العودة إلى فهرس السور: اضغط هنا (تسهيل فهم وتدبّر سور القرآن)
091.0 سورة الشمس
ملاحظة: قبل البدئ بهذه السورة، يجب الاطلاع على ما يلي:
– المقدّمة والتمهيد: اضغط هنا
– تسهيل فهم وتدبّر القرآن: اضغط هنا
091.1 التعريف بالسورة:
1) سورة مكية. 2) من المفصّل. 3) عدد آياتها 15 آية. 4) الحادية والتسعون من حيث الترتيب في المصحف .5) والسادسة والعشرون حسب ترتيب النزول، نزلت بعد سورة “القدر”. 6) ليس لها أسماء أخرى.
7) أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في السورة: الله 2 مرّة، رب 1 مرّة. انظر أيضاً في كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن: الفصل رقم 1.7: أسماء الله وصفاته وبعض الكلمات المكررة في القرآن.
السورة الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (1 مرّة): تلاها، طحاها، فدمدم.
أكثر سورة تكرر فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: سوّاها 2 مرّة.
تكررت فيها الكلمات التالية ومشتقاتها: (2 مرّة): كذب؛ (1 مرّة): الشمس، القمر، النهار، الليل، السماء، الأرض، جلاها، يغشاها، بناها، دساها.
091.2 فضائلها و ما ورد عنها من الأثر:
أخرج أحمد ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمران بن حصين: أن رجلا قال يا رسول الله: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، شيء قد قضي عليهم ومضى عليهم في قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون ما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة؟ قال: بل شيء قضي عليهم. قال: فلم يعملون إذاً؟ قال: من كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين هيّأه لعملها، وتصديق ذلك في كتاب الله {ونفس وما سوّاها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8)}.
وأخرج الطبراني وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا هذه الآية {ونفس وما سوّاها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8)}، وقف ثمّ قال: اللهم آت نفسي تقواها أنت وليها ومولاها وخير من زكّاها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والنسائي عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم آت نفسي تقواها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
091.3 وقت ومناسبة نزولها:
موضوع السورة وأسلوبها يشير إلى أنها نزلت مع أوائل السور التي نزلت في مكة، في الوقت الذي صارت فيه معارضة كفار مكّة للرسول صلى الله عليه وسلّم قوية جداً وكثيفة. انظر أيضاً كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن في المبحث: 1.5.5- مراحل نزول القرآن المكي.
091.4.1- المقصود تأكيد فوز من طهّر نفسه ونمّاها بالطاعة والخير {قد أفلح من زكّاها (9)} وخسارة من دسّاها وأخفاها في المعاصي {وقد خاب من دسّاها (10)}، وقد أقسم تعالى بنفسه ومخلوقاته عليه، وجعل لذلك الاعتبار بقصة ثمود، وحال من طغى.
091.4.2- ومقصدها نجده في الآيتين: {قد أفلح من زكّاها (9) وقد خاب من دسّاها (10)}، وهما جواب القسم الإلهي بسبع من آياته في مخلوقاته العظام كما تم بيانه أدناه، ومن بينها النفس الإنسانية دلالة على عظيم وعجيب خلقها.
091.4.3- وقال الإمام البقاعي: مقصودها إثبات تصرفه سبحانه وتعالى في النفوس التي هي سرج الأبدان، تقودها إلى سعادة أو كيد وهوان ونكد، كما أن الشمس سراج الفلك، يتصرف سبحانه في النفوس بالاختيار إضلالاً وهداية نعيماً وشقاوة كتصرفه سبحانه في الشمس بمثل ذلك من صحة واعتلال، وانتظام واختلال، وكذا في جميع الأكوان، بما له من عظيم الشأن، واسمها الشمس واضح الدلالة على ذلك بتأمل القسم والمقسم عليه بما أعلم به وأشار إليه.
