العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
063.0 سورة المنافقون
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
063.1 التعريف بالسورة:
1) سورة مدنية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 11 آية. 4) الثالثة والستون من حيث الترتيب في المصحف. 5) والرابعة بعد المائة حسب ترتيب النزول، نزلت بعد “الحج”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 12 مرّة، لله 2 مرّة؛ (1 مرّة): رب، الخبير، شاهد. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات: مرّة واحدة: خشب، مسنّدة.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: رسول 5 مرّات؛ (4 مرّات): منافق، يغفر، يقول؛ (3 مرّات): آمن؛ (2 مرّة): يفقهون، أنفقوا، العزة، يعملون، يشهد؛ (1 مرّة): كاذب، لوّوا، جُنة، كفر، ينفضوا.
063.2 فضائلها وما ورد عنها من الأثر:
أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوم الجمعة فقرأ بسورة الجمعة يحرض المؤمنين، وإذا جاءك المنافقون يوبخ بها المنافقين.
063.3 وقت ومناسبة نزولها:
نزلت السورة إمّا أثناء عودته من الحملة على بني المصطلق، أو مباشرة بعد وصوله منها إلى المدينة، وقد حصلت حملة بني المصطلق في شهر شعبان من السنة السادسة هجريّة.
أخرج بن سعد وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن زيد بن أرقم قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس شدّة فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا من حوله، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوا شدّة حتى أنزل الله تصديقي في {إذا جاءك المنافقون (1)} فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم، فلووا رؤوسهم، وهو قوله: {خشب مسندة (4)}، قال كانوا رجالاً أجمل شيء.
أخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، قال سفيان: يرون أنها غزوة بني المصطلق، فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “دعوها فإنها منتنة” فسمع ذلك عبد الله بن أبي، فقال: أوقد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “دعه لا يتحدّث الناس أن محمدا يقتل أصحابه” زاد الترمذي، فقال له ابن عبد الله: والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز ففعل.
063.4 مقصد السورة:
063.4.1- تقبيح حال المنافقين، وبيان تصرفاتهم ومواقفهم الكاذبة، ومخالفة أفعالهم لأقوالهم، من حيث إعراضهم عن الحق. وتحذير المؤمنين من هذه التصرفات لأنها تخرج من الدين وتؤدي إلى الخسران في الدنيا والآخرة، وليكون هذا التحذير سبباً في صدقهم مع ربهم، وعدم انشغالهم بالأموال والأولاد عن ذكر الله وعن الإنفاق، ومن ثمّ نجاتهم قبل أن ينتهي الأجل بالموت.
063.4.2- ومقصدها نجده في كلمة المنافقون في الآية الأولى، حيث تكرر ذكرها مرتين، الأولى أنهم يكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم (ومن آمن معه)، ولكن الرسول والمؤمنون قد لا يعلمون أنهم منافقون؛ لكن الله تعالى يعلم نفاقهم وكذبهم، فيقول: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} وهو تهديد شديد. وفي الثلاث آيات الأخيرة (9-11) يحذر تعالى من فعل المنافقون: وهو الانشغال بالأموال والأولاد وطول الأمل عن ذكر الله وعن الإنفاق والعمل الصالح.
063.4.3- وقال الإمام البقاعي: مقصودها كمال التحذير مما يثلم الإيمان من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يقدح في الإسلام من الأحوال الظاهرة، بمخالفة الفعل للقول فإنه نفاق في الجملة فيوشك يجر إلى كمال النفاق فيخرج من الدين ويدخل الهاوية، ليكون هذا التحذير سببا في صدق الأقوال ثم صدق الأعمال ثم صدق الأخلاق ثم صدق الأحوال ثم صدق الأنفاس، فصدق القول أن لا يقول القائل إلا عن برهان، وصدق العمل أن لا يكون للبدعة عليه سلطان، وصدق الأخلاق أن لا يلاحظ ما يبدو منه من الإحسان بعد المبالغة فيه بعين النقصان، وصدق الأحوال أن يكون على كشف وبيان وصدق الأنفاس أن لا يتنفس إلا عن وجود كالعيان، وتسميتها بالمنافقين واضحة في ذلك.
