام. جادل 5 مرات، {لا إله إلا هو} 3 مرات هي وطه، {ولكن أكثر الناس لا} 3 مرات، مقت 3 مرات، الأسباب 2 مرة، {بحمد رب} 2 مرة، {فاصبر إن وعد الله حق} 2 مرة، {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 2 مرّة، {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} 2 مرة هي والروم تقريباً، {أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ} 1 مرّة، {قوي شديد العقاب} 1 مرّة هي والأنفال.
وتكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: ادعوا 16 مرة (تدعون، يدعون، دعاء، ادعوا، أدعوا، دعوة، ندعو)؛ كافر 13 مرة؛ (12 مرة): كانوا، رسل؛ (9 مرات): فرعون، إيمان؛ (8 مرات): الأرض، حق، نار؛ (7 مرات): قبل، عباد، بينات؛ (6 مرات): يضل، هدى، كبر؛ (5 مرات): عقاب، سبيل، كذب، يجادل؛ (4 مرات): سماء، غفر، عذاب، ظلم، سيئات، شرك، أكثر، خلق، يقضي، ذنوب؛ (3 مرات): حساب، صالح، آخرة، وعد، بأس، نفع، دنيا، أخذ، مقت، كتاب؛ (2 مرة): هامان، باطل، الأحزاب، سبح، الساعة، فرح، أكبر، خسر، قصص؛ (1 مرة): {الحمد لله رب العالمين}، متاع، جنة، نجاة، صادق، تمرحون.
040.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج بن مردويه، عن انس بن مالك رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: “إن الله أعطاني السبع مكان التوراة، وأعطاني الراآت إلى الطواسين مكان الإنجيل، وأعطاني ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبور، وفضّلني بالحواميم والمفصّل. ما قرأهنّ نبيّ قبلي”.
أخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن لكل شيء لبابا وإن لباب القرآن الحواميم.
أخرج أبو عبيد، وابن الضريس، وابن المنذر والحاكم، والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الحواميم ديباج القرآن.
أخرج أبو الشيخ، وأبو النعيم، والديلمي، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحواميم ديباج القرآن”
أخرج أبو عبيد، ومحمد بن نصر، وابن المنذر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا وقعت في الحواميم وقعت في روضات أتأنق فيهن.
أخرج محمد بن نصر، وحميد بن زنجويه. من وجه آخر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا فمر بأثر غيث، فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه، إذ هبط على روضات دمثات فقال: عجبت من الغيث الأول! فهذا أعجب وأعجب. فقيل له: أن مثل الغيث الأول كمثل عظم القرآن، وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن.
040.3 وقت ومناسبة نزولها:
حسب ما روي عن ابن عباس وجابر ابن زيد أن هذه السورة نزلت بالتتابع بعد سورة الزمر، وموقعها الحالي حسب ترتيب السور في القرآن هو نفسه حسب الترتيب الزمني لها.
يوجد إشارات واضحة من مواضيع السورة عن طبيعة وظروف الفترة التي نزلت فيها. لقد كان كفار مكة منهمكين في نوعين من الأعمال العدائية ضد الرسول صلى الله عليه وسلم. العمل الأول: هو بثّهم كل أنواع الريبة والشك في عقول الناس حول تعاليم القرآن ورسالة الإسلام وحول الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وذلك بابتداعهم نزاعات جدليّة وحوارات في مواضيع ليست لها علاقة بالرسالة ذاتها واختلاقهم اتهامات تجعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشغولين فقط بالردّ على هذه الافتراءات، وردت كلمة الجدال في خمسة آيات من السورة (آية 4، 5، 35، 56، 69). العمل الثاني: هو تورطهم في تهيئة الظروف لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه. لقد كانوا يعدّون الخطة تلو الخطة، وفي إحدى المرات حاولوا عملياً تنفيذ إحدى الخطط. أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه من طريق عروة رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أخبرني بأشدّ شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثمّ قال: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم (28)}.
040.4 مقصد السورة:
040.4.1- لقد خلق الله الناس لكي يذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم ويدخلهم الجنة، لكن أكثر الناس جادلوا في آيات الله وتآمروا على رسله ولم يتوبوا، فعاقبهم الله في الدنيا وأدخلهم النار في الآخرة.
040.4.1.1- الله يريد الناس أن يتوبوا: فقد خلق الناس لكي يذنبوا ثم يتوبوا فيغفر لهم فيكافئهم على ذلك بأن يقيهم عذاب الجحيم ويدخلهم الجنة. لذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل وبين الآيات: في أنفسهم وفي الآفاق، وبين لهم مصير من سبقهم، وأنبأهم عن مصيرهم يوم القيامة.
040.4.1.2- الناس يريدون أن لا يتوبوا: استسهلوا الكفر وظلم العباد، يجادلون بالباطل ليبطلوا به الحق لكيلا يتوبوا. فقد جادلوا بالباطل جهلاً وكبراً وتجبراً وظلماً للعباد وكفراً بالحق وإيماناً بالشرك ليدحضوا به الحق لكيلا يؤمنوا بالله الواحد ولا يتوبوا ولا يعبدوه مخلصين له الدين، فجازاهم على ذلك عقاب في الدنيا وعذاب في النار في الآخرة.
040.4.2- ملخص مقصد السورة: هو أن الله {العزيز العليم (2)} بكلّ شيء، والذي وسعت رحمته كلّ شيء نزل الكتاب ليدلّ الناس على طريق التوبة فيغفر لهم: فهو {غافر الذنب (3)} للمذنبين، {وقابل التوب (3)} من التائبين، {شديد العقاب (3)} على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها، {ذي الطول (3)} أي التفضل والإحسان الشامل. وهذه دعوة للمذنبين إلى التوبة، والإنابة، والاستغفار لله {لا إله إلا هو إليه المصير (3)}.
الله خلق الناس من تراب ونفخ فيهم من روحه؛ قال لهم كن فكانوا مذنبين وتوابين (الآيات 67، 68). صورهم وأحسن صورهم ورزقهم من الطيبات (آية 64) وجعل لهم الأنعام لركوبهم وطعامهم ومنفعتهم (الآيات 79، 80). ووعدهم جنات عدن في الآخرة لمن صلح منهم (آية 8) مع علمه بأنهم مذنبون مجادلون لكنه وعد بأنهم إن تابوا فسيقبل توبتهم ويغفر ذنوبهم (آية 3) فإن لم يتوبوا فالنار مصيرهم (آية 6).
040.5 ملخص موضوع السورة:
في الأحاديث أنّ السورة نزلت بالتتابع بعد سورة الزمر، وترتيبها في القرآن هو نفس الترتيب الزمني لها. واستهلت بملخّص بديع لمقصدها من ثمانية أسماء لله تعالى، فقد أنزل القرآن ليُعلم أنه: {اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)}. خلق الناس ليذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم ويدخلهم الجنة، وإن لم يتوبوا عوقبوا. ابتدأت بهذه الأسماء المبشرة بالقبول والمنذرة من الجدال بالباطل، لكن أكثر الناس جادلوا في آيات الله وتآمروا على رسله ولم يتوبوا، فعاقبهم في الدنيا وأدخلهم النار في الآخرة. ثم تتابعت التفاصيل إلى آخرها في أربع مجموعات ابتدأت ب (الآيات 1-20) بأن الله خلق الناس لكي يذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم، ثمّ ثلاثة براهين هي: هلاك الأمم التي لم تتب، والملائكة تسبّح بحمد الله (ولا تجادل) وتستغفر للمؤمنين، ورؤية الآيات وإنزال الرزق من السماء؛ وهذه البراهين فصّلت في المجموعات الثلاث بعدها مباشرة، ففي (الآيات 21-54) قصة موسى وآل فرعون جادلوا فأهلكوا، ثمّ (الآيات 55-68) يجادلون بلا برهان وكبر ما هم ببالغيه، ولخلق السماوات والأرض أكبر من خلقهم، سخرها لهم وصورهم ورزقهم، ثمّ (الآيات 69-85) يصرفون عن آيات الله لكي يتمادوا في الكفر، فيعذبون بذنوبهم لأنهم كذبوا بالكتاب والرسل وأنكروا الآيات واستكبروا وأفسدوا في النعم، كما يلي:
المجموعة الأولى (20 آية): (الآيات 1-6) خلق الله الناس لكي يذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم، أنزل بذلك الكتب وأرسل الرسل بالآيات والبلاغ المبين، وهدّد المجادلين بهلاك الأمم قبلهم الذين جادلوا وآذوا وقتلوا رسلهم. ثمّ (الآيات 7-12) لا يحتاج الله إلى توبة الناس، فكلّ شيء يسبح بحمده، والملائكة يؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض، ويدعون لهم بالنعيم والفلاح، أما الكافرون فينادون يوم القيامة أن مقت الله لهم في الدنيا أكبر من مقتهم لأنفسهم بعد أن قامت عليهم الحجة وفات أوان والتوبة. ثمّ (الآيات 13-20) يريهم آياته، وينزل عليهم الرزق من السماء، لكي يعبدوه مخلصين له الدين، وينذرهم يوماً يقضي بينهم بالحق {الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} وتجزى كل نفس ما كسبت {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)}.