091.5 ملخص موضوع السورة:
نزلت في المرحلة الأولى وهي السرّية من العهد المكّي، ومقصدها التأكيد بالقسم سبع مرّات بسبع آيات عظيمة على أن النفس جبلت على الخير والشر والهدى والضلال، وأن الله ألْهَمها طريق فلاحها وطريق خيبتها: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}. وتضمّنت مجموعتين من الآيات: استهلّت الأولى بالقسم بالشمس وضحاها، وبالقمر إذا تلاها بنوره منها، وبالنهار إذا جلّاها بضيائه، وبالليل إذا يغشاها بظلامه، وبالسماء وبنائها وبانيها، وبالأرض وبسطها، وبالنفس البشرية التي سوّاها الله وأبدعها، وزيّنها وكمّلها وألهمها فلاح من زكّاها وخيبة من دسّاها. والمجموعة الثانية فيها الدليل على انقسام النفوس إلى زكيّة مفلحة وإلى دسيّة خائبة بذكر قصّة هلاك ثمود حين كذّبوا رسولهم وطغوا وبغوا في الأرض، فأهلكوا جميعاً، كما يلي:
(الآيات 1-10): أقسم الله تعالى سبع مرّات: بالشمس وإشراقها ضحى، وبالقمر إذا تبعها بنوره المستمدّ منها في الطلوع والأفول، وبالنهار إذا جلَّى ضياء الشمس وأظهر ما على الأرض، وبالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلماً، وبالسماء وبنائها المحكم (المحيط بالشمس والقمر والنهار والليل)، وبانيها العظيم القادر المدبّر، وبالأرض ومن بسطها ليُنتفع بها، وبكل نفس وإكمال خلقها وتكليفها لأداء مهمّتها مع علمها بحكمة الله الحكيم الباهرة وبأنه خلقها ودبّر أمرها، فألهمها طريق الشر وطريق الخير، وفي القسم إشارة وتأكيد على أنه قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير، وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي.
(الآيات 11-15): كذَّبت ثمود بسبب طغيانها وفجورها، فقال لهم رسول الله: احذروا عاقبة أن تمسّوا آية الناقة التي أرسلها الله إليكم وسقياها بسوء، فكذبوه فيما توعَّدهم به فقتلوها، فأطبق عليهم ربهم العقوبة بجرمهم فأهلكوا جميعاً ولم يُفْلِت منهم أحد (فقد آثروا الدساة بالفجور على الزكاة بالتقوى)، ولا يخاف (وهو العزيز الذي لا يغالب) تبعة ما أنزله بهم من العقاب (بحكمته وعدله).
ولمّا استهلّت بالقسم بالمخلوقات العظيمة المتجددة في الظهور والاختفاء والمتناسقة والمتناسبة مع ما يناظرها من الزكاة والدساة في النفس البشرية، ولمّا سخّرت السماوات والأرض وما بينهما بإحكام واتزان دقيق يدلّ على كمال قدرة الله سبحانه وعلمه ورحمته وتدبيره، ودلّت بمجموعها على ثبات سنّته العادلة وفطرته القويمة بالظهور ودوام النمو والرقي بالنور والزكاة ونقيضه الخفاء والهبوط المستمرّ بالظلام والدساة، فقد أشارت بهذا وأكّدت على فلاح الإنسان ونجاحه إذا اتقى الله ونمّى نفسه وزكاها بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة التي أمره الله بها، وعلى شقاوته وخسرانه إذا طغى وتمرد وفسق وفجر ودسّاها بأعمال الفساد وسوء الخُلق ومعصية أوامر الله واقتراف نواهيه؛ وقد أكدته في بدايتها بالقسم بآيات القدرة والحكمة وحسن التدبير، وأشارت إليه في أوسطها بإلهام التقوى والفجور نظير آيات النور والظلام، وأقامت عليه في آخرها الدليل بقصة هلاك ثمود.