063.5 ملخص موضوع السورة:
نزلت في السنة السادسة هجريّة تفضح المنافقين وتكشف كذبهم وتحريضهم وشنيع تطاولهم على الرسول صلى الله عليه وسلّم وأصحابه وصدّهم عن السبيل بقولهم: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (7)}، وقولهم: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ (8)}
واستهلّت بتقبيح حالهم {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ (1)}، والإعلام عن كذبهم وقولهم بألسنتهم مما لم تنطو عليه قلوبهم {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)}، اتخذوا أيمانهم جنّة وصدّوا عن السبيل وغيره ممّا وصفوا به من الجهل والخداع والكذب …إلخ في أوّل ثماني (8) آيات، ثم آخر ثلاث (3) آيات في تحذير المؤمنين من أفعالهم، وأمرهم بعدم الانشغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله وعن الإنفاق والعمل الصالح، كما يلي:
(الآيات 1-8) الإعلام بأن المنافقين مخادعون كاذبون يقولون مالا يخفون {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)}، يحلفون كذباً ليستروا جرائمهم وليصدّوا عن سبيل الله {سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)}. آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)}، يتملكهم الخوف والقلق من الفضيحة وانكشاف أمرهم {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)}. مستكبرون، مصرّون على الفسق وراسخون في الكفر، ويحرّضون على قطع الإنفاق على المؤمنين حتى يتفرّقوا {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)}، ويعملون على توهين المؤمنين وتخذيلهم وتدبير المؤامرات ضدهم والمشاركة فيها. يظنّون أن العزة بالمال والجاه والسلطان لا من الله {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}.
(الآيات 9-11) الأمر بطاعة الله بالإنفاق والعمل الصالح في الدنيا وهي دار العمل، وعدم الانشغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله، فإذا انتهت الدنيا بالموت فقد قامت الحجة على الناس بأعمالهم، {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا (11)}، لأن الله خبير بالذي يعملونه من خير وشر، وسيجازيهم عليه.
نعوذ بالله من الفقر والكفر والشرك، والفسوق والشقاق والنفاق، والسمعة والرياء وسوء الأخلاق.
063.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
الآيات (1-8) لمّا كثر المسلمون في المدينة واعتز الإسلام بها، صار أناس من أهلها من الأوس والخزرج يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ليبقى جاههم، وتحقن دماؤهم، وتسلم أموالهم، فذكر الله من أوصافهم ما به يعرفون، لكي يحذر المسلمون منهم، ويكونوا منهم على بصيرة.
الآيات (9-11) لما ذكر الله سبحانه قبائح المنافقين رجع إلى خطاب المؤمنين مرغباً لهم في ذكره ومحذراً لهم عن أخلاق المنافقين الذين ألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله. وأن ينفقوا في الخير على عمومه. وهذا على العكس من قول المنافقين الذين قالوا لا تنفقوا آية (7).
063.7 الشكل العام وسياق السورة:
063.7.1- سميت هذه السورة في كتب السنة وكتب التفسير (سورة المنافقين) اعتباراً بذكر أحوالهم وصفاتهم فيها.
كل موضوعاتها هي في الكشف عن صفات وأخلاق وأعمال المنافقين وعن مكائدهم، وتحذير المؤمنين منهم وأمرهم باجتناب تصرفاتهم وأفعالهم. والنفاق هو إظهار الإيمان قولاً وعملاً فيما يبطن الكفر.