المجموعة الثانية (34 آية): أربعون بالمئة (40%) من الآيات هي عن قصص إرسال موسى بالآيات {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)}، فجادل فرعون وكذب وكفر وعلا في الأرض، وقتل أبناء المؤمنين واستحيا نساءهم، وهمّ بقتل موسى عليه السلام، لكن الله نجّاه ومن آمن معه، وأغرق فرعون وأبقى آثار تجبره في الأرض آية وعبرة لمن يأتي بعده إلى يوم القيامة، هذا في الدنيا أما في الآخرة ففي العذاب الشديد في النار يعتذرون {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)}.
المجموعة الثالثة (14 آية): في (الآيات 55-60) يأمر تعالى رسوله والمؤمنين بالصبر والاستغفار {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)}، لأنّ علّة المجادلين هي الكبر بغير حجة ولا برهان، وهم أصغر وأضأل من هذا الكبر الذي يحيك في صدورهم {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ (57)} فالذين صرفهم الكبر عن رؤية الآيات والعبادة لا يستجاب لهم وسيدخلون جهنم صاغرين. ثمّ (الآيات 61-68) بيان أن الله {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ (62)}، خالق الإنسان والسماوات والأرض والأنعام والليل والنهار، سخرها للإنسان ورزقه من الطيبات، {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} لكن أكثرهم بآيات الله يجحدون ولنعمه لا يشكرون.
المجموعة الرابعة (17 آية): في (الآيات 69-77) لقد صرف الله المجادلين والمكذبين عن آياته، وأدخلهم النار تسعّر بهم، فليصبر المؤمنون {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ (77)} وسيريهم تحقق وعده في المتكبّرين. ثمّ (الآيات 78-85) أرسل لهم المرسلين، ويُريهم آياته في الأنعام ليركبوها ومنها يأكلون، ولهم فيها منافع وعليها وعلى الفلك يحملون، ويريهم عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشدّ قوّة وفرحوا بما عندهم من العلم، فلما رأوا العذاب الذي كانوا به يستهزئون آمنوا {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)}.
ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلماً فاغفر لنا ذنوبنا واقبل توبتنا وأدخلنا الجنّة.
040.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
باعتبار ترتيب آيات السورة نستطيع تمييز أربعة مجموعات من الآيات: الأول عن مقصد السورة والثاني قصص تسهّل فهم المقصد والثالث آيات الله حول نفس المقصد والرابع جزاء الأعمال، كما يلي:
040.6.1- الآيات (1-20) مقصد وموضوعات السورة: لقد خلق الله الناس لكي يذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم. لكن أكثر الناس جادلوا في آيات الله وتآمروا على رسله، فعاقبهم الله في الدنيا وأدخلهم النار في الآخرة.
لقد خلق الله الناس لكي يذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم. هذا باختصار هو مقصد السورة ومقصد خلق الإنسان وهذه سنة الله التي لا تتغير في خلق الإنسان. من أجل هذا أنزل الله الكتاب وأرسل الرسل بالآيات الواضحات والحجج القاطعات والبلاغ المبين للناس بأنه من يعمل ذنباً ثم يتوب فإن الله يقبل توبته وينجيه في الدنيا ويدخله الجنة في الآخرة، أما من لم يتب ويجادل في آيات الله ويتآمر على رسله فإن الله سيعاقبه في الدنيا ويدخله النار في الآخرة.
وأن الله ليس بحاجة للناس سواء تابوا أم لم يتوبوا، لأن الوجود كلّه مستسلم له، ولا يملك من في ملكوت الله إلا أن يطيعوا أوامره شاؤوا أم أبوا. وهذه الملائكة حملة العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به، ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض، ويدعون لهم بالمغفرة والنعيم والفلاح. وينادون على الكافرين يوم القيامة أن مقت الله لهم في الدنيا أكبر من مقتهم لأنفسهم حين أدركوا أنهم دُعُوا إلى الإيمان فكفروا وظلموا، فيعترف الكفار في الآخرة بذنوبهم وإفسادهم بعد أن قامت عليهم الحجة وفات الأوان.
يؤكد سبحانه بأنه يريهم آياته، وينزل عليهم الرزق من السماء، لكي يعبدوه مخلصين له الدين. ويرسل إليهم رسلا بالوحي من عنده ينذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون، الملك في ذلك اليوم لله الواحد القهار، فيقضي بينهم بالحق، وتجزى كل نفس ما كسبت لا ظلم، إن الله سريع الحساب.
040.6.2- الآيات (21-54) قصة موسى وآل فرعون:
وهي تسهل علينا فهم مقصد وموضوعات السورة وهي كيف أن الله أرسل موسى بوحي من عنده وزوده بالحجج والآيات إلى فرعون وقومه ينذرونهم أن الله يأمرهم بالتوبة عن ظلم بني اسرائيل والتوقف عن الإفساد في الأرض، وأن يعودوا مصلحين فيعبدوا الله مخلصين له الدين. لكن فرعون جادل وكذب وكفر وعلا في الأرض، يقتل أبناء المؤمنين ويستحيي نساءهم، وهم بقتل رسول الله موسى عليه السلام، لكن الله نجى موسى ومن آمن معه، وأغرق فرعون وأبقى آثار تجبره في الأرض آية وعبرة لمن يأتي بعده إلى يوم القيامة، هذا في الدنيا أما في الآخرة ففي العذاب الشديد في النار، وفي الجدال العقيم بين الضعفاء والمتكبرين لاحقهم حتى في النار، ويعتذرون ويندمون يوم لا ينفعهم معذرتهم ولا ندمهم لهم اللعنة وسوء الدار.
040.6.3- الآيات (55-68) آيات الله في السماوات والأرض وفي أنفسهم:
يأمر تعالى رسوله والمؤمنين بالصبر على التكذيب والجدال والإيذاء والصد عن الحق والتبجح بالباطل. ثم يكشف لهم عن علة المجادلة في آيات الله بغير حجة ولا برهان. إنه الكبر الذي يمنع أصحابه من التسليم بالحق، وهم أصغر وأضأل من هذا الكبر الذي يحيك في صدورهم. ومن ثم يجيء التنبيه إلى عظمة هذا الكون الذي خلقه الله، وصغر الناس جميعاً بالقياس إلى السماوات والأرض. لذلك فالمتكبر الذي لا يرى هذه الآيات فهو أعمى ومأواه جهنم، أما المؤمن فهو بصير يرى الآيات ويؤمن بالساعة، فيعدّ لها عدتها بالعمل الصالح.
بيان أن الله هو خالق كل شيء لا إله إلا هو. خالق الإنسان في أحسن صورة، وخلق السماوات والأرض والأنعام والليل والنهار، وسخرها له ورزقه من الطيبات، لكن أكثر الناس بآيات الله يجحدون ولنعمه لا يشكرون.
040.6.4- الآيات (69-85) يصرفون عن آيات الله لكي يتمادوا في الكفر والظلم فيعذبون بذنوبهم وجريرة إفسادهم لأنهم كذبوا بالكتاب والرسل وأنكروا الآيات واستكبروا وأفسدوا بالنعم.
لقد صرف الله المجادلون عن آياته والمكذبون عن كتابه، وأدخلهم النار تسعّر بهم. يسألون وهم في النار توبيخاً لهم عن الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله لكي ينقذونهم من العذاب إن كانوا قادرين، بل غابوا عنهم، عندها يعترفون بأنهم كانوا على الباطل. فليصبر المؤمنون على الحق حتى يفوزوا في الدنيا والآخرة فإن وعد الله حق وسينجز وعده.
من نعم الله على الناس أنه سبحانه قد أرسل رسلاً كثيرين قبل رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، ولم يكونوا ليأتوا من أنفسهم بل الله أرسلهم ليبلغوا قومهم وأيدهم بالآيات، فإذا جاء أمر الله قُضِي بالعدل، وخسر هنالك المبطلون. إن آيات الله قائمة تملأ المكان، في الكون، وبين أيديهم، ولا يستطيعون إنكارها. في الأنعام والفلك ومصائر الأمم السابقة. لكنهم فرحوا بما عندهم من العلم المناقض لما جاءت به الرسل، وحلَّ بهم من العذاب ما كانوا به يستهزئون. فلما رأوا العذاب آمنوا فلم يك ينفعهم إيمانهم هذا لأنهم آمنوا مضطرين لا مختارين.
040.7 الشكل العام وسياق السورة:
040.7.1- إسم السورة هو أحد أسماء الله تعالى الحسنى، سميت بهذا الاسم لأن الله ذكر هذا الاسم الجليل، في مطلع السورة {غافر الذنب وقابل التوب (3)}، وكرر ذكر المغفرة في دعوة الرجل المؤمن {وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار (42)}، وتسمّى سورة المؤمن لذكر قصّة مؤمن آل فرعون. بدأت بحروف مقطعة والسورة من الحواميم “حم”. ذكر لفظ الجلالة في الآية الثانية وذكر اسم الله العزيز والعليم.