وقد سبقها كذلك على نفس السياق أربع سور تبيّن أسباب خيبتهم وعدم فلاحهم: ففي الأعلى إيثارهم للدنيا:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)}، وفي الغاشية غفلتهم عن البعث والحساب، وفي الفجر تغييبهم عقولهم وعدم اعتبارهم، ثمّ في الآخرة ندمهم، وفي البلد اختيارهم الكفر على الإيمان بعد أن هداهم الله. وأعقبها كذلك أربع سور حسنة التناسق والتناسب في بيان انقسام النفوس إلى مهتدية وضالّة، وأن الله قد أعطاها وهداها وألهمها ويسّر لها مرادها ليقيم بذلك عليها الحجّة بأعمالها: ففي الليل ذكر اختلافهم في سعيهم وأعمالهم: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} إلى قوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}، وفي الضحى أعلم بأنه خلق الإنسان ليعطيه حتى يرضيه وأنّ الآخرة خير من الدنيا، وفي الشرح أكّد سنته الثابتة بأن مع العسر يسراً وأمر بمواصلة العبادة والتقرب إليه دون سواه، وفي التين أعلم أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، خَلقاً وخُلُقاً، وصورة وفطرة، وإيماناً وعلماً وعملاً، فإن كذّب وخالف الفطرة ردّه أسفل سافلين.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
091.6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة:
كل السورة تؤكد بالقسم وبالآيات وبالدليل الحقيقي من القصص: فوز من طهّر نفسه ونمّاها بالطاعة والخير {قد أفلح من زكّاها (9)} وخسارة من دسّاها وأخفاها في المعاصي. وقد احتوت على مجموعتين من الآيات: الأولى آيات القسم والتأكيد، والثانية درس وقصة وعبرة، كما يلي:
091.6.1- القسم بالآيات العظيمة والتأكيد على فلاح من زكّا نفسه وخيبة من دسّاها:
091.6.1.1- الآيات (1-7) أقسم الله تعالى بالشمس ونهارها وإشراقها ضحى، وبالقمر إذا تبعها في الطلوع والأفول، وبالنهار إذا جلَّى الظلمة وكشفها، وبالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلماً، وبالسماء وبنائها المحكم، وبالأرض وبَسْطها، وبكل نفس وإكمال الله خلقها لأداء مهمتها.
091.6.1.2- الآيات (8-10) تأكيد أن الله بيَّن للنفس طريق الشر وطريق الخير، فقد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير، وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي.
091.6.2- الآيات (11-15) كذَّبت ثمود نبيها ببلوغها الغاية في العصيان، إذ نهض أكثر القبيلة شقاوة لعقر الناقة، فقال لهم رسول الله صالح عليه السلام: احذروا أن تمسّوا الناقة بسوء؛ فإنها آية أرسلها الله إليكم، تدل على صدق نبيكم، واحذروا أن تعتدوا على سقيها، فإن لها شِرْب يوم ولكم شِرْب يوم معلوم. فكذبوه فيما توعَّدهم به فنحروها، فأطبق عليهم ربهم العقوبة بجرمهم، فجعلها عليهم على السواء فلم يُفْلِت منهم أحد. ولا يخاف جلت قدرته، تبعة ما أنزله بهم من شديد العقاب.