063.7.2- سياقها باعتبار مناسبة النزول والحادثة التي نزلت بسببها:
063.7.2.1- الآيات (1-8) أشارت السورة في 8 آيات من أصل 11 مجموع آياتها، إلى أحداث قصّة حقيقية، تسّهل علينا فهم مقصدها، ونزلت بمناسبتها السورة، وفيها بيان صفات المنافقين وأفعالهم وتحذير المؤمنين من هذا النفاق، من أجل تحقيق مصلحة دنيوية، أو الإيمان الكاذب أو المتذبذب عندهم بسبب حبّهم الدنيا وتفضيلها على الآخرة. يعتقد المنافقون أن في المال والأفعال والأسباب الدنيوية فوزهم وسعادتهم، ويعتمدون عليها وليس على الله خالق هذه الأفعال والأموال؛ ويستخدمون ما وهبهم الله من الأرزاق والأسباب في محاربة دينه والمؤمنين. كما حصل في قصة حادثة منافق المدينة التي نزلت بمناسبتها السورة عبد الله ابن أبي سلول (الذي اشتهر بالنفاق في التاريخ الإسلامي) والذي قال لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا من حوله، ثم فاخر بالدنيا على الإيمان واعتبر أن العزة هي بما عند الإنسان من الدنيا لا من الدين.
والحق أن الإيمان هو طاعة الله الخالق الذي جعل في الكون نظام حكيم وأسباب وقوانين فيها إنفاق واجتماع وتعاون وتكامل من أجل تحقيق الأمان والمصلحة والصلاح والسلامة والسعادة وتسهيل سبل الحياة للجميع. فالمؤمن الحقيقي هو من يتبع ما أنزل الله، أما المنافق أو المؤمن الفاسد فهو مؤمن بلسانه لا بقلبه، فلا يعجبه الحق ولا النظام ولا المصلحة العامّة أو مصلحة غيره، يريد أن يتصرّف على هواه، فيخرّب النظام ويفسد على الجماعة ويحتكر المال. المنافقون جلّ همّهم هي الدنيا فقط ولا تخطر الآخرة لهم على بال، يخشون الناس ولا يخشون الله، هم مع المؤمنون لأنهم لا خيار آخر لديهم، وما أن يلوح لهم أمل بإفساد الحق، أو تحين لهم أول فرصة ليطعنوا في الدين لا يترددوا أبداً، لأن الإفساد والتخريب يخرجهم من التزام الحق والنظام الذي فيه صلاح شأنهم في الدنيا والآخرة إلى الفوضى وقوانين البشر التي فيه تعاستهم في الدارين.
وتقرر الآيات بأن المنافقون كاذبون، يحلفون كذباً ليستروا جرائمهم وليصدّوا عن سبيل الله وعن الإيمان، آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فلا يفقهون ما فيه مصلحتهم، يتملكهم الخوف والقلق الدائم من الفضيحة وانكشاف أمرهم، مستكبرون، مصرّون على الفسق وراسخون في الكفر، يحرضون على قطع الإنفاق على المؤمنين حتى يتفرقوا، يعملون على توهين المؤمنين وتخذيلهم، وتدبير المؤامرات ضدهم والمشاركة فيها، واعتقادهم أن العزة هي بالمال والجاه والسلطان لا من الله.
063.7.2.2- الآيات (9-11) بعد هذه المقدّمة الطويلة والقصة المعبرة المبينة عن النفاق والمنافقين، تذكر هذه الآيات مقصد السورة وهو الأمر بعدم الانشغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله، والأمر بطاعة الله بالإنفاق وبالعمل الصالح لبناء مجتمع مؤمن متعاون مطيع لله مداوم على ذكره وشكره وعبادته كما أمر للفوز في الدنيا والآخرة.
063.7.3- سياق السورة باعتبار موضوعاتها:
احتوت السورة على موضوعين: الأول يصف حال المنافقين، والثاني يأمر المؤمنين بالإنفاق وذكر الله واجتناب عمل المنافقين. أي ذكرت صفات المنافقين التي يعرفون بها والتحذير من خطورتها في الصد عن سبيل الله؛ وذكر واجبات المؤمنين والأمر بالعمل بها وهي عدم الانشغال بالدنيا عن ذكر الله (فيتحقق بها مصلحة الفرد وحقوق الأفراد المرتبطين به كأفراد) والإنفاق (ويتحقق به مصلحة جماعية وحقوق الغير في المجتمع المسلم):
063.7.3.1- الآيات (1-8) النّفاق: هو إظهار الإنسان لغير ما يبطن، فيخفي بأفعاله ما يضمره قلبه، ومثال ذلك من يظهر الإيمان وهو على كفر أو من يظهر للآخر حبّاً ويخفي له بغضاء وعداوة. والمنافقون هم أخطر أعداء المسلمون، فأخطر الأعداء من أمنت شره وكاد لك فأوقعك في شركه، فذلك هو المنافق، من اعتبرته جزءا منك وحفظته على دينك وهو لا يتمنى شيئا مثل تمنّيه الشر لهذا الدّين وأهله.