040.7.2- باعتبار موضوعات آيات السورة نستطيع تمييز أربعة موضوعات رئيسية تقسم السورة إلى أربعة أرباع متساوية تقريباً كما يلي:
– أن الله غافر على الدوام، وأن الناس مذنبون، ومجادلون بغير دليل، وجاحدون بآيات الله، ويتمادون في الباطل.
– بيان آيات الله في السماوات والأرض وفي أنفسهم حول نفس المقصد.
– قصّة تؤكد هلاك الأمم بسبب كفر الإنسان وجداله وتكبره وكثرة ذنوبه.
– النبأ عن مصير الناس يوم القيامة.
مقصد السورة وهو إرادة الله لهم بالتوبة ومقابلتهم لها بالجدال تتكرر في هذه الموضوعات الأربعة.
040.7.2.1- ربع عدد آيات يدور موضوعها حول مقصد السورة وهو أن الله غافر، وأن الناس تجادل، كما يلي:
الله يريد الناس أن يتوبوا فيغفر لهم: الله خلق الناس لكي يذنبوا ثم يتوبوا فيغفر لهم فيكافئهم على ذلك بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة. لكنهم جادلوا بالباطل ليبطلوا به الحق فنالوا مقت الله في الدنيا وعذاب الجحيم في الآخرة. لذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل مبشرين بالمغفرة ومنذرين بالعقاب. (آيات تتحدث عن مقصد السورة وهو الأمر بعبادة الله مخلصين له الدين والنهي عن عبادة ما دونه). الآيات (1-4، 7-9، 14، 15، 19، 35، 51، 52، 55، 56، 58-60، 63، 65، 66، 77) = 22 آية.
040.7.2.1.1- الله غافر، وأن الناس تجادل، ولكن في النهاية أمر الله هو الذي سيمضي، فمن تاب غفر له وفاز ومن كفر ولم يتب أهلكه جداله وخسر.
040.7.2.1.1.1- الآيات (1-3): لأن الله عزيز عليم بكل شيء، فهو غافر الذنب للمذنبين، وقابل التوب من التائبين، شديد العقاب على مَن تجرَّأَ على الذنوب، ولم يتب منها، وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضُّل على عباده الطائعين، لا معبود تصلح العبادة له سواه، إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب، فيجازي كلا بما يستحق. (1-3)
040.7.2.1.1.2- الآية (4) يقابله أنه: ما يجادل في آيات الله (التي بينها في القرآن) وأدلته على وحدانية الله، ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون لآيات الله وحججه وبراهينه، فلا يغررك ترددهم في البلاد (في أموالها ونعيمها وزهرتها) وعدم معاجلتهم بالعقاب، متاع قليل ثم يأخذهم كما أخذ الذين من قبلهم (كما صرحت به الآيتين رقم 5 و 6)
040.7.2.1.1.3- الآيات (7-9) الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومَن حوله، ينزِّهون الله عن كل نقص، ويحمَدونه بما هو أهل له، ويؤمنون به، ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين، وأن يغفر لم، ويجنبهم عذاب النار، ويدخلهم جنات عدن، وأن يصرف عنهم سيئات ما عملوا يوم الحساب، فيكون قد رحمهم وأنعم عليهم بالنجاة، وذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز مثله.
040.7.2.1.2- الله يأمرهم بعبادته لأنه المستحق ويرسل الرسل، وهم يجادلون بدون حجة مقبولة. الله ينصر المؤمنين في الدنيا والآخرة ويؤيدهم بالملائكة أما الكافرون فلن تنفعهم حججهم وأعذارهم.
040.7.2.1.2.1- الآيات (14، 15) فأخلصوا أيها المؤمنون لله وحده العبادة والدعاء، ولو أغضب ذلك الكافرين. إن الله الذي لا أرفع قدرا منه، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء، خالق العرش ومالكه. من رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي، تنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون.
040.7.2.1.2.2- الآية (19) يعلم الله سبحانه ما تختلسه العيون من نظرات، وما يضمره الإنسان في نفسه من خير أو شر.
040.7.2.1.2.3- الآية (35) الذين يخاصمون في آيات الله وحججه لدفعها من غير أن يكون لديهم حجة مقبولة، كَبُر ذلك الجدال مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا، كما خَتَم بالضلال وحَجَبَ عن الهدى قلب كل متكبر جبار.
040.7.2.1.2.4- الآيات (51، 52) إنَّا لننصر رسلنا ومَن تبعهم من المؤمنين في الدنيا ويوم القيامة، يوم تشهد بأن الرسل قد بلَّغوا رسالات ربهم، وأن الأمم كذَّبتهم. يوم لا ينفع الظالمين بما يقدِّمونه من عذر، ولهم النار والطرد من رحمة الله.
040.7.2.1.3- يأمر عباده بالصبر وانتظار وعد الله وأن هؤلاء يجادلون كبراً. ويهدد بأن يصرف عن الحق الجاحدون.
040.7.2.1.3.1- الآيات (55، 56) فاصبر على ما وعدك الله، وسبح بحمده في آخر النهار وأوله، واستغفر لذنبك. إن الذين يدفعون الحق بالباطل، ويردُّون الحجج الصحيحة بالشُّبَه الفاسدة بلا دليل، ليس في صدورهم إلا تكبر ليسوا ببالغيه. فاعتصم بالله من شرهم إنه هو سميع لأقوالهم، بصير بأفعالهم، وسيجازيهم عليها.
040.7.2.1.3.2- الآيات (58-60) وما يستوي الأعمى والبصير، وكذلك لا يستوي المؤمنون الذين يعملون بشرعه، والجاحدون الذين ولا يعملون بشرعه. قليلا ما تتذكرون. إن الساعة لآتية لا شك فيها، ولكن أكثر الناس لا يُصَدِّقون بمجيئها. وقال ربكم: ادعوني وحدي أستجب لكم، إن الذين يتكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين.
040.7.2.1.3.3- الآية (63) يُصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون .
040.7.2.1.4- هو الحي فأخلصوا له العبادة لا إله غيره. كيف يعدلون عن آياته (يهددهم) سوف يعلمون. فليصبر الجميع حتى يأتي وعد الله الحق فإذا جاء قضي بالعدل وخسر المبطلون. فرحوا بما عندهم من العلم لكن حل بهم ما جاء في آيات الله وكلامه.
040.7.2.1.4.1- الآيات (65، 66) هو الله سبحانه الحي الذي لا إله غيره، فاسألوه واعبدوه مخلصين له دينكم وطاعتكم. فالحمد لله والثناء الكامل له رب الخلائق أجمعين. قل: إني نُهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله، لـمَّا جاءني الآيات الواضحات من عند ربي، وأمرني أن أخضع وأنقاد بالطاعة التامة له، سبحانه رب العالمين.
040.7.2.1.4.2- الآية (77) فاصبر أيها الرسول، إن وعد الله حق، فإما نرينَّك في حياتك بعض الذي نعد المشركين من العذاب، أو نتوفينَّك قبل أن يحلَّ ذلك بهم، فإلينا مصيرهم يوم القيامة.
040.7.2.2- بيان الآيات في أنفسهم وفي الآفاق: الآيات (5، 13، 20-22، 53، 54، 57، 61، 62، 64، 67-70، 78-83) = 21 آية
040.7.2.2.1- آيات الله الدالّة على أن الله هو خالق الإنسان في أكمل صورة وأحسن تقويم، وهو أعلم بما يصلحه ويصلح أحواله في الدنيا والآخرة: من المأكل والمشرب والمركب وغيرها لبدنه، وكذلك الليل للسكن والنهار للعمل، وغيرها كما بينته الآيات. وكذلك التوحيد والإخلاص في العبادة؛ والآيات الكثيرة لمعرفة خالقه وكمال صفاته وسمعه وبصره وعدله بين مخلوقاته، كما يلي: الآيات (13، 20، 57، 61، 62، 64، 67، 68، 79-81) = 11 آية.
040.7.2.2.1.1- الآية (13) الله يريكم من خلال آياته العظيمة كمال خالقها ومبدعها وقدرته. ويُنَزِّل لكم من السماء مطراً تُرزَقون به، وما يتذكر بهذه الآيات إلا مَن يرجع إلى طاعة الله، ويخلص له العبادة.
040.7.2.2.1.2- الآية (20) الله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل، والذين يُعبدون من دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء. إن الله هو السميع البصير، وسيجازيكم على أعمالكم.
040.7.2.2.1.3- الآية (57) لَخَلْق الله السماوات والأرض أكبر من خَلْق الناس وإعادتهم بعد موتهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هيِّن على الله.
040.7.2.2.1.4- الآيات (61، 62) الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار مضيئاً لمعاشكم. إن الله لذو فضل عظيم على الناس، ولكن أكثرهم لا يشكرون. الذي أنعم عليكم بهذه النعم إنما هو ربكم خالق الأشياء كلها، لا إله يستحق العبادة غيره، فكيف تعبدون غيره من الأصنام التي لا تخلق شيئا بل هي مخلوقة منحوتة.
040.7.2.2.1.5- الآية (64) الله الذي جعل لكم الأرض لتستقروا فيها، ويسَّر لكم الإقامة عليها، وجعل السماء سقفاً للأرض، وخلقكم في أكمل صورة وأحسن تقويم، وأنعم عليكم بحلال الرزق ولذيذ المطاعم والمشارب، ذلكم الله ربكم، فتكاثر خيره وفضله وتنزه رب العالمين كلهم.