091.7 الشكل العام وسياق السورة:
091.7.1- إسم السورة “الشمس” يقسم الله تعالى بهذه الشمس العظيمة التي تزوّد الأرض والناس بالضوء والحراة فتحرّك الهواء والماء فتستمر الحياة، كذلك زكاة النفس بفعل الخيرات والصالحات فيفلح الإنسان. ويتكامل مع هذه الشمس في نظام محكم عجيب دقيق، القمر إذا تلاها دوراناً أو إضاءة، والنهار إذا جلّى الأرض وبيّنها، والليل إذا يغطي الأرض، فيحصل الوقت والزمان وتتابع النور والحرارة فتنتظم الحياة والمعايش وينبت الزرع ومنافع غيرها مما لا يعلمه إلا الله. وقد أرسل الله الرسل وأنزل معهم النور يضيء للناس ويهديهم إلى تقواهم كما تضيء الشمس النهار، وجعلهم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
091.7.2- سياقها باعتبار ترتيب آياتها، احتوت السورة على موضوعين في ثلاثة مجموعات من الآيات، كما يلي:
091.7.2.1- يقسم الله جلّت قدرته على أنه خلق النفس وسوّاها (في أحسن خلقة وصبغة وتقويم) وألهمها: معرفة التقوى والكمال واتباع طريقه، وإنكار الفجور والضلال واجتناب طريقه؛ ويقسم على أنه قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها:
091.7.2.1.1- الآيات (1-7) يقسم تعالى بسبعة من مخلوقاته العظيمة ومن بينها النفس المخاطبة بهذه السورة: بعد أن ابتدأت بالقسم بالشمس وضحاها، وبالقمر إِذا أعقبها وهو طالع، ثم بالنهار إِذا جلا ظلمة الليل بضيائه، وبالليل إِذا غطَّى الكائنات بظلامه، ثم بالقادر الذي أحكم بناء السماء بلا عمد، وبالأرض الذي بسطها، وبالنفس البشرية التي كملها الله وزينها بالفضائل والكمالات، أقسم بهذه المخلوقات العظيمة على فلاح الإِنسان ونجاحه إِذا زكى نفسه وأنماها، وعلى شقاوته وخسرانه إِذا وأخفاها في المعاصي ودسّاها.
091.7.2.1.2- الآيات (8-10) تأكيد أن الله ألْهَم النفس معرفة طريق فلاحها وطريق خيبتها.
لقد سوّى الله النفس وما فيها، من: التقوى والفجور، والحب والبغض، والقصد والإرادة، وغيره؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل مولود يولد على الفطرة”، وفي صحيح مسلم “يقول الله عز وجلّ: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم”
وألهمها فجورها وتقواها: قال محمد بن كعب: إذا أراد الله بعبده خيراً ألهمه الخير فعمل به، وإذا أراد به الشر ألهمه الشر فعمل به. قال ابن زيد: جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور، واختار هذا الزجاج قال الواحدي: وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام فإن التبيين والتعليم والتعريف دون الإلهام، والإلهام أن يوقع في قلبه ويجعل فيه، وإذا أوقع الله في قلب عبده شيئاً ألزمه ذلك الشيء. قال: وهذا صريح في أن الله خلق في المؤمن تقواه، وفي الكافر فجوره.
فإذا مال إلى التقوى وترك الفجور فقد أفلح، وإذا مال إلى الفجور فقد خاب. أي قد فاز من زكاه الله ففعل فزكى نفسه وأنماها وأعلاها بالتقوى، وخسر من أضلها وأغواها. وإضافة التزكية والتدسية إلى العبد على أنه الفاعل، كما يضاف إليه الصلاة والصيام وغير ذلك من أفعال الطاعات لأن له اختيار وقدرة ومقارنة. ووحدانيّة الله، ونفي الشريك تمنع أن نجعل قدرة العبد مؤثرة خالقه.
091.7.2.2- الآيات (11-15) ذكر تعالى قصة {ثَمُودُ} قوم صالح حين كذبوا رسولهم، وطغوا وبغوا في الأرض، وعقروا الناقة التي خلقها الله تعالى لتكون معجزةً لرسوله صالح عليه السلام، وما كان من أمر هلاكهم الفظيع الذي بقي عبرةً لمن يعتبر، وهو مثال لكل كافرٍ فاجرٍ مكذب لرسل الله.
وفي القصة إنذار للمكذبين من الخسران والهلاك، وفيها عبرة تقول إن الله لا يترك الناس هملاً بدون هداية، بل يبلغهم بما فيه فلاحهم ويقيم عليهم الحجة، فليعتبروا ويؤمنوا ويزكوا أنفسهم، فهو بالإضافة إلى ما جعله من الإلهام الذي في النفس، بعث الرسول بكلامه وآياته لهدايتهم إلى طريق الفلاح وإنذارهم من طريق الخيبة. لكنهم يكذبون الرسول ولا يؤمنون ويكفرون ولا يهتدون، فيهلكهم الله بذنوبهم. وختمت بأنه تعالى لا يخاف عاقبة إِهلاكهم وتدميرهم.