وصفات المنافق في الآيات: الجهل، الخداع، والكذب، والخيانة، وعدم الوفاء، والتظاهر بالإيمان، والخوف والقلق الدائم من الفضيحة، والاستكبار، والصَّد عن سبيل الله وعن الإيمان به وبالرسول، والتحريض على المؤمنين وقطع الإنفاق عليهم.
وبشكل عام أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ولا يتحاكمون إلى الله ورسوله، ويخادعون المؤمنين ويستهزؤون بهم، ويعملون على توهينهم وتخذيلهم، ويفسدون في الأرض بالقول والفعل، ويحلفون كذباً ليستروا جرائمهم، ويوالون الكافرين وينصرونهم على المؤمنين، ويدبرون المؤامرات ضدهم أو يشاركون فيها، والهمز واللمز والسخرية والتشكيك في النوايا.
063.7.3.2- الآيات (9-11) ذكر الله والإنفاق في سبيل الله والعمل الصالح. وذلك في الدنيا وهي دار العمل فإذا انتهت الدنيا بالموت فقد قامت الحجة على الناس ولا رجعة لأن الله خبير بالذي يعملونه من خير وشر، وسيجازيهم على ذلك.
والمعنى الخاص للذكر هو ذكر الله بالألفاظ التي فيها تمجيد وتنزيه وتقديس وتوحيد لله سبحانه وتعالى. أما المعنى العام فيشمل كل أنواع العبادات من صلاة وصيام وحج وقراءة قرآن وثناء ودعاء وتسبيح وتحميد وتمجيد وغير ذلك من أنواع الطاعات؛ لأنها إنما تقام لذكر الله وطاعته وعبادته.
063.7.4- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
آيات القصص في السورة (1-8) = 8 آيات.
063.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
063.8.0- وهكذا لمّا كان مقصدها في اسمها {الْمُنَافِقُونَ}، وتكرر ذكره مرتين في الآية الأولى: في تقبيح حالهم بتظاهرهم بالإسلام وقلوبهم مليئة كفراً ومكراً وعناداً اغتراراً بالمال والجاه، وختمت بالنهي عن الانشغال بالأموال وأولاد والأمر بالإنفاق والعمل الصالح من قبل أن يباغتهم الموت، سبقها في الجمعة حال من حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها، فاتّحدت أحوال الفئتين: بالإيمان ثمّ الكفر ثم الطبع على قلوبهم الغافلة عن الحق والمتلبّسة في الاستكبار والاعتزاز والانشغال بالمال والجاه. وسبق في الجمعة أن الدّين هو إرادة صالحة وزكاة في القلب ومعرفة للآيات بالعقل وعمل بالجوارح، وهو نقيض مراد المنافقين الذين أحبّوا المال والسلطان وتعلّموا المكر والنفاق وأظهروا من العمل مالا يبطنون، وفي الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بهم يوم الجمعة فقرأ بسورة الجمعة يحرّض المؤمنين، وإذا جاءك المنافقون يوبخ المنافقين.