040.7.2.2.1.6- الآيات (67، 68) هو الله الذي خلقكم من تراب، ثم من نطفة ثم من علقة، ثم تولدوا أطفالا، ثم تقوى بِنْيَتُكم إلى أن تصيروا شيوخاً، ومنكم من يموت قبل ذلك، ولتبلغوا بهذه الأطوار المقدَّرة أجلا مسمى تنتهي عنده أعماركم، ولعلكم تعقلون حجج الله عليكم بذلك، وتتدبرون آياته. فتعرفون أنه هو سبحانه المتفرد بالإحياء والإماتة، فإذا قضى أمراً فإنما يقول له: {كن} فيكون.
040.7.2.2.1.7- الآيات (79-81) الله سبحانه هو الذي جعل لكم الأنعام، لتنتفعوا بها في الركوب والأكل وغيرها، ولتبلغوا بالحمولة على بعضها حاجةً في صدوركم، وعليها تُحْمَلون في البرية، وعلى الفلك تُحْمَلون في البحر كذلك. ويريكم الله آياته الكثيرة، فأي آية من آياته تنكرونها، ولا تعترفون بها؟
040.7.2.2.2- آيات الله الدالّة على هلاك الأمم بسبب كثرة جدالهم بالباطل ليبطلوا به الحق. كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا وهموا بقتل رسولهم، فأخذهم الله واستبدلهم بالمؤمنين وأورثهم الكتاب والإيمان، وخسر المبطلون. نرى آثارها تلك الأمم على الأرض: الآيات (5، 21، 22، 53، 54، 69، 70، 78، 82، 83) = 10 آيات.
040.7.2.2.2.1- الآية (5) تلخص هذه الآية موضوعات القصص في السورة وهو: أن الله يرسل المرسلين بالآيات والكتب والحجج والبراهين كدليل ونذير على أنه ما خلق الناس مذنبين ليعذبهم ولكن، ولكن ليتوبوا فيرحمهم ويغفر لهم ويدخلهم الجنة. ثم ما فعله الناس مقابل هذا الدليل والبيان العظيم من الله خالقهم وهو التكذيب والتآمر على قتل الرسول والجدال بالباطل ليبطلوا بجدالهم الحق. فعاقبهم الله ليكونوا عبرة لمن يأتي بعدهم.
040.7.2.2.2.2- الآيات (21، 22) تشير إلى أن قصة الكفر تكررت في كل الأمم، وأن كل تلك الأمم نالت عقابها الشديد من الله بسبب ذنوبهم. وأبقى تعالى في الأرض آثارهم لكي يراها من بعدهم لعلهم يتدبرون سنن الله فيعلمون أن شدّة بطش تلك الأمم وشدة قوتهم وآثارهم الباقية وعظم أجسامهم لم تكن لتحميهم من عقوبة الله لهم بسبب ذنوبهم، وأن الله قوي شديد العقاب.
040.7.2.2.2.3- الآيات (53، 54) لقد نجى الله بني إسرائيل ونصرهم، وآتى موسى ما يهديهم إلى الحق من التوراة والمعجزات، وجعل بني إسرائيل يتوارثون التوراة خلفاً عن سلف، هادية إلى سبيل الرشاد، وموعظة لأصحاب العقول السليمة.
040.7.2.2.2.4- الآيات (69، 70) ألا تعجب كيف يخاصمون بآيات الله ويعدلون عنها مع صحتها؟ فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم.
040.7.2.2.2.5- الآية (78) ولقد أرسلنا رسلا كثيرين، وكلهم مأمورون بتبليغ وحي الله إليهم. وما كان لأحد منهم أن يأتي بآية إلا بإذن الله، فإذا جاء أمر الله قُضِي بالعدل، وخسر هنالك المبطلون.
040.7.2.2.2.6- الآيات (82، 83) أفلم يَسِرْ هؤلاء المكذبون في الأرض ويتفكروا في مصارع الأمم المكذبة من قبلهم، كيف كانت عاقبتهم؟ وكانت هذه الأمم السابقة أكثر منهم عدداً وعدة وآثاراً في الأرض من الأبنية والمصانع والغراس وغير ذلك، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبونه حين حلَّ بهم بأس الله. فلما جاءت الأمم المكذبة رسلُها بالدلائل الواضحات، فرحوا جهلا منهم بما عندهم من العلم المناقض لما جاءت به الرسل، وحلَّ بهم من العذاب ما كانوا يستعجلون به رسلَهم على سبيل السخرية والاستهزاء.
040.7.2.3- قصص تبين أن الكفر والجدال تكرر في كل الأمم السابقة، فأهلكهم الله وأبقى آثارهم عبرة لمن يأتي بعدهم. الآيات (23- 34، 36-44) = 21 آية.
040.7.2.3.1- ذكرنا أعلاه أن الآية (5) تلخص مقصد القصص في هذه السورة، وذكرنا في الآيات (21، 22) أن نفس هذه القصص تكررت في كل الأمم.
040.7.2.3.2- الآيات (23- 34، 36-44) ومن أعظم تلك القصص في تاريخ الناس وأعجبها قصة فرعون وهامان مع بني إسرائيل. بسبب عظيم الكبر الذي أظهره أصحابها وجدالهم وكفرهم بالآيات، ثم كذلك بقاء آثارهم العظيمة الدالة على قوتهم وشدتهم إلى هذه الساعة. بل أنه في كل حين تخرج علينا مكتشفات جديدة من آثارهم نرى فيها من الدقة والقوّة والعلم ما يجعلنا نعجب ونذهل من عظيم ما وصلوا إليه، ونعترف بدون أدنى تردد بأنهم كانوا أشد منّا قوّة وآثاراً في الأرض.
أرسل تعالى نبيه موسى بالآيات البينات والمعجزات الظاهرات والحجج الواضحات القاطعات إلى فرعون وهامان وقارون، فأنكروا رسالته واستكبروا وقالوا ساحر كذاب. لم يكتفوا بذلك بل قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه، واستبقوا نساءهم للخدمة والاسترقاق. وقال فرعون لقومه: اتركوني أقتل موسى.
وفي هذا الخضم يهيئ الله رجل مؤمن من قوم فرعون يكتم إيمانه يحثهم على الإيمان بما جاءهم من البراهين القاطعة ويحذرهم من قتل موسى. ويذكرهم بأنه أقدم على فعل ذلك قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، فأهلكهم الله بسبب ذلك. ويحذرهم يوم التناد يوم يولون مدبرين وما لهم من الله من مانع يمنعهم وناصر ينصرهم. فيجيب فرعون بأنه على الصواب والصلاح. ويتمادى فرعون في الاحتيال والتدبير لإيهام الناس بأنه محق وأن موسى على باطل، ولن يفيد فرعون هذا إلا الشقاء في الدنيا والآخرة.
ثم بعد نصح فرعون يتوجه الرجل المؤمن إلى قومه ينصحهم بأن الدنيا فانية وأن الآخرة هي دار القرار. وأنه يدعوهم إلى النجاة من النار ودخول الجنة. وأنه من يعمل سيئة يجزى عقاباً يساوي معصيته، ومن أطاع وعمل صالحاً فسيدخل الجنة في نعيم بغير حساب. إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد، وما يستحقونه من جزاء، ولا يخفى عليه شيء منها.
فوقى الله سبحانه ذلك الرجل المؤمن الموفَّق عقوبات مكر فرعون وآله، وحلَّ بهم سوء العذاب حيث أغرقهم الله عن آخرهم في الدنيا. أما في الآخرة ففي النار يذوقون فيها أشد العذاب.
040.7.2.3.3- ذكرت كذلك الآيات (53، 54) أن الله صدق وعده ونصر بني اسرائيل وأنزل عليهم التوراة تهديهم إلى الحق.
040.7.2.4- مصير الناس يوم القيامة وجدالهم في النار وإيمانهم حين يروا العذاب: الآيات (6، 10-12، 16-18، 45-50، 71-76، 84، 85) = 21 آية:
040.7.2.4.1- الآية (6) تلخص هذه الآية مصير من لا يتوب من ذنبه ويبقى على الكفر فإنه من أصحاب النار. فكما حق العقاب في الدنيا على الأمم السابقة التي كذَّبت رسلها فهلكت، حق على الذين كفروا أنهم أصحاب النار.
040.7.2.4.2- الآيات (10-12) في الآيات السابقة ذكر أن الملائكة يستغفرون للذين آمنوا، أما هنا فهم ينادون الذين كفروا بأن الله يمقتهم لكفرهم. ثم أن الذين كفروا في جدال عقيم لن يغني عنهم من الحق شيئاً، يعترفون بذنوبهم ويريدون الخروج من النار. فالحكم اليوم لله، هو العلي وله الكبرياء، وقد حق عليهم أنهم في النار.
040.7.2.4.3- الآيات (16-18) في ذلك اليوم لن ينفع الظالمين جدالهم فالله لا يخفى عليه شيء، له الملك هو الواحد القهار، في ذلك اليوم تجزى كل نفس بما كسبت، لا ظلم الله سريع الحساب. فأنذرهم أن قلوبهم في ذلك اليوم ستعلق في حلوقهم من شدة الخوف والغم والحزن، ومالهم من قريب ولا شفيع ترجى شفاعته، فيستجاب له.