091.7.3- سياقها باعتبار القصص وموضوعات الآيات الموجودة فيها:
درس من تاريخ الأمم السابقة عن قوم ثمود يؤكد عملياً حقيقة ما ورد في جواب القسم الإلهي على أنه {قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دسّاها (10)}. فقد كذبوا بسبب طغيانهم وترفعهم عن الحق الذي جاءهم واضحاً وضوح الشمس والنهار، وما قاله لهم نبيهم صالح عليه السلام محذراً لا تعقروا الناقة التي جعلها الله لكم آية عظيمة {فكذبوه فعقروها (14)} فدمر الله عليهم وعمّهم بالصيحة من فوقهم وبالرجفة من تحتهم فأصبحوا جاثمين على ركبهم. وفيه إنذار لأهل مكة بأن يلاقوا نفس المصير بسبب طغيانهم، فإن القاهر الحكيم في قضائه لا يخاف تبعات تصرفه في خلقه.
091.7.3.1- الآيات (11-15) ثلث عدد آيات السورة تتحدث عن قصّة ثمود وقد جاءهم رسولهم بالبينات وبالآيات والمعجزات الملموسة فكذبوه، فأهلكهم الله. وفي هذه القصة درس بليغ لمن يريد النجاة والفلاح، بأن لا يكذب، بل يسمع كلام الله الذي يتوافق مع الفطرة، بالإقدام واقتحام طريق الزكاة وتنمية نفسه بأعمال الخير، وعدم التواري والتخفي بالظلم والطغيان.
091.7.3.2- الآيات (1-7) حوالي نصف آيات السورة تُقسِم بمخلوقات الله العظيمة على حقيقة وصدق ما في الآيات (8-10) من الأمر بالتزكية والنهي عن التدسية.
091.7.3.3- الآيات (8-10) في الآيات تأكيد وأمر واضح ومباشر: بتزكية النفس لأن فيه الفلاح، والنهي عن تدسيتها لأن فيه الخيبة والخسران.
091.7.4- سياقها باعتبار ما ذكر فيها من الآيات والمعجزات والقصص، وقد تناولت موضوعين اثنين وهما:
091.7.4.1- الأمر بتزكية النفس الإِنسانية، وبيان ما جبَلها الله عليه من الخير والشر، والهدى والضلال.
091.7.4.1.1- الآيات (1-7) يقسم الله تعالى بآياته المعجزة العظيمة في هذا الكون وهذا النظام المحكم العجيب الدقيق، الدالة على كمال قدرته سبحانه وتعالى، وكمال علمه ورحمته: الشمس والضحى والقمر إذا تلاها دوراناً أو إضاءة، كناية عن النور والضوء؛ والنهار إذا جلّى الأرض وبيّنها، والليل إذا يغطي الأرض، وكلاهما كناية عن الوقت والزمان وما يحصل بينهما من تتابع وتبدّل النور والحرارة فتنتظم الحياة والمعايش وينبت الزرع ومنافع غيرها مما لا يعلمه إلا الله؛ خلقها في سماء واسعة عظيمة قوية، مبنية بناءاً محكماً، وترابط عجيب لا عشوائية فيه ولا تفاوت، وموزون لا تنتظم الحياة على الأرض إلا به؛ وأرض بسطها من كل جانب، مناسبة للخلق على حسب ما تقوم به حوائجهم، لافتراشها وزراعتها والضرب في أكنافها؛ ونفس وما سوّاها: خِلقة سويّة مستقيمة على الوجه الذي يناسبها، وفطرة قويمة، أعدها لقبول التكليف والكمال؛ فأفهمها وعرّفها قبح فجورها المخالف للفطرة، وحسن تقواها الموافق للفطرة.