أعقبتها التغابن بتنزيه الله تعالى عن عظيم مرتكب الفريقين: الذين حُملوا التوراة والمنافقون، بخروجهم عن الدين وصدهم عن السبيل. وأعلم سبحانه بأن الناس على اختلاف توجهاتهم مردّهم إلى أحد الطريقين: مؤمنون أو كافرون {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ (2)} التغابن. ولم يعد يذكر المنافقين في خمسين (50) سورة بعدها إلى آخر القرآن إلا في ثلاثة مواضع: في الأمر بجهادهم {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ (73)} التحريم وهي مدنيّة، والإشارة إلى دوام تشكّكهم {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا (31)} المدثر، ومراءاتهم {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)} الماعون؛ بينما ذكروا كثيراً في السور المدنيّة التي من خصائصها فضح المنافقين وكشف ما يخفونه في قلوبهم، لم يظهروا في العهد المكّي قبل الهجرة لضعف المسلمين وانعدام الحاجة للنفاق، ثمّ ظهروا لمّا كثر المسلمون في المدينة واعتز الإسلام بها: فذكروا في بداية سورة البقرة وفي ثلثها الأخير، ثم في آل عمران والنساء، وأكثر ما ذكروا في التوبة التي من أسمائها الفاضحة لفضحها إياهم، والمنقرة لنقرها عمّا في قلوبهم، والحافرة لأنها حفرت عليهم. والأحزاب مقصودها الأمر بالتقوى والنهي عن طاعة المنافقين الذين توهّموا بقرب استئصال المسلمين وغيرها، ثمّ خُصّوا لعظيم خطرهم بسورة “المنافقون”.
063.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: وجه اتصالها بما قبلها: أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون وهذه ذكر فيها أضدادهم وهم المنافقون ولهذا أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة يحرض بها المؤمنين وبسورة المنافقين يفزع بها المنافقين. وعام المناسبة أن السورة التي بعدها فيها ذكر المشركين والسورة التي قبل الجمعة فيها ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى والتي قبلها وهي الممتحنة فيها ذكر المعاهدين من المشركين والتي قبلها وهي الحشر فيها ذكر المعاهدين من أهل الكتاب فإنها نزلت في بني النضير حين نبذوا العهد وقوتلوا وبذلك أتضحت المناسبة في ترتيب هذه السور الست هكذا لاشتمالها على أصناف الأمم وفي الفصل بين المسبحات بغيرها لأن إيلاء سورة المعاهدين من أهل الكتاب بسورة المعاهدين من المشركين أنسب من غيره وإيلاء سورة المؤمنين بسورة المنافقين أنسب من غيره فظهر بذلك أن الفصل بين المسبحات التي هي نظائر لحكمة دقيقة من لدن حكيم خبير.
063.8.2- وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما أعقب حال المؤمنين فيما خصهم الله به مما انطوت عليه الآيات الثلاث إلى صدر سورة الجمعة إلى قوله: {والله ذو الفضل العظيم (4)} الجمعة، بذكر حال من لم ينتفع بما حمل حسبما تقدم، وكان في ذلك من المواعظ والتنبيه ما ينتفع به من سبقت له السعادة، أتبع بما هو أوقع في الغرض وأبلغ في المقصود، وهو ذكر طائفة بين أظهر من قدم الثناء عليهم ومن أقرانهم وأترابهم وأقاربهم، تلبست في الظاهر بالإيمان، وأظهرت الانقياد والإذعان، وتعرضت فأعرضت وتنصلت فيما وصلت، بل عاقتها الأقدار، فعميت البصائر والأبصار، ومن المطرد المعلوم أن اتعاظ الإنسان بأقرب الناس إليه وبأهل زمانه أغلب من اتعاظه بمن بعد عنه زماناً ونسباً، فأتبعت سورة الجمعة بسورة المنافقين وعظاً للمؤمنين بحال أهل النفاق، وبسط من قصصهم ما يلائم ما ذكرناه، وكان قيل لهم: ليس من أظهر الانقياد والاستجابة، ثم بني إسرائيل ثم كان فيما حمل كمثل الحمار يحمل أسفاراً بأعجب من حال إخوانكم زماناً وقرابة، وأنتم أعرف الناس بهم وأنهم قد كانوا في الجاهلية موصوفين بجودة الرأي وحسن النظر {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم (4)} المنافقين، {ولكن المنافقين لا يفقهون (7)} المنافقين، قلت: وقد مر في الخطبة ما رويناه في مصنف ابن أبي شيبة من قول أناس من المؤمنين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين فيبشر بها المؤمنين ويحرضهم، وأما سورة المنافقين فيوئس بها المنافقين ويوبخهم، وهذا نحو ما ذكرناه أولاً – انتهى.