040.7.2.4.4- الآيات (45-50) لقد نجى الله الرجل المؤمن وحلّ بآل فرعون سوء العذاب، بأن أغرقهم في البحر في الدنيا، وفي القبر يعرضون على النار في الصباح وفي المساء، ويوم تقوم الساعة يدخلون أشد العذاب، يتجادلون ويتلاومون ولن يغني عنهم جدالهم ولا ملامتهم من الحق شيئاً.
040.7.2.4.5- الآيات (71-76) الأغلال في أعناقهم وفي السلاسل يسحبون وفي النار يوقد بهم. ثم يقال لهم توبيخاً ادعوا الآلهة التي كنتم تعبدونها لينقذوكم إن استطاعوا، فيعترفون بجهلهم وبطلان عبادتهم التي لا تساوي شيئاً. وكما أضل الله هؤلاء يضل الكافرين.
ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا من غفلة، حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام، وبما أنتم عليه من الأشَر والبَطَر والبغي على عباد الله. ادخلوا جهنم عقوبة لكم، فبئست نزلا للمتكبرين في الدنيا.
040.7.2.4.6- الآيات (84، 85) لما رأوا العذاب آمنوا بالله وكفروا بالشرك. فلم ينفعهم هذا الإيمان لأنهم قد اضطرّوا إليه، لا إيمان اختيار ورغبة. سنة الله وطريقته التي سنَّها في الأمم كلها ألا ينفعها الإيمان إذا رأوا العذاب. وهلك عند مجيء البأس الكافرون.
040.7.3- سياق السورة باعتبار القصص الموجودة فيها:
باعتبار القصص الموجودة في السورة (والإشارات الكثيرة إلى قبيح ما فعلته الأمم من الجدال بالباطل ليبطلوا به الحق وتآمرهم على رسلهم) سنجد أن نصف عدد آيات السورة تقريباً تتحدث عن هذا الموضوع، وأن ربعها يتحدث عن المقصد والموضوعات، والربع الآخر عن آيات الله، والعقاب للكافرين في الآخرة، كما يلي:
040.7.3.1- مقصد وملخص موضوعات السورة: الآيات (1-4، 6-9، 14، 15، 55، 56، 58-60، 63، 65، 66، 69، 70، 77) = 21 آية = 24.71%. ربع عدد آيات السورة.
040.7.3.1.1- الآيات الأربعة الأولى (1-4) تلخص مقصد السورة وهو أن الله خلق العباد ليذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم. لكن الناس يجادلون بآيات الله بالباطل فلا تأبه لهم (لا يغررك تقلبهم في البلاد) فسيندمون.
040.7.3.1.2- الآيات (6-9) بيان مصير المؤمنين والمكذبين. لقد ذكرت الآية (3) أنه كما هو الله قابل التوب فهو شديد العقاب. وذكرت الآية (4) أن الإمهال الذي جعل للذين يتقلبون في نعيم الدنيا رغم كفرهم، هو اختبار يتبعه حساب، بدليل عقابه لكل الأمم السابقة بلا استثناء، كما ذكر في الآية (5).
040.7.3.1.2.1- الآية (6) وكما حق العقاب على الأمم السابقة التي كذَّبت رسلها، حق على الذين كفروا أنهم أصحاب النار.
040.7.3.1.2.2- الآيات (7-9) أما الذين تابوا من الشرك والمعاصي، وسلكوا الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه وهو الإسلام، فسيغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم الجنة برحمته لا بأعمالهم. ذلك أنه قد صرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم فلم يؤاخذهم بها.
الملائكة ينزِّهون الله عن كل نقص، ويحمَدونه بما هو أهل له، ويؤمنون به حق الإيمان، ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين وأن يدخلهم الجنة التي وعدهم إياها في حال توبتهم.
040.7.3.1.3- يأمر الله الناس بعبادته مخلصين له الدين، وينهاهم عن عبادة من دونه. وينذر بالعقاب في الدنيا والآخرة الكافرين المجادلين ويبشر بنعمة الدين في الدنيا وبالجنة في الآخرة للمؤمنين التائبين:
040.7.3.1.3.1- الآيات (14، 15) يأمرنا بالدعاء له والعبادة مخلصين له الدين فهو رفيع الدرجات ذو العرش.
040.7.3.1.3.2- الآيات (55، 56) يأمرنا بالصبر والاستغفار والتوبة لكي يغفر لنا ويدخلنا الجنة فوعده الحق، أما المجادلين بالباطل وبدون دليل فهؤلاء في كبر لن يصلوا إليه فاستعذ بالله منهم إنه سميع بصير.
040.7.3.1.3.3- الآيات (58-60) يبين تعالى أنه لا يستوي المؤمن الذي يعمل الصالحات ولا المسيء، فالساعة قائمة لا شك فيها، يستجيب تعالى لمن يدعوه ويدخله الجنة، أما المتكبرين فإلى جهنم صاغرين.
040.7.3.1.3.4- الآية (63) يُصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون.
040.7.3.1.3.5- الآيات (65، 66) يأمرنا بالدعاء له وعبادته مخلصين له الدين. وينهانا عن عبادة من دونه بعد ما جاءتنا البينات. يأمرنا بأن نسلم له، وأن نحمده على نعمة عبادته هو رب الخلائق أجمعين.
040.7.3.1.3.6- الآيات (69، 70) ألم تر كيف يُصْرَفُ المجادلون في آيات الله عنها مع صحتها ووضوحها، وهو تأكيد للآية (63) . هؤلاء المكذبون بالكتاب والرسل سوف يعلمون عاقبة تكذيبهم.
040.7.3.1.3.7- الآية (77) فاصبر، إن وعد الله حق، وقد نرينّك في حياتك بعض ما وعدناهم من العذاب في الدنيا، قبل العذاب في الآخرة، فإلينا مصيرهم، (وقد فصّلت هذه السورة بإسهاب هذين العذابين في الدارين).
040.7.3.2- الله يري آياته في السماوات وفي الأرض وفي خلق الإنسان والأنعام وغيرها. ويمنّ بواسع فضله على الإنسان بأن خلقه من تراب ثم صوّره فأحسن صورته، ورزقه من الطيبات، وبما أنزله من الرزق من السماء، وجعل الليل للسكن، والنهار للسعي، والأنعام للركوب والأكل والمنافع الأخرى. والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه، وهو وحده العليم بما تختلسه نظرات العيون وما تخفيه الصدور من خير أو شر، السميع لأقوالهم، البصير بأفعالهم وأعمالهم، وسيجازيهم عليها. الآيات (13، 19، 20، 57، 61، 62، 64، 67، 68، 79-81) = 12 آية = 14.12%.
040.7.3.3- القصص: قصة جدال فرعون في آيات الله، وعلوّه في الأرض وكفره، وبيان مصيره في الدنيا وفي الآخرة، مع إشارات إلى غيرهم من الأمم: الآيات (5، 12، 21-54، 75، 78، 82-85) = 42 آية = 49.41% وهي نصف عدد آيات السورة تقريباً.
احتوت السورة على قصص وإشارات كثيرة إلى قبيح ما فعله الناس من الجدال بالباطل ليبطلوا به الحق وتآمرهم على رسلهم ليقتلوهم. أعقبه عقاب الله لهم في الدنيا بالهلاك ثم ما ينتظرهم من الخلود في النار يوم القيامة.
040.7.3.3.1- الآيات (5، 12) تلخص هاتين الآيتين موضوعات القصص في السورة وهو:
040.7.3.3.1.1- الآية (5) أن الله يرسل المرسلين بالآيات والكتب والحجج والبراهين كدليل ونذير على أنه ما خلق الناس مذنبين ليعذبهم، ولكن ليتوبوا فيرحمهم ويغفر لهم ويدخلهم الجنة. ثم ما فعله الناس مقابل هذا الدليل والبيان العظيم من الله خالقهم وهو التكذيب والتآمر على قتل الرسول والجدال بالباطل ليبطلوا بجدالهم الحق. فعاقبهم الله ليكونوا عبرة لمن يأتي بعدهم.
040.7.3.3.1.2- الآية (12) ذلك العذاب للكافرين بسبب أنهم إذا دعوا إلى الله وحده كفروا، وإن يُجْعل له شريك يُصَدِّقوا به ويتبعوه. فالحاكم لله في خلقه هو العلي الكبير.
040.7.3.3.2- الآيات (21-22) تشير إلى أن قصة الكفر تكررت في كل الأمم، وأن كل تلك الأمم نالت عقابها الشديد من الله بسبب ذنوبهم. وأبقى تعالى في الأرض آثارهم لكي يراها من بعدهم لعلهم يتدبرون سنن الله فيعلمون أن شدّة بطش تلك الأمم وشدة قوتهم وآثارهم الباقية وعظم أجسامهم لم تكن لتحميهم من عقوبة الله لهم بسبب ذنوبهم، وأن الله قوي شديد العقاب.