091.7.4.1.2- الآيات (8-10) قد أفلح من زكى نفسه وأطلق عنان فطرتها، وقد خاب من أخفى استعدادها وفطرتها التي خلقت عليها بالجهالة والفسوق. من زكى نفسه بإخلاصها من الشرك وشوائب المعاصي، أو نمّاها بالعلم والعمل والوصول إلى الكمال وبلوغ الفطرة الأولى حتى تبقى زكية طاهرة نقية. وقد خاب من أرداها في المهالك والمعاصي بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله تعالى.
091.7.4.2- معصية أمر الله والتكذيب والطغيان ممثلاً في {ثَمُودُ} الذين عقروا الناقة فأهلكهم الله ودمرهم.
الآيات (11-15) يقول تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} بسبب طغيانها ومجاوزتها الحدّ في الفجور. حين قام أشقى ثمود لعقر ناقة صالح عليه السلام. وكانوا نُهوا عن مسّها بسوء، وأنذروا عاقبة المخالفة، فلم يطيعوا، وكذبوا صالحاً، وعصوا أمر ربهم، وأصرّوا على اتباع الفجور فدمدم أي أطبق عليهم العذاب، وعمّهم بالهلاك حتى لم يبق منهم أحد. إن الله لا يخاف من عاقبة هؤلاء الذين عذبهم، ولا يخاف من تبعتهم، لأنه خالق كل ما أقسم به وأكثر، وله الملك، وبيده كل شيء.
091.7.5- الإشارة إلى عدد آيات القصص والأمثال والآيات وباقي الموضوعات في السورة:
091.7.5.1- آيات القصص: (11-15) = 5 آيات.
091.7.5.2- آيات الله في السماوات والأرض: (1-8) = 8 آيات.
091.7.5.3- مقصد السورة وموضوعاتها في الآيات: (9، 10) = 2 آية.
091.8 تناسب وتناسق السورة مع غيرها من السور:
091.8.0- ولمّا استهلّت بالقسم بالمخلوقات العظيمة المتجددة في الظهور والاختفاء والمتناسقة والمتناسبة مع ما يناظرها من الزكاة والدساة في النفس البشرية، ولمّا سخّرت السماوات والأرض وما بينهما بإحكام واتزان دقيق يدلّ على كمال قدرة الله سبحانه وعلمه ورحمته وتدبيره، ودلّت بمجموعها على ثبات سنّته العادلة وفطرته القويمة بالظهور ودوام النمو والرقي بالنور والزكاة ونقيضه الخفاء والهبوط المستمرّ بالظلام والدساة، فقد أشارت بهذا وأكّدت على فلاح الإنسان ونجاحه إذا اتقى الله ونمّى نفسه وزكاها بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة التي أمره الله بها، وعلى شقاوته وخسرانه إذا طغى وتمرد وفسق وفجر ودسّاها بأعمال الفساد وسوء الخُلق ومعصية أوامر الله واقتراف نواهيه؛ وقد أكدته في بدايتها بالقسم بآيات القدرة والحكمة وحسن التدبير، وأشارت إليه في أوسطها بإلهام التقوى والفجور نظير آيات النور والظلام، وأقامت عليه في آخرها الدليل بقصة هلاك ثمود.
وقد سبقها على نفس السياق أربع سور تبيّن أسباب خيبتهم وعدم فلاحهم: ففي الأعلى إيثارهم للدنيا: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)}، وفي الغاشية غفلتهم عن البعث والحساب: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}، وفي الفجر تغييبهم عقولهم وعدم اعتبارهم، ثمّ في الآخرة ندمهم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)}، وفي البلد اختيارهم الكفر على الإيمان بعد أن هداهم الله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)}. وأعقبها كذلك أربع سور حسنة التناسق والتناسب في بيان انقسام النفوس إلى مهتدية وضالّة، وأن الله قد أعطاها وهداها وألهمها ويسّر لها مرادها ليقيم بذلك عليها الحجّة بأعمالها: ففي الليل ذكر اختلافهم في سعيهم وأعمالهم: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} إلى قوله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}، وفي الضحى أعلم بأنه خلق الإنسان ليعطيه حتى يرضيه وأن الآخرة خير من الدنيا: {وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)}، وفي الشرح أكّد سنته الثابتة بأن مع العسر يسراً وأمر بمواصلة العبادة والتقرب إليه دون سواه: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}، وفي التين أنّه خلقه في أحسن تقويم، خَلقاً وخُلُقاً، وصورة وفطرة، وإيماناً وعلماً وعملاً، فإن كذّب وخالف الفطرة ردّه أسفل سافلين: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} صدق الله العظيم.