040.7.3.3.3- الآيات (23-54) ومن أعظم تلك القصص في تاريخ الناس وأعجبها قصة فرعون وهامان مع بني إسرائيل. بسبب عظيم الكبر الذي أظهره أصحابها وجدالهم وكفرهم بالآيات، ثم كذلك بقاء آثارهم العظيمة الدالة على قوتهم وشدتهم إلى هذه الساعة. بل أنه في كل حين تخرج علينا مكتشفات جديدة من آثارهم نرى فيها من الدقة والقوّة والعلم ما يجعلنا نعجب ونذهل من عظيم ما وصلوا إليه، ونعترف بدون أدنى تردد بأنهم كانوا أشد منّا قوّة وآثاراً في الأرض.
أرسل تعالى نبيه موسى بالآيات البينات والمعجزات الظاهرات والحجج الواضحات القاطعات إلى فرعون وهامان وقارون، فأنكروا رسالته واستكبروا وقالوا ساحر كذاب. لم يكتفوا بذلك بل قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه، واستبقوا نساءهم للخدمة والاسترقاق. وقال فرعون لقومه: اتركوني أقتل موسى.
وفي هذا الخضم يهيئ الله رجل مؤمن من قوم فرعون يكتم إيمانه يحثهم على الإيمان بما جاءهم من البراهين القاطعة ويحذرهم من قتل موسى. ويذكرهم بأنه أقدم على فعل ذلك قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، فأهلكهم الله بسبب ذلك. ويحذرهم يوم التناد يوم يولون مدبرين وما لهم من الله من مانع يمنعهم وناصر ينصرهم. فيجيب فرعون بأنه على الصواب والصلاح. ويتمادى فرعون في الاحتيال والتدبير لإيهام الناس بأنه محق وأن موسى على باطل، ولن يفيد فرعون هذا إلا الشقاء في الدنيا والآخرة.
ثم بعد نصح فرعون يتوجه الرجل المؤمن إلى قومه ينصحهم بأن الدنيا فانية وأن الآخرة هي دار القرار. وأنه يدعوهم إلى النجاة من النار ودخول الجنة. وأنه من يعمل سيئة يجزى عقاباً يساوي معصيته، ومن أطاع وعمل صالحاً فسيدخل الجنة في نعيم بغير حساب. إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد، وما يستحقونه من جزاء، ولا يخفى عليه شيء منها.
فوقى الله سبحانه ذلك الرجل المؤمن الموفَّق عقوبات مكر فرعون وآله، وحلَّ بهم سوء العذاب حيث أغرقهم الله عن آخرهم في الدنيا. أما في الآخرة ففي النار يذوقون فيها أشد العذاب.
040.7.3.3.4- الاستنتاج والعبر المستفادة من القصة:
040.7.3.3.4.1- الآيات (53، 54) لقد نجى الله بني إسرائيل ونصرهم، وآتى موسى ما يهديهم إلى الحق من التوراة والمعجزات، وجعل بني إسرائيل يتوارثون التوراة خلفاً عن سلف، هادية إلى سبيل الرشاد، وموعظة لأصحاب العقول السليمة.
040.7.3.3.4.2- الآية (75) ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا من غفلة، حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام، وبما أنتم عليه من الأشَر والبَطَر والبغي على عباد الله.
040.7.3.3.4.3- الآية (78) أرسل الله رسلا كثيرين إلى قومهم يدعونه، وكلهم مأمورون بتبليغ وحي الله إليهم. فإذا جاء أمر الله قُضِي بالعدل، وخسر هنالك المبطلون.
040.7.3.3.4.4- الآيات (82-85) أفلم يَسِرْ هؤلاء المكذبون في الأرض ويتفكروا في الأمم المكذبة من قبلهم، وقد كانوا أكثر منهم وأشد قوّة وآثاراً في الأرض، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبونه من بأس الله وعقابه. فرحوا بما عندهم من العلم المناقض لما جاءت به الرسل، وحلَّ بهم من العذاب ما كانوا به يستهزئون. لم يؤمنوا إلا حين رأوا العذاب، فلم ينفعهم لأنه إيمان قد اضطروا إليه، لا إيمان اختيار ورغبة، سنة الله التي سنّها في عباده.
040.7.3.4- عذاب الآخرة وجدال الكافرين في النار: الآيات (10، 11، 16-18، 71-74، 76) = 10 آيات = 11.76%
040.7.3.4.1- الكفار في النار يمقتون أنفسهم، وتناديهم الملائكة بأن الله يمقتهم أكثر وقد دعاهم إلى الإيمان فكفروا. وهم في النار يعترفون بذنوبهم ويطلبون الخروج ولن ينفعهم هذا الاعتراف.
040.7.3.4.2- لا يخفى على الله منهم شيء، له الملك والتصرف في ذلك اليوم هو الواحد القهار، تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر، ولا ظلم لأحد وهو سريع الحساب. فليحذروا ذلك اليوم حيث ترتفع القلوب إلى الحناجر من الخوف والغم، ليس للظالمين من قريب ولا صاحب يشفع لهم عند ربهم.
040.7.3.4.3- فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم حين تُجعل الأغلال في أعناقهم، والسلاسل في أرجلهم، ويسحبون في نار جهنم. ثم يقال لهم أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ فيعترفون بأن عبادتهم لهم كانت باطلة لا تساوي شيئاً.
040.7.3.4.4- ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بالله ومعصيتكم له خالدين فيها، فبئست جهنم نزلا للمتكبرين في الدنيا على الله.
040.7.4- من يلقي الله بقراب الأرض خطايا، لقيه الله بمثلها مغفرة:
الله خلق الناس من تراب ونفخ فيهم من روحه؛ قال لهم كن فكانوا مذنبين وتوابين (الآيات 67، 68). صورهم وأحسن صورهم ورزقهم من الطيبات (آية 64) وجعل لهم الأنعام لركوبهم وطعامهم ومنفعتهم (الآيات 79، 80). ووعدهم جنات عدن في الآخرة لمن صلح منهم (آية 8) مع علمه بأنهم مذنبون مجادلون لكنه وعد بأنهم إن تابوا فسيقبل توبتهم ويغفر ذنوبهم (آية 3) فإن لم يتوبوا فالنار مصيرهم (آية 6).
الذنوب والمعاصي هي قدر الله تعالى على عباده، وهي قدر مقضي نافذ لا محالة. خلقهم تعالى وركّب فيهم ما شاء من الأوصاف والأخلاق، وجبلهم على الضعف والنقص والخطأ، وكتب عليهم الخطأ والذنب والمعصية. وليس معناها الترخيص للذنوب، فالله نهى عنها وحرمها، لكن سبق في قضائه وعلمه أن الجن والإنس يذنبون فيتوب الله على من تاب، فمن أسمائه التواب الغفور والعفو. كذلك في الحديث الصحيح “عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُم” صحيح مسلم.
الله سبحانه وتعالى يحب من عباده إذا أذنبوا أن يستغفروه وأن يغفر لهم. هو خلقهم ليذنبوا ثم ليتوبوا بدون حدود وبدون عدد منصوص عليه، طالما الإنسان ينبض فليخطئ قدر ما شاء وليتوب وقتما شاء، هذه جبلته التي جبله الله عليها. تقول السورة أن الله عزيز عليم بأن الإنسان كثير الذنوب طالما هو حي يرزق على الأرض. ثم صرح سبحانه بأنه غافر الذنب بدون تحديد لعدد أو نوع أو وقت الذنوب. لكن على الإنسان أن يحذر بأن للذنوب مساوئ عظيمة كما أنه للتوبة منافع عظيمة، كما يلي:
منافع التوبة ومساوئ الذنوب:
040.7.4.1- منافع التوبة: فيما يلي بيان فوائد المبادرة إلى التوبة، وعظيم ما يكسبه المؤمن الطائع المبادر إلى التوبة:
040.7.4.1.1- الإنسان يولد لا يعلم شيء، ثم ينتهي به العمر وعنده الكثير من العلوم والتجارب والخبرات. ولو ولد الإنسان عالماً طائعاً لكان كالملائكة أو كشيء آخر غير الإنسان. فعلوم الإنسان وتجاربه وخبراته تراكمية تزداد مع تقدمه في العمر. فعليه أن يبادر إلى التوبة والعمل الصالح، وأن يراكم التجارب والأعمال الصالحة حتى تصل به إلى مرتبة أعلى كالملائكة. لا أن يراكم الذنوب فتهوي به وتجعله أقل مرتبة من الحيوانات.
040.7.4.1.2- التوبة من الذنوب تقضي على إعجاب الإنسان بنفسه، وفي الحديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَو لَم تَكُونُوا تُذنِبُون لَخَشيت عَلَيكُم ما هو أَشَد مِن ذَلكَ: العُجبُ العُجب”. ومن عاش أنكاد مساوئ الذنوب سارع إلى نعيم محاسن التوبة.
040.7.4.1.3- الفوز والتمتع بنعيم الدنيا: من الرزق الميسر السهل الواسع، والإمداد بالأموال والبنين {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12)} نوح.
040.7.4.1.4- نعمة الإيمان، ومتعة العبادة. فلا عيش أنعم ولا أطيب من عيش من آمن بالله وعمل صالحاً كما قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} النحل. وقال بعض السلف لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، لأن الإيمان مع العمل الصالح يوجب للإنسان الانشراح والطمأنينة ويكون في قلبه نور ويكون راضياً بقضاء الله وقدره في المكاره والمحاب فلا يوجد أحدٌ أنعم منه.
040.7.4.1.5- الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء، {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} البقرة. مع ما يجاري هذا التوفيق في كثرة الحصول على الحسنات من توفيق الله وولايته لعباده المؤمنين ورزقهم ونصرهم على أعدائهم. هذا في الدنيا.
040.7.4.1.6- أما في الآخرة، فإن مضاعفة الحسنات توصل صاحبها إلى أعلى الدرجات من الجنة. والجنَّة درجات، متفاضلة تفاضلاً عظيماً، قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)} الإسراء. فالتفاضل بين الناس في الدنيا في الإيمان والطاعات يؤدي إلى التفاضل في المنازل والدرجات في الجنة.
الجنة درجات أعلاها الفردوس الأعلى وهو تحت عرش الرحمن، ومنه تخرج أنهار الجنة الأربعة الرئيسية: نهر اللبن، نهر العسل، نهر الخمر، ونهر الماء. وأعلى مقام في الفردوس الأعلى هو مقام الوسيلة، وهو مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سأل الله له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة. ثم غرف أهل علّيين وهي قصور متعددة الأدوار من الدرّ والجوهر تجري من تحتها الأنهار يتراءون لأهل الجنة كما يرى الناس الكواكب والنجوم في السماوات العُلا، وهي منزلة الأنبياء والشهداء والصابرين والمتحابين في الله. وفي الجنة غرف (قصور) من الجواهر الشفافة يرى ظاهرها من باطنها وهي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام. ثم باقي أهل الدرجات وهي مائة درجة وأدناهم منزلة من كان له ملك مثل عشرة أمثال أغنى ملوك الدنيا.
040.7.4.1.7- الإنسان في الدنيا عبارة عن أيام معدودات ومحدودات فإذا ذهب منها يوماً فلن يعود أبداَ. لذلك عليه أن يبادر بالتوبة، لكيلا يفوته وهو في الذنوب الكثير من الأعمال العظيمة التي تحتاج إلى ألا يضيع هذا الوقت الثمين. أعمال عظيمة من مثل: أن ينشأ في طاعة الله، أو بر الوالدين، وصلة الأرحام والدعوة إلى الله والتحابب في الله والصدقات الجارية وتوريث العلم والحفاظ على حقوق العباد وأعراضهم وأموالهم وأرواحهم ونصرة المظلومين وغيرها الكثير من الأعمال القليلة لكنها تثمر الأجر العظيم، وأجور من عمل من بعده مثل عمله، بل والأجور المضاعفة بلا نهاية، كمثل كقوله تعالى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (32)} المائدة.
040.7.4.1.8- من سنن الله الثابتة أن كلّ إنسان مجازى على كل أعماله في يوم القيامة: إلا أن من بعض الأعمال ما يحتم أن يجازى عليه أصحابه في الدنيا قبل أن يستوفى كاملاً في يوم الدين. كصلة الأرحام، فإنه من علامات صلاح المجتمع، وهو يطيل العمر ويوسع في الرزق كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه” متفق عليه.
040.7.4.2- مساوئ الذنوب: فيما يلي بيان بالإثم العظيم الذي يقترفه العاصي مؤخر التوبة. وعظيم ما يخسره من يؤخر التوبة:
040.7.4.2.1- الإنسان مُعرَّض أن يختم له بخاتمة السوء والعياذ بالله، فلا يدري الإنسان بماذا يختم له. فمن يؤخر التوبة ويتبع أماني الشيطان في ذنب من الذنوب، أو أن يظل في الذنوب والمعاصي يراكم الخطايا، فيتعوّد عليها وتستطيبها نفسه، ويعمى بها بصره، ويصرف بها عقله، ويتصرف كالبهائم، فيصير دون الحيوانات التي لا تعقل، فيختم الله على قلبه فتهوي به ذنوبه في النار.
040.7.4.2.2- ومن الآفات التي قد تهلك الإنسان اعتقاده أنه لا يخطئ فيصاب بالعجب والكبر كما فعل إبليس. قال ابن تيمية: المُعجب بنفسه لا يحقق {إياك نستعين}، كما أن المرائي لا يحقق {إياك نعبد}. وكما كانت السبب في هزيمة المسلمين في غزوة حنين، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً …. ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)} التوبة.
040.7.4.2.3- شقاءه بالجري وراء الدنيا وشهواتها، وتنافس كالحيوانات، فلا يشبع كما قال صلى الله عليه وسلم: “لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى الثالث”، فكلما حقق شهوة طلب ما هو أعلى منها، لا يبالي كيف حصل على ذلك أبالحلال أم بالحرام، حتى يأتي أمر الله فيأخذهم بذنوبهم.
040.7.4.2.4- حياة ضنك وشدّة بابتعاده عن ذكر الله، الذي هو القرآن والوحي الذي أنزله على أنبيائه ورسله. وذلك بنص الآية: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} سورة طه. فإنه لا يكون منشرح الصدر ولا يكون مطمئن القلب لمخالفته الفطرة.
040.7.4.2.5- حين يذنب العاصي تكتب له سيئة واحدة فقط، فيجازى عليها شقاء في الدنيا وعذاب في الآخرة. صحيح أنه إذا تاب بدلت سيئاته حسنات، لكنها سيئة واحدة بدلت بحسنة واحدة، وخسر مضاعفة الحسنات التي يكسبها في حال أن الأعمال حصلت بعد التوبة أو في حالة الطاعات، وما يجاريها من فوات حظ الحصول السهل على النعيم في الدنيا والنصر والتأييد من الله في الدارين، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} ذلك لو أن الأعمال حصلت مع الإيمان. هذا في الدنيا.
040.7.4.2.6- أما في الآخرة، فلأنه خسر مضاعفة الحسنات فسيكون مكانه في درجات أقل في الجنة من أولئك الذين اكتسبوا الحسنات أصلاً من عمل الطاعات وليس من استبدالها بالسيئات. والجنَّة درجات، متفاضلة تفاضلاً عظيماً، كما هو مبين أعلاه (انظر 040.7.4.1.6).
040.7.4.2.7- هناك من الذنوب سيئاتها عظيمة ولا تغتفر أو تمحى عنه سيئاتها إلا برد حقوق العباد إلى أصحابها أو بالأخذ من حسناته يوم القيامة. ومن الذنوب من يحمل وزرها ووزر من عملها بعده، ومنها أيضاً الذنوب المضاعفة، كقوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً (32)} المائدة.
040.7.4.2.8- من الذنوب والمعاصي ما يقتضي أن يجازى عليها صاحبها في الدنيا قبل أن يستوفى عقابها كاملاً يوم القيامة. كالظلم فإن الله يعاقب عليه في الدنيا قبل الآخرة {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون (52)} النمل.
لم يكره الله عز وجل الإنسان على أن يكون مختاراً لأعماله. بل هذا هو خيار الإنسان اختاره لنفسه. وكان بذلك ظالماً لنفسه وجاهلاً بقدرته على الوفاء. فعرّض نفسه لهذا الخطر الكبير. بينما أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملن هذه الأمانة وأشفقن منها، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)} الأحزاب، فأبتْ وأشفقتْ واستعفتْ منها، مخافةَ ألاَّ تقدر عليها، فطلبت السلامة، ولا ثواب ولا عقاب. لكن الإنسان أراد لنفسه أن يعبد الله بمشيئته ومحض إرادته. فوعده سبحانه بالجزاء على أعماله، وله الثواب العظيم، إن أحسن وعمل الصالحات، والعقاب الأليم إن أساء فأفسد.
وابتلاهم على الأرض باتباع دينه دين الفطرة التي فطرهم عليها، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} الملك. وبذلك يكون شقاء الإنسان أو سعادته تبعاً لاختياره. الله عز وجل لن يضرّه أن يذنب الإنسان أو أن يتوب، لكن كمال صفات الله وعدله لا يتساوى فيها الاثنان المذنب والتائب. أما الإنسان فالذنب والتوبة شيء كتب عليه، وهما مقياس تقرير مصيره في الدنيا والآخرة.
040.7.5- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
040.7.5.1- آيات القصص: (5، 21-45، 53-56، 77، 78، 82-85) = 36 آية.
040.7.5.2- قصص يوم القيامة في الآيات: (6-11، 16-20، 46-52، 69-76) = 26 آية.
040.7.5.3- الأمثال في الآيات: (57-59) = 3 آيات.
040.7.5.4- آيات الله في السماوات والأرض في الآيات: (13، 15، 61-68، 79-81) = 13 آية.
040.7.5.5- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (1-4، 12، 14، 60) = 7 آيات.