091.8.1- قال الإمام جلال الدين السيوطي: سورة الشمس والليل والضحى: هذه الثلاثة حسنة التناسق جداً لما في مطالعها من المناسبة لما بين الشمس والليل والضحى من المناسبة، ومنها سورة الفجر لكن فصلت بسورة البلد لنكتة أهم كما فصل بين الانفطار والانشقاق وبين المسبحات لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول إنما يكون حيث لا يعارضها ما هو أقوى وآكد في المناسبة ثم إن سورة الشمس ظاهرة الاتصال بسورة البلد فإنه سبحانه لما ختمها بذكر أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة أراد الفريقين في سورة الشمس على سبيل الفذلكة فقوله في الشمس {قَد أَفلحَ مَن زكاها (9)} هم {أصحاب الميمنة (18)} في سورة البلد وقوله: {وقد خابَ من دساها (10)} في الشمس هم {أصحاب المشأمة (19)} في سورة البلد فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك السورة: ولهذا المقصود من هذه السورة الترغيب في الطاعات والتحذير من المعاصي.
ونزيد في سورة الليل: أنها تفصيل إجمال سورة الشمس، فقوله: {فأَمّا مَن أَعطى واتقى} وما بعدها، تفصيل {قَد أَفلحَ مَن زكاها} وقوله: {وأَما مَن بَخِلَ واستغنى}، تفصيل قوله: {وقَد خابَ مَن دساها} ونزيد في سورة الضحى: أنها متصلة بسورة الليل من وجهين فإن فيها {وإِنَّ لنا للآخرةُ والأُولى} وفي الضحى: {وللآخرةُ خيرٌ لكَ مِنَ الأُولى} وفي الليل {ولسوفَ يَرضى} وفي الضحى {ولسوفَ يُعطيكَ ربُكَ فترضى}.
091.8.2- وقال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم في سورة البلد تعريفه تعالى بما خلق فيه الإنسان من الكبد مع ما جعل له سبحانه من آلات النظر، وبسط له من الدلائل والعبر، وأظهر في صورة من ملك قيادة، وميز رشده وعناده {وهديناه النجدين (10)} البلد، {إنا هديناه السبيل (3)} الإنسان، وذلك بما جعل له من القدرة الكسبية، التي حقيقتها اهتمام أو لم؟ وأنى بالاستبداد والاستقلال، ثم {والله خلقكم وما تعملون (96)} الصافات، أقسم سبحانه وتعالى في هذه السورة على فلاح من اختار رشده واستعمل جهده وأنفق وجده {قد أفلح من زكاها (9)} وخيبة من غاب هداه فاتبع هواه {وقد خاب من دساها (10)} فبيّن حال الفرقين وسلوك الطريقين.
– انظر كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن، الباب الثامن: 8.1.4- القضاء والقدر.
– راجع سورة عبس (080.4.1) والتي مقصدها وموضوعاتها حول موضوع التزكية.
– راجع كتاب تسهيل فهم وتدبّر القرآن، مبحث: 7.3.3- سعادة الإنسان بالتزكية.
– انظر سورة الأعلى (087.0) خاصة الآيات (14-19) حول فلاح الإنسان وسعادته بتزكية نفسه.
– راجع سورة البينة (098.8.5): تناسب الأعلى حتى البينة (اثنتا عشرة سورة). حول موضوع أمر الإنسان بالقيام بواجبه وما فيه مصلحته وبما يحقق له السعادة والفوز.