040.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
040.8.0- وهكذا خاطبت غافر الإنسان بكل مكوناته (عقله وقلبه وجسده) ليتوب إلى ربّه فيغفر له ذنبه، وهي أكثر سورة تكرر فيها {ادعوا} ومشتقاتها 16 مرّة، وأكثرها {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)} تكررت (في الآية 65) أدناه، وتكررت من قبل في الصافات {عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} 5 مرات، ثمّ “ص” {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}، ثمّ الزمر {اعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} 3 مرات، بمجموع 11 مرّة من أصل 20 مرّة في القرآن. وهي أكثر سورة تكرر فيها {لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ} بمجموع 3 مرّات: مع ذي الطول إليه المصير (آية 3)، ومع خالق كلّ شيء فأنى تؤفكون (آية 62)، و{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)}.
وهي أوّل سورة في الحواميم “ديباج القرآن” كما في الأثر، وأن “لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم”، وقيل “روضات دمثات” يعني ليّنات، و”الحواميم ديباج القرآن” لأنها خلت من الأحكام التي تتعلّق بالحلال والحرام وقصرت على المواعظ والزجر وطرق الآخرة وأخبار الأولين وأنباء الغابرين. إذا قرأها المؤمن وجد في نفسه: قرب من الله، ورحمة في قلبه، وسكينة في نفسه، تزيده إيماناً مع إيمانه، واستغفاراً لذنبه وتوبة، وتسبيحاً بحمد ربّه وتعظيماً لأسمائه. والحواميم السبعة واقعة بين سورتين: هما الزمر، والتي تتحّدث عن أنه لا خيار صحيح لمخلوقات الله سوى عبادة الله لذلك أمرهم بها، وسورة محمد التي تتحدث عن ضرورة قتال الكفار والمشركين حتى يعودوا إلى عبادة الله وحده، فهو الحق وما دونه الباطل. وجميعها تتحدّث عن القرآن الذي أنزله الله للأمّة الخاتمة بشيراً ونذيراً، يأمرهم بالعبادة ليفوزوا ويحذرهم من المعصية لكيلا يخسروا، فيه كل وسائل ودواعي الإيمان، من الآيات والحجج والإشارات والدلائل الكونية في السماوات والأرض وفي الأنفس وغيرها، لينصتوا له ويتدبروا آياته فيؤمنوا، لكن أكثر الناس انشغلوا عنه بأهوائهم ونعم الله عليهم فأعرضوا ولم يؤمنوا. ومقاصد الحواميم كالتالي: غافر: خلقوا ليذنبوا فيتوبوا فيغفر لهم ويدخلهم الجنة، فإن لم يفعلوا أدخلوا النار، وفصلت: تفصيل الآيات، والشورى: تركوا ليختاروا وعوملوا حسب اختيارهم، والزخرف: القرآن فيه سعادة أرواحهم وزخرف الدنيا سعادة أبدانهم، والدخان: حذّروا الحساب في الآخرة، والجاثية: تعرف أسمائه من آياته في مخلوقاته، والأحقاف: تعرف وحدانيته من عجز ما دونه.
040.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه إيلاء الحواميم السبع سورة الزمر: تآخى المطالع في الافتتاح بتنزيل الكتاب وفي مصحف أبي بن كعب: أول الزمر {حم} وذلك مناسبة جليلة ثم إن الحواميم ترتبت لاشتراكها في الافتتاح ب {حم} وبذكر الكتاب بعد حم وأنها مكية بل ورد في الحديث أنها نزلت جملة وفيها شبه من ترتيب ذوات {الر} الست فانظر ثانية الحواميم وهي فصلت كيف شابهت ثانية ذوات {الر} هود في تغيير الأسلوب في وصف الكتاب وأن في هود: {كتاب أُحكِمَت آياته ثُم فُصلت (1)} وفي فصلت: {كتاب فصلت آياتهُ (3)} وفي سائر ذوات {الر} {تلك آيات الكتاب} وفي سائر الحواميم: {تنزيلُ الكتاب} أو {والكتاب}، وروي عن جابر بن زيد وابن عباس في ترتيب نزول السور: أن الحواميم نزلت عقب الزمر وأنها نزلت متتاليات كترتيبها في المصحف: المؤمن ثم السجدة ثم الشورى ثم الزخرف ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف ولم يتخللها نزول غيرها وتلك مناسبة جلية واضحة في وضعها هكذا. ثم لطيفة أخرى وهي: أنه في كل ربع من أرباع القرآن توالت سبع سور مفتتحة بالحروف المقطعة فهذه السبع مصدرة ب {حم} وسبع في الربع الذي قبله ذوات {الر} الست متوالية و {المص} الأعراف فإنها متصلة بيونس على ما تقدمت الإشارة إليه وافتتح أول القرآن بسورتين من ذلك وأول النصف الثاني بسورتين وقال الكرماني في العجائب: ترتيب الحواميم السبع لما بينها من التشاكل الذي خصت به وهو: أن كل سورة منها استفتحت بالكتاب أو وصفه مع تفاوت المقادير في الطول والقصر وتشاكل الكلام في النظام انتهى. ثمّ انظر إلى مناسبة ترتيبها فإن مطلع غافر مناسب لمطلع الزمر ومطلع فصلت التي هي ثانية الحواميم مناسب لمطلع هود التي هي ثانية ذوات {الر} ومطلع الزخرف مؤاخ لمطلع الدخان وكذا مطلع الجاثية لمطلع الأحقاف.
040.8.2- مقصود سورة غافر هو الاستدلال على آخر سورة الزمر، من تصنيف الناس في الآخرة إلى صنفين، وتوفية كل صنف ما يستحقه على سبيل العدل، بأن فاعل ذلك له العزة الكاملة والعلم الشامل، وقد بين ما يغضبه وما يرضيه غاية البيان، فمن يسلم أمره إليه يغفر له ومن لم يسلم وجادل في آياته فإنه يخزيه فيعذبه ويرديه.
040.8.3- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما افتتح سبحانه سورة الزمر بالإخلاص وذكر سببه والحامل بإذن الله عليه وهو الكتاب، وأعقب ذلك بالتعويض بذكر من بنيت على وصفهم سورة ص وتتابعت الآي في ذلك الغرض إلى توبيخهم بما ضربه سبحانه من المثل الموضح في قوله {ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل (29)} الزمر، ووصف الشركاء بالمشاكسة إذ بذلك الغرض يتضح عدم استمرار مراد لأحدهم، وذكر قبح اعتذار لهم بقولهم {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى (3)} الزمر، ثم أعقب تعالى بالإعلام بقهره وعزته حتى لا يتخيل مخذول شذوذ أمر عن يده وقهره، فقال الله تعالى {أليس الله بكاف عبده (36)} – إلى قوله: { أليس الله بعزيز ذي انتقام (37)} الزمر، ثم أتبع ذلك بحال أندادهم من أنها لا تضر ولا تنفع فقال {قل أفرءيتم ما تدعون من دون الله أن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته (38)} الزمر، ثم أتبع هذا بما يناسبه من شواهد عزته فقال {قل لله الشفاعة جميعاً (44)} الزمر، {قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة (46)} {أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لما يشاء ويقدر (52)} {الله خالق كل شيء (62)} {له مقاليد السماوات والأرض (63)} ثم عنفهم وقرَّعهم بجهلهم فقال تعالى {أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون (64)} ثم قال تعالى {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه (67)} ثم اتبع تعالى – ذلك بذكر آثار العزة والقهر فذكر النفخ في الصور للصعق ثم نفخة القيام والجزاء ومصير الفريقين، فتبارك المتفرد بالعزة والقهر، فلما انطوت هذه الآي من آثار عزته وقهره على ما أشير إلى بعضه، أعقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {حـم (1) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم (2)} غافر فذكر من أسمائه سبحانه هذين الاسمين العظيمين تنبيهاً على انفراده بموجبهما وأنه العزيز الحق القاهر للخلق لعلمه تعالى بأوجه الحكمة التي خفيت عن الخلق ما أخر الجزاء الحتم للدار الآخرة، وجعل الدنيا دار ابتلاء واختبار، مع قهره للكل في الدارين معاً، وكونهم غير خارجين عن ملكه وقهره، ثم قال تعالى {غافر الذنب وقابل التوب (3)} تأنيساً لمن استجاب بحمده، وأناب بلطفه، وجرياً على حكم الرحمة وتغليبها، ثم قال {شديد العقاب ذي الطول (3)} ليأخذ المؤمن بلازم عبوديته من الخوف والرجاء، واكتنف قوله {شديد العقاب (3)} بقوله {غافر الذنب وقابل التوب (3)} وقوله {ذي الطول (3)} وأشار سبحانه بقوله: {فلا يغررك تقلبهم في البلاد (4)} إلى قوله قبل {وأورثنا الأرض (74)} الزمر، وكأنه في تقدير: إذا كانت العاقبة لك ولأتباعك فلا عليك من تقلبهم في البلاد، ثم بين تعالى أن حالهم في هذا كحال الأمم قبلهم، وجدالهم في الآيات كجدالهم، وأن ذلك لما حق عليهم من كلمة العذاب، وسبق لهم في أم الكتاب.
040.8.4- انظر أيضاً تناسب وتناسق سورة الأحقاف مع غيرها من السور؛ وتناسب سور الحواميم مع بعضها ومع السورتين التي قبلها والتي بعدها (في 046.8.2)؛ وتناسب وتناسق الحواميم مع بعضها ومع قبلها وبعدها في (046.8.4).